نقل الأعضاء - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

نقل الأعضاء

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-02-12, 14:23   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 نقل الأعضاء

مشروعية نقل وزراعة الأعضاء البشرية
مقـدمــة:

جعل الله بحكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم ظاهرة وباطنة آلة لشيء إذا استعمل فيه فهو كماله, فالعين آلة للنظر, والأذن آلة للسماع, والأنف آلة للشم, واللسان للنطق, والفرج للنكاح, واليد للبطش, والرجل للمشي, والقلب للتوحيد والمعرفة, والروح للمحبة, والعقل آلة للتفكير والتدبر لعواقب الأمور الدينية والدنيوية وإيثار ما ينبغي إثارته وإهمال ما ينبغي إهماله.
وتعد عزيزة حب البقاء لدى الإنسان ركيزة هامة للكيان البشري, ذلك أنّها تعود بالنفع عليه وعلى المجتمع, إذا استقامة وسارت في مجراها الطبيعي , بيد أنها إذا انحرفت على هذا المسار أو بالغ في المحافظة عليها , فإنها تبدو بسلوك يتسم بالعنف وميل إلى الاعتداء على الآخرين , وذلك مع الاختلاف في درجة الإفراط فيها, والمبالغة في المحافظة على عزيزة حب البقاء تنعكس آثارها على أشخاص المجتمع وهذه الآثار تندرج من المساس بالحق في الحياة إلى الحق في سلامة الجسم ذلك أن الإفراط في الانقياد وراء هذه العزيزة يؤدي بالجاني إلى استخدام أسلوب العنف على أجسام الآخرين, بحسبانه أداة لحسم المواقف التي تعترض سبيله اجتماعيا. ولما كان الإنسان هو غاية التنظيم الاجتماعي فإن حماية سلامة جسمه تعد من أساسيات النظام القانوني( ).
وللحق في سلامة الجسم أهمية خاصة في الوقت الحاضر نظرا لما أسفر عنه التقدم العلمي من إكتشافات من شأنها أن تؤثر عليه , خاصة لما أحدثه التطور الطبي في العصر من ضجة علمية حول مشروعية التصرف في الجسم البشري و النجاح الكبير الذي حققته عمليات النقل لعضو من شخص سليم لشخص مريض أو من إنسان حي كما هو الحال في عمليات ترقيع القرنية, أو زرع الشعر, أو زرع القلب , أو زرع النخاع العظمي, أو نقل الكلى أو الرئة , أو زرع الإصبع أو اليد أو المخ أو الكبد إلى غير ذلك من العمليات غير المألوفة في النطاق الطبي المألوف.
كل ذلك أدى إلى تطويع هذا الجسم البشري لكي يكون مجالا خصبا لمثل هذه التصرفات الخطيرة ( ).
وقد تقدم مجال نقل وزراعة الأعضاء خاصة على إثر نجاح أول عملية لزرع القلب في عام 1967 , ثم تطورت عمليات نقل وزراعة الأعضاء خلال النصف الثاني من القرن العشرين , وحققت نجاحات باهرة خلال العقود الأخيرة , الأمر الذي استدعى البحث عن الحكم الشرعي والقانوني لهذه العمليات والضوابط الشرعية والقانونية لها .
وقد نشطت المجامع الفقهية والهيئات العلمية ودوائر الإفتاء والمؤتمرات العديدة وأصدرت أحكاما وفتاوى وقرارات تبيح نقل وزراعة الأعضاء بشروط وضوابط معينة .
وعلى المستوى القانوني نجد من أوائل المؤتمرات التي عقدت بهذا الشأن مؤتمر الطب والقانون بمدينة الإسكندرية سنة 1974 , ومن أوائل الدراسات والأبحاث القانونية ما كتبه الدكتور حسام الأهواني عام 1975 والدكتور أحمد شرف الدين 1977 , والدكتور حمدي عبد الرحمن 1979 , ولكن رغم هذا الكم الهائل من الأبحاث والدراسات والفتاوى فإنه يلاحظ وبشكل عام أن التطور القانوني لتنظيم عمليات نقل وزراعة الأعضاء على المستوى العربي والإسلامي دون الواقع الممارس , فدول قليلة هي التي أصدرت تشريعات متكاملة خاصة بقل وزراعة الأعضاء البشرية, منها دولة الإمارات العربية المتحدة, وقطر والكويت والعراق ولبنان وسوريا ( ). والجزائر من خلال قانون حماية الصحة وترقيتها .
أهمية البحث:
* إن موضوع البحث له أهمية خاصة في الدراسات المقارنة والشريعة الإسلامية حيث لا تزال البحوث والمؤتمرات والندوات مستمرة حول زراعة أعضاء الجسم البشري والجدل فيه مستمر بين فقهاء الشريعة الإسلامية وعلماء القانون الوضعي ما بين مجيز للتصرف فيه سواء كان بالبيع أو الهبة الوصية, وبين منكر لهذه التصرفات وما بين مجيز للبعض ومنكر للبعض الآخر .
* كما تتجلى أهميته من خلال أهمية الحق في سلامة الجسم ذاته خاصة مع التطور الطبي الهائل خاصة في مجال عمليات النقل لعضو من شخص سليم لآخر مريض ومن ثم فإن الطبيب حينما يمارس عملا من الأعمال الطبية الحديثة إنما يستعمل حقه في الإباحة الشرعية .
* ظهور عمليات خطيرة في الطب كعمليات التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب وعمليات الإستنساخ وبالتالي وجب وضع ضوابط دقيقة تمارس في إطارها هذه العمليات, ولذلك فالبحوث المعاصرة إنما تعنى في المقام الأول لبحث إحكام الضوابط والشروط, ومعالجة الآثار والتداعيات المترتبة على عمليات نقل وزراعة الأعضاء, وسبل دفع الناس إلى التبرع, أين نسمع ونقرأ كثيرا بل ونشاهد في حياتنا اليومية سواء كان في الصحف أو الإعلانات عن شخص من يتبرع له بإحدى كليتيه مقابل مبلغ من المال.
* إزاء كل هذا فإنه ينبغي الرجوع إلى الشريعة والقانون الوضعي لمعرفة مدى الحماية التي ينبغي أن تسبغ على هذا الجسم البشري في كيانه المادي والمعنوي ومشاعره وعواطفه وصورته وحياته الخاصة سواء كانت هذه الحماية من اعتداء الغير عليه, أم من اعتدائه على نفسه وسواء كان ذلك في حال حياته أم بعد وفاته.
بيان مشكلة البحث:
يطالعنا تطور فن الطب , وتقدمه بمظاهر جديدة قد تبدو ولأول وهلة دخيلة على النظام القائم بنوعيه على حد سواء الشرعي والقانوني ذلك أن جسم الإنسان هو الكيان الذي يباشر الوظائف الحيوية وهو محل الحق في سلامة الجسم, وهو من الحقوق الشخصية التي يصونها المجتمع لكل فرد من أفراده , ويقرر لها المشرع الحماية الجنائية.

ويتمثل أصل المشكلة في أن عمليات نقل الأعضاء البشرية تمس حقا من الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان كما سبقت الإشارة.
فمن ناحية المريض, فإن زرع عضو في جسمه لا يثير أدنى مشكلة من الناحية القانونية, فهو يدخل في عداد الأعمال الطبية والجراحية المباحة قانونا لتوافر الهدف العلاجي منها وهو إنقاذ حياته, ولكن المشكلة الحقيقية تثور بالنسبة للمعطي أي الشخص السليم الذي تنازل عن عضو من جسمه لزرعه في جسد شخص آخر مريض, فهذا التنازل لا يحقق له مصلحة علاجية بل سوف يصيبه بمرض خطير ودائم بسلامة جسمه.
- فهل يجوز لهذا المعطي أن يتنازل عن عضو من أعضائه لزرعه في جسد الغير؟
- وهل يقع الطبيب الجراح الذي أجرى هذا الاستئصال تحت طائلة قانون العقوبات؟
- وبالنظر إلى ما حققته عمليات نقل وزراعة الأعضاء التي أدت إلى إنقاذ الآلاف من البشر فكتبت لهم حياة جديدة, فما هو الحكم الشرعي وما هو حكم القانون لهذه العمليات وماهي الضوابط الشرعية والقانونية التي تحكم هذه العمليات؟
خطة البحث:
نتناول في هذا البحث مشروعية نقل وزراعة الأعضاء البشرية.
واقتضت منهجية البحث إلى تقسيمه إلى:
* مقدمــة:
الفصل تمهيدي: الأعمال الطبية والجراحية على جسم الإنسان
* تمهيد وتقسيم.
المبحث الأول: حماية جسم الإنسان في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي
المبحث الثاني: أساس وشروط إباحة العمل الطبي
الفصل الأول: ضوابط نقل وزراعة الأعضاء البشرية
* تمهيد وتقسيم
المبحث الأول: سلطة الإنسان الحي على جسمه
المبحث الثاني: مشروعية نقل وزراعة الأعضاء من الموتى
الفصل الثاني: نقل الأعضاء البشرية وزراعتها بين الدين والقانون الوضعي
* تمهيد وتقسيم
المبحث الأول: موقف الدين والقانون من التبرع وزراعة الأعضاء
المبحث الثاني: حكم بعض التصرفات الواردة عن نفل وزرع الأعضاء
المبحث الثالث: مشروعية نقل الأعضاء في القانون الجزائري
- الخاتمة.




فصل تمهيدي: " الأعمال الطبية والجراحية على جسم الإنسان "

منحت أحكام الشريعة الإسلامية للإنسان منزلة عظيمة، وذلك بأن جعلته محترمًا حيًا أو ميتًا، كما اعتبرته أهلا للتكريم، ولقد كان من تكريم الله للإنسان أن خلقه في أحسن صورة وأحسن تقويم وفضله على كثير من خلقه تفضيلا عظيما، وسخر له مختلف الأشياء في البر والبحر،وفي ذلك يقول الله عز وجل: « ... ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا... »،
وقوله أيضا: « ... ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم... »
كما أنّ كيان الإنسان الجسدي مازال محل اهتمام للحماية القانونية سواء فيما يتعلق بقواعد القانون الدستوري أو قواعد القانون الجنائي أو قواعد القانون المدني.
ومن ثمّ سنتناول في هذا الفصل مبحثين:
المبحث الأول: حماية جسم الإنسان في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي.
المبحث الثاني: أساس وشروط إباحة العمل الطبي .


















المبحـث الأول: " حماية جسم الإنسان في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي "
المطلب الأول: " الحماية الشرعية لجسم الإنسان "
لقد أحاط المشرّع الإسلامي جسم الإنسان بسياج من الرعاية والحصانة على الرغم من أنّ الله تعالى قد منح الإنسان عقلا يميّز به بين الخبيث والطيّب ، وسيطير به على الطبيعة التي يتفاعل معها وتتفاعل معه ونعني بحماية الجسم هنا حماية النفس ككل مما قد يعتريها من أمور الدنيا , حتى لا يتعرض هذا الكيان لما قد يتلفه أو يقضي عليه , بما يجعله بعد ذلك عاجزا عن أداء واجباته .

الفرع الأول: " تشريع الرخص "
الرخصة هي ما تشرع من الأحكام للتخفيف عن العباد في أحوال خاصة وهي على أنواع منها استباحة الفعل المحرم عند الضرورة , واستباحة ترك الواجب عند عدم المقدرة.
أولا: استباحة الفعل المحرم في حالة الضرورة:
وقال فيه ابن العربي أن التكرار والاضطرار لفظان لمعنى واحد هو: انعدام الرضا, فالاضطرار هو فعل يفعله شخص ليزيل رضاه أو يفسد اختياره غير أن الاضطرار أعم من الإكراه لأن الاضطرار يرجع إلى الأسباب هي : إما الإكراه للحاجة أو إكراه من سلطان أو إكراه من غير. أمّا الإكراه ( ) فيتحقق بالسببين الآخرين فقط .
ومن استباحة فعل المحرم عند الضرورة أكل الميتة أو شرب الخمر عند الضرورة أخذ من
قوله تعالى * إنّما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ * ( ) .
ويدخل أيضا في الإكراه على الخطر في رمضان, أو على إتلاف مال بغير حق فإنه يباح حينئذ فعل ما أكره عليه اتقاء ضرر يصيبه .

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو هل تشمل الرخصة القول فقط أم القول والفعل معا؟ اختلف الفقه في الإجابة عن هذا السؤال حسب مايلي :
- ذهب رأي منهم حسن البصري والأوزاعي وسحنون من المالكية والشافعي إلى القول بأن الرخصة إنما تجري في الأقوال فحسب, أما في الفعل فلا رخصة واحتجوا بابن مسعود ما من كلام يدرأ عن سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلما به فقصر الرخصة على القول ولم يذكر الفعل.
- وذهب رأي آخر ومنهم عمر بن الخطاب وابن القاسم من المالكية إلى القول بأن الإكراه في الفعل القول سواء إذا أسر الإيمان وقد روى ابن القاسم عن مالك أن من أكره على شرب الخمر وترك الصلاة أو الإفطار في رمضان أن الإثم مرفوع عنه( ) .
هذا وقد أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية أن السابقة الذكر تحمل فروع الشريعة كلها بحث إذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم وبه جاد في الأثر قول النبي  * رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه*.
ثانيا: استباحة ترك الواجب إذا تعذر فعله
ومثال ذلك إباحة الفطر في رمضان لكل من المسافر والمريض, وأخذا من قوله عز وجل * ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر*( ) فإذا تعينت الرخصة لدفع الضرر أولا حياء الإنسان نفسه كانت واجبة وهذه الكرامة والتفضيل اللذان خص بها الله سبحانه وتعالى الإنسان حماية له ورعاية وحفظ لجسمه وليعلم الإنسان أن الجسم الذي يلقى كل هذا التكريم ويخفف عن كاهله بكثرة هذه التخفيفات أنه ليس ملكا له, وإنّما ملكية إلى الله وحده الذي خلقه وكرمه وأسبغ عليه نعمته ظاهرة و باطنة .

الفرع الثاني: " النهي عن الاعتداء عن النفس بكل صوره "
تعددت صور الاعتداء على النفس الإنسانية ومن هذه الصور تعريض النفس للخطر والنهي عن قتل النفس, والنهي عن ترويعها والغدر بها وبالمقابل أمرت أحكام الشريعة الإسلامية بالمحافظة على النفس البشرية من الأمراض ومن كل ما يصيبها ويعطلها عن أداء واجبها نحو ربها ونحو مجتمعها كما جاء في قوله تعالى * ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة * ( ).
ومن ثم فإن أحكام الشريعة الإسلامية عنيت أيما عناية بجسم الإنسان وتطلبت المحافظة عليه من كل ما قد يصيبه لأنّه أمانة ينتفع بها الإنسان ( ).


المطلب الثاني: " الحماية القانونية لجسم الآدمي الحي "
اهتمت قواعد القانون الدستوري وقواعد القانون الجنائي والمدني بإضفاء الحماية الجسدية وتنظيم العقاب على كل اعتداء يخل بهذه الحماية القانونية .
الفرع الأول: " معيار تحديد بدء حياة الإنسان "
الأمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد بن حنبل رضوان الله عليهم يرون أنّ الشخصية القانونية تثبت للوليد بولادته حيا ولادة تامة, أمّا الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه فيكتفي بخروج معظمه حيا, ورأي الأمة الثلاث هذا متفق مع حكم القانون المدني المصري والقانون المدني الجزائري, بينما يستلزم القانون المدني الفرنسي لثبوت الشخصية للإنسان فضلا عن ولادته حيا أن يكون قابلا للحياة. أما في الشريعة الإسلامية والقانون المدني المصري والجزائري فتثبت الشخصية للوليد بتمام ولادته حيا ولو مات بعد لحظات من ولادته (المادة 25/1 من القانون المدني( ) الجزائري تنص على أنه تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيا وتنتهي بموته) .
ويجب إثبات واقعة الولادة في السجلات الرسمية المعدة لهذا الغرض وإذا لم تكن الولادة ثابتة في السجلات الرسمية فإنه يجوز لكل ذي مصلحة أن يثبت ما يدعيه بكافة طرق الإثبات, فليست لهذه السجلات حجية مطلقة .
و تنص المادة السادسة من القانون رقم 70-20 المتعلق بالحالة المدنية( ) في الجزائر على أن تسجل عقود الحالة المدنية في كل بلدية في ثلاث سجلات هي سجل عقود الميلاد وسجل عقود الزواج وسجل عقود الوفيات, وتكلمت المادة 61 وما بعدها عن قيد المواليد كما تنص المادة 26 من القانون المدني الجزائري على أنه تثبت الولادة والوفاة بالسجلات المعدة لذلك, وإذا لم يوجد هذا الدليل أو تبين عدم صحة ما أدرج بالسجلات, يجوز الإثبات بأي طريقة حسب الإجراءات التي ينص عليها قانون الحالة المدنية.( )

الفرع الثاني: " حق الإنسان بسلامة جسمه "
والحق في سلامة الجسم هو " مصلحة للفرد يحميها القانون في أن يظل جسمه مؤديا كل وظائفه على النحو الطبيعي الذي ترسمه وتحدده القوانين الطبيعية وفي أن يحتفظ بتكامله الجسدي, وأن يتحرر من الآلام البدنية ".
ولذلك فإن هذا الحق هو من أهم الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان, حيث يجب على كافة الناس عدم التعرض لجسد أي إنسان بالاعتداء عليه بأي صورة من صور الاعتداء .
ولذلك نجد أن القانون الوضعي قد إهتم بجسد الإنسان وشغله بالرعاية والعناية وقرر له الحماية القانونية اللازمة بفرضه للعقوبات والجزاءات التي يجب توقيعها على من يعتدي عليه.( )
فالقانون الدستوري قد منع إجراء أي تجارب طبية أو علمية على إنسان بغير رضائه الحر, بل قرر بحرمة حياة المواطنين الخاصة, بل وشدد في هذه الحرمة فقرر أن كل إعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم, وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الإعتداء والقانون الجنائي يحرم ويمنع كل ما من شأنه المساس بجسد الغير كالقتل والضرب والجرح بأنواعه المختلفة, بل وتمتد حمايته لتشمل الإنسان حتى قبل خروجه من بطن أمه فحرم الإجهاض وعاقب عليه, ولا تقتصر حماية القانون الجنائي على جسد الإنسان وإنّما تمتد لتشمل كيانه المعنوي, ويظهر ذلك واضحا في تحريم القذف والسب الذي يصيب الإنسان بأضرار معنوية بالغة وتحريم الإفشاء بسر أؤتمن عليه الشخص بحكم وظيفته والقانون المدني يقرر لمن إعتدى على جسده أو كيانه المعنوي الحق في التعويض المناسب مقابل الأضرار التي لحقته بسبب هذا الإعتداء.
ولذلك فإن القوانين التي تحمي حق الإنسان في حياته وسلامة جسده هي قوانين متعلقة بالنظام العام.( )























المبحـث الثاني: " أساس وشروط إباحة العمل الطبّي "
سنتناول تحت هذا العنوان أساس إباحة العمل الطبّي في الشريعة الإسلامية, في القانون الجزائري وفي الفقه المقارن وكل هذا في مطلب أول. وفي المطلب الثاني سنتناول شروط إباحة العمل الطبّي.
المطلب الأول: " أساس إباحة العمل الطبّي "
الفرع الأول: " أساس إباحة العمل الطبّي في الشريعة الإسلامية "
أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على أن تعلم الطب فرض من فروض الكفاية, وأنّه واجب حتمي على كل شخص أن يتعلمه, ولا يسقط عنه إلا إذا قام به غيره.
وقد فرض هذا العلم لحاجة المجتمع إليه, وإعتباره من الضرورات الإجتماعية التي على الكافة واجب آدائها والتي لا تسقط عنهم إلا بآداء البعض منهم لها, وإذا كان الغرض من تعلم الطب في الفقه الإسلامي هو التطبيب ( أي العلاج) وكان تعلم هذا الطب من الواجبات الشرعية ذلك أن مسؤولية الطبيب( ) لا تقوم عن الأفعال التي يؤدي من خلالها هذا الواجب.
هذا ويرجع السند في إعتبار فن الطب ومداواة الأشخاص من فروض الكفاية إلى أوامر المشرع الإسلامي, والتي تستند عليها الأدلة الشرعية في الفقه الإسلامي.
هذا ومن أدلة السنة الشريفة في هذا الخصوص, ما روي عنه  ردا عن سؤال أعرابي قال: يا رسول الله أنتداوى قال  * نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء, علمه من علمه وجهله من جهله * وسئل عليه الصلاة والسلام: هل يغني الدواء شيئا؟ فقال: * سبحان الله ! وهل أنزل الله تبارك وتعالى من داء في الأرض إلا أن جعل له شفاء *
وسأل آل عمران بن حزم رسول الله  فقالوا أنّه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب وأنك نهيت عن الرقى, قال  : * اعرضوا على رقاكم * قال: نعرضوا عليه. فقال  : * ما أرى بأسا, من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل *.
هذا ومن السنة الفعلية للرسول  أنّه مارس الطب لعلاج المسلمين فلقد دخل عن أسد بن زرارة وقد أخذته (لتلو) الشوكة فكواه, كما كوى جراح سعد بن معاذ من رمية سهم ولما ورمت الجراح في مكانها حسمها بمشقص.( )
ومن السنة التقريرية لرسول الله  والتي تفيد بيان مشروعية الأعمال الطبية أنه أرسل طبيب إلى ابي بن كعب فقطع له عرق كواه عليه.( )
يستدل من هذه الأدلة الشرعية, دعوة المشرع الإسلامي لممارسة فنون الطب تحقيق لسلامة المجتمع الإسلامي, وإعتبار الأفعال التي يباشر من خلالها الطبيب الأعمال الطبية من المباحات, سواء أستند في إتيانها لإذن المشرع الإسلامي في ممارستها تحقيقا لمصلحة المريض, أم إعتباره يؤدي واجب مفروض عليه شرعا.
- هذا وإذا كانت الأعمال التي يباشرها الطبيب من المباحات بالرغم من مساسها بسلامة جسم المرضى, تحقيقا لما أمر به المشرع الإسلامي من الدعوة إلى ممارستها وإعتبارها من فروض الكفاية على المسلمين, إلا أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد إختلفوا في تحديد الأساس الفقهي الذي تستند إليه إباحة الأعمال الطبية:
ففي المذهب المالكي: ذهب المالكي إلى القول بأن مشروعية الأعمال الطبية التي يمارسها الأطباء على المريض
إنما تستند إلى إذن ولي الأمر للطبيب بممارسة الأعمال الطبية, وكذلك إلى إذن المريض الذي تباشر هذه الأعمال على جسمه.( )
وفي المذهب الحنفي: ذهب الأحناف إلى القول بأن الأعمال التي يباشرها الطبيب على جسم المريض تعد من المباحات, ولا يمكن أن يؤثم على إتيانها, فالضرورات الإجتماعية في صيانة المجتمع الإسلامي تقرها وإذن المريض بممارستها على جسمه يبيح إتيانها.
- إنّ ما يتضح مما ذهب إليه جمهور الفقه الحنفي هو تأسيس الأساس الشرعي لإباحة الأعمال الطبية منزلة الضرورة التي يباح من أجلها كل محظور, كما وأن إذن المريض بإتيان الأعمال الطبية على جسمه ينتج أثره في إباحة هذه الأعمال.( )
في المذهبين الشافعي والحنبلي: يذهب أنصار هذين المذهبين إلى القول بأن الطبيب حينما يمارس الأعمال الطبية على جسم المريض, إنما ينبغي من وراء ذلك تحقيق الشفاء للمريض, من العلل والأسقام التي أصابته,
وبذلك ينبني لديه كل قصد للإساءة لصحة المريض أو للإضرار بسلامة جسمه, وفضلا عن ذلك فالطبيب يأتي عمله بإذن من المريض مباشرة, وما على الطبيب هنا إلا أن يمارس عمله على نحو يتفق والأصول المعروفة في علم الطب.
إذن فالقول لدى الحنابلة والشافعية, أن المسؤولية لا تتوافر في حق الطبيب بمناسبة ممارسته لعمله الطبي إلا إذا مارس هذه الأعمال بإذن من المريض وقصد شفائه واتبع أصول فن الطب.( )

الفرع الثاني: " موقف القانون الوضعي (الجزائري) "
وبخصوص العمل الطبي تنص المادة 197 من قانون حماية الصحة وترقيتها على أن تتوقف ممارسة مهنة الطبيب والصيدلي وجراح الأسنان على رخص يسلمها الوزير المكلف بالصحة بناء على الشروط التالية:
" أن يكون طالب هذه الرخصة حائزا حسب الحالة إحدى الشهادات الجزائرية دكتور في الطب أو جراح أسنان أو صيدلي أو شهادة أجنبية معترف بمعادلتها..."
" وتنص المادة الثانية من مدولة أخلاقيات الطب( ) على كل طبيب أو جراح أسنان أو صيدلي أو طالب في الطب أو في جراحة الأسنان أو في الصيدلية مرخص له بممارسة المهنة وفق الشروط المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بها "
من خلال هذا يتضح أن المشرع الجزائري يؤسس إباحة مباشرة العمل الطبي والجراحي على الترخيص القانوني الذي يسلم من وزير الصحة وعن طريق هذا الترخيص يستطيع الأطباء مباشرة جميع الأعمال التي يجيزها هذا الإذن, كإحدى تطبيقات إباحة المساس بسلامة الجسم إستعمالا للحق, كما يتضح أيضا أن مشروعية الطبيب أو الجراح لا تستند إلى شهادة الطب بقدر ما تستند إلى الترخيص بمزاولة المهنة الطبية أو الجراحية, وينبني على ذلك كل شخص يحدث جرحا بالآخر, وهو يعلم أن هذا الجرح يؤلم المجروح ولا تحميه نصوص قانون حماية الصحة وترقيتها ولا يشمل سبب الإباحة فإنه يسأل عن الجراح العمدية ونتائجها وفقا لأحكام المواد 264 ,266 وما يليها من قانون العقوبات الجزائري, ولا يقبل منه الدفع بأنه متحصل على شهادة العلوم الطبية أو أنه إرتكب الفعل برضاء المريض أو أن الغرض الذي قصد إليه هو شفاء المريض, وقد تحقق أو بأنه لم يقع منه خطأ مادي أو فني, إذ أن فعله قد وقع غير مشروع ابتداءا. وهذا ما نصت عليه المادة 198 من ذات القانون بالقول " لا يجوز لأحد أن يمارس مهنة (الطب) طبيب اختصاصي أو جراح ( ) أو صيدلي اختصاص إذا لم يكن حائزا شهادة الاختصاص الطبي أو شهادة أجنبية معترف بها ".
إذن يجب فيمن يأتي العمل الطبي أو الجراحي أن يكون مرخصا له قانونا بمزاولة مهنة الطب, وهذه الرخصة تمنع له من وزارة الصحة, ولكن ما يجب أن يلاحظ هنا هو أن مجرد الحصول على المؤهل الدراسي لا يعني

الحصول على الترخيص القانوني, فالأمران مختلفان فقد لا يحصل صاحب المؤهل الدراسي على الترخيص ومن ثم لا يستطيع ممارسة مهنة الطب, والعلة من اشتراط الترخيص لمزاولة مهنة الطب أو الجراحة تكمن في أن القانون لا يثق في غير من رخص لهم بالعلاج, إذ هم في تقديره الذين يستطيعون القيام بعمل طبي يطابق الأصول العلمية ويتجه في ذاته إلى شفاء المريض.( )
وكل شخص يخرج عن هذه القاعدة يعد ممارسا لمهنة الطب بطريقة غير (مباشرة) شرعية حسب أحكام المادة 214 قانون حماية الصحة ( ) التي تنص على أنه " يعد ممارسا الطب وجراحة الأسنان والصيدلية ممارسة غير شرعية ... كل شخص يمارس عمل الطبيب أو جراح أسنان دون أن تتوافر فيه الشروط المحددة في المادة 197 من هذا القانون أو خلال مدة المنع..." وتكون عقوبته حسب ما ورد في أحكام 234 من ذات القانون والتي بدورها تحيل على المادة 243 من قانون العقوبات.( ) ( ) .

الفرع الثالث: " أساس إباحة العمل الطبي في الفقه المقارن "
يعتبر البحث في أساس إباحة مباشرة الأعمال الطبية والجراحية على جسم الإنسان من أدق الأبحاث في الفقه القانوني, وذلك لأن الأفعال التي يباشرها الأطباء تمس في المقام الأول بسلامة جسم المريض, سواء انصرفت إلى تناول المريض للأدوية التي يصفها الأطباء, أو لممارسة سائر الوسائل الطبية الأخرى كالأشعة والتحاليل, وإجراء العمليات الجراحية, وهذه الأفعال جميعها تعتبر ماسة بسلامة الجسم, إذا ما قيست بمقياس قانون العقوبات الجزائري.
بيد أنه لم يقل أحد بمبادلة الطبيب عن هذه الأعمال وإلزامه بالتعويض عنها, بل أن الطبيب يباح له ممارسة هذه الأفعال على جسم مرضاه, ويتقاضى أجره على العلاج بالرغم من الجروح التي يحدثها بجسم المريض في حالة إجراء العملية الجراحية ولم يشف المريض.( ) ويذهب جانب من الفقه المصري إلى تعريف العمل الطبي بأنه " ذلك النشاط الذي يتفق في كيفية وظروف مباشرته مع القواعد المقررة في علم الطب, ويتجه في ذاته أي وفق المجرى العادي للأمور إلى شفاء المريض, والأصل في العمل الطبي أن يكون علاجيا, أي يستهدف التخلص من المرض أو تخفيف حدته, أو مجرد تخفيف آلامه, ولكن يعد كذلك من قبيل الأعمال الطبية ما يستهدف الكشف عن أسباب سوء الصحة أو مجرد الوقاية من المرض "( ) .
- وتعليل إباحة العمل الطبي في ظل التشريعات القانونية المقارنة إنقسمت إلى عدة إتجاهات تمخض عنها ثلاثة آراء رئيسية:
الرأي الأول: ذهب أنصار هذا الرأي إلى القول بأن سند الإباحة هو رضاء المريض بالعمل الطبي أو الجراحي, والرضاء عند أصحاب هذا الرأي يعني تنازل المريض على الحماية التي يقررها القانون لجسمه, فتنتفي بذلك عن العمل الطبي صفة الإعتداء على حق يحميه القانون, فيعدوا بذلك فعلا مباحا.
- وهذا الرأي معيب لأن الحق في سلامة الجسم ذو أهمية إجتماعية واضحة بل أنه حق للمجتمع الذي يهمه محافظة كل فرد من أفراده على سلامة جسمه كي يستطيع القيام بوظائفه, التي يفرضها عليه المجتمع الذي يعيش فيه, فإذا رضى المريض بالإعتداء على سلامة جسمه, إقتصر أثر رضائه على الجانب الفردي للحق دون الجانب الإجتماعي, فيظل حق المجتمع قائما ويظل فعل الإعتداء خاضعا للتحريم.( )
الرأي الثاني: ذهب أنصار هذا الرأي إلى القول بأن الطبيب لا يعاقب لإنتفاء القصد الجنائي لديه, في قيام جريمة الجرح والضرب, وذلك لأن إرادته لم تتجه إلى الإضرار بصحة المريض, وإنما إتجهت إلى شفائه وتخليصه من آلامه.
- وهذا الرأي بدوره معيب إذ ينطوي على تحديد غير صحيح لعناصر القصد الجنائي, ويخلط بين عناصر القصد والباعث, فالباعث ليس ركنا من أركان الجريمة ولا عنصرا من عناصرها, وقد يكون الباعث شريفا, ومع ذلك يتوافر القصد الجنائي, ومثال ذلك إذ علم الجاني أن من شأن فعله المساس بسلامة الجسم المجني عليه, وإتجهت إرادته إلى ذلك, وتتوافر هذه العناصر كافة للطبيب الجراح إذا كان من شأن فعله الإخلال بسلامة جسم المريض ومن حصانته ففعله يمس مادته وقد يدخل على السير العادي لأجهزته تعديلا, ومن المحتمل أن يفضي إلى ضرر صحي. أما أمنية الشفاء فهي مجرد باعث, وهي تحول دون توافر القصد الجنائي لأن القاعدة المستقرة في الفقه والقضاء أن الباعث ليس عنصرا من عناصر القصد الجنائي وأن نبل الأول يحول دون توافر الثاني.
كما أن القصد الجنائي في جرائم الإعتداء على سلامة الجسم هو قصد عام يتوافر قانونا لمجرد العلم بأن من شأن الفعل المساس بسلامة الجسم, وإتجاه الإرادة إلى الفعل, والطبيب يتوافر إليه هذا القصد بعنصرية.( )
الرأي الثالث: ويذهب أنصار هذا الرأي إلى القول بأن إباحة الأعمال التي يباشرها الأطباء على أجسام المرضى تستند إلى ترخيص القانون إلى هؤلاء الأطباء بمباشرة مهنة الطب. والنتيجة المنطقية لوجود هذا الترخيص القانوني الذي يأذن بموجبه المشرع في ممارسة مهنة الطب وفق الشروط والقواعد التي يحددها هي إعتراف المشرع لطائفة الأطباء بحقهم في مباشرة الأعمال الطبية, ومن إباحة جميع الأفعال التي يباشرون من خلالها هذا الحق.( ) .

المطلب الثاني: " شروط إباحة العمل الطبّي "
الفرع الأول: " شروط إباحة العمل الطبي في الشريعة الإسلامية "
1/ إذن المريض أو من يحل محله:
يعمل الطبيب ما فيه صلاح المريض بإذنه أو بإذن وليه, فيضمن كل ما تلف بعمله ممن عالجه بغير إذن, كأن يختن طفلا بغير إذن وليه فيموت, فتجب ديته.
ويتفق الإباضية وسائر الفقهاء في اشتراط الإذن في أحد أقوالهم وقيل عندهم أن الطبيب لا يضمن إذ أحجم طفلا أو نزع سنا أو شوكا بغير إذن أبيه على رخصة, ويضمن في غير الترخيص, كما لا يضمن ما فعله بيتيم صلاحا له, بغير اشتراط الإذن.( )
وقال الإباضية إذا أرسلت المرأة إلى القابلة ولم تأت ضمنت, كما يضمن الرسول, أن أبى استدعاء القابلة, ويضمن زوج من تلد أو أبوها أو غيرهما, أن منع القابلة من معالجتها.
ولا يعتد الطبيب بأمر فيه الإضرار بالمفعول به, كما لا تعتد القابلة بمنع أحد وتباشر الولادة, وقال الإباضية يضمن الطبيب أن أجرى الحامل ما أسقطها بأمرها, وقيل عندهم أنه لا يضمن نظرا إلى أمرها.
قال الشافعي إذا أمر السلطان بختان رجل أغلف أو إمرأة لم تخفض, فعذرا في حر شديد أو برد قارس, يكون الأغلب أنه لا يسلم من عذر في مثله, فمات أحدهما وجب ضمانه ويجعل الشافعي الضمان على عاقلة السلطان باعتباره أمر بالختان.( )
ويرى الإباضية ضمان خطأ الطبي في ماله, وقيل تحمله عاقلته, وقيل يلزم بيت المال.
ولكن لا يضمن الطبيب عند الإباضية إذا خلع ضرسا غير التي تؤلم إذا كان الغلط من صاحبها نفسه, فإن الطبيب لا يتبين الغرر في الأمر.
ويشترط إنتفاء الضمان, أن يكون الطبيب حاذقا, فقال الحنفية إذا كان غير حاذق, وقطع لحما من عين المريض فغميت, ضمن ورأى الشافعي أنه, أن فعل ما لا يفعل مثله من أراد الصلاح, وكان عالما به ضمن, وإن كان فعله ما يفعل مثله مما فيه الصلاح للمفعول له عند أهل العلم تبلك الصناعة, فلا ضمان عليه.( )
ويضمن الطبيب إذا فرط في عمله كما إذا جاوز موضع القطع المعتاد أو نزع ضرسا غير المريضة التي أمره صاحبها بخلعها, غلطا من الطبيب.
ويرى الإباضية أن الطبيب يضمن وإن إحتاط, وكان حاذقا, وقد عالج بإذن صاحب الشأن, وذلك حق لا يطل دم امرئ مسلم, والطبيب إنما أذن له في العلاج لا في الإتلاف.
أما السؤال الذي يطرح نفسه هو عن مدى إباحة الشريعة الإسلامية للأفعال الطبية التي يباشرها الأطباء, وهم في حالة لا تسمح لهم باستئذان المريض, فقد يكون المريض مصابا في حادث ولا يمكن الحصول على إذنه بالعلاج
استقر الفقه الإسلامي على إباحة الأعمال الطبية التي يباشرها الأطباء دون حصولهم على إذن المريض, متى قامت الضرورة عليها وإقتضت مصلحة المريض مباشرة هذه الأعمال الطبية, وذلك تطبيقا للقاعدة الشرعية التي تبيح المحظورات لضرورة قائمة.
وإذا قام الطبيب بالأعمال الطبية دون أن يأذن له المريض أو وليه فإذن الطبيب الحاذق يكون مسؤولا عن الضرر الذي يمكن أن يحدث عن تدخله الطبي, وسند هذه المسؤولية كما سبقت الإشارة يقوم على أساس نتائج فعله قد تولدت عن عمل غير مأذون فيه, ويكون الضمان فيه بالدية أو في بيت مال المسلمين حتى لا يضيع دم مسلم( ) .
2/ صفة الطبيب:
إشترط فقهاء الشريعة الإسلامية في الطبيب أو في الجراح أن يكون من ذوى حذق في صناعته وله بها علم ومعرفة, فالقاعدة الشرعية تقتضي أن من يزاول علما أو عملا لا يعرفه يكون مسؤولا عن الضرر الذي يصيب الغير نتيجة هذا العمل. فيشترط بذلك في من يشخص المرض أو يصف الدواء, أو يقوم بالجراحة, أن يكون ذا حذق في صناعته وله بها بصيرة ومعرفة, وتتوافر الخبرة بعلوم الطب بتعلم هذه العلوم ومعرفة علة الأمراض ودوائها, ولا يكفي الحصول في هذه الحالة على مؤهل سبوغ للطبيب مباشرة الأعمال الطبية كما في سائر العلوم, بل يشترط أن يتلقى الطبيب الإجازة من المختصين في هذه العلوم وأن يكون قد مارس الطب مرتين فأصاب.( )
هذا وقد إهتم المؤلفون العرب بتحديد أوصاف الطبيب ومن أبرزهم البغدادي وإبن رضوان الذي عمل لدى المحاكم بأمر الله وعين رئيسا للأطباء وقد وضع خصال للطبيب عليه أن يستفيد بها وهي: حسن الخلق, المظهر, الملبس, حفظ أسرار المريض, الرغبة في علاج الفقراء, الحرص على التعلم, نفع الناس, وسلامة القلب, التنزه عن التعرض لحرمات المنازل, عدم وصف الدواء القاتل, أو إسقاط الأجنة.
ومن ثم نص فقهاء الشريعة الإسلامية على الحجز على الطبيب الجاهل ومنعه من ممارسة عمله لأنه يفسد أجسام الناس, وإذا قام بالعمل الطبي أو الجراحي فهو معتد لأنه غير مؤذن من جهة المشرع, كما أ،ه بإدعائه الطب غرر بالمريض ويلزمه حينئذ بالضمان.
ويجدر الذكر هنا أن فقهاء الشريعة الإسلامية قد عرفوا في بحثهم لإجازة المشرع بمباشرة الأعمال الطبية, القول بوجود تخصصات في ميادين العمل الطبي.
- نخلص من كل ما تقدم إلى القول أن من يقوم بأعمال الطب والجراحة في الشريعة الإسلامية يجب أن يكون ذا صفة تؤهله لممارسة عمله كطبيب أو جراح, وبدون هذه الصفة لا يستطيع أن يكون أهلا لممارسة الأعمال الطبية.( )
3/ تحقيق الشفاء:
يشترط أيضا لإجازة الأعمال الطبية أن يتجه عمل الطبيب نحو تحقيق الشفاء لمريضه, أي يجب أن يكون الباعث هو علاج المريض, أو بصفة عامة رعاية مصلحة مشروعة والطبيب إذا لم يقصد هذه الغاية تحول عمله إلى نطاق عدم المشروعية.
هذا ويتوافر قص العلاج لدى الطبيب إذا توخى من عمله الطبي تحقيق مصلحة مشروعة لمريضه, تؤدي إلى المحافظة على صحته بتخفيف آلام يشعر بها, أو تخليصه منها نهائيا, أو بالكشف عن داء بجسمه ووقايته من أخطاره.
بيد أنه تثار بعض التطبيقات التي يدق فيها الحكم على أعمال الطبيب, من حيث إستهدافها تحقيق الشفاء لمريض, أم إستهداف تحقيق غرض وغاية أخرى من ورائها.
- فإذا قام الطبيب بإجهاض( ) ولم تكن هناك ضرورة شرعية تبيح له إتيان هذا الإجهاض, فلا يمكن أن يحتج بأنه قد مارس هذا العمل الطبي بغية تحقيق الشفاء للمرأة, فلقد إنعقد إجماع الفقهاء على تحريم الإجهاض بعد الشهر الرابع للحمل, واعتبروه من قبيل قتل النفس, لأن الروح تنفخ فيه في هذا التاريخ.
- كما إعتبرت مبادئ الشريعة الإسلامية جراحات التجميل من الأعمال الطبية التي يتوافر فيها تحقيق قصد الشفاء للمريض فإذا كان قبح المنظر يسبب لصاحبه آلاما فإن زوال هذه الآلام بعمل من الأعمال الطبية يتحقق فيه الشفاء, وإن كان الفقهاء الأولون لم يعرفوا جراحة التجميل بالمعنى الواسع الذي عرفه بها الفقهاء
المحدثون.( )
وإذا كان عمل الطبيب يعد من المباحات إذا إستهدف تحقيق شفاء المريض, فإن تجاوزه لهذا الغرض يجعل من عمله غير مستند لحق من الحقوق الشرعية ويسأل عنه.
فإذا قصد الطبيب تحقيق غاية أخرى غير تحقيق شفاء مريضه, كأن يقطع الشخص عضو من أعضائه تهربا من الجهاد. أو يستهدف من عمله إجراء إكتشاف علمي وقام بتجربته على جسم المريض, دون يقصد علاج هذا المريض نلاحظ إذن أن هذه الغاية هي التي أجاز من أجلها الشارع الإسلامي للطبيب ممارسة الأعمال الطبية( ) .
4/ إتباع أصول المهنة:
لا يكفي توافر صفة الطبيب ورضاء المريض وتحقيق قصد الشفاء للقول بإكتمال شروط العمل الطبي, بل لابد أن تأتي الأعمال الطبية على نحو يتفق والأصول الشرعية في فنون الطب, فيجب أن تتسق الأعمال الطبية التي يأتيها الطبيب والقواعد التي يتبعها أهل الصفة في مهنة الطب, وقد أجمع بعض الفقهاء على توافر هذا الشرط في كون الطبيب حاذقا بالطب يعلمه من أهل العلم, ويعطي المهنة حقها ويحتاط في علاجه .
كما ذهب البعض الآخر إلى وجوب منع الطبيب الجاهل من مخالطة الناس لأنه يصر بهم بسوء طبه, مما يوجب معه الحجز عليه, فالحجز يضم ثلاثة أشخاص, المفتي, الماجن, المطبب, الجاهل والمكارىء المفلس.( )
هذا وإذا مارس الطبيب الأعمال الطبية على نحو يتسق وأصول الفن الطبي, فإن عمله يعد من المباحات, ولا تتوفر فيه المسؤولية الجنائية ولا يعاقب عن نتائجه, فإذا أتى الطبيب عملا من الأعمال الطبية على جسم مريضه وفقا للشروط المحددة شرعا, فإنه لا يسأل عن الضرر الذي يصيب المريض ولو مات من جراء العلاج, مادام المريض قد أذن بعلاجه ولم يقع من الطبيب خطأ في هذا العلاج, وقد أسس البعض إنتفاء المسؤولية الجنائية في هذه الصورة عن عمل الطبيب, على سند من عمله في هذه الحالة يعد من أداء الواجبات الشرعية, كما أن مؤدي القواعد الشرعية أن الواجبات لا تتقيد بشرط السلامة .
وإذا كانت المسؤولية الجنائية تنتفي عن الطبيب الذي يراعي أصول الفن الطبي, فإن التساؤل يثور عن الأعمال التي يأتيها الطبيب على وجه الخطأ غير العمدي.
استقر الفقه الإسلامي على إنتفاء المسؤولية الجنائية عن الطبيب إذا أتى عمله على نحو يتسم بالخطأ البسيط الذي يمكن أن يقع فيه طبيب آخر في مثل ظروفه, ولكنه يسأل عن الخطأ الجسيم الذي لا يجوز لمثل من هو في مكانته إتيانه ولا تقره أصول المهنة الطبية.( )
نستخلص من كل ما تقدم أن إجازة المشرع لممارسة الأعمال الطبية من الشروط الجوهرية التي تسوغ إباحة إتيان الأعمال الطبية والمستنيرة إلى مباشرة الحقوق الشرعية, ويأذن الشرع بها عن طريق ولي الأمر لبعض الأفراد ممن تتوافر فيهم صفات معينة لممارسة هذه الأعمال, وهذا إذا توافرت في الشخص المؤهلات التي تجير للحاكم أن يرخص له بمباشرة الأعمال الطبية, حيث أنه لابد أن يتجه بعمله نحو تحقيق قصد الشفاء لمريضه من خلال القواعد المعروفة لدى أهل العلم وفنون الطب .

الفرع الثاني: " شروط إباحة العمل الطبي في القانون الوضعي "
لا يسمح القانون في بعض الأحوال في إستعمال بعض الحقوق التي تمس حياة الأشخاص أو مصالحهم إلا لمن تتوافر فيه شروط وصفات معينة... ومن هذه الحقوق التي أولاها الفقهاء والمشرعون أهمية خاصة واشتراط القانون فيمن يزاولها شروط معينة, الحق في مزاولة مهنة الطب لما لهذا العمل من خطورة, إذ أن عمل الطبيب في مختلف تخصصاته يمارس على صحة وحياة البشر, بل وعلى أجسامهم تطلبت القوانين المقارنة فيمن يزاول هذا الحق أن يكون على قدر من الكفاءة العلمية والفنية يطمئن إليها المشرع, بالإضافة إلى توافر بعض الصفات فيمن يقوم باستعمال هذا الحق وذلك تحقيقا إلى المصلحة التي إستهدفها المشرع من تقرير هذا الحق.
هذا وذهب جانب من الفقه إلى القول بأن مشروعية العمل الطبي تقتضي توافر أربعة شروط منها ما هو متعلق بالشكل والموضوع, ومنها ما هو متعلق بالعرف والشخص.( )
1/ الشرط الشكلي: ترخيص القانون
إن الترخيص القانوني هو الأساس الذي تستند إليه إباحة الأعمال الطبية التي تباشر على جسم المريض, ويعطي هذا الترخيص لطائفة معينة من الأشخاص يطلق عليهم الأطباء, في شكل إذن من وزير الصحة, يجيز لهم مباشرة الأعمال الطبية والجراحية التي تستند لإذن القانون, ويمنح وزير الصحة في الجزائر الترخيص لمن تتوافر فيه الشروط التي يحددها القانون لمباشرة الأعمال الطبية, ويكون حسب نص المادة 197 من قانون حماية الصحة وترقيتها.( )
وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن المشرع الجزائري قد استهدف بهذا الترخيص منع أدعياء الطب من مباشرة الأعمال الطبية وإقبال غير ذوي الاختصاص والتجربة على مزاولة هذه الأعمال لما تنطوي عليه من مساس بسلامة جسم المريض.( )
هذا وقد تطلب القانون لطالب الترخيص بعض الشروط نصت عليها المادة 197 من قانون حماية الصحة، وفصّلتها في مجمل فقراتها، فنصّت في الفقرة الثالثة على مايلي: " .....أن لا يكون مصابا بعاهة أو بعلة مرضية منافية لممارسة المهنة ..."، يتضح من هذه الفقرة أنّ المشرّع اشترط فيمن أراد مزاولة مهنة الطب أن لا يكون صاحب عاهة كالأعمى والأصم والأبكم، لأنّ مثل هذه العاهات من طبيعتها أن تجعل صاحبها غير قادر على أداء عمل الطبيب لما يتطلبه هذا الأخير من جهد شاق، كما وأنه لا يجب أن يكون مصابا بعلة مرضية تجعله ينقل الأمراض للآخرين؛كما اشترطت الفقرة الرابعة على مايلي: " .....أن لا يكون قد تعرض لعقوبة مخلة بالشرف ..."، وعلة هذه الفقرة أنّ مهنة الطب من أشرف المهن وأنبلها، وفيها يطلع الطبيب بحكم عمله على خفايا وأسرار المجتمع الخاصة بالأمراض المختلفة، ومن هذا المنطلق اشترط المشرّع هذا الشرط حتى لا يتسلل لهذه المهنة من لا خلق له فتصبح أعراض الناس في غير مأمن. واشترطت الفقرة الأخيرة من المادة 197 أن يكون جزائري الجنسية وهذا الشرط ورد عليه استثناء وهو أن للأجانب حق ممارسة الأعمال الطبية والجراحية، وذلك حسب الاتفاقيات والمعاهدات تبرمها الدولة الجزائرية مع غيرها من الدول الأخرى في مجال تبادل الخبرات الطبية.( )
هذا ونشير إلى أنّ المشرّع الجزائري قد عدّل المادة 199 من قانون حماية الصحة وترقيتها( ) بموجب القانون رقم 90/17 المؤرّخ في يوليو سنة 1990 لتصبح كمايلي: " يجب على كل طبيب أو جرّاح أسنان أو صيدلي مستوفي للشروط المحددة في المادتين 197 و198 أعلاه، ومن أجل الترخيص له بممارسة مهنته أن يسجل نفسه لدى المجلس الجهوي للآداب الطبية المختص إقليميا المنصوص عليه هذا القانون وأن يؤدي أمام زملائه أعضاء المجلس اليمين ... ".
وإلى جانب هذه النصوص، فقد نصّت المادة 2 من مدوّنة أخلاقيات الطب على أنّه: " تفرض أحكام هذه المدونة لأخلاقيات الطب على كل طبيب أو جراح أسنان أو صيدلي أو طالب في الطب أو في جراحة الأسنان أو في الصيدلة مرخص له بممارسة المهنة وفق الشروط المنصوص عليها والتشريع والتنظيم المعمول بهما ".
- هذا وتتماثل هذه الشروط في القانون المصري والفرنسي، فيشترط المشرّع المصري في طالب الترخيص لممارسة مهنة الطب أن يكون متحصلا على البكالوريوس في الطب والجراحة من إحدى الجامعات المصرية، وقضاء مدّة عام في التدريب الإجباري على ممارسة الأعمال الطبية في إحدى مستشفيات وزارة الصحة؛ كما يجب أن يكون مسجّلا بنقابة الأطباء.( )
كما يشترط المشرع الفرنسي لطالب الترخيص لمزاولة مهنة الطب أن يكون حاصلا على دبلوم في الطب( ) ، وأن يكون من جنسية فرنسية، وأن يكون مسجلا في سجل الأطباء في فرنسا .
يتضح مما تقدم أن النظم القانونية المقارنة لا تكتفي بالمؤهل الدراسي لإباحة مزاولة الأعمال الطبية وإنّما تشترط لذلك الحصول على الترخيص القانوني الذي يجيز هذه الأعمال، وعلى ذلك يسأل جنائيا من يجري عملية جراحية على جسم المريض دون الحصول على ترخيص بمزاولة الأعمال الطبية ولو كان حاصلا على أعلى الدرجات الجامعية في الطب والجراحة.( )
2/ الشرط الموضوعي: اتباع الأصول العلمية
لكي يكون عمل الطبيب المرخص له بالعلاج من المشرع مكتمل الإباحة, يجب أن يتفق مع الأصول الفنية المراعية في علم الطب, وهذا الشرط ينبثق عن الإلتزام العام الذي يقع على عاتق الأطباء حال مباشرتهم لأعمالهم الطبية, ويكمن في أداء ضرورة هذه الأعمال على قدر من العناية وبذل الجهد الصادق اليقظ, والذي يتفق مع ظروف وحالة المريض, وذلك وفقا للأصول العلمية الثابتة, وصولا لتحقيق الشفاء وتحسين حالة المريض الصحية, فإذا قام الطبيب بأداء عمله على نحو لا يتفق والأصول العلمية المتعارف عليها في علوم الطب, فإنه يعد مسؤولا عن نتائج عمله أيا كانت درجة المساس الذي نال فيه جسم المريض, ويسأل جنائيا عن أفعاله ولا يكون هناك مجال للقول بتوافر الإباحة في عمله.
- هذا وعرف جانب من الفقه الأصول العلمية التي يجب أن يراعي الطبيب إتساقها وما يجربه من أعمال طبية
" بأنها تلك المبادئ والقواعد الثابتة والمتعارف عليها نظريا بين طائفة الأطباء ويجب الإلمام بها حال مباشرة الأعمال الطبي".
كما عرفها القضاء بأنها " الأصول الثابتة التي يعترف بها أهل العلم ولا يتسامحون مع من يجهلها أو يتخطاها ممن ينسب إلى عملهم أو فنهم".
هذا وقد أشار المشرع الجزائري إلى شرط الأصول العلمية في المادة الأولى من مدونة أخلاقيات( ) الطب بالقول " أخلاقيات الطب هي مجموعة المبادئ والقواعد والأعراف التي يتعين على كل طبيب أو جراح....أن يراعيها وأن يستلهمها في ممارسة مهنته ".
وتطبيقا لذلك فإن الطبيب الذي يجهل أوليات الطب ومبادئه فيقوم بفحص المريض, وتوصيف العلاج له, دون الإلتفات لأغراض ظاهرة يأتي توصيفه العلاج على خلافها يعد مسؤولا عن نتائج عمله لإهداره الأصول الطبية المرعية والتي تحتم عليه مراقبة العلامات الظاهرة لدى المريض وهذا ما نصت عليه المادة 13 من مدونة أخلاقيات الطب بالقول " الطبيب أو الجراح... مسؤولا عن كل عمل مهني يقوم به..".
كما يعد عمل الطبيب غير متسق مع الأصول الطبية إذا قام بتشخيص المرض, والكشف عن مريض دون إستخدام الأدوات اللازمة التي يتطلبها الفن الطبي كالسماعة وجهاز الضغط, وهذا ما نصت عليه م14 من مدونة أخلاقيات الطب بالقول " يجب أن تتوفر للطبيب أو الجراح...في المكان الذي يمارس فيه مهنته, تجهيزات ملائمة ووسائل تقنية كافية لأداء هذه المهمة, ولا ينبغي للطبيب أو الجراح, بأي حال من الأحوال, أن يمارس مهنته في ظروف من شأنها أن تضر بنوعية العلاج أو الأعمال الطبية ".
كما يعد مخالفا للأصول الطبية عدم قيام الطبيب بالإختبارات والتحاليل الأولية للمريض قبل إجراء جراحة خطيرة له, كالإختبارات الأولية لمعرفة فصيلة الدم للمريض من حيث نوعها ودرجة السيولة فيها لتفادي المخاطر أثناء الجراحة, وأيضا عدم متابعة الطبيب الأخصائي أو المختص في التخدير لمريضهم بعد إجراء الجراحة, وحتى إستعادة وعيه كاملا, كما يعد الطبيب مخالفا للأصول والقواعد الطبية لعدم تمكنه من إكتشاف حالة المريض بإطلاعه على الأشعة وتوصيف العلاج على نحو مخالف.( )
هذا وما تجدر ملاحظته في هذا النظام هو أن القضاء المصري اشترط اتساق الأعمال الطبية الثابتة في علوم الطب, فقضي بتوافر مسؤولية الطبيب الجنائية عن مخالفة هذه المبادئ, فإتباع نظريات طبية مهجورة أو حديثة لم يستقر العمل الطبي عليها, يعد مخالفا للأصول والقواعد الطبية.( ) وهذا المبدأ القضائي تبناه المشرع الجزائري ونص عليه في المادتين 18 و31 من مدونة أخلاقيات الطب فنص في المادة 18 على مايلي " لا يجوز في النظر في إستعمال علاج جديد للمريض إلا بعد إجراء دراسات بيولوجية ملائمة تحت رقابة صارمة أو عند التأكد من أن هذا العلاج يعود بفائدة مباشرة على المريض ".
ونص في المادة 31 " لا يجوز للطبيب...أن يقترح على مرضاه أو المقربين إليهم علاجا أو طريقة وهمية غير مؤكدة بما فيه الكفاية كعلاج شاف ولاحظ فيه, وتمنع عليه كل ممارسات الشعوذة "( ) .
ولئن كان الإختلاف في تطبيق الوسائل أو أساليب العلاج التي يختلف حولها الأطباء وكذلك النظريات والطرق الحديثة التي تكون محلا للمناقشة من الوجهة العلمية, فإن مسؤولية الطبيب الجنائية تكون منتفية إذا نتج عن عمله نتائج ضاره, شريطة أن تكون جهوده خالصة لفائدة المريض وأن تتناسب المزايا المنتظرة مع الخطر من العلاج.( )
أما إذا ثبت أن الطبيب قد خرج عن الأصول الطبية أو يعنف في إستعمالها لعلاج المرضى بارتكابه أفعالا تعد من قبيل الجرائم إذا مارسها على الأشخاص, أو شكل خطأ جسيما, يدل على جهل تام بمبادئ علم الطب وبأصول تطبيقه, فإن الطبيب يسأل عن نتائج فعله, بوصفها جرائم عمدية أو غير عمدية على حسب الأحوال ومثال ذلك أن يضرب الطبيب مريضا أثناء العملية الجراحية ليمنعه من الحركة فمات.( )
3/ الشرط العرفي: رضاء المريض
لا يكون العمل الطبي مباحا إلا إذا رضي به المريض, فالقانون يرخص للأطباء علاج المرضى أن دعوه لذلك, ولكنه لا يخولهم الحق في إخضامهم للعلاج على الرغم منهم, وفي هذا الخصوص نفس المادة 154 من قانون حماية الصحة وترقيتها على أن " يقدم الطبيب العلاج الطبي بموافقة المريض أو من يخولهم القانون إعطاء موافقتهم على ذلك..."
ونصت المادة 44 من مدونة أخلاقيات مهنة الطب على أنه " يخضع كل عمل طبي يكون فيه خطر جدي على المريض لموافقته موافقة حرة ومتبصرة...".
ويتضح من هاتين الفقرتين أن رضاء المريض هو شرط من شروط الإباحة وهو غير كاف وحده لإباحة العمل الطبي, سبب تطلب هذا الشرط هو رعاية ما لجسم المريض من حصانة, فلا يجوز أن يرغم المريض على تحمل المساس بجسمه ولو كان ذلك في مصلحته. ( )
ولا يكون لرضاء المريض أية قيمة قانونية إلا إذا بني على أساس من العلم الصحيح لنوع العمل الطبي الذي ينسب إليه الرضاء به, وليس من السائغ القول بأن الرضاء يستفاد ضمنيا من مجرد ذهاب المريض إلى عيادة الطبيب, ذلك لأن العلاقة بين الطبيب والمريض جوهرها وشرط نجاحها ثقة الثاني في الأول, وهذه الثقة تفرض قبول المريض للعلاج.( )
ونصت الفقرة الثانية من المادة 154 من قانون حماية الصحة وترقيتها على أنه " ...يقدم الطبيب العلاج الطبي تحت مسؤوليته الخاصة إذا تطلب الأمر تقديم علاج مستعجل لإنقاذ حياة أحد القصر أو أحد الأشخاص العاجزين عن التمييز أو الذين يستحيل عليهم التعبير عن إرادتهم ويتعذر الحصول على رضاء الأشخاص المخولين أو موافقتهم في الوقت المناسب...".
ونصت المادة 44 في شطرها الثاني على ما يلي: " ...أو لموافقة الأشخاص المخولين منه أو من القانون , وعلى الطبيب...أن يقدم العلاج الضروري إذا كان المريض في خطر غير قادر على الإدلاء بموافـقته." ( ) .
وحسب نص الفقرتين أعلاه, فإن الرضاء قد يصدر عن المريض نفسه أو ممن يمثله قانونا, ويكون ممثل المريض هو ولي النفس إذا كان المريض صغيرا, أو إذا كانت إرادته غير معتبرة قانونا.
- هذا والمشرع الجزائري لا يعتد بالرضاء الصادر عن مريض, لا يكون أهلا للتعبير عن رضائه بمباشرة الأعمال الطبية على جسمه, أو كان في ظروف يتعذر فيها الحصول على هذا الرضاء, وفي الحالة الأولى يكون المريض غير متمتع بالأهلية القانونية التي ترخص التصرف في النطاق الفردي لحقه في سلامة جسمه, كأن يكون صغيرا غير مميز أو مجنونا أو سفيها وهنا يعتد المشرع برضاء ممثله القانوني كالولي والوصي والقيم لمباشرة الأعمال الطبية على المريض, مع أن ذلك يعرض مصلحة المريض للمساس بسلامة جسمه للخطر.( )
كما قد يتعذر على الطبيب الحصول على رضاء المريض, كأن يحضر للمستشفى أثر إصابته في حادث وتستلزم حالته سرعة إسعافه, وتعذر الحصول على رضائه لوجوده في حالة غيبوبة, ففي هذه الحالة يستطيع الطبيب تجاوز الحصول على موافقة المريض بإجراء العمل الطبي, وهنا يقوم دوره مقام رضائه بمباشرة العمل الطبي, كما يستطيع الطبيب أن يقدم العلاج على مسؤوليته في حالة الإستعجال وكان من شأن تدخل الطبيب إنقاذ حياته.
وهذا ما أكدته المادة 9 من مدونة أخلاقيات الطب بالقول " يجب على الطبيب أن يسعف مريض يواجه خطرا وشيكا أو أن يتأكد من تقديم العلاج الضروري له ".
هذا وقد إستقر الفقه والقضاء في كل من مصر وفرنسا وبين غالبية الأطباء أن الرضاء الحر والواضح المعطى بواسطة المريض البالغ العاقل, أو ممن ينوب عنه قانونا بعد علمه بشروط التدخل العلاجي وآثاره, شرط ضروري لإباحة العمل الطبي فلا يكون العمل الطبي مشروعا إلا إذا رضي المريض به ( ) وعلم بأخطاره وإن كان القانون لم يتطلب شكلا خاصا في الرضاء, فقد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا, إلا أن غالبية الأطباء والقانونيين يطلبون أن يكون رضاء المريض مكتوبا والعلة في تطلب شرط الرضاء مرجعها حق الإنسان في حصانته الشخصية التي تمتد لكل مظاهرها سواء النفسية أو العقلية أو الجسمية, والتي تجعل كل تصرف من الطبيب لا يكون مشروعا إلا برضاء المريض, فلا يجوز أن يرغم شخص على تحمل المساس بتعامله الجسدي, ولو كان من أجل مصلحته, وهذا ما أقرته كثيرا من النظم القانونية.( )
3/ الشرط الشخصي: قصد العلاج أو الشفاء
يجب أن يكون التدخل الطبي أو الجراح بغرض العلاج, فالغاية من ممارسة العمل الطبي أو الجراحي هو علاج المريض وتحسين حالته الصحية, أي تخليصه من آلامه أو علاجه, وهذا تطبيق لشرط حسب النية وهو وجوب
إتجاه إرادة من يستعمل الحق إلى الغاية التي من أجلها قرر القانون الحق له.
وفي هذا المعنى تنص المادة الثانية من قانون حماية الصحة وترقيتها على أن : " ترمي الأهداف المسطرة في مجال الصحة إلى حماية الإنسان من الأمراض والأخطار وتحسين ظروف المعيشة والعمل"
كما نصت المادة 7 من مدونة أخلاقيات الطب على أن " تتمثل رسالة الطبيب والجراح... في الدفاع عن صحة الإنسان البدنية والعقلية, وفي التخفيف من المعاناة ضمن إحترام حياة الفرد وكرامته الإنسانية, دون تمييز من حيث الجنس والسن والعرق والدين..."( )
وتطبيقا لذلك, إذا إنتفى قصد العلاج لدى الطبيب, فإن فعله يخرج من دائرة الإباحة, أي بإنتفاء قصد العلاج يعني إنتفاء سبب الإباحة ذاته, ومن ثم يظل الفعل خاضعا لنص التجريم ويؤدي ذلك إلى قيام المسؤولية الجنائية للطبيب الجراح عن جريمة عمدية أو جرح عمدي أو جرح أفضى إلى الموت, إذا نجمت الوفاة عن التدخل الجراحي.
هذا وفي شأن إنتفاء قصد العلاج في عمل الطبيب, قضت محكمة النقض المصرية " بأن الطبيب الذي يسيء إستعمال حقه في وصف المخدرات أسوة بغيرهم من عامة الناس ولا يجديه أن للأطباء قانونا خاصا هو قانون مزاولة مهنة الطب. ( )
وفي قضية أخرى قررت المحكمة بأنه " إذا كان للطبيب أن يصف المخدرات للمريض, إذا كان لازما لعلاجه, وهذه الإجازة مرجعها سبب الإباحة المبني على حق الطبيب في مزاولة المهنة, بوصف الدواء مهما كان نوعه ومباشرة إعطائه للمرضى, لكن هذا الحق يزول وينعدم قانونا بزوال علته ولإنعدام أساسه, فالطبيب الذي يسيء إستعمال حقه في وصف المخدرات, فلا يرمي من وراء ذلك إلى علاج طبي صحيح, بل يكون قصده تسهيل تعاطي المخدرات لمدمنيها يجري عليه حكم القانون أسوة سائر الناس".( )
أما موقف القضاء الفرنسي فتمثل في حكم " بإدانة الطبيب الذي يجري إجهاضا لامرأة دون توافر أي قصد للشفاء أو توافر الضرورة العلاجية" كما قضى بأن الطبيب الذي يقوم بإجراء جراحة لامرأة ليستأصل منها مبيض التناسل بناء على طلبها يكون مرتكبا لجريمة عمدية, أو نقل ميكروب شخص سليم لمجرد معرفة ما إذا كان هذا الميكروب معديا ومبلغ العدوى منه, أو قتل مريض تخليصا من آلام مبرحة غير قابلة للعلاج, وهو ما يعرف بالقتل بدافع الشفقة أو الرحمة, أو حقن المريض بالمواد المخدرة في غير أحوال العلاج, وكذلك قضت المحاكم الفرنسية مرارا بأن إخضاع الطبيب مريضه لفحوص وأبحاث طبية أو جراحية لم يكن الدافع منها مصلحة المريض وإنما تحقيق مصلحة علمية, يكون مرتكب لخطأ مهني يستوجب عقابه.( )
هذا وننتهي بالقول بأن إنتفاء قصد العلاج أو الشفاء في عمل الطبيب أو الجراح أو تجاوزه حدود الحق أو الغاية التي من أجلها رخص له المشرع في إتيان أفعال تعد من قبيل الجرائم إذا إرتكبها غيره من الناس, ينفي عن أعماله صفة المشروعية ويجعلها خاضعة لنصوص القانون العقوبات الخاصة بالجرائم العمدية ( المواد 264 وما يليها من قانون العقوبات الجزائري, والتي تقابلها المواد 309-331 عقوبات مصري والمواد 240-244 عقوبات فرنسي) ولو أتى فعله تلبية لرغبة المريض أو لتحقيق مصلحة خاصة به.( )
نستخلص من كل ما تقدم أنه إذا تخلف شرط من هذه الشروط, استتبع القول أن الفعل غير مشروع ذلك لأنه أصلا خاضعا لنص التجريم, ولا يخرج عن نطاقه إلا إذا توافر سبب إباحة بكل شروطه, فإذا إنتفى شرط منها فقد إنتفى سبب الإباحة وظل الفعل غير مشروع .

الفصل الثاني: " نقل الأعضاء البشرية وزراعتها بين الدين والقانون الوضعي "
يعتبر الكون كله ملك الله تعالى، وليس جسد الإنسان وحده، ومع ذلك فقد أباح الله سبحانه وتعالى للناس أن يتصرفوا فيما يملكه عز وجل بالطريقة التي ترضيه، ولذلك فان فيما يملكه الله قد فوض الإنسان في جسده الذي هو ملك له، وحينما يتبرع بجزء منه فهذا التبرع يجوز في حدود التفويض فيما لا يضر .
أما من الناحية القانونية فقد ظهر اتجاه حديث نسبيا يسمح للشخص بان يتصرف في جزء من جسده من اجل زرعه في جسم شخص مريض، فلم يقف عدم وجود النص التشريعي عقبة في سبيل البحث عن وسيلة قانونية مناسبة لا باحة هذا التصرف بجسم الإنسان.

وهذا يعكس لنا بوضوح مدى تأثير التقدم العلمي على القانون، فبعد نجاح كثير من عمليات زراعة الأعضاء البشرية ازدادت الثقة والحث في هدم الحواجز القانونية التي تحول دون استفادة المرضى من التقدم الطبي الهائل الذي حدث في الآونة الأخيرة. لذا ينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث:
o المبحث الأول: موقف الدين والقانون من التبرع وزراعة الأعضاء
o المبحث الثاني: حكم بعض التصرفات الواردة على زراعة ونقل الأعضاء
o المبحث الثالث: مشروعية نقل أعضاء في القانون الجزائري















المبحث الأول: " موقف الدين والقانون من التبرع وزراعة الأعضاء "
سنتناول تحت هذا العنوان موقف كل من الدين الإسلامي والذين المسيحي من خلال مجموعة من الآراء والمواقف لبعض من كبار المشايخ والمفتين وهذا كله في المطلب الأول، في حين يتضمن المطلب الثاني موقف الفقه والقضاء والقانون من إباحة التصرف في أعضاء جسم الآدمي.

المطلب الأول: " موقف الدين الإسلامي والدين المسيحي "
من القضايا التي شدت انتباه علماء الدين في مختلف تخصصاتهم ومجالاتهم، والتي تثار من وقت لاخر في المحافل العلمية ودارت حولها المناقشات الطويلة ،وتناولها العلماء بالدراسة والتحليل قضية نقل الأعضاء الآدمية وزراعتها.

الفرع الأول: موقف الشريعة الإسلامية من عمليات نقل وزرع الأعضاء
وللعلماء المعاصرين والمجامع الفقهية في هذه المسألة ستة آراء
الرأي الأول: المنع المطلق لنقل الأعضاء وزرعها من الأحياء والأموات
الرأي الثاني: الجواز في نقل الأعضاء وزرعها من الأحياء والأموات
الرأي الثالث: جواز نقل الجلد فقط من الأحياء والأموات
الرأي الرابع: جواز نقل الكلية فقط من الأحياء والأموات
الرأي الخامس: جواز النقل من الميت المسلم دون الحي
الرأي السادس: التوقف في حكم المسألة.
أولا: أدلة المانعين لنقل وزرع الأعضاء بين الأحياء
وقد أورد المانعون( ) لنقل جزء من الإنسان لجسم شخص آخر مجموعة من الأدلة تتلخص في الآتي:
1- قوله تعالى في سورة النساء عن إبليس الذي لعنه" ولأمرنهم فليغيرن خلق الله" ( ) ،وقد نزلت هذه الآية في نقل عين أو قلب أو كلية عن شخص آخر، وتشمل أيضا خصاء العبيد الذي كان يفعله الخلفاء بعبيدهم ليدخلوا على نسائهم، وكل هذا تغيير لخلق الله تشمله الآية الكريمة.
2- قوله تعالى في سورة البقرة:" ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فـان الله شديد العقاب" ( ).
3- قوله تعالى في سورة التكاثر " ثم لا يسئلن يومئذ عن النعيم "( )، وقيل أن النعيم هو أمن والصحة والعافية، وهي من النعم التي تستوجب الشكر لا الكفر والمحافظة لا التضييع بالتبرع والبيع.
4- إن أصل عصمة دم المسلم واجزاء بدنه الثابتة فيه فلا يجوز للإنسان أن ينحني على نفسه أو عضو من أعضائه.
5- قوله تعالى في سورة البقرة" ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة "( )، وهذه الآية تدل على تحريم إلقاء النفس في مظان التهلكة، ونزع جزء من بدن الحي وزرعه في آخر هذا قد يؤدي إلى إتلاف المتبرع واضعافه لا محالة.
6- قوله صلى الله عليه وسلم" من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجيء بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا"، وهذا يعني أن نفس الإنسان ليست ملكا له وانما هي أمانة لله خلقها أوجد فيها من دقيق الخلق ما يتمكن به من عبادته سبحانه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلمعن وصل شعر الآدمي من اجل التداوي، وعليه فان من أصيب بداء فقد بسببه عضو من أعضائه أو جزء من أجزاء بدنه ليس له أن يكمل هذا النقص بعضو او جزء من شخص آخر، وهذا النوع من التداوي غير جائز وملعون فاعله ، ذلك انه تغيير لخلق الله فضلا عن منافاته كرامة الآدمي.

ثانيا: أدلة المجيزين لنقل وزرع الأعضاء بين الأحياء
أما أدلة المجيزين لنقل وزرع الأعضاء تتلخص في ما يلي:
1- أن الأصل في الأشياء الإباحة وهذا أمر مباح لم يرد في الشرع ما يحرمه .
2-أن هذا من قبيل الصدفة والشرع للمحتاجين كبذل المال لأصحاب الضرورات وفيه اجر وثواب .
3-استدل أصحاب هذا الرأي بما فهواه من معموم قواعد الشريعة مثل"الضرورات تبيح المحضورات" " الضرر يزال" و " المشقة تجلب التيسير".
4-استدلال بآيات الاضطرار ومن بينها" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم"( ).
" فمن اضطر غير باغ ولا عاد فان ربك غفور رحيم"( ).

ومن هنا نتبين أن كلمة الفقهاء قد اتفقت على انه حيثما وجدت المصلحة فثمة شرع الله، كما اتفقت على بطلان بيع أي جزء من أجزاء الإنسان ما عدى لبن المرأة، أما لكرامة الآدمي لجميع أعضائه واما لعدم تصور الانتفاع بها في حالة انفصالها.
وقد جاء البعض برأي مغاير مفاده أن بيع أعضاء الإنسان لغرض الربح والتجارة ولمجرد الكسب المادي، وهو الذي يشعر بالإهانة ويتعارض مع الكرامة الإنسانية، وكذلك بيعها لغرض استعمالها في غير الغرض الذي خلقت من اجله.
أما إذا بيعت لغرض إنقاذ المرأة من الهلاك واستعمالها في مثل ما استعملت له في اصل خلقها أي بوضعها في موضع تقوم من خلاله بوظيفة نفسها التي وظفها ربه عندما خلقها، ولم يكن غرضها التجارة والكسب المادي، فان البيع بهذه القيود ليس فيه إهانة للكرامة الإنسانية، وقد وجد هذا الرأي معارضين يرون أن نقل العضو يجب أن يكون دون مقابل وعلى سبيل التبرع( ).
-فيبين الدكتور البوطي القواعد الفقهية العامة التي تعد المنطلق لاحكام زرع الأعضاء في الحالات المختلفة حيث تتركز في 3 قواعد فقهية عامة :

القاعدة الأولى:
تتعلق بانقسام الحقوق إلى حقوق الله و حقوق العباد:
في الواقع أن الحقوق كلها لله، ولكن اصطلح الفقهاء على تسمية الحقوق التي لا يجوز للإنسان أن يتصرف بها<< حقوق الله>>، واصطلحوا على الحقوق التي يجوز للإنسان التصرف بها<< حقوق الإنسان>>، فحق الحياة حق الهي لا يعود للإنسان منه شيء ولا يجوز للإنسان أن يتصرف بحياته.
والحقوق المتعلقة بما وراء الحياة فروعها الأعضاء، كالتصرف بالعين بالإذن وبالقدرات وهي تسمى حقوق العباد لان الإنسان يملك التصرف بها.

القاعدة الثانية:
قاعدة الإيثار أو التي تسمى في الشريعة الإسلامية بنظرية الإيثار:
ليس للإنسان أن يؤثر غيره على نفسه في كل ما هو حق لله ،فلا يجوز لي أن أوثر أخي على نفسي فيما لا أستطيع التصرف فيه ،ويشرع الإيثار في كل الحقوق التي منحها الله بها وادرنا على التصرف بها سواء كان التصرف على وجه الامتلاك أو على وجه التمنع.

القاعدة الثالثة:
أن هناك حقوق عينية وحقوقا معنوية كما أن الحقوق المادية والعينية تورث فان الحقوق المعنوية (كحق الكرامة) تورث أيضا.
هذه القواعد الثلاث هي منطلق هام ومباشر لما يتعلق بموضوع زرع الأعضاء، واستفادة المريض من عضو شخص آخر.
وقد حدد الدكتور البوطي عدة حالات :أولها إذا كان المتبرع حيا أما أن يتعلق بحياته حق للغير محكوم بالإعدام أو لا يتعلق بحياته حق للغير، إما أن يكون رشيدا بالغا وليا لنفسه واما أن يكون قاصرا.
-الحي الذي يتعلق حق الغير لذاته(حكم عليه بالإعدام): فان جمهور الفقهاء قالوا يجوز الاستفادة من عضو من أعضائه آيا كان، من اجل إنقاذ مريض ثبت بشهادة طبيبين مختصين آن هذا المريض ينجو من الهلاك إذا زرعنا في كيانه عضوا، وهذا الحكم مطلق سواء استلزم ذلك موت الشخص المستفاد منه أو لم يستلزم ذلك، لان حياته ليست في هذه الحالة مقدسة لأنه محكوم عليه بطبيعة الحال بالموت وهذا الموضوع ليس بحاجة للحديث بالتفاصيل.

و أضاف د البوطي أن هذا ما اصطلح عليه الفقهاء ،ولكن قد يقول قائل بان الكرامة الإنسانية تستوجب التوقف. أن الكرامة الإنسانية موجودة ولكن عند ما حكم هذا الشخص بالموت فان هذه الكرامة تطوى .

-والحالة الثانية التي تطرق إليها البوطي: عندما لا يتعلق حق للغير بحياة هذا الإنسان فنحن أمام حالتين:
1- أن يكون راشدا بالغا ولي نفسه : في هذا الأمر لا خلاف إذا أن التبرع بعضو لمريض اضطر إلى غرس هذا العضو في جسده، فإذا استوجب هذه العملية وفاة المتبرع فلا يجوز إطلاقا حتى ولو رضى المتبرع ذلك، ومن هنا إذا شهد طبيبان اثنان أن انتقال هذا العضو سيؤدي على الراجح أو اليقين إلى وفاة المتبرع فانه يحرم على الطبيب ممارسة العمل لا يجوز للمتبرع أن يؤثر على حياته لان الإنسان لا يملك التصرف بحياته.
وإذا شهد طبيبان مختصان أن انتقال هذا العضو من المتبرع إلى المستفيد لا يؤثر على حياته وتبقى مستقرة على الراجح، يجوز من حيث المبدأ التبرع شرط أن يرضى المتبرع بذلك، ولا يجوزإجبار هذا الإنسان الراشد البالغ على أمر يتكامل عنصر الرضى لديه.

ولكن لا مانع من التشجيع على التبرع كونها مسألة أخلاقية فيها دعوة على الإيثار، وتحمل على مثل هذا العمل الذي ربما كان في باب الصدقة أهم من صدقة المال.
-إذا كان المتبرع صغيرا أو كبيرا غير سوي: في مثل هذه الحالة لابد من وجود ولي كونه ليس ولي نفسه لا في القانون ولا في الشريعة.
وقد أكد الدكتور البوطي على أن مسألة بيع الأعضاء غير واردة شرعا فالإنسان يملك أن يؤثر أخاه في كل ما يحق له أن يتصرف به .

أما الشيخ عبد الله نظام: ذهب إلى أن مسألة زراعة الأعضاء هي علاج لمشكلة إنسانية لها وجوه متعددة، والشرائع السماوية كلها وحتى الشرائع التي وضعها الإنسان تخص على خدمة الإنسان، ولا يمكن لتشريع على الأرض هدفه خدمة الإنسان أن يحجب خدمة للإنسان وحياته ما قدر الله له أن يعيش، وأكد على أن الإنسان لا ملكية مطلقة له على جسده وليس بالمقابل محروما من التصرف به.
-وقد منع الإنسان من التصرف بحق الحياة كونه حقا لله.
وبالمقابل لا حق لنا أن نتصرف تصرفا مشوها للخلقة، فالمتبرع الحي لا بأس بالتبرع بما لا يمس حق الحياة ولا يشوهه، وتعرض العلامة نظام لموضوع الاستنساخ مؤكدا انه يجب ألا يكون وسيلة للتوليد وليس وسيلة لتجارة الأعضاء.
وقد أصدر المرحوم شيخ الأزهر سابقا ومفتي الجمهورية المصرية سابقا الشيخ جاد الحق علي جاد الحق فتوى والتي أصدرها فضيلته في 5 ديسمبر 1979 خلص فضيلته إلى انه يجوز اضطرار أكل لحم إنسان ميت في قول فقهاء الشافعية والزيدية، وقول في مذهب الحنابلة، بل انه يجوز عند الشافعية والزيدية أن يقطع الإنسان من جسمه فلذة ليأكلها في حال الاضطرار.

ومتى كان الحكم هكذا فانه يجوز تخريجاعلى ذلك القول: بجواز تبرع إنسان حي بجزء من جسمه، لا يترتب على اقتطاعه ضرر بة متى كان مفيدا لمن ينقل إليه في غالب ظن الطبيب لان المتبرع نوع ولاية على ذاته في نطاق الآيتين الكريمتين " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة واحسنوا إن الله يجب المحسنين" ولا يباح أي جزء، بل الجزء أو العضو الذي يؤدي قطعه من المتبرع إلى عجزه أو تشويهه،و بهذا المعياريكون حكم نقل الدم من شخص لآخر، فقد استند فضيلته في هذا الجواز إلى الفقه الشافعي والزبيري والى الرأي الأولى من مذهب الحنابلة( ).
-وقد سئل الشيخ يوسف القرضاوي عن حكم الوصية بالعضو الآدمي فقال:" لا يوجد مانع شرعي أن يوصي الميت قبل وفاته بعضو من أعضائه لشخص معين أو لمؤسسة مثل بنك الأعضاء لاستخدامها عند الحاجة، لان في ذلك منفعة خاصة للغير دون احتمال أي ضرر عليه، فان هذه الأعضاء تتحلل بعد أيام ويأكلها التراب فان أوصى ببذلها للغير قربى إلى الله تعالى فهو مثاب ومأجور على نيته وعمله، ولا دليل من الشرع على تحريم ذلك والأصل الإباحة ألا ما منع منه دليل صريح ولو يوجد".
-وقد فتح مجمع الفقه الإسلامي بمقتضى قراره المشهور رقم 05/د 3/07/1986 بدورته المنعقدة بعمان أكتوبر 1986 الباب واسعا لنقل الأعضاء من المتوفين دماغيا للحصول على الأعضاء المهمة كالقلب، الرئة ، والكبد، وبنكرياس، والكلى والأمعاء، بعد اخذ موافقتهم في أثناء حياتهم على ذلك، وبعد موافقة أولياؤهم، وينبغي طبيا أن يكون العضو المستقطع الموصى به متمتعا بترويته الدموية إلى آخر لحظة ،وذلك ما يوفره تشخيص الموت الدماغي أما الأعضاء الأخرى كالجلد، والعظام والقرنية، فإنها يمكن أن تبقى سليمة بعد توقف القلب والدورة الدموية لمدة تتراوح من 12 ساعة إلى 24 ساعة.
-وقد أجازت هيئة كبار العلماء السعودية في قرارها التاريخي رقم 62/25 10/1398 هجري وكذا دار الإفتاء المصرية في فتوى مشهورة رقم 1087 هجري 14/04/1959 اخذ عين الميت لترقيع قرينة عين المكفوف الحي لان في ذلك مصلحة راجحة.
-وكما أجازت الفتوى رقم 1069 2/2/1972 من دار الإفتاء المصري سلخ الميت لعلاج حروق الأحياء، وان لا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل.
-وهذا دون نسيان قرارات مجلس المجتمع الفقهي الرابعة العالم الإسلامي وفتواه، وخاصة قراره بشأن زرع الأعضاء بما فيها زرعها من الموتى وكذا إقراره بجواز تشريح جثث الموتى .

ومن ثم فان هذه القرارات تعد نموذج حي لتطور الفقه الإسلامي دائما إلى الأمام، وذلك عن طريق الاجتهاد بالرد عند سكوت النص الشرعي، وذلك لمسايرة جميع التطورات المستجدة في علم الطب والجراحة( ).

الفرع الثاني: موقف الكنيسة المسيحية
من القائلين بعدم جواز إجراء عمليات نقل وزرع الأعضاء البابا << بيوس الثاني عشر>> راعي الكنيسة الكاثوليكية الذي أكد ما قال به<< توماس الاكويني >> ،الذي ينادي بمبدأ أن للإنسان على جسمه حق انتفاع، وبالتالي فانه لا يجوز له أن يتصرف في الجسم إلا من أجل مصلحة الجسم ومنفعته.
وتفادي ضرر اكبر لا سبيل لتفاديه إلا عن طريق التدخل الطبي وبالتالي لا يعتبر مشروعا إلا لتدخل الطبي أو الجراحي الذي يستهدف المحافظة على سلامة الجسم( ).

وقد ذهب سيادة المطران اسيدور بطيخة: إلى أن الحكمة البشرية تعترف بأنه يمكن التخلص من عضو مريض لإنقاذ حياة الإنسان، وان هذا الاعتراف هو بداية انطلاق علم الجراحة وعلى هذا الأساس تم تبرير السماح ببتر الأعضاء المصابة بالغنغريناوقد وافقت المرجعيات الدينية على هذا النوع من الجراحة، تحت مبدأ يرجح خيرا لكل على خير الجزء هذه القضية القديمة كشفت عن مبدأين أخلاقيين أساسين:
1- اعتبار أن سلامة الجسد البشري أمر جوهري، وحماية هذه السلامة واجبة بالضرورة وهذا بمقتضى الحفاظ على سلامة الأعضاء.
2- الحياة البشرية لا تنهض وتستمر إلا حين يتمتع الإنسان بصحة جيدة، وهي نعمة من السماء ثمينة وللحفاظ عليها يمكننا أن نضحي بطرف مريض أو عضو سقيم من اجل الفضلى وهي إنقاذ هذه الصحة لإنقاذ هذه الحياة.
ولكن حين يتناول البحث موضوع زرع الأعضاء أو نقلها من متبرعين وهم أحياء ويتمتعون بكامل العافية فالمبدآن يصبحان معرضين لتهديد جذري.

حيث نقف أمام أناس أحياء يعرضون أجسامهم لجرح عميق، وقد يكون مميت وزرع أعضاء تؤخذ من الجثث وهي تطرح قضية احترام الميت، مثل هذه القضايا لا تشكل مسألة انتروبولوجية أخلاقية ولا يمكن للعالم المتحضر أن يبحث عنها بعيدا عن الفكر الديني الذي نحا فيها منحنيين:
1- التفكير في معنى سلامة الجسد.
2- تعزيز الخيرية والتعاضد الاجتماعي.

و أشار سيادة المطران إلى أن موقف الكنيسة انطلق من موقف البابا بولس الثاني عشرة من خلال خطابه في مؤتمر الطب للمسالك البولية في إيطاليا سنة 1953 وذكر فيه قداسته انه بالامكان زرع عضو سليم في سبيل صحة الجسد كله.
- وله خطاب آخر عام 1954 أعاد موقف الكنيسة في رفضها، وهي اعتبار الإنسان جزءا فحسب من الكل الذي هو المجتمع ،ومن هنا ترفض الكنيسة كل الاختبارات والأبحاث التي من شانها أن تعرض حياة الإنسان للخطر، وانه لا يمكن التسليم بها تحت اسم المصلحة العامة فالعلم بنظر الكنيسة لا ينفصل عن الأخلاق في المطلق.
وفي عام 1956 أجاز قداسته نقل القرنيات من الجثث التي سبق أوصى بها صاحبها وهو بعد على قيد الحياة بان تؤخذ قرنيته بعد وفاته .
- و أضاف بان اللاهوتيين لفتوا بان الكنيسة سبق لها أن أجازت موضوع نقل الدم وزرع الجلد وهما أجراءان يصبان من حيث النتائج في مصلحة المتبرع إليه وليس المتبرع.
أن منح القرنية من إنسان حي سلم العديد من اللاهوتيين بصحة التمييز بين الكلية التشريحية والسلامة الوظيفية للجسد ،واعترف مجلس الاساقفة في المانيا بان اخد عضو من كائن حي، وسليم هو جرح لسلامة الجسد، ولكن هذا الجرح يتم بموافقة الإنسان المتبرع والمتبرع من اجله فهو مشروط بالموافقة .
- و أضاف أن المحبة هي التي تكمن من تفهم مثل هذا النشاط في المجتمع ،فعلى الإنسان أن يحب حياته ويحميها ساعيا دوما إلى ذلك ،ولكن من واجباته أيضا أن يحب الآخر ويهتم بحياة الآخر، ففي حزيران 1990 أثناء انعقاد مؤتمر هيئة تبادل الأعضاء صرح قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بقوله:"على المرء منح جزء من نفسه من دمه ومن جسده لكي يستطيع آخرون أن يبقوا على قيد الحياة"( ).









 


قديم 2011-02-13, 19:38   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-02-16, 14:59   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
zoubour
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية zoubour
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك جزيل الشكر و العرفان على هذا الموضوع










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأعضاء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:11

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc