فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم - الصفحة 6 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-01-20, 14:57   رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التوفيق بين الأمر بالعفو في بعض آيات القرآن وبين آية (وانتصروا من بعد ما ظلموا) .

السؤال

بارك الله فيكم على ثباتكم على السنة في الوقت الذي نفتقد فيه كثيراً فيمن نستطيع الاعتماد عليهم في الغرب ، في سورة الفرقان يقول الله عز و جل: ( وَعِبَادُ الرَّحْمَظ°نِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ

هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63)) بينما في سورة الشعراء يقول الله عز و جل ( وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) ، ذكر الإمام ابن كثير مع هذه الآية أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال سخروا منهم في الآية

[ فتح الباري 6/351 ] ، وأيضاً قال إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده ، لكأن ما ترمونهم به نضح النبل [أحمد 6:387] فكيف نوفق بين هذه الآيات ؟ وكيف نحقق التفسير ( سخروا منهم في الآية ) ؟


الجواب

الحمد لله

أولًا:

فإن الله سبحانه وتعالى جعل للعفو موضعًا، ولأخذ الحق موضعًا، والخلط بين المقامين يوقع في الحرج.

ولا شك أن العفو أفضل من الانتقام، لكن قد يصير العفو مفضولًا في مناطق أخرى، فمن ترتب على عفوه إضرار بغيره، أو إطلاق ليد الجاني عليه في الشر، واستمرائه له، فعليه أن يسعى في الانتصار وقتئذ

ولا تأخذه بالجاني الرأفة ولا الشفقة لأن المصلحة ثم .

وللمؤمن مع من ظلمه أحوال ثلاثة:

1- وهو أعلى المقامات أن يعفو عنه .

2- أن يمسك عن العفو عنه ليلقى الله تعالى بذنبه .

3- أن يقابل الإساءة بمثلها، وألا يزيد .

والمقام الأول أرفع وأحسن .

روى مسلم في صحيحه (587) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ .

قال النووي رحمه الله :

" مَعْنَاهُ : أَنَّ إِثْمَ السِّبَابِ الْوَاقِعِ مِنَ اثْنَيْنِ ، مُخْتَصٌّ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا كُلُّهُ ، إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الثَّانِي قَدْرَ الِانْتِصَارِ ، فَيَقُولُ لِلْبَادِئِ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ لَهُ .

وَفِي هَذَا جَوَازُ الِانْتِصَارِ ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ ، وَقَدْ تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة . قال الله تَعَالَى : ( وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عليهم من سبيل )

وَقَالَ تَعَالَى : ( وَاَلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ ينتصرون ) .

وَمَعَ هَذَا : فَالصَّبْرُ وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عزم الأمور) ، وللحديث المذكور بعد هذا : ( ما زاد اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا ) .. "

انتهى ، من شرح مسلم: (16/ 141).

وقالت طائفة من أهل العلم : إن المقصود بمدح من انتصر من ظالمه : هو أن يتمكن ممن ظلمه ، ويظهر قدرته عليه ، ثم يعفو عنه ، ويكظم غيظه .

قال ابن رجب رحمه الله

: " وأمَّا قولُهُ: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ) ، فليس منافيًا للعفوِ، فإن الانتصارَ يكونُ بإظهارِ القُدرة على الانتقامِ، ثم يقعُ العفوُ بعد ذلك، فيكونُ أتمَّ وأكملَ، قال النخعيُّ في هذهِ الآية ِ:

كانُوا يكرهونَ أن يُستذلُّوا فإذا قَدَرُوا عَفَوْا. وقال مجاهدٌ: كانوا يكرهون للمؤمنِ أن يذلَّ نفسَهُ، فيجترئُ عليه الفُسَّاقُ، فالمؤمنُ إذا بُغِي عليهِ يُظهرُ القدرةَ

على الانتقامِ، ثم يعفوُ بعدَ ذلك، وقد جَرَى مثلُ هذا لكثيرٍ من السلفِ، منهم قتادةُ وغيرُه."

انتهى من "تفسير ابن رجب" (1/331-332)

. وينظر : "تفسير ابن كثير" (7/211) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" قال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا. قال تعالى: هم ينتصرون يمدحهم بأن فيهم همة الانتصار للحق والحمية له؛ ليسوا بمنزلة الذين يعفون

عجزا وذلا؛ بل هذا مما يذم به الرجل والممدوح العفو مع القدرة والقيام لما يجب من نصر الحق لا مع إهمال حق الله وحق العباد."

انتهى، من "مجموع الفتاوى" (15/174) .

وخلاصة الجواب :

للعفو مقام، وللانتصار مقام، وقد يصير الانتقام وأخذ الحق هو الأفضل في حق الجاني، ردعًا لشره، وكفًا لأذاه .

والله أعلم








 


آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-01-20 في 15:02.
قديم 2019-01-20, 15:09   رقم المشاركة : 77
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سبب تكرار كلمة حرج وكلمة بيوتكم في آية سورة النور ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج.. )

السؤال

يقول سبحانه وتعالى في سورة النور الآية /61:( لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ

أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا

عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تعقلون ). سؤالي لماذا كرر الله سبحانه وتعالى كلمة حرج وكلمة بيوتكم مع أن البلاغة تتضمن القدرة على إيصال المعنى بوضوح بأقل

عدد من الكلمات ؟ وقال أيضا في آية أخرى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

ع الملاحظة أن الله سبحانه لم يكرر كلمة حرج للضعفاء والمرضى . ارجو التوضيح لماذا كررها في الآية الأولى ولم يكررها في الآية الثانية ؟ هل من بلاغة في هاتين الآيتين حتى جعلتها تأتي بهذه الصيغة ؟


الجواب

الحمد لله


أولًا:

التكرار في القرآن الكريم جاء على طريقة العرب في البيان، فإن "للتكرار مواضع يحسن فيها، ومواضع يقبح فيها، فأكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني، وهو في المعاني دون الألفاظ أقلّ".

أما وجوده في القرآن " فحكمته التصرف في الكلام وإتيانه على ضروب؛ ليُعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك: مبتدأ به ومتكرر".

انظر : العمدة، لابن رشيق: (2/ 73)، والبرهان، للزركشي: (1/ 112).

والبلاغة ليست هي مجرد الإيجاز في الكلام ، كما ذكر في السؤال ؛ بل هي مراعاة الكلام لمقتضى الحال، فقد يقتضي الحال طول الكلام وبسطه، فتكون البلاغة في بسطه

على طرائق البيان والفصاحة ، ومجاري لسان العرب . وقد يقتضي المقام إيجاز القول ، فتكون البلاغة في إيجازه ، مع بلوغ الغرض ، وإصابة المعنى ، وفصاحة اللفظ ، واستقامة النظم .

قال السبكي: " اعلم أن إخراج الكلام على مقتضى الحال، يكون تارة بالإيجاز والإطناب، وتارة بالمساواة، على خلاف في المساواة " عروس الأفراح: ( 1/ 575).

ثانيًا:

هذه الآية الكريمة تتحدث عن نفي الحرج عن هؤلاء الثلاثة: (الأعمى - الأعرج - المريض)، وحرج كل واحد من هؤلاء الثلاثة يختلف عن حرج الآخر، فلذلك وقع التكرار هنا .

قال العلامة ابن عاشور رحمه الله :

" هذه الآية نفي للحرج عن هؤلاء الثلاثة

فيما تجره ضرارتهم إليهم من الحرج من الأعمال ؛ فالحرج مرفوع عنهم في كل ما تضطرهم إليه أعذارهم، فتقتضي نيتهم الإتيان فيه بالإكمال ، ويقتضي العذر أن يقع منهم.

فالحرج منفي عن الأعمى في التكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيه المشي والركوب، وعن المريض في التكليف الذي يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة والغزو"

التحرير والتنوير: (18/ 300).

و"المناسبة في ذكر هذه الرخصة عقب الاستئذان: أن المقصد الترخيص للأعمى أنه لا يتعين عليه استئذان لانتفاء السبب الموجبة، ثم ذكر الأعرج والمريض إدماجا ، وإتماما لحكم الرخصة لهما للمناسبة بينهما وبين الأعمى.

وقد أذن الله للأعمى والأعرج والمريض أن يدخلوا البيوت للأكل لأنهم محاويج ، لا يستطيعون التكسب ، وكان التكسب زمانئذ بعمل الأبدان ؛ فرخص لهؤلاء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطونهم"، انظر: المصدر السابق .

ولم يقع هذا التكرار في الآية الأخرى لاشتراكهم في نفس الحكم، وهو نفي الحرج عنهم في النفقة والغزو .

ثالثًا:

أما تكرر كلمة (بيوت) في الآية الكريمة، فلعله - والله أعلم - لئلا يتوهم اشتراك الجميع في بيت واحد، فبيت كل واحد من الأصناف المذكورة مستقل عن بيت الآخر .

والخلاصة

نفى الله عز وجل الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، وكرر الله ذكر الحرج، لأن الله تعالى أراد رفع التكليف

عنهم كل بحسب المشقة التي تلحقه جراء الضر الذي أصابه، ونفى الله عنهم الحرج مجتمعين في أمر الجهاد، لأنهم اشتركوا في نفس المسألة .

وكرر الله ذكر البيوت لئلا يوهم اشتراك الجميع في بيت واحد، فلكل بيته، وكل منهم يجري على بيته ذكر الحكم .

وينظر للاستزادة جواب السؤال القادم

والله أعلم









قديم 2019-01-20, 15:15   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أوجه البلاغة في آية سورة النور : ( ليس على الأعمى حرج ..) الآية .

السؤال

من ضمن تعاريف البلاغة ، أن تستطيع إيصال المعنى المراد بأقل عدد من الكلمات في إيجاز ووضوح وقوة أسلوب لذلك هذا المنطلق على سبيل المثال يجعلني أتساءل حول البلاغة والبيان في قوله تعالى:

"لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ

أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا

دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" ألم تكن هنالك طريقة أبسط لتوصيل المراد؟ ما الاعجاز البلاغي الموجود بالاية ؟


الجواب

الحمد لله

أولًا:

نزل القرآن الكريم ، على أمة من العرب كانت الصناعة الرائجة في وقتهم ( صناعة البيان )

ومع ذلك فقد ظهر عجزهم مع توافر هممهم آنذاك على كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم وكراهي

ة ما جاء به، لقد جاء القرآن بما يعرفون ويفهمون، بيد أن واحدًا منهم لم يستطع أن يأتي بمثل القرآن، ولا بعشر سور مثله، بل ولا بسورة واحدة من القرآن .

وأمر آخر؛ أن واحدًا منهم لم يعترض على آية واحدة، فعاب أسلوبها، أو تنقص من فصاحتها، بل كانوا له مذعنين، ولبلاغته خاضعين .

يقول العلامة الشيخ محمد عبد الله دراز ، رحمه الله :

"ها نحن أولاء ندعو كل من يطلب الحق بإنصاف، أن ينظر معنا في القرآن من أي النواحي أحب: من ناحية أسلوبه، أو من ناحية علومه، أو من ناحية الأثر الذي أحدثه في العالم، وغيَّر به وجه التاريخ،

أو من تلك النواحي مجتمعة = على أن يكون له الخيرة بعد ذلك أن ينظر إليه في حدود البيئة، والعصر الذي ظهر فيه، أو يفترض أنه ظهر في أرقى الأوساط والعصور التاريخية.

وسواء علينا أيضًا أن ينظر إلى شخصية الداعي الذي جاء به، أو يلتمس شخصًا خياليًّا تجمعت فيه مَرانات الأدباء، وسلطات الزعماء، ودراسات العلماء بكافة العلوم الإنسانية .

ثم نسأله:

هل يجد فيه إلا قوة شاذة، تغلب كل مغالب، وتتضاءل دونها قوة كل عالم، وكل زعيم، وكل شاعر وكاتب، ثم تنقضي الأجيال والأحقاب، ولا ينقضي ما فيه من عجائب، بل قد تنقضي

الدنيا كلها ولما يُحِطِ الناس بتأويل كل ما فيه ( يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 53]"

النبأ العظيم: (108).

وإن غبي عن بعض الناس ذلك؛ فإن دواءه :

" أن يطيل النظر في أساليب العرب، وأن يستظهر على فهمها بدراسة طرف من علوم الأدب، حتى تستحكم عنده ملكة النقد البياني، ويستبين له طريق الحكم في مراتب الكلام وطبقاته، ثم ينظر في القرآن بعد ذلك.

وأنا له زعيم، بأن كل خطوة يخطوها في هذه السبيل ستزيده معرفة بقدره، وستحل عن نفسه عقدة

من عقد الشك في أمره؛ إذ يرى هنالك أنه كلما ازداد بصيرة بأسرار اللغة، وإحسانًا في تصريف القول، وامتلاكًا لناصية البيان، ازداد بقدر ذلك هضمًا لنفسه، وإنكارًا لقوته، وخضوعًا بكليته أمام أسلوب القرآن !!

وهذا قد يبدو لك عجيبًا، أن يزداد شعور المرء بعجزه عن الصنعة، بقدر ما تتكامل فيها قوته ويتسع بها علمه ؟!!

ولكن لا عجب؛ فتلك سنة الله في آياته التي يصنعها بيديه: لا يزيدك العلم بها، والوقوف على أسرارها، إلا إذعانًا لعظمتها، وثقة بالعجز عنها. ولا كذلك صناعات الخلق، فإن فضل العلم بها، يمكنك منها

ويفتح لك الطريق إلى الزيادة عليها؛ ومن هنا: كان سحرة فرعون هم أول المؤمنين برب موسى وهارون"

النبأ العظيم: (110).

ثانيًا:

البلاغة في الكلام هي : "مطابقته لمقتضى الحال، مع فصاحته"، انظر: عروس الأفراح: (1/ 90).

وعلى ذلك :

"فيشترط في الكلام البليغ شرطان:

الشرط الأول: أن يكون فصيح المفردات والجمل.

الشرط الثاني: أن يكون مطابقاً لمقتضى حال من يُخَاطبُ به.

ولمّا كانت أحوال المخاطبين مختلفة، وكانت كلُّ حالةٍ منها تحتاج طريقةً من الكلام تلائمها، كانت البلاغة في الكلام تستدعي انتقاء الطّريقة الأكثر ملاءمة لحالة المخاطب به،

بلُوغ الكلام من نفسه مبلغ التأثير الأمْثل المرجوّ... " .

ينظر : "البلاغة العربية"، لحبنكة (1/ 130)

وفي بيان : الأحوال التي تستدعي اختلافاً في طرائق الكلام وأساليبه .

ونحن ندعوك لمطالعة كتاب ( النبأ العظيم ) لمؤلفه الشيخ محمد دراز رحمه الله، لتقف على طرف من بلاغة القرآن، وروعة أسلوبه وبيانه .









قديم 2019-01-20, 15:15   رقم المشاركة : 79
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثًا:

أما الآية التي سألت عنها، فإن الله سبحانه " يخبر عن منته على عباده، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج؛ بل يسره غاية التيسير، فقال: ( لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ؛

أي: ليس على هؤلاء جناح، في ترك الأمور الواجبة، التي تتوقف على واحد منها، وذلك كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى، أو سلامة الأعرج، أو صحة للمريض،

ولهذا المعنى العام الذي ذكرناه، أطلق الكلام في ذلك، ولم يقيد، كما قيد قوله: ( وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ) أي: حرج (أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) أي: بيوت أولادكم، وهذا موافق للحديث الثابت:

(أنت ومالك لأبيك)، والحديث الآخر: (إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم) .

وليس المراد من قوله: (مِنْ بُيُوتِكُمْ) بيت الإنسان نفسه، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، الذي ينزه عنه كلام الله، ولأنه نفى الحرج عما يظن أو يتوهم فيه الإثم من هؤلاء المذكورين، وأما بيت الإنسان نفسه فليس فيه أدنى توهم .

(أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ) : وهؤلاء معروفون .

(أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ) أي: البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة، أو ولاية ونحو ذلك ...

(أَوْ صَدِيقِكُمْ) وهذا الحرج المنفي عن الأكل من هذه البيوت: كل ذلك، إذا كان بدون إذن .

والحكمة فيه معلومة من السياق، فإن هؤلاء المسمَّيْن قد جرت العادة والعرف، بالمسامحة في الأكل منها، لأجل القرابة القريبة، أو التصرف التام، أو الصداقة .

فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة، والشح في الأكل المذكور: لم يجز الأكل، ولم يرتفع الحرج، نظرا للحكمة والمعنى.

وقوله: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا) فكل ذلك جائز، أكل أهل البيت الواحد جميعا، أو أكل كل واحد منهم وحده . وهذا نفي للحرج، لا نفي للفضيلة؛ وإلا فالأفضل الاجتماع على الطعام.

(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا) نكرة في سياق الشرط، يشمل بيت الإنسان وبيت غيره، سواء كان في البيت ساكن أم لا ؛

فإذا دخلها الإنسان: (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: فليسلم بعضكم على بعض، لأن المسلمين كأنهم شخص واحد، من تواددهم، وتراحمهم، وتعاطفهم .

فالسلام مشروع لدخول سائر البيوت، من غير فرق بين بيت وبيت، والاستئذان تقدم أن فيه تفصيلا في أحكامه .

ثم مدح هذا السلام فقال: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) أي: سلامكم بقولكم: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) ، أو : (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) ؛ إذ تدخلون البيوت، (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: قد شرعها لكم

وجعلها تحيتكم، (مُبَارَكَةً)، لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة، (طَيِّبَةً) لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيب نفس للمحيا، ومحبة وجلب مودة.

لما بين لنا هذه الأحكام الجليلة : (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ) الدالات على أحكامه الشرعية وحكمها، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) عنه فتفهمونها، وتعقلونها بقلوبكم

ولتكونوا من أهل العقول والألباب الرزينة، فإن معرفة أحكامه الشرعية على وجهها، يزيد في العقل، وينمو به اللب، لكون معانيها أجل المعاني، وآدابها أجل الآداب، ولأن الجزاء من جنس العمل

فكلما استعمل عقله، للعقل عن ربه، وللتفكر في آياته التي دعاه إليها، زاده من ذلك... "

انتهى، من " تفسير الشيخ السعدي: (575).

رابعًا:

ونحن نعجز عن بيان بلاغة هذه الآية، وعظيم معانيها، غير أننا سنذكر لك طرفًا من لطائفها، فمن ذلك:

1- نص الله تعالى على نفي الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض بالتفصيل

لأن الحرج منفي عن الأعمى في التكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط فيه المشي والركوب، وعن المريض في التكليف الذي يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة والغزو.

ولكن المناسبة في ذكر هذه الرخصة عقب الاستئذان: أن المقصد الترخيص للأعمى أنه لا يتعين عليه استئذان لانتفاء السبب الموجبة.

ثم ذكر الأعرج والمريض إدماجا وإتماما لحكم الرخصة لهما للمناسبة بينهما وبين الأعمى.

2- وأما مناسبة عطف هذه الرخص على رخصة الأعمى، على تقدير أنه منفصل عنه: هو تعلق كليهما بالاستئذان، والدخول للبيوت، سواء كان لغرض الطعام فيها، أو كان للزيارة ونحوها، لاشتراك الكل في رفع الحرج .

وعلى تقدير أنه متصل به على قول الجمهور، فاقتران الجميع في الحكم: هو الرخصة للجميع في الأكل، فأذن الله للأعمى والأعرج والمريض أن يدخلوا البيوت للأكل، لأنهم محاويج لا يستطيعون التكسب

وكان التكسب زمانئذ بعمل الأبدان؛ فرخص لهؤلاء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطونهم.

3- أنه نص على الصديق، وجعل في مرتبة القرابة، لما هو موقور في النفوس من محبة الصلة مع الأصدقاء.

5- أعيدت جملة: (ليس عليكم جناح) تأكيدا للأولى في قوله: (ولا على أنفسكم) إذ الجناح والحرج كالمترادفين. وحسَّنَ هذا التأكيدَ: بُعْدُ ما بين الحال وصاحبها،

وهو واو الجماعة في قوله: (أن تأكلوا من بيوتكم)، ولأجل كونها تأكيدًا، فصلت بلا عطف.

6- وفي قوله سبحانه: (فإذا دخلتم بيوتًا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون).

تفريع على الإذن لهم في الأكل من هذه البيوت بأن ذكرهم بأدب الدخول المتقدم في قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) [النور: 27]

لئلا يجعلوا القرابة والصداقة والمخالطة مبيحة لإسقاط الآداب، فإن واجب المرء أن يلازم الآداب مع القريب والبعيد، ولا يغرنه قول الناس: إذا استوى الحب سقط الأدب.

7- وفي قوله (فسلموا) ولم يذكر غيرها، لأن لفظ السلام يجمع معنيين: لأنه مشتق من السلامة فهو دعاء بالسلامة، وتأمين بالسلام، لأنه إذا دعا له بالسلامة، فهو مسالم له، فكان الخبر كناية عن التأمين .

وإذا تحقق الأمران: حصل خير كثير، لأن السلامة لا تجامع شيئا من الشر في ذات السالم، والأمان لا يجامع شيئا من الشر يأتي من قبل المعتدي، فكانت دعاء ترجى إجابته، وعهدا بالأمن يجب الوفاء به. وفي كلمة (عليكم) :

معنى التمكن، أي السلامة مستقرة عليكم.

ولكون كلمة (السلام) جامعة لهذا المعنى، امتن الله على المسلمين بها، بأن جعلها من عند الله؛ إذ هو الذي علمها رسوله بالوحي.

8- وجملة (كذلك يبين الله لكم الآيات) تكرير للجملتين الواقعتين قبلها في آية الاستئذان

لأن في كل ما وقع قبل هذه الجملة بيانا لآيات القرآن، اتضحت به الأحكام التي تضمنتها، وهو بيان يرجى معه أن يحصل لكم الفهم، والعلم بما فيه كمال شأنكم.

يُنظر: التحرير والتنوير: (18/ 299 - 305).

وينظر أيضا ، للفائدة :

"روائع البيان في تفسير آيات الأحكام" (2/ 226 - 228) .

خلاصة الجواب :

تضمن القرآن لأعلى درجات الفصاحة والبيان، ومن ذلك آيات سورة النور ؛ غير أن إدراكها ، والتمرس ببلاغة القرآن ، يحتاج دربة من القارئ ، وإلماما بطرائق العرب في بيانها ، ومعرفة بأساليب البلغاء، وأسرار جمالها .

والله أعلم









قديم 2019-01-20, 15:19   رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

معنى قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) .

السؤال


سمعت بعض المشايخ المعتبرين يقول : بأن قول الطحاوي في عقيدته المشهورة وكل أمر عليه يسير ، يعني بذلك أن ليس عند الله يسير وعسير ، وإنما استخدم اللفظة حتى نستوعب المعنى

سوال ما هو الضابط في هذا؟ وأيضاً في مثل قوله تعالى و: (هو أهون عليه ) ؟


الجواب

الحمد لله

أولا :

قول الطحاوي "وكل أمر عليه يسير" ، ليس فيه ما يحتاج إلى توضيح .

وليس في كلامه رحمه الله مفاضلة بين أمرين ، بأن هذا الأمر يسير على الله ، والأمر الآخر أيسر ، حتى نستشكل قوله .

والقرآن مليء بالآيات الدالة على يُسْر الأمور عليه سبحانه وتعالى .

وهذا اليسر عليه سبحانه بمنزلة واحدة لا تفاوت بينها

وليس هناك يسير وأيسر ، أو يسير وأعسر منه .

كما قال سبحانه تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) سورة العنكبوت: 19.

وقال سبحانه (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) سورة النساء/3.

والآيات في ذلك كثيرة .

ثانيا :

أما معنى قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) سورة الروم/27 .

فهو من باب ضرب المثل العقلي للرد على منكري البعث وبيان تناقضهم ؛ كيف يقرون بالخلق الأول ، ويستبعدون الإعادة مرة أخرى .

وإلا فمن المعلوم أن إيجاد الخلق ابتداء وإعادة ، لا تفاوت فيه بالنسبة لقدرة الله عزو وجل (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) سوءة يس/82

وقد أحصى ابن الجوزي في هذه الآية أربعة أقوال .

قال في "زاد المسير" (3/420) :

"وفيه أربعة أقوال: أحدها: أن الإِعادة أهون عليه من البداية، وكُلُّ هيِّنٌ عليه، قاله مجاهد، وأبو العالية.

والثاني: أنّ "أهون" بمعنى "هين" عليه، فالمعنى: وهو هيِّن عليه، وقد يوضع "أفعل" في موضع "فاعل" ، ومثله قولهم في الأذان:

الله أكبر، أي: الله كبير، قال الفرزدق:

إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنى لَنَا ...
بَيْتاً دعَائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ

وقال معن بن أوس المزني:

لَعَمْرُكَ مَا أدْري وإِنِّي لأوجَلُ ..
. على أيِّنا تغدو المَنِيَّةُ أَوَّلُ

أي: وإِنِّي لَوَجِل، وقال غيره:

أصبحتُ أمنحُك الصُّدودَ وإِنَّني ...
قسماً إِليك مع الصُّدود لأَمْيَلُ

وأنشدوا أيضاً:

تَمَنَّى رِجالٌ أنْ أموت وإن أمت ...
فتلك سبيل لست فيها بأَوْحَدِ

أي: بواحد .

هذا قول أبي عبيدة، وهو مرويّ عن الحسن، وقتادة.

وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو عمران الجوني، وجعفر بن محمد: (وهو هَيِّن عليه) .

والثالث: أنه خاطب العباد بما يعقلون، فأعلمهم أنه يجب أن يكون عندهم البعث أسهل من الابتداء، في تقديرهم وحُكمهم، فمن قَدَرَ على الإِنشاء، كان البعثُ أهونَ عليه .

هذا اختيار الفراء، والمبرد، والزجاج، وهو قول مقاتل.

وعلى هذه الأقوال الثلاثة تكون الهاء في عليه عائدة إلى الله عزّ وجلّ.

والرابع: أن الهاء تعود على المخلوق، لأنه خلَقه نطفة ثم علقة ثم مضغة، ويوم القيامة يقول له كن فيكون، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وهو اختيار قطرب" انتهى .

والقول الثالث هو أقوى الوجوه ، ونسبه البغوي إلى مجاهد وعكرمة .

قال البغوي : "وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ : أَيْ : أَيْسَرُ ؛ وَوَجْهُهُ :

أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ ضرب المثل ، أَيْ : هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ، عَلَى مَا يَقَعُ فِي عُقُولِكُمْ، فَإِنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي عُقُولِ النَّاسِ : أَنَّ الْإِعَادَةَ تَكُونُ أَهْوَنَ مِنَ الْإِنْشَاءِ" انتهى من "تفسير البغوي" (3/576) .

وقال ابن عاشور :

"وَلَمَّا كَانَ إِنْكَارُهُمُ الْإِعَادَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، مُتَضَمِّنًا تَحْدِيدَ مَفْعُولِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ

جَاءَ التَّنَازُلُ فِي الِاسْتِدْلَالِ إِلَى أَنَّ تَحْدِيدَ مَفْعُولِ الْقُدْرَةِ لَوْ سَلَمَ لَهُمْ لَكَانَ يَقْتَضِي إِمْكَانَ الْبَعْثِ بِقِيَاسِ الْأَحْرَى فَإِنَّ إِعَادَةَ الْمَصْنُوعِ مَرَّةً ثَانِيَةً أَهْوَنُ عَلَى الصَّانِعِ مِنْ صَنْعَتِهِ الْأُولَى..

فَظَاهِرُهُ أَنَّ أَهْوَنُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْمُفَاضَلَةِ عَلَى طَرِيقَةِ إِرْخَاءِ الْعِنَانَ وَالتَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ، أَيِ الْخَلْقُ الثَّانِي أَسْهَلُ مِنَ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ... وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ تَقْرِيبٍ لِأَفْهَامِهِمْ عَقَّبَ

بِقَولِهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ ثَبُتَ لَهُ وَاسْتَحَقَّ الشَّأْنَ الْأَتَمَّ الَّذِي لَا يُقَاس بشؤون النَّاسِ الْمُتَعَارَفَةِ وَإِنَّمَا لِقَصْدِ التَّقْرِيبِ لِأَفْهَامِكُمْ"

انتهى من "التحرير والتنوير" (21/83) .

وقال الشيخ ابن عثيمين :

"فهذه دلالة عقلية; فالعقل يؤمن إيمانا كاملا بأن من قدر على الابتداء فهو قادر على الإعادة من باب أولى"

انتهى من "القول المفيد" (2/433) .

وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في سياقه لهذه الآيات ، وتفسيره لها :

" ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ *

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) .

أي: ومن آياته العظيمة أن قامت السماوات والأرض ، واستقرتا وثبتتا بأمره فلم تتزلزلا ولم تسقط السماء على الأرض، فقدرته العظيمة التي بها أمسك السماوات

والأرض أن تزولا يقدر بها أنه إذا دعا الخلق دعوة من الأرض إذا هم يخرجون (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ)

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) الكل خلقه ومماليكه المتصرف فيهم من غير منازع ولا معاون ولا معارض وكلهم قانتون لجلاله خاضعون لكماله.

(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ) أي: الإعادة للخلق بعد موتهم (أَهْوَنُ عَلَيْهِ) من ابتداء خلقهم وهذا بالنسبة إلى الأذهان والعقول، فإذا كان قادرا على الابتداء الذي تقرون به

كانت قدرته على الإعادة التي أهون أولى وأولى.

ولما ذكر من الآيات العظيمة ما به يعتبر المعتبرون ويتذكر المؤمنون ويتبصر المهتدون ذكر الأمر العظيم والمطلب الكبير فقال: (وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) وهو كل صفة كمال

والكمال من تلك الصفة والمحبة والإنابة التامة الكاملة في قلوب عباده المخلصين والذكر الجليل والعبادة منهم. فالمثل الأعلى هو وصفه الأعلى وما ترتب عليه.

ولهذا كان أهل العلم يستعملون في حق الباري قياس الأولى، فيقولون:

كل صفة كمال في المخلوقات فخالقها أحق بالاتصاف بها على وجه لا يشاركه فيها أحد، وكل نقص في المخلوق ينزه عنه فتنزيه الخالق عنه من باب أولى وأحرى.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الحكيم) أي: له العزة الكاملة والحكمة الواسعة، فعزته أوجد بها المخلوقات وأظهر المأمورات، وحكمته أتقن بها ما صنعه وأحسن فيها ما شرعه. " .

انتهى، من " تفسير السعدي" (640) .

والله أعلم .









قديم 2019-01-20, 15:27   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل يوجد في القرآن ما يدل على عذاب محدد لقوم إبراهيم أو قوم عيسى ؟

السؤال


لدي تساؤل عن قوم إبراهيم وقوم عيسى عليهما السلام ، فهؤلاء القوم اعتدوا على رسلهم ، وحاولوا قتلهم ، ولكن لم أجد في القرآن مايبين أن الله عز وجل أنزل عذاب على هؤلاء القوم

الذين قاموا بمحاولة حرق ابراهيم ، أو الذين قاموا لصلب وقتل عيسى ، مثل مانزل من عذاب على قوم نوح ، وعاد ، وثمود ، وغيرهم إلى قوم موسى ، فماهو تعليل وتفسير هذا ؟ا


الجواب

الحمد لله


أولًا:

لم يقع في القرآن المجيد ذكر لعقوبة الله تعالى لقوم إبراهيم، ولقوم عيسى عليه السلام، إلا ما ورد مجملًا، في آيات منها، قوله سبحانه: أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ

وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) [التوبة: 70]، وقوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43)

وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا

فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)] [الحج].

وقوله تعالى عن بني إسرائيل: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ

عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) [المائدة].

ثانيًا:

أما ما ذكره أهل التفسير والتاريخ عن عذاب هؤلاء القوم، فنذكر منه ما يلي:

1- ما ورد في عقوبة قوم إبراهيم:

أن الله تعالى سلط عليهم البعوض فأهلكهم، وأذلهم الله تعالى بتلك الحشرة، وقد ذكر هذا الطبري في التاريخ: (1/ 287)، والتفسير: (11/ 554)، وابن كثير في البداية: (1/ 345).

وذكر بعضهم، أن الله أهلك ملكهم بالأكاديين، فسلطوا عليهم، ودمروا ملكهم

انظر: موجز التاريخ: (17).

2- ما ورد في عقوبة قوم عيسى:

فقد ذكروا أن عيسى عليه السلام دعا عليهم فمسخوا قردة وخنازير

انظر: تفسير الطبري: (8/ 587 - 591)

التفسير البسيط: (7/ 490)

والمحرر الوجيز: (2/ 223) .

لكن: ذكر ابن عطية أن " ذكر المسخ ليس مما تعطيه ألفاظ الآية، وإنما تعطي ألفاظ الآية أنهم لعنهم الله ، وأبعدهم من رحمته ، وأُعلِم بذلك العباد المؤمنون على لسان داود النبي في زمنه، وعلى لسان عيسى في زمنه ".

وأما تفسير ذلك ، أو وجه الحكمة منه : فلم نقف على أحد من أهل العلم ، فسره ، أو تعرض لذكر حكمته . فالله أعلم بحقيقة الحال .

خلاصة الجواب :

لم يثبت في القرآن عقوبة مفصلة لقوم إبراهيم وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما، لكن أورد أهل التفسير والتاريخ عقوبات مفصلة لهم .

والله أعلم









قديم 2019-01-20, 15:32   رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يسأل : كيف وثق يعقوب عليه السلام في أبنائه مرة أخرى وأرسل معهم أخو يوسف في المرة الثانية ؟

السؤال

أريد أن أسال عن سيدنا يعقوب عليه سلام في قصته مع أولاده ويوسف عليه سلام ، وذلك أنه عندما طلب منه أولاده أن يرسل يوسف معهم وافق على ذلك

مع علمه بأنهم يغارون منه ، ثم بعد ذالك عندما طلبوا منه أن يرسل معهم أخا يوسف أيضا وافق على ذالك ، مع أنهم خانوه في المرة الأولى ، فما الحكمة وراء ذالك ؟


الجواب

الحمد لله

أولًا:

أما أخذهم ليوسف في المرة الأولى، فإنما كان بعد مراجعة ليعقوب عليه السلام، وإلحاح في أخذه معهم .

قال الله تعالى : ( قَالُوا يَاأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ ) يوسف /11-14

قال ابن كثير رحمه الله :

" وقد أخذوه من عند أبيه ، فيما يظهرونه له إكراما له، وبسطا وشرحا لصدره، وإدخالا للسرور عليه .

فيقال: إن يعقوب عليه السلام، لما بعثه معهم ضمه إليه، وقبله ودعا له...

قال الله تعال: (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) يقول تعالى ذاكرا لطفه ورحمته وعائدته ، وإنزاله اليسر في حال العسر: إنه أوحى إلى يوسف في ذلك الحال الضيق

تطييبا لقلبه، وتثبيتا له: إنك لا تحزن مما أنت فيه، فإن لك من ذلك فرجا ومخرجا حسنا، وسينصرك الله عليهم، ويعليك ويرفع درجتك، وستخبرهم بما فعلوا معك من هذا الصنيع" .

انتهى. "تفسير ابن كثير" : (4/ 374)

وانظر تفسير الطبري: (13/ 29).

وقال ابن عاشور: " تفريع حكاية الذهاب به والعزم على إلقائه في الجب على حكاية المحاورة بين يعقوب- عليه السلام- وبنيه في محاولة الخروج بيوسف- عليه السلام- إلى البادية يؤذن

بجمل محذوفة فيها ذكر أنهم ألحوا على يعقوب- عليه السلام- حتى أقنعوه فأذن ليوسف- عليه السلام- بالخروج معهم، وهو إيجاز"

التحرير والتنوير: (12/ 233).

ثانيًا:

وأما في المرة التالية ، فقد قص الله شأن إخوة يوسف ، مع أخيهم بنيامين، وكيف حاولوا مع أبيهم ، حتى وافقهم في نهاية الأمر ، وأسلم لهم أخاهم بنيامين ، بناء على ما ذكروه من رغبة وحاجة .

قال معين الدين الإيجي رحمه الله :

" (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ): بعد ذلك إن لم نذهب بأخينا .

(فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ): نحن وهو الطعام، ونرفع المانع من الكيل . (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .

(قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ) : فإنكم ذكرتم في يوسف مثل ما ذكرتم هنا بعينه ؛ فهل يكون أماني هنا إلا كأماني هنالك ؟ أي : كما لا يحصل الأمان هناك، لا يحصل هنا!

(فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا) فأعتمد عليه .. (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ): فالله أسأل أن يرحمني بحفظه ... "

ثم قال :

" (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ)، تعطوني، (مَوْثِقًا مِنَ اللهِ): عهدًا مؤكدًا بذكر الله تعالى، (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ) جواب القسم إذ معناه حتى تحلفوا لَتَأْتُنَّنِي، (إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ): إلا أن تغلبوا فلا تقدروا على إتيانه أو إلا أن تهلكوا جميعًا

أي: لتأتنني على كل حال ، إلا حال الإحاطة بكم، (فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ): يعقوب، (اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ): من العهد، (وَكِيلٌ): مطلع ويمكن أن يكون معناه الله تعالى وكيل على حفظ ذلك العهد نَكِلُ أمره إليه "

انتهى، "جامع البيان" للإيجي (2/226) .

فيعقوب عليه السلام ، إنما سلمه إليهم لما ذكروه من الحاجة إلى بعثه معهم ، وهو لم ينس ما فعلوه أول مرة

ولكنه استوثق منهم ، بما استطاع من أيمانهم ، وعهودهم ؛ وتوكل على الله في حفظ ولده ورده إليه ، فبحفظ الله وكفايته كانت ثقته ، لا بمجرد الأيمان التي بذلوها .

جاء في التفسير الوسيط ، ط مجمع البحوث الإسلامية (5/352) :

" (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ ) :

أَي : لم يحدث منكم ما يقتضي الاطمئنان على وعودكم، فقد وعدتموني من قبل بالمحافظة على أَخيه يوسف

وجئتموني بدونه ، وزعمتم أَن الذئب أكله ؛ فهل آمنكم على بنيامين إلا بالصورة التي أَمنتكم بها على أَخيه. دون أَي يتغير حالكم، ويدعوني إلى الاطمئنان لوعودكم ؟!

(فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) : أَي فالله خير منكم

ومن سواكم ، حافظًا، وهو أَرحم الراحمين، فلذا أَكِل أَمر حفظه إِلى فضله ورحمته سبحانه، ولا أَعتمد في ذلك عليكم ، فقد جربتكم فما وجدت فيكم وفاءً بوعد، ولا حفظًا لعهد." انتهى .

وقيل : بل تغيرت حالهم ، وظهر من قرائن صدقهم : ما ساعد على أن يسلمه إليهم ، ويستأمنهم عليه ، حتى قيل : إنهم نزلت عليهم النبوة في هذا الوقت ، وإن كان الأظهر أن ذلك لم يكن

وأنهم لم يكونوا أنبياء . لكن : ليس أقل من أنهم من أهل بيت نبوة ، وأن نوازع الشر ليست مستمكنة فيهم ، وإن نزغ الشيطان بينهم وبين أخيهم يوسف ، حتى كان منهم ما كان .

قال ابن عطية رحمه الله :

" وتألم يعقوب عليه السلام من فرقة بنيامين، ولم يصرح بمنعهم من حمله، لما رأى في ذلك من المصلحة، لكنه أعلمهم بقلة طمأنينته إليهم. وأنه يخاف عليه من كيدهم، ولكن ظاهر أمرهم أنهم كانوا نبئوا

وانتقلت حالهم، فلم يخف كمثل ما خاف على يوسف من قبل، لكن أعلم بأن في نفسه شيئا، ثم استسلم لله تعالى، بخلاف عبارته في قصة يوسف."

انتهى، "المحرر الوجيز" (3/259-260) .

وقال أبو حيان رحمه الله :

" وَلَمْ يُصَرِّحْ بِمَنْعِهِ مِنْ حَمْلِهِ لَمَّا رَأَى فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ. وَشَبَّهَ هَذَا الِائْتِمَانَ فِي ابْنِهِ هَذَا بِائْتِمَانِهِ إِيَّاهُمْ فِي حَقِّ يُوسُفَ. قُلْتُمْ فِيهِ: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، كَمَا قُلْتُمْ

فِي هَذَا، فَأَخَافُ أَنْ تَكِيدُوا لَهُ كَمَا كِدْتُمْ لِذَلِكَ، لَكِنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ كَمَا خَافَ عَلَى يُوسُفَ، وَاسْتَسْلَمَ لِلَّهِ وَقَالَ: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا"

انتهى، "البحر المحيط" (6/259) .

والحاصل :

أن الحاجة كانت داعية لإرسال أخيهم معهم في المرة الثانية ، والمصلحة كانت في ذلك ظاهرة ، وقد تغلب يعقوب عليه السلام على داعي الخوف والوجل منهم : بما أخذه عليهم من العهود والمواثيق .

مع أن حالهم مع بنيامين ، لم تكن داعية لأن يفعلوا به مثل ما فعلوا بيوسف عليه السلام ، لا سيما وقد رأوا من وجد أبيهم به ، وحزنه عليه ، ما يمنعهم من معاودة ذلك .

والله أعلم .









قديم 2019-01-20, 15:39   رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

تفسير قوله تعالى : (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)

السؤال

أرجو من فضيلتكم إجابتي عن توضيح هذه الآية في سورة الطلاق يقول الله تعالى: ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ

عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) فما المراد فأمسكوهن بمعروف بعد نهاية العدة أم قبل نهايتها ؟


الجواب

الحمد لله

أولًا:

قوله: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية [الطلاق: 2].

يقول تعالى: فإذا بلغت المعتدات أجلهن، أي: شارفن على انقضاء العدة، وقاربن ذلك، ولكن لم تفرغ العدة بالكلية .

فحينئذ : إما أن يعزم الزوج على إمساكها، وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده. (بمعروف) أي: محسنا إليها في صحبتها .

وإما أن يعزم على مفارقتها (بمعروف) أي: من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف، بل يطلقها على وجه جميل ، وسبيل حسن.

وقوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم) أي: على الرجعة إذا عزمتم عليها.

وقوله: (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي: هذا الذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة، إنما يأتمر به من يؤمن بالله وأنه شرع هذا، ومن يخاف عقاب الله في الدار الآخرة.

انظر هذا المعنى في تفسير الطبري: (23/ 40)، تفسير القرطبي: (18/ 157)

زاد المعاد: (5/ 592)، تفسير ابن كثير: (8/ 154)

البرهان في علوم القرآن: (2/ 292).

يقول الشيخ السعدي رحمه الله :

" وقوله: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أي: إذا قاربن انقضاء العدة، لأنهن لو خرجن من العدة، لم يكن الزوج مخيرًا بين الإمساك والفراق.

(فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي: على وجه المعاشرة [الحسنة] ، والصحبة الجميلة، لا على وجه الضرار، وإرادة الشر والحبس، فإن إمساكها على هذا الوجه، لا يجوز .

(أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي: فراقًا لا محذور فيه، من غير تشاتم ولا تخاصم، ولا قهر لها على أخذ شيء من مالها ". انتهى .

ثانيًا:

إذا طلق الرجل زوجته ، وكانت هذه الطلقة هي الأولى ، أو الثانية ، ولم تخرج من العدة [ بأن تضع حملها إن كانت حاملاً ، أو تمر عليها ثلاث حيضات ] ، فيمكن أن يراجع زوجته بقوله : راجعتك أو أمسكتك

فتصح الرجعة ، أو بفعل ينوي به الرجعة ، كما لو جامعها بنيّة الرجعة فتحصل الرجعة أيضاً .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









قديم 2019-01-22, 17:58   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
ERTHCEROKO
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا










قديم 2019-01-25, 15:29   رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة erthceroko مشاهدة المشاركة
افَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

بارك الله فيك









قديم 2019-01-25, 15:33   رقم المشاركة : 86
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



الحكمة من جمع اليد في قوله: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)

السؤال


حد السرقة عند القرآنيين هو منع يد السارق وذلك بطرده من عمله أو حبسه وليس البتر فما صحة هذا وكيف الرد عليه- " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

" ويحتجون بكلمة (أيديهما) ويقلون ليست (يديهما) لأن يد السارق ويد السارقة تساوي يديهما بالمثنى و ليست أيديهما بالجمع كما في الآية وأن الايد تدل على السلطة والنفوذ كما في آية (داوود ذو الأيد) لهذا يجب

نع سلطة السارق بطرده من عمله او حبسه ؟

مع اني اراه مجرد سؤال متلاعب لأنه كان الاولى بهم ان يدعون الى قطع كلتا يدي السارق فذلك اقرب معنى ومنطق وقرانا وسنة الا اني اريد سماع ردكم امتثالا لأمر الله حينما قال (فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون)


الجواب

الحمد لله

أولا:

من زعم الاكتفاء بالقرآن وأعرض عن السنة فهو ضال ضلالا بينا، وكافر بنعمة الله في إرسال رسول يفصل كتابه ، ويبين لنا ما أنزل إلينا

كما قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44

ومن الخطأ مناقشة هؤلاء في الفروع مع فساد الأصل، فإن ما بني على باطل فهو باطل .

وهؤلاء لما حرموا أنفسهم من السنة ، لم يكن أمامهم في فهم القرآن إلا القول على الله بلا علم، وهو كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب،

لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.

وينظر في بيان ضلال من يسمون بالقرآنيين: جواب السؤال القادم

ثانيا:

ما حكيته عن هؤلاء بشأن قطع السارق : نموذج من ضلالاتهم وانحرافاتهم، ودلالة على جهلهم بالشرع، وباللغة، فإن (الأيد) في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) مفرد ليس جمعا، والأيد: القوة.

وأما في آية السرقة، فالأيدي جميع يد، وإنما جاء التعبير بالجمع لا بالتثنية، لحِكَم، منها أنه لم يُرد سارقا واحدا أو سارقة واحدا، وإنما أراد جنس السراق.

ومنها أن لغة العرب تميز بين أعضاء الإنسان، فما يوجد في الإنسان منه عضو واحد ، أو أريد منه عضو واحد : فإنه عند التثنية يجمع، كقوله: (قد صغت قلوبكما).

قال السمعاني في تفسيره (2/ 36): " فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ أَيْدِيهِمَا وَالْمَذْكُور اثْنَان، وَلم يقل: يديهما؟

قيل: لم يرد بِهِ سَارِقا وَاحِدًا، أَو سارقة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا ذكر الْجِنْس؛ فَلذَلِك ذكر الْأَيْدِي.

قَالَ الْفراء، والزجاج: كل مَا يوحد فِي الْإِنْسَان، فَإِذا ذكر مِنْهُ اثْنَان يجمع؛ يَقُول الله - تَعَالَى - فقد صغت قُلُوبكُمَا وَتقول الْعَرَب: مَلَأت ظهورهما وبطونهما ضربا

وَلكُل وَاحِد ظهر وبطن وَاحِد، فَكَذَلِك الْيَمين للْإنْسَان وَاحِدَة؛ فَيجمع عِنْد التَّثْنِيَة" انتهى.

وقال الكرماني رحمه الله في غرائب التفسير (1/ 330): " وإنما جمع، لأن أعضاء الوتر ، إذا نسب إلى إنسانين : جُمع في موضع التثنية، كقوله: (صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) ، و (حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا).

قال الفراء: لأن الغالب في الأعضاء الشفع ، فأجرى الوتر مجرى الشفع .

وهذا فيه بعد؛ لأنه يؤدي إلى الالتباس. والجواب المرضي: أن التثنية في الأصل جمعٌ ، لوجود معنى الجمع فيه، فأفرد للثنية صيغة حيث يقع التباس، وحيث لم يقع : رُدّ إلى الأصل" انتهى.

وقال ابن عطية رحمه الله في تفسيره (2/ 189): " فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما :

جمع الأيدي ، من حيث كان لكل سارق يمين واحدة ، وهي المعرضة للقطع في السرقة أولا، فجاءت للسراق أيد ، وللسارقات أيد، فكأنه قال: اقطعوا أيمان النوعين، فالتثنية في الضمير إنما هي للنوعين.

قال الزجاج عن بعض النحويين: إنما جعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد جمعا ، كقوله: صَغَتْ قُلُوبُكُما [التحريم: 4] ، لأن أكثر أعضائه فيه منه اثنان، فحمل ما كان فيه الواحد على مثال ذلك.

قال أبو إسحاق: وحقيقة هذا الباب : أن ما كان في الشيء منه واحد : لم يُثنَّ ، ولُفِظ به على لفظ الجمع ، لأن الإضافة تبينه. فإذا قلت: أشبعتُ بطونَهما، عُلم أن للاثنين بطنان.

قال القاضي أبو محمد: كأنهم كرهوا اجتماع تثنيتين في كلمة" انتهى.

وقال السمين الحلبي في الدر المصون (4/ 262): " قوله: أَيْدِيَهُمَا جمعٌ واقعٌ موقعَ التثنيةِ ، لأمْنِ اللَّبْس، لأنه معلومٌ أنه يُقْطَعُ مِنْ كلِّ سارقٍ يمينه، فهو من باب صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم: 4] .

ويدل على ذلك قراءةُ عبد الله: فاقطعوا أيمانَهما واشترط النحويون في وقوعِ الجمع موقعَ التثنية شروطاً، ومن جملتها: ان يكون ذلك الجزءُ المضافُ مفرداً من صاحبِه ، نحو: قلوبكما

و رؤوس الكبشين ، لأمن الإِلباس بخلافِ العينين واليدين والرجلين، لو قلت: فَقَأْتُ أعينَهما ، وأنت تعني عينيهما، وكَتَّفْتُ أيديَهما ، وأنت تعني يديهما لم يَجُزْ ، لِلَّبْسِ .

فلولا أنَّ الدليل دَلَّ على أن المراد : اليدان ، اليمنيان ؛ لَما ساعَ ذلك .

وهذا مستفيضٌ في لسانهم - أعني وقوعَ الجمعِ موقعَ التثنيةِ بشروطِه - قال تعالى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم: 4] " انتهى.

وقال ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير (6/ 190): " وَجُمِعَ الْأَيْدِي بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِ نَوْعِ السَّارِقِ. وَثُنِّيَ الضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ الصِّنْفَيْنِ ، الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى .

فَالْجَمْعُ هُنَا : مُرَادٌ مِنْهُ التَّثْنِيَةُ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التَّحْرِيم: 4] " انتهى.

وقال السيد رشيد رضا رحمه الله في المنار (6/ 314):

" وإنما جمع اليد، ولم يقل يديهما ; لأن فصحاء العرب يستثقلون إضافة المثنى إلى ضمير التثنية ; أي الجمع بين تثنيتين، ومثله قوله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما) (66: 4) " انتهى.

فتحصل من هذا : أن الجمع جار على لغة العرب في مثله، وأنه يفضّل على التثنية؛ لخفته، مع أمن اللبس، لأنه معلوم أنه تقطع يد واحدة، ولمراعاة الكلام على جنس السراق.

وقد بينت السنة الصحيحة من أين تقطع اليد، كما بينت النصاب الذي تقطع فيه، وهذا دليل على أنه لا يمكن الاكتفاء بالقرآن.

ثالثا:

أما تفسير القطع بالحبس أو الطرد من العمل، فهو تفسير سمج بارد، بل تحريف ظاهر لا يعرف من لغة ولا شرع .

وكان على ضلالهم وظاهريتهم أن يقولوا: تقطع اليدان من السارق، ليتم الجمع، فلم عدلوا عن هذا؟!

هل راعوا السنة ، أم الإجماع ، أم لغة العرب ، أم تفسير المفسرين ؟؟!

فالأمر كما ذكرت، وأنه يلزمهم على ظاهر هذه الكلمة أن يقولوا: تقطع يدا السارق، لا أن يحرفوا معنى القطع بما لا تدل عليه اللغة.

والله أعلم.










قديم 2019-01-25, 15:40   رقم المشاركة : 87
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

كيف نرد على من يسمون بــ " القرآنيين " ؟

السؤال

هناك أخت لصديقتي ترمي بشبهات أنها تؤمن بالقرآن فقط ، والأحاديث تأخذ ما يوافق صريح القرآن عن طريق رأيها وعقلها كما تقول ، وتنكر الروايات وتعتبرها أساطير الأولين بحجة أنها لم تر الرواة ، فكيف نرد عليهم ؟

الجواب

الحمد لله

أولا :

لا شك أن من يطعن في السنة المطهرة وحجيتها إنما يطعن في دين الله ، ويطعن في أمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمناء من بعده من أصحابه رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان

وأتباعهم من السلف الكرام ، ومن تبعهم من الأئمة الأعلام ، ومن طعن في السنة طعن في القرآن ، لأن حملة القرآن وحفظته هم حملة السنة وحفظتها .

ومن طعن في السنة طعن في أركان الدين وأحكامه وشرائعه .

فالطاعن في السنة وحجيتها ضال تائه ، متبع هواه بغير علم .

ومن قال عن روايات الحديث الصحيحة أنها أساطير الأولين : فإن كان جاهلا مغفلا لا يدري ما يقول ، أو كان حديث عهد بإسلام ، أو كان في بيئة بعيدة عن أهل العلم : فإنه يعلّم

وتقام عليه الحجة ، وينكر عليه أشد النكير ، فإن أقيمت عليه الحجة فأصر على رأيه الخبيث ، أو كان يعلم إلا أنه يكابر ويتبع هواه : فهذا ضال خارج عن الملة .

ثانيا :

والرد على هذه المرأة وغيرها ممن ينحو هذا النحو الفاسد من آيات القرآن فقط : سهل ميسور ؛ لأن القرآن أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يقرب من مائة آية

واعتبر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل ، وتوعد مخالف الرسول ومشاقته بالعذاب الشديد

فقال تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً ) سورة النساء/80

وقال عز وجل : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ) سورة النساء /65

وقال عز وجل : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) النساء/115 ، وغير ذلك من الآيات .

ثالثاً :

كلام أهل العلم ، قديما وحديثا ، في الرد على منكري السنة وأعدائها : كثير متظاهر. فمن ذلك :

قال الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله :

" اعلموا رحمكم الله أَن من أنكر كَون حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

قولا كَانَ أَو فعلا ، بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوف فِي الْأُصُول = حجَّة : كفر وَخرج عَن دَائِرَة الْإِسْلَام وَحشر مَعَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ، أَو مَعَ من شَاءَ الله من فرق الْكَفَرَة .

روى الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يَوْمًا حَدِيثا وَقَالَ إِنَّه صَحِيح

. فَقَالَ لَهُ قَائِل : أَتَقول بِهِ يَا أَبَا عبد الله ؟

فاضطرب وَقَالَ : " يَا هَذَا أرأيتني نَصْرَانِيّا ؟

أرأيتني خَارِجا من كَنِيسَة ؟ أَرَأَيْت فِي وسطي زناراً ؟ أروي حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَقُول بِهِ ؟! " .

وأصل هَذَا الرَّأْي الْفَاسِد : أَن الزَّنَادِقَة وَطَائِفَة من غلاة الرافضة ذَهَبُوا إِلَى إِنْكَار الِاحْتِجَاج بِالسنةِ ، والاقتصار على الْقُرْآن .

وهم فِي ذَلِك مختلفو الْمَقَاصِد ، فَمنهمْ من كَانَ يعْتَقد أَن النُّبُوَّة لعَلي وَأَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَخطَأ فِي نُزُوله إِلَى سيد الْمُرْسلين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، تَعَالَى الله عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا

وَمِنْهُم من أقرّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالنُّبُوَّةِ وَلَكِن قَالَ: إِن الْخلَافَة كَانَت حَقًا لعَلي ، فَلَمَّا عدل بهَا الصَّحَابَة عَنهُ إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ قَالَ هَؤُلَاءِ المخذولون - لعنهم الله -

: كفرُوا حَيْثُ جاروا وَعدلُوا بِالْحَقِّ عَن مُسْتَحقّه ، وكفَّروا - لعنهم الله - عليا رَضِي الله عَنهُ أَيْضا ، لعدم طلبه حَقه فبنوا على ذَلِك رد الْأَحَادِيث كلهَا ، لِأَنَّهَا عِنْدهم بزعمهم من رِوَايَة قوم كفار، فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون .

وَهَذِه آراء مَا كنت أستحل حكايتها ، لَوْلَا مَا دعت إِلَيْهِ الضَّرُورَة من بَيَان أصل هَذَا الْمَذْهَب الْفَاسِد الَّذِي كَانَ النَّاس فِي رَاحَة مِنْهُ من أعصار .

وَقد كَانَ أهل هَذَا الرَّأْي موجودين بِكَثْرَة فِي زمن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فَمن بعدهمْ ، وتصدى الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وأصحابهم فِي دروسهم ومناظراتهم وتصانيفهم للرَّدّ عَلَيْهِم ، وسأسوق إِن شَاءَ الله تَعَالَى جملَة من ذَلِك وَالله الْمُوفق :

قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الرسَالَة وَنَقله عَنهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل

: " قد وضع الله رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دينه وفرضه وَكتابه الْموضع الَّذِي أبان جلّ ثَنَاؤُهُ أَنه جعله علما لدينِهِ ، بِمَا افْترض من طَاعَته ، وَحرم من مَعْصِيَته وَأَبَان من فضيلته ، بِمَا قرن بَين الْإِيمَان بِرَسُولِهِ الْإِيمَان بِهِ .

.. فَفرض الله على النَّاس اتِّباع وحيه وَسنَن رَسُوله

فَقَالَ فِي كِتَابه : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) ، مَعَ آي سواهَا ذكر فِيهِنَّ الْكتاب وَالْحكمَة .

قَالَ الشَّافِعِي : فَذكر الله الْكتاب ، وَهُوَ الْقُرْآن ، وَذكر الْحِكْمَة ، فَسمِعت من أرضاه من أهل الْعلم بِالْقُرْآنِ يَقُول : الْحِكْمَة سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم .

وَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) .

. وَغَيرهَا من الْآيَات الَّتِي دلّت على اتِّبَاع أمره ، وَلُزُوم طَاعَته فَلَا يسع أحدا رد أمره لفرض الله طَاعَة نبيه .

قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد إحكامه هَذَا الْفَصْل : وَلَوْلَا ثُبُوت الْحجَّة بِالسنةِ ، لما قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي . خطبَته بعد تَعْلِيم من شهده أَمر دينهم : ( أَلا فليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب

فَرب مبلّغ أوعى من سامع ) ، ثمَّ أورد حَدِيث : ( نضر الله امْرَءًا سمع منا حَدِيثا فأداه كَمَا سَمعه ، فَرب مبلغ أوعى من سامع ) ، وَهَذَا الحَدِيث متواتر .

قَالَ الشَّافِعِي : فَلَمَّا ندب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى اسْتِمَاع مقَالَته وحفظها وأدائها ، دلّ على أَنه لَا يَأْمر أن يؤدَّى عَنهُ إلاَّ مَا تقوم بِهِ الْحجَّة على من أدَّى إِلَيْهِ ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يؤدَّى عَنهُ حَلَال يُؤْتى

وَحرَام يجْتَنب ، وحدّ يُقَام ، وَمَال يُؤْخَذ وَيُعْطى ، ونصيحة فِي دين وَدُنْيا .

ثمَّ أورد الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي رَافع قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( لَا ألفيَنَّ أحدكُم مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الْأَمر من أَمْرِي مِمَّا أمرت بِهِ أَو نهيت عَنهُ يَقُول : لَا أَدْرِي

مَا وجدنَا فِي كتاب الله اتَّبعنَا ) أخرجه أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم ، وَمن حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرّم أَشْيَاء يَوْم خَيْبَر ، مِنْهَا الْحمار الأهلي وَغَيره

ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( يُوشك أَن يقْعد الرجل على أريكته يحدث بحديثي فَيَقُول بيني وَبَيْنكُم كتاب الله فَمَا وجدنَا فِيهِ حَلَالا استحللناه ، وَمَا وجدنَا فِيهِ حَرَامًا حرمناه

أَلا وَإِن مَا حرَّم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا حرَّم الله ) ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَهَذَا خبر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّا يكون بعده من رد المبتدعة حديثَه

فَوجدَ تَصْدِيقه فِيمَا بعده "

انتهى ، مختصرا من " مفتاح الجنة " (ص/5-9) .

وجاء في " الموسوعة الفقهية " (1/44) :

" أَثَارَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ السُّنَّةَ لَيْسَتْ مَصْدَرًا لِلتَّشْرِيعِ ، وَسَمُّوا أَنْفُسَهُمْ بِالْقُرْآنِيِّينَ ، وَقَالُوا : إِنَّ أَمَامَنَا الْقُرْآنَ ، نُحِل حَلاَلَهُ وَنُحَرِّمُ حَرَامَهُ ، وَالسُّنَّةُ ، كَمَا يَزْعُمُونَ قَدْ دُسَّ فِيهَا أَحَادِيثُ مَكْذُوبَةٌ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَهَؤُلاَءِ امْتِدَادٌ لِقَوْمٍ آخَرِينَ نَبَّأَنَا عَنْهُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْمِقْدَامِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال

: ( يُوشِكُ أَنْ يَقْعُدَ الرَّجُل مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُول : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ ، أَلاَ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُول اللَّهِ مِثْل مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) .

وَهَؤُلاَءِ لَيْسُوا بِقُرْآنِيِّينَ ؛ لأِنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ أَوْجَبَ طَاعَةَ الرَّسُول فِيمَا يَقْرُبُ مِنْ مِائَةِ آيَةٍ ، وَاعْتَبَرَ طَاعَةَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل

. بَل إِنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ الَّذِي يَدَّعُونَ التَّمَسُّكَ بِهِ : نَفَى الإْيمَانَ عَمَّنْ رَفَضَ طَاعَةَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَلَمْ يَقْبَل حُكْمَهُ : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .

وَقَوْلُهُمْ : إِنَّ السُّنَّةَ قَدْ دُسَّتْ فِيهَا أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ : مَرْدُودٌ بِأَنَّ عُلَمَاءَ هَذِهِ الأْمَّةِ عُنُوا أَشَدَّ الْعِنَايَةِ بِتَنْقِيَةِ السُّنَّةِ مِنْ كُل دَخِيلٍ ، وَاعْتَبَرُوا الشَّكَّ فِي صِدْقِ رَاوٍ مِنْ الرُّوَاةِ ، أَوِ احْتِمَال سَهْوِهِ رَادًّا لِلْحَدِيثِ .

وَقَدْ شَهِدَ أَعْدَاءُ هَذِهِ الأْمَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَتْ هُنَاكَ أُمَّةٌ عُنِيَتْ بِالسَّنَدِ ، وَبِتَنْقِيحِ الأْخْبَارِ ، وَلاَ سِيَّمَا الْمَرْوِيَّةَ عَنْ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَهَذِهِ الأْمَّةِ .

وَيَكْفِي لِوُجُوبِ الْعَمَل بِالْحَدِيثِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْتَفِي بِإِبْلاَغِ دَعْوَتِهِ بِإِرْسَال وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، مِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ : يَجِبُ الْعَمَل بِهِ .

ثُمَّ نَسْأَل هَؤُلاَءِ : أَيْنَ هِيَ الآْيَاتُ الَّتِي تَدُل عَلَى كَيْفِيَّةِ الصَّلاَةِ ، وَعَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ خَمْسٌ ، وَعَلَى أَنْصِبَةِ الزَّكَاةِ ، وَعَلَى أَعْمَال الْحَجِّ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأْحْكَامِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إِلاَّ مِنْ السُّنَّةِ ؟ " انتهى .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" هؤلاء المتأخرون المنكرون للسنة أتوا منكرا عظيما ، وبلاء كبيرا ، ومعصية عظيمة

حيث قالوا : إن السنة لا يحتج بها ، وطعنوا فيها وفي رواتها وفي كتبها ، وسار على هذا المنهج وأعلنه كثير من الناس في مصر وفي غيرها

وسموا أنفسهم بالقرآنيين ، وقد جهلوا ما قاله علماء السنة ، فقد احتاطوا كثيرا للسنة تلقوها أولا عن الصحابة حفظا ـ ودرسوها وحفظوها حفظا كاملا ، حفظا دقيقا بعناية تامة

ونقلوها إلى من بعدهم ، ثم ألف العلماء في القرن الثاني وفي القرن الثالث ، وقد كثر ذلك في القرن الثالث ، فألفوا الكتب وجمعوا الأحاديث حرصا على السنة وحفظها وصيانتها

فانتقلت من الصدور إلى الكتب المحفوظة المتداولة المتناقلة ، التي لا ريب فيها ولا شك ، ثم نقبوا عن الرجال وعرفوا ثقتهم

من ضعيفهم ، من سيئ الحفظ منهم ، حتى حرروا ذلك أتم تحرير ، وبينوا من يصلح للرواية ومن لا يصلح للرواية ، ومن يحتج به ومن لا يحتج به .

واعتنوا بما قد وقع من بعض الناس من أوهام وأغلاط ، وعرفوا الكذابين والوضاعين ، فألفوا فيهم وأوضحوا أسماءهم ، فأيد الله سبحانه وتعالى بهم السنة ، وأقام بهم الحجة وقطع بهم المعذرة ، وزال تلبيس الملبسين

وانكشف ضلال الضالين ، وبقيت السنة بحمد الله جلية وواضحة لا شبهة فيها ولا غبار عليها ، وكان الأئمة يعظمون ذلك كثيرا ، وإذا رأوا من أحد تساهلا بالسنة أو إعراضا : أنكروا عليه "

انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " (8/141) .

والله أعلم
.









قديم 2019-01-25, 15:46   رقم المشاركة : 88
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تفسير قوله تعالى (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) .

السؤال

في سورة الأحزاب الآية رقم 51 ، قال تعالى : (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) من التفسيرات التي قرأتها أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينكح من أراد من نسائه ولا ينكح من أراد فإذا كان كذلك فيكون هذا فيه ظلم ؟

أرجو التوضيح ؛ لأن هذه الآية استوقفتني كثيراً ، ولا شك أن ربنا لا يظلم أحداً .


الجواب


الحمد لله

أولا:

لا ريب أن الله تعالى منزه عن الظلم ، غني عن جميع خلقه ، قال تعالى: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) الكهف/49،

وقال: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت/46 ، وهذا من أعظم الأصول الإيمانية في معرفة العبد بربه ، ومعاملته له

والإيمان بشرعه ، والتسليم لقدره ، وتصريفه لأمور عباده ، وبدون ذلك الأصل الأصيل الواضح البين : لا يستقيم لعبد إيمان ، ولا يطمئن له قلب ، ولا يقر له قرار .

ثانيا:

قوله تعالى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ

عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ

عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا) الأحزاب/50، 51 .

اختلف المفسرون في معنى قوله: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) فقال بعضهم: المراد به الواهبات أنفسهن، له أن ينكح منهن ، أو يرجئ منهن ، أي يؤخر ويترك.

وقال بعضهم: المراد به الزوجات، له أن يقسم، وألا يقسم، توسعة من الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم

ومراعاة لانشغاله بأمر الدعوة والرسالة، وإظهارا لعدله وإنصافه وكرمه مع زوجاته؛ لأن الله يعلم أنه سيقسم بينهن ويتحرى في ذلك حتى مع عدم الوجوب عليه.

والآية تحتمل القولين.

قال ابن كثير رحمه الله: " قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بشر

حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها؛ أنها كانت تعيّر النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟

فأنزل الله عز وجل: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) قالت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .

وقد تقدم أن البخاري رواه من حديث أبى أسامة، عن هشام بن عروة، فدل هذا على أن المراد بقوله: (ترجي) أي: تؤخر (من تشاء منهن)

أي: من الواهبات [أنفسهن] (وتؤوي إليك من تشاء) أي: من شئت قبلتها، ومن شئت رددتها، ومن رددتها فأنت فيها أيضا بالخيار بعد ذلك، إن شئت عدت فيها فآويتها؛ ولهذا

قال: (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك) . قال عامر الشعبي في قوله: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) :

كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم فدخل ببعضهن، وأرجأ بعضهن لم ينكحن بعده، منهن أم شريك.

وقال آخرون: بل المراد بقوله: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء) أي: من أزواجك، لا حرج عليك أن تترك القسْم لهن، فتقدِّم من شئت، وتؤخر من شئت، وتجامع من شئت، وتترك من شئت.

هكذا يروى عن ابن عباس، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وأبي رزين، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم .

ومع هذا كان، صلوات الله وسلامه عليه، يقسم لهن؛ ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجبا عليه، صلوات الله وسلامه عليه، واحتجوا بهذه الآية الكريمة.

وقال البخاري: حدثنا حبان بن موسى، حدثنا عبد الله -هو ابن المبارك -أخبرنا عاصم الأحول

عن معاذة عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستأذن في يوم المرأة منا بعد أن نزلت هذه الآية: (ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)

فقلت لها: ما كنت تقولين؟ فقالت: كنت أقول: إن كان ذاك إلي فإني لا أريد يا رسول الله أن أؤثر عليك أحدا .

فهذا الحديث عنها يدل على أن المراد من ذلك عدم وجوب القسم، وحديثها الأول يقتضي أن الآية نزلت في الواهبات .
ومن هاهنا اختار ابن جرير أن الآية عامة في الواهبات وفي النساء

اللاتي عنده، أنه مخير فيهن، إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم. وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي، وفيه جمع بين الأحاديث؛

ولهذا قال تعالى: (ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن) أي: إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم، فإن شئت قسمت، وإن شئت لم تقسم، لا جناح

عليك في أي ذلك فعلت، ثم مع هذا أنت تقسم لهن اختيارا منك

لا أنه على سبيل الوجوب، فرحن بذلك واستبشرن به وحملن جميلك في ذلك، واعترفن بمنتك عليهن في قسمك لهن، وتسويتك بينهن ، وإنصافك لهن ، وعدلك فيهن"

انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/445).









قديم 2019-01-25, 15:47   رقم المشاركة : 89
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


والله تعالى له أن يشرع ما يشاء، وأن يخص نبيه بما شاء، وقد كان شرفا للمرأة –وأي شرف- أن تكون زوجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو أنه أخذ بالرخصة ولم يقسم، لما ضرها ذلك. والله عليم بعباده وما يصلحهم.

وقد رضيت زوجاته صلى الله عليه وسلم وقرت أعينهن بحكم الله تعالى، وقسم رسوله صلى الله عليه وسلم، ولله الحمد.
قال القرطبي رحمه الله:

" قوله تعالى : (ذلك أدنى أن تقر أعينهن) قال قتادة وغيره : أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا؛ لأنهن إذا علمن أن الفعل من الله

قرت أعينهن بذلك ورضين، لأن المرء إذا علم أنه لا حق له في شيء ، كان راضيا بما أوتي منه وإن قل. وإن علم أن له حقا ، لم يقنعه ما أوتي منه واشتدت غيرته عليه، وعظم حرصه فيه،

فكان ما فعل الله لرسوله من تفويض الأمر إليه في أحوال أزواجه ، أقرب إلى رضاهن معه، وإلى استقرار أعينهن بما يسمح به لهن ، دون أن تتعلق قلوبهن بأكثر منه ...

وكان عليه السلام مع هذا يشدد على نفسه في رعاية التسوية بينهن

تطييبا لقلوبهن كما قدمناه، ويقول: (اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) يعني قلبه ، لإيثاره عائشة رضي الله عنها، دون أن يكون يظهر ذلك في شيء من فعله"

انتهى من "تفسير القرطبي "(14/215).

وقد أحسنت بسؤالك عما يحيك في نفسك، فإنه لا حرج في مثل هذا السؤال

وليكن المؤمن على يقين بأن الله تعالى عدل عليم حكيم رؤوف رحيم، لا يشرع إلا ما فيه حكمة ورحمة، وإن كانت الحكمة قد تخفى على بعض الناس، مع أن الآية نصت على الحكمة من هذا التخيير.

قال السعدي رحمه الله :

" ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ) :

وهذا أيضًا من توسعة اللّه على رسوله ورحمته به، أن أباح له ترك القسم بين زوجاته، على وجه الوجوب، وأنه إن فعل ذلك، فهو تبرع منه، ومع ذلك، فقد كان صلى اللّه عليه وسلم

يجتهد في القسم بينهن في كل شيء، ويقول : "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك" .

فقال هنا: (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ) [أي: تؤخر من أردت من زوجاتك فلا تؤويها إليك، ولا تبيت عندها] (وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) أي: تضمها وتبيت عندها.

ومع ذلك لا يتعين هذا الأمر (مَنِ ابْتَغَيْتَ) أي: أن تؤويها (فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ) والمعنى أن الخيرة بيدك في ذلك كله
.
وقال كثير من المفسرين: إن هذا خاص بالواهبات، له أن يرجي من يشاء، ويؤوي من يشاء، أي: إن شاء قبل من وهبت نفسها له، وإن شاء لم يقبلها، واللّه أعلم .

ثم بين الحكمة في ذلك فقال: (ذَلِكَ) أي: التوسعة عليك، وكون الأمر راجعًا إليك وبيدك، وكون ما جاء منك إليهن تبرعًا منك (أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) لعلمهن

أنك لم تترك واجبًا، ولم تفرط في حق لازم.

(وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) أي: ما يعرض لها عند أداء الحقوق الواجبة والمستحبة، وعند المزاحمة في الحقوق، فلذلك شرع لك التوسعة يا رسول اللّه، لتطمئن قلوب زوجاتك.

(وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا) أي: واسع العلم، كثير الحلم. ومن علمه، أن شرع لكم ما هو أصلح لأموركم، وأكثر لأجوركم. ومن حلمه، أن لم يعاقبكم بما صدر منكم، وما أصرت عليه قلوبكم من الشر.

(لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا) .

وهذا شكر من اللّه، الذي لم يزل شكورًا، لزوجات رسوله، رضي اللّه عنهن، حيث اخترن اللّه ورسوله

والدار الآخرة، أن رحمهن، وقصر رسوله عليهن فقال: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) زوجاتك الموجودات (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ) أي: ولا تطلق بعضهن، فتأخذ بدلها.

فحصل بهذا، أمنهن من الضرائر، ومن الطلاق، لأن اللّه قضى أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة، لا يكون بينه وبينهن فرقة"

انتهى من "تفسير السعدي"، 669

زادنا الله وإياك علما وهدى.

والله أعلم.









قديم 2019-01-25, 15:51   رقم المشاركة : 90
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تحليل شخصيات الأنبياء من خلال ما ورد في القران .

السؤال

قرأت في أحد الكتب أن الكاتب يصف أنبياء الله في القران وصفا تحليليا نفسيا من خلال مواقفهم التي ذكرها الله تعالى، فمثلا قول نبي الله يعقوب: إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون

هذا وغيره كما أوصى بنيه أن يدخلوا من أبواب متفرقة، فوصفه الكاتب في هذه الحالات بأنه شخصية قلقة وشكاكة، بينما وصف غير الأنبياء

الطبع، بصفات أخرى كوصف فرعون المتعالي بصفة النرجسية والسيكوباتية إلى غير ذلك من الأمثلةـ وسؤالي هو: هل يصح أن نحلل شخصيات الأنبياء من خلال ما ورد في القران تشخيصا نفسيا أم لا؟

وقد وجدتُ في نفسي أن في ذلك انتقاصا من قدر الأنبياء والله تعالى أعلى وأعلم.


الجواب

الحمد لله

أولًا:

للنفس الإنسانية حضور كبير في القرآن المجيد، وقد برز هذا الحضور بشكل واضح في القصص القرآني

ولم تكن التفاسير غفلًا من الحديث عن الجوانب النفسية في حديث القرآن عن الإنسان، وبخاصة في ثنايا الحديث عن القصص القرآني .

وهناك عدة كتب في هذا الموضوع، من أهمها:

1- لمحات نفسية في القرآن الكريم، لعبدالحميد محمد الهاشمي، من إصدارات مجلة دعوة الحق بالرباط .

2- النماذج الإنسانية في القرآن، لأحمد محمد فارس، من نشر دار الفكر العربي، بيروت .

ولعل أهم الدراسات المقدمة في هذا الجانب،

3- التعبير القرآني، والدلالة النفسية، للدكتور عبدالله بن محمد الجيوسي رحمه الله، من إصدارات دار الغوثاني للدراسات القرآنية .

وذكر الدكتور الجيوسي عددًا من الكتب التي اهتمت بهذه القضية، كما بحثها من جهة التأصيل، وذكر عددًا من الضوابط لما أسماه " المنهج النفسي في تفسير القرآن " كان من أهمها:

- التزام الخطاب القرآني منطلقًا ومدارًا، واستقراء النصوص القرآنية في الموضوع المتحدث عنه في المواقع المختلفة .

- تتبع ما صح من التفسير المأثور للنص .

- الوقوف على بيئة نزول النص .

- الرجوع إلى الأصل اللغوي لألفاظ القرآن، واستعمالاتها ودلالاتها .

- ضرورة ملاحظة قواعد اللغة .

- النظر إلى النصوص القرآنية على أنها نصوص متكاملة في الموضوع الواحد .

- إلمام المفسر بالعلوم المتصلة بالقرآن .

- النظر في لوازم النص ومقتضياته .

- أن لا يعتمد على الذوق وحده في فهم النص .

انظر: التعبير القرآني: (559 - 592).

ثانيًا:

إن على المؤمن أن يعظم أنبياء الله تعالى وأن يتأدب في الحديث عنهم، فإن الله اصطفاهم على سائر الناس، قال الله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) [آل عمران: 179]

وقال سبحانه: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) [الحج: 75]، وقال تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام: 124].

بل هم القدوة الذين أمر الله بالاقتداء بهديهم، كما قال سبحانه: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) [الأنعام: 90].

وقد ذكر الله تعالى يعقوب عليه السلام من هؤلاء السادة .

وفي قصة يوسف عليه السلام فضائل جمة ليعقوب عليه السلام، فمنها:

1- حكمة يعقوب عليه السلام في توجيه يوسف للأفضل .

2- صبره عليه السلام طوال تلك السنوات على فقد يوسف، وفقد ولده الآخر من بعده، فإن قال قائل؛ إنه قد حزن ؟

قلنا: وأين في ذلك ما يخالف طبيعة النفس البشرية على فقد حبيب أو عزيز، فلقد جبل الله البشر على هذا، فحزنه عليه السلام طبيعة بشرية لا ينفك عنها نبي من أنبياء الله تعالى .

3- ومن فضائله في هذه القصة العظيمة: عظيم اعتماده وتوكله على الله تعالى مع أخذه بالأسباب، وثقته في موعود ربه وخالقه، وبثه روح التفاؤل وعدم اليأس من رحمة الله .

4- حرصه على تربية أبنائه، وتعليقهم بالله تعالى .

5- ومنها: رحمته وشفقته عليه السلام .

ثالثًا:

قد علمت من الجواب السابق أن الكاتب أخطأ في أمور:

1- إخلاله بالتعظيم الواجب لأنبياء الله تعالى .

2- خطؤه في تلك القضية تحديدًا، فلقد جاء في القرآن ما يثبت أن يعقوب عليه السلام كان ذا سكينة ووقار، وبث للتفاؤل، ومن ذلك قوله لبنيه: (يَابَنِيَّ اذْهَبُوا

فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) يوسف/ 87، وقوله: (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يوسف/96-98

فهل هذه شخصية توصف بالقلق والشك .

أما المواقف التي ذكرها، فإنها مواقف متناغمة مع الطبيعة البشرية:

1- فقد خاف على ولده أن يذهب مع إخوته.

يقول ابن كثير في تفسيره: (4/ 373)، في بيان ذلك: " يقول تعالى مخبرا عن نبيه يعقوب أنه قال لبنيه، في جواب ما سألوا من إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء: (إني ليحزنني

أن تذهبوا به) أي: يشق علي مفارقته، مدةَ ذهابكم به إلى أن يرجع، وذلك لفرط محبته له، لما يتوسم فيه من الخير العظيم، وشمائل النبوة والكمال في الخلق والخلق، صلوات الله وسلامه عليه.

وقوله: (وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) يقول: وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورعيتكم، فيأتيه ذئب، فيأكله، وأنتم لا تشعرون .

فأخذوا من فمه هذه الكلمة، وجعلوها عذرهم فيما فعلوه، وقالوا مجيبين عنها في الساعة الراهنة:

(لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون) يقولون: لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا، ونحن جماعة، إنا إذا لهالكون عاجزون" . انتهى .

أما الآية الثانية، وهي قوله سبحانه: ( وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ

* وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف/67-68

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في بيانها: " يقول تعالى، إخبارا عن يعقوب، عليه السلام: إنه أمر بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر، ألا يدخلوا كلهم من باب واحد، وليدخلوا من أبواب متفرقة، فإنه كما

قال ابن عباس، ومحمد بن كعب، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، والسدي:

إنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم؛ فإن العين حق، تستنزل الفارس عن فرسه.

وروى ابن أبي حاتم، عن إبراهيم النخعي في قوله: (وادخلوا من أبواب متفرقة) قال: علم أنه سيلقى إخوته في بعض الأبواب.

وقوله: (وما أغني عنكم من الله من شيء) أي: هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه؛ فإن الله إذا أراد شيئا

لا يخالَف ولا يمانَع (إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) .

قالوا: هي دفع إصابة العين لهم .

(وإنه لذو علم لما علمناه) قال قتادة والثوري: لذو عمل بعلمه. وقال ابن جرير: لذو علم لتعليمنا إياه، (ولكن أكثر الناس لا يعلمون)"، تفسير ابن كثير: (4/ 400).

وفي هذا كله: استعمال الأسباب الدافعة للعين أو غيرها من المكاره، أو الرافعة لها بعد نزولها، وليس شيء من ذلك ممنوعا ، ولا هو مما يخل بمقام صاحبه ، حاشاه من ذلك ؛ فإن الشرائع طافحة ، والفطر الإنسانية دافعة

: إلى مراعاة الأساب والأخذ بها ؛ وإن كان لا يقع شيء إلا بقضاء وقدر، فإن الأسباب أيضا من القضاء والقدر .

وينظر: تفسير السعدي: (407).

فأين هذا من القلق والشك ؟!

والحاصل :

أن مقام الأنبياء مقام عظيم ، يجب على العبد أن يتحرز في حديثه عنه ، ويعلم أن للأنبياء من حقوق المهابة والإجلال ، والتعظيم والتوقير : ما لا يخفى على مسلم ، ولا يحل له أن يجعلهم كغيرهم من الناس في ذلك

ولا أن يجعلهم ( حقلا لتجاربه ) ، حاشاهم من ذلك .

فليحذر العبد على نفسه مقام الزيغ والفتنة ، وليحذر على نفسه أن يتكلم بكلمة ، تهوي به في المهاوي ، ولا يتلقاها عنه إلا كل ضال ، وغاوي !!

والله أعلم .









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:10

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc