إنه لا قرار صائب

[Mohand_Zekrini]

إن منظومة الحكم في بلادي كالسرطان الذي ينخر جسد صاحبه، قتلت وهمشت وسجنت ونفيت سواء القسري أو الطوعي للرجال، تلك القيمة المضافة التي بفضلها تبنى الأمم، ونزعت القدسية من العمل، وقتلت روح المبادرة، أفرغت البلاد من الكفاءات، وتفهت القيم عوض تثمينها، وصحرت الحياة السياسية، وعممت الفساد.
وبلغ الانحطاط أوجها لم يكن أحدا يتصوره، خاصة خلال حقبة حكم الكرسي المتحرك وكادر الرئيس المخلوع، ما جعل نماذج بشرية من نوع أخر وطحالب بحرية ضارة تطفوا على السطح، لا دين لها ولا ملة ولا أخلاق لها ولا ذمة عثت في الأرض فسادا وإفسادا امتد إلى اليابس بعد الأخضر.
بعد معاول الهدم أصبحت الأمور لا تطاق، فأخذ الشعب زمام أموره بيده وخرج في مسيرات سلمية عارمة أذهلت الداخل بضخامتها والخارج بسلميتها ما أدى إلى تهاوي وسقوط زمر الواجهة المدنية لمنظومة الحكم واحدة تلو الأخرى كأوراق الشجر بعد تحالف ظرفي للواجهة العسكرية لمنظومة الحكم بالحراك الشعبي.
إلا أن هذا التحالف انفض بعد اصطدام رغبة الشعب في التغيير الجذري بأجندة قائد الأركان الراحل في الحفاظ على مؤسسات الدولة حتى وإن كانت فاقدة للشرعية.
إلا أنه بحجة الاستجابة لمطالب الشعب في محاربة الفساد والمفسدين تم ارتكاب مجزرة في حق الإطارات سواء المفسدة أو النزيهة بمجرد رسالة مجهولة أو وشاية كاذبة بالزج بها في السجون وإبعادها من مناصبها وحتى الإشهار بها إعلاميا ومحاكمتها بدون حتى استكمال التحقيقات وانجاز خبرات نوعية، والاكتفاء بالتحريات الأولية للمصالح الأمنية، ما جعل الإطارات الممارسة تختبئ وراء مكاتبها وتحجم عن المبادرة والتحرك مخافة أن يكون مصيرها السجن والإبعاد من المنصب، ما أدى إلى الركود الاقتصادي بل تقهقره للجزائر ما بعد الرئيس المخلوع والتوقف التام للتنمية.
رغم أن الكل يعلم أن حتى القوانين والتنظيمات سنت لخدمة رجالات منظمة الحكم العهد البائد وأتباعها، وعلى هذا الأساس أن المال تم اختلاسه بطريقة ترقى إلى أن تكون قانونية.
إلا أن فطنة رئيس الجمهورية وتمرسه الطويل في دواليب الإدارة جعلته ينتبه إلى ما يحاك ضد الإطارات ويوجه تعليمة لمصالح العدالة والأسلاك الأمنية مفادها عدم الأخذ بالبلاغات مجهولة المصدر.
إنه لا قرار صائب رغم تأخره نوعا ما، يجعل الإطارات تتحرر من المصير المجهول الذي يترصد بها، لكن على الدولة أن تعمل على طمأنة هذه الإطارات بأنها محمية من أي تعسف أو تصفية حسابات داخل نطاق نشاطها وبهامش تحركها، وبأن معيار الولاء للسلطة ليس المحفز للثبات في المنصب وبالتالي الترقية إلى الأعلى وإنما المحفز هو معيار الكفاءة لا غير.
بقلم الأستاذ محند زكريني