رجل من التاريخ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

رجل من التاريخ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-09-08, 10:35   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










Hourse رجل من التاريخ

الرجل الاول
الامام احمد
سم الله الرحمن الرحيم

ترجمةٌ من سيرة الإمام المحدث / أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله للشيخ النجمي رحمه الله

::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ؛ أمَّا بعد :

فقد طلب مني المشرفون على وقف السلام الخيري بمدينة الرياض أن أترجم لعَلَمٍٍ من أعلام الحديث ، وإمامٍ من أئمتهم ، فاخترت أن أترجم للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لما لهذا الإمام من المحبة ، والقبول ، والإجلال عند الناس جميعا ، وفي الأوساط العلمية خاصة ، ورأيت أن تكون الترجمة مشتملةًً على الأبحاث الآتية :

1- التعريف بنسبه 2- مولده 3- نشأته 4- بداية طلبه للعلم 5- شيوخه 6- رحلته في طلب العلم 7- حفظه للعلم 8- ورعه وثناء العلماء عليه 9- أوصافه الشخصية 10- ثباته في المحنة في عهد المعتصم 11- منعه من التحديث 12- المحنة في عهد الواثق 13- انتهاء المحنة بولاية المتوكل على الله 14- حال الإمام في دولة المتوكل 15- جهاده لأهل البدع 16- وفاته 17 – مؤلفاته رحمه الله 18- منهج الإمام أحمد في تأليف المسند .

وهذا أوان البدء في البحث فأقول :

1- التعريف بنسبه رحمه الله :

قال الإمام محمد بن أحمد الذهبي المتوفى سنة 748 هـ رحمه الله في كتابه سير أعلام النبلاء في ج11 / 177 رقم الترجمة 78 : " هو الإمام حقاً ، وشيخ الإسلام صدقاً أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة ، وبعض النسابين يقدِّم ذهل بن شيبان ، وساق النسب إلى بكر بن وائل ، ثمَّ قال الذهلي الشيباني المروزي ، ثمَّ البغدادي أحد الأئمة الأعلام هكذا ساق نسبه ولده عبد الله ، واعتمده أبو بكر الخطيب في تأريخه وغيره ، ويلتقي نسبه بنسب النبي صلى الله عليه وسلم في نزار بن معدِّ بن عدنان .

2- مولده رحمه الله :

قال الإمام الذهبي : " وكان محمد والد أبي عبد الله من أجناد مـرو مات شابَّاً ؛ له نحو ثلاثين سنة وربِّي أحمد يتيماً ، وقيل أنَّ أمَّه تحوَّلت من مرو ؛ وهي حاملٌ به رحمها الله ، ونقل أبو داود سمعت يعقوب الدورقي سمعت أحمد يقول : ولدت في شهر ربيع الأول سنة أربعٍ وستين ومائة .

3- نشأته رحمه الله :

نشأ يتيماً في حجر أمِّه ، ونقل صالحٌ عن أبيه أنَّه قال : ثقبت أمي أذني ، فكانت تصيِّر فيهما الؤلؤتين ، فلمَّا ترعرعت نزعتهما ، فكانت عندها ، ثمَّ دفعتها إليَّ ، فبعتهما بنحو ثلاثين درهماً .

4- بداية طلبه للعلم رحمه الله :

قال الإمام الذهبي : " كان وهو ابن خمس عشرة سنة في العام الذي مات فيه مالكٌ ، وحماد بن زيد " قلت كان ذلك في عام 179 هـ .

5- شيوخه :

قال الذهبي رحمه الله : " سمع من إبراهيم بن سعد قليلاً ، ومن هشيم بن بشير ، فأكثر ، وجوَّد ومن عبَّاد ابن عباد المهُلَّبي ، ومعتمر بن سليمان التيمي ، وسفيان بن عيينة الهلالي ، وأيوب بن النجَّـار ويحيى بن أبي زائدة ، وعلي بن هاشم بن البَرِيد ، وقُرَّان بن تمام ، وعمَّار بن محمد الثوري ، والقاضي أبو يوسف ، وذكر عدداً من المشائخ الذين أخذ عنهم " .

ثمَّ قال الإمام الذهبي : " فعدة شيوخه الذين روى عنهم في المسند مئتان وثمانون ونيف ؛ حدَّث عنه البخاري حديثاً ، وعن أحمد بن الحسن عنه حديثاً آخر في المغازي ، وحدَّث عنه مسلم ، وأبو داود بجملة وافرة ، وروى أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجة عن رجلٍ عنه ، وحدَّث عنه أيضاً ولداه صالح ، وعبد الله ، وابن عمِّه حنبل بن إسحاق ، ومن شيوخه عبد الرزَّاق والحسن بن موسى الأشيب ، وأبو عبد الله الشافعي ؛ لكن الشافعي لم يسمِّه ؛ بل قال حدثني الثقة ، وحدَّث عنه علي بن المديني ، ودحيم ، وأحمد بن صالح ، وأحمد بن أبي الحواري ، ومحمد ابن يحيى الذهلي وأحمد بن الفرات ، وذكر جملةً ممن حدَّثوا عنه بعضهم من شيوخه .

قال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو زرعة أنًَّ أحمد أصله بصري ، وخُطَّته بمرو ، وحدثنا صالح سمعت أبي يقول : مات هشيم فخرجت إلى الكوفة سنة ثلاثٍ وثمانين ، وأول رحلاتي إلى البصرة سنة ستٍّ ، وخرجت إلى سفيان سنة سبعٍ ، فقدمنا وقد مات الفضيل بن عياض ، وحججت خمس حجج منها ثلاثٌ راجلاً أنفقت في إحداها ثلاثين درهما ، وقدم ابن المبارك في سنة تسعٍ وسبعين وفيها أول سماعي من هشيم ، فذهبت إلى مجلس ابن المبارك ، فقالوا قد خرج إلى طرطوس وكتبت عن هشيم أكثر من ثلاثة آلاف ، ولو كان عندي خمسون درهماً لخرجت إلى جـرير إلى الـري " قـال الإمام الذهبي : لقد سمع منه أحاديث وسمعت أبي يقول : كتبت عن إبراهيم بن سعد في ألـواحٍ ، وصليت خلفـه غير مرةٍ ، فكان يسلم واحدة قال : وقد روى عنه مــن

شيوخه ابن مهدي " اهـ .

6- رحلته في طلب العلم رحمه الله :

قال المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : مات هشيم ولي عشرون سنة ، فخرجت أنا والأعرابي رفيق كان لأبي عبد الله ؛ قال فخرجنا مشاةً ، فوصلنا الكوفة يعني في سنة ثلاثٍ وثمانين ، فأتينا أبا معاوية وعنده الخلق ، فأعطى الأعرابي حَجةً بستين درهماً ، فخرج ، وتركني في بيتٍ وحدي فاستوحشت ، وليس معي إلاَّ جرابٌ فيه كتبي كنت أضعه فوق لبنة ، وأضع رأسي عليه ، وكنت أذاكر وكيعاً بحديثٍ الثوري .

7- حفظه للعلم رحمه الله :

قال المروذي : " وذكر مرةً شيئاً ، وقال : هذا عند هشيم ، فقلت : لا . وكان ربما ذكر العشرة أحاديث فأحفظها ، فإذا قام قالوا لي ، فأمليها عليهم ، وحدثنا عبد الله بن أحمد قال لي أبي خذ أي كتابٍ شئت من كتب وكيع من المصنف إن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد ، وإن شئت الإسناد حتى أخبرك بالكلام " قلت : يريد بالكلام المتن أي الحديث الذي يتوصل إليه بالإسناد .

قال الإمام الذهبي : وسمعت أبا إسماعيل الترمذي يذكر عن ابن نمير قال : كنت عند وكيع فجاءه رجلٌ أو قال جماعةٌ من أصحاب أبي حنيفة ، فقالوا له : هاهنا رجلٌ بغدادي يتكلم في بعض الكوفيين ، فلم يعرفه وكيعٌ ، فبينا نحن كذلك ؛ إذ طلع أحمد بن حنبل ، فقالوا : هذا هو ، فقال وكيعٌ : هاهنا يا أبا عبد الله ، فافرجوا له ، فجعلوا يذكرون عن أبي عبد الله الذي ينكـرون وجعل أبو عبد الله يحتج بالأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا لوكيع : هذا بحضرتك ترى ما يقول فقال : أي وكيع رجلٌ يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيش أقـول له ثمَّ قال : ليس القول إلاَّ كما قلت يا أبا عبد الله فقال القوم لوكيع خدعك والله البغدادي .

وعن أحمد الدورقي عن أبي عبد الله قال : نحن إذا كتبنا الحديث من ستةٍ وجـوه أو سبعــة لم نضبطه فكيف يضبطه من كتبه من وجهٍ واحد .

قال عبد الله بن أحمد : قال لي أبو زرعة أبوك يحفظ ألف ألف حديث ، فقيل : وما يدريك ؟ قال : ذاكرته ، فأخذت عليه الأبواب .

قال الإمام الذهبي : فهذه حكايةٌ صحيحة في سعة علم أبي عبد الله ، وكانوا يعدون في ذلك المكرر والأثر ، وفتوى التابعين ، وما فسِّر ، ونحو ذلك ، وإلاَّ فالمتون المرفوعة القوية لاتبلغ عشر

معشار ذلك .

قال إبراهيم الحربي : رأيت أبا عبد الله كأنَّ الله جمع له علم الأولين والآخرين .

قال الخلال : أخبرنا المروذي : سمعت محمد بن يحيى القطان يقول : رأيت أبي مكرماً لأحمد بن حنبل : لقد بذل له كتبه أو قال حديثه .

وقال القواريري : قال يحيى القطان : ما قدم عليَّ من بغداد أحبَّ إليَّ من أحمد بن حنبل .

وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : شقَّ على يحيى بن سعيد يوم خرجت من البصرة .

قال عمرو بن العباس : سمعت عبد الرحمن بن مهدي ذكر أصحاب الحديث فقال : أعلمهم بحديث الثوري أحمد بن حنبل ؛ قال : فأقبل أحمد بن حنبل ، فقال : من أراد أن ينظر إلى ما بين كتفي الثوري ، فلينظر إلى هذا .

وقال أبو الوليد الطيالسي : ما بعد المصرين رجلٌ أكرم عليَّ من أحمد بن حنبل .

قال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول : قدمت صنعاء أنا ويحيى بن معـين ، فمضيـت إلى عبد الرزاق في قريته ، وتخلَّف يحيى ، فلما ذهبت أدقُّ الباب ؛ قال بقَّالٌ تجاه داره : لاتدق فإنَّ الشيخ يُهاب ، فجلست حتى إذا كان قبل المغرب خرج ، فوثبت إليه ، وفي يدي أحاديث انتقيتها ، فسلمت عليه ، وقلت : حدِّثْني بهذه الأحاديث رحمك الله ، فإني رجلٌ غريب ؛ قال : ومن أنت ؟ وزبرني . قلت : أنا أحمد بن حنبل . قال : فتقاصر ، وضمني إليه ، وقال : بالله أنت أبو عبد الله . قال : ثمَّ أخذ الأحاديث ، وجعل يقرأها حتى أظلم . قال للبقال : هلمَّ المصباح وكان عبد الرزاق يؤخر صلاة المغرب .

8- ورعه ، وثناء العلماء عليه رحمه الله :

قال الإمام الذهبي في السير ج11 / 192 : " قال الخـلال : حدثنـا الرمـادي : سمعت عبد الرزاق ، وذكر أحمد بن حنبل ، فدمعت عينـاه فقال : بلغني أن نفقته نفـذت فأخذت بيده فأقمته خلف الباب ، وما معنا أحدٌ وقلت له : لاتجتمع عندنا الدنانير إذا بعنا الغلة أشغلناها في شيءٍ ، وقد وجدت عند النساء عشرة دنانير فخذها ، وأرجو ألاَّ تنفقها حتى يتهيأ شـيءٌ فقال : يا أبا بكر لو قبلت من أحدٍ قبلت منك .

وقال عبد الله : قلت لأبي بلغني أنَّ عبد الرزاق عرض عليك دنانير ؟ قال : نعم ، وأعطاني يزيد

ابن هارون خمس مائة درهم أظنُّ ، فلم أقبل ، وأعطى يحيى بن معين ، وأبا مسلم ، فأخذا منه .

قال المروذي : قال أبو عبد الله : كنَّا عند يزيد بن هارون ، فوهم في شيءٍ ، فكلمته ، فأخرج كتابه ، فوجده كما قلت : فغيَّره ، فكان إذا جلس يقول : يا ابن حنبل ادن هاهنا ، ومـرضت

فعادني ، فنطحه الباب .

قال المروذي : سمعت بعض الواسطيين يقول : ما رأيت يزيد بن هارون ترك المزاح لأحدٍ إلاَّ لأحمد ابن حنبل .

وقال : قتيبة : خير أهل زماننا ابن المبارك ، ثمَّ هذا الشاب يعني أحمد بن حنبل .

وقال حرملة سمعت الشافعي يقول : خرجت من بغداد ، فمـا خـلَّفت بهـا رجلاً أفضـل ولا أعلم ، ولا أفقه ، ولا أتقى من أحمد بن حنبل .

وقال نصر بن علي الجهضمي : أحمد أفضل أهل زمانه .

وقال : إمام الأئمة ابن خزيمة : سمعت محمد بن سحنون ؛ سمعت أبا عمير بن النحاس الرملي وذكر أحمد بن حنبل ، فقال رحمه الله عن الدنيا : ما كان أصبره ، وبالماضين ما كان أشبهه وبالصالحين ما كان ألحقه ، عرضت له الدنيا فأباها ، والبدع فنفاها .

وقال قتيبة : لولا الثوري لمات الورع ، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين ؛ أحمد إمام الدنيا .

وروي عن إسحاق بن راهوية : أحمد حجة بين الله وبين خلقه .

وعن ابن المديني قال : أعزَّ الله الدين بالصديق يوم الردة ، وبأحمد يوم المحنة .

وقال النفيلي : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين .

وقال علي بن خشرم سمعت بشر بن الحارث يقول : أنا أسئل عن أحمد بن حنبل أحمد بن حنبل أدخل الكير فخرج ذهباً أحمر .

وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن علي بن المديني ، وأحمد بن حنبل أيهما أحفظ فقال : كانا في الحفظ متقاربين ، وكان أحمد أفقه ، إذا رأيت من يحب أحمد فاعلم أنَّه صاحب سنة .

وقال أبو زرعة : أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأفقه ، وما رأيت أحداً أكمل من أحمد .

وقال ابن واره : كان أحمد صاحب فقه ؛ صاحب حفظ ؛ صاحب معرفة .

وقال النسائي : جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث ، والفقه ، والورع ، والزهد ، والصبر .

قال : الخلال أخبرني محمد بن موسى قال : رأيت أبا عبد الله ؛ وقد قال له خراساني : الحمد لله الذي رأيتك قال : اقعد أي شيءٍ ذا ! من أنا !! .

وعن رجلٍ قال : رأيت أثر الغم في وجه أبي عبد الله ، وقد أثنى عليه شخصٌ ، وقيل له جزاك الله عن الإسلام خيراً ؛ قال : بل جزى الله الإسلام عني خيراً من أنا ؟! وما أنا ؟!

قال الخلال : أخبرنا علي بن عبد الصمد الطيالسي ؛ قال : مسحت يدي على أحمد بن حنبل

وهو ينظره ، فغضب ، وجعل ينفض يده ويقول : عمَّن أخذتم هذا .

قال عبد الله بن بشر الطالقاني : سمعت محمد بن طارق البغدادي ؛ قلت لأحمد بن حنبل :

أستمد من محبرتك ، فنظر إليَّ وقال لم يبلغ ورعي ورعك هذا ، وتبسم .

وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول : وددت أني أنجو من هذا الأمر كفافاً لا علي ولا لي .

وقال المروذي : أدخلت إبراهيم الحصري على أبي عبد الله ، وكان رجلاً صالحاً ، فقال : إنَّ أمي رأت لك مناماً هو كذا وكذا ، وذكرت الجنة ، فقال : يا أخي إنَّ سهل بن سلامة كان الناس يخبرونه بمثل هذا ، وخرج في سفك الدماء ، وقال : الرؤيا تسرُّ المؤمن ولاتغره .

وترجم للإمام أحمد ابن كثير من البداية والنهاية في ج10 / 340 وذكر نسبه كما قلناه من سير أعلام النبلاء إلى بكر بن وائل ، ثمَّ أوصله إلى نزار بن معد بن عدنان ، وأنَّه قدم به أبوه من مرو إلى بغداد ؛ وهو حملٌ فوضعته أمُّه ببغداد في عام 164 هـ في ربيع الأول منه ، وزاد وتوفي أبوه ؛ وهو ابن ثلاث سنوات ، وكفلته أمُّه ، وكان في حداثته يختلف إلى مجلس القاضي أبو يوسف ، ثم ترك ذلك وأقبل على سماع الحديث .

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه عن حرملة سمعت الشافعي قال : وعدني أحمد بن حنبل أن يقدم علي مصر فلم يقدم .

قال ابن أبي حاتم : يشبه أن تكون خفة ذات اليد منعته أن يفي بالعدة ، وقد طاف أحمد بن حنبل في البلاد والآفاق ، وسمع من مشائخ العصر ، وكانوا يجلونه ، ويحترمونه في حال سماعه منهـم وقد سرد شيخنا في تهذيبه أسماء شيوخه مرتبين على حروف المعجم ، وكذلك الرواة عنه .

قال البيهقي بعد أن ذكر جماعةً من شيوخ الإمام أحمد ، وقد ذكر أحمد بن حنبل في المسند وغيره الرواية عن الشافعي ، وأخذ جملةً من كلامه في أنساب قريش .

قلت : ( القائل ابن كثير ) قد أفرد ما رواه أحمد عن الشافعي ؛ وهي أحاديث لاتبلغ عشرين حديثاً ، ومن أحسن ما رويناه عن الإمام أحمد عن الشافعي عن مالك بن أنس عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( نسمةُ المؤمن طائرٌ تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه إلى جسده يوم البعث )) .

وقال الشافعي لأحمد لما اجتمع به في الرحلة الثانية إلى بغداد في190 هـ وعمر أحمد إذ ذاك نيفٌ وثلاثون سنة ؛ قال يا أبا عبد الله : إذا صحَّ عندكم الحديث فأعلمني به ؛ أذهب إليه حجازياً كان أو شامياً أو عراقياً أو يمنياً ؛ وقول الشافعي له هذه المقالة تعظيمٌ لأحمد ، وإجلالٌ له وأنَّه عنده بهذه المثابة ؛ إذا صحَّح أو ضعف يرجع إليه .

قال ابن كثير رحمه الله في ج10 / 345 : " وروى البيهقي عن الربيع ؛ قال بعثني الشافعي بكتابٍ من مصر إلى أحمد بن حنبل ، فأتيته ، وقد انفتل من صلاة الفجر ، فدفعت إليه الكتاب فقال : أقرأته فقلت : لا ، فأخـذه ، فقرأه ، فدمعت عيناه ، فقلت : يا أبـا عبـد الله ، وما فيه ؟ قال : يذكر أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال : اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبـل واقرأ عليه مني السلام ، وقل له : إنَّك ستمتحن ، وتدعى إلى القول بخلق القرآن ، فلا تجبهم يرفع الله لك عَلَمَاً إلى يوم القيامة " اهـ .

9- أوصافه الشخصية رحمه الله :

قال الإمام الذهبي في السير في ج11 / 184 : " قال ابن ذَرِيح العكبري : طلبت أحمد بن حنبل ، فسلمت عليه وكان شيخاً مخضوباً طوَّالاً أسمر ؛ شديد السمرة .

وعن محمد بن عباس النحوي ؛ قال : رأيت أحمد بن حنبل : حسن الوجه ؛ رَبْعَةً ؛ يخضب بالحِنَّا خضاباً ؛ ليس بالقاني في لحيته شعراتٌ سود ، ورأيت ثيابه ؛ غلاظاً بيضاً ، ورأيته معتمَّــاً وعليه إزار .

وقال المروذي : رأيت أبا عبد الله إذا كان في البيت عامة جلوسه متربعاً ، خاشعاً ، فإذا كان برَّاً لم يتبين منه خشوع ، وكنت أدخل ، والجزء في يده يقرأ .

وقال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول : تزوجت وأنا ابن أربعين سنةً ، فرزق الله خيراً كثيرا .

وقال أبو بكر الخلال في كتاب أخلاق أحمد ؛ وهو مجلد أملى علي زهيرٌ بن صالح بن أحمد قال : تزوج جدي عباسة بنت الفضل من العرب ، فلم يولد له منها غير أبي ، وتوفيت ، فتزوج بعدها ريحانة ، فولدت له عبد الله عمي ، ثمَّ توفيت فاشترى حُسناً ، فولدت له أم علي زينب ، وولدت له الحسن والحسين توأمان ، وماتا بقرب ولادتهما ، ثم ولدت الحسن ومحمدا ، فعاشا حتى صارا من السن نحو أربعين سنة ، ثمَّ ولدت سعيداً ؛ قيل كانت والدة عبد الله عوراء ، وأقامت معه سنين " اهـ .

10- ثباته في المحنة في عهد المعتصم :

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية في ج10 / 345 ما جاء في محنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله في أيام المأمون ، ثمَّ المعتصم ، ثمَّ الواثق بسبب قولهم في القرآن العظيم أنَّه مخلوق وما أصابه بسبب ذلك من الحبس الطويل ، والضرب الشديد ، والتهديد بالقتل ، وبسوء العذاب ، وأليم العقاب وقلة مبالاته بما كان منهم في ذلك إليه ، وصبره عليه ، وتمسكه بما كان عليه من الدين القويم والصراط المستقيم ، وكان أحمد عالماً بما ورد بمثل حاله من الآيات المتلوة والأخبار المأثورة .... " إلى أن قال : " قال الله تعالى : ) بسم الله الرحمن الرحيم $ ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون $ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين ( [ العنكبوت 1- 3 ] وقوله : ) واصبر على ما أصابك إنَّ ذلك لمن عزم الأمور ( [ لقمان : 17 ] ثمَّ أورد حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد في مسنده من طريق ابنه مصعب بن سعـد عن أبيه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلـم : (( أي الناس أشد بلاءً ؟ قال : الأنبياء ، ثمًّ الأمثل ، فالأمثل )) " اهـ . قلت : وفي هذا الحديث بشارةٌ لأصحاب البلاء بوافر الأجـر وعظيم الذخر عند الله عز وجل حيث قرنهم بالأنبياء .

وذكر ابن كثير رحمه الله في ص346 ملخص الفتنة والمحنة من كلام أئمة السنة : فقال ابن كثير رحمه الله : " قد ذكرنا فيما تقدم أنَّ المأمون كان قد استحوذ عليه جماعةٌ من المعتزلـة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل ، وزينوا له القول بخلق القرآن ، ونفـي الصفات عن الله عز وجـل قال البيهقي : ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية ، وبني العباس خليفةً إلاَّ على مذهب السلف ومنهاجهم فلمَّا ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء ، فحملوه على ذلك ، وزينوه له ، واتفق خروجه إلى طرطوس لغزو الروم ، فكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن ، واتفق له ذلك آخر عمره قبل موته بشهور من سنة ثمانية عشرة ومائتين ، فلمَّا وصل الكتاب كما ذكرنا استدعى جماعةٌ من أئمة الحديث فدعاهم إلى ذلك فامتنعوا ، فتهددهم بالضرب ، وقطع الأرزاق ، فأجاب أكثرهم مكرهين ، واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح الجنديسابور ، فحملا على بعيرٍ ، وسيِّرا إلى الخليفة عن أمره بذلك ، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعيرٍ واحد ، فلمَّا كانا ببلاد الرحبة جاءهم رجلٌ من الأعراب من عبَّادهم يقال له جابر بن عامر ، فسلم على الإمام أحمد ، وقال له : يا هذا إنَّك وافد الناس ، فلاتكن شؤماً عليهم ، وإنَّك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه ، فيجيبوا ، فتحمل أوزارهم يوم القيامة ، وإن كنت تحب الله فاصبر على ما أنت فيه ؛ فإنَّه ما بينك وبين الجنة إلاَّ أن تقتل ، وإن لم تقتل تمت ، وإن عشت عشت حميداً ؛ قال أحمد : وكان كلامه مما قوَّى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع من ذلك الذي يدعونني إليه ، فلمَّا اقتربا من جيش الخليفة ، ونزلوا دونه بمرحلة جاء خادم وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه ويقول : يعزُّ عليَّ يا أبا عبد الله أنَّ المأمون قد سلَّ سيفاً لم يسله قبل ذلك ، وأنَّه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنَّك بذلك السيف قال : فجثى الإمام أحمد على ركبتيه ، ورمق بطرفه إلى السماء ، وقال سيدي غرَّ حلمك هذا الفاجر ؛ فتجرَّأ على أولياءك بالضرب ، والقتل ؛ اللهم فإن كان القرآن كلامك غير مخلوق فاكفنا مؤنته ؛ قال فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل ؛ قال أحمد : ففرحنا ، ثمَّ جاء الخبر بأنَّ المعتصم قد ولي الخلافة ، وقد انضم إليه أحمد بن أبي دؤاد ، وأنَّ الأمر شديد ، فردونا إلى بغداد في سفينةٍ مع بعض الأسارى ، ونالني منهم أذى كثير ، وكان في رجليه القيود ، ومات صاحبه محمد بن نوح في الطريق ، وصلَّى عليه أحمد ، فلمَّا رجع أحمد إلى بغداد دخلها في رمضـان فأودع في السجن نحواً من ثمانيةً وعشرين شهراً ، وقيل نيفاً وثلاثين شهـراً ثمَّ أخرج إلى الضرب بين يدي المعتصم ، وقد كان أحمد وهو في السجن هو الذي يصلي في أهل السجن والقيود في رجليه .

ثمَّ قال ابن كثير رحمه الله في ص347 : " ذِكْرُ ضربه رحمه الله بين يدي المعتصم ؛ قال : لمَّا أحضره المعتصم من السجن زاد في قيوده ؛ قال أحمد : فلم أتستطع أن أمشي بها ، فربطتها في التَّكَّة ، وحملتها بيدي ، ثمَّ جاءوني بدابة ، فحملت عليها ، فكدت أن أسقط على وجهي من ثقل القيود ، وليس معي أحدٌ يمسكني ، فسلَّم الله حتى جئنا دار المعتصم ، فأدخلت في بيتٍ ، وأغلق علي ، وليس عندي سراجٌ ، فأردت الوضوء ، فمددت يدي ، فإذا إناءٌ فيه ماء ، فتوضأت ، ثمَّ قمت ، ولا أعرف القبلة ، فلمَّا أصبحت ، فإذا أنا على القبلة ، ولله الحمـد ، ثمَّ دعيت فأدخلت على المعتصم ، فلمَّا نظر إليَّ ، وعنده ابن أبي دؤاد ؛ قال : أليس قد زعمتم أنَّه حدث السن ؟ وهذا شيخٌ مكْهِلٌ ، فلمَّا دنوت منه ، وسلمَّت ؛ قال لي : ادنه ، فلم يزل يدنيني حتى قربت منه ، ثمَّ قال : اجلس ، فجلست ، وقد أثقلني الحديد ، فمكثت ساعةً ، ثمًَّ قلت : يا أمير المؤمنين : إلى ما دعا ابن عمِّك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله ؛ قلت : فإني أشهد أن لا إله إلاَّ الله ؛ قال : ثمَّ ذكرت حديث ابن عباس في وفد عبد القيس ثمَّ قلت : فهذا الذي دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : ثمَّ تكلم ابن أبي دؤاد بكلامٍ لم أفهمه ، وذلك أنِّي لم أتفقه كلامه ، ثمَّ قال المعتصم : لولا أنَّك كنت في يد من كان قبلي لم أتعرض إليك ، ثمَّ قال يا أبا عبد الرحمن : ألم آمرك أن ترفع المحنة ؟ فقلت : الله أكبر ؛ هذا فرجٌ للمسلمين ، ثمَّ قال : ناظره يا عبد الرحمن ؛ كلِّمه . فقال لي عبد الرحمن : ما تقول في القرآن : فلم أجبه ، فقال المعتصم : أجبه ، فقلت : ما تقول في العلم ، فسكت ، فقلت : القرآن من علم الله ، فمن زعم أنَّ علم الله مخلوقٌ فقد كفر بالله ، فسكت ، فقالوا فيما بينهم : يا أمير المؤمنين كفَّرك ، وكفرنا ، فلم يلتفت إلى ذلك ، فقال عبد الرحمن : كان الله ، ولاقرآن ، فقلت : كان الله ولاعلم ، فسكت ، فجعلوا يتكلمون من هاهنا ، وهاهنا ، فقلت : يا أمير المؤمنين : اعطوني شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله حتى أقول به ، فقال ابن أبي دؤاد : وأنت لاتقول إلاَّ بهذا وهذا ؟ فقلت : وهل يقوم الإسلام إلاَّ بهما ؟!! وجرت مناظراتٌ طويلة ، واحتجوا عليه بقوله : ) ما يأتيهم من ذكرٍ من ربهم محدثٍ ( وبقوله : ) الله خالق كل شيءٍ ( وأجاب بما حاصله : أنَّه عامٌّ مخصوص ، وبقوله : ) تدمِّر كلَّ شيءٍ بأمر ربها ( فقال ابن أبي دؤاد : هو والله يا أمير المؤمنين ضال ؛ مضل ؛ مبتدع ، وهنا قضاتك ، والفقهاء ، فسلهم ، فقال لهم : ما تقولون ؟ فأجابوا : بمثل ما قال ابن أبي دؤاد ، ثمَّ أحضروه في اليوم الثاني ، وناظروه أيضاً في اليوم الثالث وفي ذلك يعلوا صوته عليهم ، وتغلب حجته حججهم ، فإذا سكتوا فتح الكلام عليهـم ابن أبي دؤاد وكان من أجهلهم بالعلم ، والكلام ، وقد تنوعت بهم المسائل في المجادلة ، ولا علم لهم بالنقل وجعلوا ينكرون الآثار ، ويردون الاحتجاج بها ، وسمعت منهم مقالاتٍ لم أكن أظنُّ أنَّ أحداً يقولها ، وقد تكلم معي ابن غوث بكلامٍ طويلٍ ذكر فيه الجسم ، وغيره بما لافائدة فيه فقلت : لا أدري ما تقول ؟ إلاَّ أني أعلم أنَّ الله أحدٌ ؛ صمدٌ ؛ ليس كمثله شيءٌ ، فسكت عني وقد أوردت لهم حديث الرؤية في الدار الآخرة ، فحاولوا أن يضعفوا إسناده ، ويلفقوا عن بعض المحدثين كلاماً يتسلقون به إلى الطعن فيه ، وهيهات ، وأنَّى لهم التناوش من مكانٍ بعيد ، وفي غضون ذلك كله يتلطف به الخليفة ، ويقول : يا أحمد : أجبني حتى أجعلك من خاصتي ، وممن يطأ بساطي ، وأقول : يا أمير المؤمنين يأتوني بآيةٍ من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجيبهم إليها ؟ واحتج أحمد عليهم حين أنكروا الآثار بقوله تعالى : ) يا أبت لم تعبد ما لايسمع ولايبصر ولايغني عنك شيئا ( وبقوله : ) وكلم اللهُ موسى تكليما ( وبقوله : ) إنَّني أنا الله لا إله إلاَّ أنا فاعبدني ( وبقوله : ) إنَّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( ونحو ذلك من الآيات ، فلمَّا لم يقم لهم معه حجةً عدلوا إلى استعمال جاه الخليفة ، فقالـوا : يا أمير المؤمنين ؛ هذا كافرٌ ؛ ضالٌّ ؛ مضل ؛ وقال إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد : يا أمير المؤمنين ليس من تدبير الخلافة أن تخلي سبيله ، ويغلب خليفتين ، وعند ذلك حمي ، واشتد غضبه ، وكان ألينهم عريكةً ، وهو يظنُّ أنَّهم على شيء . قال أحمد : فعند ذلك قال لي : لعنك الله طمعت فيك أن تجيبني فلم تجبني ، ثمَّ قال : خذوه ، واخلعوه ، واسحبوه ؛ قال أحمد : فأخذت ، وسحبت وخلعت ، وجيء بالعقابين والسياط ، وأنا أنظر ، فجردوني ، وصرت بين العقابين ، فقلت : يا أمير المؤمنين : الله ؛ الله ؛ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لايحل دم امرئٍ مسلم يشهـد أن لا إله إلاًَّ الله إلاَّ بإحدى ثلاث )) وتلوت الحديث ، وأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاَّ الله ، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهـم ، فبـم تستحل دمـي ولم آت شيئاً من هذا يا أمير المؤمنين ؟ اذكر وقوفك بين يدي الله كوقوفي بين يديك ، وكأنَّه أمسك ، ثمَّ لم يزالوا يقولون له يا أمير المؤمنين : إنَّه ضالٌّ ؛ مضل كافرٌ ، فأمرني فقمت بين العقابين ، وجيء بكرسيٍّ ، فأقمت عليه ، وأمرني بعضهم أن آخذ بيدي بأي الخشبتين ، فلم أفهم فتخلعت يداي ، وجيء بالضرابين ، ومعهم السياط ، فجعل أحدهم يضربني سوطيـن ويقول له : يعني المعتصم شُدَّ قطع الله يديك ، وجاء الآخر ، فضربني سوطين ثمَّ الآخر كذلك فضربوني أسواطاً ، فأغمي عليَّ ، وذهب عقلي مراراً ، فإذا سكن الضـرب يعود عليَّ عقلي فقام المعتصم إليَّ يدعوني إلى قولهم ، فلم أجبه ، وجعلوا يقولون ، ويحك الخليفة على رأسك فلم أقبل ، وأعادوا الضرب ، ثمَّ عاد إليَّ فلم أجبه ، فأعادوا الضرب ، ثمَّ جاء إليَّ الثالثة ، فـدعاني فلـم أعقـل ما قال من شدة الضرب ، ثمَّ أعادوا الضرب ، فذهـب عقلي ولم أحس بالضرب ، وأرعبه ذلك من أمري ، وأمر بي فأطلقت ، ولم أشعر إلاَّ وأنا في حجرة من بيتٍ ، وقد أطلقت القيـود من رجلي ، وكان ذلك في الخامس والعشرين من رمضان سنة 221 هـ ثمَّ أمر الخليفة بإطلاقه إلى أهله ، وكان جملة ما ضرب نيفاً ، وثلاثين سوطاً ، وقيل ثمانين سوطـاً لكن ضرباً مبرحاً ؛ شديداً جداً ، وقد كان الإمام أحمد رجلاً طوَّالاً أسمر اللون كثير التواضع رحمه الله " اهـ .

11- منعه رحمه الله من التحديث :

كنت أعتقد أنَّه منع من التحديث من دولة ذلك الزمن ، وحسب ما قرأت ؛ لم أجد ما يدل صراحةً على ذلك ، والذي وجدته أنَّ الإمام أحمد لمَّا عاد إلى بيته بعد الضرب جلس في بيته ، فلم يخرج منه لجمعةٍ ولا لجماعة ، وامتنع من التحديث .

قال ابن كثيرٍ رحمه الله في البداية والنهاية : " ما كان من أمر الإمام أحمد بعد المحنة حين خرج من دار الخلافة ؛ صار إلى منـزله حتى برئ ولله الحمد ، ولازم منـزله ، فلا يخرج منه إلى جمعةٍ ولاجماعة ، وامتنع من التحديث ، وكانت غَلَّتُه من ملْكٍ له في كل شهرٍ سبعة عشر درهماً ينفقها على عياله ، وتقنَّع بذلك رحمه الله صابراً محتسباً ، ولم يزل كذلك مدة خلافة المعتصم ، وكذلك في أيام ابنه محمد الواثق .

12- المحنة في عهد الواثق :

قال الإمام الذهبي في ج11 / 263 : " قال حنبل : لم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من الضرب يحضر الجمعة والجماعة ، ويحـدث ويفتي حتى مات المعتصم ، وولي ابنه الواثق ، فأظهر ما أظهر من المحنة ؛ والميل إلى أحمد بن أبي دؤاد ، وأصحابه ، فلمَّا اشتدَّ الأمر على أهل بغداد وأظهرت القضاة المحنة ، وفرِّق بين فضل الأنماط وبين امرأته ، وبين أبي صالح وبين امرأته ؛ كان أبو عبد الله ليشهد الجمعة ، ويعيد إذا رجع ، ويقول : تؤتى الجمعة لفضلها ، والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة .

وجاء نفرٌ إلى أبي عبد الله ، وقالوا : هذا الأمر قد فشا ، وتفاقم ، ونحن نخافه على أكثر من هذا

وذكروا ابن أبي دؤاد ، وأنَّه على أن يأمر المعلمين بتعليم الصبيان في المكاتب القرآن كذا وكذا فنحن لانرضى بإمارته ، فمنعهم من ذلك ، وناظرهم ، وحكى أحمد قصده من مناظرتهم ، وأمرهم بالصبر .

قال : فبينا نحن في أيام الواثق إذ جاءه يعقوب ليلاً برسالةٍ من الأمير إسحاق بن إبراهيم يقول : إنَّ أمير المؤمنين قد ذكرك ، فلايجتمعنَّ إليك أحدٌ ، ولاتساكنِّي بأرضٍ ، ولامدينةٍ أنا فيهـا فاذهب حيث شئت من أرض الله ، فاختفى أبو عبد الله مدة حياة الواثق ، وكانت تلك الفتنة وقتل أحمد بن نصر الخزاعي ، ولم يزل أبو عبد الله مختفياً في البيت لايخرج إلى صلاةٍ ، ولا إلى غيرها حتى هلك الواثق .

وعن أبي عبد الله البوشنجي قال : حدَّث أحمد ببغداد جهرةً ، فرجعت من الكوفة ، فأدركته في رجب سنة 27 هـ يعني ومائتين ، وهو يحدث ، ثمَّ قطع الحديث لثلاثٍ بقين من شعبـان بلا منعٍ ؛ بل كتب الحسن بن علي بن الجعد قاضي بغداد إلى ابن أبي دؤاد : إنَّ أحمد قد انبسط في الحديث ، فبلغ ذلك أحمد ، فقطع الحديث إلى أن توفي رحمه الله .

13- انتهاء المحنة بولاية المتوكل على الله :

قال الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء في ج11 / 265 : " قال حنبل : ولي المتوكل جعفر فأظهر الله السنة ، وفرَّج عن الناس ، وكان أبو عبد الله يحدثنا ، ويحدث أصحابه في أيام المتوكل وسمعته يقول : ما كان الناس إلى الحديث والعلم أحوج منهم إليه في زماننا ، ثمَّ إنَّ المتوكل ذكره وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم في إخراجه إليه ، فجاء رسول إسحاق يأمره بالحضور ، فمضـى أبو عبد الله ، ثمَّ رجع فسأله أبي عمَّا دعي له ، فقال : قرأ عليَّ كتاب جعفر يأمرني بالخروج إلى العسكر يعني سُرَّ من رأى .

منقول من موقع الشيخ أحمد النجمي : موقع الدعوة السلفية بصامطة

https://www.njza.net/web/articles.php?art_id=7









 


رد مع اقتباس
قديم 2011-09-08, 10:49   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هناك شرح صوتي للشيخ الدعيج منهنا https://ar.islamway.com/lesson/4687
واخر للشيخ محمد بن هادي المدخلي من همنا https://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=117593










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-08, 17:36   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يتبع باعلام الامة










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-09, 09:59   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم<br>خطبة الجمعة في المسجد النبوي بالمدينة النبوية<br>لفضيلة الشيخ : عبدالباري الثبيتي<br><br>بتاريخ : 26- 6-1422هـ<br><br>والتي تحدث فيها فضيلته عن : سيرة الإمام مالك<br> <br><br>الحمد لله عز وجل، ما أجل سلطانه، وأعظم شأنه، وأعم إحسانه، إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُعز من يشاء بعلمه وحكمته ويُذل من يشاء بعدله وقدرته وهو أعدل العادلين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله ربّى وعلّم، وأدّب وقوّم، فكان إمام المصلّين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله مصابيح الدُّجى، وأصحابه مفاتيح الهدى، وأتباعه خير الورى، أما بعد:<br><br>فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].<br><br>الحديث عن العظماء من العلماء ليس أمرًا سهلاً، فمهما اجتهدت لتستوعب حياة أحدهم فسيعجز قلمك، ويقصر علمك، بل قد يغيب عنك الأهم دلالة والأبلغ تأثيرًا. سيرة العظماء من العلماء الأوائل هي القدوة المثلى، وإبرازها تحفيز لفتياننا وفتياتنا للإفادة منها، ولئلا يلتفتوا لقدوات هزيلة هابطة لا وزن لها في الحياة ولا قيمة لها في التاريخ.<br><br>حديثنا عن العلماء ليس تعصّبًا لأحد منهم، فكل إنسان منهم يُأخذ منه ويُرد إلا المعصوم .<br><br>عظيمنا، إمام نشأ في طيبة الطيبة ونهل من معينها وارتفع ذكره وملأ الأرض علمه، جلس للتدريس في جنبات هذا المسجد النبوي الشريف حتى إذا قيل "عالم المدينة" أو "إمام دار الهجرة" لا ينصرف إلا إليه.<br><br>ولد الإمام مالك بن أنس في مدينة رسول الله ، نشأ محبًا للعلم مغترفًا منه، على الرغم من فقره وقلة حاله. أم الإمام مالك أحسنت توجيه ابنها، أتت له وقالت: "اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه"، هذه المرأة عرفت دورها في الحياة، ورسالتها في التربية وإعداد الجيل، وأن الأدب قرين العلم، ولا قيمة للعلم بلا أدب، والأدب في ابتداء العلم وأثناء العلم، فصنعت هذه المرأة رجلاً صنع أُمّة.<br><br>ليست مهمة الأم تغذية الجسد والعمل على وقايته من الأمراض فحسب، بل رسالتها أجلّ وأكبر وأعظم، رسالتها تقوية الإيمان، وبناء الشخصية وتنمية العقل، وحفز الهمم نحو المعالي، ولن تبلغ ذلك حتى تزوي كل الهموم الدنيوية أمام هم التربية الأكبر. لقد صبغت هذه الكلمة حياة مالك حقيقة لا قولاً، وواقعًا لا خيالاً، فغدا مدرسة في الأدب ينهل طلابه من هيئته وسمته، وتقتبس الأمة من سيرته. <br><br>قال مالك لفتىً من قريش: "يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم"، وقال ابن وهب: "الذي تعلمنا من أدب مالك أكثر ما تعلمناه من علمه"، وقد تعلموا منه علمًا كثيرًا. وقال يحي بن يحي التميمي: "أقمت عند مالك ابن أنس بعد كمال سماعي منه سنة أتعلم هيئته وشمائله فإنها شمائل الصحابة والتابعين".<br><br>إن الأسلوب الحديث في التعليم يبدو أحيانًا نصوصًا مجردة من مضامينها الأدبية ومدلولاتها الخُلقية ففقد التعليم بذلك بهاءه وجماله وأثره واتساعه، وإذا فُصل بين العلم والأدب فمهما كان المخزون العلمي والثراء المعرفي فإنك واجد ضعفًا شديدًا في أثر العلم على الأخلاق والسلوك وتزكية الأعمال وصلاح القلوب، ولا خير في علم امرئ لم يُكسبه أدبًا ويُهذِّبه خُلقًا.<br><br>الجفوة بين العلم والأدب تُفرز أعراضًا مرضية منها التهجم على العلماء، والتطاول على الفضلاء، وسوء الأخلاق، وشذوذ السلوك، وعقوق الوالدين، والتقليد الأعمى في الهيئة واللباس، مع اعتداء على المعلمين والمربين بالأقوال والأفعال.<br><br>كان لطيبة الطيبة أثر ملموس في بناء شخصية الإمام مالك فقد كانت تعج بالعلماء والتابعين، تحتضنهم الجامعة الكبرى، والمدرسة الأولى، مسجد رسول الله ، على رأس كل حلقة من حلقات العلم في هذا المسجد النبوي يجلس عالم، والذين يرومون تربية صالحة لأبنائهم عليهم توفير محاضن آمنة دينًا صالحة خلقًا، لينشأ الفتى نقي السيرة سليم السريرة. ومن نافلة القول أن البيئة السيئة تهدم ولا تبني، ماذا يبقى بعد أن يلقن الابن صباحًا القيم الإسلامية، ثم يأوي مساءً إلى جلساء السوء يفسدون ما أصلحه الوالدان، وماذا يبقى بعد أن يلقن الولد الأدب لسنوات ثم يحمله والداه إلى أجواء ملوثة في دول لا تدين بالإسلام وهو ما زال غضًا طريًا، لتُنخر عقيدته ويضعف إيمانه وتُزلزل قيمه وأخلاقه.<br><br>جلس الإمام مالك للفُتيا ولم يجلس حتى شهد له سبعون شيخًا من أهل العلم أنه موضع لذلك، وفرق بين من يزكي نفسه ويصدّرها ومن يصدّره أهل العلم والفضل، يقول الإمام مالك: "وليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفُتيا جلس حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل، فإن رأوه أهل لذلك جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخًا من أهل العلم أني موضع لذلك"، يقول الإمام مالك: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا رأيي، فما وافق السنة فخذوا به". يضع الإمام مالك -رحمه الله- منهجًا وسطًا بين من يتعصب للأئمة ويقلد تقليدًا أعمى، ويرفض الأدلة الصحيحة، وبين من يرفض أقوال الأئمة الأعلام ويقول: هم رجال ونحن رجال، وشتان ما بين رجال ورجال، شتان ما بين رجال خلّد الله ذكرهم على مرّ القرون وهم أموات، ورجال لا وزن لهم ولا ذكر وهم أحياء، أولئك تحيا القلوب بذكرهم، وهؤلاء يموت القلوب بمجالستهم. إذا ذكر الأئمة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، فهؤلاء معهم أقزام أولئك الأئمة لم يكونوا مجرد خزانة للنصوص، بل كانوا قممًا في الأدب والعلم، وكانوا علماء في التقوى، علماء في العبادة، علماء في الزهد والورع والخشية والخوف إلى غير ذلك.<br><br>من الخطأ -عباد الله- احتقار أعمال الآخرين، ومن الجهل ظن بعضًا أن ما يقوم به من الخير أفضل من غيره، أو يظن من أوتي شيئًا من العلم أن من سواه ليس على شيء أو ليس بشيء أو يظن من أنكر منكرًا أو أمر بمعروف أنه أفضل من غيره، فهذه القدرات والمواهب والإمكانات أرزاق من الله وليست من البشر، وهذا هو الفهم العظيم الذي يرسمه الإمام مالك للأمة بكل فئاتها أن خدمة الدين تنتظم الجميع في أي تخصص وميدان دون أن يحرّج أحد على أحد، فكل مسيّر لما خلق له.<br><br>كتب إلى الإمام مالك أحد عُبّاد عصره يحضّه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك -رحمه الله-: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرُب رجل فُتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد وآخر فتح له في العلم، ونشر العلم من أفضل الأعمال، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر" انتهى كلامه. فأصحاب الصدقات والعُباد والزهاد على خير، والباذلون في سبيل الله أوقاتهم والمنفقون أموالهم على خير، الوعاظ والدعاة والعلماء والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر على خير، والذين يخدمون الدين بتخصصاتهم العلمية وشهاداتهم العالمية كلهم على خير؛ إن أخلصوا النية لله رب العالمين لا شريك له. وفي الأمة أفراد يملكون قدرات عظيمة ومواهب فذّة لو سخروها واستثمروها لنفع مجتمعهم وخدمة أمتهم لكان لهم ولها شأن آخر.<br><br>كان مالك إذا سُئل عن مسألة قال للسائل انصرف حتى أنظر فيها، فينصرف ويتردد فيها، فقلنا له في ذلك، فبكى وقال: "إني أخاف أن يكون لي من السائل يوم وأي يوم". سأله رجل من أهل المغرب عن مسألة كلفه بها أهل المغرب أن يسأل الإمام مالكًا، فكان جواب الإمام مالك: "لا أدري، ما ابتلينا بهذه المسألة في بلدنا وما سمعنا أحدًا من أشياخنا تكلم فيها ولكن تعود"، وفي اليوم التالي عاد الرجل فقال له الإمام مالك: "سألتني وما أدري ما هي"، فقال الرجل: "يا أبا عبدالله تركت خلفي من يقول ليس على وجه الأرض أعلم منك"، فقال الإمام مالك: "لا أُحسن". وسأله أحدهم عن مسألة وطلب وقتًا للنظر فيها، فقال السائل هذه مسألة خفيفة، فردّ الإمام مالك: "ليس في العلم شئ خفيف، أما سمعت قول الله تعالى: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً [المزمل:5]"، وقال بعضهم لكأنما مالك -والله- إذا سُئل عن مسألة واقف بين الجنة والنار. هؤلاء العلماء الذين ملئوا الدنيا بعلمهم وعملهم، يقول أحدهم أحيانًا: "لا أدري"، وإنك لتعجب أشد العجب من أقوام ليس لهم حظ يذكر من العلم الشرعي يؤهلهم للفُتيا ثم يقتحمون حمى الشريعة فيخوضون تحليلاً وتحريمًا، وقد تُطرح مسألة شرعية في منتدى أو مجلس فلا ينقضي المجلس حتى يُفتي الجميع على اختلاف فئاتهم وتخصصاتهم، هذا يقول في ظني، وذاك في اعتقادي، وآخر يجزم بالتحليل والتحريم، فسبحانك ربي هل غدا التحليل والتحريم والتوقيع عن رب العالمين مرتعًا للجهل والظنون والأوهام. لو خرج إلى الناس مهندس فأخذ يمارس الطب ويصف الدواء للمرضى ماذا تقولون عنه وبما تصفونه وما مصيره!، فكيف بمن يتقحّم حمى الشريعة ويسود صفحات الكتب والصحف بالتحليل والتحريم وهو ليس من أهل الشريعة، فضلاً عن أن يكون من أهل الفُتيا خاصة في نوازل الأمة التي لو نزلت على عُمر لجمع لها أهل بدر. لقد غدت الفتوى في عصرنا الحاضر مجالاً فسيحًا يتسابق فيه من يريد الشهرة أو من يلتمس رضى الناس بسخط الله. أخوة الإسلام مسائل العقيدة توقيفية لا يدخلها الاجتهاد، والمسائل التي فيها نص من الشارع لا يدخلها الاجتهاد، فالاجتهاد مع نص والمسائل المجمع عليها لا اجتهاد فيها، لأنه لا تجوز مخالفة الإجماع. إن على الأمة أن تكِل النظر في مسائل العلم إلى أهله من العلماء العاملين ويعطوا القوس باريها، وأن لا يدخلوا فيما لا يُحسنون في أي مسألة من الحلال والحرام لأن هذا قطع في حكم الله، يقول مالك -رحمه الله-: "من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة ثم يجيب".<br><br>بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.<br><br> <br><br>الخطبة الثانية:<br><br>الحمد لله عز وجل هو بارئ الخلق وواهب الرزق ومبدع الحياة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالعدل وهو خير العادلين، وأنصف في الحكم وهو أحكم الحاكمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أصحابه الكرام وأتباعه الهداة الأعلام، أما بعد:<br><br>فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، عباد الله: قد ينقدح في بعض الأذهان أن هؤلاء الأئمة العلماء لا يجيدون إلا مسائل الخلاف ومناقشة الأقوال العلمية وتخلوا مجالسهم من أحاديث الوعظ والرقائق التي تلامس شغاف القلوب وتذكر الجنة والنار، ولإبراز شمول حِلقهم بشتى فنون العلم نشنف الآذان بموعظة بليغة يُذكِّر فيها الإمام مالك -رحمه الله- أخًا له في الله فيقول: "ذكر نفسك غمرات الموت وكُربه، وما هو نازل به منك، وما أنت موقوف عليه بعد الموت من العرض على الله ثم الحساب ثم الخلود بعد الحساب إلى الجنة أو إلى النار، وأعدّ له ما يسهل عنك به عنت أهوال تلك المشاهد وكربها، فإنك لو رأيت أهل سخط الله وما صاروا إليه من أهوال العذاب وشدة نقمة الله وسمعت زفيرهم في النار وشهيقهم مع كلوح وجوههم لا يبصرون ولا يتكلمون، يدعون بالثبور، وأعظم من ذلك حسرة إعراض الله تعالى عنهم بوجهه وانقطاع رجائهم في إجابته إياهم حيث: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108].<br><br>مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يومًا، وبلغ من عمره حين وفاته سبعًا وثمانين سنة وقيل بلغ تسعين سنة. وعن ابن نافع: تُوفي مالك وهو ابن سبع وثمانين سنة، وأقام مُفتيًا بالمدينة بين أظهرهم ستين سنة،<br><br>رحم الله مالكًا فقد كان يقول: "أدركت ناسًا في المدينة لم تكن لهم عيوب فتكلموا في عيوب الناس فأحدث الناس لهم عيوبًا، وأدركت ناسًا بالمدينة كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فسكت الناس عن عيوبهم". <br><br> <br><br>ألا وصلوا -عباد الله- على رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].<br><br>اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا أرحم الراحمين.<br><br>اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين ودمّر اللهم أعداءك أعداء الدين, واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه، وأوله وآخره، ونسألك الدرجات العلا من الجنة يا رب العالمين. <br><br>اللهم أعنا ولا تعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا, واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا. اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين لك مخبتين لك أواهين منيبين. اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وثبت حجتنا وسدد السنتنا واسلل سخيمة قلوبنا.<br><br>اللهم انصر من نصر الدين، واخذل اللهم من خذل الإسلام والمسلمين.<br><br>اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره، يا سميع الدعاء، اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين لإعلاء كلمتك في فلسطين وفي كشمير وفي الشيشان وفي كل مكان يا رب العالمين.<br><br>اللهم وفق إمامنا لما تحب وترضى، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين.<br><br>ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.<br><br> <br>










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-11, 19:05   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
tako02012
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية tako02012
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكراااااااااا









رد مع اقتباس
قديم 2011-09-12, 10:36   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










رد مع اقتباس
قديم 2011-09-17, 12:05   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
التوحيد الخالص
عضو محترف
 
الصورة الرمزية التوحيد الخالص
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أبو حنيفة (ت، س) الإمام، فقيه الملة، عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة يقال: إنه من أبناء الفرس.

ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة. ولم يثبت له حرف عن أحد منهم، وروى عن عطاء بن أبي رباح، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال. وعن الشعبي، وعن طاوس ولم يصح، وعن جبلة بن سحيم، وعدي بن ثابت، وعكرمة، وفي لُقِيِّه له نظر، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وعمرو بن دينار، وأبي سفيان طلحة بن نافع، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، وقيس بن مسلم، وعون بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ومحارب بن دثار، وعبد الله بن دينار، والحكم بن عتيبة، وعلقمه بن مرثد، وعلي بن الأقمر، وعبد العزيز بن رفيع، وعطية العوفي، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه، وزياد بن علاقة، وسلمة بن كهيل، وعاصم بن كليب، وسماك بن حرب، وعاصم بن بهدلة، وسعيد بن مسروق، وعبد الملك بن عمير، وأبي جعفر الباقر، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبي إسحاق السبيعي، ومنصور بن المعتمر، ومسلم البطين، ويزيد بن صهيب الفقير، وأبي الزبير، وأبي حصين الأسدي، وعطاء بن السائب، وناصح المحلمي، وهشام بن عروة، وخلق سواهم. حتى إنه روى عن شيبان النحوي وهو أصغر منه، وعن مالك بن أنس وهو كذلك.

وعني بطلب الآثار، وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه، فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك.

حدث عنه خلق كثير، ذكر عنهم شيخنا أبو الحجاج في تهذيبه هؤلاء على المعجم: إبراهيم بن طهمان عالم خراسان، وأبيض بن الأغر بن الصباح المنقري، وأسباط بن محمد، وإسحاق الأزرق، وأسد بن عمرو البجلي، وإسماعيل بن يحيى الصيرفي، وأيوب بن هانئ، والجارود بن يزيد النيسابوري، وجعفر بن عون، والحارث بن نبهان، وحيان بن علي العنزي، والحسن بن زياد اللؤلؤي، والحسن بن فرات القزاز، والحسين بن الحسن بن عطية العوفي، وحفص بن عبد الرحمن القاضي، وحكام بن سلم، وأبو مطيع الحكم بن عبد الله، وابنه حماد بن أبي حنيفة، وحمزة الزيات وهو من أقرانه، وخارجة بن مصعب، وداود الطائي، وزفر بن الهذيل التميمي الفقيه، وزيد بن الحباب، وسابق الرقي، وسعد بن الصلت القاضي، وسعيد بن أبي الجهم القابوسي، وسعيد بن سلام العطار، وسلم بن سالم البلخي، وسليمان بن عمرو النخعي، وسهل بن مزاحم، وشعيب بن إسحاق، والصباح بن محارب، والصلت بن الحجاج، وأبو عاصم النبيل، وعامر بن الفرات، وعائذ ابن حبيب، وعباد بن العوام، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وأبو يحيى عبد الحميد الحماني، وعبد الرزاق، وعبد العزيز بن خالد ترمذي، وعبد الكريم بن محمد الجرجاني، وعبد المجيد بن أبي رواد، وعبد الوارث التنوري، وعبيد الله بن الزبير القرشي، وعبيد الله بن عمرو الرقي، وعبيد الله بن موسى، وعتاب بن محمد، وعلي بن ظبيان القاضي، وعلي بن عاصم، وعلي بن مسهر القاضي، وعمرو بن محمد العنقزي، وأبو قطن عمرو بن الهيثم، وعيسى بن يونس، وأبو نعيم، والفضل بن موسى، والقاسم بن الحكم العرني، والقاسم بن معن، وقيس بن الربيع، ومحمد بن أبان العرني كوفي، ومحمد بن بشر، ومحمد بن الحسن بن أتش، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومحمد بن خالد الوهبي، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، ومحمد بن الفضل بن عطية، ومحمد بن القاسم الأسدي، ومحمد بن مسروق الكوفي، ومحمد بن يزيد الواسطي، ومروان بن سالم، ومصعب بن المقدام، والمعافى بن عمران، ومكي بن إبراهيم، ونصر بن عبد الكريم البلخي الصيقل، ونصر بن عبد الملك العتكي، وأبو غالب النضر بن عبد الله الأزدي، والنضر بن محمد المروزي، والنعمان بن عبد السلام الأصبهاني، ونوح بن دراج القاضي، ونوح بن أبي مريم الجامع، وهشيم، وهوذة، وهياج بن بسطام، ووكيع، ويحيى بن أيوب المصري، ويحيى بن نصر بن حاجب، ويحيى بن يمان، ويزيد بن زريع، ويزيد بن هارون، ويونس بن بكير، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو حمزة السكري، وأبو سعد الصاغاني، وأبو شهاب الحناط، وأبو مقاتل السمرقندي، والقاضي أبو يوسف.

قال أحمد العجلي: أبو حنيفة تيمي من رهط حمزة الزيات. كان خزازا يبيع الخز.

وقال عمر بن حماد بن أبي حنيفة: أما زوطى فإنه من أهل كابل، وولد ثابت على الإسلام. وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق فولاؤه لهم، ثم لبني قفل. قال: وكان أبو حنيفة خزازا، ودكانه معروف في دار عمرو بن حريث.

وقال النضر بن محمد المروزي، عن يحيى بن النضر قال: كان والد أبي حنيفة من نسا.

وروى سليمان بن الربيع، عن الحارث بن إدريس قال: أبو حنيفة أصله من ترمذ.

وقال أبو عبد الرحمن المقري: أبو حنيفة من أهل بابل.

وروى أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول عن أبيه، عن جده قال: ثابت والد أبي حنيفة من أهل الأنبار.

مكرم بن أحمد القاضي: حدثنا أحمد بن عبد الله بن شاذان المروزي، عن أبيه، عن جده، سمعت إسماعيل يقول: أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن المرزبان من أبناء فارس الأحرار، والله ما وقع علينا رق قط. ولد جدي في سنة ثمانين، وذهب ثابت إلى علي وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه، وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعلي -رضي الله عنه- فينا.

قال: والنعمان بن المرزبان والد ثابت هو الذي أهدى لعلي الفالوذج في يوم النيروز فقال علي: نورزونا كل يوم، وقيل كان ذلك في المهرجان، فقال: مهرجونا كل يوم.

قال محمد بن سعد العوفي: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ.

وقال صالح بن محمد: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة في الحديث، وروى أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، عن ابن معين: كان أبو حنيفة لا بأس به. وقال مرة: هو عندنا من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب. ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء، فأبى أن يكون قاضيا.

أخبرنا ابن علان كتابة، أنبأنا الكندي، أنبأنا القزاز، أنبأنا الخطيب، أنبأنا، الخلال، أنبأنا علي بن عمرو الحريري، حدثنا علي بن محمد بن كاس النخعي، حدثنا محمد بن محمود الصيدناني، حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي، حدثنا الحسن بن أبي مالك، عن أبي يوسف قال: قال أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم، جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها. فقيل: تعلم القرآن. فقلت: إذا حفظته فما يكون آخره؟ قالوا: تجلس في المسجد فيقرأ عليك الصبيان والأحداث، ثم لا يلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو مساويك، فتذهب رئاستك.

قلت: من طلب العلم للرئاسة قد يفكر في هذا، وإلا فقد ثبت قول المصطفى -صلوات الله عليه- أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه يا سبحان الله ! وهل محل أفضل من المسجد؟ وهل نشر لعلم يقارب تعليم القرآن؟ كلا والله. وهل طلبة خير من الصبيان الذين لم يعملوا الذنوب؟ وأحسب هذه الحكاية موضوعة.. ففي إسنادها من ليس بثقة.

تتمة الحكاية: قال: قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتى لم يكن في الدنيا أحفظ مني؟ قالوا: إذا كبرت وضعفت، حدثت واجتمع عليك هؤلاء الأحداث والصبيان. ثم لم تأمن أن تغلط، فيرموك بالكذب، فيصير عارا عليك في عقبك. فقلت: لا حاجة لي في هذا.

قلت: الآن كما جزمت بأنها حكاية مختلفة، فإن الإمام أبا حنيفة طلب الحديث وأكثر منه في سنة مائة وبعدها ولم يكن إذ ذاك يسمع الحديث الصبيان، هذا اصطلاح وجد بعد ثلاث مائة سنة، بل كان يطلبه كبار العلماء، بل لم يكن للفقهاء علم بعد القرآن سواه ولا كانت قد دونت كتب الفقه أصلا.

ثم قال: قلت: أتعلم النحو. فقلت: إذا حفظت النحو والعربية، ما يكون آخر أمري؟ قالوا: تقعد معلما فأكثر رزقك ديناران إلى ثلاثة. قلت: وهذا لا عاقبة له. قلت: فإن نظرت في الشعر فلم يكن أحد أشعر مني؟ قالوا: تمدح هذا فيهب لك، أو يخلع عليك، وإن حرمك هجوته. قلت: لا حاجة فيه.

قلت: فإن نظرت في الكلام، ما يكون آخر أمره؟ قالوا: لا يسلم من نظر في الكلام من مشنعات الكلام، فيرمى بالزندقة، فيقتل، أو يسلم مذموما.

قلت: قاتل الله من وضع هذه الخرافة، وهل كان في ذلك الوقت وجد علم الكلام؟ !.

قال: قلت: فإن تعلمتُ الفقه؟ قالوا: تسأل وتفتي الناس، وتطلب للقضاء، وإن كنت شابا. قلت: ليس في العلوم شيء أنفع من هذا، فلزمت الفقه وتعلمته.

وبه إلى ابن كاس، حدثني جعفر بن محمد بن حازم، حدثنا الوليد بن حماد، عن الحسن بن زياد، عن زفر بن الهذيل، سمعت أبا حنيفة يقول: كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يوما فقالت لي: رجل له امرأة أمَة، أراد أن يطلقها للسنة، كم يطلقها؟ فلم أدر ما أقول. فأمرتها أن تسأل حمادا، ثم ترجع تخبرني. فسألتْه، فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت فقد حلت للأزواج. فرجعت، فأخبرتني، فقلت: لا حاجة لي في الكلام، وأخذت نعلي فجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد فأحفظها، ويخطئ أصحابه. فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة. فصحبته عشر سنين. ثم نازعتني نفسي الطلب للرئاسة، فأحببت أن أعتزله وأجلس في حلقة لنفسي. فخرجت يوما بالعشي، وعزمي أن أفعل، فلما رأيته لم تطب نفسي أن أعتزله. فجاءه تلك الليلة نعي قرابة له قد مات بالبصرة، وترك مالا، وليس له وارث غيره. فأمرني أن أجلس مكانه، فما هو إلا أن خرج حتى وردت علي مسائل لم أسمعها منه، فكنت أجيب وأكتب جوابي، فغاب شهرين ثم قدم، فعرضت عليه المسائل، وكانت نحوا من ستين مسألة، فوافقني في أربعين، وخالفني في عشرين فآليت على نفسي ألا أفارقه حتى يموت.

وهذه أيضا الله أعلم بصحتها، وما علمنا أن الكلام في ذلك الوقت كان له وجود، والله أعلم.

قال أحمد بن عبد الله العجلي، حدثني أبي قال: قال أبو حنيفة: قدمت البصرة فظننت أني لا أسأل عن شيء إلا أجبت فيه. فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادا حتى يموت، فصحبته ثماني عشرة سنة.

شعيب بن أيوب الصريفيني، حدثنا أبو يحيى الحماني، سمعت أبا حنيفة يقول: رأيت رؤيا أفزعتني، رأيت كأني أنبش قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتيت البصرة، فأمرت رجلا يسأل محمد بن سيرين فسأله، فقال: هذا رجل ينبش أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

المحدث محمود بن محمد المروزي، حدثنا حامد بن آدم، حدثنا أبو وهب محمد بن مزاحم، سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان، كنت كسائر الناس.

أحمد بن زهير، حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثني حجر بن عبد الجبار قال: قيل للقاسم بن معن: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة؟ قال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة. وقال له القاسم: تعال معي إليه، فلما جاء إليه، لزمه وقال: ما رأيت مثل هذا.

محمد بن أيوب بن الضريس، حدثنا أحمد بن الصباح، سمعت الشافعي قال: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ قال: نعم. رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.

وعن أسد بن عمرو، أن أبا حنيفة -رحمه الله- صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة.

وروى بشر بن الوليد، عن القاضي أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل. فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل. فكان يحيي الليل صلاة وتضرعا ودعاء.

وقد روي من وجهين: أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.

قال عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة: رأيت أبا حنيفة شيخا يفتي الناس بمسجد الكوفة، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة.

وعن النضر بن محمد قال: كان أبو حنيفة جميل الوجه، سري الثوب، عطر الريح. أتيته في حاجة، وعلي كساء قرمسي، فأمر بإسراج بغله، وقال: أعطني كساءك وخذ كسائي، ففعلت. فلما رجع قال: يا نضر خجلتني بكسائك، هو غليظ. قال: وكنت أخذته بخمسة دنانير. ثم إني رأيته وعليه كساء قومته ثلاثين دينارا.

وعن أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة ربعة، من أحسن الناس صورة، وأبلغهم نطقا، وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.

وعن حماد بن أبي حنيفة قال: كان أبي جميلا، تعلوه سمرة، حسن الهيئة، كثير التعطر، هيوبا، لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض -رحمه الله - فيما لا يعنيه.

وعن ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه، ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة.

إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن المثنى بن رجاء قال: جعل أبو حنيفة على نفسه، إن حلف بالله صادقا، أن يتصدق بدينار. وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.

وروى جبارة بن المغلس، عن قيس بن الربيع قال: كان أبو حنيفة، ورعا تقيا، مفضلا على إخوانه.

قال الخريبي: كنا عند أبي حنيفة، فقال رجل: إني وضعت كتابا على خطك إلى فلان، فوهب لي أربعة آلاف درهم. فقال أبو حنيفة: إن كنتم تنتفعون بهذا فافعلوه.

وعن شريك قال: كان أبو حنيفة طويل الصمت، كثير العقل.

وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.

وروى بن إسحاق السمرقندي، عن القاضي أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة يختم القرآن كل ليلة في ركعة.

يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن أبيه أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر، قال: فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة، وكان يختم كل ليلة عند السحر.

وعن يزيد بن كميت، سمع رجلا يقول لأبي حنيفة: اتق الله، فانتفض، واصفر، وأطرق، وقال: جزاك الله خيرا. ما أحوج الناس كل وقت، إلى من يقول لهم مثل هذا. ويروى أن أبا حنيفة ختم القرآن سبعة آلاف مرة.

قال مسعر بن كدام: رأيت أبا حنيفة قرأ القرآن في ركعة.

ابن سماعة، عن محمد بن الحسن، عن القاسم بن معن، أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ويبكي ويتضرع إلى الفجر.

وقد روي من غير وجه أن الإمام أبا حنيفة ضُرب غير مرة، على أن يلي القضاء فلم يجب.

قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة.

وعن الحسن بن زياد اللؤلؤي قال: قال أبو حنيفة: إذا ارتشى القاضي، فهو معزول، وإن لم يعزل.

وروى نوح الجامع، عن أبي حنيفة أنه قال: ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهم رجال ونحن رجال.

قال وكيع: سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجـد أحسن من بعض القياس .

وقال أبو يوسف: قال أبو حنيفة: لا ينبغي للرجل أن يحدث إلا بما يحفظه من وقت ما سمعه.

وعن أبي معاوية الضرير قال: حب أبي حنيفة من السنة.

قال إسحاق بن إبراهيم الزهري، عن بشر بن الوليد قال: طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء، وحلف لَيَلِيَنَّ فأبى، وحلف: إني لا أفعل. فقال الربيع الحاجب: ترى أمير المؤمنين يحلف، وأنت تحلف؟ قال: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني، فأمر به إلى السجن، فمات فيه ببغداد.

وقيل: دفعه أبو جعفر إلى صاحب شرطته حميد الطوسي. فقال: يا شيخ، إن أمير المؤمنين يدفع إليَّ الرجل فيقول لي: اقتله أو اقطعه، أو اضربه، ولا أعلم بقصته، فماذا أفعل؟ فقال: هل يأمرك أمير المؤمنين بأمر قد وجب؟ أو بأمر لم يجب؟ قال: بل بما قد وجب. قال: فبادر إلى الواجب.

وعن مغيث بن يديل قال: دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع، فقال: أترغب عما نحن فيه؟ فقال: لا أصلح. قال: كذبت. قال: فقد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح، فإن كنت كاذبا، فلا أصلح، وإن كنت صادقا، فقد أخبرتكم أني لا أصلح، فحبسه. وروى نحوها إسماعيل بن أبي أويس، عن الربيع الحاجب، وفيها قال أبو حنيفة: والله ما أنا بمأمون الرضى. فكيف أكون مأمون الغضب؟ فلا أصلح لذلك. قال المنصور: كذبت. بل تصلح. فقال كيف يحل أن تولي من يكذب؟.

وقيل: إن أبا حنيفة ولي له، فقضى قضية واحدة، وبقي يومين، ثم اشتكى ستة أيام وتوفي.

وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري: لم يقبل العهد بالقضاء، فضرب وحبس، ومات في السجن. وروى حيان بن موسى المروزي، قال: سئل ابن المبارك: مالك أفقه، أو أبو حنيفة؟ قال: أبو حنيفة. وقال الخريبي: ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل.

وقال يحيى بن سعيد القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.

وقال علي بن عاصم: لو وزن علم الإمام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه، لرجح عليهم.

وقال حفص بن غياث: كلام أبي حنيفة في الفقه، أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل.

وروي عن الأعمش أنه سئل عن مسألة، فقال: إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت الخزاز، وأظنه بورك له في علمه.

وقال جرير: قال لي مغيرة: جالس أبا حنيفة تفقه، فإن إبراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه.

وقال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس.

وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة. قلت: الإمامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الإمام. وهذا أمر لا شك فيه. وليس يصـح فـي الأذهان شيء



إذا احتاج النهار إلى دليل

وسيرته تحتمل أن تفرد في مجلدين -رضي الله عنه، ورحمه.

توفي شهيدا مسقيا في سنة خمسين ومائة وله سبعون سنة، وعليه قبة عظيمة ومشهد فاخر ببغداد، والله أعلم.

وابنه الفقيه حماد بن أبي حنيفة: كان ذا علم ودين وصلاح وورع تام. لما توفي والده، كان عنده ودائع كثيرة، وأهلها غائبون، فنقلها حماد إلى الحاكم ليتسلمها، فقال: بل دعها عندك، فإنك أهل. فقال: زنها واقبضها حتى تبرأ منها ذمة الوالد، ثم افعل ما ترى. ففعل القاضي ذلك. وبقي في وزنها وحسابها أياما، واستتر حماد فما ظهر حتى أودعها القاضي عند أمين.

توفي حماد سنة ست وسبعين ومائة كهلا. له رواية عن أبيه وغيره. حدث عنه ولده الإمام إسماعيل بن حماد قاضي البصرة.










رد مع اقتباس
قديم 2012-09-24, 15:36   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
walidr19
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

ردد معي

سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التاريخ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:46

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc