مصادر التشريع .. أصول الفقه - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

مصادر التشريع .. أصول الفقه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-03-09, 15:10   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة مصادر التشريع .. أصول الفقه

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن معرفة الفقه الإسلامي وأدلة الأحكام، ومعرفة فقهاء الإسلام الذين يرجع إليهم في هذا الباب من الأمور المهمة التي ينبغي لأهل العلم العناية بها وإيضاحها للناس؛ لأن الله سبحانه خلق الثقلين لعبادته، ولا يمكن أن تعرف هذه العبادة إلا بمعرفة الفقه الإسلامي وأدلته، وأحكام الإسلام وأدلته، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة العلماء الذين يعتمد عليهم في هذا الباب من أئمة الحديث والفقه الإسلامي.

فالعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، ومن أسباب السعادة للعبد، ومن علامات النجاة والفوز أن يفقه في دين الله، وأن يكون فقيها في الإسلام، بصيراً بدين الله على ما جاء في كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام.

والعلماء قد بين الله شأنهم ورفع قدرهم، وهم أهل العلم بالله وبشريعته، والعاملون بما جاء عن الله وعن نبيه عليه الصلاة والسلام، وهم علماء الهدى، ومصابيح الدجى وهم العاملون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين قال فيهم جل وعلا: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة آل عمران الآية 18.

وقال فيهم جل وعلا: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ سورة المجادلة الآية 11.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) رواه البخاري في العلم برقم 69 ومسلم في الزكاة برقم 1719

اخوة الاسلام

هذه الموسوعه الشامله ليست ك مثيلتها الغرض النشر فقط

بل وارحب بكل من لاديه استفسار او سؤال وسوف ابذل قصاري

جهدي لتوضيحه او احضاره من كبار العلماء والائمة

......


الفقه الإسلامي تعريفه وأصوله وفروعه


https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2132684

الفقه وأصوله القسم المجمل

https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?t=2132996

واخيرا

اسالكم الدعاء بظهر الغيب








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:16   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

تخريج حديث : (إنما أجازي العباد على قدر عقولهم) .

السؤال:


وقفت على حديث قدسي أعجبني ، ضعفه ابن الجوزي وغيره، فهل حسنه أو أخذ به بعض أهل العلم قديما أو حديثا ؟ لقد روي الحديث (مقطوعا) عن زيد بن أسلم التابعي الجليل ، فهل تصح نسبته إليه، وهل كان زيد بن أسلم يحدث عن بني إسرائيل ؟ قال أبو نعيم في " حلية الأولياء " :

" حدثنا عمر بن أحمد بن عثمان ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، حدثنا محمد بن بكار ، حدثنا أبو مسعر ، عن زيد بن أسلم : " أن نبيا ، من الأنبياء أمر قومه أن يقرضوا ربهم عز وجل ، فقال رجل منهم : يا رب ، ليس عندي إلا تبن حماري ، فإن كان لك حمار علفته من تبن حماري هذا ، قال : فكان يدعو بذلك في صلاته ، قال : فنهاه نبيه عن ذلك ، فأوحى الله عز وجل إليه لأي شيء نهيته ؟ قد كان يضحكني في اليوم كذا وكذا مرة "

قال الشيخ رحمه الله : وزادني غيره من رواية متصلة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ، فقال : " دعه فإني أجازي العباد على قدر عقولهم " . ولقد وجدت هذه الزيادة المذكورة في حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه سلم عن طريق جابر بن عبد الله رواه البيهقي في " شعب الإيمان " ـ لكن لا أدري ما درجة صحته ـ ، و هو: أخبرنا أبو سعد الماليني (وغيره) قال : سمعت أحمد بن بشير ، يقول : نا الأعمش

عن سلمة بن كهيل ، عن عطاء ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعبد رجل في صومعة ، فمطرت السماء ، فأعشبت الأرض فرأى حمارا يرعى ، فقال : رب لو كان لك حمار لرعيته مع حماري ، فبلغ ذلك نبيا من أنبياء بني إسرائيل ، فأراد أن يدعو عليه ، فأوحى الله تعالى إليه : إنما أجازي العباد على قدر عقولهم " لفظ حديث الماليني ، تفرد به أحمد بن بشير الكوفي ، هذا والله أعلم . وروى البيهقي الحديث موقوفا عن جابر رضي الله عنه .


الجواب :

الحمد لله


روى البيهقي في "الشعب" (4319) ، وابن شاهين في " الترغيب " (259) ، وابن عدي في "الكامل" (1/269) ، والخطيب في "التاريخ" (5/22) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/174) كلهم من طريق أَحْمَدَ بْن بَشِيرٍ، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل ٍ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( تَعَبَّدَ رَجُلٌ فِي صَوْمَعَةٍ ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ ، فَأَعْشَبْتِ الْأَرْضُ ، فَرَأَى حِمَارًا يَرْعَى فَقَالَ: يا رَبِّ لَوْ كَانَ لَكَ حِمَارٌ لِرَعِيَّتُهُ مَعَ حِمَارِي، فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: إِنَّمَا أُجَازِي الْعِبَادَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ ) .

وهذا إسناد ضعيف ، أحمد بن بشير هذا قال عثمان الدارمي : متروك ، وقال النسائي: ليس بذاك القوى. وقال أبو زرعة: صدوق. وقال الدارقطني: ضعيف، يعتبر بحديثه .

"ميزان الاعتدال" (1 /85) .

وقال ابن عدي عقب روايته : " هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، لا يَرْوِيهِ بَهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرٍ " .

وقال ابن القيسراني في "ذخيرة الحفاظ" (2/ 1154):

" أحمد مَتْرُوك الحَدِيث ، وَهَذَا أحد مَا أنكر عَلَيْهِ ".

وقال الألباني في "الضعيفة" (6876) " حديث منكر " .

وقد رواه البيهقي في "الشعب" (4318) من طريق أحمد بن بشير هذا بسنده المتقدم ، إلا أنه أوقفه على جابر ولم يرفعه .

قال الألباني :

" هذا يعني: أن أحمد بن بشير كان يضطرب في ضبطه وإسناده ، فتارة يرفعه - كما تقدم -، وتارة يوقفه ، وهذا مما يؤكد ضعف حفظه الذي أشار إليه النسائي ، وغيره ممن ضعفه صراحة كالدارقطني .

واذا عرفت هذا؛ فالحديث بالوقف أشبه، ثم هو كأنه من الإسرائيليات التي كان بعض الصحابة يتلقاها عن أهل الكتاب، وموقفنا منها مع قول نبينا صلى الله عليه وسلم:

( فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم ... ) رواه البخاري " .

انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (14/ 879) .

وقال أبو نعيم في "الحلية" (3/ 222):

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُثْمَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، ثَنَا أَبُو مِسْعَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: " أَنَّ نَبِيًّا، مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَمَرَ قَوْمَهُ أَنْ يُقْرِضُوا رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَبِّ لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا تِبْنُ حِمَارِي ، فَإِنْ كَانَ لَكَ حِمَارٌ عَلَفْتُهُ مِنْ تِبْنِ حِمَارِي هَذَا، قَالَ: فَكَانَ يَدْعُو بِذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ قَالَ: فَنَهَاهُ نَبِيُّهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَأَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ لِأَيِّ شَيْءٍ نَهَيْتَهُ؟ قَدْ كَانَ يُضْحِكُنِي فِي الْيَوْمِ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً ".

وهذا مقطوع من قول زيد بن أسلم ، وهو تابعي ، والإسناد إليه رجاله كلهم ثقات ، إلا أنا لم نجد ترجمة لأبي مسعر راويه عن زيد .

ولو ثبت عن زيد فربما يكون أخذه عن أهل الكتاب ، فقد كان يروي عن كعب الأحبار ، ووهب الذماري ، وكان لهما علم من الكتب المتقدمة .

قال ابن أبي حاتم : " وهب الذمارى سكن ذمار وقد قرأ الكتب، روى عنه زيد بن أسلم. سمعت أبى يقول ذلك ".
"الجرح والتعديل" (9 /23) .

وانظر: "المعرفة والتاريخ" (3/ 408).

والخلاصة :

أن هذا الحديث لا يصح مرفوعا ، والظاهر أنه من أحاديث أهل الكتاب .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:20   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم التلفيق بين أقوال أهل العلم .

السؤال

برجاء شرح معنى التلفيق بين أقوال أهل العلم ، وبيان حكمه في الدين

الجواب
:

الحمد لله

المقصود بالتلفيق بين أقوال العلماء أن يفعل الإنسان فعلا يكون باطلا أو محرما على مذاهب العلماء وأقوالهم ، غير أنه يمكن أن يحكم له بالصحة إذا تم أخذ قول كل عالم على حدة ، فهذا العالم يصحح هذا الجزء من الفعل ، والآخر يصحح جزأه الآخر ، وإن كان كل واحد منهما يحكم ببطلان الفعل باعتبار مجموعه .

مثال ذلك : رجل توضأ ولمس امرأة أجنبية وخرج منه دم من جرح في يده .

فهذا الوضوء باطل عند الشافعية والحنفية ، أما الشافعية فلأن لمس المرأة الأجنبية ناقض للوضوء عندهم ، وأما الحنفية فلأن خروج الدم ناقض للوضوء عندهم .

ولكن يمكن تلفيق قول من المذهبين يحكم بصحة هذا الوضوء ، فالشافعية يرون أن خروج الدم غير ناقض للوضوء ، والحنفية يرون أن مس المرأة غير ناقض للوضوء ، فعلى هذين القولين يكون الوضوء صحيحا ، وإن كان كل مذهب منهما يحكم ببطلان هذا الوضوء .

انظر : " الموسوعة الفقهية " (13/286-293) .

وقد اختلف العلماء في حكم التلفيق ، والصحيح أنه جائز إلا إذا ترتب عليه مفسدة فإنه يمنع حينئذ .
جاء في " قرارات مجمع الفقه الإسلامي " في دورة مؤتمره الثامن المنعقد من 1 إلى 7 محرم 1414 هـ :

" حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب هي أن يأتي المقلد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر بكيفية لا يقول بها مجتهد ممن قلدهم في تلك المسألة.

ويكون التلفيق ممنوعًا في الأحوال التالية:

أ - إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى ، أو الإخلال بأحد الضوابط المبينة في مسألة الأخذ بالرخص .

ب- إذا أدى إلى نقض حكم القضاء .

ج - إذا أدى إلى نقض ما عمل به تقليدًا في واقعة واحدة .

د - إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه .

هـ - إذا أدى إلى حالة مركبة لا يقرها أحد من المجتهدين " .

انتهى من "مجلة مجمع الفقه الإسلامي" (8/ 438) بترقيم الشاملة .

وإذا اجتهد العالم في حكمٍ ما وتوصل باجتهاده إلى حكم ملفق من مذاهب شتى فإن هذا يكون جائزا ، لأنه توصل إلى هذا الحكم بالنظر في الأدلة ولم يقلد أحدا من العلماء ، ولم يقصد التلفيق بين أقوالهم ، ومثال ذلك : مسألة الوضوء المتقدمة في أول الجواب .

فمن ذهب إلى صحة ذلك الوضوء اجتهادا فلا حرج عليه ، ولا يكون ذلك ممنوعا .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:24   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الموقف من اختلاف العلماء

السؤال

إذا كانت هناك مسألة ما ، وفيها أكثر من فتوى شرعية ، فتوى تقول بالتحليل ، وفتوى تقول بالتحريم ، وفتوى ما بين بين ، فالمسلم أي شيء يختار ، وخاصة في الأمور المستحدثة ، والتي يدخل فيها القياس ، والاجتهاد ، والتي لا نص فيها ، مثل : فوائد البنوك ، أو أياً كانت المسميات التي يسمونها ، بالاستمثار ، أو العائد الاستثماري .
وما موقف ما يقول إنها فتوى عالم ، وهو المسؤول عنها ، وإنها معلقة في رقبته ؟

وما موقف من يتتبع رخص العلماء ، وتسهيلات العلماء ورخصهم ؟

ويقولون إنهم هم هؤلاء أهل العلم والذكر وهذه فتواهم وهم أعلم منا بذلك ، وقد تكون فتواهم معارضة لفتوى شيوخ وعلماء آخرين في نفس الدولة أو في دول أخرى ، فأي منهم نتبع ؟ وكيف لنا السبيل أن نعرف الصحيح وغير الصحيح ؟ مع العلم أن عامة الناس ليس لديهم العلم الكافي للحكم على صحة هذه الفتوى التي تصدر من عالم أو مفتي ويعارضها علماء آخرون
.

الجواب

الحمد لله


قبل الجواب على هذا السؤال الهام ، لا بد أولاً من بيان الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي حتى يكون من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم ، ويعد خلافه خلافا بين العلماء ، وهي شروط كثيرة ، ترجع في النهاية إلى شرطين اثنين وهما :

1. العلم . لأن المفتي سوف يخبر عن حكم الله تعالى ، ولا يمكن أن يخبر عن حكم الله وهو جاهل به .

2. العدالة . بأن يكون مستقيما في أحواله ، ورعا عفيفا عن كل ما يخدش الأمانة . وأجمع العلماء على أن الفاسق لا تقبل منه الفتوى ، ولو كان من أهل العلم . كما صرح بذلك الخطيب البغدادي .

فمن توفر فيه هذان الشرطان فهو العالم الذي يعتبر قوله ، وأما من لم يتوفر فيه هذان الشرطان فليس هو من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم ، فلا عبرة بقول من عُرف بالجهل أو بعدم العدالة .

الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه للشيخ ابن عثيمين ص: 23 .

فما هو موقف المسلم من اختلاف العلماء الذين سبقت صفتهم ؟

إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة ، والترجيح بينها ، ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك ، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة ، فقال : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) النساء/59. فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة ، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به ، لأن الواجب هو اتباع الدليل ، وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة .

وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء ، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به ، قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/43 . وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه .

فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم ، وهذا كما أن الإنسان إذا أصيب بمرض – عافانا الله جميعا – فإنه يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ويذهب إليه لأنه يكون أقرب إلى الصواب من غيره ، فأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا .

ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل ، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى .

بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً ، وأشد خشية لله تعالى .

الخلاف بين العلماء للشيخ ابن عثيمين 26 . لقاء منوع من الشيخ صالح الفوزان ص: 25، 26 .

وهل يليق – يا أخي - بالعاقل أن يحتاط لبدنه ويذهب إلى أمهر الأطباء مهما كان بعيدا ، وينفق على ذلك الكثير من الأموال ، ثم يتهاون في أمر دينه ؟! ولا يكون له هَمٌّ إلا أن يتبع هواه ويأخذ بأسهل فتوى ولو خالفت الحق ؟! بل إن من الناس – والعياذ بالله – من يسأل عالماً ، فإذا لم توافق فتواه هواه سأل آخر ، وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يهوى وما يريد ‍‍!!

وما من عالم من العلماء إلا وله مسائل اجتهد فيها ولم يوفق إلى معرفة الصواب ، وهو في ذلك معذور وله أجر على اجتهاده ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) البخاري (7352) ومسلم (1716) .

فلا يجوز لمسلم أن يتتبع زلات العلماء وأخطاءهم ، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله ، ولهذا قال العلماء : من تتبع ما اختلف فيه العلماء ، وأخذ بالرخص من أقاويلهم ، تزندق ، أو كاد .اهـ . إغاثة اللهفان 1/228 . والزندقة هي النفاق .

نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، ويوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح .

والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

الشيخ محمد صالح المنجد









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:31   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لماذا يذكر بعض العلماء أحاديث ضعيفة
في كتبهم ، ويستشهدون بها ؟


السؤال:

لقد نظرت في كتاب " مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " لابن الجوزي ووجدت حديثا ضعيفا فيه ، سؤالي هو لماذا يستشهد ابن الجوزي في كتابته بأحاديث ضعيفة ؟


الجواب:

الحمد لله

هناك أسباب عديدة تجعل العالم يذكر بعض الأحاديث الضعيفة .

فمن ذلك :

أن يكون الحديث في فضائل الأعمال ، وليس في الاعتقاد أو الحلال والحرام ، وقد ذهب كثير من العلماء إلى جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعما
.
ومنها : أن يذكر العالم الحديث ويحتج به ؛ لأنه صحيح عنده ، وقد يكون ضعيفا عند غيره .

ومنها : أن يذكر العالم الحديث الضعيف ليستشهد به ويقوي به حديثا ضعيفا آخر في معناه ، فيكون مقصوده من رواية الحديثين ضعيفي الإسناد: تقوية أحدهما بالآخر .

ومنها : أن يكون الحديث الضعيف بمعنى حديث ثابت ذكره العالم ، فيكون تعويله على الثابت دون الضعيف ، وإنما يذكر الضعيف شاهدا ، خاصة إذا كان الثابت حسنا لم يبلغ مبلغ الصحيح .

وحيث إننا لا ندري عن أي حديث يتكلم السائل ، فقد يكون عذر ابن الجوزي رحمه الله أحد الأعذار السابقة .
وعلى كل حال ، فالعالم يجتهد في اختيار الأدلة التي يذكرها والأحاديث التي يستشهد بها ، فإن أصاب فله أجران ، وإن أخطأ فله أجر واحد ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ) رواه البخاري (7352) ، ومسلم (1716)

والله تعالى أعلم .


السؤال

ما موقف العلماء من الحديث الضعيف سنده ، ولكن متن الحديث فيه حث على فضيلة أو دعاء . نريد إجابة على ذلك


الجواب

الحمد لله

اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فذهب بعضهم إلى جواز العمل به ولكن بشروط ، وذهب آخرون إلى منع العمل به .

ولخص الحافظ ابن حجر رحمه الله شروط جواز العمل بالحديث الضعيف ، وهي :

1- أن يكون الضعف غير شديد ، فلا يعمل بحديث انفرد به أحدٌ من الكذابين أو المتهمين بالكذب أو من فحش غلطه .

2- أن يندرج تحت أصل معمول به .

3- ألا يعتقد عند العمل به ثبوته ، بل يعتقد الاحتياط .

وليس معنى العمل بالحديث الضعيف أننا نستحب عبادة لمجرد ورود حديث ضعيف بها ، فإن هذا لم يقل به أحد من العلماء –كما سيأتي في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية- بل المعنى أنه إذا ثبت استحباب عبادة معينة بدليل شرعي صحيح كقيام الليل مثلا ، ثم جاء حديث ضعيف في فضل قيام الليل فإنه لا بأس من العمل بهذا الحديث الضعيف حينئذ ، ومعنى العمل به روايته لترغيب الناس في هذه العبادة مع رجاء الفاعل لها أن ينال هذا الثواب الوارد في الحديث الضعيف ، لأن العمل بالحديث الضعيف في هذه الحال لا يترتب عليه محظور شرعي كالقول باستحباب عبادة لم تثبت في الشرع ، بل إن حصل له هذا الثواب وإلا فلا ضرر عليه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى" ( 1 / 250 ) :

ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب ، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروى حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقاً

ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع .. فيجوز أن يروى في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب ، ولكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا المجهول حاله اهـ .

وقال أبو بكر بن العربي بعدم جواز العمل بالحديث الضعيف مطلقاً لا في فضائل الأعمال ولا في غيرها .. انظر في ذلك تدريب الراوي ( 1/252 ) .

وهذا القول هو الذي اختاره العلامة الألباني رحمه الله ، وانظر مقدمة كتاب "صحيح الترغيب والترهيب" (1/47-67) .

وفيما صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وثبت عنه من الأحاديث في فضائل الأعمال وغيرها غُنية عن العمل بالحديث الضعيف .

فعلى المسلم أن يحرص على معرفة الحديث الصحيح من الضعيف ويكتفي بالعمل بالصحيح .

والله تعالى أعلم .

.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:38   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المقصود بـجملة " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان "

السؤال:

هل هناك ما يعرف بـ " اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان " , فهل هناك ما يثبت ذلك من الكتاب والسنَّة النبوية ؟

. أفيدونا ، أفادكم الله , وجزاكم الله خيراً .


الجواب

الحمد لله

مسألة " اختلاف – أو تغيُّر - الفتوى باختلاف الزمان والمكان " : لنا معها وقفات :

1. يجب أن يُعلم أن الأحكام الشرعية المبنية على الكتاب والسنَّة : غير قابلة للتغيير ، مهما اختلف الزمان ، والمكان ، فتحريم الخمر ، والزنا ، والربا ، وعقوق الوالدين ، وما يشبه ذلك من الأحكام : لن يكون حلالاً في زمان ، أو في مكان ؛ لثبوت تلك الأحكام الشرعية بنصوص الوحي ، ولاكتمال التشريع بها .

2. اتخذ بعض أهل الأهواء من تلك الجملة مطية لهم للعبث بالأحكام الشرعية الثابتة بنصوص الوحي المطهَّر ، ولتمييع الدين من خلال تطبيقها على أحكام قد أجمع أهل العلم على حكمها منذ الصدر الأول ، ولا يسلم لهم الاستدلال بها ، فهي لا تخدم أغراضهم ، وإنما نص الجملة في " الفتوى " ، لا في " الأحكام الشرعية " ، وبينهما فرق كبير ، فالأول في مسائل الاجتهاد ، وما كان بحسب الواقع ، فاختلاف الواقع والزمان له تأثير في الفتوى باحتمال تغيرها .

قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله :

وحكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان ، وتطور الأحوال ، وتجدد الحوادث ؛ فإنه ما من قضية ، كائنة ما كانت ، إلا وحكمها في كتاب الله تعالى ، وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، نصّاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك ، علِم ذلك مَن علمهُ ، وجهله من جهله ، وليس معنى ما ذكره العلماء من " تغير الفتوى بتغير الأحوال " : ما ظنه من قَلَّ نصيبهم - أو عُدم - من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها ، حيث ظنوا أن معنى ذلك بحسب ما يلائم إراداتهم الشهوانية البهيمية ، وأغراضهم الدنيوية

وتصوراتهم الخاطئة الوبية ، ولهذا تجدهم يحامون عليها ، ويجعلون النصوص تابعة لها ، منقادة إليها ، مهما أمكنهم ، فيحرفون لذلك الكلِم عن مواضعه ، وحينئذ معنى " تغير الفتوى بتغير الأحوال والأزمان " : مراد العلماء منه : ما كان مستصْحَبة فيه الأصول الشرعية ، والعلل المرعية ، والمصالح التي جنسها مراد لله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم .

" فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 12 / 288 ، 289 ) .

3. القول بتغير الأحكام الشرعية الثابتة بالوحي يعني تجويز تحريف الدِّين ، وتبديل أحكامه ، والقول بذلك يعني تجويز النسخ بعد كمال التشريع ، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وليُعلم أن الإجماع نفسه لا يمكن أن ينسخ حكماً ثابتاً في الشرع إلا أن يكون مستنده النص ، فإن لم يكن كذلك – وهو غير واقع في حقيقة الأمر - : كان القول به تجويزا لتبديل الشريعة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :

وكنا نتأول كلام هؤلاء على أن مرادهم أن " الإجماع " يدل على نص ناسخ ، فوجدنا من ذُكر عنهم : أنهم يجعلون الإجماع نفسه ناسخاً ! فإن كانوا أرادوا ذلك : فهذا قول يجوِّز تبديل المسلمين دينَهم بعد نبيِّهم ، كما تقول النصارى مِن : أن المسيح سوَّغ لعلمائهم أن يحرِّموا ما رأوا تحريمه مصلحة ، ويحلوا ما رأوا تحليله مصلحة ، وليس هذا دين المسلمين ، ولا كان الصحابة يسوِّغون ذلك لأنفسهم ، ومَن اعتقد في الصحابة أنهم كانوا يستحلون ذلك : فإنه يستتاب ، كما يستتاب أمثاله ، ولكن يجوز أن يجتهد الحاكم ، والمفتي ، فيصيب ، فيكون له أجران ، ويخطئ ، فيكون له أجر واحد .

" مجموع الفتاوى " ( 33 / 94 ) .

وهذا من أعظم خصائص الشريعة وأحكامها القطعية .

قال الإمام الشاطبي رحمه الله في بيان ميزات أحكام التشريع القطعية - :

الثبوت من غير زوال ، فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً ، ولا تخصيصاً لعمومها ، ولا تقييداً لإطلاقها ، ولا رفعاً لحكم من أحكامها ، لا بحسب عموم المكلفين ، ولا بحسب خصوص بعضهم ، ولا بحسب زمان دون زمان ، ولا حال دون حال ، بل ما أثبت سبباً : فهو سبب أبداً لا يرتفع ، وما كان شرطاً : فهو أبداً شرط ، وما كان واجباً : فهو واجب أبداً ، أو مندوباً : فمندوب ، وهكذا جميع الأحكام ، فلا زوال لها ، ولا تبدل ، ولو فُرض بقاء التكليف إلى غير نهاية : لكانت أحكامها كذلك .

" الموافقات " ( 1 / 109 ، 110 ) .

4. ضابط فهم هذه العبارة في أمرين :

أ. التغير في الفتوى ، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله .

ب. التغير سببه اختلاف الزمان ، والمكان ، والعادات ، من بلد لآخر .

وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله :

" فصل ، في تغير الفتوى ، واختلافها ، بحسب تغير الأزمنة ، والأمكنة ، والأحوال ، والنيات ، والعوائد " ، والعوائد : جمع عادة ، وهو فصل نفيس ، ذكر فيه – رحمه الله – أمثلة كثيرة

فلتنظر في " إعلام الموقعين " ( 3 / 3 فما بعدها ) .

ونضرب على ذلك أمثلة ، منها :

1. اللُّقَطة ، فإنها تختلف من بلد لآخر ، ومن زمان لآخر ، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه ، وتملكه من غير تعريف ، فيختلف الأمر في البلد نفسه ، فالمدينة غير القرية ، ويختلف باختلاف البلدان ، والأزمنة .

2. زكاة الفطر ، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً ، بمقدار صاع ، وقد نص الحديث على " الشعير " ، و " التمر " ، و " الإقط " ، وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان ، فالشعير صار طعاماً للبهائم ، والتمر صار من الكماليات ، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل ، وعليه : فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم ، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز ، وآخر يفتي بإخراجها ذرة ، وهكذا .

فالحكم الشرعي ثابت ولا شك ، وهو وجوب زكاة الفطر ، وثابت من حيث المقدار ، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج .

والأمثلة كثيرة جدّاً ، في الطلاق ، والنكاح ، والأيمان ، وغيرها من أبواب الشرع .

قال القرافي رحمه الله :

فمهما تجدد في العُرف : اعتبره ، ومهما سقط : أسقطه ، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك ، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك : لا تُجْرِه على عرف بلدك ، واسأله عن عرف بلده ، وأَجْرِه عليه ، وأفته به دون عرف بلدك ، ودون المقرر في كتبك ، فهذا هو الحق الواضح .

والجمود على المنقولات أبداً : ضلال في الدِّين ، وجهل بمقاصد علماء المسلمين ، والسلف الماضين ، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق ، والعتاق ، وجميع الصرائح والكنايات ، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية ، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية .

" الفروق " ( 1 / 321 ) .

وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق - :

وهذا محض الفقه ، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم ، وعوائدهم ، وأزمنتهم ، وأحوالهم ، وقرائن أحوالهم : فقد ضلَّ ، وأضل ، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم ، وعوائدهم ، وأزمنتهم ، وطبائعهم ، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم ، بل هذا الطبيب الجاهل ، وهذا المفتي الجاهل : أضر ما يكونان على أديان الناس ، وأبدانهم ، والله المستعان .

" إعلام الموقعين " ( 3 / 78 ) .

والله أعلم









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:42   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل ثبت أن إبليس دخل الجنة عن طريق الحية
ليوسوس لآدم وحواء عليهما السلام ؟


السؤال

وقع بين يدي كتاب مترجم إلى البنجالية اسمه " قصص الأنبياء " ووجدت فيه بعض التساؤلات . فقد ذكر فيه مثلاً أن الطاووس والثعبان ساعدا إبليس ضد أبينا آدم وأمّنا حواء قبل أن ينزلا إلى الأرض ، فما صحة ذلك ؟ لقد بحثت عن هذه القصة فوجدت كلاماً لابن عباس شبيهاً بهذا .


الجواب :


الحمد لله

ذكر غير واحد من المفسرين أن إبليس لما أراد أن يدخل الجنة ، ليستزل آدم وحواء عليهما السلام ، فدَخل في جوف الحية ، فلما دخلت الحية الجنة ، خرج إبليس من جوفها .

وقيل : إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أيُّها يحمله ، حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم وزوجته ، فكلّ الدواب أبى ذلك عليه ، حتى كلّم الحية ، فقال لها : أمنعك من ابن آدم ، فأنت في ذمتي إن أنت أدخلتِني الجنة . فجعلته بين نابين من أنيابها ، ثم دخلت به ، فكلمهما من فيها .

وقيل : إن الْحَيَّةَ كَانَتْ خَادِمَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْجَنَّةِ ، فَخَانَتْهُ بِأَنْ مَكَّنَتْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ نَفْسِهَا ، وَأَظْهَرَتِ الْعَدَاوَةَ لَهُ هُنَاكَ ، فَلَمَّا أُهْبِطُوا تَأَكَّدَتِ الْعَدَاوَةُ ، وَجُعِلَ رِزْقُهَا التُّرَابَ ، وَقِيلَ لَهَا : أَنْتِ عَدُوُّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ أَعْدَاؤُكِ ، وَحَيْثُ لَقِيَكِ مِنْهُمْ أَحَدٌ شَدَخَ رَأْسَكِ .

انظر : " تفسير عبد الرزاق " (2/75) ، " تفسير الطبري " (1/526) ، (1/530) ، " تفسير ابن عطية " (1/128) ، " تفسير ابن كثير " (1/236) ، " تفسير القرطبي " (1/313) .

وهذا كله من الإسرائيليات التي لم يثبت منها شيء عن المعصوم .

قال ابن كثير رحمه الله :

" ذكر المفسرون من السلف كالسدي بأسانيده ، وأبي العالية ، ووهب بن منبه وغيرهم ، هاهنا أخبارا إسرائيلية عن قصة الحية ، وإبليس ، وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته "

انتهى من " تفسير ابن كثير " (1/236) .

وقال المطهر بن طاهر المقدسي رحمه الله :

" زعم القصاص وأهل الكتاب مراجعات كثيرة وعجائب في هذه القصة ، وأن إبليس عرض نفسه على دواب الأرض كلها فأبت ذلك ، حتى كلم الحية وقال : أمنعك من ابن آدم وأنت في ذمتي إن أدخلتني الجنة ، فجعلته في فمها أو بين نابيها ، وكانت الحية من أحسن الدواب وخزان الجنة ، فكلّمهما من فيها ... وفيما قص الله تعالى في القرآن كفاية عن زيادة رواية غيره "

انتهى مختصرا من " البدء والتاريخ " (2/95-96) .

انظر جواب السؤال رقم : (111596) .

ومثل هذه الإسرائيليات لا يوثق بها ، ولا يعول عليها ، ولا يحتج بها ، ونكتفي بما ورد في الكتاب المجيد لا نزيد عليه ، قال تعالى : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ) طه/120 .

ولا نعلم شيئا من ذلك يصح عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما هو شيء يروى عن وهب بن منبه وأبي العالية ومحمد بن قيس والسدي وغيرهم ممن أخذ ذلك عن أهل الكتاب .

وأما ما رواه الطبري في " تفسيره " (1/530) :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ليث بن أبي سُليم ، عن طاوس اليماني ، عن ابن عباس ، قال : " إن عدو الله إبليس عرض نفسه على دوابّ الأرض أيُّها يحمله حتى يدخل الجنة معها ويكلم آدم وزوجته ، فكلّ الدواب أبى ذلك عليه ، حتى كلّم الحية ... " الحديث ، وفيه : قال ابن عباس : " اقتلوها حيث وَجَدتُموها ، أخفروا ذمَّةَ عدوّ الله فيها " .

فهذا إسناد ضعيف جدا ، ليث بن أبي سليم ، قال الحافظ في التقريب (ص 464) : " صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك " .

وابن حميد ، هو محمد بن حميد الرازي ، كذبه أبو زرعة وإسحاق الكوسج ، وجاء عن غير واحد أنه كان يسرق الحديث . وقال النسائي : ليس بثقة .

انظر : " ميزان الاعتدال " (3/530) .

وروى ابن أبي حاتم في " تفسيره " (5/1450) عَنِ السُّدِّيِّ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : " فَآتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ : ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ) ، فَلَمْ يُصَدِّقَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي جَوْفِ الْحَيَّةِ فَكَلَّمَهُمَا " وهذا إسناد ضعيف ، لجهالة الراوي عن ابن عباس .

والخلاصة :
أن مثل هذا مما لا يعول عليه ، لأنه متلقى عن الإسرائيليات ، وأحاديث أهل الكتاب ، وما يروى فيه عن ابن عباس لا يصح عنه .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:44   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال

ما موقفنا من الإسرائيليات ؟.

الجواب

الحمد لله


قال الشيخ الشنقيطي :

ومن المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات في واحدة منها يجب تصديقه وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه ، وفي واحدة يجب تكذيبه وهي إذا ما دل القرآن والسنة على كذبه ، وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق … وهي ما إذا لم يثبت في كتابٍ ولا سنَّة صدقه ولا كذبه .

وبهذا التحقيق تعلم أن القصص المخالفة للقرآن والسنة الصحيحة التي توجه بأيدي بعضهم زاعمين أنها في الكتب المنزلة يجب تكذيبهم فيها لمخالفتها نصوص الوحي الصحيح التي لم تحرف ولم تبدل والعلم عند الله تعالى .

" أضواء البيان " ( 4 / 203 ، 204 ).









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:51   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أقوال العلماء في خصائص مذهب المالكية

السؤال

هل المذهب المالكي هو الأدق والأقرب للسنة والسلف بسبب أعمال أهل المدينة . وهل هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

المذهب المالكي هو المدرسة التي اتخذت أقوال الإمام مالك بن أنس (ت179هـ) مردا للعمل والفتيا والتقليد ، وجعلت أصوله وفروعه مناط الدرس والاتباع ، مع قدر من الاجتهاد والتصحيح والتوجيه لأئمة المذهب المجتهدين ، شأن غيره من المذاهب المتبوعة في ذلك .

وقد انتشر هذا المذهب في الآفاق بفضل الله أولا ، ثم بفضل جهود تلامذة الإمام مالك رحمه الله ، الذي أطبق الناس في زمانه على إمامته والرجوع إليه في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانيا :

من أشكل الدراسات وأدقها الخوض في مقارنة المذاهب الفقهية الأربعة ، وتقرير أحقية أحدها بالصواب أكثر من غيره من المذاهب ، وذلك لأسباب عدة ، من أهمها :

السبب الأول :

الاختلاف في فهم المذهب نفسه ، وتقرير أصوله ، وتخريج فروعه على تلك الأصول ، فإذا كان فقهاء المذهب الواحد يختلفون في بعض المسائل ، في تحديد قول إمامهم في مسألة معينة ، فكيف سيكون الحال في غير أتباع المذهب من أهل العلم ؟! وهذا السبب – وإن كان محصورا في إطار ضيق في بعض المسائل – غير أنه لا ينكر تأثيره في الوجهة العامة .

السبب الثاني :

الاختلاف بين الفقهاء في تحديد الصواب في كثير من مسائل الفقه ، وقضايا الشريعة ، خاصة وأنها مسائل اجتهادية في معظمها ، فمن يدعي أن مذهبا معينا أقرب إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسوف يكون مدار الأمر على ما يراه هو راجحا ، ولا يلزم أن يكون ذلك هو الراجح في نفس الأمر .

السبب الثالث :

تعدد جوانب الأفضلية وتوزعها في المذاهب الأربعة ، الأمر الذي يتعذر معه الجزم بأن مذهبا معينا أفضل من غيره ؛ فإن المذاهب الأخرى قد تشتمل على جانب التفضيل نفسه محل الدراسة ، كما قد تشتمل على غيره من جهات التفضيل . خاصة وأن المذاهب محل الدراسة تغطي مئات الآلاف من المسائل والأحكام ، فمن المتعذر الحكم بأفضلية مطلقة لمذهب في جميع تلك المسائل ، وغاية ما هنالك محاولة المقارنة في بعض الأبواب ، كالأحوال الشخصية ونحو ذلك .

ثالثا :

وأما ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه القضية فخلاصته التركيز على مذهب أهل المدينة ، وليس على مذهب المالكية ، فمذهب المالكية دخلته الكثير من الاختيارات الفقهية التي أخذ بها أتباع مالك من فقهاء مصر والمغرب ، وكانت تخالف حقيقة ما يذهب إليه فقهاء المدينة المنورة .

وهذا لا يعني نفي ما تميز به مذهب المالكية من خصائص عظيمة وجليلة ، مثل : التوسع في مصادر التشريع لتشمل العرف والاستصلاح وشرع من قبلنا وغيرها ، والمرونة الناتجة عن اعتماد هذه المصادر ، الأمر الذي جعل للمذهب صلاحية ظاهرة للحكم والتقنين ، بل وأثبتت الدراسات المتخصصة استقاء القوانين الفرنسية من المذهب المالكي في معظم فروعه ومواده . ينظر كتاب " المقارنات التشريعية "، لمخلوف منياوي، ولسيد عبد الله حسين .

ولكن المقصود فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأنه متجه أكثر إلى مذهب أهل المدينة ، ومالك أعلم الناس به ولا شك ، ولكن الاختيارات المتأخرة لفقهاء المالكية فيها بعض المخالفة ، كما قرر ذلك ابن تيمية نفسه رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (20/327).

ونحن ننقل هنا بعض ما قاله العلماء المحققون من خصائص مذهب الإمام مالك رحمه الله ، مقارنا بغيره من المذاهب ، ليس على سبيل الجزم بالأفضلية ، وإنما على سبيل تحصيل صورة مجملة ، وتشكيل علامة أولية للأمر المقصود .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن صحة أصول مذهب أهل المدينة ، ومنزلة مالك المنسوب إليه مذهبهم في الإمامة والديانة ؛ وضبطه علوم الشريعة عند أئمة علماء الأمصار وأهل الثقة والخبرة من سائر الأعصار ؟

فأجاب رضي الله عنه :

مذهب أهل المدينة النبوية في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم : أصح مذاهب أهل المدائن الإسلامية شرقا وغربا ؛ في الأصول والفروع . وهذه الأعصار الثلاثة هي أعصار القرون الثلاثة المفضلة ؛ التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين - عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : ( خير أمتي القرن الذين يلونني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته ) .

وفي القرون التي أثنى عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان مذهب أهل المدينة أصح مذاهب أهل المدائن ؛ فإنهم كانوا يتأسون بأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من سائر الأمصار ، وكان غيرهم من أهل الأمصار دونهم في العلم بالسنة النبوية واتباعها ، حتى إنهم لا يفتقرون إلى نوع من سياسة الملوك ، وأن افتقار العلماء ومقاصد العباد أكثر من افتقار أهل المدينة ؛ حيث كانوا أغنى من غيرهم عن ذلك كله ، بما كان عندهم من الآثار النبوية التي يفتقر إلى العلم بها واتباعها كل أحد .

ولهذا لم يذهب أحد من علماء المسلمين إلى أن إجماع أهل مدينة من المدائن حجة يجب اتباعها غير المدينة ، لا في تلك الأعصار ، ولا فيما بعدها ، لا إجماع أهل مكة ، ولا الشام ، ولا العراق ، ولا غير ذلك من أمصار المسلمين .

والتحقيق في " مسألة إجماع أهل المدينة " أن منه ما هو متفق عليه بين المسلمين ؛ ومنه ما هو قول جمهور أئمة المسلمين ؛ ومنه ما لا يقول به إلا بعضهم .

وذلك أن إجماع أهل المدينة على أربع مراتب .

" الأولى " ما يجري مجرى النقل عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم . مثل نقلهم لمقدار الصاع والمد ؛ وكترك صدقة الخضراوات والأحباس ، فهذا مما هو حجة باتفاق العلماء .

" المرتبة الثانية " العمل القديم بالمدينة ، قبل مقتل عثمان بن عفان ، فهذا حجة في مذهب مالك ، وهو المنصوص عن الشافعي . قال في رواية يونس بن عبد الأعلى : إذا رأيت قدماء أهل المدينة على شيء ، فلا تتوقف في قلبك ريبا أنه الحق . وكذا ظاهر مذهب أحمد أن ما سنه الخلفاء الراشدون فهو حجة يجب اتباعها .

والمحكي عن أبي حنيفة يقتضي أن قول الخلفاء الراشدين حجة ، وما يعلم لأهل المدينة عمل قديم على عهد الخلفاء الراشدين ، مخالف لسنة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم .

و" المرتبة الثالثة " إذا تعارض في المسألة دليلان ، كحديثين وقياسين ، جهل أيهما أرجح ، وأحدهما يعمل به أهل المدينة ؛ ففيه نزاع . فمذهب مالك والشافعي أنه يرجح بعمل أهل المدينة . ومذهب أبي حنيفة أنه لا يرجح بعمل أهل المدينة . ولأصحاب أحمد وجهان . فهذه مذاهب جمهور الأئمة توافق مذهب مالك في الترجيح لأقوال أهل المدينة .

وأما " المرتبة الرابعة " فهي العمل المتأخر بالمدينة ، فهذا هل هو حجة شرعية يجب اتباعه ، أم لا ؟ فالذي عليه أئمة الناس أنه ليس بحجة شرعية . هذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم . وهو قول المحققين من أصحاب مالك ، كما ذكر ذلك الفاضل عبد الوهاب في كتابه " أصول الفقه ". ولم أر في كلام مالك ما يوجب جعل هذا حجة ، وهو في الموطأ إنما يذكر الأصل المجمع عليه عندهم ، فهو يحكي مذهبهم

وتارة يقول : الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا ، يصير إلى الإجماع القديم ، وتارة لا يذكر . ولو كان مالك يعتقد أن العمل المتأخر حجة - يجب على جميع الأمة اتباعها وإن خالفت النصوص - لوجب عليه أن يلزم الناس بذلك حد الإمكان ، كما يجب عليه أن يلزمهم اتباع الحديث والسنة الثابتة التي لا تعارض فيها وبالإجماع . وقد عرض عليه الرشيد أو غيره أن يحمل الناس على موطئه فامتنع من ذلك .

وإذا تبين أن إجماع أهل المدينة تفاوت فيه مذاهب جمهور الأئمة ، علم بذلك أن قولهم : أصح أقوال أهل الأمصار رواية ورأيا ، وأنه تارة يكون حجة قاطعة ، وتارة حجة قوية ، وتارة مرجحا للدليل ، إذ ليست هذه الخاصية لشيء من أمصار المسلمين .

ومما يوضح الأمر في ذلك : أن سائر أمصار المسلمين - غير الكوفة - كانوا منقادين لعلم أهل المدينة ، لا يعدون أنفسهم أكفاءهم في العلم ، كأهل الشام ومصر مثل الأوزاعي من الشاميين ، ومثل الليث بن سعد من المصريين ، وأن تعظيمهم لعمل أهل المدينة واتباعهم لمذاهبهم القديمة ظاهر بين . وكذلك علماء أهل البصرة كأيوب وحماد بن زيد ؛ وعبد الرحمن بن مهدي ؛ وأمثالهم . ولهذا ظهر مذهب أهل المدينة في هذه الأمصار .

إذا تبين ذلك ؛ فلا ريب عند أحد أن مالكا رضي الله عنه أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية ورأيا ؛ فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه ، كان له من المكانة عند أهل الإسلام - الخاص منهم والعام - ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى إلمام .

والناس كلهم مع مالك وأهل المدينة : إما موافق ؛ وإما منازع .

فالموافق لهم عضد ونصير ، والمنازع لهم معظم لهم ، مبجل لهم ، عارف بمقدارهم .

وما تجد من يستخف بأقوالهم ومذاهبهم إلا من ليس معدودا من أئمة العلم ، وذلك لعلمهم أن مالكا هو القائم بمذهب أهل المدينة ، وهو أظهر عند الخاصة والعامة من رجحان مذهب أهل المدينة على سائر الأمصار ؛ فإن موطأه مشحون : إما بحديث أهل المدينة ؛ وإما بما اجتمع عليه أهل المدينة : إما قديما؛ وإما حديثا . وإما مسألة تنازع فيها أهل المدينة وغيرهم ، فيختار فيها قولا ويقول : هذا أحسن ما سمعت .

ولسنا ننكر أن من الناس من أنكر على مالك مخالفته أولا لأحاديثهم في بعض المسائل .

فيقال : مثل هذا في قول مالك قليل جدا ، وما من عالم إلا وله ما يرد عليه .

ثم من تدبر أصول الإسلام وقواعد الشريعة : وجد أصول مالك وأهل المدينة أصح الأصول والقواعد ، وقد ذكر ذلك الشافعي وأحمد وغيرهما ، حتى إن الشافعي لما ناظر محمد بن الحسن حين رجح محمد لصاحبه على صاحب الشافعي فقال له الشافعي : بالإنصاف أو بالمكابرة ؟ قال له : بالإنصاف . فقال : ناشدتك الله صاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم . فقال : صاحبنا أعلم بسنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم . فقال : صاحبنا أعلم بأقوال أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أم صاحبكم ؟ فقال : بل صاحبكم . فقال: ما بقي بيننا وبينكم إلا القياس ؛ ونحن نقول بالقياس ، ولكن من كان بالأصول أعلم كان قياسه أصح .

لكن جملة مذاهب أهل المدينة النبوية راجحة في الجملة على مذاهب أهل المغرب والمشرق وذلك يظهر بقواعد جامعة –

وهنا أطال شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديث عن أبواب الفقه وقواعده التي كان الصواب فيها حليف مذاهب أهل المدينة النبوية ، ثم قال -:

وهذا باب يطول استقصاؤه ؛ وقد ذكرنا من ذلك ما شاء الله من القواعد الكبار في القواعد الفقهية وغير ذلك ؛ وإنما هذا جواب فتيا ، نبهنا فيه تنبيها على جمل يعرف بها بعض فضائل أهل المدينة النبوية ؛ فإن معرفة هذا من الدين ، لا سيما إذا جهل الناس مقدار علمهم ودينهم ، فبيان هذا يشبه بيان علم الصحابة ودينهم ، إذا جهل ذلك من جهله ، فكما أن بيان السنة وفضائل الصحابة وتقديمهم الصديق والفاروق من أعظم أمور الدين عند ظهور بدع الرافضة ونحوهم ، فكذلك بيان السنة ، ومذاهب أهل المدينة ، وترجيح ذلك على غيرها من مذاهب أهل الأمصار ؛ أعظم أمور الدين عند ظهور بدع الجهال المتبعين للظن وما تهوى الأنفس "

انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/294-396) .

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا ، في تقرير ذلك ، والإشارة إلى أنه ربما اختلف قول أصحاب الإمام ، عن قول مالك نفسه :

"وَأَمَّا الْحَدِيثُ : فَأَكْثَرُهُ نَجِدُ مَالِكًا قَدْ قَالَ بِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، كَمَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ. وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ رَوَوْا عَنْ مَالِكٍ الرَّفْعَ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ؛ لَكِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ هَمّ الَّذِينَ قَالُوا بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُدَوَّنَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصْلُهَا مَسَائِلُ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ الَّتِي فَرَّعَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهَا أَسَدٌ ابْنَ الْقَاسِمِ ، فَأَجَابَهُ بِالنَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ ، وَتَارَةً بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ . ثُمَّ أَصْلُهَا فِي رِوَايَةِ سحنون ، فَلِهَذَا يَقَعُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَيْلِ إلَى أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ .

ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ لَمَّا انْتَشَرَ مَذْهَبُ مَالِكٍ بِالْأَنْدَلُسِ ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَامِلَ الْأَنْدَلُسِ ، وَالْوُلَاةُ يَسْتَشِيرُونَهُ : فَكَانُوا يَأْمُرُونَ الْقُضَاةَ أَنْ لَا يَقْضُوا إلَّا بِرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ ، ثُمَّ رِوَايَةِ غَيْرِهِ ، فَانْتَشَرَتْ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِأَجْلِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَقَدْ تَكُونُ مَرْجُوحَةً فِي الْمَذْهَبِ وَعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالسُّنَّةِ ، حَتَّى صَارُوا يَتْرُكُونَ رِوَايَةَ الْمُوَطَّأِ الَّذِي هُوَ مُتَوَاتِرٌ عَنْ مَالِكٍ ، وَمَا زَالَ يُحَدِّثُ بِهِ إلَى أَنْ مَاتَ ، لِرِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ ؛ فَمِثْلُ هَذَا إنْ كَانَ فِيهِ عَيْبٌ : فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ نَقَلَ ذَلِكَ ، لَا عَلَى مَالِكٍ .

وَيُمْكِنُ الْمُتَّبِعُ لِمَذْهَبِهِ أَنْ يَتْبَعَ السُّنَّةَ فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ؛ إذْ قَلَّ مِنْ سُنَّةٍ إلَّا وَلَهُ قَوْلٌ يُوَافِقُهَا ، بِخِلَافِ كَثِيرٍ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ فَإِنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُخَالِفُونَ السُّنَّةَ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (20/327-328) .

ويقول الذهبي رحمه الله :

" بكل حال : فإلى فقه مالك المنتهى ، فعامة آرائه مسددة ، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ، ومراعاة المقاصد ، لكفاه . ومذهبه قد ملأ المغرب والأندلس ، وكثيرا من بلاد مصر ، وبعض الشام ، واليمن ، والسودان ، وبالبصرة ، وبغداد ، والكوفة ، وبعض خراسان...وها نحن نبين أن مالكا رحمه الله هو ذلك [ أولاهم بالتقليد ] ؛ لجمعه أدوات الإمامة ، وكونه أعلم القوم .

قال الشافعي : العلم يدور على ثلاثة : مالك ، والليث ، وابن عيينة . وقال ابن معين : مالك من حجج الله على خلقه . وقال أسد بن الفرات : إذا أردت الله والدار الآخرة ، فعليك بمالك "

انتهى من " سير أعلام النبلاء " (8/91)

ويقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله :

" تنمو فروع المذهب ، وتتسق آثار التفكير فيه بخصب أصوله ، وتعدد المصادر فيه ، وسعة مدى التفكير الذي يفتحه لأنفسهم القائمون على المذهب من بعد الإمام ، وتعدد الأجواء الفكرية التي يجتهدون فيها . وقد كان هذا كله في المذهب المالكي ، فمناهجه خصبة ومتعددة ، وتلاميذ الإمام ومن بعدهم قد وسعوا مدى تفكيرهم في تطبيق أصول إمامهم . وكثرت الأقطار التي أخذ فيها بالمذهب المالكي وتباينت أحوالها . وكان من فقهاء هذا المذهب من جمع بين الفقه العميق والفلسفة والحكمة... وإن تخالف الأقاليم وتباينها وتباعدها

مع كثرة أسباب الاجتهاد ، وخصب المناهج سبب في كثرة الأقوال في المذاهب . وكانت تلك الكثرة في الأقوال جنابا خصيبا يجد فيه الباحث في الفقه المالكي ثمرات متنوعة ، وألوانا من المنازع الفقهية صالحة ، وتوافق البيئات المختلفة ، وتوائم الأقطار المتباينة في أعرافها وعاداتها ، وخصوصا أن العرف والعادة كان لهما مقام في الاستنباط في الفقه المالكي . وكان المفتى بهذا بين يديه آراء مختلفة يتخير من بينها ، إذا لم يفتح لنفسه باب الاجتهاد مع التمسك بالأصول المقررة في المذهب "

انتهى باختصار من " تاريخ المذاهب الإسلامية " (ص/404).

ويقول الدكتور عبد الكريم زيدان رحمه الله :

" جماع أصول مذهب مالك - بناء على ما صرح به أو أشار إليه أو استنبطه فقهاء المذهب من الفروع المنقولة عنه ، والآراء المدونة في موطئه – هي – أي هذه الأصول – كما صرح بها الإمام القرافي المالكي : الكتاب ، السنة ، الإجماع ، إجماع أهل المدينة ، القياس ، قول الصحابي ، المصلحة المرسلة ، العرف والعادات ، سد الذرائع ، الاستحسان ، الاستصحاب .

ومن هذه الأصول يتبين لنا خصوبة المذهب وسعته ، وإمكان تخريج الأحكام على أصوله الملائمة لكل عصر ومكان ، لا سيما على أصل المصلحة المرسلة الذي سيطر على جميع فقه مالك في كل المسائل التي لا نص فيها ، حتى قرن اسم المصالح المرسلة بمذهب مالك . كما أنه يتبين لنا من كثرة هذه الأصول مقام الإمام مالك في فقه الرأي ، فقد اشتهر به على خلاف المعهود من فقهاء مدرسة الحجاز ، وأكثر من الأخذ بهذا الأصل حتى صار قوام اجتهاده بالرأي يقوم على أساس المصلحة . وربما أخذ بالقياس أو المصلحة وترك خبر الآحاد بناء على أن مخالفة الخبر للمصلحة ، أو للقياس الثابت المبني على قواعد الشريعة - دليل على ضعف الخبر وعدم صحته ، ومن ذلك عدم أخذه بخبر المصراة لمخالفته – في نظره – للقياس القطعي المبني على قواعد الشريعة الثابتة "

انتهى من " المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية " (ص137-138).

ومن المراجع المهمة في هذا الموضوع :

1. المذهب المالكي ، مدارسه ومؤلفاته ، خصائصه وسماته ، محمد المختار المامي .

2. مزايا وقضايا في المذهب المالكي ، محمد بن عبد الرحمن الحفظاوي ، من منشورات المجلس العلمي المحلي بالرشيدية – المغرب .

3. مفردات المذهب المالكي في العبادات ، عبد المجيد الصلاحين .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 15:56   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل أجاز ابن حجر العسقلاني الاحتفال بالمولد النبوي

السؤال:

هل حقا أجاز ابن حجر العسقلاني الاحتفال بالمولد النبوي ، لأن كثيرا من المشايخ عندنا في الجزائر يستدلون بإجازة العسقلاني ، في جواز الاحتفال بالمولد ؟

الجواب :

الحمد لله

أولا :

الاحتفال بالمولد النبوي من البدع المحدثة ، وأول من أحدثه الخلفاء الفاطميون العبيديون ، وهم من الفرق المارقة الضالة ، ولم ينقل عن أحد من السلف في القرون الثلاثة الفاضلة أنه استحبَّه أو أجازه .

ثانيا :

الأصل في التشريع القرآن والسنة ، والعلماء ورثة الأنبياء ، وهم حاملو لواء العلم ، وقد وفق الله تعالى أهل العلم إلى الفقه في الدين ، كلٌّ بقدر ما يسر الله له، ولا يلزم أن يكون كل ما يقوله العالم حقا بالضرورة ، بل هو مجتهد : فإن أصاب فله أجران : أجر لاجتهاده ، وأجر لإصابته، وإن أخطأ فله أجر اجتهاده، وخطؤه معفو عنه .

قال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" هذه هي القاعدة الشرعية في حق المجتهدين من أهل العلم : أن من اجتهد في طلب الحق ونظر في أدلته : فله أجران إن أصاب الحق ، وأجر واحد إن أخطأ الحق ، أجر الاجتهاد "

انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (6/ 89) .

ثالثا :

قال السيوطي رحمه الله :

" سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد، فأجاب بما نصه :

أصل عمل المولد بدعة ، لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن ، وتجنب ضدها : كان بدعة حسنة ؛ وإلا فلا .

قال : وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت ، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم فقالوا : هو يوم أغرق الله فيه فرعون ، ونجى موسى ؛ فنحن نصومه شكرا لله تعالى .

فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما مَنّ به في يوم معين ، من إسداء نعمة أو دفع نقمة، ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة .

والشكر لله يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة ؛ وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ؟

وعلى هذا : فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك : لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة، وفيه ما فيه .

فهذا ما يتعلق بأصل عمله .

وأما ما يعمل فيه : فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم به الشكر لله تعالى ، من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة ، وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة .

وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك : فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم : لا بأس بإلحاقه به، وما كان حراما أو مكروها فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى "

انتهى من "الحاوي للفتاوي" (1/ 229) .

فيقال هنا:

الكلام على هذا المنقول عن الحافظ ابن حجر رحمه الله على ثلاثة مقامات :

الأول : أن فيه التصريح بأن عمل المولد لم يكن من فعل السلف الصالح ، فهو بذلك بدعة ، ولا يجوز إهمال هذا الكلام الذي صدَّر به ابن حجر فتواه .

الثاني : أنه قال : " وأما ما يعمل فيه : فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم به الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة " .
وحال الناس اليوم في الاحتفالات بالمولد النبوي وغيره من الاحتفالات المحدثة على : خلاف ما ضبط به الحافظ فتواه ، ومن اطلع على حال غالب الناس اليوم علم أن أكثر ما يفعل في هذه الموالد : هو من قبيل البدع والمنكرات ، بل فيه من فواحش الإثم والمخالفات ما الله به عليم !!

وقد روى البخاري (869) ، ومسلم (445) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ : ( لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) !!

فإذا كان هذا قول أم المؤمنين في أمر مشروع ، بلا خلاف ، وتغير حال الناس فيه ، فقالت ما قالت ؛ فكيف لو كان الأمر بأصله محدثا ، ثم طرأ عليه من عوارض الأحوال ، والبدع والمنكرات : ما هو ظاهر للعيان ؟!

وليتدبر اللبيب هنا ، ما قاله الإمام الشاطبي رحمه الله :

" إِذَا صَارَ الْمُكَلَّفُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَنَّتْ لَهُ يَتَّبِعُ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ، وَكُلَّ قَوْلٍ وَافَقَ فِيهَا هَوَاهُ؛ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ التَّقْوَى، وَتَمَادَى فِي مُتَابَعَةِ الْهَوَى، وَنَقَضَ مَا أَبْرَمَهُ الشَّارِعُ وَأَخَّرَ ما قدمه "

انتهى من "الموافقات" (3/ 123) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 16:01   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم الانتقال من مذهب إلى آخر بلا سبب؟

السؤال :

هل يمكن أن أصلى بطرق مختلفة ؟ مثلا في بعض الأحيان أصلى على طريقة الشافعية ، وأحيانا بطريقة الحنفية ، طريقة المالكية وطريقة الحنبلية ؟ هل يجوز أن نصلي بمثل هذا ؟

الجواب :

الحمد لله

اختلاف المذاهب في أنواع التعبدات ، ومنها : بعض أفعال الصلاة ، يمكن أن نجعله على قسمين :

القسم الأول : اختلاف بين المذاهب راجع لتنوع الصفات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أداء هذا الفعل ، وكل مذهب التزم بصفة ما ، كالتشهد مثلا ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدة كيفيات .

ففعل المسلم في كل مرة لتشهد من هذه التشهدات لا بأس به ؛ إذا علم أنها كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصد بهذا التنويع اتباع السنة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" الْعِبَادَاتِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْوَاعٍ يُشْرَعُ فِعْلُهَا عَلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ لَا يُكْرَهُ مِنْهَا شَيْءٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْوَاعِ التَّشَهُّدَاتِ وَأَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحِ وَمِثْلُ الْوِتْرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ وَمِثْلُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْمُخَافَتَةِ وَأَنْوَاعِ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا وَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَمِثْلُ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ وَتَرْكِهِ وَمِثْلُ إفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا."

انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/335) .

القسم الثاني : أن يكون الاختلاف بين المذاهب - في فعل ما - ليس راجعا لثبوت تنوع عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أداء هذا الفعل ، وإنما هو راجع لاختلاف العلماء في فهم النصوص وكيفية الاستدلال .

و الحق في أمثال هذه المسائل واحد لا يتعدد .

قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية ( 6/27 - 28 ):

" والناس متنازعون : هل يقال كل مجتهد مصيب ؟ أم المصيب واحد ؟

وفصل الخطاب : أنه إن أريد بالمصيب : المطيع لله ورسوله ؛ فكل مجتهد اتّقى الله ما استطاع فهو مطيع لله ورسوله ، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وهذا عاجز عن معرفة الحق في نفس الأمر ، فسقط عنه .

وإن عني بالمصيب : العالم بحكم الله في نفس الأمر ، فالمصيب ليس إلا واحدا ، فإن الحق في نفس الأمر واحد .

وهذا كالمجتهدين في القبلة ، إذا أفضى اجتهاد كل واحد منهم إلى جهة ، فكلّ منهم مطيع لله ورسوله ، والفرض ساقط عنه بصلاته إلى الجهة التي اعتقد أنها الكعبة ، ولكن العالم بالكعبة ، المصلّى إليها في نفس الأمر : واحد " ا.ه.

وحيث كان الحق واحدا ، فعلى المسلم أن يجتهد في معرفة حكم الله ورسوله قدر وسعه ، فإن لم يكن من أهل الاجتهاد ، إما دائما كما هو حال العوام ، وإما في مسألة معينة ، أو في حال معينة ، كما قد يعرض للمجتهد ، وعجز عن بلوغ الحق بنفسه : اتبع العالم الذي يثق في علمه ودينه .

ومن كان فرضه التقليد ، فالتزم بمذهب عالم يثق في علم علمائه ودينهم ؛ فلا يصح له أن يتركه وينتقل إلى مذهب آخر بلا سبب أو عذر شرعي .

ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (20 / 220 - 221 ) :

" سئل شيخ الإسلام أن يشرح ما ذكره نجم الدين بن حمدان‏:‏ من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل ولا تقليد أو عذر آخر‏؟‏‏.‏

فأجاب‏:‏ هذا يراد به شيئان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ، ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله ؛ فإنه يكون متبعا لهواه ، وعاملا بغير اجتهاد ولا تقليد ، فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي ، فهذا منكر ‏.‏ وهذا المعنى هو الذي أورده الشيخ نجم الدين ، وقد نص الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب ولا حرام بمجرد هواه ...

وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول ، إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها ، وإما بأن يرى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر ، وهو أتقى لله فيما يقوله ، فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا ، فهذا يجوز بل يجب وقد نص الإمام أحمد على ذلك‏ " ا.ه.‏

وقد سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :

هل يجوز للمسلم أن ينتقل من مذهب لآخر ؟ مثل أن يتبع المذهب المالكي مرة ، والمذهب الحنبلي مرة أخرى ، ثم يعود إلى المالكي.

فأجابت :

" يجب على المسلم أن يعمل بما دل عليه الدليل ، من الكتاب والسنة ، سواء وافق المذهب الذي ينتسب إليه ، أو لم يوافقه ؛ لقول الله عز وجل: ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) الآية من سورة النساء . ولا يجوز له أن ينتقل من مذهب إلى مذهب لمجرد هواه ؛ للآية المذكورة ، ولقوله سبحانه: ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) الآية من سورة الشورى .

وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .

بكر أبو زيد ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز "

انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 12 / 96 ) .

والله أعلم .


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-09, 17:08   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
محمود العجرودى
عضو جديد
 
الصورة الرمزية محمود العجرودى
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخى.










رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 14:03   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود العجرودى مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أخى.

الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات

بارك الله فيك
وجزاك الله عني كل خير

... احترامي وتقديري ....









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 14:10   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



يعاني من الوسواس ويظن أنه لن يستطيع
الحصول على رخصة القيادة بسبب ذلك


السؤال:

أعاني من مرض الوسواس القهري.وبما أنني الأخ الأكبر فجميع مسؤليات البيت ملقاة على عاتقي ولكن تكمن المشكلة في أنني أحتاج إلى قيادة السيارة ولكن بسبب مرضي فأنا لا أستطيع الحصول على رخصة القيادة، ولا أعتقد أنه يمكنني الحصول عليها لما أعانيه من مشكلة في التركيز تمنعني من دراسة كتاب فحص القيادة

وإذا توقفت عن القيادة فإنني لن أتمكن حينها من حضور المحاضرات الإسلامية والكثير من الأعمال التي لا يمكن فعلها دون قيادة السيارة، فهل يوجد علي إثم إن قدت السيارة دون أن يكون لدي رخصة قيادة مع العلم أنني أقود السيارة بشكل ممتاز وأنا بحاجة ماسة للقيادة؟


الجواب:

الحمد لله

أولا :

ينبغي أن تراجع طبيباً نفسياً ثقة للنظر في حالتك ، مع الأخذ بالأسباب الشرعية في علاج هذا الوسواس ومقاومته .

وقولك: " لا أعتقد أنه يمكنني الحصول عليها لما أعانيه من مشكلة في التركيز تمنعني من دراسة كتاب فحص القيادة" . هو مجرد ظن ناشئ عن الوسواس الذي تعانيه، وعلاج الوسواس يكون بعدم الالتفات إليه .

وتعلم أسس وقواعد القيادة ليس بالأمر العسير الذي يجعلك تظن أنك لن تتمكن منه .

ثانيا :

يجب الالتزام بأنظمة الدولة التي تحقق المصلحة ولا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، ومن هذه الأنظمة أنظمة المرور .

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

" الأنظمة المرورية وضعت للمصلحة العامة للمسلمين والواجب على عموم السائقين أن يراعوا تلك الأنظمة؛ لأن في مراعاتها مصلحة للناس، وفي مخالفتها يحصل كثير من الحوادث والأذى للآخرين " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/ 468) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

" لا يجوز لأي مسلم أو غير مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شأن المرور لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره، والدولة إنما وضعت ذلك حرصا منها على مصلحة الجميع ودفع الضرر عن المسلمين.

فلا يجوز لأي أحد أن يخالف ذلك، وللمسؤولين عقوبة من فعل ذلك بما يردعه، وأمثاله، لأن الله سبحانه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " انتهى .

"فتاوى إسلامية" (4/ 536) .

فالذي ينبغي أن تفعله هو عدم الالتفات إلى هذا الوسواس ، وأن تتوكل على الله تعالى وتعتمد عليه في طرد هذا الوسواس عنك .

ونسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-03-10, 14:15   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مصادر الوساوس وهل يؤاخذ المسلم عليها ؟

السؤال

هل توجد طريقة للتفريق بين الوسوسة التي من الشيطان وتلك التي من النفس ؟

وهل يمكن أن نعرف أيّاً منهما يأتي من الآخر ؟ وإذا كانت الوسوسة من النفس : فهل سيعاقب عليها الفرد حتى وإن كان يرفضها ؟.


الجواب

الحمد لله


أولاً :

الوسواس الذي يصيب الإنسان ليس كله على درجة واحدة ، من حيث المرضية ، ومن حيث المصدر والأثر .

فالوسواس الذي يدعو الإنسان لسماع المحرمات أو رؤيتها أو اقتراف الفواحش وتزيينها له : له ثلاثة مصادر : النفس – وهي الأمَّارة بالسوء - ، وشياطين الجن ، وشياطين الإنس .

قال تعالى – في بيان المصدر الأول وهي النفس - : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق/16 .

وقال تعالى – في بيان المصدر الثاني وهم شياطين الجن - : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشّيْطَانُ قَالَ يَآدَمُ هَلْ أَدُلّكَ عَلَىَ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاّ يَبْلَىَ ) طه/120 .

وقال تعالى – في بيان المصدر الثالث وهم شياطين الإنس - : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ . مَلِكِ النّاسِ . إِلَهِ النّاسِ . مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنّاسِ . الّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ . مِنَ الْجِنّةِ وَالنّاسِ ) سورة الناس .

أي أن هذه الوساوس تكون من الجن ومن بني آدم ..

وما يعرض للمسلم في وضوئه وصلاته فلا يدري كم توضأ ولا كم صلى : فمصدره من الشيطان ، فإن استعاذ بالله من الشيطان كفاه الله إياه ، وإن استسلم له واستجاب لأوامره تحكَّم فيه الشيطان ، وتحول من وسوسة عارضة إلى مرضٍ مهلك ، وهو ما يسمى " الوسواس القهري " وهذه الوساوس القهرية – كما يقول أحد المختصين - " علة مرضية تصيب بعض الناس كما تصيبهم أية أمراض أخرى

وهي أفكار أو حركات أو خواطر أو نزعات متكررة ذات طابع بغيض يرفضها الفرد عادة ويسعى في مقاومتها ، كما يدرك أيضاً بأنها خاطئة ولا معنى لها ، لكن هناك ما يدفعه إليها دفعاً ، ويفشل في أغلب الأحيان في مقاومتها ، وتختلف شدة هذه الوساوس حتى إنها لتبدو – لغير المتخصصين – عند زيادة شدتها وكأن المريض مقتنع بها تماماً ، ويعتري هذا النوع من الوساوس الإنسان أيضاً في عباداته وكذلك في شؤون حياته الدنيوية " .

فوسوسة الشيطان تزول بالاستعاذة .

ووسوسة النفس تزل أيضاً بالاستعاذة ، وبتقوية الصلة بين العبد وربه بفعل الطاعات وترك المنكرات .

وأما الوسواس القهري فهو حالة مرضية كما سبق .

وفي الفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس معنى لطيف ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض العلماء ، قال :

وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان ، فقال : " ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه ، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه " . "

مجموع الفتاوى " ( 17 / 529 ، 530 ) .

أي أن النفس غالباً توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادةً .

وذكر بعض العلماء فرقاً آخر مهمّاً، وهو أن وسوسة الشيطان هي بتزيين المعصية حتى يقع فيها المسلم فإن عجز الشيطان انتقل إلى معصية أخرى ، فإن عجز فإلى ثالثة وهكذا ، فهو لا يهمه الوقوع في معصية معينة بقدر ما يهمه أن يعصي هذا المسلم ربَّه ، يستوي في هذا فعل المنهي عنه وترك الواجب ، فكلها معاصٍ ، وأما وسوسة النفس فهي التي تحث صاحبها على معصية بعينها ، تحثه عليها وتكرر الطلب فيها .

ثانياً :

والمسلم لا يؤاخذ على وساوس النفس والشيطان ، ما لم يتكلم بها أو يعمل بها .

وهو مأمور بمدافعتها ، فإذا ما تهاون في مدافعتها واسترسل معها فإنه قد يؤاخذ على هذا التهاون .

فقد أُمر بعدم الالتفات لوساوس الشياطين ، وأن يبني على الأقل في الصلاة عند الشك فيها ، وأُمر بالاستعاذة من الشيطان والنفث عن يساره ثلاثاً إذا عرضت له وساوس الشيطان في الصلاة ، وأُمر بمصاحبة الأخيار والابتعاد عن الأشرار من الناس ، فمن فرَّط في شيء من هذا فوقع في حبائل نفسه الأمارة بالسوء أو الاستجابة لشياطين الجن والإنس فهو مؤاخذ .

وأما الوسواس القهري : فهو مرض – كما سبق- فلا يضير المسلم ، ولا يؤاخذه الله عليه ؛ لأنه خارج عن إرادته ، قال الله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7 . وقال تعالى : ( فّاتَّقٍوا اللّهّ مّا اسًتّطّعًتٍمً ) التغابن/16 . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ )

رواه البخاري (4968) ومسلم (127) .

وعلى من ابتلي بمثل هذا الوسواس أن يداوم على قراءة القرآن والأذكار الشرعية صباحا ومساء ، وعليه أن يقوي إيمانه بالطاعات والبعد عن المنكرات ، كما عليه أن يشتغل بطلب العلم ، فإن الشيطان إن تمكن من العابد فلن يتمكن من العالم .

وقد يأتي الشيطان ويوسوس للمسلم أشياء منكرة في حق الله تعالى ، أو رسوله ، أو شريعته ، يكرهها المسلم ولا يرضاها ، فمدافعة هذه الوساوس وكراهيتها دليل على صحة الإيمان ، فينبغي أن يجاهد نفسه ، وأن لا يستجيب لداعي الشر .

قال ابن كثير رحمه الله :

في قوله ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ) أي : هو وإن حاسب وسأل لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخصُ دفعَه ، فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها : فهذا لا يكلَّف به الإنسان ، وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان . "

تفسير ابن كثير " ( 1 / 343 ) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :

يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصا في مجال التوحيد والإيمان ، فهل المسلم يؤاخذ بهذا الأمر ؟ .

فأجاب :

قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " – متفق عليه - وثبت أن الصحابة رضي الله عنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس والمشار إليها في السؤال ، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله : " ذاك صريح الإيمان " –

رواه مسلم - وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله " – متفق عليه - ، وفي رواية أخرى " فليستعذ بالله ولينته " رواه مسلم في صحيحه .

والله أعلم
.









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 22:40

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc