التكرار في القران بين القدماء والمحدثيين **فاتح مرزوق ** - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > منتدى اللّغة العربيّة

منتدى اللّغة العربيّة يتناول النّقاش في قضايا اللّغة العربيّة وعلومها؛ من نحو وصرف وبلاغة، للنُّهوضِ بمكانتها، وتطوير مهارات تعلّمها وتصحيح الأخطاء الشائعة.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التكرار في القران بين القدماء والمحدثيين **فاتح مرزوق **

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-06-10, 08:41   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
فاروق1212
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










New1 التكرار في القران بين القدماء والمحدثيين **فاتح مرزوق **

مقدمة :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين .
أما بعد :
هناك بعض المباحث المبثوثة في كتب النحو والبلاغة ، طرقها النحاة والبلاغيون لكن لم يُسدل عنها الستار وبقيت منغلقة في طيات أوراقها ، وجاءت الدراسات الحديثة لتثبت أصالة هذه المباحث في غير مَضانها ، ومن هذه المباحث : "التكرار" الذي يعتبر من منظور اللسانيات النصية أحد وسائل تحقق الترابط اللفظي والتماسك النصي .
فالتكرار يسهم في تشكل مجموعة من الجمل لتحدث نصا ،فهو عبارة عن وحدة واحدة تشد من أواصر النص وهذا ما نادت به لسانيات النص .غير أن هذه الملحوظات قد درست من قبل علماء البلاغة ، ولقيت حظها الوافر من الدراسة خاصة عند ابن الأثير في كتابه " جوهر الكنز " و" المثل السائر " وهناك علماء جهابذة طرقوا لهذه الدراسة من حيث البناءُ ، وهو ما اهتمت به لسانيات النص سواء في البنية الداخلية للنص أم الخارجية .
ومن هذا المنطلق كانت هذه الجزئية من مادة النحو والبلاغة ،وتسليطها على لسانيات النص . وقد قمت باستقراء هذا البحث ، حيث توزع على مقدمة وثلاثة مباحث ، كان أولها تعريفا بالتكرار وأنواعه بعد تحديد مفهومه اللغوي والاصطلاحي ، أما المبحث الثاني فتناولت فيه التكرار عند النحاة والبلاغيين ، ومدى مطابقته مع لسانيات النص وما اشتمل عليه من علاقة مع التأكيد ، واشتمل المبحث الثالث على التكرار عند المحدثين من منظور علماء لسانيات النص ، وقد عززته ببعض الأمثلة من القرآن الكريم ، وختم البحث بنتائج .وما هذا البحث إلا ثمرة يسيرة لإلقاء الضوء على الموروث القديم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

المبحث الأول
- مفهوم التكرار وأنواعه
- التكرار في اللغة والاصطلاح
في المفهوم اللغوي : أُخذت كلمة التكرار من أصل المادة ( كرر) ،و الكر : الرجوع ، يقال : كره وكر بنفسه ، يتعدى ولا يتعدى ،و الكر: مصدر كر عليه يكر كرا وكرورا ، وكر عنه : رجع . وكر الشيء وكركره : أعاده مرة بعد أخرى .
وقال أبو سعيد الضرير : قلت لأبي عمرو : مابين تَفعال وتِفعال فقال : تَفعال اسم ، وتِفعال مصدر(1).
أما المفهوم الاصطلاحي : يعرف الجرجاني التكرار في كتابه " التعريفات " (( عبارة عن الإثبات بشيء مرة بعد الأخرى )) (2)
غير أننا نجد الإمام السيوطي قد ربط التكرار بمحاسن الفصاحة ؛ كونه مرتبط بالأسلوب وهذا ما ورد في كتابه الإتقان وذلك بقوله : (( هو أبلغ من التأكيد وهو من محاسن الفصاحة )) (3)
فالظاهر من خلال قول الإمام السيوطي أن التكرار فيه نقطة التقاء مع التأكيد ، ومن هذا المنطلق حدد مفهومَه العلماءُ على أبسط مستوى فقالوا فيه ( هو يأتي المتكلم بلفظ ثم يعيده ، سواء أكان اللفظ متفق المعنى الأول والثاني فإن كان متحد الألفاظ والمعاني ، فالفائدة في إثباته تأكيد ذلك الأمر وتقريره في النفس ، إذا كان المعنى متحدا ،وغن كان اللفظان متفقين والمعنى مختلفا ، فالفائدة في الإتيان به للدلالة على المعنيين المختلفين )) (4)
غير أن العلوي يولج التكرار في سم التأكيد قائلا: (( اعلم أن التأكيد تمكين الشيء في النفس وتقوية أمره )) ولعل هذا التعريف الذي أدلى به العلوي يظهر جليا في تقسيمه للتأكيد ، مبينا موضع التكرار منه ،إذ يقول ( ...وله مجريان عام وهذا ما يتعلق بالمعاني الإعرابية ... وخاص يتعلق بعلوم البيان ويقال له التكرير )) (5)
ومما تجدر الإشارة إليه هو أن العلوي طرقا أمرا هاما يجلب النظر ، ويستدعي إمعان التدبر ، وهو قوله ( وهو ما يتعلق بالمعاني الإعرابية )) فقوله يحيل إلى أن التكرار له قسط معين لدى النحاة ، وهو سيأتي ذكره في حينه.
وخلاصة القول أن التكرار بالمفهوم الاصطلاحي قد ولج في دائرة التأكيد ، وذلك من حيث المعنى البلاغي كونه فائدة للكلام فقد قيل : ((الكلام إذا تكرر تقرر)).
أنـــواع التكرار
أ- التكرار في اللفظ والمعنى :
وهذا النوع من التكرار ما تكرر فيه اللفظ بعينه دون اختلاف ؛ أي : أن الكلمة أو العبارة تأتي بالصيغة نفسها ولذلك ينبغي إمعان النظر فيه . لغموضه ودقة مجاريه .
وقد وقع التكرار في القرآن الكريم بمعان جزلة ، ومقاصد سنية ، ويرد هذا النوع من التكرار مفصولا في كتاب الله تعالى كقوله تعالى: (( ولا أنتم عابدون ما أعبد )) القارعة الآية [ 3- 5] وهذا التكرار ورد بصيغة الجملة الاسمية المركبة من مسند إليه [ أنتم ] ومسند [ عابدون ] وهي على هذا النمط :
[ حرف نفي(لا) + مسند إليه ( أنتم ) + مسند ( عابدون) ] .
وهناك ملمح آخر نلمسه في سورة القارعة في قوله تعالى ( القارعة ما القارعة )) القارعة الآية [ 1-2] .حيث تكونت هي الأخرى من مسند إليه + مسند وهي على هذا النمط :
[ م إ1(القارعة) + م إ2( سم استفهام "ما") + م 1( القارعة) + ج إم(ما القارعة)] .فهي جملة إسنا دية تكرارية، تكرر فيها " المبتدأ " القارعة و اسم الاستفهام " ما" مرتين على جهة التعظيم والتهويل ، وهذا النوع ورد في غير موضع من كتاب الله تعالى كقوله تعالى في سورة الواقعة(( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين )) الآية [ 27].
لكن الظاهر مما تُتُبِع أن التكرار قد يخرج عن غرض التأكيد في النص القرآني لأغراض خاصة بالسياق ، وهذا النوع قد يرد مفصولا عن الآية نفسها كقوله تعالى (وإن ربك لهو العزيز الرحيم )) سورة الشعراء الآية [ 09].
والأمر نفسه نَلْمَسُه في سورة الرحمان في قوله تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ والتكرار في هذه السورة له طابع خاص سواء بإيقاعه المتكرر أو بنائه أو في مغزاه وفحواه ، وحتى في هندسة آياتها وذلك أن ما يُلْفِت انتباه قارئها هو الاستفهام الذي اسْتَهلت به. فقد مهد هذا الاستفهام للجملة الفعلية حين تكرارها ، فتكرارها ليس مجرد حِلْية لفظية ولا قيمة إيقاعية عابرة ، بل معانيها منسوجة في مواضعها ؛ فالوظيفة المَرْجُوة منه هي التأكيد على نعم المولى عز وجل ، وفي هذا يقول:" شيخ الإسلام ابن تيمية " ( التكرير في سورة الرحمان للتوكيد ، وهذا مذهب العرب أن التكرير للتوكيد والإفهام كما أن مذاهبهم الاختصار والإيجاز ، لأن افتنان المتعلم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاده في المقام على فن واحد )) (6).
فالتكرار في القرآن من بدائع القرآن، إذ يفيد المبالغة والإبانة ، حيث يقول مصطفى صادق الرافعي " : (( وتكرار الكلام لكل ما يفيده التكرار توكيدا ومبالغة وإبانة وتحقيقا ونحوها ثم استعمال الترادف في اللفظ والمعنى ومقابلة الأضداد وغيرها كما هو في نفسه تكرار آخر للمحسنات اللفظية وتحسين للتكرار المعنوي )) (7).
وهذا التكرار الوارد في الجملة الاسمية والفعلية يسمى " التكرار التام " وذلك كونُ الجملة تبقى محافظةً على تركيبها دونما أيَ تغيير ، نحوُ قوله تعالى في سورة الرحمان (( فبأي آلاء ربكما تكذبان )) فقد بقيت الجملة بتركيبها[ الاستفهام + المضاف + المضاف إليه + الفعل ( تكذب) + الفاعل ( الضمير] " .
ثانيا: التكرار في المعنى دون اللفظ.
وهذا النوع من التكرير لن أتعمق فيه كثيرا ، لأنه يرد بكثرة في القَصص القرآني " كقصة آدم عليه السلام،وموسى ، ونوح
وغيرهم من الأنبياء ، قال بعضهم : ذكر الله سيدنا موسى عليه السلام في مائة وعشرين موضعا من كتابه في سورة آل عمران ، الآية [ 28- 30 ].
وهذا التكرار إنما هو لفائدة خلت عنه في الوضع الآخر :
أحدها: أنه إذا كرر القصة زاد فيها شيئا، ألاَ تَرَى أنه ذكر الحَية في عصا موسى عليه السلام وذكرها في موضع آخرَ ثعبانًا ففائدته أنْ ليس كلُ حيةٍ ثعبانا ،وهذه عادةُ البلغاء أن يكرر أحدُهم في آخر خطبته أو قصيدته كلمةً لصفة زائدة(8)
ثانيها: أن الرجل كان يسمع القصة من القرآن ثم يعود إلى أهله ، ثم يهاجر بعده آخرون يَحْكُونَ عنه ما نزل بعد صدور الأولين .وكان أثر من آمن به مهاجر يا .فلولا تكرر القصة لوقعت قصة سيدنا موسى على قوم ، وقصة عيسى عليه السلام إلى آخرين
وفي هذا النوع من التكرار يذكر ابن قتيبة إحدى فوائدها فيقول : (( إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن منجما في ثلاث وعشرين سنة ... وكانت وفود العرب ترد على رسول اله –صلى الله عليه وسلم- للإسلام ، فيقرئهم المسلمون شيئا من القرآن ، فيكون ذلك كافيا لهم ،وكان يبعث من القبائل المتفرقة بالسور المختلفة ،فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناة ومكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم وقصة نوح إلى قوم وقصة لوط إلى قوم ، فأراد الله بلطفه ورحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها في كل سمع ويثبتها في كل قلب ،ويزيد الحاضرين في الإفهام والتحذير(9).
أما الأستاذ محمد قطب فيُرجِع هذا التكرار الوارد في القرآن إلى التنويع إذ يقول : (( الظاهرة الحقيقية ليست هي التكرار،وإنما هي التنويع ... لا يوجد نصان متماثلان في القرآن كله إنما يوجد تشابه فقط دون تماثل ، كالتشابه الذي قد يوجد بين الإخوة والأقارب ، لكنه ليس تكرارا بحال من الأحوال ،إنه مثل ثمار الجنة :" كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا ,أتوا به متشابها"... وإن التنويع ذاته لجمال فوق أنه يذهب عن نفس الملال)) (10) .
كما تجدر الإشارة على أن التكرار واردٌ في كلام العرب ، خاصة إذا ما قُرِن بالشعر وأشكاله المختلفة والمتنوعة ، فهي تبدأ بالحرف وتمتد بعد ذلك إلى الكلمة وإلى العبارة وإلى البيت ، وكل جانب من هذه الجوانب له تأثير خاص للتكرار خاصة إذا تعلق الأمر بالجانب الإيقاعي وما فيه من سر في تفعيلاته المتكررة ،وأضرب لذلك مثالا من " بحر الرجز" : مستفعلن مستفعلن مستفغلن . ولقد أشار الناقد " ريتشارد" إلى الميزة التي يؤديها الإيقاع بقوله: (( فالإيقاع يعتمد كما يعتمد على الوزن الذي هو صورته الخاصة على التكرار والتوقع ، فأثار الإيقاع والوزن تنبع من توقعنا سواء كان ما نتوقع حدوثه يحدث أو لا يحدث )) (11)
والظاهر من خلال قول "ريتشارد" أن التكرار له أهمية بالغة ، خاصة إذا ما قرن بالإيقاع والوزن ، لأنه عبارة عن لمََْسَة سحرية تبعث الحياة في الشعر .
فالتكرار في النَص الشعري يحمل في ثناياه دلالاتٍ نفسيةً وانفعاليةً مختلفةً تفرضُها طبيعةُ السياق.
ناهيك أنه إحدى أدوات الجمالية التي تساعد الشاعر على تشكيل تصويره وموقفه .وفي هذا الصدد اضرب مثالا " للمتنبي " حيث يقول :
العَارِضِ الهَتِن بنِ العارض الهَتِن ب ن العارض الهتن بن العارض الهتن
فقد علق العلوي عنه حيث يقول : ((فهذا من باب التكرير ، ثم من الناس من صوبه في تكريره هذا. ومنهم من قال :إنه قد أساء فيما أورده من ذلك .والأقرب أنه مجيد في مطلق التكرير ...فإن ما أورده من هذا التكرير دال على إغراق الممدوح في الكرم )) (12)
ومما نخلص إليه نقول : من المحال أن تجد في القرآن آية مكررةً دُونَمَا أيَ قصد ، فالتكرار كما أسلفت آنفا أنه فن أسلوبي ، خاصة إذا قرن بأسلوب القرآن ؛ أسلوبِه العجيب ونظمِه البديع ، فإذا ما تدبر فيه القارئُ وأراد مريدٌ أن يترددَ على قوة بيانه وسحر نظمه لَيُدركُ الإِدراكَ كله أنه صِيغَ صياغةً عجيبةً فتألَقت كلماتُه وتعانَقَت جمَلُه ، فخرت لعظمته جباهُ أساطينِ البيان .فأعجزهم فما اسْطَاعُوا أن يأتوا بأقصر من مثله .وهذا مرده أن القرآن انفرد بنظمه، وفي هذا يقول الرافعي -وهو في معرض حديثه عن روح التركيب في أسلوب القرآن: (( وهذه الروح لم تعرف قَطٌ في كلامٍ عربيٍ غيرَ القرآن وبها انفرد نظمه وخرج مما يطيقُه الناسُ ؛ ولولاهَا لم يكن بحيث هو كأنما وضع جملة واحدة ليس بين أجزائها تفاوت أو تباين ، إذ تراه ينظر في التركيب إلى نظم الكلمة وتأليفها، ثم إلى تأليف هذا النظم فمن هنا تعلق بعضه ببعض ، وخرج في معنى تلك الروح صفة واحدة ؛ هي صفة إعجازه في جملة التركيب)) (13).

المبحث الثاني
التـــكرار عنـــد القـــدامــى
في هذا الجزء سنحاول أن نعرض التكرار عند القدامى ، وذلك من لدن النحاة والبلاغيين ، ونبين من أي الوجهات أتخذ هذا الباب للدراسة والاهتمام عندهم .
أولا: عند النحاة :
إن المتمعن في كتب النحو قديمِها وحديثِها، يَلمحُ أن التكرار يرد في باب من أبوابه وهو "التوكيد"، وذلك كون التوكيد يمكن الشيء في النفس ويقوي أمره، حيث يقول أبو البقاء العكبري: ((التوكيد تمكين المعنى في النفس ويقال: توكيدُُ وتأكِيدْ ووكَّد وأكَّدَ بالواو)) (14) ، فإن الذي يلطف النظر ويمعن التدبر ليَلْحَظُ أن أنواع التوكيد هي نفسُها الواردة في التكرار، فالتكرار عند النحاة يأخذ منحى الاهتمام بالمعاني الإِعْرَابية، ولعل أولَ من تفطن إلى هذا الأمر هو الإمام عبد القاهر الجرجاني فالتكرار مثلا عند الجرجاني من معاني النظم التي تبث في النظم، فيساهم في الاتساق والانسجام، وهناك بيتٌ علق عليه الجرجاني وهو للبحتري، في قوله:
فَكَالسَيف إنْ جئته صَارِخًا *-*-* وكالبحر إن جِئْتَه مُسْتَثِيبَا
يعلق الجرجاني على هذا البيت قائلا: "إن الشاعر ربط بالعطف (الفاء) وكرر الكاف مع حذفه المبتدأ لأن المعنى هو كالسيف، ثم كرر الكاف في قوله "وكالبحر"، وهذا سبب واضح لمحاسن النظم فيه، يضاف إلى ذلك تكراره للشرط المتضمن جوابه "إن جئته صارخا"، "إن جئته صارخا" وردا في الشطرين من البيت، ربما أن التكرار أنواع منه الجزئي مثلما مر ومنه الكلي، وهو الذي تتكرر فيه جملتان أو أكثر باللفظ والمعنى ومنه ما يكون تكرار في المعنى إلا في اللفظ، فتكراره إن جئته صارخا وإن جئته صارخا مستبيتا في اللفظ وان اتفقتا في المعنى، لأن كلتيهما معناهما "إن جئته طالبا المساعدة"(15).
فالظاهر من قول الجرجاني أن التكرار يعد أحد معاني النحو، وما المعنى إلا ما يُفْهَمُ من الكلمات فيَحْتِمُ علينا أن نقول: إن هذا مبتدأ وهذا خبر وهذا توكيد، وتجدر بنا الإشارة إلى أمر مهم وهو أن عبد القاهر الجرجاني قد ربط النحو بالبلاغة، فيسمى منهجه المتبع بـ "النظم" وقد أشار إليه في مقدمته قائلا: ((معلوم أن ليس النظم سوى تعليق الكلم بعضها ببعض، وجعل بعضها بسبب من بعض)) وبعد أن فرغ من بيان أقسام الكلم وما يتعلق بكل قسم، راح يبين أهميتها فيقول: ((فهذه هي الطرق والوجوه في تعلق الكلم بعضها ببعض، وهي كما تراها معاني النحو وأحكامه)) (16)
ومن هذا المنطلق سأحاول أن أبين التكرار من خلال رأي النحاة. وهم بمعرض الحديث عن التأكيد ، وكما سبق الذكر أن النحو لم يكن بمعزل المعنى ، فالحركات الإعرابية هي في حد نفسها تعطي المعنى المرجو من ذلك، ولكن لا بد من معرفة معنى التأكيد حتى نستطيع فهم الدلالة الخفية منه.
التَوْكِيدُ والتَأْكِيدُ لغتان: حيث يقال: وَكدَّ توكيداًََ، وأَكَّد تأكيداً، وهو بالواو أكثر، فهما مصدران وُضعا على الأسماءِ(17)
والتوكيد بمعناه الاصطلاحي: تابع يقرر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول، وقيل: عبارة عن إعادة المعنى الحاصل قبله(18)
أما الكوفيون فيطلقون اسم "النعت" على ''التأكيد''، ولا يريدون حقيقة النعت لكن التأكيد يعد تكريرا للأول، إمَّا باللفظ نفسه، وإمَّا بما يزيل الشك في إرادته ذاته، دون غيره أو سببه، وإمَّا بما يؤكد الإحاطة به كله، وشمول مدلول لفظه.
والتأكيد قد يكون بتكرير اللفظ وقد يكون بتكرير المعنى، ولقد أشار أبو البقاء العكبري إلى هذا التقسيم بقوله: ((فإن قيل فعلى كم ضربا التوكيد قيل: على ضربين: توكيد بتكرير اللفظ وتوكيد بتكرير المعنى، فأما التوكيد بتكرير اللفظ فنحو قولك: جاءني زيد زيدُُ وجاءني رجل رجل ... وأما التوكيد بتكرير المعنى فيكون بتسعة ألفاظ وهي نفسه وعينه وكله وأَجْمَعُ وأَجْمَعُونَ وَجْمعآءُ وجُمَعُ وكلا وكلتا)) (19)وقد أشار ابن مالك في ألقيته إلى هذا التقسيم بقوله:
وكلا أذكر في الشمول، وكلا *-*-* كلتا جميعا، بالضمير موصلا
وبعد كلِِِّ أكدوا بأجمـــعا *-*-* جَمْعَاءَ، أجمعين، تم جُمَعََا(20)
ولقد عُنِي النحاةُ بالتوكيد اللفظي: وهو تكرار اللفظ الأول بعينه اعتناء به، نحو: ''أدرجي أدرجي'' وذلك كونه سنة من سنن العرب.
وهذا النوع من التأكيد أشار إليه "العلوي" بعد تقسيمه التأكيد إلى مجريين: عام وهو يتعلق بالمعاني الإعرابية وينقسم إلى لفظي ومعنوي، والتكرير قد يكون اسما كما يكون حرفا وفعلا وحتى جملة.
أما التوكيد الاسم: إذا أردنا توكيد الاسم فإنه يكرر بلا شرط كقول "مسكين الدرامي"
أخاك أَخاك إن من لا أخََا له *-*-* كساعٍ إلى الهيجَا بغير سلاحٍ
"فأخاك" الأولى منصوبة على الإغراء والثانية توكيد.
ومنه قول جرير
فهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيقُ ومن به *-*-* وهيهات حلُُّ بالعقيق نُواصِلُهُ.
حيث أكد الشاعر اسم الفعل "هيهات" توكيدا لفظيا بتكريره، ولذلك فإنَّ هيهات الثانية لا تحتاج إلى فاعل، لأنها لم يُؤْتَ بها إلا لتأكيد الأول.
كما يمكن تأكيد الجملة، ولكن الجملةُ إذا أكدت فالأكثرُ أن تُقْرَنَ بحرف العطف "ثمَّ" من ذلك قوله تعالى: ﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ سورة التكاثر، الآية [3-4] ، حيث تكررت الجملة للتوكيد، وفصل بين الجملتين بحرف العطف (ثمَّ) (21).
وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ {17} ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴾ سورة الانفطار، الآية [17-18].، فقد تكررت الجملة وهي جملة اسمية مكونة من:[ استفهام (ما) + فعل (أدراك) + فاعل (ضمير مستتر) + مفعول به (الكاف) + ما (خبر مقدم) + مبتدأ مؤخر (يومُ).]
كما يؤكد الحرف الجوابي بتكريره بلا شرط، والحرف الجوابي نحو: لا، نعم، إي جيرِ، بلى، ومنه قول جميل بثينة:
لا لا أبوحُ بِحُبِ بُثَيْنَةَ إنها *-*-* أَخَذَتْ عَلى مَوَاثِقًا وَعُهُودًا
حيث أراد الشاعر توكيد حرف النفي الجوابي (لا) فكرره، كما يؤكد الحرف غير الجوابي توكيدا لفظيا ومن ثمة يجب أنْ يعاد معه ما يدخل عليه، كقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ سورة هود، الآية [108].، حيث تكرر حرف الجر (في) على سبيل التوكيد، فأعيد ضمير ما دخل عليه، فالمؤكد (في الجنة)، والتوكيد (فيها).
كما أنه يؤكد الفعل بلا شرط نحو قول الشاعر:
فأيْنَ إلى أينَ النَجَاةُ بَِبَغْلَتي *-*-* أتاكَ أتاكَ اللاحقون أحْبِسِ أحْبِسِ(22)
فقد ورد في هذا البيت تكرارُ الجملةِ الفعليةِ توكيدًا للفعل، وقد علق "ابن هشام" على هذا البيت وهو في معرض الحديث عن ضربي التأكيد حيث قال : "تقدير البيت فأين تذهب إلى أين النجاة ببغلتي، فحذف الفعل "العامل" في "أين" الأول، وكرر الفعل والمفعول في قوله أتاك أتاك "واللاحقون" فاعل بأتاك الأول لا فاعل للثاني لأنه إنما ذكر للتأكيد، لا ليستند إلى شيء"، وقيل: ((إنه فاعل بهما وذلك لنهما لما اتحدا لفظا ومعنى نزلا منزلة الكلمة الواحدة)) (23)
ثم يواصل "ابن هشام" التعليق على هذا البيت مُبْرِزًا رأيا آخرَ بقوله: ((وقيل إنهما منازعا قوله "اللاحقون" ولو كان كذلك لزم أن يضمر في أحدهما فكان يقول: أتوك أتاك اللاحقون على إعمال الثاني وأتاك أتوك على إعمال الأول)) (24)
وإذا ما انتقلنا إلى النحوي ابنِِ جني (392 هـ)، نجده يفرد التوكيد في باب من أبواب كتابه الخصائص "الاحتياط" حيث يقول (اعلم أن العرب إذا أرادت المعنى مكنته واحْتَاطَتْ له فمن ذلك التوكيد)) ، فابن جني يعتبر التوكيد من السُنَن التي سنها العرب في كلامها، كي تمكن المعنى وتفيد به ثم يُكْمِل ابن جني قوله لكي يبين أضرب التوكيد بقوله: "وهو على ضربين: أحدهما: تكرير الأول بلفظه، وهو نحو قوله: قام زيد (قام زيد) و(ضربت زيدا ضربت)، وقد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، والله أكبر الله أكبر
وقال:
وإِيَاكَ إِيَاكَ المِرَاءَ فإنَّه *-*-* إلى الشَّرِ دعاء وللشر جَالبُُ(25)
حيث (احذر) ضمير مبني في محل نصب على التحذير، مفعول به لفعل محذوف تقديره أحذر أمَّا (إِيَاكَ) الضمير الثاني فهو في محل نصب على التوكيد اللفظي الأول.
وأما الثاني: فتكرير الأول بمعناه: وهو على ضربين: أحدهما للإحاطة والعموم والآخر للتثبيت والتمكين(26).
أما ما يخص التأكيد بتكرير المعنى، فيكون بألفاظ خاصة في اللغة لإزالة الشك عن المؤكد بها في نسبة المعنى المسند إليه في الجملة، فهو يرفع احتمال إرادة غير المذكور، أو احتمال عدم شموليته.
وهذا النوع من التأكيد قد يرد لفائدة كقوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ سورة الأحزاب ، الآية [ 72 ]. ،وهو وراد على جهة التأكيد المعنوي وفائدته تعظيم شأن هذه الأمانة المشار إليها وتفخيم حالها، وقوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ سورة آل عمران،الآية [ 104].
فقوله "يدعون إلى الخير" عام في كل شيء، وإنما كرر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجهة التأكيد والمبالغة
والتأكيد المعنوي قد يرد ببرهان يشهد له، وتارة يرد على جهة الغريمة ومرة بغير ذلك، فهذه وجوه ثلاثة:
أولها: ما يرد ببرهان دال عليه وهذا كقول أبي نواس:
قل للذي بصروف الدهر عيرنا *-*-* هل عاند الدهر إلا من له خطرُ
أما ترى البحرَ تَعْلُو فَوقَه جِيَفٌ *-*-* وتَسْتَقِرُ بأقصى قَعْرِه الدُرَرُ!!
وفي السماء نجومٌ لا عِـدَادَ لها *-*-* وليس يَكْسف إلا الشمس والقمرُ
فقوله "أما ترى البحر" وقوله و"في السماء نجوم"، فإنما أوردهما على جهة الاستدلال والتقرير لما أدعاه من معاندة الدهر لذوي الأخطار وأهل المراتب العالية.
أولهما : أن يكون واردا على جهة العزيمة، والاهتمام بأمره، وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ {75} وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ سورة الواقعة ، الآية [ 75- 76]. فقوله "وأنه لقسم" إنما أورد على جهة التأكيد لقوله (فلا أقسم) على جهة الغريمة لكونه قسما بالغا عظيما.
ثالثهما: أن يكون ورادا على خلاف هذين الوجهين كقوله:
فدعوا نزال فكنتُ أولَ نازلِِ *-*-* وَعَلاَمَ ارْكَبُهُ إذا لم أَنْزِلِ؟
فقوله (فعلام أركبه) وارد على جهة التأكيد لقوله (فكنت أول نازل) بالاستفهام على جهة التقرير، وكقوله:
ولا عَيْبَ فيهم غير أنَّ سيوفَهم *-*-* بهن فلول من قراع الكتائب
فقوله (غير أن سيوفهم) إنما ورد على جهة التأكيد المعنوي، لكونهم شجعانا، فأورده على صيغة الاستثناء(27)
كما نجد هذا النوع من التأكيد يرتبط ببعض الألفاظ لها قواعدها وأحكامها يبني عليها التكرير بالتأكيد، ولقد أشار ابن جني إلى هذا النوع من التكرير، بعد حديثه عن الضرب الأول من التأكيد حيث يقول: ((والثاني تكرير الأول بمعناه، وهو على ضربين: أحدهما للإحاطة والعموم والآخر للتثبيت))
وما يميز التوكيد المعنوي عن غيره أنه يكون للأسماء فحسب، ويكون بألفاظ مخصوصة ويكون التوكيد هو المؤكد نفسه أو عينه، كما يقول سيبويه ((لستَ تريد أن تحليه بصفة لإقرابه كأخيك، ولكن النحويين صار ذا عندهم صفة لأن حاله كحال الموصوف، كما أن حال الطويل وأخيك في الصفة بمنزلة الموصوف في الإجراء، لأنه يلحقها ما يلحق الموصوف من الإعراب)) (28)
فالتوكيد مثل النعت في تبعيته فحسب لما قبله، ولكنه يختلف عن النعت في أن المقصود به هو الأول نفسه، فهو تكرير له ولكنه بالمعنى لا باللفظ، والألفاظ التي يؤكد بها الاسم تأكيدا معنويا، "النفس والعين"، وهما لرفع المجاز عن الذات، "وكل" و "جميع" وهما لرفع احتمال إرادة الخصوص بلفظ العموم(29)
ونجد في ألفاظ التوكيد ضمير يعود على المؤكد مطابقا له، وهو يربط ما يربط التوكيد بالمؤكد، قال تعالى: ﴿ فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾. سورة الحجر، الآية [30].
لكن ابن مالك أجاز إضافة "كل" المؤكدة لاسم ظاهر مثل الموكد، فيكون من إعادة الظاهر بنفسه بدلا من الضمير، واستدل على ذلك بقول عمر بن أبي ربيعة:
كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم *-*-* يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
وخالفه أبو حيان ورأى أن "كل" هنا تكون نعتا لا توكيدا، ومعنى "الناس كل الناس" الناس كاملين في الحسن والفضل، وإجازة ابن مالك لذلك مبنية على أن الظاهر مثل الضمير ومساوِ له.
أما سيبويه فلم يستعمل التكرار وإنما استعمل مصطلح التثنية والإعادة في قوله: ((هذا باب ما يثنى فيه المستقر توكيدا، فإنما هذا كقولك: قد ثبت زيدا أميرا قد ثبت فأعدت قد ثبت توكيدا، ومثله في التوكيد والتثنية "لقيت عمرا عمرََا)) (30)
فالظاهر من خلال قول سيبويه، أنه لم يقل بالتكرار؛ وهذا راجع إلى أن التثنية والإعادة عنده ماهي إلا وصف لظاهرِ العمليةِ كما تجري في اللفظ والتوكيد وصف، وتعيين للأثر المعنوي الحاصل منها، على أن سيبويه قد استعمل "التثنية مرادفة للتوكيد".
فالتأكيد هو التكثير في اللفظ دون الخارج، كما يعمل في نسبة الحكم إلى الشيء، فيزيد تلك النسبة قوة، ولذلك نجد التوكيد في اصطلاح أهل العربية يطلق على معنيين، أحدهما: التقرير أي جعل الشيء ثابتا في ذهن المخاطب، وثانيهما: اللفظ الدال على التقرير أي اللفظ المؤكد الذي يقرر به. (31)
وحتى يُقَررُ الكلام لا بد أن يقوم على لفظ سابق، وذلك بتكريره سواء باللفظ والمعنى (في التوكيد اللفظي)، أم بالمعنى دون اللفظ (في التوكيد المعنوي)، وذلك حد التأكيد: "أن تحقق باللفظ معنََى قد فُهم من لفظ آخر قد سبق منك".(32)
فعبد القاهر الجرجاني انطلق من منطلق شبيهٍ بالمنطلق الذي انطلق منه "سيبويه" كما سبق الذكر آنفا ليزيد هذا الأصل في التأكيد رسوخًا وتقريرا لصرف التكرار إليه، يقول: ((وإذا كان مفهوما من اللفظ قبل أن يذكره، كان ذكره إذا ذُكر تأكيدا لا محالة)) (33)
وعلى هذا النحو تصبح بنية التأكيد قائمة على:
- معنى حاصل بلفظ سابق = يؤكد.
- معنى حاصل بغير لفظ سابق = يؤكد
- معنى غير حاصل = لا يؤكد إنما يؤسس(34)
فالمعنى غير الحاصل لا يؤكد، وذلك لأنه لا يفيد تقوية ما يفيده لفظ آخر وذلك أن المتحكم في التأكيد ليس مطلق التكرار وعودة اللفظ؛ إنما هو بحسب المعنى، فيُعْتَبرُ الأمرُ تأكيدًا إذا أعاد المعنى ولا يعتبر كذلك إذا لم يُعَد(35).
فيمكن لنا أن نعتبر الغرض من التأكيد دفع إرادة المعنى المجازي من الكلام وصرف الكلام إلى المعنى الحقيقي غرضا مركبا على الغرض الأساسي من التأكيد.
فابن جني يستدل على كثرة المجاز في اللغة بوجود التأكيد. واعتبر أن من أغراض التأكيد إبطال توهم المجاز، قال: ((فإذا عرف التوكيد لم وقع في الكلام نحو "نفسه" و"عينه" و"أجمع" و"كله" و"كلهم" و"كليهما" عرفت منه حال سعة المجاز في هذا الكلام ... فوقوع التوكيد في هذه اللغة أقوى دليل على شياع المجاز فيها واشتماله عليها حتى إن أهل العربية أفردوا له بابا لعنايتهم به ولكونه مما لا يضاع ولا يهمل مثله)) (36)
أما رأي ابن هشام فالتكرار يراد به غير التأكيد ''وذلك كون التكرار الذي هو من قبيل التذكير ليس تأكيدا إنما هو ضرب من ضروب تحقيق تواصل العهد، وإنما حسن تكرار "لدى" في "وما كنت لديهم" لتباعد ما بينهما''(37)، ولعلى هذا التباعد الذي يرجعه ابن هشام هو تباعد اللفظة من غيابها في الذهن، وبالتالي تكون غير معهودة، مما يحتاج المتكلم من تكرار لفظها فالتأكيد لا يحدث تجددا في المعنى الذي تفيده الصيغة المؤكدة.
كما ورد مصطلح "التكرار" عند بعض النحاة وهو ما صرح به أبو حيان، وذلك في معرض الحديث عن البدل، حيث يسمونه الكوفيون "بالترجمة والتبيين" كون "البدل" من التوابع، وقال أبو حيان: ((ويسمونه بالتكرار)) (38)
ولعل هذه التسميات تكشف عن المعنى اللغوي من البدل، فهو تبين للأول، وهو المبدل منه وتكرير له بطريقة أخرى، فإذا قلت: ((مررتُ بأخيك زيدٍ))، فزيد ثانِِ يقدر في موضع الأول، من حيث كان تابع للأول في إعرابه(39)
ومما نخلص إليه أن التأكيد ظاهرة لغوية، تتحقق بمجرد التكرار اللفظي، أو ببعض الأدوات والأساليب الخاصة، والنحاة اهتموا بالتأكيد اللفظي، كونه يُكررُ اللفظَ السابقَ ويقرر عليه .وتكرار هذه الألفاظ يمثل عملية بمثابة الزيادة والتكثير، غير أن المتصفح لكتب النحو لَيَجِدُ أن التكرار وراد في عدة أبواب من أبواب النحو: "كالبدل وعطف البيان والتوكيد"، فكلها تخضع للتكرار والتكرار الذي لا يعرف نهاية من الحلال المباح بل والحسن المطلوب، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالدعاء والندبة، فإن التكرار يحدد الفائدة فيه، فالمتكلم في مقام لا يَسْطِعُ أن يختزل في كلامه، بل عليه أن يصرف إشارته إلى التأكيد ويحمل عليه.
ثانيا : عند البلاغيين :

عولج التكرار في البلاغة العربية، بوصفه أصلا من أصول البديع وذلك أن البديع هو: "علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال وفصاحته" (40) ، فالتكرار عند البلاغيين من الأساليب الشائعة ولذا فقد عُنِيَ به البلاغيون عنايةً كبيرةً، كابن رشيق (ت 462 هـ)، الجاحظ (ت 255 هـ)، الفراء (ت 207 هـ)، الخطابي (ت 388 هـ)، وابن سنان الحقاجي (ت 466 هـ) كما نجد كذلك "ابن المعتز" يتطرق إلى التكرار في كتابه البديع "وهو أول من جمع البديع، وألف فيه كتابا لم يعده إلا خمسة أبواب: الاستعارة أولها، ثم التجنيس ثم المطابقة، ثم رد الإعجاز على الصدور، ثم المذهب الكلامي، وعد ما سوى هذه الخمسة أنواع محاسن، وأباح أن يسميها من شاء ذلك بديعا"(41)
وحد التكرار عندهم (البلاغيين) هو "دلالة اللفظ على المعنى مرددا"، كما نجد حدا آخر يكشف عن أقسام التكرار عند البلاغيين "هو إعادة اللفظ الواحد بالعدد أو بالنوع أو المعنى الواحد بالعدد أو النوع"(42)
أولا: ابن رشيق:
لقد خصص ابن رشيق بابا في "التكرار"، وبين مواضعه ومتى يكون حسنا ومتى يكون قبيحا مدعما ذلك بالأمثلة حيث يقول: ((وللتكرار مواضعُ يحسن فيها ومواضعُ يقبح فيها، فأكثر ما يقع التكرار في الألفاظ دون المعاني، وهو في المعاني دون الألفاظ أقل)) (43) ، فالتكرار إذاً لا يحسن في كل المواضع، وإنما ما يستدعيه المقام والسياق ويجب أن تكون له وظيفة حَسَبَ رأي ابن رشيق وأن يكون للتكرار موقعٌ حميدٌ لا مرمى بعيدا، فالمتكلم لا بد ألا يُسْمِعك جُمَلاً مكررة، فتذهب دلالتها وتَجِدها حينئذ مجهولة منكرة، وإن كان قد أقر بهذا ابن رشيق بقوله: ((فإذا تكرر اللفظ والمعنى جميعا فذلك الخذلان بعينه)) (44) ، فالتكرار لديه وظائفُ ترتبط بالغرض الشعري وقد أوردها ابن رشيق وهو في معرض الحديث عن الموضع التي يستهجن فيها التكرار: "ولا يجب للشاعر أن يكرر اسما إلا على جهة التشوق والاستعذاب، إذا كان في تغزل أو نسيب، كقول امرئ القيس" ولم يتخلص أحد تخلصه فيما ذكر عد الكريم وغيره ولا يتكلم سلامته في هذا الباب:
ديار لسلمى عافيات بذي الخال *-*-* ألَّـح عليها كـل أسحـم هطـال
وتحسب سلمى لا تزال ترى طلاّ *-*-* من الوحش أو بيـضا بميثاء محـلال
وتحسب سلمى لا تزال كعهـدنا *-*-* بوادي الخزامي أو على رأس أو عال
ليالي سلمى إذ تريـك منصبـا *-*-* وجيدا كجيد الرئم ليس بمعـطال
وكقول قيس بن ذريح:
ألا ليت لبنى لم تكن لي خلة *-*-* ولم تلقني لبنى ولم أدر ماهياً
أو على سبيل التنويه به، والإشارة إليه بذكر إن كان في مدح كقول أبي الأسد:
ولائمةٍ لامتك يا فيض فـي الـنـدى *-*-* فقلت لها هل يقدح اللوم في البحر
أرادت لتثني الفيض عن عادة الندى *-*-* ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر
كأن وفـود الفيض يـوم تحملـوا *-*-* إلى الفيض لاقوا عنده ليلة القـدر
موقع جود الفيض في كل بلـدةٍ *-*-* مواقع مـاء المـزن في البلـد القفر
فذكر" يراسم" الممدوح هاهنا تنويه به، وإشارة بذكره، وتفخيم له في القلوب والأسماع كذلك قول الخنساء:
وإن صخرا لمولانا وسيدنا *-*-* وإن صخرا إذا نشتوا لنحار
وإن صخرا لتألم الهداة به *-*-* كأنـه علم في رأسه نــار
أو على سبيل التقرير والتوبيخ، كقول بعضهم:
إلى كم وكم أشياء منكم تريبني *-*-* أغمض عنها لست عنها بذي عمي
فأما قول محمد بن مناذر الصبيري في معنى التكثير:
كمْ وكمْ كم كمْ وكمْ َكم كمْ *-*-* قال لي: أنجز حـر ما وعـد
فقد زاد على الواجب وتجاوز الحد(45)
فالظاهر من خلال هذه الأبيات التي عرضها ابن رشيق، أن التكرار إذا لم يك واضح المراد، بين الدلالة فقد يخرج من دائرة ما هو مستحسن، ويلج في دائرة ما هو معيب مستهجن.
ثم يكمل ابن رشيق وظائف التكرار إلى قوله أو على سبيل المثال التعظيم للمحكي عنه، أنشد سيبويه:
لا أرى الموتَ يسبقُ الموت شيء *-*-* نغَّضَ الموتُ ذا الغنى والفقيرَا
أو على وجهة الوعيد والتهديد إن كان عتاب موجع، كقول الأعشى ليزيد ابن مشهر الشيباني:
أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا *-*-* أبا ثابت أقصر وعرضك سالم
وذرنا وقوماً إن هم عمدوا لنا *-*-* أبا ثابت واقعد فإنك طاعم!!
أو على وجه التوجع إن كان رثاءًَ وتأبينًا"(46)
نلحظ في بعض الشواهد السابقة تجوز التكرار على مستوى الجملة والبيت وحدوثه أكثر من مرّة، فالتكرار يعتبر عاملا لغويا من عوامل تجسيد الاستمرارية، في هذه الأبيات؛ استمرارية المتحدث عنه: سلمى، فيض، صخر، بحيث يمكن أن: "إنّ كل اسم من هذه الأسماء يصلح أن يكون عنوانا للأبيات الوارد فيها وليس بالضرورة أن يكون المتحدث عنه واحدا حتى يكون هناك استمرارية، بل يمكن أن يتغير الموضوع"(47).
وتعتبر هذه الوظائف التي قدمها ابن رشيق، وردت في عدة كتب من جهابذة البلاغة، كما أن الوظائف لا تنحصر في التكرار، وإنما يبقى مردّها إلى كيفية التعامل مع النص الشعري، ناهيك لما يسفر عنه التحليل كما يرى الدكتور "جميل عبد المجيد".

ثانيا:ابن الأثير:
ومن البلاغيين الذي سلك هذا المسلك ابن الأثير، وهو في معرض الحديث عن "الإطناب" بعد فراغه من تعريفه، وبيان أقسامه قال: ((ومن هذا النوع الذي هو (الإطناب) ضربان: أحدهما ما يسمى توكيد الضمير المتصل بالمنفصل، والآخر يسمى التكرير)) (48). وسنحاول أن نبين التكرار عند ابن الأثير انطلاقا من أقسام التكرار حيث يقول: ((وأما التكرار فهو قسمان: أحدهما يوجد في اللفظ والمعنى والآخر يوجد في المعنى دون اللفظ، فأما الذي يوجد في اللفظ والمعنى فكقولك لمن تستدعيه: أَسْرِعْ أَسرِعْ، وأما الذي يوجد في المعنى دون اللفظ فكقولك: أطعني ولا تعصني، فإن الأمر بالطاعة هو النهي عن المعصية، ولا فائدة للتكرير إلا للتوكيد ....)) (49)
ولعل ثمة شيئا نلمحه لدى ابن الأثير وهو انتقاله ، حين تعامل مع التكرار في القرآن الكريم، إذ كان يفسره ويفسر فائدته في إطار السياق المقالي والسياق المقامي أحيانا، ولذا نَلحظه يقسم هذين القسمين من التكرار "قسم مفيد وغير مفيد"(50)
1- المفيد: هو الذي يأتي في الكلام توكيدا له وتسديدا من أمره، وإشعارا بعظم شأنه وهو يأتي في اللفظ والمعنى والمقصود منه غرضان مختلفان، كقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ {14} قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾، ثم قال بعد ذلك: ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ﴾، فإن المر بالإخلاص في العبادة لله قد جاء مكررا هاهنا لفظا ومعنى، والمقصود به غرضان مختلفان: (51)
الغرض الأول: أراد به الإخبار: لأنه مأمور من جهة الله تعالى بإخلاص العبادة له.
والغرض الثاني: أراد به تخصيص الله وحده دون غيره: ولدلالته على ذلك قدم المعبود على فعل العبادة في الثاني، وأخره في الأول لأن الكلام أولا واقع في الفعل نفسه وإيجاده، وثانيا فيمن يفعل الفعل لأجله، فهذان غرضان مختلفان.
2- غير المفيد: فهو الذي يأتي في الكلام توكيدا له، ويجئ في اللفظ والمعنى ولكن المقصود منه غير مفيد، مثال ذلك قول المتنبي:
ولم أر مثل جيراني ومثلي *-*-* لمثلي غدا مثلهم مقام
وكقوله أيضا:
وَقَلْقَلْتُ بالهمِ الذي قَلْقَلَ الحَشَا *-*-* قَلاَقِلَ عيش كلَهن قَلاَقِلُ.
والتكرار في هذا البيت جاء في اللفظ والمعنى، لكن بغير فائدة، فهو المعيب من التكرار وأما ما جاء من التكرير في المعنى دون اللفظ، فقد حاول ابن الأثير أن يبين الفارق بين طرفي هذا التكرار في المعنى، رغم وحدته بينهما، وسأحاول أن أعرض ما قدمه ابن الأثير، مثل قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾، فإنه يسبق إلى الوهم أن ذلك تكرير في المعنى، فإن العرب إنما جمعت بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا: "عندي رجال ثلاثة، وفرسان أربعة"، فهذا عارٍِِ من الدلالة على المعدود، وأما رجل ورجلان وفرس وفرسان فمعدودان، فالفائدة إذن في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾، تأكيد معنى المعدود(52)
كما أشار ابن ألأثير في الكتاب نفسه إلى ضرب آخر، وهو الانتقال من العام إلى الخاص ، ويهدف بهذا إلى التركيز على المتنقل إليه وبيان أهميته حيث يقول: ((ومما ينتظم بهذا السلك انه إذا كان التكرير في المعنى يدل على معنيين أحدهما خاص والآخر عام" كقوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ فإن الأمر بالمعروف خير، وليس كل خير أمرا بالمعروف، وذاك أن الخير أنواع كثيرة، من جملتها الأمر بالمعروف، فائدة التكرير هاهنا أنه ذكر الخاص بعد العام، للتنبيه على فضيلته، كقوله تعالى: ﴿ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ ﴾، وكقوله تعالى: ﴿ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ ﴾ وكقوله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾، فإن الجبال داخلة في جملة الأرض، لكن لفظ الأرض العام والجبال خاص، وفائدته هاهنا تعظيم شان الأمانة المشار إليها وتفخيم أمرها)) (53)
فابن الأثير يعتمد في تفسير التكرار على مبدأ السياق المقالي، وإن كان قد قصر هذا على القرآن الكريم، إذْ يقرر هذا بقوله: ((وبالجملة فأعلم أنه ليس في القرآن مكرر لا فائدة في تكريره فإن رأيت شيئا منه تكرر من حيث الظاهرُ، فأنعم نظرك فيه، فأنظر إلى سوابقه ولواحقه، لتنكشف كل الفائدة منه)) (54)، فالظاهر من خلال قول ابن الأثير
فابن الأثير يرى أن التكرار ليس ضربا من الخَطَل في الكلام حالَ تكراره ، ذلك كونه ربط التكرار بالسياق ، وما له من أثر بالغ على التركيب وحتى على المعنى .
ثالثا : الخطابي:
كما نجد جهبيذا ونحريرًا من نحار ير البلاغة وجهابذتها الذين اهتموا بإعجاز القرآن وبلاغته وهو الخطابي هو الآخَر كذلك أعطى للتكرار حظه في رسالته، فقد تحدث عن التكرار، وهو يبين أضربه فقال: ((فإن تكرار الكلام على ضربين: أحدهما مذموم: وهو ما كان مستغنى عنه، غير مستفاد به زيادة معنى لم يستفيدوه بالكلام الأول، لأنه حينئذ يكون فضلا من القول، وليس في القرآن شيء من هذا النوع)) (55) ، فالتكرار عند الخطابي لا بد أن يكون دالا مبنيا، وإلا عُدَّ غُثا وقد نفي ورود هذا النوع في القرآن الكريم كما أشار إلى ضرب آخر من التكرار ومثل له بقوله: "والضرب الآخر ما كان بخلاف هذه الصفة فإن ترك التكرار في الموضوع الذي يقتضيه، وتدعوا الحاجة إليه فيه، بإزاء تكلف الزيادة في وقت الحاجة إلى الحذف والاختصار، وإنما يحتاج إليه ويحسن استعماله في الأمور المهمة التي قد تعظم العناية بها، ويخاف بتركه وقوع الغلط والنسيان فيها والاستهانة بقدرها، وقد يقول الرجل لصاحبه في الحث والتحريض على العمل: عجل عجَل، ورام ورام، كما يكتب في الأمور المهمة على ظهور الكتب: مهم مُهم مهمْ، ونحوها من الأمور، وكقول الشاعر:
هلا سألت جموع كنـ *-*-* دة يوم ولو أين أينا
وقول آخر:
يا لبكر أنشروا لي كليبا *-*-* يا لبكر أين أينْ الفرار
ثم عرض التكرار الوارد في قصص القرآن وسبب تكرارها.
رابعا: السجلماسي :
ومن البلاغيين كذلك الذين اهتموا بقضية البديع "السجلماسي"، هو الآخر كذلك أولى اهتمامه بالتكرير، حيث أدرجه تحت الأجناس العالية ولكن تجدر الإشارة، إلى أن السجلماسي استخدم مصطلح "البديع" بمعنى "البلاغة" وهي عنده عشرة أجناس، يقول السجلماسي: ((إن هذه الصناعة الملقبة بعلم البيان وصنعة البلاغة والبديع، مشتملة على عشرة أجناس عالية وهي: الإيجاز التخييل، والإشارة والمبالغة والرصف، والمظاهرة والتوضيح، والاتساع والانثناء والتكرير)) (56)
السجلماسي اصطلح على تسمية التكرار "البناء"، وهذا الاصطلاح يثير إلى وجود توافق ما هو بلاغي عربي، وما هو مدار الدراسة في علم لغة النص، وإن كان قد عُرِفَ "البناء"، على إِنه "إعادة اللفظ الواحد بالعدد وعلى انطلاق المتحد المعنى كذلك مرتين فصاعدا، خشية تناسي الأول لطول العهد به في القول، ومن صوره الجزئية قوه عز وجل: ﴿ أ َيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ﴾ المؤمنون ، الآية [ 35] ،فقوله "أنكم" الثاني بناء على الأول وإنكار به، خشية تناسيه لطول العهد به في القول: وقول عز وجل: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾، وما كان مثله، فقوله (هم) الثاني بناءا على الأول لما طال قوله، وكان قوته بوجه ما قوة التأكيد اللفظي، ويمكن أن يكون من هذا النوع، قول عز وجل في قصة الذبح، ثناءً على إبراهيم عليهما السلام: ﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ {106} وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ {107} وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ {108} سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾، فقوله كذلك "نجزي المحسنين"، بناءًا ولذلك قيل فيه "كذلك نجزي المحسنين" بغير (إنَّ) وفي غيره من مواضع ذكره، (إنا كذلك)، لأنه بنَى على ما سبقه في هذه القصة من قوله "إنا كذلك" فكأنه -كما قيل- استخف بطرح "إنَّ"، اكتفاء بذكره أولا عن ذكره ثانيا"(57).
وواضح ما في الكلام من دور التكرار في تنشيط ذاكرة المستمع أو القارئ، وذلك بإحالة (أنكم) وبعدها جملة ليس لها خبر (أن)، ثم جملة ثالثة ليس فيها خبر (أن)، وحين أريد إيراد هذا الخبر في الجملة الثالثة، كان قد طال العهد بين (أن) واسمها من جهة، وخبرها من جهة أخرى، مما يخشى معه التناسي فأعيدت أن واسمها (أنكم) مرة ثانية، لمحو ما خشي منه (النسيان).
ولكن هذه الإشارة التي تحدث عنها السجلماسي لم تكن هي الإشارة الأولى بل سبقه إليها ابن الأثير: حيث قال: ((ولربما أدخل في التكرير من هذا النوع ما)).
ما ليس منه، وهو موضع لم ينه عليه أحد سواي فمنه قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، فلما تكرر "إنّ ربك" مرتين علم أن ذلك أدل على المغفرة، وكذلك قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، فابن الأثير يرى في هذه الآيات ليست ثمة تكرار وإنما هي لغاية أخرى، حيث يقول: "وقد أنغمت نظري فيها، فرأيتها خارجة عن حكم التكرير، وذلك أنه أطال الفصل من الكلام، وكان أوله يفتقر إلى تمام لا يفهم إلا به، فالأولى في باب الفصاحة أن يعاد لفظ الأول مرة ثانية، ليكون مقارنا لتمام الفصل"(58)
المبحث الثالث
التكـــرار عند المُحْــــــــدَثِــين

أولا : التكرار في لسانيات النص

قبل الولوج في معرفة أنماط التكرار ومظاهره عند المحدثين خاصة عند علماء لسانيات النّص لا بد من الوقوف على معرفة مفهوم النّص، ولسانيات النّص، وكيف كان هذا الانتقال من "نحو الجملة إلى نحو النّص".
1-: مفهوم النص:
تزودنا المعاجم العربية بمعانٍ متعددة للنّص، وهي مجملها تفيد الرفع والحركة، جاء في لسان العرب: "النّص: رَفْعُكَ الشيء، نصَّ الحديث ينصُّه نصًّا رفعه،وكل ماأظهر، فقد نص. ونصَّ المتاع نصا:جعل بعضه على بعض"(59).
ويذكر صاحب "القاموس المحيط: نصَّ الشيء: حركُهُ، ونصَّ العروس أقعدها على المنصة" أما أساس البلاغة: فتقرأ في مادة (نصص) الماشطة تنصُّ العروس فتقعدها على المنصَّة، وهي تنتص عليها، أي ترفعها وانتصَّ السنام: ارتفع وانتصب قال مسكين الدرامي:
حتى علاها تامك *-*-* شبهته وانتص فِنْدا
ويشتق النص (test) في اللغات الأجنبية من الاستخدام الاستعاري في للفعل (texture) الذي يعني يحرك: (weave) أوينسج ويوحي بسلسلة من الجمل والملفوظات المنسوجة بنيويا ودلاليا"(60)
وعليه يتضح أن الدلالة الحديثة للنص لم تكن غائبة كليا في المعجم العربي فقد التقت مع الدلالة اللاتينية، وإن دَّل هذا فإنما يدل على بلوغ الاكتمال في الصنع.
أما النص بمعناه الاصطلاحي مفهوم حديث في الفكر العربي المعاصر، وهو ليس وليد هذا الفكر، وإنما هو كغيره من مفاهيم كثيرة في شتى العلوم الحديثة بقول عبد المالك مرتاض: "وقد حاولنا أن نعثر على ذكر اللفظ في التراث العربي النقدي فأعجزنا البحث ولم يُفْضِ بنا إلى شيء إلاَّ ما ذكر أبو عثمان الجاحظ في مقدمة كتابه "الحيوان" من أمر الكتابة بمفهوم التسجيل والتقييد والتدوين والتخليد لا بالمفهوم الحديث للنّص"(61)
وسأورد تعريفات أوردها (محمد مفتاح) للنص حسب توجهات معرفية فهناك تعريف ِبنَوي وآخر نفساني دلالي وآخرها خاص باجتماعات الأدب... ليخلص إلى تعريف واحد في النهاية، أما هذه التعريفات فهي:
1/ مدونة كلامية: سعني أنه مؤلف من كلام.
2/ حدثُ: أن كل نص هو حدث يقع في زمانٍ ومكانٍ معينين. (62)
3/ تواصلي: يهدف إلى توصيل معلومات ومعارف ونقل تجارب ... إلى الملتقي.
4/ تفاعلي: أي إقامة علاقات اجتماعية بين أفراد المجتمع.
5/ مغلق: أي انغلاق سمته الكتابية الأيقونة التي لها بداية ونهاية.
6/ توالدي: إنّ الحدث اللغوي ليس منبثقا من عدم وإنما هو متولد من أحداث تاريخية ونفسية ولغوية ... وتتناسل منه أحداث لغوية أخرى لاحقة له.
فالنص إذاً "مدونةُ حدثٍ كلامي ذي وظائف متعددة"(63).
أما جوليا كريستفا فلق عرفت النَّص تعريفا جامعا إذْ قالت: ((نعرف النص بأنه جهاز نقل لساني يعيد توزيع نظام اللغة واضعا الحديث التواصلي، نقصد المعلومات المباشرة في علاقة مع ملفوظات مختلفة سابقة أو متزامنة)).
ويعرفه رولان بارت: ((إنه السطح الظاهري للنتاج الأدبي، نسيجُ الكلمات المنظومة في التأليف، والمنسقة بحيث تفرض شكلا ثابتا ووحيدا ما استطاعت إلى ذلك سبيلا)) (64)
ويتضح مما سبق أن مصطلح النَّص ذاته يمثل إشكالية معقدة وكبيرة في النقد الحديث ؛ذلك لأنه لم يعد يقتصر على دلالته المَعجمية والاصطلاحية المعروفة ،بل راح يكتسب دلالات جديدة مع مصطلحات أخرى.
2- :مفهوم لسانيات النَّص:
حَظِيت اللغة منذ القديم بنصيب وافر من الدراسات من أهم وسائل الاتصال التي يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وأَحدثُ دراسة في هذا الشأن تعود إلى زيليغ هاريس الذي قدم منهجا لتحليل الخطاب المترابط، حيث استخدم فيه اللسانيات الوصفية بهدف الوصول إلى اكتشاف بنية النَّص (structure of the text) وقصر فيه الدراسة على الجمل والعلاقات فيما بين أجزاء الجملة الواحدة.
كما يعود الفضل إلى العالم الهولندي "فَان دَيْك/ Dijk" الذي اعترض في كتابه "جوانب من علم نحو النَّص/ Aspects of text grammar" على النحو التقليدي من حيث إِنَّه لايلبي المطلب التي تقتضيها دراسة النَّص الأدبي. (65)
لكن الفارق المميز بين هاريس وفان ديك في دراسة العلاقات النحوية بين الجمل في حقل اللسانيات الشكلية هو شمول الوصف النحوي لهذه العلاقات على المستوى السطحي والعميق دون الاقتصار على التغيرات الطارئة على البنية الظاهرة كما يقرها التحويليون، ويحرص فان ديك على ضرورة الارتباط المنطقي في البحث على اتساق النصوص وانسجامها، حيث استعمل فان ديك مفهوم الترابط للإشارة إلى علاقة خاصة بين الجمل والانسجام إشارة إلى عدم تأويل الجمل أو القضايا بمعزل عن الجمل والقضايا السابقة عليها "فالعلاقة بين الجمل محددة باعتبار التأويلات النسبية"(66)
إن لسانيات النص: "فرع من فروع اللسانيات" يُعْنى بدراسة مميزات النص من حيث حدُه وتماسكه ومحتواه ألإبلاغي التواصلي(67)، فقد حدد هذا النَّص محاور اللسانيات النصية في النقاط التالية:
- الحد والمفهوم وما يتصل بهما.
- المحتوى التواصلي وما يرافقه من عناصر ووظائف لغوية داخل مقام تواصلي.
- التماسك والاتساق أو ما نصطلح عليه بـ: "النَّصية" مقابلا للمصطلح الغربي (Textualité) تحتل مسألة النصية هذه مكانا مرموقا في البحث اللساني لأنها تجري على تحديد الكيفيات التي ينسجم بها النص / الخطاب، فاللسانيات النصية تنطلق من أن النص "بنية نصية متماسكة ذات نسق داخلي تربط بين عناصره علاقات منطقية ونحوية ودلالية"(68).
فالنص هو إنتاج مترابط متسق ومنسجم وليس رصفا اعتباطيا للكلمات والجمل، ولذا نرى أن علماء لغة النص، أولو أهمية كبيرة للنص انطلاقا من تعاريفهم له، فالنص مثلا عند برينكز: "تتابع متماسك من علامات لغوية أو مركبات من علامات لغوية لا تدخل تحت أية وحدة لغوية أخرى (69)
ثانيا : مظــــــــــاهــــــر التـكـــرار
لا شك أن عالم النص يتعامل مع النص على أنه بنية كلية، ومن ثم يكون المدخل إلى التحليل عن طريق تحليل الخواص التي تؤدي إلى تماسك النَّص، فلقد عني علماء النص عناية كاملة بالتماسك، كونه يجعلنا نفهم مكونات النص، وعلاقته بما يفهم من الجمل الأخرى، فالنص عبارة عن لحمة متحدة، ويذكر هاليداي ورقية حسن أن كلمة (النص) تستخدم في اللسانيات، لتشير إلى أي مقطع منطوق أو مكتوب، يشكل كلاًّ متحدا''كما رأى جون لاينز أن "على النص في مجمله أن يتسم بسمات التماسك والترابط"(70)
وهناك مظاهر وأدوات يتم بها السبك النصي أو التماسك النصي، وذلك كون السبك "يعني بالعلاقات أو الأدوات الشكلية والدلالية التي تسهم في الربط بين عناصر النص الداخلية، وبين النص والبيئة المحيطة من ناحية أخرى، ومن بين هذه الأدوات المرجعية"، فالسبك يهتم بالعلاقات بين أجزاء الجملة وأيضا بين العلاقات بين جمل النص وبين فقراته، بل بين النصوص المكونة للكتاب، ومن ثم يحيط التماسك بالنص كاملا داخليا وخارجيا(71)
كما تعد آراء هاريس نقطة تحول إلى أهمية تجاوز الدراسات اللغوية من مستوى الجملة إلى مستوى النص، والربط بين اللغة والموقف الاجتماعي مشكلين بذلك اتجاها جديدا، وأخذت ملامح النص تتبلور، ثم عرف هذا الاتجاه بلسانيات النص أواللسانيات النصية أونحو النّص.
ومما ذكر سابقا نلمح أن التحليل اللساني يتجاوز نظرة التحليل النحوي التقليدي، حيث تتجلى مهامه في دراسة الخواص التي تؤدي إلى تماسك النّص وتعطي غرضا لمكونات النظام النصاني، وإن كانت مبعثرة "وقد حاول مجموعة من الدارسين العناية في وقت مبكر بدراسة النص تأسيسا لنظرية شاملة تبحث في الترابط النصي من حيث أشكاله ووسائله''(72).
إن الحديث عن التماسك النّصي أو الترابط النّصي، يوجد في علاقة قائمة بين الجمل، وهذه العلاقة تقوم على مستوين، هما المستوى النحوي والمستوى المعجمي وإن الهدف من هذه المقاربة هو الكشف عن مدى فعالية الاتساق (السبك) وكذا إبراز حدوده
ولقد انطلق كل من هاليدي ورقية حسن من الشبكة التي وضعهما ويمكن تمثيل ذلك كالآتي:






وسأحاول منطلقا من هذا المخطط أن استعرض قضية التكرار في لسانيات النّص، وما هي منطلقات علماء لغة النص، التي انطلقوا منها، حتى يجعلوا "التكرار" مظهرًا من مظاهر الترابط النصي.
1/ السبك المعجمي:
أ - التكـرار:
يعرف هاليدي ورقية حسن التكرار بأنه: "أية حالة تكرار يمكن أن تكون كلمة نفسها أو مرادف أو شبه مرادف، كلمة عامة أو اسما عاما"(73).
كما يقصد كذلك بالتكرار "تكرار لفظتين مرجعهما واحد، فمثل هذا التكرار يعد ضربا من ضروب الإحالة إلى سابق بمعنى أن الثاني منهما يحيل إلى الأول، ومن ثم يحدث السبك بينهما وبالتالي بين الجملة أو الفقرة الوارد فيها الطرف الثاني من طرفي التكرار.
كما يطلق على التكرار "إعادة اللفظ": "وهو شكل من أشكال التماسك المعجمي التي تتطلب إعادة عنصر معجمي ''(74)ومما أورده الدكتور جميل عبد المجيد قال( ويطلق البعض على هذه الوسيلة "الإحالة التكرارية" وتتمثل في تكرار لفظ أو عدة من الألفاظ في بداية كل جملة من جمل النص قصد التأكيد )) (75) ،وبالتالي فإن التكرار في ظاهر أمره يصنع ترابطا بين أجزاء النص بشكل بَينٍ.
ولكن هذا لا يعني دوما أن العنصر المكرر له المحال إليه نفسه، بمعنى أنه قد تكون بين العنصرين علاقة إحالية وقد لا تكون وفي الحالة الأخيرة نكون أمام علاقات أخرى فرعية (في علاقة التكرير نفسها) (76) ، وللتوضيح هذا يذكر هاليدي ورقية حسن المثال التالي:
"أغسل وانزع نوى ست تفاحات ضعها في صحن مقاوم للنَّار"
فالضمير (ها) في الجملة الثانية يحيل إلى (ست تفاحات) في الجملة الأولى، كما أنه لا يمكن تفسيره إلا بالرجوع إلى ما يحيل إليه، ومن ثم ترتبط الجملة الثانية بالأولى، مما يجعل هاتين الجملتين تشكلان نَّصا، أو جزءا من نص واحد، وإذا كان الضمير (ها) هنا قدم قام بوظيفية الإحالة القبلية والتي أدت إلى السبك فإنه يمكن أن يقوم بهذه الوظيفة التكرار، وذلك كالتالي:
اغسل وانزع نوى ست تفاحات، ضع التفاحات في صحن مقاوم للنار.
فقد تمت الإحالة هنا من خلال تكرار لفظ (التفاحات)، وبهذا يصبح "التكرار المعجمي" وسيلة من وسائل السبك.
وتنقسم الإحالة من هذا المنطلق إلى نوعين رئيسين:
أ- إحالة داخل النص أو (داخل اللغة): وتسمى النصية.
ب- إحالة خارج النص أو (خارج اللغة): وتسمى المقامية.
أما الإحالة داخل النص فتنقسم إلى قسمين:
أ-1- إحالة على السابق أو إحالة بالعودة: وتسمى قبلية وهي تعود على مفسر سبق بعدية وهي تعود على عنصر إشاري مذكور بعدها في النص ولاحق عليها.
فالتكرار يعتبر أحد الكفاءة النصية أو المعيار الأهم في نصية النّص، كونه يساهم في تماسكه ناهيك أنه علاقة معنوية بين عنصر في النص وعنصر آخر يكون ضروريا لتفسير النص الذي يحمل مجموعة من الحقائق المتوالية.
كما أورد هاليدي ورقية حسن أنماط التكرار في سلم مكون من أربع درجات، يأتي في أعلاه إعادة العنصر المعجمي نفسه، ويليه الترادف (أو شبه الترادف) ثم لاسم الشامل، وفي الأسفل تأتي الكلمات العامة .
وإعادة عنصر معجمي يقصد به تكرار الكلمة كما هي دون تغيير، أي "تكرار تام" أو محضْ كما أشار دوبيوجراند ودريسلر إلى وظيفة أخرى فضلا عن السبك يؤديها هذا التكرار في النصوص الشعرية هي تجسيد المعنى . (77)
وعليه ما يميز النص من اللانص هي هذه المظاهر ومنها "التكرار"، التي تعمل على تحقيق تناسق مكونات النّص، ولذلك فإن نور الدين السَّد أعطى أهمية كبيرة لهذا الترابط (التكرار)، ويعتبر أساسيا في النصية.
كما تتنوع صور الروابط التكرارية فيما يلي(78):
أ - التكرار المحض (التكرار الكلي): وهو نوعان:
أ-1- التكرار وحدة المرجع (أي يكون المسمى واحدا).
أ-2- التكرار مع اختلاف المرجع (أي المسمى متعدد).
ب - التكرار الجزئي: ويقصد به تكرار عنصر سبق استخدامه، ولكن في أشكال وفئات مختلفة.
د- شبه التكرار: ويشير الدكتور سعد مصلوح إلى أنه يقوم في جوهره على التوهم، إذ تفقد العناصر فيه علاقة التكرار المحض ويتحقق شبه التكرار غالبا في مستوى الشكل الصوتي وهو اقرب إلى الجناس الناقص.
وسنحاول أن نبين لكل نمط نَمَوْذَجًا، فتكرار مع وحدة المرجع قوله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ فقد تكرر "الويل" وقصد به دلالة واحدة (وحدة المرجع) بالإضافة إلى التكرار الموجود في (يكتبون الكتاب بأيديهم) و (كتبت أيديهم) وما يفيده من ربط.
ومن التكرار مع وحدة المرجع في الشعر الحديث قول نازك الملائكة في قصيدتها أغنية للإنسان:
في عميق الظلام زمجرت الأمطار في ثورة وجن الوجود.
طاش عصف الرِّياح والتهب البرق وثارت على السكون الرعود
ثورة ثَورة تمزق قلب الليل والصمت بالصدى بالبريق
فقد تكررت كلمة "الثورة" في الأبيات 1-2-3 بدلالة واحدة.
أما التكرار مع اختلاف المرجع كقول أبي نواس مخاطبا الفضل بن الربيع:
وأي فتى في الناس أرجو مقامه *-*-* إذا أنت لم تفعل وأنت أخو الفضل
فقل لأبي العباس: إن كنت مذنبا *-*-* فأنت أحق الناس بالأخذ بالفضل
ولا تجحدوا بي ودَّ عشرين حجة *-*-* ولا تفسدوا ما كان منكم من الفضل
فقد تكررت كلمة (الفضل) مع اختلاف المرجع، فدلالتها في البيت الأول الفضل بن الربيع أخو جعفر (الممدوح)، وفي الثاني مقصود به السمَّاحة، وفي الثالث ضد النقص، فقد تعدد المسمى مع التكرار الذي صنع ربطا بين البيات وأثار انتباه المتلقِّي.
أما التكرار الجزئي فيعني: "تكرار عنصر سبق استخدامه ولكن في أشكال وفئات مختلفة"(79)كما في نصِّ نازك الملائكة السابق (عميق، الظلام) (جرح، عميق) (ثورة، ثارت) (البرق، البريق).
أما التكرار بالمرادف فيمكن أن يكون على نوعين:
أ - المرادف دلالة وجرس: وهو تكرار الكلمتين تحملان معنًى واحدا وتشتركان في بعض الأصوات والميزان الصرفي مثل: مجيد= أثيل، يستره= يحجبه، جميل= مليح.
ب - الترادف دلالة لا غير: مثل: الحزن = الهموم، مذموم = محتقر، السقم= العلة، العسل= الرحيق، السيف= المهند.
أما شبه التكرار: فهو كما أشار الدكتور سعد مصلوح منذ قليل أقرب إلى التوهم حيث تفتقد عناصره التكرار المحض، ويتحقق في مستوى التشكل الصوتي ليصنع نوعا ما التماسك وذلك كتكرار بعض الوحدات الصوتية، كما في قول الشاعر "أمل دنقل" في قصيدة (صلاة) (80):
قد يتبدل رسمك والسمك، لكن جوهرك الفرد لا يتحول
الصمت وشمك، والصمت وسمك
والصمت –حيث التفت- يرين ويسمك
والصمت بين خيوط يديك المشبكتين المضممتين
يلف الفراشة والعنكبوت
فالمتأمل لهذا الجزء يجد تكرارات تملأ هذه الأبيات (رسمك، وشمك، اسمك، بسمك) فهذا شبه تكرار غير أنه شدّ انتباه المتلقي وصنع تماسكا قويا بين أجزاء النّص، حيث جاءت "السين" المتكررة بهسيسها الواضح، وقد أوحت "السين" هنا بالصلاة السرية التي لا يسمع سوى صفير "السين".
يظل هذا الشعور في جو النَّص مع تكرار "السين" الذي أدى إلى الربط بطريقتين:
1- طريقة التكرار 2- التواصل الدلالي بين أجزاء النَّص(81)
كما تجدر الإشارة إلى أن ثمة دروسًا درست على النهج الحديث، مطبقا فيها الدراسة النصية كما فعل "الدكتور جميل عبد المجيد" في كتابه "بلاغة النص مدخل نظري ودراسة تطبيقية" والأمر نفسه نجده عند الدكتور "أحمد مداس" في كتابه "لسانيات النَّص (نحو منهج لتحليل الخطاب الشعري)" حيث درس احمد مداس قصيدة "الماء" لإيليا أبي ماضي، دراسة من جوانب عدة، وما يهمنا هو دراسة ظاهرة التكرار حيث يقول بعد فراغه من دراسة القصيدة "ويبدوا تكرار القوافي ذا وظيفة معنوية ترجمت المعنى الخفي للصورة المتحولة، فوظيفتها الحقيقية لا تظهر إلاَّ إذا وضعت في علاقة مع المعنى"، ويعتبر أحمد مداس أن هذا التكرير في القوافي هو الذي يربط الاستعمالات بين الحالة الشعورية والانفعال الشعري "فالأمر يرد إلى اللاوعي وتبدل الذات عند الانفعال، وهي الخاصة التي تتعدى القوافي إلى التكرير"(82)
فالتكرار يلعب دورا مهما على المعنى اللغوي والموسيقى الشعرية، كما أنه أداء يبعث التأويل بين المسموع كصوت والدلالة التي تؤديها، وتوازنا بين التجنيس والترصيع، كما أنه أشار إلى "التكرار التام" في قوله "سلمى بما ذا تفكرين؟" وقد ورد في موضعين متباعدين، وتكرار غير تام مبني على الاستبدال في قول الشاعر:
سلمى .... بما ذا تفكرين؟
سلمى .... بما ذا تحلمين؟
حيث استبدل "تفكرين" بـ "تحلمين"، كما يلفت النظر إلى "تكرار غير تام" في موضع آخر من قصيدة "قارئة الفنجان" للشاعر "نزار قباني":
ستجيب كثيرا يا ولدي
وتموت كثيرا يا ولدي
فهو ينحو إلى التكرير التام من جهة التركيب، ويعادل التوازي من جهة الدلالة، فالتركيب الأول يعطي معنًى يخالف فيه الثاني، فسلمى شتت فكرها وللأول دلالة الهموم والمآسي، وللثاني دلالة الانشراح ... تتكرر مأساة الموت بتكرر شعور الحب فالتكرار تشاكل لغوي يلفت الانتباه ... كما أنه يبرز دور الموسيقى في بنية النَّص الشعري وعلاقتها بالدلالات المتنوعة التي تتولد عنها. (83)
إن اللافت للانتباه أن المفسرين قد تعاملوا مع التكرير على أساس لا كما فعل علماء لسانيات النص، أنه يربط أجزاء النص بعضها ببعض، قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {47}﴾، يعلق الفخر الرازي قائلا: ((اعلم أنه تعالى إنَّما أعاد هذا الكلام مرةً أخرى توكيدا للحجة عليهم، وتحذيرًا من ترك إتباع محمد –ص- ثم قرنه بالوعيد)).
لكنَّا نجد وظيفة التكرار في الآية نفسها، مختلفة لدى ابن عاشور، قال: ((أعيد خطاب بني إسرائيل بطريق النداء مماثلا لما وقع في خطابهم الأول لقصد التكرير للاهتمام بهذا الخطاب، وما يترتب عليه ... فللتكرير هنا نكتة جمع الكلامين بعد تعريفها ونكتة التعداد لما فيه إجمال معنى النعمة)) (84).
ومن الأعلام الذين اهتموا بالتماسك النصي كلاوس برينكز في كتابه "التحليل اللغوي للنص" حيث تناول فيه الشروط النحوية للتماسك النصي، ومن بين هذه الشروط "التكرار" أو كما سمَّاها هو "الإعادة"، وبين صورًا للإعادة. وهي نوعان: إعادة صريحة وإعادة ضمنية.
أ/ الإعادة الصريحة: هي تطابق الإحالة لتعبيرات لغوية معينة في الجمل المتعاقبة لنص ما(85)
حيث يكرر تعبير معين (كلمة أو ضميمة مثلا) من خلال تعبير أو عدة تعبيرات في الجمل المتتابعة للنّص في صورة مطابقة إحالية.
وإعادة تكون من خلال أسماء أو ضمائم اسمية، وضمائر، وسأورد بعض الأمثلة التي ذكرها "كلاوس برينكز" مصحوبة ببعض الشرح.
1/ كان رجل في الطريق على عجلة، وأراد أن يصعد جبلا فرأى (هو) شيئا ملقى على الأرض فتوقف عنده، كان الرجل يدعى أوبرستالن، ولم يكن يرى نفسه شيئا ذا قيمة، ولم يكن (هو) ليلفت نظر أحد، وقد ضاق ذرعا بالأضابير الرسمية.
2/ رمى هـ.ي أو المحامي من دوسلدورف البالغ 47 عاما، يتهمه من أبشع التهم، فلعل رجل القانون قد دبر اختطاف المليونير، وطالب مبتزا أسرته بسبعة ملايين مارك.
3/ جرح رجل بالمعاش بالغ من العمر 79 عاما في مساء الثلاثاء من سيارة جرحا مميتا، وخلال النهار عثر على المركبة المتلفة وثلاثة من ركابها.
4/ بطريقة غير مألوفة أراد من بفورتسايم عمره 43 عاما أن ينتحر في مساء الثلاثاء وكما أخبرت الشرطة كان العامل الفني قد احضر من مسكنه إلى حجز اضطراري بعد مشاحنات.
توضح النصوص أو القطع النصية أن صاحب الإحالة المتعين من خلال الاسم (في الأمثلة 1-2-3) صاحب الإحالة شخص، وفي المثال 03 صاحب الإحالة شيء يمكن أن يعاد، فالواضح من خلال تكرير الاسم ذاته (رجل في المثالين النصين 1 و4) أو من خلال اسم أو عدة أسماء أخرى أو ضمائم اسمية (رجل القانون في المثال 02)، والمركبة في المثال 03، وكذلك التكرار من خلال ضمير شخصي محدد (ضمير الغائب هو في المثال 01).
وفي الأمثلة النصية (1-3-4) يتضح ورود صاحب الإحالة للمرة الأولى بإدخال اسم أو ضميمة اسمية علامتها نكرة (رجل).
فالتكرار عند برينكز له دلالات، ووروده ليس عشوائيا حيث يقول: ((فإنه لا يفترض أن اختار الكلمات المتكررة يكون كيفما اتفق عشوائيا)) (86)، والإعادة الصحيحة عند برينكز هي نفسها "التكرار"، سواء من خلال أسماء أو إعادة من خلال الضمائر، إذ يصرح بقوله: "وحين نغض النظر هاهنا عن الإعادة غير الإشكالية من خلال الكلمة، ما يسمى "التكرار"، فإنه يفرق بين حالتين على الأقل.
- إعادة من خلال أسماء أخرى.
- إعادة من خلال الضمائر"
كما قدم برينكز مخططا يبين فيه "بنية الإعادة الاسمية"، وذلك باعتبارها بنية الربط النحوية للنص، حيث مثل له بتعليق الصحفي الآتي "حكم شجاع".
1- نطقت قاضية في محكمة ابتدائية في ميتمان بحكم شجاع، 2- فقد رفضت شكوى طالب ثانوي عمره 18 سنة، كان قد رحل عن منزله، وطالب والديه بمائتي مارك شهريا نفقة له، 3- واشتكى الشاب بأن والديه لم يوضحا له (علة) عدم مناقشتهم معه حول الشيوعية، وأعلما صديقيه بحرمة البيت، 4- وبرغم ذلك، كما رأت القاضية يمكن أن يرتضى للشاب أن يضل ساكنا في بيت والديه، ويلقى تسامحًا، 5- سيُحدث الحكم لدى أُسر كثير مناقشات حامية، 6- وهذا أمر حسن، 7- فبعض البنات والبنين لا يرون بشكل واضح في قانون بلوغ سن الرشد الساري منذ مطلع العام الماضي إلا حقوقهم، 8- فذلك القانون يعترف لهم بأن يتزوجوا في سن الثامنة عشرة ضد رغبة والديهم أو يتركوا المدرسة أو يبرموا تعاقدات، 9- بيد أن المزيد من الحقوق يعني أيضا المزيد من الواجبات والمزيد من المسؤولية، 10- كتبت القاضية في "ماتيمان" للشاب الراشد في سرية أن التقنين الجديد ليس رخصة انطلاق في حياة بلا قانون 11- فما زال يجب أن يراعي الوالدين والأخوة، 12- إن التقنين الجديد الخاص ببلوغ سن الرشد تحدٍّ للجيلين، 13- من المؤكد أن بعض أولياء الأمور أيضا يجب أن يُعَلَّمُوا ألا يعاملوا الآن أبنائهم وبناتهم البالغين معاملة الأطفال، 14- ولكن يجب أن يتوقع أيضا من الشباب الذي نضجوا في وقت مبكر جسديا وعقليا أن يكونوا كما كانت الحال فيما مضى على وعي بالمسؤولية ومراعين لغيرهم.
فالإعادة (التكرار) عند "برينكز" تعتبر مبدأ أساسا في علم لغة النّص، كونه يمثل مظهرا من مظاهر التماسك النَّصي ناهيك أنَّه مهم في تكوين النّص.
فالنص عند "برينكز" هو تتابعات جملية متماسكة، كما لابد أن تنظر إلى الجملة على أنها أهم وَحْدة في بناء النّص، ومُفاد هذا التماسك وظيفة التواصل(87)
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنطلق الذي انطلق منه "برينكز" في بناء النّص، واعتبار "الإعادة" أو التكرار وسيلة من وسائل التماسك النّصي الذي ينطلق من تتابع الجمل ونظمها، يتناسب والتكرار "الجراماتيكي" الذي "هو عبارة عن تكرار لنظم الجمل بكيفية واحدة، أي تكرار للطريقة التي تبنى بها الجملة، مع اختلاف الوحدات المعجمية التي تتألف منها الجمل".
فالتكرار ليس عشوائيا يوضع كيفما وُضع، وإنما يخضع لنظم الجمل وما هو سابق له من الوَحْدات والجمل، فهي تُبْنى بشكل متوازٍ في الشعر أساسا، وفي النثر وَفْق هذا المفهوم "وإذا حاولنا الربط بين مفهوم التكرار الجراماتيكي ومفهوم التوازي فإنَّ تكرار نظم الجمل يعد نَّوعا من التوازي في هذا المستوى".
فالتكرار مرتبط بالكلام الأول، وإذا ما كررت هذه الجمل زادت المتلقي جذبا وتأملا وإحساسا بمعنى الترابط النَّصي.


الخاتمة :
مما يمكن أن نتوصل إليه من خلال هذا البحث ،الذي انبسطت أفكاره على بعض الجوانب الخاصة بالتكرار من الجانب النحوي والبلاغي ولسانيات النص ، هي بعض النتائج أحصرها فيما يلي :
أ‌- عناية النحاة والبلاغيين بظاهرة التكرار ؛ كونه وسيلة من وسائل تحسين اللفظ ، ووسيلة لتوكيد المعنى ،وهذا من خلال أنواعه : اللفظي منه والمعنوي.
ب‌- التكرار وسيلة من وسائل التماسك النصي ، فهو يقوم بدور إحالي إلى سابق من خلال اللفظ والمعنى .
ج- التكرار يأخذ كم من صورة ونمط كالترادف والترديد وسبه الترادف.
د- وجود ترابط بين البلاغة العربية ولسانيات النص من حيث توسيع دلالة التكرار ؛ وذلك كون لسانيات النص تهتم بالملفوظ حال السياق، وهو أمر طرقه علماؤنا النحارير في دراساتهم البلاغية كابن الأثير مثلا ، لما قسم التكرار لمفيد وغير مفيد من خلال وروده في السياق .
ﻫ- يعتبر التكرار الذي انطلق منه علماؤنا القدامى رصيدا ثمينا قد يكون أساسا قويا في خدمة الدراسات اللغوية الحديثة .
و- عولج التكرار من لدن البلاغيين من منظور بلاغي صرف ، ومن ثم كان التركيز على القرآن الكريم من حيث إعجازه البلاغي كالخطابي والجرجاني .
ز- التكرار عند علماء لسانيات النص شمل النصوص بمختلف أنواعها ، كما أن هذه الظاهرة كانت على مستوى الجملة والفقرة والنص بتمامه ، بينما ركزت البلاغة العربية على الجملة أو البيت .
ح- ومما يمكن الإقرار به أن علماء البلاغة قد قدموا لنا مباحث في غاية الدقة و الإتقان، كونها متعلقة بالكتاب المقدس وهو القرآن الكريم .
الإحالات :
1- ابن منظور، لسان العرب ، ت : عبد الله علي الأكبر وآخرون ، دار المعارف ، بيروت ، لبنان ، د/ ط د/ ت ، ج5 ص3851 .
2- القاضي الجرجاني ، التعريفات ، ت: نصر الدين تونسي ، شركة القدس للتصوير ، القاهرة ، ط1، 2007، ص113..
3 - جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن ، ت ،محمد أبو الفضل إبراهيم ، المكتبة العصرية ، بيروت ، لبنان ، د/ ط ، 1988، ج3 ، ص 199.
4- أحمد مطلوب، معجم النقد العربي القديم ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، ط1 ، 1989، ج1، ص730.
5- العلوي ، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، د/ ط ، د/ ت، ج2 ، ص 176.
6 - ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ابن تيمية ، مكتبة ا لمعارف ، الرباط ، المغرب ، د/ ط ، د/ ت ، ج3 ، ص534.
7- مصطفى صادق الرافعي ، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، ط9، 1973 ، ص196 .
8- محمد بن عبد الله الزركشي، المرجع السابق ، ص ص25-26 .
9- ابن قتيبة ، تأويل مشكل القرآن ، ت، أحمد صقر ، دار التراث ، القاهرة ، ط2 ،1983، ص ص 232 -234.
10- محمد قطب ، دراسات قرآنية ، دار الشروق ، ط8، 1982، ص253 .
11- ريتشارد ، مبادئ النقد الأبي ، ترجمة : مصطفى بدوي ، ص188 .
12- العلوي ، المرجع السابق ، ص 182.
13- مصطفى صادق الرافعي ، المرجع السابق، ص245.
14- أبو البقاء العكبري ، علل البناء والإعراب ، ت: غازي مختار طليات ، دار الفكر، دمشق، ط1، 1995، ج1، ص 394.
15- إبراهيم خليل ، في اللسانيات ونحو النص ، دار المسيرة، عمان، الأردن، ط1، 2007، ص ص 231-232.
16- عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، ت: محمود محمد شاكر ، دار المدني، القاهرة، ط3، 1992، ص 08
17- إبراهيم بركات ، المرجع السابق ، ص 95..
18- القاضي الجرجاني ، المرجع السابق ، ص 89.
19- أبو البركات الأنباري ، أسرار العربية ، ت: فخر صالح قداوة ، دار الجيل، بيروت، ط1، 1995، ص 253.
20- لابن عقيل ، شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك ، ج3، ص 180-181.
21- إبراهيم بركات إبراهيم ، المرجع السابق، ص 100.
22- لم ينسب إلى قائل، وقد احتج به "ابن جني" في كتابه الخصائص من باب: الاحتياط. ينظر: ابن جني ، الخصائص ، ت: محمد علي النجار، عالم الكتب بيروت، لبنان، د/ت، ج3، ص 103.
23- ابن هشام ، شرح فطر الندى وبل الصدى ، ت: محي الدين عبد الحميد ، ط11، 1983، ص 291.
24- المرجع نفسه، ، ص 291.
25- ابن جني ، المرجع السابق، ، ص 104
26- المرجع السابق، العلوي، ص 184.
28 - محمد حماسة عبد اللطيف ، بناء الجملة العربي ، دار غريب ، القاهرة ، د/ط، 2003، ص 183.
29- المرجع نفسه ، ص 184.
30- سيبويه ، الكتاب ، ت: عبد السلام هارون ، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط3، 1988، ج11، ص 125.
31- محمد الشاوش ، أصول تحليل الخطاب في النظرية النحوية العربية ، المؤسسة العربية، تونس، ط1، 2001، ج2، ص 755.
32- عبد القاهر الجرجاني ، المرجع السابق، ص 230
33- المرجع نفسه ، ص 230.
34- محمد الشاوش ، المرجع السابق، ص 262.
35- المرجع نفسه، ص 754.
36- ابن جني ، الخصائص ، ت: محمد علي النجار ، المكتبة العلمية ، بيروت ، لبنان ، د/ط،د/ت ، ج2، ص ص450-451.
37- ابن هشام ، مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب ، ت: مازن المبارك، محمد على حمد الله ، دار الفكر، د/ط، 1961، ج1، ص 168.
38- محمد عبد اللطيف حماسة ، المرجع السابق ، ص 187.
39- المرجع نفسه ، ص 187.
40- الخطيب القرويني ، الإيضاح في علوم البلاغة ، ت: عماد بيوني زغلول ، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، د/ط، ص 15 .
41- ابن رشيق ، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده ، ت: محمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، لبنان، ط5، 1981، ج1، ص 265.
42- السجلماسي ، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع ، ت: علال الغازي ، مكتبة المعارف، الرباط، ط1، 1980، ص 476.
43- ابن رشيق ، المرجع السابق، ص 73.
44- المرجع نفسه ، ص 74.
45- ابن الرشيق ، المرجع السابق، ص 63.
46- المرجع نفسه ، ص75.
47- جميل عبد الحميد ، البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، د/ط، 1990، ص 88.
48- ابن الأثير ، جوهر الكنز تلخيص كنز البراعة في أدوات ذوي البراعة ، محمد زغلول سلام ، منشاة المعارف الإسكندرية، د/ط، 2009، ص 257.
49- المرجع نفسه ، ص 257.
50- ابن الأثير ، المرجع السابق ، ص 257.
51- ابن الأثير ، المرجع نفسه ، ص 258.
52- المرجع نفسه ، ص 259.
53- ابن الأثير، المرجع السابق، ص 27-28.
54- ابن الأثير ، المرجع السابق ، ص ص (25-27).
55- إعجاز القرآن ، الخطابي ، ت: محمد خلفه ومحمد زغلول السلام ، دار المعارف مصر، ط3، د/ت، ص 52.
56- السجلماسي، المرجع السابق ، ص 18.
57- السجلماسي ، المرجع السابق ،ص 477- 478.
58- ابن الأثير ، المرجع السابق ،ص ص 16-17.
59- ابن منظور ، لسان العرب ، مادة ( نص) ، ص4441.
60- فاضل تأمر ، النص بوصفه إشكالية راهنة في النقد الحديث ، مجلة الأقلام، عدد 3-4، سنة 1992، ص 16-17.
61- محمد الأخضر الصبي حي ، مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقه ، دار العربية للعلوم، بيروت، لبنان، ط1، 2008، ص 18
62- محمد مفتاح ، تحليل الخطاب الشعري (إستراتيجية التناصب) ، دار التنوير، بيروت، لبنان، ط1، 1985، ص 120.
63- المرجع نفسه ، ص 120.
64- رولان بإرث ، نظرية النص ، تر: محمد خيري ألبقاعي ، مجلة العرب والفكر العالمي، عدد 03، 1988، ص 89.
65- إبراهيم خليل ، في اللسانيات ونحو النص ، دار المسيرة ، عمان الأردن، ط1، 2007، ص 195.
66- محمد خطابي ، لسانيات النص (مدخل إلى انسجام النَّص)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط2، 2006، ص 34.
67- أحمد مداس ، لسانيات النص (نحو منهج لتحليل الخطاب الشعري) ، عالم الكتب الحديث، إربد، الأردن، ط1، 2007، ص 03.
68- محمد الأخضر الصبيحي ، المرجع السابق ، ص 88.
69- كلاوس برينكر ، التحليل اللغوي للنص (مدخل إلى المفاهيم الأساسية والمناهج) ، ت: سعيد حسن بحيري مؤسسة المختار، القاهرة، ط1،ص29
70- جميل عبد المجيد ، البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، د/ط، 1990، ص 71.
71- صبحي إبراهيم الفقي ، علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق ، القاهرة، د/ط، 2000، ج1، ص 37.
72- محمد الأخضر الصبيحي ، المرجع السابق ، ص 88.
73- محمد خطابي ، المرجع السابق، ص 237.
74- أحمد عفيفي ، نحو النص اتجاه جديد في الدرس النحوي ، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة ، ط1، 2001، ص 106.
75- المرجع نفسه، ص 106.
76- محمد خطابي ، المرجع السابق، ص 237.
77- جميل عبد المجيد ، المرجع السابق، ص 80.
78- أحمد عفيفي ، المرجع السابق، ص106
79- أحمد عفيفي، المرجع السابق، ص 109.
80- أحمد عفيفي، المرجع السابق 110.
81- المرجع نفسه ، ص 111.
82- أحمد مداس ، المرجع السابق، ص 221.
83- المرجع نفسه، ص 227.
84- الفخر الرازي ، التفسير الكبير ، دار الفكر، لبنان، ط1، 1981، ج3، ص55.
85- كلاوس برينكر ، المرجع السابق ، ص 38.
86- المرجع نفسه ، ص 42.
87- المرجع نفسه ، ص 27.

من اعداد فاتح مرزوق في 10/06/2010









 


رد مع اقتباس
قديم 2010-06-11, 13:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
فريدرامي
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية فريدرامي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخي الكريم على هذا الجهد
وشكرا










رد مع اقتباس
قديم 2010-07-04, 13:36   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
المنصور
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية المنصور
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليـــكم ورحمة الله تعــــالى وبركاتـــه
بارك الله فيك أستاذنا فاتح على هذا المجهود
وجزااااااااااك الله كل خير
جعــل الله يومك سعـيد .... وهـــمك بعيد .... وفرجــك قريـــب
وسرورك يزيد .. وعيشك رغيد .. ورأيك سديد .. وعقلك رشيد .
تقبل تحياتي منصوررررر










رد مع اقتباس
قديم 2010-07-04, 20:44   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
لوز رشيد
مراقب منتديات انشغالات الأسرة التّربويّة
 
الصورة الرمزية لوز رشيد
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك على المجهود و نفعك به في الدنيا و الآخرة









رد مع اقتباس
قديم 2010-11-14, 15:38   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عزالدين13
عضو جديد
 
إحصائية العضو










Hot News1 طلب مساعدة

السلام عليكم شكرا استادي على هدا الوضوع الثري وانا ألتمس ن شخصكم الكريم مساعدة في موضوع التكرار ودوره في التماسك النصي










رد مع اقتباس
قديم 2017-05-11, 12:55   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
امل عطوي
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم على هذا الموضوع القيم










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرزوق, التكرارفي القران بين, القدماء والمحدثيين, فاتح


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:27

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc