|
منتدى نصرة الرسول صلى الله عليه و سلم كل ما يختص بمناقشة وطرح مواضيع نصرة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم و كذا مواضيع المقاومة و المقاطعة... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
تحفيظ حديث شريف لكل تلميذ(ة) في القسم
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2016-12-08, 23:18 | رقم المشاركة : 6751 | ||||
|
|
||||
2016-12-08, 23:20 | رقم المشاركة : 6752 | |||
|
|
|||
2016-12-08, 23:21 | رقم المشاركة : 6753 | |||
|
|
|||
2016-12-08, 23:22 | رقم المشاركة : 6754 | |||
|
|
|||
2016-12-08, 23:24 | رقم المشاركة : 6755 | |||
|
|
|||
2016-12-08, 23:25 | رقم المشاركة : 6756 | |||
|
|
|||
2016-12-09, 14:21 | رقم المشاركة : 6757 | |||
|
الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني-صفات النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- الْخَلْقِيّة والْخُلُقيّة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليمًا كثيرًا. أَمّا بعد: عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه يجب على كل مسلم ومسلمة معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي هي من الأصول الثلاثة، التي يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها، والعمل بها، ويُسأل عنها في قبره. ومن هذه المعرفة معرفة صفاته الْخَلْقِيّة والْخُلُقيّة. فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خَلْقًا وخُلُقًا، وألينهم كفًّا، وأطيبهم ريحًا، وأكملهم عقلًا، وأحسنهم عشرة، وأعلمهم بالله وأشدهم له خشية[1]، وأشجع الناس، وأكرم الناس، وأحسنهم قضاء، وأسمحهم معاملة، وأكثرهم اجتهادًا في طاعة ربه، وأصبرهم وأقواهم تحمّلًا، وأخشعهم لله قلبًا، وأرحمهم بعباد الله تعالى، وأشدهم حياء، ولا ينتقم لنفسه، ولا يغضب لها؛ ولكنه إذا انتُهِكت حرمات الله، فإنه ينتقم لله تعالى، وإذا غضب لله لم يقم لغضبه أحد، والقوي والضعيف، والقريب والبعيد، والشريف وغيره عنده في الحق سواء، وما عاب طعامًا قط إن اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه تركه، ويأكل من الطعام المباح ما تيسر ولا يتكلف في ذلك، ويقبل الهدية ويكافئ عليها، ولا يقبل الصدقة، ويخصف نعليه ويرقع ثوبه، ويخدم في مهنة أهله، ويحلِبُ شاته، ويخدِمُ نفسه، وكان أشد الناس تواضعًا، ويجيب الداعي: من غني أو فقير، أو دنيء أو شريف، وكان يحب المساكين ويشهد جنائزهم ويعود مرضاهم، ولا يحقر فقيرًا لفقره، ولا يهاب مَلِكًا لِمُلْكِهِ، وكان يركب الفرس، والبعير، والحمار، والبغلة، ويردف خلفه، ولا يدع أحدًا يمشي خلفه[2]. وخاتمه فضة وفصه منه، يلبسه في خنصره الأيمن وربما لبسه في الأيسر، وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وقد آتاه الله مفاتيح خزائن الأرض، ولكنه اختار الآخرة. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل البائن[3]، ولا بالقصير، ولا بالأبيض الأمهق[4]، ولا بالأدم[5]، ولا بالجعد القطط[6]، ولا بالسَّبط[7] - صلى الله عليه وسلم - [8]، وكان ضخم القدمين حسن الوجه[9]، أبيض مليح الوجه[10]، وكان رجلًا مربوعًا بعيد ما بين المنكبين، عظيم شعر الجُمَّة إلى شحمتي أذنيه، وفي وقت إلى منكبيه، وفي وقوتٍ إلى نصف أذنيه، كث اللحية، شثن الكفين والقدمين[11]، ضخم الرأس، ضخم الكراديس[12]، طويل المَسْربة[13]، إذ مشى تكفّأ تكفؤًا كأنما ينحط من صببٍ[14]، لم يُرَ قبله ولا بعده مثله، وكان عظيم الفم، طويل شِق العين، قليل لحم العقب، منظره أحسن من منظر القمر، وجهه مثل القمر، وخاتم النبوة بين كتفيه: غدّة حمراء مثل بيضة الحمامة، وقيل: الخاتم شعرات مجتمعات بين كتفيه، وكان يفرق رأسه، ويدَّهن، ويعفي لحيته ولا يأخذ منها شيئًا، ويُسرّحها، ويأمر بتوفيرها وإيفائها، وإعفائها، وكان يأمر بالاكتحال بالإثمد عند النوم، ويقول: "عليكم بالإثمد عند النوم؛ فإنه يجلو البصر ويُنبت الشعر"[15]. وقال: "إن خير أكحالكم الإثمد، يجلو البصر، ويُنبت الشعر"[16]، وكان قليل الشَّيب في رأسه وفي لحيته إذا ادَّهن لم يُرَ شيبه، وإذا لم يدَّهن رُؤي منه شيء، كان شيبه نحوًا من عشرين شيبة بيضاء، وكان يقول: "شيَّبتني هود وأخواتها"، وفي لفظ: "شيّبتني: هود، والواقعة، والمرسلات، وعمَّ يتساءلون، وإذا الشمس كُوِّرت"[17]، وشَيْبُهُ أحمر مخضوبًا، وكان يُحبّ لبس القميص، والحَبِرَة[18]، وكان يلبس العمامة، والإزار، وإزاره إلى نصف ساقه[19]، وكان يحب الطيب، ويقول: "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه"[20]. وكان - صلى الله عليه وسلم - يتجمَّلُ للعيد، والوفود، ويُحِبّ النظافة، وكان يكره أن يقوم له أحد؛ فلا يقوم له الصحابة؛ لعلمهم بكراهته لذلك[21]، وكان يُحِبّ السّواك، ويبدأ به إذا دخل بيته، ويشوص فاه بالسواك إذا قام من الليل، وكان ينام أول الليل ثم يقوم يصلي، وكان يطيل صلاة الليل حتى تنتفخ قدماه، ثم يُوتِرُ آخر الليل قبل الفجر، وكان يُحِبّ أن يسمع القرآن من غيره، وكان يعود المرضى، ويشهد الجنائز ويصلي عليهم، وكان كثير الحياء، وكان إذا كره شيئًا عُرِف في وجهه، وكان يُحِبّ الستر، وكان يتوكل على الله حقَّ توكُّلِهِ؛ لأنه سيد المتوكّلين، قال أنس - رضي الله عنه -: خَدَمْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما بعثني في حاجةٍ لم أُتِمَّها إلا قال: "لو قُضِيَ لكان" أو "لو قُدِّر لكان"[22]، ومع هذا فقد كان يأخذ بالأسباب. وكان لا يغدر وينهى عن الغدر، وقد حفظه الله تعالى من أمور الجاهلية قبل الإسلام[23]، ورعى الغنم في صغره وما من نبيٍّ إلاّ رعاها[24]، وكان الحجر يسلم عليه قبل البعثة[25]. وله - صلى الله عليه وسلم - أسماء، قال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يُمحى بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على عَقِبِي[26]، وأنا العاقب"، والعاقب الذي ليس بعده نبي[27]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا محمد، وأحمد، والمُقفِّي[28]، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة"[29]، وكنيته أبو القاسم[30]، بعثه الله ليتَمِّمَ مكارم الأخلاق[31]. وذكر الله تعالى اسمه في القرآن في مواضع فقال تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾[32]، وقال سبحانه: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾[33]، وقال عز وجل: ﴿ šوَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [34]، وقال سبحانه: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [36]. وكان يكثر الذكر، دائم الفكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، ويحب الطيب ولا يرده، ويكره الروائح الكريهة، وكان أكثر الناس تبسمًا، وضحك في أوقاتٍ حتى بدت نواجذه[37]، قال جرير - رضي الله عنه -: ما حجبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسَّمَ في وجهي، ولقد شكوت إليه أَنِّي لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري، وقال: "اللهم ثبّته، واجعله هاديًا مهديًّا"[38] ويمزح ولا يقول إلا حقًّا، ولا يجفو أحدًا، ويقبل عذر المعتذر إليه، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن، ويتنفس في الشرب ثلاثًا خارج الإناء، ويتكلم بجوامع الكلم، وإذا تكلم تكلَّم بكلامٍ بيِّنٍ فَصْلٍ، يحفظه من جلس إليه، ويعيد الكلمة ثلاثًا إذا لم تفهم حتى تُفهم عنه، ولا يتكلم من غير حاجة، وقد جمع الله له مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، فكانت معاتبته تعريضًا، وكان يأمر بالرفق ويحثّ عليه، وينهي عن العنف، ويحث على العفو والصفح، والحلم، والأناة، وحسن الخلق ومكارم الأخلاق، وكان يحب التيمن في طهوره وتنعُّله، وترجُّله، وفي شأنه كله، ونهى عن الترجل إلا غبًا، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى، وإذا اضطجع اضطجع على جنبه الأيمن، ووضع كفه اليمنى تحته خده الأيمن، ويقول: أذكار النوم، وإذا عرَّس[39] قُبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه، وكان مجلسه: مجلس علم، وحلم، وحياء، وأمانة، وصيانة، وصبر، وسكينة، ولا ترفع فيه الأصوات، ولا تنتهك فيه الحرمات، يتفاضلون في مجلسه بالتقوى، ويتواضعون، وَيُوَقِّرون الكبار، ويرحَمُون الصغار، ويؤثرون المحتاج، ويخرجون دعاة إلى الخير، وكان يجلس على الأرض، ويأكل على الأرض، وكان يمشي مع الأرملة والمسكين، والعبد، حتى يقضي له حاجته. ومر على الصبيان يلعبون فسلَّم عليهم، وكان لا يصافح النساء غير المحارم، وكان يتألف أصحابه ويتفقدهم، ويكرم كريم كل قوم، ويُقبل بوجهه وحديثه على من يُحدثه، حتى على أشرِّ القوم يتألفهم بذلك، وخدمه أنس - رضي الله عنه - عشر سنين قال: (فما قال لي أُفٍّ قطّ، وما قال لي لشيء صنعته لِمَ صنعته، ولا لشيء تركته لِمَا تركته، وكان من أحسن الناس خُلُقًا ولامسست خزًّا، ولا حريرًا، ولا شيئًا كان ألين من كفِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت مسكًا قطّ ولا عطرًا أطيب من عرق النبي - صلى الله عليه وسلم -)[40]. ولم يكن فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخَّابًا[41]، ولا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح ويحلم، ولم يضرب خادمًا ولا امرأة ولا شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى، وما خُيِّر بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس عنه. وقد جمع الله له كمال الأخلاق ومحاسن الشيم وآتاه من العلم والفضل وما فيه النجاة والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة ما لم يؤت أحدًا من العالمين، وهو أُمٌّي لا يقرأ ولا يكتب، ولا معلم له من البشر، واختاره الله على جميع الأولين والآخرين، وجعل دينه للجن والناس أجمعين إلى يوم الدين، فصلوات الله وسلامه عليه صلاةً وسلامًا دائمين إلى يوم الدين؛ فإن خلقه كان القرآن[42]. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾[43] بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.أما بعد: عباد الله! اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه ينبغي الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والتأسي به في جميع أعماله، وأقواله، وجدّه واجتهاده، وجهاده، وزهده، وورعه، وصدقه وإخلاصه، إلا في ما كان خاصًّا به، أو ما لا يُقدر على فعله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يَملُّ حتى تملُّوا[44]"[45]؛ ولقوله: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"[46]. عباد الله! إن العبد المسلم مأمور بالاقتداء بهذا الرسول الرحيم ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾[47]، هذا وصلوا على الرحمة المهداة كما أمركم الله تعالى بذلك فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾[48]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَن صلّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"[49]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وارضَ اللهم عن أصحابه: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعَنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، اللهم آمِنّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وجميع ولاة أمر المسلمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، وأعذهم من عذاب القبر وعذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى، اللهم اهدنا وسددنا، ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾[50]. عباد الله! ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾[51]، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾[52]. ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------- [1] ولهذا قال عبد الله بن الشَّخِّير: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المِرجل من البكاء، أبو داود برقم 904، وصححه الألباني في مختصر الشمائل برقم 276، ومعنى: أزير المرجل: أي غليان القدر. [2] أحمد 3/398، وابن ماجه برقم 246، والحاكم 4/481، وابن حبان موارد 2099، وانظر: الأحاديث الصحيحة برقم 1557. [3] البائن: أي ليس بالطويل الطول الظاهر. [4] الأمهق: أي ليس بالأبيض شديد البياض، وإنما أبيض مشرب بالحمرة. [5] الأدم: الأسمر. [6] القطط: الشعر فيه التواء وانقباض. [7] السبط: الشعر المسترسل. [8] مختصر شمائل، الترمذي برقم 1، وصححه الألباني. وهو في البخاري برقم 3549. [9] البخاري، برقم 5908. [10] مسلم، برقم 2340. [11] عظيم الأصابع غليظها من الكفين والقدمين. [12] الكراديس: رؤوس العظام. [13] المَسرَبة: الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسرة. [14] الصبب: انخفاض من الأرض. [15] الترمذي في الشمائل، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، برقم 43، ص45. [16] الترمذي في الشمائل، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، برقم 44، ص45. [17] مختصر الشمائل للترمذي، اختصره وصححه الألباني، برقم 34، 35. [18] ثياب من نوع بُرُود اليمن، والبُرد: ثوب مخطط، ومحبّرة مزينة. [19] مختصر شمائل الترمذي، برقم 97، وصححه الألباني. [20] مختصر شمائل الترمذي برقم 188، وصححه الألباني. [21] أحمد، 3/134. [22] أحمد، 1/352 وهو صحيح. [23] البخاري، برقم 3829، وأحمد 4/222. [24] البخاري، برقم 2262، ورقم 3406. [25] مسلم، برقم 2277. [26] أي يحشر الناس على أثره، النهاية. [27] البخاري، برقم 3532، ومسلم برقم 2354. [28] المقفّي: الذي قفى آثار من سبقه من الأنبياء ﴿ ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آَثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا... ﴾. [انظر: زاد المعاد، لابن القيم، 1/94]. [29] مسلم، برقم 2355، وشمائل الترمذي برقم 316 مختصر الألباني. [30] البخاري، برقم 3537، ومسلم، 3/1682. [31] أحمد، 2/381، برقم 8939. [32] سورة آل عمران، الآية: 144. [33] سورة الأحزاب، الآية: 40. [34] سورة محمد، الآية: 2. [35] سورة الفتح، الآية: 29. [36] سورة الصف، الآية: 6. [37] النواجذ: الأنياب، وقيل: [هي الضواحك التي تبدو عند الضحك] النهاية، 5/20. [38] البخاري، برقم 3035، ورقم 3822، ورقم 6090. [39] التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلةً للنوم والاستراحة. انظر: النهاية في غريب الحديث 3/206. [40] البخاري، برقم 6038، ومسلم، برقم 2309، والترمذي في مختصر الشمائل، واللفظ له، برقم 296. [41] الصّخَّاب: الصخب والسخب: الضجة واضطراب الأصوات للخصام، فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يكن صخَّاباً في الأسواق ولا في غيرها. النهاية 3/14. [42] تهذيب الأسماء واللغات للنووي، . [43] سورة التوبة، الآية: 128. [44] البخاري مع الفتح، 4/213، برقم 1970، ومسلم 1/541، برقم 782. [45] انظر: تهذيب السيرة النبوية للإمام النووي [46] البخاري برقم 7288، ومسلم برقم 2619. [47] سورة الأحزاب، الآية: 21. [48] سورة الأحزاب، الآية: 56. [49] مسلم، برقم 384. [50] سورة البقرة، الآية: 202. [51] سورة النحل: الآية: 90. [52] سورة العنكبوت: الآية: 45. |
|||
2016-12-09, 14:34 | رقم المشاركة : 6758 | |||
|
من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم--منتدى صيد الفوائد
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم ، عن أنس رضي الله عنه قال" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا" - الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي.
وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم" - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. قال تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم (( وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ )) [ القلم 4 ] قالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ، قالت : ( كان خلقه القرآن) صحيح مسلم. فهذه الكلمة العظيمة من عائشة رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه عليه الصلاة والسلام هي اتباع القرآن ، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي ، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن. قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً .... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل.أ.هـ عن عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا - رواه البخاري ما المقصود بحُسن الخلق ؟ عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( البر حسن الخلق ..)) رواه مسلم [ رقم : 2553 ] قال الشيخ ابن عثيمين في شرح الحديث السابع والعشرون في الأربعين النووية: حسن الخلق أي حسن الخلق مع الله ، وحسن الخلق مع عباد الله ، فأما حسن الخلق مع الله فان تتلقي أحكامه الشرعية بالرضا والتسليم ، وأن لا يكون في نفسك حرج منها ولا تضيق بها ذرعا ، فإذا أمرك الله بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها فإنك تقابل هذا بصدر منشرح. أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه : كف الأذى والصبر على الأذى، وطلاقة الوجه وغيره. على الرغم من حُسن خلقه حيث كان يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه ويتعوذ من سوء الأخلاق عليه الصلاة والسلام . عن عائشة رضي الله عنها قالت "كان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي" - رواه أحمد ورواته ثقات. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول "اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق" - رواه أبو داود والنسائي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله : كان صلى الله خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجته بالإكرام والاحترام ، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) سنن الترمذي . وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم ، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم ، وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم أن يرقّق اسم عائشة ـ رضي الله عنها ـ كأن يقول لها: (يا عائش )، ويقول لها: (يا حميراء) ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: (يا ابنة الصديق) وما ذلك إلا تودداً وتقرباً وتلطفاً إليها واحتراماً وتقديراً لأهلها. كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم ، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي) ، وتقول له: دع لي. رواه مسلم وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها. وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب. (عن الأسود قال :سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قال : كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة) رواه مسلم والترمذي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم - رواه أحمد. قال صلى الله عليه وسلم "إن من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل" رواه مسلم. عن عائشة رضي الله عنها قالت "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس : اقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك" رواه أحمد. (وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها) رواه البخاري. ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه - رواه البخاري. عدل النبي صلى الله عليه وسلم : كان عدله صلى الله عليه وسلم وإقامته شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين. قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) (النساء:135) كان يعدل بين نسائه صلى الله عليه وسلم ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة كما كانت عائشة ـ رضي الله عنها ـ غيورة. فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها أنها ـ أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة... ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة وهو يقول: (كلوا، غارت أُمكم ـ مرتين ـ ) ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى أُم سلمة وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة. رواه النسائي وصححه الألباني قال عليه الصلاة والسلام في قصة المرأة المخزومية التي سرقت : ( والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد, لقطعت يدها). كلام النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا تكلم تكلم بكلام فَصْلٍ مبين، يعده العاد ليس بسريع لا يُحفظ ، ولا بكلام منقطع لا يُدركُه السامع، بل هديه فيه أكمل الهديِّ ،كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا ، ولكن كان يتكلم بكلام بيِّن فصل يتحفظه من جلس إليه) متفق عليه وكان عليه الصلاة والسلام لا يتكلم فيما لا يَعنيه، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا كرِه الشيء: عُرِفَ في وجهه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم - رواه البخاري واللفظ له ومسلم. كان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه. وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما حتى ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (لأنفال:28) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما. خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملة الصبيان فإنه كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته أمامه وكان يحمل أبنه ابنته أمامه بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الخدم: ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيماً فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. عن أنس رضي الله عنه قال" خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" - رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله. وفي رواية ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله - رواه مالك والشيخان وأبو داود. عن عائشة رضي الله عنها قالت "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم". رحمة النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم "إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة" - رواه مسلم. " قال عليه الصلاة والسلام : اللهم إنما أنا بشر ، فأيُّ المسلمين سببته أو لعنته ، فاجعلها له زكاة و أجراً " رواه مسلم . كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً ، فشقَّ عليهم ، فاشقُق عليه ، و من ولي من أمر أمتي شيئاً ، فرفق بهم ، فارفق به ) قال صلى الله عليه وسلم : (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم) رواه البخاري. قال تعالى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ..) (آل عمران:159) وقال صلى الله عليه وسلم في فضل الرحمة: (الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي وصححه الألباني . وقال صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة الذين أخبر عنهم بقوله: ( أهل الجنة ثلاثة وذكر منهم ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم ) رواه مسلم. عفو النبي صلى الله عليه وسلم: عن أنس رضي الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله – فذهبت" رواه مسلم وأبو داود. فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي ، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَه مَه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزرموه، دعوه) ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن) قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه. رواه مسلم تواضعه صلى الله عليه وسلم : وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوتهم دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر. وكان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين ، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى: (( تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ )) [ القصص 83 ]. فكان أبعد الناس عن الكبر ، كيف لا وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري. كيف لا وهو الذي كان يقول صلى الله عليه وسلم : (آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني. كيف لا وهو القائل بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم (لو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ ولو دُعيت عليه لأجبت) رواه الترمذي وصححه الألباني. كيف لا وهو الذي كان صلى الله عليه وسلم يحذر من الكبر أيما تحذير فقال : ( لا يدخل في الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) رواه مسلم ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير ويقبل الهدية. عن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب - رواه الترمذي في الشمائل. الإهالة السنخة: أي الدهن الجامد المتغير الريح من طوال المكث. مجلسه صلى الله عليه وسلم كان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط، عن أنس رضي الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له" - رواه أبو داود والترمذي بلفظه. عن أبي أمامة الباهلي قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا - رواه أبو داود أبن ماجة وإسناده حسن. زهده صلى الله عليه وسلم كان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة خيره الله تعالى بين أن يكون ملكا نبيا أو يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا. كان ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود. قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال : بلى قال: هو كذلك ) وكان من زهده صلى الله عليه وسلم وقلة ما بيده أن النار لا توقد في بيته في الثلاثة أهلة في شهرين . عن عروة رضي الله عنه قال: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي كنا لننظر إلى الهلال ثم الهـلال ثـلاثة أهله في شهرين ما أوقـد في أبيـات رسـول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت: يا خالة فما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان ـ التمر والماء ـ) متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاءاً، وكان أكثر خبزهم الشعير) رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني. عبادته كان عليه الصلاة والسلام أعبد الناس ، و من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان عبداً لله شكوراً. فإن من تمام كريم الأخلاق هو التأدب مع الله رب العالمين وذلك بأن يعرف العبد حقّ ربه سبحانه وتعالى عليه فيسعى لتأدية ما أوجب الله عز وجل عليه من الفرائض ثم يتمم ذلك بما يسّر الله تعالى له من النوافل ، وكلما بلغ العبد درجةً مرتفعةً عاليةً في العلم والفضل والتقى كلما عرف حق الله تعالى عليه فسارع إلى تأديته والتقرب إليه عز وجل بالنوافل. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه إن الله تعالى قالى: (... وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه...) رواه البخاري. فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرف حق ربه عز وجل عليه وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على الرغم من ذلك كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ ويسجد فيدعو ويسبح ويدعو ويثني على الله تبارك وتعالى ويخشع لله عز وجل حتى يُسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل. فعن عبدالله بن الشخير ـ رضي الله عنه ـ قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء) رواه أبو داود وصححه الألباني. وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) رواه البخاري. وكان مـن تـمثله صلى الله عليه وسلم للقـرآن أنه يذكر الله تعالى كثيراً، قال عز وجل : (( ....وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُـم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيـماً )) [ الأحزاب 35 ]. وقال تعالى : (( ... فَاذْكُرُونِيَ أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )) [البقرة 152 ]. ومن تخلقه صلى الله عليه وسلم بأخلاق القرآن وآدابه تنفيذاً لأمر ربه عز وجل أنه كان يحب ذكر الله ويأمر به ويحث عليه، قال صلى الله عليه وسلم : (لأن أقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم : (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره ، مثل الحي والميت) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم : (ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله) أخرجه الطبراني بسندٍ حسن. كان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس دعاءً، وكان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) متفق عليه . وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) رواه النسائي وصححه الألباني. دعوته كانت دعوته عليه الصلاة والسلام شملت جميع الخلق، كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أكثر رسل الله دعوة وبلاغـًا وجهادًا ، لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلاءً ، منذ بزوغ فجر دعوته إلى أن لحق بربه جل وعلا . وقد ذكر كتاب زاد المعاد حيث قال أن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام كانت على مراتب : المرتبة الأولى: النبوة. الثانية: إنذار عشيرته الأقربين. الثالثة: إنذار قومه. الرابعة: إنذار قومٍ ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة. الخامسة: إنذارُ جميع مَنْ بلغته دعوته من الجن والإِنس إلى آخر الدّهر وقد قال الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). وهذا أيضا من أخلاقه عليه الصلاة والسلام ، ومن أخلاق أهل العلم جميعا ، أهل العلم والبصيرة أهل العلم والإيمان أهل العلم والتقوى. ومن ذلك شفقته بمن يخطئ أو من يخالف الحق وكان يُحسن إليه ويعلمه بأحسن أسلوب ، بألطف عبارة وأحسن إشارة ، من ذلك لما جاءه الفتى يستأذنه في الزنى. فعن أبي أُمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: إن فتىً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه فقال له: (ادنه)، فدنا منه قريباً، قال: (أتحبّه لأمّك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لأخواتهم). قال: (أفتحبه لعمتك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لعماتهم). قال: (أفتحبه لخالتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لخالاتهم) قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد. وقد انتهج النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في دعوته ولطيف أسلوبه للناس كلهم حتى شملت الكافرين ، فكان من سبب ذلك أن أسلم ودخل في دين الله تعالى أفواجٌ من الناس بالمعاملة الحسنة والأسلوب الأمثل ، كان يتمثل في ذلك صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: (( ادْعُ إِلِىَ سَبِيــلِ رَبّــكَ بِالْحِكْـمَةِ وَالْمَـوْعِظَـةِ الْحَسَنَـةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... )) [ النحل:12] إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أُسيء إليه يدفع بالتي هي أحسن يتمثل ويتخلق بقوله تعالى: ((... ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيم )) [ فصلت 34-35 ] مزاح النبي صلى الله عليه وسلم وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يمازح العجوز، فقد سألته امرأة عجوز قالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا أُم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز، فولت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: (( إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً)) [ الواقعة 35 – 37 ] رواه الترمذي في الشمائل وحسنه الألباني . وكان جُلُّ ضحكه التبسم، بل كلُّه التبسم، فكان نهايةُ ضحكِه أن تبدوَ نواجِذُه. كرم النبي صلى الله عليه وسلم من كرمه صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها صلى الله عليه وسلم صبر النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان.. قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) الفتح:29 ومن صبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول: يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان. فقد أخرج ابن سعد عن أنس رضي الله عنه قال : [ رأيت إبراهيم وهو يجود بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : [ تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون ] تعاون النبي صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام : (مَنْ اسْتطاع منكم أَنْ يَنْفَعَ أَخاه فَلْيَنْفَعْه). (عن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته) رواه النسائي والحاكم. نصيحة لنفسي ولأخوتي: قال تعالى : (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً *ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً ) [سورة النساء:69-70]. وقال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)[سورة الأحزاب:21]. فأكمل المؤمنين إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمهم اتباعا، له وأسعدهم بالاجتماع – معه: المتخلقون بأخلاقه المتمسكون بسنته وهديه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)). وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)). وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من خياركم أحسنكم خلقا)). قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن؛ وإن الله يبغض الفاحش البذيء)). وفي رواية: ((وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة)). وقال صلى الله عليه وسلم : ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لأهله)). وفي رواية: ((لنسائهم)). وروي عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا)). وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن هذه الأخلاق من الله تعالى؛ فمن أراد الله به خيراً منحه خلقا حسنا)). وروي عنه صلى الله عليه وسلم : ((إن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد)). |
|||
2016-12-10, 02:36 | رقم المشاركة : 6759 | |||
|
نزول جبريل على النبي --- د. راغب السرجاني
دخل جبريل على النبي في هيئة رجل. ودخول رجل على رجل ليس مفزعًا في حد ذاته رغم أن الرجل غريب ولا يعرفه النبي ، ولكن لماذا خاف النبي لما رأى جبريل ؟
تعالَوْا نسمع القصة من رسول الله ، وسنعلم لِمَا خاف . تروي السيدة عائشة -رضي الله عنها- فتقول: فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. هكذا بدون مقدمات، ولا سلام، ولا كلام، لم يُعرِّف نفسَه، ولم يسأل الرسول عن نفسه، يخاطبه وكأنه يعرفه من زمن، ويقول له: اقرأ. والرسول لا يدري أي شيء يقرأ، فالرسول أمّيّ لا يعرف القراءة ولا الكتابة، يقول له: اقرأ. فقال بأدبه الجم، قَالَ:"مَا أَنَا بِقَارِئٍ". لم يسأله الرسول من أنت؟ وماذا تريد؟ فهو بُهت بدخوله عليه فجأة، وقوله له: اقرأ. قال الرسول : ما أنا بقارئ. ففوجئ برد الفعل الذي أفزع الرسول ، هذا الرجل اقترب من الرسول، ثم احتضنه بشدة، يقول الرسول : قَالَ: فَأَخَذَنِي، فَغَطَّنِي (يعني احتضنني)، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ (أي كان الأمر شاقًّا جدًّا عليه، والرسول لم يكن ضعيفًا، بل كان قوي البنية، فمعنى ذلك أن هذا الرجل قوته هائلة)، ثُمَّ أَرْسَلَنِي (تركني). ثم َقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثانية). قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ (المرة الثالثة). فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فقال: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي. ولكن، لماذا كل ذلك العنف في التبليغ، ذلك ليعلم أنه لا يحلم وأنه يعيش واقعًا حقيقيًّا، وأن الكلام الذي سيقوله الرجل الآن يحتاج إلى تركيز ووعي، لست تحلم يا محمد هذه حقيقة. فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1- 5]. من هذا الرجل؟ كيف ظهر؟ وكيف اختفى بعد ما قال هذه الكلمات؟ الرسول لا يعلم، والرسول هو أبلغ العرب وأفصحهم، وبالتأكيد أنه عرف منذ اللحظة الأولى أن هذا الكلام ليس من كلام البشر هذا كلام معجز. وثمة أمر آخر وهو أن هذا الرجل الذي جاءه، يتحدث عن الإله الذي يبحث عنه الرسول منذ زمن، فالرسول يعتكف ويتفكر؛ ليعرف من خالق هذا الكون، فهذا الرجل يتحدث عن الإله الذي خلق والذي يتكرم والذي يعلم.والرجل لم يخبره عن أي شيء يريده منه، لم يخبره أنه سيصبح رسولاً. قرأ هذه الكلمات التي لم تسمع من قبل على وجه الأرض، ثم اختفى، تركه وذهب، وكان في كل مرة يغطه حتى بلغ منه الجهد، وفي رواية أنه قال : "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي".كل هذه الأمور أدت إلى أن الرسول يخاف جدًّا ويخشى على نفسه، فذهب يجري إلى بيته قاطعًا اعتكافه باحثًا عن الأمان. هلع النبي وخوفه ! تقول السيدة عائشة في وصف ذلك الموقف: فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ. ولكن لماذا حدث هذا الهلع الشديد وهذا الخوف للنبي ؟ أولاً: هو إثبات لبشرية الرسول ، فنفس ذلك الموقف تكرر مع سيدنا موسى ، فهو بشر وله كل أحاسيس البشر. ثانيًا: إثبات عدم انتظار النبي لأمر النبوة، فبمجرد ظهور الرجل واختفائه خاف وجرى. ثالثًا: هذا الأمر كان بمنزلة التشويق والتهيئة والإعداد لما سيأتي بعد ذلك. فبعد ذلك كان النبي يخرج مرارًا إلى الجبال، لعله يقابل ذلك الرجل الذي جاءه في الغار، فأصبح مشتاقًا إلى قدوم جبريل . النبي يقص الأمر على السيدة خديجة وصل النبي إلى بيته، تقول السيدة عائشة: فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. كانت السيدة خديجة تحب رسول الله حبًّا لا يوصف، ولم تذكر كتب السيرة مشاحنة واحدة حدثت بين النبي وبين السيدة خديجة رضي الله عنها. روى النبي هذا الموقف الغريب الذي حدث له للسيدة خديجة -رضي الله عنها- وما قيل له من كلمات، ثم قال لخديجة: "لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي". كان موقف السيدة خديجة يدعو إلى العجب والاستغراب، فهي لم تخف كعادة النساء أو كطبيعة البشر، بل لم تتعجب أو تتساءل. وأخذت الأمر بكل بساطة، وكأن الرسول يقص عليها أمرًا عاديًّا، بل قالت له في يقين غريب: "كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ". استنبطت السيدة خديجة أن هذا الرجل صاحب الأخلاق الحميدة لن يخزيه الله أبدًا. وما أشارت السيدة خديجة إلا إلى معاملاته للناس، وخدماته لهم، ولم تشر من قريب أو من بعيد إلى تحنثه وتعبده واعتكافه. فالمعاملات مع الناس هي المحك الحقيقي لتقييم الإنسان. والسيدة خديجة تعي دور الزوجة تمامًا، فعملت على تهدئة النبي ، فهي مثال الزوجة المؤمنة، فهي سكن ومصدر طمأنينة لزوجها، كما أخبر الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّوم: 21]. ولم تشأ هذه المرأة العاقلة الكاملة أن تترك النبي للأوهام والضلالات، وفضلت أن تذهب إلى أهل العلم والدراية فذهبوا إلى ورقة. وفي اختيارها ورقة بن نوفل يدل على حكمة ورجاحة عقل هذه المرأة، وعلى فطرتها السليمة النقية، فلم تذهب به إلى كاهن أو خادم للأصنام، ولكن ذهبت به إلى رجل على ديانة السابقين، فكان قد تنصَّر في الجاهلية. وفي ذلك رسالة إلى كل شباب الأمة، فإن في اختيار الزوجة الصالحة نقطة محورية في حياة الفرد المسلم، وهذه النقطة مهمة في بناء الأمة كلها. هذا هو الطريق تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ، حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ. وكان ورقة يعلم أن نبيًّا سيخرج في آخر الزمان، وكان ورقة ينتظره. وهذا الأمر يبصرنا بمدى جرم أهل الكتاب، فهم يعرفون أن الرسول حق وذلك من خلال كتبهم، ومع ذلك لم يؤمنوا، قال تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]. فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ (وكان يعرف أخلاق النبي وعرف صفاته): يَابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى. يصرح ورقة بن نوفل بأمر في غاية الأهمية، يصرح بأن هذا جبريل ، وجبريل لا ينزل إلا على الأنبياء، إذن محمد أصبح رسول الله. وتخيل كَمّ الأحاسيس والمشاعر التي جاشت في صدر النبي وهو يسمع هذا الكلام. أيكون الله قد اختاره من بين كل الخلق ليكون نبي آخر الزمان. النبوة ليست مقامًا يصل إليه أحد بالاجتهاد في العبادة، بل هي اختيار واصطفاء من الله كما يقول سبحانه: {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 75]. الرجل الذي جاءه في الغار لم يخبره أنه رسول، وورقة يتكلم معه بثقة ويقين، حيرة وشك وقع فيهما النبي . ولم يتركه ورقة بل قال له خبرا آخر لم يكن أقل خطرًا من الخبر السابق، فقال: يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا (شابًّا)، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟". النبي لم يكن يعلم شيئًا عن الأمم السابقة، وهذا من الإعجاز الواضح؛ لأنه بعد ذلك سيخبر عن هذه الأمم بشيء من التفصيل لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق الوحي، وفي ذلك يقول الله : {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49]. لم يكن النبي يعرف معاناة الأنبياء، ولا تكذيب أقوامهم لهم، ولذا قال النبي : "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" فقَالَ له ورقة بيقين وثبات: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ. وهذه قاعدة من ورقة بن نوفل لكل داعية فما حمل داعية هذا الدين بصدق إلا عودي، فهذه سنة من سنن الله ، تدافع الحق والباطل، صراع بين الدين وأعداء الدين، وهذه السنة باقية إلى يوم القيامة، ثم يقول ورقة: وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وقد صدّق بالنبي حتى قبل التصريح بالرسالة، روى الحاكم عن عائشة بإسناد جيد أن رسول الله قال: "لاَ تَسُبُّوا وَرَقَةَ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ لَهُ جَنَّةً أَوْ جَنَّتَيْنِ". مات ورقة، لكنه سطر قاعدة أصيلة خلفته من بعده، ما دام الصراع بين الحق والباطل: ما جاء رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي. فهذه رسالة إلى كل الدعاة أن هذا هو الطريق. انقطاع مقلق وبعد كلام ورقة بن نوفل أراد رسول الله أن يتيقن من صحة ذلك الكلام، فهذه قضية ضخمة جدًّا وهائلة لا يصح للنبي أن يبني فيها قرارًا أو رأيًا دون تيقن كامل أنه نبي، ولو كان نبيًّا فما المطلوب منه؟ إن الرجل الذي جاءه لم يخبره بشيء. في تلك الأوقات تمنى النبي أن يقابل جبريل مرة ثانية، ليؤكد له أمر الرسالة، ويخبره بما يقوم به، لكن مع تعلق قلب الرسول واشتياقه لرؤية جبريل شاء الله أن يفتر الوحي. واختلف المؤرخون في مدة انقطاع الوحي، ولكن في أغلب الظن أنها كانت أيامًا من ثلاثة أيام إلى أربعين يومًا. كان انقطاع الوحي بمنزلة صدمة للنبي فهو لم يتيقن بعد، ويريد أن يتيقن والشك شعور قاتل، كان النبي متوقعًا أنه إذا ذهب إلى الغار سيجد هناك جبريل أو يلقاه في مكان آخر، وكان يخرج إلى الجبال، لعله يلتقي بجبريل، لكن جبريل لم ينزل. كان هذا التأخر ليزداد النبي اشتياقًا إلى الرسالة، فالرسالة مهمة ثقيلة جدًّا، يقول سبحانه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل: 5]. فإن لم يكن حامل هذه الرسالة متشوقًا إليها سيكون حملاً صعبًا جدًّا، بل لعله مستحيل، فارق كبير بين أن تبحث الدعوة عن رجل ليحملها، أو يبحث الرجل عن الدعوة ليحملها. من هنا بدأت الرسالة ولما كان يبلغ الحزن بالنبي المبلغ، يأتيه جبريل، ويقول له: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا. فيسكن النبي ، لكن ليست هناك تبليغات بالرسالة، لا يزيد عن قوله: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا. ثم جاء اليوم الذي سيبدأ النبي فيه رحلة النبوة والتبليغ والتبشير والإنذار هذه الرحلة الصعبة، فيقول وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، ثُمَّ نُودِيتُ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي إلى السماء، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوِيتُ عَلَى الأَرْضِ، فَرَجَعْتُ حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي، وَصُبُّوا عَلَيَّ ماءً باردًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدَّثر: 1- 5]. وكان هذا هو الأمر الواضح بالرسالة وبالتبليغ وبالإنذار، فتغيرت حالة النبي من حالة الشك والارتياب وعدم التأكد من أمر النبوة إلى حالة من العزيمة والقوة والإصرار والنشاط، ولما كانت تطلب منه السيدة خديجة بعض الراحة كان يقول: مَضَى عَهْدُ النَّوْمُ يَا خَدِيجَةُ. وجد النبي تفسيرات لما كان يحدث له قبل النبوة، من سلام الحجر عليه، وشق الصدر، وعرف الرجل الذي جاءه في غار حراء. وبدأ النبي الرحلة الطويلة الشاقة رحلة الدعوة إلى الله التي بدأت بقول الله له: {قُمْ} وفي ذلك يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: قيل لرسول الله {قُمْ}. فقام، وظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا، لم يسترح، ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله، قام وظل قائمًا على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به؛ عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، وعبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى. قام النبي بعد هذه الكلمات ولم يقعد إلى أن مات، وما ترك فردًا ولا قبيلة ولا صغيرًا ولا كبيرًا ولا سيدًا ولا عبدًا إلا ودعاه إلى الله. |
|||
2016-12-10, 02:51 | رقم المشاركة : 6760 | |||
|
نزول الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام
عندما بلغ النبي عليه السلام الأربعين من عمره بدأ نزول الوحي عليه، حيث كان عليه السلام يتردد على غار حراء في شمال جبل النور في مكة المكرمة، وهو جبل لا أثر للحياة فيه حيث إنّه مليء بالحجارة والصخور ويستغرق الصعود إليه نصف ساعة تقريباً، كان يتفكّر في خلق السموات والأرض وقدرة خالقهم على الخلق بهذا الإتقان، وكان عليه السلام كلما نفذ زاده عاد إلى بيته وتزوّد ثم يعود إلى الغار ويقضي ليالٍ عديدة على هذه الحال، وفي نهار يوم الإثنين من شهر رمضان نزل عليه جبريل عليه السلام لأول مرة وقال له: اقرأ فأجابه عليه السلام: ما أنا بقارئ، ثمّ أخذه جبريل عليه السلام فغطّه حتى بلغ منه الجهد، ثمّ تركه وخاطبه جبريل ثلاث مرات وهو يجيبه ما أنا بقارئ، ثم قال له جبريل:"اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم". بعدما حدث للرسول عليه السلام ما حدث رجع إلى زوجته خديجة بنت خويلد وهو خائف يرتعب وقال لها: "زملوني زملوني"، فزلموه حتى هدأ، ثم أخبر زوجته بما حدث معه. ردة فعل السيدة خديجة من الوحي حملت السيدة خديجة الخبر إلى ابن عمها ورقة بنت نوفل وهو شيخاً كبيراً كان يكتب الكتاب العبراني، وروت له ما حدث مع زوجها ثم قال لهاهذا الناموس الذي نزّله الله على موسى، يا ليتني فيه جذع) وكان بذلك سيدنا محمد هو آخر الأنبياء والرسل حيث لا رسول يأتي من بعده وسيد الخلق أجمعين، فقد عرف عن النبي قبل الإسلام بالصدق والأمانة حتى لقّب بالصادق الأمين بالإضافة إلى الذكاء، وفي حديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "إنّ أوّل ما بدأ به النبي عليه السلام من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح". أي أنّها تتحقّق كاملة بحذافيرها، وكانت زوجته السيدة خديجة هي أوّل من آمنت معه وبرسالته التي حمّلها الله تعالى له، ثم كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن الصبيان كان علياً بن أبي طالب. الجهر بالدعوة بقيت دعوة النبي عليه السلام سرّاً لمدّة ثلاث سنوات يلتقي المسلمون فيها مع النبي في دار الأرقم ولقي فيها الأذى الشديد من كفار قريش حتى أذن له الله تعالى بالجهر بدعوته فزاد أذى قريش لهم حتى هاجروا إلى الحبشة، وكان يُعرف أنّ ملكها لا يظلم أحد عنده ثمّ أذن لهم النبي عليه السلام بالهجرة إلى المدينة المنورة بعد بيعة العقبة الثانية ـ وهناك تمّ بناء أوّل مسجد في الإسلام وهو مسجد قباء ـ وبقي عليه السلام في المدينة المنورة حتى توفي فيها ودفن في بيته وبالتحديد في حِجر زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها. |
|||
2016-12-10, 03:00 | رقم المشاركة : 6761 | |||
|
خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ـ
هى أم المؤمنين، وخير نساء العالمين، السيدة خديجة بنت خويلد -رضى اللَّه عنها- كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة؛ لطهارة سريرتها وسيرتها، وكان أهل مكة يصفونها بسيدة نساء قريش، وكانت ذات شرف ومال وحزم وعقل، وكان لها تجارة، فاختارت النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم بها، وبرَّرت ذلك الاختيار بقولها له: إنه مما دعانى إليك دون أهل مكة ما بلغنى من صدق حديثك، وعظيم أمانتك، وكرم أخلاقك. وقد سمعت من غلامها ميسرة -الذى رافق النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الشام -ما أكد لها صدق حدسها ونظرتها في أمانته وصدقه وحسن سيرته في الناس، فقد روى لها ما رآه في طريق الذهاب والعودة عن الغمامة التي كانت تظلل النبي صلى الله عليه وسلم حين يشتد الحر، وعن خُلق النبي صلى الله عليه وسلم وسلوكياته في التجارة، وأخبرها بأنه كان لا يعرض شيئًا عُنْوة على أحد، وأنه كان أمينًا في معاملاته، فأحبه تجَّار الشام وفضَّلوه على غيره. كل هذه الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم جعلت السيدة خديجة - رضى اللَّه عنها - ترغب في الزواج من النبيصلى الله عليه وسلم، فعرضت نفسها عليه، وبعثت إليه من يخبره برغبتها في الزواج منه، لما رأت فيه من جميل الخصال وسديد الأفعال. وفكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الأمر، فوجد التي تدعوه إلى الزواج امرأة ذات شرف وكفاءة، من أوسط قريش نسبًا، وأطهرهم قلبًا ويدًا، فلم يتردد. وتزوج محمد الأمين صلى الله عليه وسلم (وعمره خمسة وعشرون عامًا) خديجة الطاهرة (وعمرها أربعون عامًا)، فولدت له أولاده كلهم - عدا إبراهيم - وهم: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة الزهراء، والقاسم، وعبد الله. وكانت -رضى الله عنها- مثالا للوفاء والطاعة، تسعى إلى مرضاة زوجها، ولما رأت حبه صلى الله عليه وسلم لخادمها زيد بن حارثة وهبته له. وعندما نزل الوحى على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانت أول من آمن به. فقد جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم يرتجف، ويقص عليها ما رأى في غار حراء، ويقول: "زمِّلونى زمِّلوني" أى غطُّوني. فغطته حتى ذهب عنه ما به من الخوف والفزع، ثم أخبرها - رضى اللَّه عنها - بما رأى في الغار وبما سمع، حتى قال: "لقد خشيتُ على نفسي". فأجابته بلا تردد وطمأنته في حكمة بكلماتها التي نزلت عليه بردًا وسلامًا فأذابت ما به من خوف وهلع، قائلة: "كلا واللَّه، ما يخزيك اللَّه أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتُكْسِبُ المعدوم، وتَقْرِى الضَّيف، وتُعين على نوائب الحق" [البخاري]. ثم سارعت إلى التصديق برسالته والدخول معه في الدين الجديد.. فكان قولها الحكيم تثبيتًا لفؤاد النبي ( وتسرية عنه. إنها لحكيمة لبيبة عاقلة، علمت بشفافيتها ونور بصيرتها حقيقة الأمر، وأن اللَّه لا يجزى عن الخير إلا الخير، ولا يجزى عن الإحسان إلا الإحسان، وأنه يزيد المهتدين هدي، ويزيد الصادقين صدقًا على صدقهم، فقالت: أبشر يابن عم واثبت، فوالذى نفسى بيده، إنى لأرجو أن تكون نبى هذه الأمة. ثم أرادت أن تؤكد لنفسها ولزوجها صِدْقَ ما ذَهَبَا إليه، فتوجهت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل الذي كان يقرأ في التوراة والإنجيل وعنده علم بالكتاب -فقد تنصر في الجاهلية وترك عبادة الأصنام- فقصت عليه الخبر، فقال ورقة: قدوس قدُّوس، والذى نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقْتينى يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتى موسى، وإنه لنبى هذه الأمة، فقولى له: فليثبت. فلما سمعت خديجة -رضى اللَّه عنها- ذلك، أسرعت بالرجوع إلى زوجها وقرة عينها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأخبرته بالنبوة والبشرى فهدَّأت من رَوْعِه. وكانت -رضى الله عنها- تهيئ للنبى صلى الله عليه وسلم الزاد والشراب ليقضى شهر رمضان في غار حراء، وكانت تصحبه أو تزوره أحيانًا، وقد تمكث معه أيامًا تؤنس وحشته وترعاه. ولما دخل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون شِعْبِ أبى طالب، وحاصرهم كفار قريش دخلت معهم السيدة خديجة -رضى الله عنها-، وذاقت مرارة الجوع والحرمان، وهى صاحبة الثراء والنعيم. فرضى اللَّه عن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، كانت نعم العون لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم في رحلة الدعوة الشاقة، آمنت به وصدقته، فكان إيمانها أول البشرى بصدق الدعوة وانتصار الدين. وثبتت إلى جواره وواسته بمالها، وحبها، وحكمتها، وكانت حصنًا له ولدعوته ولأصحابه الأولين، بإيمانها العميق، وعقلها الراجح، وحبها الفياض، وجاهها العريض، فوقفت بجانبه حتى اشتد ساعده، وازداد المسلمون، وانطلقت الدعوة إلى ما قدر اللَّه لها من نصر وظهور، وما هيأ لها من ذيوع وانتشار.. فلا عجب إذن إذا ما نزل جبريل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول اللَّه! هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومنى وبشرها ببيت في الجنة من قصب (من لؤلؤ مجوَّف) لا صَخَب فيه ولانَصَب (لا ضجيج فيه ولا تعب) [متفق عليه]. ولا عجب إذا ما تفانى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حبها، إلى درجة يقول معها: "إنى لأحب حبيبها" [الدولابي]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاءً، ثم يبعثها في صواحب خديجة" [الدولابى - عنه ابن حجر في الإصابة]. لقد كانت مثاًلا للزوجة الصالحة، وللأم الحانية، وللمسلمة الصادقة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "كُمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد" [متفق عليه]. وتُوفيت -رضى اللَّه عنها- في رمضان قبل الهجرة بأعوام ثلاثة، في نفس العام الذي تُوفِّى فيه أبو طالب: عام الحزن كما سماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، حيث فقد فيه المعين والسند، إلا رب العالمين. ودفنت بالحجون، ونزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حفرتها التي دفنت فيها، وكان موتها قبل أن تشرع صلاة الجنائز. |
|||
2016-12-10, 03:04 | رقم المشاركة : 6762 | |||
|
خديجة بنت خويلد - سيدة نساء قريش.
موعد مع القدر هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، وأحرصهن على التزام جانب الأمانة، والاحتفاظ بسياج العفة والكرامة[1]. كانت كثيرة المال وافرة الثراء، لها تجارة واسعة ترسلها إلى أسواق العرب مع ما ترسله قريش من قوافلها، وكانت قافلتها تعدل أحيانا قوافل قريش بأجمعها[2]. كانت على موعد مع القدر حينما اختارت محمدا ليخرج في تجارتها. فـأحسنـت معاملته وأجزلت أجره، ووصف رسول الله صلى الله عليه وسلم حاله معها فقال: (ما رأيت من صاحبة أجير خيرا من خديجة).. وتأنس خديجة إلى صدق رسول الله وأمانته فتطلب منه أن يخرج بتجارتها إلى الشام وترسل معه غلامها ميسرة. كانت فرحة خديجة كبيرة بتجارتها التي ربحت ضعف ما كانت تربح، ولكن فرحتها بمحمد وحديث ميسرة عن أمانته واستقامته وعفته كانت أكبر. وأدركت خديجة بحسها المرهف، وعقلها الراجح، أن محمدا صنف آخر من الرجال، وأنه ليس مثل أولئك الذين تقدموا للزواج منها، يطلبونها لشرفها أو لمالها أو لجمالها.. وإذا كانت قد رفضت في كل مرة زعماء قريش الواحد تلو الآخر، الذين تقدموا إليها.. فإنها تحس في نفسها رغبة ملحة أن تتقدم هي لمحمد وتطلب منه أن يتزوجها. ولكن كيف السبيل إلى ذلك وأعراف القوم تأبى؟ ذهبت إلى إحدى صديقاتها نفيسة بنت منيه تبثها ما في نفسها، وتطلب مشورتها.. فأشارت عليها أن تقوم هي بهذا الدور، فذهبت إلى محمد تتعرف رأيه وتستطلع خبره، فقالت نفيسة: ما يمنعك أن تتزوج يا محمد ؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به. قالت نفيسة: فإن كفيت ذلك، ودعيت إلى الجمال والمال والشرف، ألا تجيب؟ فسأل محمد: ومن هي؟ قالت نفيسة : خديجة. ومن الحوار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفيسة رسولة خديجة، إلى الحوار المباشر معها.. قال رسول الله: من لي بك وأنت أيم قريش، وأنا يتيم قريش؟ قالت: يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك. وهكذا ترفض خديجة كبار شخصيات قريش.. وتُقبل على محمد.. ولم لا.. وهو كما وصفه عمه أبو طالب عندما جاء لخطبتها قال: (أما ابن أخي محمد فلا يوزن به رجل إلا رجحه شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، وان كان في المال قلا، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، وعارية مسترجعة.. وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك). وهكذا زفت خديجة بنت خويلد بنت الأربعين صاحبة المال والسؤدد، التي يلقبها قومها بالطاهرة، إلى محمد صلى الله عليه وسلم سيد شباب قريش ابن الخامسة والعشرين والذي يلقبه قومه بالأمين. نعمت الزوجة الصالحة للزوج الصالح وعاش الزوجان في أمن وأمان، وحب ووئام، فولدت له القاسم ثم زينب ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم ولدت له في الإسلام عبد الله فسمي الطيب والطاهر. وإذا كانت العناية الإلهية قد هيأت محمدا لدور كبير يقوم به في واقع الحياة البشرية، فيحولها من الظلمات إلى النور.. فإن العناية الإلهية ذاتها، هي التي جاءت بخديجة الكبرى لتكون الزوجة العظيمة، التي ترعى الزوج: بحبها وحنانها وقلبها وروحها. إن من يدرس سيرة هذه الأم العظيمة، لا بد أن يدرك، أنها جاءت على قدر، لتقوم إلى جانب النبي بأعظم وأنبل دور تقوم به امرأة. أمام الموقف الكبير كان محمد صلى الله عليه وسلم، بعيدا عن ترهات قومه، حبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور يتحنث ويتعبد ويتفكر في ملكوت السموات والأرض، وفيما وراءها من قدرة مبدعة. وكانت خديجة تؤمّن له الهدوء الشامل، والاستقرار الكامل، تأخذ له الطعام إلى الغار إذا أبطأ عنها.. وتكلأه بحبها إذا حضر إليها، كانت مقتنعة بعمله.. مدركة بفطرتها السليمة أن لزوجها شأنا عظيما.. كانت خديجة له ردءا وعونا وحصنا يعتصم به من عوادي الدهر، يستلهم منها الأمن عند الخوف، ويستمد منها القوة عند الضعف، ويجد فيها السكينة عند القلق والاضطراب[3]. وعلى رأس الأربعين عاما، جاء الحق محمدا وهو في غار حراء، جاءه الملك فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فضمني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغتني الثالثة، ثم أرسلني فقال: )اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم([4]. فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة، فقال: زملوني زملوني، لقد خشيت على نفسي يا خديجة. وتواجه خديجة العظيمة الموقف الكبير بمفردها، فلا تجزع ولا ترتبك ولا تتردد.. بل تخاطب الزوج الخائف وتقول: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وت**ب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. أبشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. هل هناك شجاعة أعظم، أو حكمة أبلغ، أو موقف أكرم من فعل خديجة هذا وموقفها..؟ ولا تكتفي بذلك التطمين الأوليّ لتثبيت القلب الخائف.. فتأخذ بيده إلى ابن عمها ورقة بن نوفل.. وكان شيخا كبيرا تنصر في الجاهلية.. فتقول له: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال ورقة: (هذا هو الناموس الأكبر نزّله الله على موسى، ليتني فيها جَذَعَا أنصرك حين يخرجك قومك، ولئن أدركني يومك لأنصرنك نصرا مؤزرا) [5]. ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم حجم المسؤولية التي ألقتها العناية الإلهية على كاهله.. وانه سيؤذى ويُخرج ويُقاتل.. وأدركت معه خديجة مقدار الواجب الكبير الذي تتحمـلـه للوقوف إلى جانب الزوج النبي. كانت معه بكل إحساسها ونبلها وحبها وعطفها. كانت حزينة معه يوم فتر الوحي.. وينشرح فؤادها وهي ترى زوجها مستبشرا بعودته. علمها رسول الله كيف تتوضأ وتصلي.. ولقد شهدتهما أيام مكة ولياليها يصليان لله ويحمدانه ويشكرانه على ما أولاهما من نعم. المجتمع المسلم الأول كان بيت الرسول الذي يضم بالإضافة إلى زوجه خديجة بناتها وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة هو المجتمع المسلم الأول الذي آمن بالدعوة الكريمة التي نزل بها الأمين جبريل، على قلب الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا كانت خديجة في جاهليتها مشغولة في تجارتها وتنمية أموالها والمحافظة على مكانتها.. فهي اليوم مشغولة بالدعوة وكيف ت**ب لها أنصارا.. مشغولة بالنبي وكيف تقف إلى جانبه تؤازره وتعاونه وتكلؤه. عندما أسلم أبو بكر رضي الله عنه، وانضم إلى موكب المؤمنين، وسمعت مقالته وهو في بيتها يعلن تصديقه لمحمد صلى الله عليه وسلم دون توان أو تردد لم تـملك نفسها إلا وهي تهتف بأبي بكر مهنئة له وتقول: الحمد لله الذي هداك يا ابن أبي قحافة. جميع المؤمنين أبناؤها وهي أم المؤمنين. في طريق الدعوة وتـمر الدعوة بمراحلها الصعبة، ويقف أهل مكة موقف العداء الشديد من محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته، نالوه بالإساءة ووالوه بالسخرية ورموه بكل ما يكره من بذيء القول وفاحش الكلام. نعتوه بالجنون والسفه، واتهموه بالكهانة والسحر. في كل يوم كانت عقول أهل مكة تتفتق عن مزيد من وسائل المكر والخبث والحرب ضد النبي وأصحابه. وكان رسول صلى الله عليه وسلم وزوجه خديجة والنفر القليل من المؤمنين معه يقابلون كل ذلك بإيمان أرسخ من جبال مكة، وبعزيمة أثبت من الدنيا وما فيها.. يقابلون الفظاظة بالمرحمة.. والطيش بالحلم.. والإساءة بالإحسان.. كم عانت السيدة خديجة من جوار أبي لهب الذي تزعّم هو وزوجه أم جميل نادي قريش في الإساءة إلى النبي.. فكانت تكتفي بإزالة ما كانت تلقيه أم جميل من أقذار وأشواك تضعها في طريق النبي وأمام داره.. وسارت خديجة مع زوجها العظيم في طريق الدعوة.. والآلام.. صابرة محتسبة.. ردوا عليها بناتها رقية وأم كلثوم وكانتا عُقد عليهما لعتبة وعتيبة ابني أبي لهب.. هاجرت ابنتها رقية مع زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه مع أوائل المهاجرين إلى أرض الحبشة. كانت تحس بالألم يعتصر فؤادها، على غربة بناتها، وتشتت شمل أسرتها، ولكنها الصابرة المحتسبة.. وكيف يمكن أن تكون أما للمؤمنين ومثلا أعلى للمؤمنات.. إن لم تعط من نفسها القدوة والمثل في التضحية والفداء...؟ الحصار في شعب بني هاشم (رأت قريش أن كل ما استعملته من وسائل مع النبي وصحبه، من المسالمة والإغراء، ومن السخرية والاستهزاء، ومن الإرهاب والتعذيب، ومن الدعاية والتهويش لم يجدها نفعا، ولم يصرف الناس عن دعوة الإسلام، ولم يحل بينها وبين الظهور والانتشار. ورأت أن دخول العناصر القوية فيها قد زادها ظهورا وانتشارا، فقد عز المسلمون منذ أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب، واستطاعوا أن يستعلنوا بصلاتهم بعد أن كانوا يسرون بها، وأن يصلّوا عيانا في حرم الكعبة بعد أن كانوا يستخفون في شعاب الجبال، واستطاعوا كذلك أن يجهروا بالقرآن على مسمع من قريش بعد أن كانوا يتخافتون به. وحارت قريش في أمرها. فلجأت إلى سلاح آخر غير سلاح الإرهاب والتخويف، هو سلاح المقاطعة) [6]. فاجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم وبني عبد المطلب، على أن لا ينكحوا إليهم ولا يُنكحوهم، ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم. فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة، وعلقوها في جوف الكعبة. فلما فعلـت ذلـك قريش انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب، فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه، وخرج من بني هاشم أبو لهب إلى قريش، فظاهرهم[7]. وتركت خديجة دارها، وانتقلت مع محمد إلى شعب أبي طالب، تقاسي ما يقاسي زوجها وما يقاسي أتباعه معه. ولم تتوان رغم تجاوزها الستين في أن تقوم لمحمد صلى الله عليه وسلم بما كانت تقوم له من قبل. فظلت هي هي المواسية المشجعة المؤازرة وزير الصدق الذي عاون محمدا، وأخذ بيده منذ بدء دعوته[8]. ليس هذا فقط.. بل وكانت تدبر أمر ايصال بعض الطعام إلى الشعب المحاصر، وتشرف بنفسها على توزيعه على المحاصرين.. ثلاث سنوات طوال، مكثها المسلمون محاصرين في الشعب، حتى اشتد بهم البلاء وبلغ منهم الجهد، فأكلوا ورق الشجر وسُمع صراخ أطفالهم من بعيد.. وإذا استطاع الحصار أن ينال من الأجساد المتعبة، إلا إنه كان يصفي المعدن الكريم، فيزداد قوة وصلابة وتـمسكا بالدعوة العظيمة. وما أن انقضت أيام الحصار وأحس النبي صلى الله عليه وسلم أن بإمكانه استئناف دعوته حتى فقد عمه أبا طالب الحصن الحصين الذي كان يحوطه بكل أنواع الرعاية والحماية.. ولم تلبث خديجة أن مرضت، واشتد بها المرض.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جانبها يمرّضها ويقوم على خدمتها ويقول لها: بالكره مني ما يجري عليك يا خديجة.. ويظل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جانب خديجة، يخفف عنها ويذكّرها بما وعدها الله به في الجنة من نعيم وما أعده لها من قصر من قصب لا نصب فيه ولا صخب حتى فاضت روحها بين يديه صلى الله عليه وسلم. يا أخي المسلم.. ويا أختي المسلمة إذا مررتم بالحجون في مكة فألقوا التحية على أمنا الكبرى.. على خديجة، المرأة العظيمة.. عظم الدعوة وعظم الرسالة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب..). مثلهن الأعلى لقد تفردت خديجة بهذا الفضل.. ومن أجل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، دائم الذكر لها والحنين إليها، يترحم عليها، ويتحدث بأيامها، ويبر صواحبها، ويتهلل لمن يراه من أهلها. روى مسلم عن عائشة قالت: ما غرت على نساء النبي، إلا على خديجة، وإني لم أدركها. قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا ذبح الشاة.. فيقول: (أرسلوا بها إلى صدائق خديجة.. قالت فأغضبته يوما، فقلت: خديجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني رزقت حبها).. ومرة ، قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: قد أبدلك الله خيرا منها. قال: ما أبدلني الله خيرا منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء). هذه هي خديجة الكبرى .. الداعية الأولى.. والمثل الأعلى لبناتها المسلمات السائرات على نهجها في موكب الدعوة. التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد، وأشار الراوي إلي السماء والأرض) [9]. وإذا كان إلى جانب كل رجل عظيم امرأة يعتمد عليها في جهاده، وفي الوصول إلى أهدافه، فقد كانت خديجة تلك السيدة العظيمة التي ناصرت النبوة، وعاونت على رفع راية الإسلام، وجاهدت في سبيل الدعوة الإسلامية. لم تخذل زوجها يوما من الأيام، بل كانت الأولى في كل شيء، في سماحة الخلق، وجمال الطلعة، ووفاء الزوجة، وشرف النسب وكرم المحتد والإيمان الثابت والنفس المخلصة والقلب السليم [10]. لقد كانت الحضارة الإسلامية التي أضاءت الدنيا وارتقت بالإنسان من وهدة التخلف إلى أرقى مستويات الرقي، ملفّعة بصبر خديجة البارة بأمتها، وبرسالة زوجها، لقد كانت حصيلة حبّ وأمانة، وتضحية ورصانة، وجلد وصبر، وكد وعمل ودفع للباطل وتأييد للحق[11].. ..................... [1] أمهات المؤمنين- محمد أحمد برانق، ص- 6.
[2] صور من حياة الرسول- أمين دويدار، ص- 85. [3] صور من حياة الرسول- أمين دويدار ، ص-90. [4] العلق- (1-5). [5] رواه الشيخان. [6] صور من حياة الرسول - دويدار، ص- (180-181). [7] المرجع السابق، ص- 181. [8] أمهات المؤمنين- برانق، ص- 24. [9] الشيخان. [10] خديجة أم المؤمنين- عبد الحميد الزهراوي، ص- 9. [11] نساء النبي - بنت الشاطئ، ص- 62. |
|||
2016-12-10, 03:07 | رقم المشاركة : 6763 | |||
|
أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ـ .
هي أوّل زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأمّ أولاده ، وخيرة نسائه ، وأول من آمن به وصدقه ، أم هند ، خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية ، وأمها فاطمة بنت زائدة ، قرشية من بني عامر بن لؤي .
ولدت خديجة رضي الله عنها بمكة ، ونشأت في بيت شرف ووجاهة ، وقد مات والدها يوم حرب الفجَار . تزوجت مرتين قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – باثنين من سادات العرب ، هما : أبو هالة بن زرارة بن النباش التميمي ، وجاءت منه بهند وهالة ، وأما الثاني فهو عتيق بن عائذ بن عمر بن مخزوم ، وجاءت منه بهند بنت عتيق . وكان لخديجة رضي الله عنها حظٌ وافر من التجارة ، فكانت قوافلها لا تنقطع بين مكّة والمدينة ، لتضيف إلى شرف مكانتها وعلوّ منزلتها الثروة والجاه ، حتى غدت من تجّار مكّة المعدودين . وخلال ذلك كانت تستأجر الرجال وتدفع إليهم أموالها ليتاجروا به ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحداً من الذين تعاملوا معها ، حيث أرسلته إلى الشام بصحبة غلامها ميسرة , ولما عاد أخبرها الغلام بما رآه من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم – وما لمسه من أمانته وطهره ، وما أجراه الله على يديه من البركة ، حتى تضاعف ربح تجارتها ، فرغبت به زوجاً ، وسرعان ما خطبها حمزة بن عبدالمطلب لابن أخيه من عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزى ، وتمّ الزواج قبل البعثة بخمس عشرة سنة وللنبي - صلى الله عليه وسلم - 25 سنة ، بينما كان عمرها 40سنة ، وعاش الزوجان حياة كريمة هانئة ، وقد رزقهما الله بستة من الأولاد : القاسم و عبد الله و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة . وكانت خديجة رضي الله عنها تحب النبي - صلى الله عليه وسلم – حبّاً شديداً ، وتعمل على نيل رضاه والتقرّب منه ، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة لما رأت من ميله إليه. وعند البعثة كان لها دورٌ مهم في تثبيت النبي – صلى الله عليه وسلم – والوقوف معه ، بما آتاها الله من رجحان عقل وقوّة الشخصيّة ، فقد أُصيب عليه الصلاة والسلام بالرعب حين رأى جبريل أوّل مرّة ، فلما دخل على خديجة قال : ( زمّلوني زمّلوني ) ، ولمّا ذهب عنه الفزع قال : ( لقد خشيت على نفسي ) ، فطمأنته قائلةً : " كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، فوالله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكلّ ، وت**ب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق " رواه البخاري ، ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل ليبشّره باصطفاء الله له خاتماً للأنبياء عليهم السلام . ولما علمت – رضي الله عنها – بذلك لم تتردّد لحظةً في قبول دعوته ، لتكون أول من آمن برسول الله وصدّقه ، ثم قامت معه تسانده في دعوته ، وتؤانسه في وحشته ، وتذلّل له المصاعب ، فكان الجزاء من جنس العمل ، بشارة الله لها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب، رواه البخاري و مسلم . وقد حفظ النبي – صلى الله عليه وسلم – لها ذلك الفضل ، فلم يتزوج عليها في حياتها إلى أن قضت نحبها ، فحزن لفقدها حزناً شديداً ، ولم يزل يذكرها ويُبالغ في تعظيمها والثناء عليها ، ويعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين فيقول : ( إني قد رزقت حبّها ) رواه مسلم ، ويقول : ( آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدّقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء ) رواه أحمد ، حتى غارت منها عائشة رضي الله عنها غيرة شديدةً . ومن وفائه – صلى الله عليه وسلم – لها أّنه كان يصل صديقاتها بعد وفاتها ويحسن إليهنّ ، وعندما جاءت جثامة المزنية لتزور النبي – صلى الله عليه وسلم أحسن استقبالها ، وبالغ في الترحيب بها ، حتى قالت عائشة رضي الله عنها : " يا رسول الله ، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟ " ، فقال : ( إنها كانت تأتينا زمن خديجة ؛ وإن حسن العهد من الإيمان ) رواه الحاكم ، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا ذبح الشاة يقول : ( أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة ) رواه مسلم . وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا سمع صوت هالة أخت خديجة تذكّر صوت زوجته فيرتاح لذلك ،كما ثبت في الصحيحن . وقد بيَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فضلها حين قال: ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن أجمعين ) رواه أحمد ، وبيّن أنها خير نساء الأرض في عصرها في قوله : ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) متفق عليه . وقد توفيت رضي الله عنها قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقبل معراج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولها من العمر خمس وستون سنة ، ودفنت بالحجُون ، لترحل من الدنيا بعدما تركت سيرةً عطرة ، وحياة حافلةً ، لا يُنسيها مرور الأيام والشهور ، والأعوام والدهور ، فرضي الله عنها وأرضاها . |
|||
2016-12-10, 03:09 | رقم المشاركة : 6764 | |||
|
أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ـ .
|
|||
2016-12-10, 03:14 | رقم المشاركة : 6765 | |||
|
خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية (68 ق.هـ-3 ق.هـ) أم المؤمنين زوج الرسول محمد بن عبد الله.
أبوها: خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وخويلد هذا جد ال**ير بن العوام. أمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هدم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وفاطمة هذه هي عمة الصحابي الجليل ابن أم مكتوم. ولدت سنة 68 قبل الهجرة 556 م في مكة, تربت في بيت مجد ورياسة، ونشأت على الاخلاق الحميده, وكانت تسمي في الجاهلية بالطاهرة, وقد مات والدها يوم حرب الفِجَار. يروى انها تزوجت مرتين قبل زواجها ب محمد من سيدين من سادات قريش هما: عتيق بن عائذ المخزومى وقد انجبت منه ابنة، وأبو هالة بن زرارة التميمى وانجبت منه غلاماً. وقد كانت خديجة تاجرة ذات مال، وكانت تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة، فبلغها ان محمد يدعى بالصادق الامين وانه كريم الاخلاق، فبعثت إليه وطلبت منه ان يخرج في تجارة لها إلى الشام مع غلام يدعى "ميسرة"، وقد وافق محمد صلى الله عليه وسلم. زواجها من محمد رجعت قافلة التجارة من الشام وقد ربحت أضعاف ما كانت تربح من قبل، واخبر الغلام " ميسرة " خديجة عن اخلاق محمد وصدقة وامانته، فأعجبها وحكت لصديقتها " نفيسة بن مُنية "، فطمئنتها "نفيسة" واعتزمت ان تخبر محمد برغبة خديجة من الزواج منه. لم تمض إلا فترة قصيرة حتى تلقى محمد، دعوة "خديجة" للزواج منه فسارع إليها ملبيا وفي صحبته عماه " أبو طالب وحمزة، ابنا عبد المطلب ". وقد اثنى علية عمها " عمرو بن أسد بن عبد العزى بن قصىّ " وتزوج محمد من خديجة. كان عمر محمد عندها 25 عاماً، وخديجة 40 عاماً، فكانت بمثابة الزوجة المخلصة. أولادها حسب السير أم محمد بنت عتيق بن عائذ المخزومية القرشية. هند بن أبي هالة بن زرارة بن النبـّاش القاسم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم. عبد الله بن رسول الله ، ولـُقّب بالطاهر والطيب. زينب بنت رسول الله . رقية بنت رسول الله . أم كلثوم بنت رسول الله . فاطمة بنت رسول الله . إسلامها كان قد مضى على زواجها من محمد 15 عاماً، وقد بلغ محمد الأربعين من العمر، وكان قد اعتاد على الخلوة في غار "حراء" ليتأمل ويتدبر في الكون. وفي ليلة القدر، عندما نزل الوحى على محمد واصطفاة الله ليكون خاتم الانبياء والمرسلين، انطلق محمد إلى منزله خائفاً يرتجف، حتى بلغ حجرة زوجتة خديجة فقال: " زملوني " ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: " مالي يا خديجة؟، وحدثها بصوت مرتجف، وحكى لها ما حدث...وقال " لقد خشيت على نفسي ". فطمئنته قائلة: "" والله لا يخزيك الله ابدا... إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق "" فكانت أول من آمن برسالته و صدّقه....فكانت بهذا أول من اسلم من المسلمين جميعا وأول من اسلم من النساء وايضاً هي أم المؤمنين الاولى. منزلة خديجة عند محمد كانت لخديجة منزلة خاصة في قلب محمد عليه الصلاة والسلام فهي عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، فقد أمر الله رسوله أن يبشرها في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب. وحتى بعد وفاتها وزواج محمد من غيرها من أمهات المؤمنين لم تستطع أي واحدة منهن أن تزحزح " خديجة " عن مكانتها في قلب محمد. فبعد أعوام من وفاتها وبعد انتصار المسلمين في معركة "بدر" وأثناء تلقي فدية الأسرى من قريش، لمح محمد قلادة لخديجة بعثت بها ابنتها " زينب " في فداء لزوجها الأسير " أبي العاص بن الربيع " حتى رق قلب المصطفى من شجو و شجن و ذكرى لزوجتة الأولى " خديجة " تلك الزوجة المخلصة الحنون، التي انفردت بقلب محمد ربع قرن من الزمان لم تشاركها فية أخرى، فطلب محمد من اتباعه أن يردوا على زينب قلادتها و يفكوا أسيرها. وقالت عائشة: كان محمد لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكر خديجة يوما من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت هل كانت إلا عجوزاً فأبدلك الله خيراً منها، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال:" لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء فقالت عائشة " يا محمد، اعف عني، ولا تسمعنى أذكر "خديجة" بعد هذا اليوم بشيء تكرهه " قالت عائشة رضي الله عنها " ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة. وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم قطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة. فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد..." وفاتها توفيت " خديجة " أم المؤمنين الاولى ووزير محمد قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بثلاث أعوام، وكان عمرها 65 عاماً. أنزلها محمد بنفسه في حفرتها وأدخلها القبر بيده، ودفنها بالحجون (مقابر المعلاة بمكة المكرمة). قال عنها المؤرخون : يقول بودلي: ( إن ثقتها في الرجل الذى تزوجته..لأنها احبته..كانت تضفى جوا من الثقة على المراحل الاولى للعقيدة التى يدين بها اليوم واحد في كل سبعة من سكان العالم ) ويؤرخ مرجليوث حياة محمد صلى الله عليه وسلم باليوم الذى لقى فية خديجة و"مدت يدها إليه تقديرا"، كما يؤرخ حادث هجرته إلى "يثرب" باليوم الذي خلت فية "مكة" من "خديجة". ويطيل " درمنجم " الحديث عن موقف " خديجة " حين جاءها زوجها من غار حراء " خائفا مقرورا أشعث الشعر واللحية، غريب النظرات ... ، فإذا بها ترد إلية السكينة والأمن، وتسبغ عليه ود الحبيبة وإخلاص الزوجة وحنان الأمهات ، وتضمه إلى صدرها فيجد فيه حضن الأم الذى يحتمى به من كل عدوان في الدنيا " ، وكتب عن وفاتها: " ... فقد محمد بوفاة خديجة تلك التى كانت أول من علم أمره فصدقته ، تلك التى لم تكف عن إلقاء السكينة في قلبه...والتى ظلت ما عاشت تشمله بحب الزوجات وحنان الامهات " |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
القسم, تلميذ(ة), تخفيظ, جيدة, زريف |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc