كيف ولد الغرب؟ قصة الحلقة المفقودة (2) - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

كيف ولد الغرب؟ قصة الحلقة المفقودة (2)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-01-28, 11:18   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
كريم حمزة
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










New1 كيف ولد الغرب؟ قصة الحلقة المفقودة (2)

يقوم المؤرخ توينبي بعملية عودة إلى الخلففي محاولة تفكيك هذه الظاهرة للوصول إلى وحداتها الأولية ، وللكشف عن جذورها الأصلية ؛ أي القيام بعملية (حفريات) للمعرفة، على حد تعبير فيلسوف الحداثة (ميشيل فوكو)، لاكتشاف الطبقات الجيولوجية التاريخية التي تغطي الحقبة التي يعيش فيها المؤرخ، وهذا الشيء ينطبق أيضاً على الكيان النفسي المتراكم من خلال الخبرات عبر الزمن، حيث نرى دوماً طبقات اللاوعي مختبئة تحت طبقة الوعي. كما أشرنا سابقاً إلى القانون الجدلي التراكمي في بحث سابق، على اعتبار أن الإنسان هو المحصلة التراكمية البطيئة الجدلية للجهد الواعي من خلال وحدات الزمن.
عندما مشى توينبي في رحلته المثيرة هذه، وصل إلى منعطفات متدرجة عبر التاريخ، وصَلت فيها الطبقات الجيولوجية الفكرية التاريخية الاجتماعية الحضارية إلى سبع طبقات منضدة فوق بعضها البعض، كما هي تماماً في حفريات شليمان الألماني في اكتشاف مدينة طروادة ذات الطبقات السبع ولكن أركيولوجياً؛ هذه الطبقات كل منها يأخذ برقبة الأخرى، ويتداخل معها، ويولدِّها ويخرجها إلى النور، حيث إن كل طبقة تفسر التي بعدها. هذه الطبقات السبع عند توينبي بدأت من ولادة العصر الصناعي، ومرت بالحكومة البرلمانية ؛ فالتوسع عبر البحار- يرجى الانتباه أننا نرجع إلى الخلف عبر الزمن- ، فالإصلاح الديني؛ فالنهضة - وهي بشكل واضح من الفسائل التي غرست ما يشبه المحميات النباتية في شمال إيطاليا - ، فإقامة النظام الإقطاعي، فالتحول للمسيحية. وعندما يضع توينبي كل حقبة جيولوجية تحت الدراسة الأركيولوجية التاريخية، فإنه يكتشف أن العنصر الخارجي يشتد مع حركة القهقرى التاريخية بشكل مكثف أكثر. وهكذا فالمسيحية من الشرق الأوسط ، والنظام الإقطاعي من الغزو النورماندي، والنهضة نسمة حياة هبت من شمال إيطاليا، والبروتستانتية التي شكلت المناخ النفسي للتحول الصناعي، على النحو الذي شرحه (ماكس فيبر) في كتابه (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية )، هي حركة ألمانية. ويصل المؤرخ توينبي إلى تقرير هذه الحقيقة (توضح هذه اللمحة العكسية التيألقيناها على مجرى التاريخ الإنكليزي ابتداء من يومنا هذا، أنه كلما رجعنا القهقرى ضعفت شواهد الاستكفاء الذاتي أو العزلة).

فإذا كانت حلقات الارتباط على هذا النحو من الوضوح والترابط العضوي ضمن الحضارة الواحدة؛ فهل تشذ عن ذلك علاقة التأثير المتبادل المزدوج بين الحضارات المعاصرة والمتصلة؟ فضلاً عن مجتمعاتٍ ممتلئةً بالحضارة، في جوار مجتمعاتٍ تعتبر التفكير هرطقةً، والعلم سحراً يُعاقب عليه بالحرق، والمرض لعنةً من إبليس يستخدمه فيها الله كأداة تعذيب للمذنبين، وانتشار الطاعون متعلق بالأبراج السماوية؟

هل يعقل أن يصل نيوتن إلى قوانين الميكانيكا بدون مقدمات ؟ أو باسكال إلى قانون الأواني المستطرقة بدون علم متراكم ؟ أو غاليليو إلى حركة الأجرام السماوية، بدون إرهاصات مبدئية؟

أما في كتاب قصة الفلسفة لــ (ويل ديورانت)، فإننا نقفز بأشد من أبطال السيرك بدون أن تدق لنا عنق، متجاوزين ألف سنة بجرة قلم، توقف خلالها التاريخ، فنضبت العصارات الذهنية عن أي عمل خلاَّق، وشحَّ العقل الإنساني عن أي إنتاج مبدع، وعقمت الأرحام عن إنجاب أية عبقرية ؟! ولا غرابة، لأنه لا إبداع إلا مع جلد أبيض! ولا عبقرية إلا مع عيون زرق! هكذا يفهم العقل الأوروبي المتمركز حول نفسه نبض التاريخ وحركته التي تطوي أكبر منه (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، ((وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا))، ((أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها)).

أما في تدريسنا الطب عندما كنا طلاباً، فكانت فنون الطب تنط بشكل سحري من جالينوس وأبقراط، إلى هارفي ومالبيكي! وكأن أدلارد الباثي (ADELARDOFBATH) وألبرت ماجنوس (ALBERTMAGNUS) وروجر بيكون ( ROGERBICON ) لم يقولوا: ((لقد تعلمت عن أساتذتي العرب أن أسترشد بالعقل... إذ لاشيء أكثر ضماناً من العقل)

أين تم التحول الغربي الإسلامي؟ في أي وقت؟؟ تحت أي ظروف؟ ما هي الملابسات التي طوقت ظاهرة الصعود - الهبوط؟

في مراجعة كتاب (قصة الفلاسفة العظام) لمؤلفه الألماني (إيرهارد أورثباند)، يقف المؤلف عند حادث مهم وفريد، بل ومفصلي في تاريخ العقل الأوروبي: إنه عام 1215 ميلادي، حيث انعقد المجلس الكنسي الرابع في (لاتيران).
في هذا المجلس وبحضور البابا (إينوسنس الثالث)، وبتاريخ الثالث عشر من نونبر من العام المذكور، تمت مناقشة طبيعة الأمراض وانتشارها، وكيف يمكن تعليلها؟ وخرج المجلس بالأفكار التالية : إن المرض وسيلة يستخدمها الله لغرض ينفرد بعلمه، قد يكون عقوبة للمذنبين، أو للكمال من خلال المعاناة، حيث يستخدم الله الشيطان كوسيلة لهذا الغرض، وهو يطابق ما جاء من تعليمات المسيح في الإنجيل؛ وبناء على هذا، فكل وباء ينتشر يجب اعتباره عقوبة من الله، تخيم فوق رؤوس الناس، وعليهم مكافحتها بالصلوات وممارسة التطهير الروحي ودفع أموال الندم، من أجل تخفيف غضب الله، أو أن أمامهم الموت أو العذاب!

هكذا كان يفسر انتشار الأمراض في أوروبا في تلك الأيام، وهكذا كان يعالج مرضاً خطيرًا، مثل الطاعون، وبذا خَلدت الكثير من اللوحات الفنية عقلية الناس حينها.

يقول المؤلف الألماني (أورثوباندت) معقبًا على ما مرّ: في نفس الوقت كان هناك طراز آخر من التفكير، وبشكل معاكس تماماً ، ومن خلال الفهم السببي لعلوم الطبيعة، تلك التي كان المسلمون يمارسونها في الأندلس، مثل الطبيب العربي الأندلسي (ابن الخطيب)، الذي كان يرى أن انتشار الأوبئة يحدث من خلال العدوى، وهنا يستشهد بما كتبه ابن الخطيب بالذات: "إن واقع العدوى يمكن الوصول إليه من خلال الخبرة والبحث، والنظر في الواقع، وتشريح الجثث ، والشهادات الميدانية؛ هذه الوقائع تعطينا الحجج التي لا يمكن دحضها، أن المرض ينتشر من خلال العدوى المرضية عبر الاتصال بالمريض، وأن الذي لا يتصل بالمريض يبقى محفوظًا من المرض، كما أن الذين يحملون المرض ويأتون إلى الموانئ ينقلون المرض، فإذا عزلوا لم ينتشر المرض".

يقول المؤلف الألماني معقباً على ما مرَّ: "من هذا الاستشهاد يمكن أن نقرر وجهة نظر المسلمين في كيفية فهمهم لآلية انتشار الأمراض، إنها: ((استخدام الحواس للفهم والإدراك، الخبرة العملية، جمع الوقائع وتقييمها الإحصائي، البحث في الأسباب وتقسيم وحدات الواقعة المذكورة؛ ويمكن إيجاز كل هذا بكلمات قليلة : المراقبة الدؤوبة الدقيقة لكيفية عمل الطبيعة، وكأن الطبيعة تقوم بالتجارب التي لا تنتهي، ولكن النتائج فقط هي التي تُكشف للعيان. وبهذه العقلية السببية للطبيعة بدأ تشكل الفلسفة المدرسية في أوروبا.
إذن مع منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، حصلت بدايات التحول الأولى في توليد ما عرف بالمدرسة (السكولاستيكية)، ولكنها تولد نتائج مريعة بسبب خروجها من بوتقتها الأصلية لتصطدم بمناخ ديني غير مناسب. وهكذا حصل الفصام النكد بعد ذلك بين الإيمان والعلم، وأصبحت كلمة (الظن) باللغة الألمانية تعني العقيدة (GLAUBE)، وهو الشيء الذي اصطدمت به أثناء إقامتي الطويلة في ألمانيا، في حين أن كلمة العلم (WISSEN) تعني اليقين وهي شيء آخر غير الاعتقاد الظني الوهمي الهلامي غير الراسخ ، وتشبث في أرض سبخة من هذا النوع، يعني تمسكا أخرقا يطلق عليه (الدوغما) (DOGMA)، وهو الشيء الذي حصل معي أثناء مناقشتي لهم، حيث كانوا يقولون لي هل ( تعتقد = تظن ) (GLAUBENSIE) أو (تعلم = توقن) (WISSEN)، بالطبع كان جوابي أن لا عقيدة بدون يقين، والعقيدة تبنى بالعقل، وهو المطمح الإبراهيمي الدائم، ولكن ليطمئن قلبي ((إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب)).

هنا أدركت عمق وجذر هذه الكلمة (الظن = العقيدة) المتصلة بالتاريخ، وفي هذا الوقت من منتصف القرن الثالث عشر الميلادي ، بدأت أوروبا في التشكل بخلق جديد، ونشأة مستحدثة، وطور مستأنف، حيث قام بعض الرواد الذين لا نسمع عنهم الكثير، مثل روجر بيكون، ودنس سكوتس (DUNS SCOTUS)، وأوكهام (OCKHAM)، ومارسيليوس (MARSILIUS)، يشقون الطريق إلى عالم فكري جديد عبر مغامرة كبرى للعقل الأوروبي.

هذه الفلسفة المدرسية السكولاستيكية كانت هي النواة الجنينية الأولى المختبئة تحت الأرض، والتي ضربت جذورها لتقوم عليها بعد ذلك الحركة الإنسانية والنهضة الأوروبية العقلية الجبارة بعد ذلك.

كان من أخطر توجهات العقل الجديد المتأثر بالعقلية الإسلامية، سواء من الأندلس أو صقلية، مناطق حواف الاحتكاك، هي أن الفكر الكنسي لا يمكن أن ينتظم مع العقل العلمي ، وبدأت بوادر الانشقاق الفكري التي ترى أن الحرية الفكرية لا يمكن أن تمشي مع الفكر الديني جنبًا إلى جنب، وبالطبع فإن الكنيسة تحمل الوزر الأكبر في هذه المعركة المشؤومة التي مازالت ذيولها تمتد حتى الوقت الراهن، إلى الدرجة التي نشرت فيها مجلة الشبيجل الألمانية في عددها 51 \ 93 صورة لقس جديد يقول: "نعم .. لله لا .. للكنيسة" تحت عنوان الثائر الجديد درويرمان.
بالطبع قامت الكنيسة بمحاولة توفيقية، من خلال الجهود الفكرية التي نظمها توماس الأكويني في محاولة منه لبناء العقيدة مع العقل، واعتبر فكره درع الكنيسة الحصين ضد فكر أبي الوليد بن رشد، ثم قامت الكنيسة في بناء المراكز العلمية لمقاومة الغزو الفكري الإسلامي بنفس سلاحهونشطت حركة الترجمة ، حيث تمت ترجمة معظم الفكر الإسلامي - لحسن الحظ - ، لأن مئات الآلاف من المجلدات، كانت تحرق في ذلك الوقت بيد الآلة الجهنمية المغولية الزاحفة من الشرق.

تمت الترجمة من اللغة العربية التي كانت لغة العلم العالمية في ذلك الوقت، والتي كان يتقنها فلاسفة الفترة السكولاستيكية ، وتخمرت هذه الجهود في مدى قرنين، إلا أن الذي حدث هو أن هذه المراكز تحولت فيما بعد إلى جامعات تكرس الفكر العلمي، وتودع الكنيسة الوداع الخير، وبذلك وضع الختم النهائي على علاقة العلم - الإيمان.

وإذا كانت بدايات الصعود الأوروبي، قد تم إلقاء بعض الضوء على خلفياتها، فما هو سر الانحطاط الإسلامي المرافق في نفس الوقت، حيث نلاحظ وفي مدى عشر سنوات بالضبط بين عامي 1248م، التي تؤرخ سقوط إشبيليا، و1258م التي تعلن سقوط كعبة العلوم بغداد، ومعهما يعلن سقوط جناحي العالم الإسلامي، كما يسقط الطير من السماء بدون جناحين مخضبًا بدمه في مذابح مروعة، وحرائق مخيفة ، تأخذ مع ألسنتها عصارات الفكر الإنساني في نكبة لا يضارعها شيء، ذلك أن ذبح ثمانمائة ألف إنسان في بغداد قابل للتعويض؛ فطبيعة الوجود هي بين أرحام تدفع وقبور تبلع، ولكن الذي لا يعوض ولم يعوض، هو ذلك التراكم المعرفي الذي كدس في المكتبات العامرة للمدن الإسلامية الزاهية، أمثال سمرقند وبخارى والرها ومرو وخراسان وأصفهان وتبريز وحلب، والذي يشكل أساس التحول النوعي الحضاري، فتقوض تحت السيف المغولي الرهيب.

هذا الالتقاء المشؤوم في الصعود والهبوط، هو المنعطف الذي يشكل واقع العالم الإسلامي، ووضع العالم الغربي الذي يقول : أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًا ودخل جنته، وهو ظالم لنفسهقال ما أظن أن تبيد هذه أبداً ؟! ...


الدكتور خالص جلبي " مؤسسة مؤمنون بلا حدود "
المقال الأصلي من هنا








 


رد مع اقتباس
قديم 2015-01-29, 01:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
منال نور الهدى
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

افادة طيبة ومهمة
جزاك الله خير جزاء و أسعدك الله في الدارين
في أمان الله و حفظه










رد مع اقتباس
قديم 2015-02-04, 15:07   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ام سراج وملاك
مشرفة قسميّ الديكور والطّبخ
 
الصورة الرمزية ام سراج وملاك
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز 
إحصائية العضو










افتراضي

شكراااااااااااااااااااااااااااااموضوع رائع










رد مع اقتباس
قديم 2016-05-21, 17:53   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
kada2000
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

موضوع جميل شكرا على المرور










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
المفقودة, الحلقة, العرب؟


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:20

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc