وقد كرس المشرع الجزائري أحيانا وبشكل قاطع دعوى الرجوع للإدارة على الموظف، فحسب المادة 145 الفقرة التالية من قانون البلدية 90-08 فإنه يحق لهذه الأخيرة أن ترفع دعوى ضد منتخبيها المحليين في حالة إرتكابهم لخطأ شخصي وحملت البلدية بموجبه بتعويض المتضررين ، وكذلك الأمر في قانون الولاية 90-09 في المادة 118 منه ، حيث يخول للولاية ممارسة دعوى الرجوع ضد منتخبيها عندما تتحمل التعويض عن أخطائهم الشخصية اتجاه الغير .
وقد ورد بالأمر رقم 75-74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري في مادته 23 حكم خاص يرتب مسؤولية الدولة بسبب الأخطاء المضرة بالغير ، والتي يرتكبها المحافظ العقاري أثناء ممارسة مهامه ، على أن تحرك دعوى المسؤولية ضد الدولة في أجل عام واحد ابتدءا من اكتشاف الفعل الضار ، تحت طائلة سقوط الحق في الدعوى ، ويكون الدولة بناءا على ذلك حق الرجوع على المحافظ العقاري الذي ارتكب الخطأ الجسيم الذي رتب مسؤوليتها وبالتالي حملها عبء التعويض .
2-2دعوى الرجوع المرفوعة من الموظف ضد الإدارة :
يمكن استعمال دعوى الرجوع من طرف الموظف ضد الإدارة ويكون ذلك في صورتي نظرية الجمع :
1- قد يحدث أن ترافع الضحية الموظف أمام القاضي العادي الذي يقرر خطأ شخصي يسنده إلى هذا الموظف رغم أن الخطأ مرفقي ، فيحكم عليه بدفع مبلغ التعويض للضحية بكامله ، فيجد هذا الموظف نفسه يتحمل نتائج الخطأ المرفقي لوحده ، ولذلك جاء الاجتهاد القضائي لتفادي مثل هذا الوضع بحل جديد إلا أنه غير كاف إذ يعطي الحق للموظف في متابعة الإدارة في مثل هذه الحالة وذلك قبل صدور الحكم عن القاضي العادي ، وبقي الأمر كذلك بفرنسا إلى غاية صـدور قـانـون يتضمـن حـقـوق والتـزامات المـوظف بتاريخ 13جويلية1983 جاء في مادته 11 أنه على الجماعة المحاسبة أن تعيد للموظف التعويضات
لمدنية المحكوم بها ضده ، وقد اعتبر مجلس الدولة أن هذا المبدأ الجديد ليس إلا مبدأ من المبادئ العــامة للقانون .
أما في القانون الجزائري فإننا نجد ما يقابل هذه المـادة في القــانون الأساسي العام للوظيفة العمومية رقم 85-59 الصادر بـ 23 مارس 1985 ، إذ تنص المادة 17 الفقرة الثانية منها على : " عندما يلاحق موظف بسبب خطأ مصلحي ، فإن الإدارة أو الهيئة العمومية التي يتبعها ملزمة ، حين يكون الخطأ الشخصي منفصل عن ممارسة وظائفه وغير منسوب لهذا الموظف ، بحمايته من الأحكام المدنية الموجهة ضده " .
2- وقد يحدث أن يحاكم الموظف أمام جهة القضاء العادي رغم وجود خطأ شخصي و خطأ مرفقي في آن واحد ، فيتحمل هذا الأخير مبلغ التعويض بكامله رغم أن المسؤولية مشتركة بينه وبين الإدارة ، فنجد أن الاجتهاد القضائي قد اعترف للموظف بحقه في مباشرة دعوى الرجوع ضد الإدارة ، وفي هذه الحالة لا يكون
القاضي الإداري ملزما بما خلص إليه القاضي العادي في ما يخص تقدير التعويض الإجمالي لمبلغ التعويض أو توزيع عبء التعويض بين الإدارة والموظف .
2- 3- دعوى الرجوع المرفوعة من الإدارة ضد الغير :
تطبق نفس القواعد في حالة ما إذا كان الضرر المستحق للتعويض ناتجا عن فعل الغير ضد موظف تابع لإدارة معينة قامت بتعويضه ، إذ تحل هنا هذه الإدارة محل حقوق المضرور ألا وهو موظفها ، لاسترداد المبالغ التي دفعتها له وذلك عن طريق دعوى الرجوع ضد الغير المتسبب في الضرر ، ذلك أن فعل الغير يعفي جزئيا أو كليا الإدارة ، وبالتالي ينفي مسؤولياتها بقدر نسبة مشاركتها في الخطأ .
وقد نصت المادة 142 من قانون البلدية بإمكانية هذه الأخيرة في ممارسة دعوى الرجوع ضد المتسببين أو المشاركين في إحداث الضرر ، عندما تكون قد عوضت الموظف الذي لحــق بـه الضـرر ، وكذلك الأمر بالنـسبة لقــــانـون الـولاية إذ تضـمـن نفـس الحكم في المادة 117 منه .
وفي الأخير فإننا نشير إلى أن القضاء الإداري يكون دائما مختصا بالنظر في جميع دعاوى الرجوع باختلاف أطرافها ، باعتبار أن العلاقة بين الإدارة والموظف تخضع للقانون العام .
المبحث الثاني : نظام المسؤولية الإدارية بدون خطأ
المسؤولية الإدارية بدون خطأ كما تدل عليه تسميتها، تقوم في غياب ركن الخطأ فبعدما كانت المسؤولية الإدارية لا تقوم إلا في حالة ارتكاب خطأ ينسب للإدارة و هو ما يعرف بالمسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، أصبحت المسؤولية الإدارية تقوم أيضا حتى في حالة عدم ارتكاب أي خطأ من جانب الإدارة، و هو ما يرتب مسؤوليتها في تعويض الأفراد جبرا للضرر الذي ألحق بهم.
و لقد عرفها مفوض الدولة Bertrand أمام مجلس الدولة الفرنسي في قضية " سولز" و الذي أخذ مجلس الدولة برأيه في الحكم الصادر بتاريخ 06/11/1968 بمناسبة هذه القضية قـائـلا:
" إن مسؤولية الدولة بلا خطأ منها إنما هي تصحيح أدخله القضاء على ما يتسم به القانون العام من طابع اللامساواة، و هي تستوي عند نقطة التوازن بين مبدأ تغليب المصلحة العامة التي تضطلع الإدارة بتطبيقه في جميع الحالات التي يصطدم فيها بالمصالح الخاصة، و بين مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، و هو يتطلب التعويض عن كل ضرر منسوب إلى نشاط عام عندما يتجاوز الحدود اللازمة لظروف الحياة في المجتمع".
و تتميز المسؤولية الإدارية بخصائص و هي:
- ليست مطلقة في مداها و هذا انسجاما مع خصائص المسؤولية الإدارية التي تبينها قرار بلا نكو هي تكميلية استثنائية من أجل المحافظة على التوازن بين الحقوق و الإمتيازات المقررة للإدارة و حقوق الأفراد ومتطلبات العدالة.
- يعوض عن الضرر إذا بلغ درجة معينة من الخطورة، بمعنى آخر أن يكون الضرر غير عادي و استثنائي.
- على الضحية إثبات العلاقة السببية بين الضرر و عمل الإدارة للحصول على التعويض دون حاجة لإثبات الخطأ كون المسؤولية تقوم بدونه.
- لا تعفي الإدارة من مسؤوليتها إلا في حالتين و هما القوة القاهرة و خطأ الضحية.
كما أن المسؤولية الإدارية بدون خطأ و فيما يخص الأسس القانونية التي ترتكز عليها أثارت جدلا كبيرا إلا أن غالبية الفقه و بناءا على التطبيقات القضائية لها اعتبروا أن كل من المخاطر و مبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة يشكلان أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ، و ذلك راجع لسبب منطقي و موضوعي يتمثل في وجود بعض الأضرار لا يتحملها الأفراد كونها ناتجة عن مخاطر أو نشاط إداري يمتاز بخطورة بل استنادا إلى مبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة.
هذا المبدأ ـ و الذي يتخذ وجهين هما المساواة في الحقوق و المنافع و المساواة في تحمل الأعبــــاء و التكاليف العامة ـ يوجب قيام مسؤولية الإدارة دون خطأ و ذلك بتحمل جميع أفراد الجماعة خسارة الأضرار الخاصة (غير العادية) و الاستثنائية اللاحقة بالأفراد و إلزامهم بالتعويض.
و على ضوء هذا الموقف الذي يجعل أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ هو كل من نظرية المخـاطر ومبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة، سنقسم دراستنا لهذا المبحث إلى مطلبين، و في كل واحد متهما سنتناول بشيء من التفصيل نظرية المخاطر و مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة.
لمطلب الأول: المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر
ظهرت المسؤولية عن المخاطر أساسا في القانون الخاص، لكنها تطورت في إطار القانون العام إلى درجة أنها أصبحت تشمل مختلف ميادين النشاط الإداري و لو أنها ما زالت مسؤولية احتياطية بحيث تظل المسؤولية عن الخطأ المرفقي هي الأصل و الاستثناء هو المسؤولية بدون خطأ عن مخاطر النشاط الإداري.
و المقصود بنظرية المخاطر هو أنه من أنشأ مخاطر ينتفع منها، فعليه تحمل تبعة الأضرار الناتجة عنها.
ففي بادئ الأمر طبق القضاء الإداري هذه النظرية في مجال الأشغال العمومية ثم امتد مجال تطبيقها بداية من القرن العشرين إلى مسؤولية الإدارة عن بعض الأنشطة و الأشياء الخطرة و التي تشكل مخاطر غير عادية.
و على هذا الأساس ارتأينا دراسة المطلب الأول في فرعين: الأول نتناول فيه المسؤولية الإدارية عن الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية، و الثاني المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر غير العادية.
الفرع الأول: المسؤولية الإدارية عن الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية
إن الضرر الناجم عن الأشغال العمومية هو أول ضرر لا يشترط لتعويضه وجود خطأ مرفقي، بحيث قد تلحق أشغال عمومية أضرارا بالأفراد دون أي خطأ. و ما دامت الأضرار الناجمة عن هذه الأخيرة يتحملها جميع أفراد الجماعة، فلا مسؤولية و لا تعويض إلا إذا بلغ هذا الضرر درجة معينة من الخطورة و مس عدد محدود و معين من الأفراد.
I ـ مفهوم الأشغال العمومية:
عرف الشغل العمومي على أنه كل عمل يقوم به شخص معنوي عام لصالحه أو لصالح شخص آخر معنوي ينصب على عقار يهدف من وراء تنفيذه تحقيق مصلحة عامة، هذا التعريف التقليدي للشغل العمومي يتضمن ثلاثة عناصر و هي:
1- عمل يقوم به شخص معنوي عام: و يجب أن يكون العمل ماديا كبناء، ترميم، صيانة، حفر أو هدم، و الشخص المعنوي العام محدد بنصوص قانونية من ذلك نص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية.
2 -ينصب على عقار سواء كان بطبيعته أو بالتخصيص: و بالمقابل تستبعد المنقولات التي تملكها الإدارة العامة و لو كانت من أموالها العامة.
3 - تهدف من وراء تنفيذه تحقيق مصلحة عامة و تؤخذ في معناها الواسع.
ولقد تجاوز القضاء هذا التعريف التقليدي و وسع من مفهوم الأشغال العمومية انطلاقا من قرار" Effimief " أين اعتبرت محكمة التنازع الأشغال المنجزة أشغالا عامة رغم أنها ـ و إن كانت أشغالا عقارية ـ تهدف إلى إعادة بناء عقارات تشكل ملكيات خاصة، و بالتالي فإن الأشغال لم تهدف إذن إلى تحقيق مصلحة عامة.
و بذلك أصبح يهدف من وراء الشغل العمومي تحقيق خدمة المرفق، بمعنى أنه يعتبر عاما و لو أنجز لصالح شخص خاص.
و من خلال هذا التعريف، يتميز الشغل العمومي عن المبنى العمومي الذي استعمل في وقت ما كمرادف له، و بعد تطور قواعد المسؤولية الإدارية التي تحكم الشغل العمومي تم التمييز بينهما على أساس أن الشغل العمومي هو العمل و النشاط ، في حين صنف المبنى العمومي ضمن الأموال، و ارتبط هذا التمييز بالنظرة إلى
مفهوم الشغل العمومي، بحيث لم يعد الشغل العمومي منحصرا في عملية ترميم المبنى العمومي أوهدمه، و إنما اتسع مجاله و بالمقابل فإن المبنى العمومي أصبح يقام بواسطة نشاط خاص، و يترتب عن تحديد
مفهوم الشغل العمومي تطبيق النظام القانوني الخاص بالأشغال العمومية و ذلك كلما توفر في نشاط إداري ما عنصر من العناصر المذكورة حتى و لو كان عقد تموين إن تعلق موضوعه بنقل مواد بناء إلى مكان إنجاز الشغل العمومي.
II - نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
1 ـ معايير تحديد نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
طرح الفقه على ضوء التطبيقات القضائية المسؤولية عن الأشغال العمومية معيارا لتحديد قواعد المسؤولية عن الأضرار الناجمة عنها و يستند هذا المعيار إلى طبيعة الضرر، و ميز فيه بين الضرر الدائم و الضرر العرضي، ففي الأول أسس المسؤولية دون خطأ أي على أساس المخاطر باعتبار الضرر نتيجة حتمية و محسوبة ضمن مخاطر تنفيذ الأشغال العمومية، أما في الثاني اشترط لتعويضه وقوع خطأ، فهي إذن مسؤولية مشروطة لأن الضرر كان ممكنا ألا يحصل كونه ليس نتيجة حتمية للأشغال بل حادث من حوادث تنفيذها.
أما القضاء فقد هجر هذا المعيار و استند إلى معيار الضحية، و ميز بين ما إذا كانت الضحية من الغير أو المشارك أو المرتفق و رتب المسؤولية أحيانا على أساس الخطأ و أحيانا أخرى بدون خطأ و هو ما سنتناوله بالتفصيل في قواعد المسؤولية الإدارية عن أضرار الأشغال العمومية.
2 ـ قواعد المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
كما سبق الإشارة إليه سالفا فإن القضاء يعتمد معيار طبيعة الضحية، و عليه فقواعد المسؤولية يختلف باختلاف هذه الأخيرة.
أ ـ الأضرار الواقعة على المشاركين:
المشارك هو الشخص الذي ينفذ بطريقة أو بأخرى الشغل العمومي (أي يشارك في إنشاء المبنى العمومي) و يندرج تحت هذا التعريف المقاول و عماله، الوكيل و مساعديه، و قد يكون المشارك شخصا اعتباريا.
إن تعويض الأضرار التي يتحملها هؤلاء يؤسس على الخطأ و ليس على المخاطر باعتبار أن المشارك ليس غريب عن مخاطر العملية كونه يشارك في إنجاز المبنى.
هذا الحل هو المتبع في الجزائر، حيث اعتبرت الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر في 16 أكتوبر 1964 بشأن حادث وقع أثناء أشغال قامت بها شركة كهرباء و غاز الجزائر بأن الشركة لا يمكن اعتبارها مسؤولة في مواجهة العمال الذين كانوا حين وقوع الحادث يشاركون في أشغال الصيانة للمنشآت المذكورة إلا إذا كان الحادث قد نتج عن خطأ ينسب لتلك المؤسسة العمومية.
ب ـ الأضرار الواقعة على المرتفقين:
المرتفق هو الشخص الذي يستعمل فعلا المبنى العمومي و المتسبب في الضرر، معنى ذلك أن العلاقة المباشرة ما بين الضحية و استعمال المبنى تعتبر معيارا أساسيا في تحديد المرفق كوقوع شجرة على أشخاص في حديقة عمومية. و يعتبر مرتفقا كذلك المستفيد بمرافق الماء، الغاز و الكهرباء، بحيث يكون الشخص مرتفقا عندما يصيبه ضررا من القناة التي يستفيد منها، و يعتبر من الغير إن كان مصدر الضرر القناة الرئيسية.
أما عن أساس المسؤولية الإدارية في حالة الضرر الذي يلحق المرتفق و لا تعفى الإدارة عن مسؤوليتها إلا إذا أثبتت أنها قامت بالصيانة العادية في حالة ما إذا كان الشخص مرتفقا.
أما إن لحق الضرر الغير فلا تعفى و لا يمكنها التذرع بقاعدة الصيانة العامة التي تعني السهر على صيانة المباني العمومية و سيرها العادي حتى يتمكن المرتفق من استعمالها دون خطر.
و لقد أخذ القضاء بنظرية غياب الصيانة العادية للمبنى العمومي كأساس للمسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية في حالة المرتفق ( اعتمد فكرة الخطأ كأساس ).
مثال ذلك ما أقر به مجلس قضاء قسنطينة في تعويض مرتفقي الطرق ( السواق )بسبب انعدام الصيانة في قراره بتاريخ 02/03/1983 عندما عوض ذوي حقوق السيد (ب،ع)الذي توفي على إثر حادث مرور من جراء انقلاب سيارته في منعرج خطير ليس به إشارة الخطر . اعتبر المجلس انعدام الإشارة بمثابة انعدام الصيانة مستوجبا قيام المسؤولية الإدارية.
كما أخذت المحكمة العليا في قرارها بتاريخ 17/04/1982 بمسؤولية الإدارة عن خطأ انعدام الصيانة عندما قررت تعويض الضحية التي اختنقت بغرفة الاستحمام بالمستشفى بسبب انعدام التهوية و المنافذ اللازمة لانفلات الغاز المحترق من جهاز تسخين مياه الاستحمام.
ج-الأضرار الواقعة على الغير:
يصعب تقديم تعريف للغير ، لذا فقد عرف بالسلب فالغير هو كل شخص لا يعتبر مرتفقا أو مشاركا.
و هناك محاولة عرفته بأنه ذلك الشخص الذي لا يستعمل المبني العمومي و لا يستفيد من أشغال عمومية.
و السؤال المطروح هنا هو : ما أساس المسؤولية الإدارية في هذه الحالة ؟و ما طبيعة الضرر الذي يلحق بالغير ؟
تؤسس المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر و تعوض الضحية الغير دون حاجة لتقديم أي إثبات سوى العلاقة السببية بين الضرر الحاصل و الأشغال العمومية.
أما بالنسبة للضرر ، فيشترط فيه أن يكون من طبيعة غير عادية ؛ بمعنى أنه يفوق الإزعاجات و العقبات البسيطة التي يتحملها عامة الناس. كما يجب أن يمس هذا الضرر حقا مشروعا بحيث لا يستفيد من التعويض الشاغل لملك عمومي.
و لقد قضى مجلس الدولة في 08/03/1999 بتأييد القرار المستأنف بتأييد القرار المستأنف كون أشغال الحفر كانت تحت إشراف البلدية و إدارتها و هي التي رخصت بها لسكان القرية، وكان يجب عليها أخذ الإجراءات السارية قانونا لحماية الحفرة و التأكد من كونها لا تشكل خطرا،و أن إهمالها لذلك يجعل مسؤوليتها قائمة.
و يتعلق موضوع القضية في سقوط طفل في حفرة أدى إلى وفاته، هذه الحفرة أنجزت لتخزين المياه حفرها سكان القرية الكائنة بعين أزال.
أقام ذوي حقوق الطفل دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء سطيف ضد بلدية عين أزال، فقضى بتحميل البلدية مسؤولية سقوط الضحية في الحفرة الموجودة تحت حراسة البلدية مع إلزام هذه الأخيرة بالتعويض.
يتعلق الأمر هنا بالمسؤولية عن الأشغال العمومية، و بما أن البلدية هي المرخصة بتلك الأشغال فإنها تعتبر صاحبة الأشغال خاصة و أنها تمت تحت إشرافها و إدارتها، وأن الضحية يعتبر من الغير بالنسبة لتلك الأشغال، فهو ليس مستعملا للأشغال و لا قائما عليها فهو مجرد طفل.
و لقد استقر القضاء الإداري على اعتبار هذه المسؤولية غير قائمة على الخطأ بل على أساس نظرية المخاطر، خاصة و أن الضحية ليس بالمشارك في تلك الأشغال العامة. فعملية إحداث حفرة كبيرة يعد مشروعا عموميا ذو طابع خطير، و أن وجود حفرة غير مغطاة و عير محاطة بسياج يحول دون وصول الأطفال إليها لهو شروع خطير ، و أن إشراف البلدية على عملية الحفر يجعل مسؤوليتها قائمة، ذلك أن عملية حفر حفرة كبيرة داخل محيط القرية يشكل خطرا يتجاوز ما يجوز أن يتحمله الخواص على أساس مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.فترك حفرة دون سياج يعد خطرا و تسأل البلدية عنه.
و يلاحظ بأن إقامة مجلس الدولة و معه الغرفة الإدارية لمجلس قضاء سطيف المسؤولية على أساس خطأ غير عمدي أو إهمال في غير محله، ذلك أنه لا يشترط في مثل هذه الحالات (الأشغال العامة) ارتكاب خطأ و لو عمدي من قبل البلدية بل يكفي أن يكون هناك ضرر استثنائي (و هو الوفاة في حالتنا هذه)، يكون نتيجة لوجود مشروع عموم(الحفرة) و التي تشكل خطرا سواء بالنسبة للغير أو لمستعملي المشروع العام.
كما يذهب القضاء الإداري الفرنسي بأنه يكفي للضحايا أو ذوي حقوقهم إثبات "عيب الصيانة العادية" للحصول على التعويض.
وفي هذه القضية فإن عيب الصيانة العادية متوفر، لعدم قيام البلدية بإحاطة الحفرة بسياج يحمي الأطفال من عدم السقوط فيها و كذا الحيوانات الأليفة، و هو ما لم تقم به البلدية و علية فهي مسؤولة و تتحمل التعويض .
3- طبيعة الضرر في نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية و صوره:
أ – طبيعة الضرر :
إلى جانب الشروط العامة للضرر القابل للتعويض بأن يكون شخصيا ، مؤكدا أو محققا ، و أن يمس بمصلحة مشروعة ، يجب أن يكون الضرر مادي و غير عادي و أن تكون العلاقة مباشرة ما بين الضرر وشغل العمومي .
ب- صور الضرر : من صور الضرر الناجم عن الأشغال العمومية ما يلي :
- ضرر ناجم عن إنجاز أشغال عمومية.
- ضرر ناجم عن عدم تنفيذ شغل عمومي كعدم وجود إشارات متعلقة بوجود أشغال عمومية، و هو ما جسد في قضية شركة التأمين Le soleil "" حيث اعتبرت الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر أن عدم الإشارة لوجود الخطر على طريق عمومي ( مبنى عمومي ) كان سبب في حدوث ضرر أدى إلى وفاة الضحية .
إذ تتلخص وقائع القضية في وفاة مسافر كان على متن شاحنة صغيرة مارة ببلدية ابن عكنون بسبب اصطدام سقف الشاحنة بشجرة تشرف على الطريق .
-ضرر ناجم عن سوء أو عدم صيانة مبنى عمومي .
- ضرر ناجم عن سوء سير مبنى عمومي كتدفق مياه ملوثة أو رائحة كريهة يعود مصدرها إلى شغل عمومي أو مبنى عمومي.
و الأضرار الواردة في هذه القائمة هي على سبيل المثال لا الحصر، لأن مسألة تحديد الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية تعود إلى السلطة التقديرية للقاضي الإداري حسب ظروف و ملابسات و طبيعة الضرر وعلاقته بالشغل العمومي.
III- قواعد الإختصاص في منازعات الأشغال العمومية :
1 - الإختصاص النوعي:
حسب المادة 7 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات المدنية فإن الإختصاص النوعي في حالة المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية يعود إلى الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية كأول درجة ( إلى حين تنصيب المحاكم الإدارية في الميدان) و التي تصدر قرارات ابتدائية قابلة للإستئناف أمام مجلس الدولة ( الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا ) .
2 - الإختصاص الإقليمي :
إن قواعد الإختصاص الإقليمي في منازعات الأشغال العمومية تحكمه المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية المعدلة بقانون 90/23 و المنظمة بالمرسوم رقم 90/407 و المراسيم التنفيذية اللاحقة التي تحدد كيفية تقسيم المجالس القضائية و المادة 8 من نفس القانون و التي تنص على: " .... في القواعد المتعلقة بالأشغال العمومية أمام الجهة القضائية التي تقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال..."
وفي فقرة أخرى نصت على أنه: " ... في الدعاوى العقارية أو الأشغال أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها ".
الفرع الثاني : المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر غير العادية
امتد مجال تطبيق نظرية المخاطر ليشمل بعض الأنشطة و الأشياء الخطرة، و كذا بعض الحالات الناجمة عن المشاركة الظرفية في المرافق العامة ، وهو ما سنتناوله في النقاط التالية :
I – الأنشطة و الأشياء الخطرة : و تندرج تحتها الحالات الآتية :
1- المتفجرات و الذخيرة:
لقد وضع القضاء الإداري قواعدها ابتدءا من قضية ٌRegnault Desroziers و تعود وقائع القضية أنه بتاريخ 04/03/1916 وقع انفجار مهول في قلعة La double couronneفي شمال Saint-Denis أين تم تخزين مجموعة من الذخيرة الحربية ، و قد خلف الحادث في المدينة و المناطق العمرانية المجاورة العديد من الضحايا و أضرارا مادية بليغة، فطلب المدعون التعويض عن الأضرار التي أصابتهم و قبل مجلس الدولة الطلب على أساس المخاطر الاستثنائية للجوار دون أن يلجأ إلى الخطأ معترفا بأن حيازة وزارة الحربية لآلات خطيرة في ظروف مماثلة تحتوي على مخاطر تفوق تلك التي تنتج عادة عن الجوار يرتب مسؤوليتها.
و لقد سنحت الفرصة بعد ذلك للمحكمة العليا للتعبير عن موقفها بوضوح و إعلانها تطبيق نظرية المخاطر الإسثنائية للجوار، و بالتالي السير على طريق الإجتهاد القضائي الفرنسي ، و يتضح ذلك من خلال قضية " بن حسان احمد " ضد وزير الداخلية .
حيث تتلخص وقائع القضية في اشتعال حريق في مرآب تابع لمحافظة الشرطة المركزية بالجزائر العاصمة، و كان نتيجة لانفجار خزان بنزين، فأسفر الحادث عن وفاة زوجة المدعي بن حسان احمد و جنينها
و إبنته، فرفع دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر قصد تعويضه ، فقضت على الدولة ممثلة في وزير الداخلية بالتعويض .و أقرت حول تأسيس مسؤولية الإدارة أن وجود مثل هذا الخزان يشكل مخاطر استثنائية على الأشخاص و الأموال و أن الأضرار التي تلحق بالضحايا ضمن هذه الظروف تتجاوز في خطورتها الأعباء التي يتحملها عادة الأفراد.
1-المسؤولية الإدارية بسبب أنشطة مراكز التربية و المراقبة:
أنشئت هذه المراكز خصيصا لتربية الجانحين الأحداث و بهدف إدراجهم في الحياة العادية، فما هو أساس المسؤولية في حالة هروب أحدهم منها ؟ و أثناء فراره ارتكب جريمة على الغير أو على جيران المركز؟
لقد كان قرار مجلس الدولة في 03/02/1956 في قضية Thouzellier ضد وزير العدل أول قرار دشن المسؤولية بدون خطأ عن المخاطر الخاصة التي يتسبب فيها الأحداث المجرمين.
حيث هرب اثنان من الأحداث الموجودين بإحدى مراكز التربية عندما كانوا في نزهة نظمها مسؤولو الإصلاحية و قاما بسرقة أحد المنازل المجاورة . و رغم انعدام الخطأ لأن المشرفين بلغوا عن هروب الحدثين، إلا أن مجلس الدولة الفرنسي قضى بالتعويض.
و الحقيقة أن هذا القرار يضيف جديدا و يؤكد قديما ، فالجديد أنه من الآن فصاعدا فإن مخاطر الجوار ستشمل كافة النشاطات الخطرة و ليس انفجار الأشياء فقط كما كان الأمر في قضية Regnault Desroziers ، و القديم أن قرار Thouzellier مازال متمسكا بفكرة الجوار حيث لا تعوض إلا الأضرار اللاحقة بالأشخاص و الملكيات المجاورة .
ثم لين مجلس الدولة موقفه و أعاد النظر في مفهوم الجوار خاصة بعد تطور وسائل النقل السريعة التي تسمح للأحداث الفارين من ارتكاب جرائمهم بعيدا عن مراكزهم و على ذلك أصبح القضاء الإداري يأخذ
بنظرية المخاطر غير العادية للغير بدلا من المخاطر غير العادية للجوار مما أدى إلى توسيع مفهوم الضحايا الذين لهم الحق في التعويض عن هذا النوع من هذا الضرر ، مع اشتراط أن يكون تاريخ ارتكاب الجرائم غير بعيد عن تاريخ فرار الحدث من مركزه و هذا لتلاشي العلاقة السببية بين الفرار و الضرر.
أما إذا كانت الضحية هو الحدث فإن المحكمة العليا قضت في قضية " منصوري " ضد وزارة الشباب و الرياضة و التي تتلخص وقائعها في أن الشاب " منصوري " قد وضع في مركز خاص بإعادة التربية بقسنطينة وبعد 3 أيام هرب من المركز و أعيد إليه من طرف مصالح الشرطة، إلا أنه فر ثانية في نفس اليوم ثم عثر عليه في اليوم الموالي ميتا.
حيث قررت المحكمة العليا الغرفة الإدارية أن عدم المراقبة و الخلل المرتكب من طرف المركز يعد خطأ جسيم يرتب مسؤولية المركز. وعليه فهي أسست مسؤولية مراكز التربية و المراقبة على أساس الخطأ الجسيم ربما لان الهارب في القضية التي رفعت أمامها هو نفسه الضحية.
3- مسؤولية مستشفيات الأمراض العقلية :
ويحكمها الأمر المؤرخ في 23/10/1976 المتضمن قانون الصحـة المعـدل و المتمـم .
و لقد أقيمت المسؤولية في بادئ الأمر على الخطأ الجسيم ، و بالتطور أسست على المخاطر لأن الخروج منها و لو كان مرخصا لبعض المرضى فانه يشكل مخاطر غير عادية .
4- الأسلحة النارية :
ومن بينها استعمال الأسلحة النارية من طرف أعوان مصالح الأمن. ولقد استقر الفقه و القضاء الإداريين على مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن نشاط مرفق الشرطة كقاعدة عامة و لم تنتف مسؤوليتها الخطئية إلا في 10/01/1905 بمناسبة قضية " Tomaso – Gricco" ( وتتلخص وقائع القضية في إصابة هذا الأخير بجروح أثناء مطاردة رجال الدرك لثور هائج في إحدى الأحياء التونسية فرفض مجلس الدولة طلبه على أساس انه لم يثبت أن الطلقة التي أصابته صادرة عن الدرك ، ولا ما يثبت أن الحادثة تعود إلى خطأ مصلحي ) وذلك على أساس الخطأ الجسيم ، ثم وقع في تاريخ لاحق التمييز بين النشاط الإداري المرفقي وأسست فيه المسؤولية على أساس الخطأ البسيط ، والعمل المادي التنفيذي وأسست فيه المسؤولية على أساس الخطأ الجسيم . بعد ذلك وفي إطار العمل المادي التنفيذي فرق القضاء بين حالتين وهما:
أ – حالة عدم استعمال السلاح : أقيمت المسؤولية في هذه الحالة على أساس الخطأ الجسيم .
ب- حالة استعمال السلاح : ميز في هذه الحالة بينما إذا كانت الضحية مقصودة أو غير مقصودة . ففي الحالة الأولى يشترط القضاء الإداري لترتيب مسؤولية مصالح الشرطة الخطأ البسيط ( قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 27 /07/1951 في قضية " Aubergé et Dumant " ) .
أما في الحالة الثانية، فتؤسس مسؤولية مصالح الشرطة على أساس المخاطر.
حيث أنه في عام 1949 حدث تحول هام في قضاء مجلس الدولة عندما قرر مسؤولية الدولة عن استعمال الشرطة للأسلحة الخطيرة دون اشتراط الخطأ ، ويتعلق الأمر بقضية " Lecomte " .التي تعود وقائعها إلى تاريخ 10/02/1945 عندما كان أعوان الأمن العمومي في باريس مكلفين بإيقاف سيارة
مشبوهة رغم استعمال إشارة التوقف ثم الصفارة فإن السيارة تخرق الموقف مما أدى إلى إطلاق النار باتجاه أسفل السيارة من طرف أحد رجال الشرطة ، فأصابت السيد " Lecomte " الذي كان جالسا إلى جانب السائق فأرداه قتيلا . فأقر مجلس الدولة الفرنسي المسؤولية دون اشتراط الخطأ لأول مرة ذلك لوجود مخاطر استثنائية ليس في هذه القضية فقط بل وأيضا في قضيتين متشابهتين وهما: Franquette و Dramy .
إن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا اتخذت موقفا خاصا في قضية وزير الداخلية ضد السيد "سماتي نبيل" في قرارها بتاريخ 25/06/1976 تتلخص وقائعها في أن مصالح الشرطة أوقفت السيد سماتي الذي كان يحمل محلق وعلبة حبوب ممنوعة، وبعد تسليمه لمصالح الأمن بالجزائر لاستنطاقه نقل في نفس العشية إلى المستشفى الجامعي لعلاج جروح في عينه نتيجة سقوطه داخل محافظة الشرطة .
فأقرت المحكمة العليا بعد رفع الضحية دعوى تعويض أن مصالح الشرطة مسؤولة على أساس الخطأ المرفقي الناجم عن تهاون رجال الشرطة ( سوء سير المرفق ) بدل من القاعدة المطبقة في هذه الحالة و هي اشتراط الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية مصالح الشرطة عن نشاطها المادي التنفيذي بدون استعمال السلاح.
غير أن هناك موقف آخر للاجتهاد القضائي الجزائري يساير اجتهاد Le comte في قضية وزارة الداخلية ضد السيدة( ل.م).
حيث تعود وقائع القضية في أنه بتاريخ 15/09/1970 أثناء قيام رجال الشرطة بعملية إلقاء القبض على أحد المجرمين في مدينة البليدة أصيب السيد ب.م برصاصة ضائعة و هو واقف أمام دكانه و توفي على إثر ذلك. فرفعت أرملة المرحوم دعوى تعويض ، فصرحت الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي بمسؤولية الدولة على أساس الخطأ، لكن المحكمة العليا عند استئناف الحكم أقامت المسؤولية على أساس المخاطر و ليس على أساس الخطأ. حيث جاء في حيثيات القرار ما يلي:
" حيث أنه إذا كانت مسؤولية مصالح الأمن لا يمكن أن تقام إلا أساس الخطأ الجسيم فإن مسؤولية الدولة قائمة دون وجود أي خطأ عندما تستعمل مصالح الأمن أسلحة نارية قد تشكل مخاطر خاصة بالنسبة للأشخاص و الأموال تتجاوز الأضرار الناجمة عنها، الحدود العادية التي يمكن تحملها..." .
كما أقر مجلس الدولة الجزائري في 01/02/1999 بمسؤولية مصالح الشرطة في قضية المديرية العامة للأمن الوطني ضد أرملة لشاني ومن معها.
حيث أن وقائع القضية تتمثل في أن الشرطي أسندت له مهمة الحراسة بلباس مدني بمستودع ميترو الجزائر وكان حائزا على سلاحه الناري الخاص بعمله، غير أنه أهمل منصبه و ذهب لشراء " محارق" و قد استعمل سلاحه الناري الخاص بالخدمة ضد المدعو لشاني نور الدين مصيبا إياه بجروح خطيرة أدت إلى وفاته، فرفعت أرملة المرحوم دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر ضد المديرية العامة للأمن الوطني طالبة التعويض، فأصدرت قرارا يقضي بمسؤولية المديرية و ألزمتها بدفع التعويض .
و بعد استئناف المديرية للقرار أمام مجلس الدولة الذي قضى بتأييده مؤسسا قضاءه على المادة 136 من القانون المدني.
ما يلاحظ على قرار مجلس الدولة أنه في قضاءه بتأييد القرار من جعل المسؤولية قائمة على عاتق المديرية العامة للأمن الوطني يكون منصفا للمدعية ، غير أن اللجوء إلى قواعد القانون المدني في تأسيس المسؤولية غير مستساغ لأن قواعد القانون مبنية على أساس مبدأ المساواة، في حين أن نشاط الإدارة يتميز بعلاقات قانونية غير متساوية.
فمسؤولية مصالح الشرطة هي قائمة على أساس استعمال أسلحة خطيرة و ليس على خطأ الشرطي، فالطرف المدني لا يثبت الخطأ بل واقعة استعمال السلاح الناري التابع لمصالح الشرطة والضرر الواقع و العلاقة السببية المؤثرة بينهما.
فالمسؤولية هنا على أساس السلاح الناري و أن دفع المديرية بأن الشرطي كانت له وقت الحادثة السيطرة الكاملة على سلاحه الناري و أنه لم يكن في الخدمة مردود عليه من جهتين:
- السلاح الناري سلم إليه بسبب وظيفته، و على الإدارة التأكد من كونه لن يستعمل سلاحه في إحداث ضرر بالغير لكون السلاح الناري يمتاز بالخطورة.
-الشرطي استعمل سلاحه الناري بمناسبة وظيفته أي لو لا وظيفته كشرطي لما استعمل ذلك السلاح وبعبارة أخرى وظيفته سهلت له ارتكاب الجريمة. ويشترط لتطبيق المسؤولية بدون خطأ و على أساس استعمال السلاح الناري أو السلاح الخطير توافر ثلاثة شروط وهي:
- استعمال أسلحة أو آلات ذات مخاطر استثنائية للأشخاص و الأموال.
- أن تكون الأضرار نتيجة ذلك الإستعمال.
- أن تكون تلك الأضرار متميزة في جسامتها و تتجاوز المساوي العادية الناتجة عن وجود مصالح الشرطة.
و في آخر المطاف، فإن المسؤولية أساسها نظرية المخاطر و لا علاقة لقواعد القانون المدني، و على الأخص الأحكام المتعلقة بالتابع و المتبوع .
كما يقول محافظ الدولة "باربي": "نظن بأن استعمال السلاح من طرف الأعوان المكلفين بحفظ الأمن يجعل الخواص عرضة لمخاطر غير عادية، و التي تفتح لهم الحق في التعويض إذا تحققت تلك المخاطر."
فيكفي إذن لتقوم مسؤولية المديرية العامة للشرطة أن يكون هناك سلاحا ناريا، و أن ينتج الضرر عن استعمال ذلك السلاح دون التفكير في وجود خطأ أم لا ما دامت الإدارة هي التي منحت السلاح للشرطي، فأساس المسؤولية هو المخاطر أو خطورة السلاح.
II - حالة الأخطار الناجمة عن المشاركة الظرفية في المرافق العامة(المجانية):
نشير في البداية إلى أنه بالنسبة للأعوان الدائمين التابعين للإدارة و الذين كانوا ضحايا عملهم ، فإن مجلس الدولة أقام المسؤولية في بداية الأمر على أساس المخاطر، لكن قراره هذا عرف تراجعا و لم تكن له فائدة أو أهمية ابتداءا من صدور النصوص المتعلقة بإصابات العمل و الأمراض المهنية، و قد صدرت هذه القوانين الإجتماعية في الجزائر سنة 1983 .
أما بالنسبة للمتعاونين غير الدائمين أو كانوا من الغير و قدموا مساعدتهم مجانا، فإن مجلس الدولة وسع تدريجيا من مفهوم المعاون في علاقته مع المرفق، فبعد أن كان يشترط فيه أن يكون مقبولا من الإدارة صار مطلوبا، ثم قبلت مشاركته الفجائية و نظر إلى حالة الاستعجال نظرة مرنة.
و من أمثلة ذلك المساعدة المجانية في الحفلات المحلية، إنجاد غريق. و أقيمت المسؤولية على أساس المخاطر ، لكن و نظرا للتعويض الكبير من المصالح الإدارية و الهيئات اللامركزية اقترح البعض أن يكون التعويض على حساب الدولة بدلا من مالية الهيئات المحلية .
و كأمثلة في القوانين عن تطبيقات المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر:
- المسؤولية عن مخاطر الكوارث الطبيعية : I
الكارثة الطبيعية فجائية – أي غير متوقعة - وطبيعية أي أن الإنسان لا دخل ولا يد له ، فما دخل مسؤولية الإنسان فيها؟ علما أن المسؤولية الإدارية هي مسؤولية إنسانية لأن الإدارة باعتبارها شخصا معنويا يباشر نشاطها الأعوان الإداريين لصالحها وباسمها .
إن التطور العلمي الذي تعرفه البشرية وسع من تدخل الإنسان في الطبيعة وسيطرته عليها ، فأصبح يغير من جغرافيتها ومحيطها ليستقر ويضمن أمنه ، فإذا لم يكن بإمكاننا استبعاد مسؤولية الإنسان في بعض الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وانزلاق الأراضي والأعاصير والبراكين فإن هذه المسؤولية تظهر أكثر في مجموعة أخرى من الكوارث والتي تحدث أساسا بفعل الإنسان كانهيار عقارات وانفلات مياه السد ، الحوادث النووية انهيار منجم ... الخ . فالإنسان بإنشائه لهذه المنشآت يكون قد أنشأ مخاطر جديدة ومحتملة فهو في هذه الحالة إما يساهم في حدوث تلك الكوارث أو يتسبب مباشرة فيها ولهذا فإن المسؤولية غالبا ما تكون على أساس المخاطر إلا أنها أحيانا تكون على أساس الخطأ وهذا ما سنراه فيما يلي:
1 _ تأسيس مسؤولية الدولة على أساس المخاطر: ومن أمثلة ذلك:
_ المرسوم رقم 25_81 المؤرخ في 28 فيفري 1981 والمتضمن تأسيس لجنة لتعويض ضحايا الشلف ، والذي تم بموجبه تعويض العائلات المنكوبة علي إثر زلزال أكتوبر 1981
_ المادة 202 من القانون رقم 20_ 87 المؤرخ في 23 ديسمبر 1987 والمتضمن قانون المالية لسنة 1988 ، التي تم بموجبها إنشاء صندوق الضمان ضد الكوارث الفلاحية والمرسوم التنفيذي رقم 158_ 90 المؤرخ في 26 ماي 1990 المحدد لكيفيات تطبيقها .
ففي هذه الحالات نحن أمام مسؤولية غير خطئية باعتبار أننا أمام قوة قاهرة بأتم معنى الكلمة إذ يتعلق الأمر بحادث طبيعي خارجي لا يد للإنسان فيه ، كما لا يمكن دفعه أو توقعه وفي القانون المقارنة نجد في التشريع الفرنسي عدة قوانين في هذا المجال نذكر منها :
- قانون 10جويلية 1964 الذي يؤسس نظام الضمان ضد الكوارث الفلاحية .
- قانون 31ديسمبر 1959 لتعويض ضحايا انفلات سد " Malpasset" .
- قانون 21 ديسمبر 1960 لتعويض ضحايا فيضانات 1960 .
وهذه المسؤوليات جميعها يتم تأسيسها في إطار نظرية المخاطر اعتبارا لحجم الضحايا ومأساة النتائج التي تخلفها مثل هذه الكوارث والتي تفرض على المجتمع كله مجابهة هذه المخاطر الاجتماعية التي تطغى على كل خطأ ، وفكرة التضامن هذه يضمنها الدستور الجزائري في نهاية مقدمته حيث أشار إلى محافظة الشعب على تقاليده في التضامن ، فهناك تداخل بين فكرتي التضامن والمخاطر في تأسيس هذه المسؤولية .
ونشير إلى أنه في الجزائر وبعد الزلزال الرهيب الذي ضرب منطقة الجزائر العاصمة وضواحيها صدر الأمر 03 -12 المؤرخ في 26 غشت 2003 الذي ينص على إلزامية التأمين على الكوارث الطبيعية وتعويض الضحايا، فكل مالك لملك عقاري عليه أن يكتتب عقد التأمين لضمانه من أثار الكوارث الطبيعية ، وتتولى شركات التأمين تغطية الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي عرفتها المادة 02 منه على أنها " كل حادث طبيعي ذي شدة غير عادية ... " كما نصت المادة 13 منه على أنه " لا يمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي لم يمتثل لهذا الالتزام أن يستفيد من أي تعويض للأضرار التي تلحق بممتلكاته جراء كارثة طبيعية " وهذا معناه
أن الدولة لم تعد مسؤولة عن تعويض الأضرار المادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية، أما الأضرار الأخرى فلا تزال الدولة تتكفل بها.
2 - تأسيس هذه المسؤولية على أساس الخطأ:
إن كان الأصل هو تأسيس المسؤولية في مجال الكوارث الطبيعية على أساس المخاطر فإنه أحيانا يؤسسها القانون أو القضاء على أساس الخطأ، ومن أمثلة ذلك نجد المادة 140 من قانون البلدية التي تنص على أنه " في حالة وقوع كارثة أو نكبة أو حريق فلا تتحمل البلدية أية مسؤولية تجاه الدولة والمواطنين إلا عندما تتخلى عن أخذ الإحتياطات المفوضة إليها بمقتضى القوانين والتنظيمات " هذه الإحتياطات نصت عليها المادة 71 من نفس القانون ضمن صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي .
وفي هذا الصدد دائما نجد المحكمة العليا في إحدى قراراتها تقيم مسؤولية الدولة على أساس عدم أخذ الاحتياطيات اللازمة والتي نصت عليها المادة 75 من قانون الولاية القديم وكذا المادة 76 من قانون المياه،
وقد جاء في منطوق هذا القرار " متى كان من المقرر قانونا أن الدولة تقوم على مستوى الشبكة الهيدروغرافية بإنجاز منشأة التنظيم والتعديل والمعايرة والحجز وتسوية المرتفعات الخاصة بالفيض قصد حماية الاقتصاد الوطني والأشخاص وممتلكاتهم من مخاطر الأضرار التي تحدثها المياه ومن ثم فإن حدوث فيضانات أدت إلى خسائر
ادية دون أن تقوم بمنعها أو على الأقل بتوقعها والعمل على تجنبها بجميع أشغال الصرف الضرورية، لا يعد قوة قاهرة ويجعل مسؤولية الإدارة قائمة " .
II- مسؤولية الدولة عن الأعمال الإرهابية :
لمدة طويلة كان مصير ضحايا الأعمال الإرهابية مهمشا باعتبار أن مجلس الدولة الفرنسي كان يرفض الاعتراف بمسؤولية الدولة بدون خطا، فكان يشترط أن يكون هناك خطا جسيم مادام أن ذلك يتعلق بالنشاط المادي لمصالح الأمن . ففي قضية " yener " على سبيل المثال والتي تمثلت وقائعها في اغتيال سفير تركيا بفرنسا وهذا وسط مدينة باريس ، فإن الاعتراف بمسؤولية الدولة في هذه القضية كان على أساس الخطأ الجسيم بسبب عدم الاحتياط ضد الهجمات و الاعتداءات ، وعدم كفاية تدابير الأمن لحماية أعضاء بعث دبلوماسية وبقي الأمر على حاله إلى حين صدور القانون المتعلق بمحاربة الإرهاب والمساس بأمن الدولة المؤرخ في 09 سبتمبر 1986 والمعدل في 06 جويلية1990 الذي نص على إنشاء صندوق تضامن Unfond de Garantie
الذي يتكفل بتعويض ضحايا الأعمال الإرهابية المرتكبة على الأراضي الفرنسية وكذا الأشخاص من جنسية فرنسية المتضررين خارج التراب الفرنسي من جراء نفس الأعمال وهذا فيما يخص الأضرار الجسدية بينما تتكفل شركات التأمين بتغطية الأضرار اللاحقة بالممتلكات من جراء هذه الأعمال .
أما في الجزائر فأول نص صدر في هذا المجال هو المادة 145 من قانون المالية لسنة 1993 ، والمرسوم التنفيذي رقم 93-181 المؤرخ في 19 يناير 1993 ، المحدد لكيفيات تطبيق أحكام هذه المادة أين تم إنشاء صندوق خاص بتعويض ضحايا الإرهاب الذي يتكفل بتعويض ذوي حقوق الضحايا المتوفين وكذا الأضرار
الجسدية والمادية ، أما فيما يخص بعض الفئات كموظفي مصالح الأمن والمستخدمين العسكريين والأشخاص المنتمين إلى فئات الموظفين والأعوان العموميين ضحايا الإرهاب بسبب نشاطاتهم المهنية فإنهم يتقاضون معاشات خدمة وتعويضات أخرى من ميزانية الدولة بالإضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 99-47 المؤرخ في 13 فبراير 1993 والذي يعرف ضحية عمل إرهابي على أنه" كل شخص تعرض لعمل ارتكبه إرهابي أو جماعة إرهابية يؤدي إلى الوفاة أو إلى أضرار جسدية أو مادية" والذي تضمن تعويض الناجين من الاغتيالات الجماعية في شكل مساعدات مالية بالإضافة إلى تدابير مطبقة لصالح عائلات ضحايا الاختطاف كما أضاف الأطفال المكفولين ضمن ذوي الحقوق ووسع من دائرة الضحايا بحيث أضاف ضحايا الحوادث الواقعة في إطار مكافحة الإرهاب بالنسبة للأضرار الواقعة بمناسبة القيام بإحدى مهمات مصالح الأمن .
وفي هذا الصدد نجد قرار صادر عن الغرفة الإدارية لمجلس قضاء بجاية بتاريخ 04 /06/2000 تحت رقم 405 ، الذي قضى بإلزام والي ولاية بجاية بأن يدفع للمدعين مبلغ مالي كمنحة إلى حين سقوطها ومراجعتها قانونا باعتباره تعرض لطلقات نارية بالمكان المسمى آيت شتلة صادر عن عناصر دورية المكلفة بمراقبة إقليم سيدي عيش في إطار مكافحة الإرهاب .
III- نظام مسؤولية البلدية عن التجمهر والتجمعات :
لقد كان التعويض عن الأضرار الناجمة عن التجمهر والتجمعات في فرنسا يخضع إلى نظام تشريعي خاص منذ الثورة الفرنسية في 1789 خاصة بعد المشابكات التي وقعت خلالها وما نتج عنها من أضرار إذ كان يتحمل عبء تعويضها سكان البلدية باعتبارهم المتسببين في الفوضى الواقعة ، وبالتالي فإن عبء التعويض لم
يكن يقع علي ميزانية البلدية بل على سكانها الذين يتحملون دفع غرامة للخزينة إلى جانب التعويض والذين لم يكن بإمكانهم نفي مسؤوليتهم إلا إذا أثبتوا أن التجمهر جاء من خارج البلدية .
وقد غير هذا النظام بالقانون الولائي الصادر في 05/04/1884 الذي جعل مسؤولية البلدية تقوم على أساس الخطأ المفترض المسند إلى الشرطة الولائية ولم يكن بإمكان البلدية نفي مسؤوليتها إلا أثبتت أنها اتخذت كافة الإحتياطات للحفاظ على الأمن العام، إلا أن عبء التعويض بقي على عاتق سكانها وبالتالي إذا كانت الضحية من سكان البلدية فإنها تتحمل دفع الضريبة المخصصة للتعويض عن أضرار هذه التجمهرات أو التجمعات، وبقي الأمر كذلك إلى غاية صدور قانون 16/04/1914 الذي جاء بنظام جديد مفاده أن البلدية مسؤولة مدنبا عن الأضرار الناجمة عن الجنايات والجنح المرتكبة خلال التجمهرات المسلحة أو غير المسلحة المقامة في إقليمها تجاه الأشخاص والأموال العامة أو الخاصة، وفي حالة ما إذا كانت هذه التجمهرات أو التجمعات مشكلة من سكان عدة بلديات فإن كل واحدة منها تكون مسؤولة بالقدر الذي يحدده القاضي، كما أن عبء التعويض كان يقع على البلدية والدولة معا وكان بإمكانها الرجوع على المتسببين في هذه الأضرار، وتجدر الإشارة إلى أن اختصاص النظر في مسؤولية البلدية كان يؤول إلي القاضي العادي بفرنسا وذلك إلى غاية صدور قانون البلدية في 09/01/1986 كما أنه بصدور قانون 07/01/1983 أصبحت الدولة الفرنسية مسؤولة مدنيا ولوحدها عن أضرار التجمهر مع إمكانية ممارسة دعوى الرجوع ضد البلدية في حالة ثبوت قيام مسؤولية هذه الأخيرة .
في الجزائر كرست المادة 139 من قانون البلدية مسؤوليتها عن التجمهر والتجمعات إذ نصت على " تكون البلدية مسؤولة مدنيا عن الخسائر والأضرار الناجمة عن الجنايات والجنح المرتكبة بالقوة العلنية أو بالعنف غي
ترابها فتصيب الأشخاص أو الأموال أو خلال التجمهرات والتجمعات على أن البلدية ليست مسؤولة عن الإتلاف والأضرار الناجمة عن الحرب أو عندما يساهم المتضررون في إحداثها".
عند استقراء المادة نلاحظ أن هناك جملة من الشروط الواجب توافرها حتى تترتب مسؤولية البلدية يمكن حصرها في :
- أن ينتج العمل الضار عن تجمهر أو تجمع وبالتالي تستبعد الأعمال الانفرادية إذ أن تزاحم مجموعة من الأشخاص لا بكفي لتطبيق النص، في حين أنه يمكن أن يطبق في حالة تجمع مجموعة من المضربين إذا نتج عنه أضرار إذ لا يشترط طابع العصيان ضد النظام القائم .
والجدير بالذكر أن المادة 139 لم تحدد إن كانت هذه التجمعات أو التجمهرات مسلحة أو غير مسلحة عكس ما هو الحال في قانون البلدية الفرنسي .
- استعمال القوة العلنية والعنف أثناء التجمهرات في ارتكاب الجنايات والجنح خلالها .
- أن يقع الفعل الضار في تراب البلدية ونظرا لعدم وجود نص قانوني يحدد بدقة مفهوم تراب البلدية فإنه يبقى أن نعتمد على ما هو جاري العمل به في القضاء الفرنسي والذي قصد بها الطرق والساحات العمومية إلا أنه تم توسيع مجال تطبيق المادة 131 _1 من قانون البلدية الفرنسي إذ أصبح تراب البلدية يضم حتى الممتلكات الخاصة إذا وقعت بها أعمال العنف بسبب التجمهر والتجمعات .
-فيما يخص صفة مرتكب الضرر فإن القضاء الفرنسي عالج المسألة تحت منظار واسع إذا لم يشترط أن ترتكب أعمال العنف من أحد المشاركين في التجمهر أو التجمع فقط بل جعل مسؤولية البلدية تقوم بناءا على أعمال العنف التي يمارسها رجال الشرطة لتهدئة الوضع.
- فيما يخص صفة الضحية ،فإنه حسب المادة 139 فإن البلدية لا تكون مسؤولة عن الأضرار التي لحقت بالضحية المشاركة في التجمهر ،وينبغي التمييز بين المشارك وغير المشارك جد صعب على عكس القانون الفرنسي الذي يمنح المشارك المتضرر التعويض عما لحقه جراء التجمهر أو التجمع .
وتجدر الملاحظة أنه طبقا لهذه المادة فإن البلدية هي المسؤولة الوحيدة عن الأضرار الناجمة عن التجمهر أو التجمع ، رغم أن المادة 142 من نفس القانون تثير بعض اللبس بقولها :" للدولة أو البلديات المصرح بمسؤوليتها حق الرجوع على المتسببين أو المشتركين في إحداث الأضرار ." لكن لا يرقى المر إلى حد التصريح بمسؤوليتها بصفة قطعية عكس ما كان الحال عليه في ظل قانون البلدية القديم الأمر رقم 24-67 المؤرخ في 18/01/1967 حيث كانت مساهمة الدولة في تعويض الأضرار تساوي النصف .
أما إذا كانت التجمهرات أو التجمعات مكونة من سكان عدة بلديات فإن كل واحدة منها تكون مسؤولة عن الخسائر أو الأضرار الناجمة ، وذلك حسب النسبة التي تحددها الجهة القضائية المختصة وهي الجهة الإدارية طبعا .
وقد صدر قرار عن مجلس الدولة بخصوص مسؤولية البلدية عن التجمهرات والتجمعات باعتبارها مخاطر اجتماعية بتاريخ 26/07/1999 في قضية بلدية حاسي بحبح ضد (ج . ع ) ومن معه إذ قضى مجلس الدولة بتأييد القرار المستأنف الصادر عن مجلس قضاء الجلفة والذي قرر مسؤولية بلدية حاسي بحبح على أساس المادة 139 بشأن طلقة نارية تعرض لها طفل قاصر بمناسبة الاحتفال بفوز السيد اليامين زروال ، رغم أن البلدية دفعت بكون المظاهرات غير مرخص بها أنها قامت باحترام أحكام الماد ة 140 المتعلقة باتخاذ كافة الإحتياطات المفروضة عليها ،وذلك لأن المادة 139 لم تشترط أن تكون التجمعات أو التجمهرات مرخصا
بها حتى تكون البلدية مسؤولة، محل الدفع تتعلق بحالة وقوع نكبة أو حريق وليس بحالة وقوع جرائم بالعنف أو بالقوة العلنية أو في حالة التجمهر أو التجمع .
وفي مجلس قضاء بجاية نجد أن الغرفة الإدارية حملت بقرارها الصادر بتاريخ10/06/2003 تحت رقم فهرسة 500-2003 بلدية القصر المسؤولية عن الأضرار المادية التي لحقت بالمدعي ( د ع م ) بأثاث منزله إثر العمال التخريبية التي جرت بالبلدية .
IV – مسؤولية الدولة عن السيارات التابعة لها :
فيما يخص مسؤولية الدولة عن السيارات التابعة لها نجد المادة الأولى من الأمر 74-15 تنص على إلزامية التأمين على المركبات لتغطية الأضرار التي تسببها هذه الأخيرة للغير ، وفي المادة الثانية من نفس الأمر أعفيت
الدولة من هذا التأمين غير أنه يقع عليها التزامات المؤمن بالنسبة للمركبات التي تملكها أو الموجودة في حراستها وبهذا فهي ملومة بتعويض ضحايا حوادث المركبات التابعة لها ، ويعود الاختصاص ويعود الاختصاص في تقدير ومنح هذا التعويض إلى القضاء العادي وهذا تطبيقا لما جاء في نص المادة 07 مكرر من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على :" خلافا لأحكام المادة 07 تكون من اختصاص :
1- المحاكم :
2- - المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية والرامية لطلب تعويض الأضرار الناجمة عن سيارة تابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري .......... "
بعد أن وجد تنازع بين الغرفة الإدارية والغرفة الجزائية بالمجلس الأعلى حول هذا الاختصاص حيث اعتمدت الأولى على نص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية الذي يخول لها الاختصاص للنظر في الدعاوى التي تكون الدولة والبلدية والولاية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري طرفا فيها ، في حين اعتمدت الثانية على المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص على : " يجوز مباشرة الدعوى المدنية مع الدعوى العامة في وقت واحد أمام الجهة القضائية نفسها .
وتكون مقبولة أيا كان الشخص المدني أو المعنوي المعتبر مسؤولا مدنيا عن الضرر.
وكذلك الحال بالنسبة للدولة، والولاية، والبلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري في حالة ما إذا كانت غاية دعوى المسؤولية ترمي إلى التعويض عن ضرر تسببه مركبة.
المطلب الثاني: المسؤولية الإدارية على أساس مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة
تهتم نظرية المساواة أمام الأعباء العامة أساسا بالضرورة وتركز على إصلاحه دون أنى اهتمام بالخطأ أو المخاطر الذين يعتبران حسب وجهة نظر بعض أنصار النظرية مجرد شروط لقيام المسؤولية وليس أساسا لها فحسب الأستاذ " Delaubadere " لا يمكن أن ينسب الخطأ في مجال القانون الإداري إلى الإدارة مباشرة. فالخطأ يرتكب من قبل موظفين مجهولين و تتحمل المسؤولية ذمة مالية أخرى غير ذمة مرتكب الخطأ و هو ما يبين أن الخطأ ليس سوى شرط من شروط قيام المسؤولية و ليس أساسا لها.
كذلك فكرة المخاطر فهي لا تتعلق بتأسيس المسؤولية و إنما بالتوازن فقط بين المغانم و المغارم .
إن مبدأ المساواة حسب هذا التحليل هو في حقيقته أساس عام و وحيد للمسؤولية الإدارية و يتطلب تعميمها، فكلما حصل ضرر كلما كان هناك مساس بمبدأ المساواة .
إن مبادئ العدل و الإنصاف تقتضي أن لا يتحمل أي فرد بسبب أضرار الإدارة أعباء إضافية أكثر من الآخرين ، و لذلك ينبغي أن تعوض الدولة – و هي الفاعل غير المباشر- ضحايا هذه الأضرار .
ا لقضاء طبق هذا المبدأ في حالتين و هما مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية و المسؤولية الإدارية بسبب نصوص قانونية و هو ما سنتعرض إليه .
الفرع الأول : مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية
نصت المادة 145 من دستور 1996 م الجزائري على أنه :
"على كل أجهزة الدولة المختصة أن تقوم في كل وقت و في كل مكان و في جميع الظروف بتنفيذ أحكام القضاء." كما نصت المادة 324 من قانون الإجراءات المدنية على أن :
"جميع الأحكام قابلة للتنفيذ في كل أنحاء أراضي الجمهورية .و لأجل التنفيذ الجبري للأحكام و القرارات يطلب قضاة النيابة العامة مباشرة استعمال القوة العمومية ، و يشعر الوالي بذلك و عندما يكون التنفيذ من شأنه الإخلال بالنظام العام إلى درجة الخطورة ، يمكن للوالي و بطلب مسبب يقدمه في أجل ثلاثين (30) يوما من تاريخ إشعاره أن يلتمس التوقيف المؤقت لمدة أقصاها ثلاثة (3) أشهر."
و حسنا فعل المشرع عند تعديله لهذه المادة خاصة الفقرة الثالثة منها بموجب قانون رقم 01-05 المؤرخ في : 22/05/2001 المعدل و المتمم للأمر 66/154 المتضمن قانون الإجراءات المدنية بتقييده لحق الوالي في الاعتراض على تنفيذ الحكم القضائي المشعر به إذا كان تنفيذه يشكل إخلال جسيم بالنظام العام .
إذن القاعدة العامة هي أن الأحكام و القرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه واجبة النفاذ و يقع على السلطة العامة واجب مد يد العون و القوة العمومية لمساعدة الجهات المعنية على تنفيذها.
و عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية قد يكون بدون مبرر و هنا تكون الإدارة قد أخلت بالتزامها و هو ما يشكل خطأ جسيم يستوجب مسؤوليتها ، و قد يكون بمبرر ، و هنا يكون للمضرور حق في التعويض جراء ما لحقه من أضرار على أساس المسؤولية بدون خطأ و الامتناع يكون في حالتين :
I– حالة رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر ضدها :
غالبا ما ترفض الإدارة تنفيذ القرارات القضائية الصادرة ضدها و هي إشكالية تخص المنازعات الإدارية ذلك أنه في المنازعات العادية نجد جزاءات لعدم التنفيذ من طرف الأفراد كالحجز مثلا .
و لقد أبعدت هذه الجزاءات عن الإدارة لعدم إمكانية الحجز على المال العام ( أموال الإدارة ) أو التصرف فيه أو تملكه بالتقادم ( المادة 689 من القانون المدني ).
و في هذه الحالة أي رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر ضدها نميز بين القرارات المتعلقة بدعوى تجاوز السلطة و تلك المتعلقة بدعوى التعويض .
- مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ القرارات القضائية المتعلقة بدعوى الإلغاء :1
تتوقف سلطة القاضي الإداري في دعوى الإلغاء عند حد النطق بإلغاء القرار الإداري غير المشروع ، فإذا رفضت الإدارة تنفيذ قرار قضائي لصالح من حكم له فعليه أن يرفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء عدم التنفيذ لأن ذلك يعتبر مخالفة للقانون و يرتب مسؤولية الإدارة .
2- مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ قرار قضائي المتعلقة بدعوى التعويض:
نظم المشرع الجزائري كيفيات التعويض بموجب الأمر 75-48 الملغى بموجب القانون رقم 91-02 المؤرخ في 18-01-1991م الذي يحدد القواعد الخاصة المطبقة على بعض أحكام القضاء .
نصت المادة (5) علما أن القرارات القضائية هي المتعلقة فقط بالتعويض بتوفر شرطان و هما:
أ- أن تكون القرارت نهائية .
ب- أن يحدد المبلغ المحكوم به على الإدارة .
كما نصت المواد من 6 إلى 10 على إجراءات و كيفيات المطالبة بالتعويض عن طريق الخزينة العمومية.
II- حالة رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر لفائدة شخص آخر غير الأشخاص المعنوية العامة :
اعتبر الفقه رفض الإدارة تنفيذ أو منح يد المساعدة من أجل تنفيذ قرار أو حكم نهائي لفائدة فرد ضد آخر يعد خرقا لمبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة و يرتب مسؤوليتها عن تعويض الأضرار اللاحقة بالمدعي صاحب الحكم أو القرار على أساس هذا المبدأ.
أما القضاء ، فإن أول قرار قضائي وضع مبدأ مسؤولية الإدارة بسبب الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء من خلال قرار كوتياس Couiteas اليوناني الأصل و تتلخص وقائع القضية في أنه بتاريخ
13/02/1908 أقرت محكمة سوسة التونسية حق السيد "كوتياس " في ملكية قطعة أرض اكتسبها من الدولة ، لكن الحكومة الفرنسية رفضت منح القوة المسلحة لتنفيذ الحكم و طرد القبيلة التونسية الحائزة للأرض منذ مدة من الزمن و الرافضة للخروج منها ، و ذلك بحجة الحفاظ على النظام العام.
أقر مجلس الدولة الفرنسي شرعية الامتناع عن التنفيذ في هذه القضية كون الحكومة لم تستعمل سوى صلاحياتها في الحفاظ على النظام و الأمن العموميين .
و في نفس الوقت أقر حق المدعي "كويتاس" في التعويض عن الأضرار اللاحقة به جراء عدم تمكنه من تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته ، لأن هذه الأضرار لا يمكن اعتبارها من تلك الأعباء التي يتحملها المدعي بصفة عادية .
بمعنى أن مجلس الدولة منح التعويض للسيد" كويتاس" تجسيدا لمبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة.
و لقد أخذت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا بنفس الحل الذي توصل إليه القضاء الفرنسي ، فأقرت بمسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية، و مثال قراراتها تلك الصادرة في قضية "بوشــــباط و سعيدي" بتاريخ 20/01/1979، و التي تتلخص وقائعها في أن محكمة الجزائر أصدرت حكما يقضي بإلزام السيدين" قرومي" و "مراح" بدفعهما للمدعين بوشباط و سعيدي مبلغ مالي مقابل إيجار محل تجاري واقع على ملكيتهما ، و هو الحكم المصادق عليه من طرف المجلس، تقدم المدعيان لتنفيذ القرار ، لكن والي الجزائر تقدم برسالة اعتراض على التنفيذ ، حينها تظلم المدعيان أمام وزير العدل و وزير الداخلية ملتمسان تعويضهما عن الأضرار الناجمة بسبب اعتراض الوالي و امتناع عون التنفيذ ، إن هذا السكوت يعد بمثابة قرار بالرفض.
فرفع المعنين دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر ضد هذا القرار الضمني بالرفض ، فقضت بالرفض ، لذلك لجأ المعنيان إلى المحكمة العليا التي أقرت مسؤولية الدولة على أساس الخطأ الجسيم ، لأن الامتناع عن التنفيذ في هذه القضية لا يتعلق بدواعي النظام العام و لأن سلوكها يعتبر غير شرعي.
و في نفس الوقت ذكرت المحكمة العليا بمبدأ المسؤولية بدون خطأ عند الإمتناع عن التنفيذ بسبب ضرورات النظام العام مستعملة نفس العبارات التي استعملها القضاء الفرنسي خاصة في قرار "كوتياس" و القرارات اللاحقة له.
ملاحظـات هـامـة :
1- إذا تعلق الأمر بالامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء بسبب دواعي الحفاظ على النظام و الأمن العموميين ، فإن الإدارة تكون مسؤولة رغم أنها لم ترتكب أي خطأ. بمعنى أن المسؤولية هنا تقوم بدون خطأ. على عكس ما إذا كان امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام القضاء بعيدا عن مبدأ الحفاظ على النظام و الأمن العموميين و بل لأسباب أخرى ، فإن المسؤولية الإدارية هنا تكون على أساس الخطأ المرتكب من جانب الإدارة ، و هنا تخرج عن مجال المسؤولية الإدارية بدون خطأ .
و لقد نص المشرع الجزائري في المادة 138 مكرر من قانون العقوبات ( قانون 01/09 المؤرخ في 26 يونيو 2001) على ما يلي :
«كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته لوقف تنفيذ حكم قضائي أو امتنع أو اعترض أو عرقل تنفيذه يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى ثلاثة (3) سنوات و بغرامة من 5.000 دج إلى 50.000 دج »
و حسنا ما فعل المشرع في هذا التعديل ، إذ أضفى الطابع الجزائي على وقف أو امتناع أو اعتراض أو عرقلة تنفيذ حكم قضائي من طرف الموظف العمومي و قرر عقوبته بالحبس ، و هذا ما يجعل في رأينا نوعا ما من الصرامة في تنفيذ أحكام القضاء.
2- فيما يتعلق بمسؤولية الإدارة بسبب نصوص قانونية ، فإنه يجب التمييز بين مســؤولية هذه الأخيرة و مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية حيث أن تقرير كلتا المسؤوليتين يقوم على نفس الأساس ألا و هو مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة .
و هو المبدأ الذي اتبعه مجلس الدولة الفرنسي في قضية شركة منتجات الحليب La fleurette و تتلخص وقائعها في أن قانون 09/06/1934 منع صناعة و بيع الكريمة الأمن الحليب الخالص . و من آثار هذا القانون أن توقفت شركة منتجات الحليب من صناعة نوع من الكريمة يدعى «La Gradine» كانت تنتجها من الحليب الخالص و زيت الفول السوداني و صفار البيض .
و من خـلال تنفيذها لهـذا القانون ظهر أنها هي الوحيدة التي توقف إنتاجها لهذا النوع من المنتوج ، مما جعلها ترفع دعوى من أجل طلب التعويض عن الأضرار غير العادية التي لحقت بها و الناجمة عن صدور هذا القانون.
إن مجلس الدولة في قراره الصادر في: 14/01/1938 بهذه المناسبة أقر بعدم وجود ما يسمح بأن المشرع قصد تحميل شركة "لا فلوريت" عبء غير عـادي لا في النص القانوني و لا في الأعمال التحضيرية و لا من ظروف القضية ، حيث أن هذا العبء الذي شرع لفائدة الجميع يجب أن يتحمله الجميع دون إستثناء .
من هنا، قبل مجلس الدولة منح الشركة المتضررة تعويضا على أساس مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العـامة .
و عليه يتضح أنه و لقيام المسؤولية الإدارية بسبب نصوص تشريعية لابد من توافر شروط و تتمثل فيما يلي
1- عدم النص في التشريع على مبدأ عدم التعويض عن الأضرار الناجمة عن تنفيذه .
2- النص على منع نشاط غير مشروع .
3- أن يكون الضرر غير عـادي و خاص .
المسؤولية في القانون العام مثلها في القانون الخاص تستلزم توافر شروط حتى يمكن القول بقيامها،
و بالتالي حق المتضرر في الحصول على التعويض وهو ما سنتطرق إليه من خلال المبحثين الآتيين:
المبحث الأول: شروط قيام المسؤولية الإدارية:
حتى تقوم المسؤولية الإدارية فلا بد من ثلاث شروط أساسية : وجود الضرر، العلاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه، و إمكانية إسناد الضرر أو الفعل الضار الناتج عنه الضرر إلى شخص عمومي معين:
المطلب الأول : الضرر القابل للتعويض في إطار المسؤولية الإدارية (Le préjudice )
القاعدة " لا مسؤولية و لا تعويض بدون ضرر" ، و حتى يكون الضرر قابلا للتعويض فلا بد من أن تتوفر فيه مجموعة من المميزات و المتمثلة في مميزات عامة تتعلق بالمسؤولية الإدارية سواء القائمة على خطأ أو بدون خطأ، و مميزات خاصة تنفرد بها المسؤولية الإدارية بدون خطأ:
الفرع الأول: المميزات العامة
I- الطابع المؤكد للضرر:
عرفه القضاء الإداري بأنه الضرر الحالي(Actuel)والضرر المقبل(Future)و استثنى الضرر المحتمل.
1 ـ الضرر الحالي: هو الضرر الذي يمكن للقاضي تقديره.
2 ـ الضرر المقبل: هو الضرر الممكن وقوعه لوجود مؤشرات تدل على ذلك، و هو يتميز بالطابع المؤكد في أساسه ، و من أمثلة هذا النوع :
- الطفل الذي سيعاني حتما في المستقبل من نقص في قدراته العملية نتيجة العجز الذي أصابه.
ـ قضيتي " دبوز " و " بن قرين" للتعويض عن الضرر اللاحق بأولياء التلاميذ بسبب وفاة أولادهم في مؤسسات تربوية ، و قررت الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا أن الضررر اللاحق بالمدعين مؤكد حتى و إن لم
يكن حاليا، كما قررت أن هذا الضرر قابل للتعويض بحيث سيمنح أولياءهم مساعدة تقدم لهم في المستقبل
3 ـ الضرر المحتمل: استثنى القضاء الإداري هذا النوع من الضرر من التعويض، و من أمثلته قضـية " زلاقين" ، حيث طلب إثرها المدعي تعويض ضرر ناجم عن إمتناع غير قانوني للإدارة فأجاب القاضي أن هذا الضرر له طابع إحتمالي، و بالتالي فهو لا يستحق التعويض
و يظهر الطابع المؤكد للضرر أيضا في حالة " تفويت فرصة" بشرط أن تكون هامة و جدية و من أمثلتها:
ـ منع مترشح لمسابقة الوظيف العمومي من اجتياز الإمتحان، بطريقة غير شرعية يعتبر حالة تفويت فرصة يمكن منح التعويض على أساسها.
ـ كذلك حالة الخطأ في تشخيص المرض المسبب لعجز المريض، فلو كان التشخيص صحيحا كان يمكن تفادي العجز الذي أصيبت به الضحية.
و هو نفس ما سار عليه مجلس الدولة الجزائري في قراره الصادر بتاريخ 07/05/2001 قضية ( ل.أ) ضد رئيس بلدية حاسي بحبح، معتبرا أن الضرر الذي أصاب المستأنف هو تفويت فرصة له في الحصول على سكن آخر كونه كان ينتظر الحصول على المفاتيح منذ سنة 1995.
و مسألة الطابع المؤكد للضرر متروكة لسلطة قاضي الموضوع التقديرية حسب اتجاه مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار 26 نوفمبر 1993.
IIـ الطابع الشخصي للضرر:
يرتبط هذا الطابع بقاعدة الصفة و المصلحة في التقاضي طبقا لنص المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية، و هذا الأمر لا يثير إشكالا إلا بالنسبة للضرر اللاحق بالأفراد:
1 ـ الضرر الذي يلحق الأموال:
يطرح هذا الطابع بالنسبة للأملاك العقارية و يحدد حسب العلاقة بين المال و المتضرر (المدعي):
ـ إذا كان الضرر يمس بجوهر العقار فالتعويض هنا يكون لمالك العقار فقط.
ـ أما إذا كان الضرر يمس بحق الإنتفاع فالطابع الشخصي هنا يرتبط بصاحب حق الإنتفاع سواءا كان المستأجر أو المنتفع و المالك في نفس الوقت.
2 ـ الضرر الذي يلحق الأفراد:
الإشكال هنا لا يطرح بالنسبة للضحية و إنما بالنسبة لذوي حقوقها، و هو ما أطلق عليه القضاء الإداري مصطلح " الضرر المنعكس" ، كما طبق مبدأ عام " الحق في التعويض ينتقل إلى الورثة" ، و هنا ميز بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: إذا طالبت الضحية بالتعويض قبل وفاتها فهنا ينتقل هذا الحق إلى الورثة سواء كان الضرر ماديا أو معنويا.
ـ الحالة الثانية: إذا توفيت الضحية قبل طلب التعويض فلا يحق للورثة طلب التعويض عن الضرر المتعلق بالآلام الجسدية المتعلقة بالضحية دون غيرها.
● و تبعا لهذا تتأثر العلاقة التي تربط الضحية بذوي حقوقها:
ـ للأصول الحق في التعويض عن الضرر المعنوي بسبب وفاة أحد الأبناء و هو ما جسدته الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية " حطاب " ضد الدولة.
كذلك الضرر المتعلق بالإخلال بظروف المعيشة و هو ما أقرته أيضا الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضيـة " أرملة مريش" ضد الدولة.
ـ للفروع أولاد الضحية الحق في التعويض عن الضرر المعنوي و عن الإخلال في ظروف المعيشة، أما بالنسبة للتعويض عن الضرر المادي فيشترط أن يكونوا تحت نفقته و هو ما سايرته الغرفة الإدارية بمجلس قضاء بجاية في قضية بين ذوي حقوق المرحومة " د.ص" ضد " مدير مستشفى أقبو ".
ـ للزوج الحق في طلب التعويض المادي و الإخلال في ظروف المعيشة.
ـ أخ و أخت الضحية المتوفية لهما الحق في التعويض عن الضرر المعنوي و الإختلال في ظروف المعيشة إذا كانوا تحت نفقته.
IIIـ الطابع المباشر للضرر:
بمعنى أن يكون الضرر ناتجا مباشرة عن العمل الإداري الضار و هو ما يثير قاعدة السببية التي سنتطرق إليها في المطلب الثاني، من هذا المبحث.
IVـ أن يمس الضرر بحق مشروع أو بمصلحة مشروعة :
« Le dommage doit porter à une situation, où a un intérêt légitime et juridiquement protégé (e) »
قبلا كان القضاء الإداري يشترط المساس بحق مشروع و في إطار البحث عن تعويض كل من تضرر نتيجة أعمال الإدارة بالبحث عن الأطراف التي لها الحق في التعويض فوجد أن هناك أشخاصا غير شخص الضـحية
نفسها و تربطهم علاقة بها يلحقهم ضرر par ricochet) ( ، مما أدى به إلى تليين موقــفه و تقرير
تعويض الضرر في حالة المساس بمصلحة مشروعة. و من هنا يخرج من مجال الضرر القابل للتعويض:
ـ الحالات المخالفة للقانون.
ـ الحالات المستبعدة قانونا.
و رغم هذه الحالات يمكن للقاضي الإداري تقدير و رفض التعويض إذا تبين له أنه غير مشروع و هذا حسب المعطيات القانونية و الاجتماعية المقدمة أمامه.
و من بين القرارات التي أشارت لهذا الشرط:
ـ قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضية السيدة " Muësser " بتاريخ 03 مارس 1978 ،
و هو نفس ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية " بوشاة سحنون" و " سعدي مالكي" ضد وزيري الداخلية و العدل ، فأشار للطابع المشروع للضرر اللاحق بالضحايا.
الفرع الثاني: المميزات الخاصة بالمسؤولية الإدارية بدون خطأ
إضافة للميزات العامة المذكورة سابقا، هناك ميزتين أساسيين بالنسبة للمسؤولية الإدارية بدون خطأ و تتمثل فيما يلي:
Iـ الطابع الخاص للضرر: L.C. spécial))
حسب الأستاذ محيو: " إن الطبيعة الخاصة للضرر تكمن في إصابة فرد واحد أو عدد من الأفراد، فإن كان للضرر مدى واسع، فإنه يشكل عبئا عاما يتحمله الجميع و مانعا لحق التعويض ".
يمكن القول أن الطابع الخاص معناه أن يمس الضرر عددا محدودا من الأفراد فإذا مس عددا كبيرا أصبح عبئا يتحمله الجميع لا يمكن منح التعويض على أساسه، فالمعيار المتفق عليه فقها و قضاءا هو"معيار العدد" بمعنى أن يصيب شخص أو عدد قليل من الأشخاص يمكن تحديدهم اسميا مستندين على مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، و هو ما جسدته قضيتي " لافلوريت" و "كوتياس" .
IIـ الطابع غير العادي للضرر: اختلف الفقه و القضاء الإداريين في تحديد معنى هذا الطابع:
ـ فقها: هو الضرر الذي يفوق ما يؤخذ على عاتق كل مواطن.
ـ قضاءا: حدد هذا الطابع عبر طرق مختلفة لكنه رجح معيار" درجة الضرر" خاصة في مجال الأشغال العمومية و مجال النشاط التشريعي و التنظيمي.
و درجة الضرر بهذا المعنى هي أن يكون جسيما يفوق ما يمكن أن يتحمله عادة الأفراد، و لصعوبة تحديده تبقى للقاضي الإداري السلطة التقديرية في ذلك.
الفرع الثالث: أنواع الضرر القابل للتعويض
اختلف الفقه في تصنيف أنواع الضرر القابل للتعويض، لكن القضاء الإداري أخذ بتقسيم الضرر إلى مادي و معنوي كما سيأتي بيانه:
Iـ الضرر المادي : ينقسم إلى ضرر لاحق بالأموال، ضرر مالي، ضرر جسماني:
1ـ الضرر المادي اللاحق بالأموال: هنا نفرق بين نوعين:
ـ حالة المساس المادي بالمال و ذلك بتحطيمه كليا أو جزئيا.
ـ حالة الضرر المؤدي إلى الإخلال في الإنتفاع بالشيء سواء كان من فعل الغير أو بسبب إيذاء ما :
أ_ الإخلال بالانتفاع بسبب الغير:
أحسن مثال هو مسؤولية الإدارة عن الضرر الناجم عن رفضها تنفيذ القرارات القضائية النهائية الصادرة لصالح مدع ضد شخص آخر، حيث أن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا قضت في قضية " بوشات سحنون و سعيدي مالكي" ضد وزير الداخلية و وزير العدل بتعويض المدعيين عن الضرر الذي لحق بهما بسبب عدم تنفيذ قرار قضائي صادر لصالحهما على أساس أنه إذا كان للإدارة عدم تنفيذ بعض القرارات القضائية فإن التأجيل في تنفيذ القرار القضائي، الذي يقضي بطرد شاغل ملك لصالح المدعيين يمنعهما من حق الإنتفاع بملكهما و يسبب لهما ضررا قابلا للتعويض"
ب_ الإخلال بالانتفاع بسبب إيذاء ما:
حسب القضاء الإداري يتحقق هذا النوع من الضرر في حالة تغير شروط انتفاع المالك أو الشاغل بصفة ملحوظة مهما كانت طبيعة الإيذاء.
2 ـ الضرر المالي:
هو الضرر اللاحق بالنشاطات المهنية بصفة مباشرة سواء كانت نشاطات خاصة أو عمومية أو وظيفية.
3 ـ الضرر الجسماني: و ينقسم إلى:
أ- ضرر يمس بالسلامة الجسمانية :
و هو ما يسمى بالآلام الجسدية و يمكن أن يكون جماليا و هنا يختلف تقديره من طرف القاضي حسب شخص المضرور . و هو ما أكدته الـغرفة الإداريـة للمحكمة العليا في قضية " بن سالم" ضد مستشفى الجزائر حينما منحت التعويض عن ضرر جمالي لحق الضحية بسبب بتر ساعده .
ب - ضرر بسبب الإخلال في الظروف المعيشية:
و هنا فإن القضاء الإداري اعتبر أن العجز الدائم سواء كان كليا أو جزئيا فإنه يؤدي إلى الإخلال في الظروف المعيشية، و بالتالي يستوجب التعويض، و هو ما أكدته دائما الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في القضية المذكورة سابقا.
II ـ الضرر المعنوي: و يمكن تقسيمه إلى:
1 ـ الآلام المعنوية: Les sentiments d’affection)):
كان القضاء الإداري الفرنسي و لوقت طويل يرفض تعويض الضرر المعنوي معتبرا أن المساس بمشاعر الحنان لا يقيم بالمال طبقا للمبدأ " La douleur ne se monnaie pas ".
لكنه لين موقفه إثر قضية " Le tisserand " ضد وزير الأشغال العمومية في 24/11/1961 و عوضه عن الضرر المعنوي اللاحق به إثر وفاة ابنه.
كما نهجت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا نفس المنهج بالتعويض عن الآلام المعنوية التي تنجم عادة بعد الوفاة أو الجروح أو العجز الجسدي كقضية " فريق بوعبد الله" ضد وزير الداخلية في 21/04/1991 ، و قضية ذوي حقوق (ب.م) ضد وزارة الدفاع ، و هو ما جسدته الغرفة الإدارية بمجلس قضاء بجاية في
قضية ذوي حقوق المرحومة (د.ص ) ضد مستشفى أقبو المذكورة سابقا حينما عوضت ذوي حقوق المرحومة عن الضرر المعنوي اللاحق بهم إثر وفاة أمهم .
كذلك قضية ( ال) ضد مدير القطاع الصحي لخراطة و من معه.
2 ـ الضرر المعنوي الذي يمس بعض حقوق الأفراد: كالمساس بشخصية الفرد و سمعته و شرفه و حرياته.
هذا كله فيما يخص الضرر و أحكامه، نتطرق للعلاقة السببية باعتبارها الشرط الثاني لقيام المسؤولية الإدارية.
المطلب الثاني: العلاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه
ورد في قرار بلانكو " أن المسؤولية الإدارية عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأشخاص الذين تستخدمهم في المرافق العامة… "من هذه القاعدة القضائية يتبين أنه لا تعـويض إلا إذا كان العـمل
أو نشاط الإدارة هو السبب المباشر في حدوث الضرر، و هنا أثيرت مسألة كيفية تحديد العلاقة السببية، و بالتالي السبب المباشر، مما أدى بالفقه الإداري إلى إيجاد عدة نظريات منها:
1 ـ نظرية توازن الأسباب: حسب هذه النظرية يجب الأخذ بكل الظروف التي تسببت في حدوث الضرر بصفة متساوية.
لكنها انتقدت كونها وسعت كثيرا من شروط عقد مسؤولية الأشخاص، مما ادى إلى تصعيب الإجراءات و حصول الضحية على التعويض.
2 ـ نظرية السبب القريب: أخذت هذه النظرية بالسبب القريب من حيث الزمن أي الحدث الأخير.
و ما يعاب عليها عكس النظرية الأولى كونها ضيقت كثيرا من شروط المسؤولية.
3 ـ نظرية السبب الملائم : تأخذ هذه النظرية بالسبب الذي يحتمل حسب السير العادي و الطبيعي للأمور أن يحدث ضررا و هو ما يطلق عليه بالطابع المباشر.
و هو ما أكده الفقه الإداري حيث كتب :
ـ الأستاذ " ديلوبادير" : " إن القضاء الإداري لا يلجأ إلى نظرية توازن الأسباب لكنه يبحث من بين الأحداث التي سبقت حدوث الضرر الذي يكون السبب الفعلي ( أو الملائم) في حدوثه".
ـ الأستاذ " فودال ": " إن القضاء الإداري يقبل بصفة واسعة العلاقة المباشرة للسببية".
ـ الأستاذ " محيو": " إن القضاء الإداري لا يدخل في اجتهادات القضاء العادي التي ولدت نظريات مختلفة للسبب و مع ذلك فإنه يبدي ترددا في تكييف الطابع المباشر للضرر".
* أما القضاء الإداري و في إطار توجه جديد فإنه يبحث على إيجاد طابع غير مباشر للضرر يمنح على أساسه التعويض ، كل هذا لصالح الضحايا.
و من أهم القرارات التي جسدت الطابع المباشر للضرر، و بالتالي توفر علاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه نجد:
ـ قرار مجلس الدولة الفرنسي في 14 فيفري 1997 و القاضي بإلغاء حكم صدر عن محكمة إدارية على أساس أن هذه الأخيرة ارتكبت خطأ قانونيا عندما أقرت بوجود علاقة سببية مباشرة بين الخطأ المرتكب من طرف المركز الطبي لمدينة " Nice" في إطارما يسمى amniocentèse (العلا ج عن طريق الأعشاب الطبية ) و الضرر الناتج عنه للضحية (طفل) من العجز الذي أصابه، حيث أنه لا يظهر من أوراق
الملف المقدمة أمام قاضي الموضوع أن العاهة التي يعاني منها الطفل باعتبارها وراثية هي نتيجة هذه amniocentèse.
فمن خلال هذا القرار فإن مجلس الدولة رفض التعويض على أساس عدم قيام مسؤولية المركز الطبي لعدم توافر العلاقة السببية بين الفعل و الضرر.
ـ قرار مجلس قضاء بجاية في قضية ( ا،ل ) ضد مدير القطاع الصحي لخراطة و من معه المذكور آنفا، حيث ورد في إحدى حيثياته " و حيث يرى المجلس أن العلاقة السببية بين وفاة المرحومة ح.س و التقصير المنسوب إلى بإدارة كما هو مذكور أعلاه ثابت… ".
المطلب الثالث: قاعدة الانتساب: L’imputabilité))
قاعدة الإنتساب تعني العلاقة بين فعل أو عمل ضار و الفاعل، فإذا ثبتت هذه العلاقة تقررت مسؤولية الفاعل، و انطلاقا من هذا المبدأ تتقرر المسؤولية الإدارية إذا انتسب العمل المضر للإدارة.
و في هذا السياق لا بد من التطرق لنقطتين هامتين: تحديد الجهة الإدارية المسؤولة و حالات الإعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية كما سيأتي:
الفرع الأول: تحديد الجهة الإدارية المسؤولة
رغم صعوبة تحديد الجهة الإدارية المسؤولة إلا أن الفقه الإداري حاول وضع معايير لذلك و انطلق من فكرة أن المسؤولية الإدارية هي مسؤولية تعاقدية و تقصيرية مثل المسؤولية المدنية، و بما أن الإدارة شخص معنوي لا يرتكب أخطاءا شخصية استبعدت فكرة المسؤولية الشخصية للإدارة، و بالتالي فإن مسؤولية الإدارة تكون إما عن عمل الغير أو الأشياء.
و قبل التطرق لهاتين النقطتين نشير إلى أن مفهوم الجهة الإدارية يعني الجهة التي تتوفر فيها شروط الشخص المعنوي العام بأن تتمتع بالشخصية القانونية و الذمة المالية المستقلة.
I ـ تحديد الجهة الإدارية المسؤولة في نظام المسؤولية الإدارية عن عمل الغير
نظرا لتعدد نشاطات الإدارة بطبيعتها المختلفة و خصائص موظفيها ، وجب التفريق بين ثلاث حالات:
1 ـ حالة الموظف يتمتع بازدواجية الوظائف :
- إذا كان الموظف ينتمي لإدارة واحدة فإن الدعوى القضائية توجه ضد الإدارة التي يشتغل بها الموظف.
- أما إذا كان الموظف ينتمي إلى عدة إدارات فهنا وجب على المدعي في دعوى التعويض أن يرفعها ضد الإدارة المستفيدة من العمل الذي تسبب في حدوث الضرر .
2 ـ حالة ممارسة الوصاية الإدارية :
هنا يطرح السؤال هل الإدارة الوصية هي المسؤولة أم الإدارة الموصى عليها في حالة تضرر ضحية من ممارسة الوصاية الإدارية ؟:
ـ عندما يكون العمل المضر نتيجة عملية حلول الإدارة الوصية محل الإدارة الموصى عليها حسبما نص عليه القانون، هنا الإدارة الموصى عليها هي الجهة الإدارية المسؤولة (كون الإدارة الوصية تدخلت باسم و لصالح الإدارة الموصى عليها).
ـ عندما يكون العمل المضر نتيجة عمل الإدارة الوصية في إطار صلاحياتها الخاصة فهنا الإدارة الوصية هي المسؤولة عن تعويض الضرر اللاحق بالضحية.
3ـ حالة تداخل اختصاصات سلطات إدارية :
كأن تتدخل إدارتين أو اكثر لتحقيق عمل أو نشاط واحد فيسبب ضررا مثلا الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة تربوية كأن تتدخل البلدية في حالة المدرسة الأساسية، الولاية إذا تعلق الأمر بالثانوية و الدولة إذا تعلق الأمر بموضوع الرقابة التي يقوم بها المعلمين في المؤسسة التربوية و هنا :
ـ إذا كان سبب حدوث الضرر يعود إلى عدم أو سوء صيانة الأقسام المدرسية أو المبنى المدرسي فهنا تكون البلدية أو الولاية هي الجهة الإدارية المسؤولة.
ـ أما إذا كان سبب حدوث الضرر يعود إلى خطأ في الرقابة إرتكبه معلم طبقا لنص المادة 134 من القانون المدني فهنا الدولة ممثلة في الوزير المكلف بالتربية الوطنية أو الوزير الوصي على المؤسسة هي الجهة الإدارية المسؤولة.
II ـ تحديد الجهة الإدارية المسؤولة في نظام المسؤولية الإدارية عن الأشياء:
يتعلق الأمر في هذا الموضوع بالضرر الناتج عن الأشغال العمومية و المبنى العمومي فقط.
و هنا نشير أن الضحية ـ إذا كانت مشارك أو مرتفق أو الغير ـ قد لعبت دورا في موضوع المسؤولية الإدارية ، إلا انها لا تلعب أي دور في موضوع إنتساب الضرر كون أن الأشخاص التي يمكن أن تكون مسؤولة عن الضرر الناجم عن الأشغال العمومية أو المبنى العمومي تتمثل في:
ـ صاحب المبنى Le maître de l'ouvrage.
ـ المقاول Le maître de l'oeuvre.
ـ صاحب الامتياز Le concessionnaire.
ـ المستعمل أو المكلف بصيانة المبنى العمومي.
و هو ما سنتطرق إليه بشيء من التفصيل كما يلي:
I ـ الدعوى القضائية التي ترفع ضد صاحب المبنى العمومي أو الأشغال العمومية :
- في حالة ضرر ناجم عن مبنى عمومي فإن الدعوى القضائية توجه ضد السلطة الإدارية المالكة للمبنى العمومي.
- في حالة ضرر ناجم عن شغل عمومي فإن الدعوى القضائية توجه ضد الجهة الإدارية التي أدارت الشغل العمومي.
و هنا يمكن للضحية رفع الدعوى القضائـية سواء كان الضرر ناجما عن مبنى عمومي أو شغل عمومي ضد صاحب المبنى العمومي.
2 ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد المقاول:
لقد توسع القضاء الإداري في مفهوم المقاول، و في مجال الأشغال العمومية" هو كل شخص يتعهد بالقيام بأعمال مهما كان نوعها كالصيانة، البناء… في إطار شغل عمومي" و هنا:
ـ في حالة ضرر ناجم عن أشغال عمومية قام بها المقاول فإن الدعوى القضائية توجه ضد هذا الأخير.
ـ كما يمكنه رفعها ضد مالك المبنى العمومي أو صاحب الشغل العمومي و المقاول معا.
3ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد صاحب الامتياز:
صاحب الامتياز في مجال الأشغال العمومية هو " الشخص الذي تكلفه الإدارة بإنجاز عمل يتقاضى أجرا عنه بواسطة استغلال مشروع ".
و هنا ففي حالة ضرر ناجم عن أشغال عمومية قام بها صاحب الامتياز نفرق بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: أصلا: إذا كان صاحب الإمتياز مليء الذمة المالية فإن الدعوى القضائية توجه ضده.
ـ الحالة الثانية: استثنائيا: إذا كان صاحب الإمتياز في حالة إفلاس فإن الدعوى القضائية ترفع ضد الجهة الإدارية المالكة للمبنى العمومي أو الأشغال العمومية.
4 ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد مستعمل المبنى العمومي:
في حالة استعمال إدارة معينة لمبنى عمومي تابع لجهة إدارية أخرى فهنا ترفع الدعوى القضائية ضد الجهة الإدارية المستعملة للمبنى العمومي رغم أن طبيعة المبنى العمومي الذي كان سببا في حدوث الضرر يعود أصلا للإدارة المالكة.
5ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد المكلف بصيانة المبنى العمومي:
في حالة ما إذا كلفت جهة إدارية معينة بصيانة مبنى عمومي تابع لجهة إدارية أخرى، فهنا للضحية رفع الدعوى القضائية ضد الإدارة المكلفة بالصيانة أو ضد الإدارة المالكة للمبنى.
و حتى تتحقق قاعدة الإتساب بثبوت العلاقة بين الفعل المحدث للضرر و الإدارة لا بد أن لا تتحقق إحدى الحالات التي تعفي أو تخفف من مسؤولية الإدارة.
الفرع الثاني: حالات إعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية
تحديد الجهة الإدارية المسؤولة شرط أساسي لكنه غير كاف حتى تتحقق قاعدة الإنتساب، مما يتعين معه التطرق لحالات الإعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية:
I ـ القوة القاهرة:
اتفق الفقه و القضاء الإداريين أن القوة القاهرة هي حدث خارجي، غير مقاوم و غير متوقع:
1: ـ مميزات القوة القاهرة:
أ_ حدث خارجي : كأن يكون الضرر ناتجا عن كوارث طبيعية مثلا، و هنا للقاضي سلطة التقدير، فمثلا الفيضانات الناتجة عن تساقط الأمطار و نتيجة لقوتها و سقوطها غير المتوقع في المنطقة، مما سبب أضرار
جسيمة، أعتبرت قوة قاهرة معفية من مسؤولية الإدارة.
و على العكس من ذلك أمطار ناتجة عن إعصار في كليدونيا الجديدة لم تعتبر قوة قاهرة كون سقوطها معتاد نظرا لطبيعة المنطقة.
أما إذا كان الضرر ناتجا عن تصرف إنسان كالإضراب مثلا فإن القضاء الإداري أقر الطــابع الخارجي ـ رغم صعوبة الأمر ـ عندما يكون الحدث خارج عن إرادة الإدارة .
ب _ حدث غير متوقع: قضي أن صدمة سنة 1987 نتيجة كارثة Grand Bornand لا تتوفر على ميزة الحدث المتوقع حتى تتحقق القوة القاهرة كونه سبق و أن وقعت فيضانات بنفس المنطقة في 1936.
و قد أكدت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا ضرورة هذا العنصر لتحقق القوة القاهرة في قضية بلدية سكيكدة ضد شركة " Di Miglid"، و قضية الدولة ضد شركة " Papeterie et cartonnerie modernes".
ج_ حدث غير مقاوم: أكد القضاء الإداري على أن يكون الحدث غير مقاوم حتى تتحقق القوة القاهرة و ليس فقط أن يكون صعب التحمل.
2 ـ آثار القوة القاهرة :
تعفي حالة القوة القاهرة الإدارة كليا من مسؤوليتها إذا كانت السبب الوحيد للضرر سواء في نظام المسؤولية بخطأ أو بدون خطأ.
أما إذا كان للإدارة إلى جانب القوة القاهرة يد في حدوث الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا.
و في هذا الإطار نجد عدة قرارات منها:
ـ قرار مجلس الدولة في قضية بين " ج ف" و " بلدية بومقر" حيث قضى بعدم مسؤولية البلدية كليا باعتبار أن القوة القاهرة و المتمثلة في الفيضانات التي أصابت المنطقة السبب الوحيد في الضرر اللاحق بالضحية: " حيث يستفاد من دراسة الملف أن بلدية بومقر كانت ضحية فيضانات يوم 17/09/97 عمت كافة المنطقة… و أصبحت منكوبة، و لم يكن المستأنف المتضرر الوحيد من جراء هذه الفيضانات و ليس من جراء بناء حائط من البلدية المتسبب له في الأضرار و بالتالي هناك القوة القاهرة ... ".
ـ قرار مجلس قضاء بجاية في قضية بين "س. ز " و " رئيس بلدية تالة حمزة و من معه" حيث قضى برفض الدعوى لعدم التأسيس و بالتالي عدم مسؤولية البلدية و جاء في حيثية من القرار " حيث الثابت أن سقوط الأمطار بالصيغة المذكورة أعلاه يعتبر من الكوارث الطبيعية التي لا يمكن التحكم فيها بسبب القوة القاهرة تجعل مسؤولية مصالح البلدية غير قائمة فيما يتعلق بالأضرار الناتجة عن ذلك لعدم ثبوت الخطأ " .
ـ و بنفس الشيء قضى نفس المجلس في قضية بين " ب ، ل " ضد " رئيس بلدية تالة حمزة".
II ـ فعل الضحية:
هنا على القاضي الإداري تقدير تصرف الضحية و مقارنته بتصرف رب العائلة العادي :
1 ـ خـصائص فعـل الضحـية:
فعل الضحية لا يعني تعمدها في اقتراف الخطأ، بل بالعكس كثيرا ما يكون ناتجا عن الإهمال و عدم الحيطة،
و منه يمكن الأخذ بفعل الضحية مهما كانت جسامته.
2 ـ آثار فعل الضحية:
تعفى حالة فعل الضحية الإدارة كليا من مسؤوليتها إذا كانت السبب الوحيد للضرر سواء في نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ أو بدون خطأ. أما إذا كانت للإدارة إلى جانب الضحية يد في حدوث الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا و للقاضي الإداري تحديد نسبة مسؤولية كل واحد منهما.
III ـ حالة الظرف الطارئ: إن دراسة هذه الحالة تستدعي تفرقتها عن القوة القاهرة:
1 ـ خصائص الظرف الطارئ:
أ - الفرق بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة:
إن التطور الذي عرفه نظام المسؤولية الإدارية أدى إلى ضرورة التفرقة بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة كون أنه في الظرف الطارئ يكون سبب الضرر مجهولا لكنه لا ينفصل عن الإدارة ولا يعفيها من المسؤولية إلا في نظام المسؤولية على أساس الخطأ، أما القوة القاهرة فهي سبب خارجي عن الإدارة يعفيها من مسؤوليتها.
ب- معايير الظرف الطارئ:
اختلف الفقه الإداري بين الأخذ بمعيار" الخارجية" و معيار " السبب المجهول " للتمييز بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة.
أما الأستاذ "محيو" فقد وفق بين الفريقين حين كتب " حقيقة هناك عنصران مشتركان بينهما: خاصية عدم التوقع و خاصية عدم إمكانية دفعها ، و يظهر الفرق كون الظرف الطارئ يوجد داخل النشاط الضار،
بينما الخاصية الأولى للقوة القاهرة هي كونها خارجية و أجنبية عنه ، و من جهة أخرى فإن الظرف الطارئ ينتج عن سبب مجهول بينما القوة القاهرة تترتب عن حدث معلوم و يمكن القول أن:
الظرف الطارئ ناتج عن سبب له علاقة بالمرفق العام أو بالشيء التابع للإدارة ، و لا يمكن أن يكون مجهولا بصفة مطلقة و إلا كان المدعى عليه (الإدارة) مجهولا مما يصعب رفع الدعوى القضائية ، فإذا نسب الضرر للإدارة فما عليها إلا:
- إثبات أن الضرر يعود لسبب خارجي و قوة غير متوقعة و غير مقاومة و هنا تتحقق حالة القوة القاهرة و ما يترتب عنها من آثار كما سبق التطرق إليه.
ـ إثبات أن الضرر يعود لنشاط مرفق عام أو شيء تابع له لكنه غير متوقع و لا مقاوم ، و هنا نكون بصدد الظرف الطارئ و ما يترتب عليه من آثار كما سيأتي بيانه.
2- الآثار المترتبة عن الظرف الطارئ: تفرق بين حالتين:
- حالة قيام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، فإن الظرف الطارئ يعفي الإدارة من المسؤولية لأنه يفترض عدم وجود الخطأ.
- حالة قيام المسؤولية الإدارية بدون خطأ، هنا تبقى الإدارة مسؤولة عن الضرر القابل للتعويض و ليس للظرف الطارئ أي أثر حتى و لو كان الخطأ مفترضا.
IV ـ فعل الغير : من هو الغير؟ :
1 ـ مفهومه : فقها هو كل شخص عام أو خاص مهما كانت صفته القانونية غير المدعى عليه و الأشخاص غير الواقعين تحت مسؤوليته.
2 ـ آثار فعل الغير: هنا وجب التفريق حسب نظام المسؤولية الإدارة :
أ - في نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ:
- تعفي حالة فعل الغير كليا الإدارة إذا كانت السبب الوحيد للضرر.
- أما إذا كان للإدارة يد في الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا و للقاضي الإداري تحديد نسبة مسؤولية كل واحد منهما.
ب - في النظام المسؤولية الإدارية بدون خطأ:
في هذه الحالة فعل الغير لا يعفي الإدارة من مسؤوليتها، و هو حل وجد لصالح الضحية خاصة في مجال تعويض الأضرار الناتجة عن الأشغال العمومية.
●و في الأخير وجب الإشارة أن القضاء الإداري لا يطبق مبدأ التضامن في التعويض و لمن دفعه كاملا
حق الرجوع على الطرف الثاني المسؤول، و بتوفر هذه الشروط كاملة تحقق و تقوم مسؤولية الإدارة ،
مما يعطي الضحية الحق في رفع دعوى لطلب التعويض عن الضرر اللاحق به و هو ما سنحـاول التطرق إليه في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: سلطات القاضي في تقدير التعويض:
تعتبر دعوى التعويض من أهم دعاوى القضاء الكامل التي يتمتع فيها القاضي بسلطات كبيرة، و تهدف إلى المطالبة بالتعويض و جبر الأضرار المترتبة عن الأعمال الإدارية المادية و القانونية.
و حتى تقبل دعوى التعويض أمام الجهة القضائية المختصة فلا بد من توافر مجموعة من الشروط حتى يمكن للقاضي الانتقال للموضوع، و بالتالي تقدير التعويض و هو ما سنحاول تبيانه من خلال المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: شروط قبول دعوى التعويض و الجهة القضائية المختصة بنظرها:
دعوى التعويض كغيرها من الدعاوى الإدارية و بالإضافة إلى الشروط العامة المنصوص عليها في المادة 459 من ق ا م من صفة و مصلحة فإنه يشترط لقبولها شروطا خاصة و المتمثلة في شرط القرار السابق ـ شرط الميعاد و شرط الاختصاص هذا الأخير سنتطرق إليه في فرع مستقل:
الفرع الأول: شروط قبول دعوى التعويض:
1) ـ شرط القرار السابق (القرار محل الدعوى):
أجمع جمهور الفقه أن القرار الإداري السابق محل الدعوى الإدارية هو:
" عمل قانوني يصدر عن سلطة إدارية أو هيئة لها سلطة إدارية بإرادتها المنفردة، له طابع تنفيذي و يلحق أذى بذاته".
فبالنسبة للدعاوى الإدارية المتعلقة بالقضاء الكامل و منها دعوى التعويض و التي تعود أصلا لاختصاص المحاكم الإدارية (الغرف الإدارية بالمجالس القضائية حاليا) ـ كما سنبينه في الفرع الثاني من هذا المطلب ـ فنفرق بين مرحلتين:
المرحلة الأولى: قبل صدور قانون 90-23 المؤرخ في 18/08/1990 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية و بناءا على المادة 169 مكرر/02 منهن كانت نشترط لقبول دعاوى القضاء الكامل ضرورة استيفاء شرط التظلم الإداري السابق، و ما ينتج عن هذا الشرط من رد صريح أو ضمني بالرفض يعد قرارا سابقا يجب إرفاقه بالعريضة عند رفع الدعوى، أو بالمستند المثبت لتاريخ إيداع الشكوى (التظلم).
المرحلة الثانية: بعد صدور قانون 90-23 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية و التعديل الوارد على المادة 169 مكرر بحذف المشرع لشرط التظلم المسبق كشرط لقبول الدعوى أمام الدرجة الأولى كأصل عام، باستثناء ما ورد في نصوص خاصة، أصبح من غير الممكن استصدار قرار إداري و هذا ما أدى إلى وجود فراغ قانوني و أمام هذا الوضع ارتأت المحكمة العليا ـ الغرفة الإدارية ـ اللجوء إلى الاجتهاد لكن مع وجود نص
(169/2 ، 169 مكرر إ م) ، فخرجت عن وجوب استيفاء شرط القرار محل الدعوى امام المحاكم الإدارية (المجالس القضائية حاليا).
لنسبة للدعاوى القضاء الكامل و هذا في قرارها الصادر في 05/05/1996 ، قضية فريق " ق م" ضد مديرية الشؤون الدينية لولاية مستغانم و قد جاء في تسبيب هذا القرار: " و انه لا يشترط وجود قرار إداري مكتوب حتى تكون الجهة القضائية في أول درجة مختصة، و أن كل قرار او تصرف معيب صادر عن هيئة إدارية يمكنه أن يكون محل دعوى أمام القضاء الإداري و هذا تطبيقا لمقتضيات المادة 07 من ق ا م".
2) ـ شرط الميعاد:
وضع المشرع قواعد تظهر العلاقة المتينة بين هذا الشرط و شرط التظلم الإداري المسبق، و بما أنه و كما قلنا تم حذف شرط التظلم الإداري المسبق المنصوص عليه بالمادة 169 مكرر بعد صدور قانون 90-23 المعدل لقانون إ م ، فهنا تثور إشكالية حول بداية حساب ميعاد 04 أشهر الوارد في نفس المادة في حالة الأعمال الإدارية المادية؟
و إسنادا إلى قضاء الغرفة الإدارية للمحكمة العليا فإن دعاوى القضاء الكامل عامة و التعويض خاصة غير مقيدة بأجل، إلا بآجال تقادم الحق الذي تحميه وفق ما نص عليه القانون المدني و هو ما جسدته في قرارها الصادر في 13/01/1991 ، قضية "الفريق ك و من معهم" ضد المستشفى الجامعي بسطيف و الذي جاء في تسبيبه: " حيث أن ما مشى عليه اجتهاد المحكمة العليا في مجال قضايا التعويض أن هذه القضايا غير مقيدة بأجل محدد ما دامت الدعوى لم تتقادم بعد".
الفرع الثاني: الجهة القضائية المختصة بالنظر في دعوى التعويض:
* الأصل: اختصاص القاضي الإداري:
تنص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي:
" تختص المجالس القضائية ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف أمام المحكمة العليا في جميع القضايا أيا كانت طبيعتها التي تكون الدولة أو الولايات أو البلديات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها ، و ذلك حسب قواعد الاختصاص التالية:
2 ـ تكون من اختصاص المجالس القضائية التي تحدد قائمتها و كذا اختصاصها الإقليمي عن طريق التنظيم……
ـ المنازعات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للدولة و الولاية و البلدية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية و الرامية لطلب التعويض".
المشرع نص في هذه الفقرة على أهم دعاوى القضاء الكامل و المتمثلة في تلك التي ترفع من اجل الحصول على تعويض عن الأضرار التي تثبت فيها مسؤولية الإدارة فيها على أساس الخطأ أو بدونه . هذه الدعوى تكون من إختصاص الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي كونها صاحبة الولاية العامة في الفصل في القضايا تكون فيها أحد أشخاص القانون العام طرفا فيها و هي تلك الأشخاص المحددة في نص المادة السالفة الذكر.
و تجدر الملاحظة إلى انه يبقى الفصل في هذه القضايا على مستوى الغرف الإدارية بالمجالس القضائية إلى أن يتم التنصيب الفعلي للمحاكم الإدارية التي خول لها القانون العضوي رقم 98-01 هذه الصلاحيات.
حيث تصدر الغرف الإدارية قرارات ابتدائية قابلة للطعن أمام مجلس الدولة (الغرفة الإدارية لدى المحكمة العليا سابقا)
* الاستثناء: اختصاص القاضي العادي:
لقد استثنى المشرع بنص المادة 7 مكرر من ق ا م بعض الحالات اليت هي أصلا من اختصاص القضاء الإداري كون أحد أطراف الدعوى من أشخاص القانون العام و أدرجها ضمن اختصاصات القضاء العادي. و من بينها المنازعات المتعلقة بالتعويض عن حوادث السيارات التابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية. و لعل الحكمة التي ابتغاها المشرع من هذا الاستثناء هو أن القانون الواجب التطبيق في حالة التعويض عن الضرار الناجمة عن حوادث السيارات التابعة للأشخاص المعنوية العامة هو الأمر 74-15 المعدل و المتمم بالقانون رقم 88-31 المتعلق بإلزامية التأمين و التعويض عن الضرار و كذا المواد 124 ، 136 و 138 من القانون المدني، و عليه فالقاضي العادي هو المختص.
إضافة إلى أن الإدارة في هذه الدعوى لا تظهر كسلطة عامة بل كشخص عادي.
المطلب الثاني: تقدير التعويض:
بعد دراسة القاضي للملف من الناحية الشكلية و تقريره لاختصاصه بالنظر في الدعوى، ينتقل للجانب الموضوعي أين يتطرق لتوافر شروط المسؤولية الإدارية و من ثم تقدير التعويض الواجب أدائه للمتضرر و هذا ما سنتطرق إليه في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول: قواعد تقييم الضرر:
ندرس في هذا الفرع قاعدتين أساسيتين تتعلقان بالضرر أولا هما قاعدة تاريخ تقدير الضرر و ثانيا هما قاعدة تغطية كامل الضرر.
1) ـ تاريخ تقدير الضرر:
في بادئ الأمر كان القضاء الإداري يقيم الضرر بتاريخ تحققه أي تاريخ انتهاء الفعل غير أن المدة الفاصلة بين وقوع الضرر و صدور الحكم بالتعويض كانت تعود لوضعيات غير مرضية (1)، و بتاريخ 21 مارس 1947 أصدر مجلس الدولة الفرنسي قرارا مبدئيا أين ميز فيه بين الأضرار التي تلحق بالأموال و الأضرار التي تلحق بالأشخاص (الأضرار الجسدية). (2)
فبالنسبة للأضرار التي تلحق بالأموال فالأصل يمون في تقييم الضرر بتاريخ انتهاء السبب ، و استثناءا بتاريخ صدور القرار إذا تبين للقاضي أن الضحية لم تكن تستطيع تصليح الضرر لأسباب خارجة عن إرادتها (3)، أو بتاريخ زوال عائق إصلاح الضرر الناجم عن سبب (4) أو قانوني (5).
(1) Jean Pierre , la responsabilité administrative, Casbah édition, P 108.
(2) Michel Paillet, OP.CIT, P 223.
(3) Michel Paillet, IBID, P 222.
(4) Michel Paillet IBID, p 226 (CE, 27 Nov, 1946, consorts , Rec CE p 228: Penurie des materiaux, CE 8 Mai 1968, association syndicale de reconstruction de , Rec CE P 286 necessite dattendre la remise en etat des a lorigine du dommage.
(5) Michel Paillet, IBID, P 222:
و الأهم أن مجلس الدولة الفرنسي في قراره الصادر في 1947 قبل الأخذ بعين الاعتبار الاستحالة المالية، أي قدرة المالك على تمويل الإصلاحات الضرورية، لكن من جهة على من يدعي ذلك أن يقدم الدليل، كأن يبين أنه لم يقرر على الاستدانة، و من جهة أخرى فالقاضي لا يأخذ بالضيق المالي البسيط بل الاستحالة (1).
فالقرار الصادر في 6 مارس 1987 عن مجلس الدولة الفرنسي في قضية السيدة هوريون و التي كانت في استحالة مطلقة للحصول على مساعدة لتمول إعادة شراء محل تجاري دمر نتيجة انفجار الغاز، قدر فيه الضرر بتاريخ أول منطوق حكم (2).
و هذا الاجتهاد يخص الأضرار اللاحقة بالأموال القابلة للتعويض أو الإصلاح، و في الفرضيات الأخرى( ضرر ناجم عن التدمير الكلي للمال، اضطراب في التمتع أو انخفاض القيمة المادية) القاضي يأخذ بتاريخ الاستقرار. (3)
كما اخذ مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ إيداع الخبرة كتاريخ لتقدير الضرر إن عين القضاة خبيرا لتحديد الأضرار. (4)
أما بالنسبة للأضرار التي تلحق بالأشخاص فتقييم الضرر يكون بتاريخ الحكم حتى يتم إصلاح الضرر بصيغة كلية و كاملة. (5)
Michel Paillet, OP.CIT, P 223.
(1) Michel Paillet, IBID, P 223.
(2) Michel Paillet, IBID, P 223.
(3) Michel Paillet, IBID, P 222. CE, 22 Juin 1987, Boulon et société générale d'entreprise c/département des Alpes Maritimes, RFD ad; 1987, p 680 date fixe au second rapport, le premier n'étant pas suffisamemt precis).
(5) خلوفي رشيد، المرجع السابق، ص 141
و في هذا الصدد نذكر قرار مجلس قضاء بجاية الصادر في 03/08/2004 القاضي بإلزام رئيس بلدية أقبو بدفع مبلغ 905783.05 دج كتعويض للمحل التابع بصفته مسير لمؤسسة توزيع المواد للبلدية المالكة لعتاد و سلع كانت بالمحل و تم تخريبها أثناء أحداث الشغب و المظاهرات و التخريب، و جاءت في حيثياته: و حيث أنه يستخلص من الخبرة أن الخبير اعتمد على التقييم المذكور في وثيقة إحصاء العتاد في تاريخ 31/12/99 و عليه يرى المجلس أن هذا التقييم جاء مطابقا لقيمة العتاد في تاريخ يقارب وقوع الأحداث.
و بهذا أخذ بما جاء في قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 1947 أين أخذ تقريبا بتاريخ وقوع الأحداث لتقييم الضرر اللاحق بالمال. (1)
و ما لاحظناه على قرار صادر بتاريخ 28/11/2000 بين (م.ع) و مستشفى بجاية ممثلا في مديره و الشركة الجزائرية للتأمين وكالة إحدادن الممثلة من طرف رئيسها و الكائن مقرها ب 600 مسكن احدادن متدخلة في الخصام، أنه لم يأخذ بما جاء به قرار مجلس الدولة الفرنسي في 21/03/1947 فيما يتعلق بتاريخ تقدير التعويض في الضرار الجسمانية.
فجاء في إحدى حيثياته لكن حيث أن المبالغ المطلوبة من قبل المدعى مبالغ فيها جدا خاصة أنه لم يقدم ما ثبت عن مدخوله الشهري قبل وقوع الحادث فبمفهوم المخالفة لو انه قدم ما يثبت مدخوله قبل وقوع الضرر لقدر التعويض على أساسه. (2)
(1) ملحق رقم .
(2) ملحق رقم .
2)- قاعدة تغطية كامل الضرر:
بمجرد تحديد عناصر المسؤولية فليس للقاضي سوى الاهتمام بضمان التعويض الكامل قدر الإمكان (1) للضحية لارضائها و لتحقيق ذلك لا بد من تغطية الضرر الذي أصابها و الحال هنا لا يختلف عن التعويض عن المسؤولية المدنية (2) و ذلك من خلال الاعتماد على قاعدة التعويض على أساس ما لحق المضرور من خسارة و ما فات من كسب و النظر لجسامة الضرر، و ليس جسامة الخطأ أو وضعية المسؤول عنه، و يعتمد القاضي على ما سبق ذكره ما لم ينص القانون على معايير تحدد تقدير التعويض.
(1) Michel Paillet, OP.CIT, P 254.
(2) معوض عبد التواب ص 613.
الفرع الثاني: سلطات القاضي في تقدير التعويض:
الأصل أن القاضي الحرية الواسعة في تقدير قيمة التعويض التي يمنحها للمتضرر في إطار المسؤولية الإدارية غير أن هناك حدود لهاته الحرية و سنتطرق لما ذكرناه فيما يلي:
1) ـ حرية القاضي في تقدير التعويض:
تظهر حرية القاضي في سلطته الواسعة في تقدير مبلغ التعويض حسب ما يراه مناسبا لجبر الضرر و ذلك بعد الاطلاع على الوثائق المقدمة من طرف المتضرر و إن لم توجد فيقوم بالتقدير الجزافي هذا إن كان الضرر ماديا (1) و فيما يخص الضرر المعنوي فيقيمه جزافيا و في حالات رمزيا. (2)
كما تظهر كذلك في حريته في قبول طلب الضحية المتعلق بالتعويض المؤقت لغاية الفصل النهائي في قيمة التعويض (3)، و كذا في طريقة الوفاء فالقاضي الحرية الكاملة في أن يأمر المسؤول عن الضرر بدفع مبلغ التعويض إما دفعة واحدة أو على أقساط أو في شكل إيراد.
و كأمثلة عن هاته الحرية نذكر بعض القرارات الصادرة عن مجلس الدولة و كذا مجلس قضاء بجاية فيما يلي:
القرار الصادر عن مجلس الدولة في 24/04/2000 في قضية أرملة (م) و من معها ضد والي ولاية جيجل و من معه و الذي حمل الولاية وحدها مسؤولية الحادث و ألزمها بدفع مبلغ 600000.00 دج كتعويض عن الأضرار، في حين المستأنفين التمسوا 600000.00 دج تعويض عن الضرار المادية 100000.00 دج تعويض عن الأضرار المعنوية.
و قد جاءت في إحدى حيثياته: حيث أن مسؤولية الولاية ثابتة و كاملة و عليه يتعين إلزامها بدفع مبلغ التعويض مع إرجاعه إلى الحد المقبول و هو 600000 دج. (4)
(1) خلوفي رشيد، المرجع السابق ص 141.
(2) خلوفي رشيد، نفس المرجع، ص 141.
(3) خلوفي رشيد، نفس المرجع، ص 142.
(4) ملحق رقم .
و كذا القرار الصادر في 01/02/1999 و الذي جاء في إحدى حيثياته: و حيث أنه
عكس ما تدعيه الطاعنة فإن قضاة الدرجة الأولى بتقديرهم للتعويض استنادا " لسلطتهم التقديرية" يكونوا قد أحسنوا في ذلك، علما أن الأمر يتعلق بتقدير تعويض عن ضرر ناتج عن خطأ شخصي لموظف… (1)
و من قرارات مجلس قضاء بجاية:
القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 13/07/2004 في قضية ذوي حقوق ضد مدير مستشفى أقبو.
حيث التمس ذوي حقوق الضحية مبلغ 850000.00 دج كتعويض عن كافة الأضرار التي لحقه بهم جراء وفاة والدتهم.
في حين قدر المجلس التعويض ب 55000 دج و جاء في القرار الحيثية التالية:
و لكن و حيث ثابت أن المبلغ المطالب به مبالغ فيه و عليه يرى المجلس و تطبيقا للمواد 124 ، 182 من ق ا م تحفيظه للحد المعقول. (2)
و كذا القرار الصادر عن نفس المجلس في 28/11/2000 الذي ألزم مدير مستشفى بجاية تحت ضمان شركة التأمين الجزائرية وكالة إحدادن الكائنة ب 600 مسكن احدادن بجاية بدفع مبلغ 300000 دج عن العجز الدائم، 100000 دج عن العجز المؤقت، 30000 دج عن التشوه الجمالي، 10000 دج عن الآلام، 50000 دج عن مصاريف العلاج في حين كانت طلبات المتضرر أكثر من ذلك.
و قد جاء في حيثيات القرار: لكن حيث أن المبالغ المطلوبة من قبل المدعى مبالغ فيها جدا خاصة أنه لم يقدم ما يثبت عن مدخوله الشهري قبل وقوع الحادث. (3)
(1) ملحق رقم .
(2) ملحق رقم .
(3) ملحق رقم .
2) ـ حدود حرية القاضي في تقدير التعويض:
أول ما يمكن ذكره في حدود حرية القاضي في تقدير مبلغ التعويض هو الطلب الذي يقدمه المضرور و الذي يضع حدا أقصى له و ليس للقاضي تجاوزه حتى لا يحكم بأكثر مما طلب منه.
كما أن المشرع قد يضع أيضا حدود لهاته الحرية مثلما هو في التعويض عن الأضرار الجسمانية التي تسببها السيارات فمنذ صدور الأمر 74-15 و النصوص المطبقة له و كذا قانون 88-31 المعدل و المتمم له أصبح القاضي ملزما باتباع مقدار معين من التعويض الذي جاء فيه دون الخروج عن الإطار المحدد لذلك.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى المبالغ التي قد تتحصل عليها الضحية في إطار تعوضيها عن الضرر كأن تدفع لها الجهة المسؤولة مبالغ مالية قرار مجلس الدولة الفرنسي في 23 أكتوبر 1981 في قضية السيد برنارد دافال. (1)
و كذا التعويضات التي تحصلت عليها من شركات التأمين أو صناديق الضمان الاجتماعي (2) فعلى القاضي أن يأخذها بعين الاعتبار في تقدير التعويض الاجمالي حتى لا يعوض الضحية بأكثر مما لحقها من ضرر.
و في الأخير نذكر أن القاضي دائما يقدر التعويض بالعملة الوطنية (3) ، و التي قد تسبب بعض المشاكل للمحكوم لهم الأجانب اللذين يضطرون لتحويل المبالغ المحكوم بها لصالحهم إلى عملة بلدهم و قد يأخذ هذا وقتا.
(1) Michel Paillet, OP.CIT, P 261.
(2) Martine Lambard, OP.CIT, P 474.
(3) خلوفي رشيد، المرجع السابق، ص 142.
الـخــــــاتــمــــــة :
بعد انتهائنا من معالجة موضوع المسؤولية الإدارية ومحاولة الإلمام بأهم جوانبه ، تجدر الإشارة إلى أن القضاء الإداري في الجزائر – كما نعلمه – شديد التأثر بالإجتهاد القضائي الفرنسي في هذا المجال ، بإعتباره الأصل وكذا المرجع فيما يخص السابقات القضائية .وبما أن القضاء الإداري الجزائري لا يزال فتيا فإنه لم يصل إلى درجة التطور التي وصل إليها نظيره في فرنسا .
فمن ناحية الإجراءات القضائية المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية ، فهي لاتزال مندمجة ضمن قانون الإجراءات المدنية في حين أنه من الواجب الضروري افرادها بقانون خاص ومستقل .
إضافة إلى ذلك نجد أن النصوص القانونية المتعلقة بالمسؤولية الإدارية متشتتة و غير ملمة بكافة المواضيع المحيطة بها في وقت أصبح التشريع كمصدر أساسي و أولي للقانون في كافة مجالته .
ناهيك عن القضاء الإداري الجزائري الذي لايزال لا يتحكم في هذه المادة ، إذ أن اجتهاده غير مستقر وأن أحكامه غير مسببة تسبيبا كافيا .
ونعتقد ان سبب ذلك يرجع إلى عدم التحقق الفعلي للإزدواجية القضائية في بلادنا والتي تتطلب استقلالية الجهات القضائية بالإضافة إلى تخصص القضاة في القانون الإداري .
ولـهذا فـنـحن نأمل أن تتـحقق ازدواجية حقيقية للـقضـاء الإداري قـانونـا وقضـاءا ، ولا تبقى مجرد حبر على ورق.
قائمة المراجع باللغة الفرنسية :
1- ANDRÈ DE LAUBADÈRE, JEAN-CLAUDE VENEZIA , YVES GAUDEMET ; Traité de droit administratif, Tome 1 : Droit administratif générale , LGDJ,15 eme édition , 1999.
2- ENCYCLOPÈDIE JURIDIQUE DALLOZ ; Répertoire de la responsabilité da la puissance publique, Dalloz, (mise à jour 2003).
3- GILLES LEBRETON ; Droit administratif général, Armond Colin, 2 eme édition, 2000.
4- GEORGE DUPUIS, MARIE-JOSÈ GUEDON, PATRICE CHRETIEN ; Droit administratif, Armond Colin, 7 eme édition, 2000.
5- GEORGE VLACHOS ; Principes généraux du droit administratif, Ellipses , 1993.
6- JACQUE MOREAU ; Droit public , Tome 2 : Droit administratif , CNFPT-Economica, 3 eme édition , 1995.
7- JEAN- PIERRE DUBOIS ; La responsabilité administrative, Casbah édition, 1998.
8- JEAN RIVERO , JEAN WALINE ; Droit administratif, Dalloz, 18 eme édition, 2000.
9- MARCEL MONIN ; Arrêts fondamentaux du droit administratif ( AFDA), Ellipses, 1995.
10- MARTINE LOMBARD ; Droit administratif, 4 eme édition, Dalloz, 2001.
11- MICHEL PAILLET ; La responsabilité administrative, Dalloz, 1996.
12- M.LONG, P.WEIL, G.BRAIBANT, P.DEVOLVÈ, B.GENEVOIS ; Les grands arrêt de la jurisprudence administrative ( GAJA) , Dalloz , 13 eme édition , 2001.
13- PHILIPPE FOILLARD ; Droit administratif ( manuel ) , CPU, 2001.
14- RENÈ CHAPUS ; L’administration et son juge, PUF,1999.