الأسباب الكونية والأسباب الشرعية وعلاقتهما بالنجاح والفشل والرزق - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الأسباب الكونية والأسباب الشرعية وعلاقتهما بالنجاح والفشل والرزق

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-10-30, 18:07   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18 الأسباب الكونية والأسباب الشرعية وعلاقتهما بالنجاح والفشل والرزق

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



الأسباب الكونية والأسباب الشرعية وعلاقتهما بالنجاح والفشل والرزق

السؤال

لدي ثلاثة أسئلة أرجو الإجابة عليها مباشرة لأنها لا تشبه أيّاً من الأسئلة فأرجو قراءتها بتمعن وعناية شديدة والإجابة من عالم عارف مجرب ليشفي صدري وقلبي المجروح بشدة .

قصتي : أنا شاب مسلم ، طفولتي لم تكن عادية ، ولدت لأبوين فقيرين غير متفاهمين ؛ بسبب أمي وفي سكن ضيق جدّاً ، أمِّي سيئة الخلُق جدّاً ، ويؤسفني أن أقول هذا ؛ لأنها تثير المشاكل مع كل من بالبيت

وطبعها منفِّر ومثير للمشاكل ، حتى أن بناتها وهنَّ كبار لا تتركهن يطبخن أو يمسسن شيئاً دون إذنها ، وأنا منذ كنت صغيرا إلى أن أصبحت شابّاً كانت أمي تثير المشاكل بتدخلها في كل كبيرة وصغيرة

لدرجة أنها تريدني أن آكل متى شاءت وتؤكلني ما تحب هي ، وأن ألبس ما تريد هي ، وأن لا أخرج من البيت أبداً بحجة اليوم مشمس جدّاً ، أو اليوم فيه مطر أو فيه ريح

بل حتى بيت الخلاء - أعزكم الله - تقول لمن بداخله : افعل كذا وكذا ..الخ

بل وتحرم أولادها حتى الكلام فيما يشاءون ، فكنت وأنا صغير أعاني من تصرفاتها ، فكنت أسب الله ! من شدة الغضب طبعاً ، وقد كنت أعتقد أن السب حرام وذنب ولم أكن أعلم أنه كفر

ولما عرفت أنه كفر تبت ولم أسب ، قلت : كنت أعاني من تصرفات أمي وكنت أدخل معها في صراع مرير ، من سب ، وتكسير للأواني ، وتمزيق لثيابي ، وهي تصرفات مكرَه عليها من شدة الغضب

لدرجة أنني لم أهتم بدراستي بشكل جيد ، فرسبت وفشلت ، رغم أنني كنت من النوابغ وكانت لدي مؤهلات جيدة ، وأخلاقي حسنة خارج البيت بشهادة الجميع

وعندما بلغت 14 سنة كنت أصلي في الوقت باستثناء صلاة الفجر كنت مقصراً فيها حتى بلغت 24 سنة ؛ لأنني كنت أعتقد مما درست أن الصلاة الفائتة يجوز قضاؤها وأن الدين رحمة

طبعا كنت جاهلاً ببعض الأمور الشرعية وكانت عندي ذنوب عادية كسائر المسلمين

فأسئلتي هي :

1. من المعلوم أن الله عنده سنن كونية وشرعية ، فأما السنن الكونية : فيجب على الإنسان – مثلاً - إذا أراد أن يكون طبيباً أن يدرس ، فأنا أحببت أن أكون متعلما منذ الصغر إلا أن ما عشته من مشاكل

مع الأم والبيئة المحيطة بي جعلتني لا أنجح في دراستي ، رغم أنني أتيت بما استطعت من أسباب كونية

فأنا هنا أسأل : هل السبب في عدم نجاحي في الدراسة بسبب تقصيري في سنن كونية ، أم بسبب تقصيري في السنن الشرعية - أي : ذنوبي - ؟

فإن قلت : ذنوبي : أقول لك : كنت صغيراً ولم أبلغ بعدُ ، وصُبت علي الهموم صبّاً صرفتني عن الدراسة ، فإن قلتَ : معصيتك لأمك : قلت : لم تترك لي مجالاً للطاعة والبر

هي التي كانت تثير المشاكل والفتن بشهادة إخوتي وجميع من يقرب لي ، فأكرر السؤال هنا : لماذا لم أنجح في دراستي أبسبب تقصيري في السنن الكونية أو الشرعية ؟ .

2. أنا الآن رجل لم أنجح في حصولي على حرفة ، ولا على عمل جيد إلا بعض الأعمال اليسيرة ، وبحثت للحصول على عمل جيد عشرات المرات ولم أنجح ، أضف إلى ذلك تكالب الحسَّاد عليَّ

فهل السبب تقصيري في الأسباب الكونية أو الشرعية ؟

فإن قلت : كونية : قلت لك : إن هنالك من يأتي بعُشر ما أفعل أنا من الأسباب ولكنه يجد عملاً جيداً وينجح فيه ، وإن قلت : شرعية : فإن هنالك من ييسر للعمل وهو من أفجر الناس وأفسقهم

ومع ذلك ينجح في عمله ويرزق ، وأنا هنا لا أتهم اللهَ بالظلم - حاشا لله - وإنما أريد تفسيراً شرعيّاً لحالتي من عالم رباني لأصحح أخطائي وأفهم حالي .

3. فإن قلت : لم لا تحاول الدراسة من جديد وأنا في عمر 35 ؟

أقول لك : إنني مرضت منذ 7 سنوات بانهيار عصبي شديد أثَّر على ذاكرتي فضعفت قليلا ، ومع ذلك حاولت الدراسة منذ 5 سنوات فنجحت نسبيّاً ، وليس لي راتب ، فأنا مضطر للعمل ، بل وحتى العمل لم أجد

فهل هذا الشقاء وعدم التوفيق في السنن الكونية أو الشرعية بسبب ذنوبي رغم أنني مسلم عادي ؟

أو هو دليل غضب الله - والعياذ بالله - . أفيدونا ، يرحمكم الله

أعلم أنني أطلت ، ولكن تعمدت سرد القصة لكي يَفهم حالتي الذي سيرد عليَّ .


الجواب

الحمد لله


أولاً:

فإن المؤمن في هذه الحياة يبتلى ويختبر حتى يُعلَم صدقه في إيمانه فيثاب عليه الثواب اللائق به ، وتصيبه المصائب والمحن لترتفع درجتُه عند ربه إذا هو صبر واحتسب عندها .

قال تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ .

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/ 155 – 157 .

وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟

الَ : الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) .

رواه الترمذي ( 2398 ) وقال : حديث حسن صحيح

وحسنه الألباني في " مشكاة المصابيح " (1562) .

فاصبر – أخي - على ما أصابك ، وارجع إلى ربك ليكشف عنك البلاء والمحنة ، فليست الدينا طريقا مظلما

ولا دربا مسدودا ، كما يظنه كثير ممن ابتلي بضيق في الرزق ، أو بلاء في النفس أو الأهل ؛ بل في الدنيا كثير من الأبواب المفتحة

ولا ينقصها سوى العزم منا على العمل ، فجِد واجتهد ولا تُسلم نفسك لهذه الذكريات ، وأبدلها بأمل يتبعه العمل فإن لك بالأنبياء والصالحين أسوة وقدوة في العمل والبناء .

ثانياً:

لا بدَّ من توضيح مسألة الأسباب الكونية والأسباب الشرعية – فيما يتعلق بموضوعك - حتى تتضح لك الأمور .
فنقول : إن الله تعالى جعل أسباباً لمسبّبات في أصل الخلقة والنشأة والتكوين

وتسمى هذه " الأسباب الكونية " ، ولهذه الأسباب صفات وعلامات :

1. منها أن منها ما هو حلال ومنها ما هو حرام في الشرع .

2. أنها لا تختص بالمسلمين بل بعموم الخلق .

3. أنها وإن كانت أسبابا لما جعله الله أسبابا له ؛ فإنما كانت كذلك بخلق الله تعالى وتدبيره وتصريفه

فإن شاء سبحانه أمضاها على ما خلقها له ، ووضع فيها آثارها ، وإن شاء عطلها عن ذلك ، وإن شاء جعلها في ضد ما خلقت له ، لا معقب لحكمه سبحانه ، ولا راد لقضائه .

قال ابن القيم – رحمه الله – عن الأسباب - : " ومنهم مَن أثبتها خلقاً وأمراً قدراً وشرعاً ، وأنزلها بالمحل الذي أنزلها الله به من كونها تحت تدبيره ومشيئته

وهي طوع المشيئة والإرادة ومحل جريان حكمه عليها ، فيقوي سبحانه بعضها ببعض ، ويبطل إن شاء بعضها ببعض ، ويسلب بعضها قوته وسببيته

ويعريها منها ويمنعه من موجبها مع بقائها عليه ؛ ليعلم خلقُه أنه الفعَّال لما يريد ، وأنه لا مستقل بالفعل والتأثير غير مشيئته ، وأن التعلق بالسبب دونه كالتعلق ببيت العنكبوت ، مع كونه سبباً "

انتهى من " مدارج السالكين " ( 1 / 244 ) .

ولنضرب على ذلك مثلاً تتضح به الصورة لك وليكن المثال فيما يتعلق بسؤالك الأول :

جعل الله تعالى الدراسة وقوة التحصيل والحفظ والفهم سبباً للنجاح في الدراسة ، ويشترك في هذا المسلم والكافر كما هو مشاهد ومعلوم ، ولكن من الطلاب من يستعمل " الغش " في الامتحانات ليحصل النجاح

فيكون قد سلك سبباً كونيّاً محرَّماً ، ومنهم من يستعمل " الواسطة " لأجل ذلك ، وهو محرم أيضاً

ومع ذلك نقول :

هل كل من جاء بالدراسة والتحصيل والحفظ والفهم يعني ذلك أنه ناجح لا محالة ؟!

والجواب : بالطبع لا ؛ لأن الله تعالى هو مالك الأسباب ومسبباتها وقد يُضعف الله تعالى لحكمة بالغة ذلك الحفظ والفهم عند الامتحان

فلا ينجح ذلك الدراس والحافظ والفاهم لمواده الدراسية نجاحاً مبهراً ، وقد يعطل الله تعالى ذلك كله حتى لا ينجح مطلقاً

وقد يكون من أسباب إضعاف الله تعالى لتلك الأسباب أو تعطيلها معصية عظيمة فعلها ذلك الطالب

كسب الله تعالى أو ضرب أمه أو إهانة والده ، وقد تكون الحكمة من ذلك حفظ دينه من الفتنة لو أنه نجاح نجاحاً مبهراً ، والحكم في ذلك كثيرة وجليلة .

وأما الأسباب الشرعية فهي كل ما جعلها الله تعالى أسباباً على وقوع مسبَّبات بنصوص الشرع

كما جعل الرقية والعسل والحبة السوداء علاجاً للأمراض ، وكما جعل التقوى وصلة الرحم مصادر للرزق ، وهذه الأسباب خاصة بالمسلمين ، وهي ممكنة الإضعاف والتعطيل لحكَم جليلة كذلك .

وننبِّه ها هنا إلى أنه ليس ثمة أسباب شرعية للنجاح والتحصيل ، نعني : أن تكون أسبابا من العبادات والطاعات ، خاصة بذلك المطلوب ، متفردة بالتأثير فيه من غير الإتيان بشيء من الأسباب الكونية

فلو قضى المسلم ليله بالقيام ونهاره بالصيام ، وكان يدعو في ذلك بالتوفيق والنجاح فإنه لم يسلك الأسباب التي يمكنه تحصيل النجاح والفلاح في دراسته ، ولا كذلك بر الوالدين سبب للنجاح

بل لا يجوز لمسلم أن يفعل هذا كله معتقداً أنها أسبابٌ لنجاحه في دراسته ويكتفي بها ؛ لأن الله تعالى لم يجعلها أسباباً خاصة بذلك

نعم يمكن أن يفيده قيامه بالطاعات ليثبت الله قلبه ويوفقه في الامتحان ، لكن لا بدَّ من الإتيان بالسبب الكوني وهو الدراسة

وحتى في العلم الشرعي فإن القيام بتلك الطاعات لا يُكسب المرء علوماً والنبي صلى الله عليه وسلم قطع ذلك الأمر بقوله : ( إِنَّمَا العِلْمُ بِالتَّعَلُّم ) –

رواه الطبراني وحسَّنه ابن حجر والألباني

ولكن من سلك سبيل العلم فهو يحتاج للتأييد والتثبيت والفتح له بالحفظ والفهم وهذا ما تأتي به التقوى والدعاء والطاعات

ومن ذلك : حصول الذرية فإن الله تعالى جعل لها أسبابه الكونية المعروفة ؛ فلا يحل لمسلم أن يواظب على أعظم العبادات من أجل أن يرزقه الله تعالى الذرية إذا لم يتزوج

بل يكون قد سلك الطريق الخطأ وبذل الأسباب الخطأ ، ولكنه إذا تزوج وجامع زوجته ، كان بإمكانه أن يستعين بالدعاء ، كسبب شرعي لذلك ، مع ما أتى به من السبب الكوني .

وعليه :

فالجواب عن عين سؤالك الأول :

أنك لم تنجح بدراستك بسبب تخلف السبب الكوني وهو الدراسة ، وأنك لو جئت به فإن الله تعالى قد يعطله عليك بسبب وقوعك في ذنب من الذنوب

وقد يعطله ابتلاء لك ، واختبارا لإيمانك وصدقك ، وقد يعطله صرفا لشر آخر كان يجره عليك نجاحك فيه ، أو ادخارا لخير آخر أعظم منه ، أو لغير ذلك من الحكم التي قد نعلمها

وقد لا نعلمها ، فهو سبحانه الحكيم الخبير ، يصرف الأمور بحكمته ، ويدبر أمر خلقه بقدرته ، وخبرته ، وعلمه ، ولطفه ، سبحانه ، لا معقب لحكمه ، ولا مبدل لكلماته .

فليست المسألة ـ إذاً ـ مسارعة في تحقيق رغبات العباد ، فالعباد أضعف من أن يصرفوا أمر أنفسهم

فضلا عن أن يدبروا أمر الكون ، ولو بالاقتراح ، أو الاختيار ، بل الخيرة في ذلك كله إلى أمر الرب الجليل ، الحكيم الخبير

قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) القصص/68-70

وقال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) الإسراء/ 30

فهو المقسِّم سبحانه والمعطي لرزقه بحكمته .

وحال المؤمن الرضى بقضاء الله وقدره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )

رواه مسلم ( 2999 ) .

ويضاف إلى الرضى بقضاء الله تعالى : علم العبد بأن الله لم يكتب عليه إلا خيراً ، فليس غنى العبد وثراؤه دليلاً على فضله عند الله

وانظر لقارون الذي لا يستطيع أن يحمل مفاتيح كنزه عصبة من الرجال ، ماذا حلَّ به من سخط الله عليه من خسف الأرض به ، وانظر لفرعون وتمكينه في أرض مصر ماذا حلَّ به من سخط الله من إغراقه في البحر

فهل نفعتهم أموالهم وجاههم ؟!

وهل ما كانوا عليه من حال يدل على أن الله تعالى راضٍ عنهم ؟! فلا تغتر – أخي – بما تراه على غيرك من مال وجاه فالدنيا يعطيها الله تعالى لمن يحب ومن لا يحب

ولا يعطي الآخرة إلا لمن يحب ، قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم –

ونحن داخلون في الخطاب من باب أولى – : ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) طه/ 131 .

ثالثا :

أما سؤالك الأخير فقد قدمنا الجواب عنه فيما سبق ذِكره

ونحيلك على جواب السؤال القادم

والأجوبة المحالة عليه فيه تجد ما ينفعك إن شاء الله .

وخلاصة ما تقدم :

أنه ينبغي عليك عدم التفريط في مباشرة الأسباب الكونية ، وأن عليك أن تصلح نفسك فيما بينك وبين ربك تعالى وفيما بينك وبين الناس ونخص بالذكر أهلك المقربين

وأن تفريطك في مباشرة الأسباب الكونية سيصعِّب عليك حياتك ويجلب لك الشقاء ، ولا يعني قيامك بها على وجهها الأكمل أنك لن تتعرض للمصائب والشقاء ؛ بل قد يحصل لك ذلك بسبب معاصيك وذنوبك

قال تعالى : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) آل عمران/ 165

وقال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) الشورى/ 30

أو لغير ذلك من الحكم ، على ما سبق بيانه .

واعلم – أخيراً – أن الشقاء الحقيقي هو شقاء القلب بسبب الذنوب والمعاصي

وهذا الشقاء لو كان معه مال الدنيا فلن يشعر صاحبه بسعادة في قلبه ، ولن يقف الأمر عند دنياه بل سيتعدى الأمر معه في الشقاء والعقوبة إلى الآخرة ، قال تعالى : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى .

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/ 123 ، 124 .

واعلم أن السعادة الحقيقية هي سعادة القلب بالإيمان والثقة بالله ، ولا يرزق ذلك إلا من عرف ربَّه حق المعرفة فأدَّى أوامره وابتعد عن نواهيه

وهذه السعادة سيشعر بها المسلم حتى لو كان ثمة ضيق في معيشته الدنيوية من فقر أو شظف عيش

وهذه السعادة ستستمر معه إلى داره الأخروية

قال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .

وانظر – للأهمية – جواب السؤال بعد القادم

والله أعلم

الشيخ محمد صالح المنجد








 


رد مع اقتباس
قديم 2019-10-30, 18:18   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18

كلمات في أسباب المصائب والصبر عليها

السؤال

من المعلوم أن الصبر على أقدار الله عز وجل واحتساب أجرها عند الله من عقيدة المسلم ، وكذلك الرضا بالمقدور الذي قدَّره الله عز وجل منزلة من منازل المؤمنين الذين يتفاوتون فيها

فهل هناك فرق بين المصيبة الحاصلة على الإنسان بتفريطه وتهاونه ، أم الكل سواء ، بمعنى آخر : إنسان فاته التعليم ، والجد ، والاجتهاد في طلب العلم ، وهو قادر عليه ثم بعد أن بلغ من العمر ما بلغ أخذ يتحسر

بل ويصل به الحزن إلى درجة كبيرة ، ويقول : كيف فرطت أيام كانت الظروف مواتية ومتاحة لي ، ويرى بعض الإخوان أن هذا الحزن والتأفف فيه اعتراض على القدر ؛ لأنهم يقولون لو أراد الله لك ذلك لكان .

أرجو التوضيح أكثر؟


الجواب

الحمد لله

1. المؤمن الموحد يعلم أن كل شيء إنما هو بقدَر الله تعالى ، وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن

وأنه ليس ثمة شيء يمكن أن يحجز قدر الله أن ينفذ في خلقه سبحانه وتعالى ، وبذا يطمئن قلب المؤمن الموحِّد ، ويعلم أن لا مجال للأسى والحزن أن يكونا في حياته ؛ لأن أمر الله سبق ، ومشيئته نفذت .

قال الله تعالى : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/ 22 ، 23 .

وقال تعالى : ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) التوبة/ 51 .

2. وإذا كان هذا هو حال المؤمن الموحد لم يكن في حياته ندم على ما فاته ، ولن يكون للتحسر و" لو " موضع في كلامه ، وهذا الذي قدَّره الله تعالى على عبده لا يخلو من حالين :

الأول : أن يكون بسبب معصية وقع فيها العبد ، فقدَّر الله عليه بسببها مصائب .

قال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) الشورى/ 30 .

والثاني : أن يكون ذلك ابتلاء من الله لرفع درجته ، وتكفير سيئاته .

فماذا يصنع المؤمن الموحِّد بعد أن يعلم هذا ويعتقده اعتقاداً جازماً ؟

الواجب عليه إن كانت المصيبة بسبب معصية فعلها ، أو آثام ارتكبها ، أو تفريط فيما ينبغي عليه ، أن يبادر إلى التوبة والاستغفار ، وأن يرجع إلى ربه ويئوب ، ويندم على ما اكتسبه ، ويُصلح ما بينه وبين خالقه ومولاه

قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/ 82 .

وإن كانت المصيبة مجرد ابتلاء لرفع الدرجات وتكفير السيئات : فليس أمام المؤمن الموحِّد إلا الرضا بقدر الله ، واحتساب ما أصابه لربه تعالى ، راجياً الأجور ، طامعاً في تكفير الذنوب .

وفي كلا الحالين لن يكون قلب المؤمن الموحد إلا قويّاً مطمئنّاً ، ولن يصيبه الضعف والخور

بل يبادر إلى الطاعة والعمل ، وإن كان عاصياً ترك معاصيه وعاد أفضل مما كان ، وإن كان طائعاً ازداد في طاعة خالقه ومولاه .

3. والشيطان يحاول إضعاف قلب المؤمن ، وإدخال الحزن والأسى على قلبه

ويبذل جهده لقذف العجز في جوارحه ، وكل ذلك بقول " لو " على ما مضى مما فعله ، أو مما لم يفعله

ومع هذا الشر والفساد كله : فهو يجعله يعيش في الأوهام والظنون الكاذبة ، ويقول " لو كان كذا لكان كذا " ! وما يدريه أن الأمر كذلك ؟

فانظر – رعاك الله – إلى ما يحدثه الشيطان من التحسر والحزن والتخرص والظن على قدر الله تعالى ، ومع ذلك كله فهو يضعفه عن العمل ، ويُعجزه عن الطاعة

ويظل يندب حظه ويتحسر حتى يفوت عمره ! وقد أخبرنا الله تعالى أن هذا من فعل المنافقين ، وحذَّرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أن نسلك هذا الطريق .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ

وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) . رواه مسلم (6945) .

وانظر وتأمل هذا الحديث العظيم ، وفيه بيان الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف ، وفيه الحث على العمل وعدم العجز ، وكل ذلك مناسب تماماً للنهي عن التحسر بقول " لو " .

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان – حفظه الله -

عندما يقع الإنسان في مكروه أو تصيبه مصيبة فإنه لا يقول : " لو أني فعلت كذا ما حصل عليَّ هذا ! ، أو : لو أني لم أفعل لم يحصل كذا ! " ؛ لما في ذلك من الإشعار بعدم الصبر على ما فات مما لا يمكن استدراكه

ولما يشعر به اللفظ من عدم الإيمان بالقضاء والقدر ؛ ولما في ذلك من إيلام النفس ، وتسليط الشيطان على الإنسان بالوساوس والهموم .

والواجب بعد نزول المصائب : التسليم للقدر ، والصبر على ما أصاب الإنسان ، مع عمل الأسباب الجالبة للخير ، والواقية من الشر والمكروه بدون تلوم .

وقد ذمَّ الله الذين قالوا هذه الكلمة عند المصيبة التي حلَّت بالمسلمين في وقعة أحد

فقال تعالى : ( يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا )

هذه مقالة قالها بعض المنافقين يوم " أُحد " لمَّا حصل على المسلمين ما حصل من المصيبة ، قالوها يعارضون القدَر ، ويعتبون على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين خروجهم إلى العدو

فردَّ الله عليهم بقوله تعالى : ( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ )

أي : هذا قدَر مقدَّر من الله لابد أن يقع ، ولا يمنع منه التحرز في البيوت والتلهف.

وقول " لو " بعد نزول المصيبة لا يفيد إلا التحسر ، والحزن ، وإيلام النفس ، والضعف ، مع تأثيره على العقيدة ، من حيث إنه يوحي بعدم التسليم للقدر .

ثم ذكر سبحانه عن هؤلاء المنافقين مقالة أخرى

وذلك في قوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا )

وهذه من مقالات المنافقين يوم " أحُد " أيضاً ، ويروى أن عبد الله بن أبي كان يعارض القدر ويقول : لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج : ما قُتلوا مع من قتل

فردَّ الله عليهم بقوله : ( قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ )

أي : إذا كان القعود وعدم الخروج يسلَم به الشخص من القتل أو الموت : فينبغي أن لا تموتوا ، والموت لا بدَّ أن يأتي إليكم في أي مكان ؛ فادفعوه عن أنفسكم إن كنتم صادقين في دعواكم أن من أطاعكم سلِم من القتل ...

فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى فعل الأسباب التي تنفع العبد في دنياه وآخرته مما شرعه الله تعالى لعباده من الأسباب الواجبة ، والمستحبة ، والمباحة ، ويكون العبد في حال فعله السبب مستعيناً بالله

ليتم له سببه وينفعه ؛ لأن الله تعالى هو الذي خلق السبب والمسبب ، والجمع بين فعل السبب والتوكل على الله توحيد ، ثم نهى عن العجز ، وهو ترك فعل الأسباب النافعة ، وهو ضد الحرص على ما ينفع

فإذا حرص على ما ينفعه ، وبذل السبب ، ثم وقع خلاف ما أراد أو أصابه ما يكره : فلا يقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ؛ لأن هذه الكلمة لا تجدي شيئاً

وإنما تفتح عمل الشيطان ، وتبعث على التأسف ولوم القدر ، وذلك ينافي الصبر والرضى ، والصبر واجب ، والإيمان بالقدر فرض ، ثم أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى اللفظ النافع المتضمن للإيمان بالقدر

وهو أن يقول : ( قدر الله وما شاء فعل ) ؛ لأن ما قدره الله لا بدَّ أن يكون ، والواجب التسليم للمقدور ، وما شاء الله فعل ؛ لأن أفعاله لا تصدر إلا عن حكمة .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله :

" والعبد إذا فاته المقدور له حالتان : حالة عجز : وهي عمل الشيطان، فيلقيه العجز إلى " لو " ، ولا فائدة فيها ، بل هي مفتاح اللوم .

والحالة الثانية : النظر إلى المقدور وملاحظته ، وأنه لو قدر لم يفته ، ولم يغلبه عليه أحد ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما ينفعه حال حصول مطلوبه وحال فواته ، ونهاه عن قول " لو "

وأخبره أنها تفتح عمل الشيطان ؛ لما فيها من التأسف على ما فات ، والتحسر والحزن ، ولوم القدر

فيأثم بذلك ، وذلك من عمل الشيطان ، وليس هذا لمجرد لفظ " لو " ؛ بل لما قارنها من الأمور القائمة بقلبه المنافية لكمال الإيمان الفاتحة لعمل الشيطان ..
.
فهذا الحديث الذي رواه أبو هريرة لا يستغني عنه العبد ، وهو يتضمن إثبات القدر ، وإثبات الكسب ، والقيام بالعبودية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى هذا الحديث : " لا تعجز عن مأمور ، ولا تجزع من مقدور " .

" الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد " ( ص 130 – 133 ) .

4. ومن فاته التعليم في الصغر : فليكن ندمه على تفريطه دافعاً له لاستثمار ما بقي من عمره

لا أنه يضعف ويعجز ويترك التعلم ، ومن فاته الحج في شبابه : فليبادر في أول فرصة لكي يحج ولا ينبغي له أن يتوانى ويكس أكثر وأكثر ، وهكذا في طاعة وخير فاته

فإنما عليه أن يؤمن بأنه قدر الله ، ولا ينبغي له أن يعجز ، وعليه أن يكون قويّاً ، ويحرص على ما ينفعه ، وإن كان ما فات بسبب معاصيه : فليفعل كل ما سبق ذكره

ويضيف إليه : التوبة الصادقة من الذنوب والآثام ، وليسأل ربه تعالى أن يرزقه اعتقادا حسناً ، وأن يوفقه لما يحب ويرضى من القول والعمل .

على أننا ننبهك ـ أخي الكريم ـ إلى أن الخير والصلاح ، والهدى والفلاح ، في الجنة والآخرة ، ليس له باب واحد ، بل له أبواب كثيرة ؛ فمن عجز عن باب العلم

فعنده من العلم أبواب ، يعوض بها ما فاته من العلم وفضله ، فإن كنت ذا مال ، فأنفق في سبيل الله ، وجاهد بمالك ، وإن ذا قوة ، فعندك الصوم فإنه لا عدل له ، وعندك الصلاة فإنها خير موضوع

وعندك الحج والعمرة ، وعندك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعندك الذكر والتسبيح وتلاوة القرآن ... ، وعندك من الخير أبواب وأبواب ، وكل ميسر لما خلق له ، ولا يهلك على الله إلا هالك .

نسأل الله أن يوفقك ، ويهديك ، ويثبتك على الخير .

والله الموفق









رد مع اقتباس
قديم 2019-10-30, 18:25   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18

دوافع النجاح وتجاوز الفشل

السؤال


ما هو الدافع لدى بعض الناس لمقاومة الفشل ؟


الجواب


الحمد لله

إن اسم الفشل ، أيها السائل الكريم ، كاف لكي ننفر منه ، ونسعى للنجاح ، بغض النظر عن مكسب مادي يتحصل عليه المرء من نجاحه ؛ فالفشل اسم نقص وذم ، والنجاح اسم كمال ومدح :

وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ

إن الفشل والنجاح ، ثنائية منقطعة متصلة في الوقت نفسه ، قد يبدو منها التناقض في أول وهلة

ولكنها في حقيقتها متلاحمة متشابكة في تنظير الفكر ، وشواهد التجربة والواقع ، وإن كان لكل منهما معرِّفاتُه التي من خلالها نفهم الدوافع التي تحملنا على سلوكها إقبالا أو إحجاما :

فالنجاح سنة في هذا الكون أراد الله تعالى أن تكون غاية كل مؤمن

وخلق الكون كله مسخرا لتحقيق تلك الغاية

فقد أمر سبحانه الإنسان بالإيمان

وطلب منه الالتزام بالعبودية التي لا ينفك عنها

وجعل ذلك غاية الخلق حين قال : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56

وعد سبحانه من مات على ذلك الطريق هو الناجح وغيره هو الخاسر : ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) آل عمران/185

فالنجاح إذا قصة الحياة ، وغاية خلق الله تعالى لهذا الكون

وما أرسلت الرسل ، وما أنزلت الكتب إلا لدعوة الناس إلى النجاح الحقيقي عند الله سبحانه ، وقد وضع سبحانه من محفزات النجاح في الدنيا والآخرة ما يأخذ بأيدي السالكين إليه ، وذلك :

- حين كتب النعيم المقيم الخالد لمن نجح في اختبار الإيمان والعبودية

والتزم طريقهما ومات عليهما : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ .

إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) الحاقة/19-24

- وحين صور القرآن حال أولئك الذين رفضوا سبيل النجاح ، وأصروا على سبيل الغواية والفشل ، ووصف حالهم يوم تعرض النتائج

ويُعلم الناجح من الخاسر : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ . يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ . مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ) الحاقة/25-29

- وحين كتب سبحانه الحياة الطيبة في الدنيا لمن يسلك سبيل النجاح

فقال عز وجل : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) النحل/97

قال ابن كثير - رحمه الله - :

" هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا ، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت ، وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إنها هي السعادة ، والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله . "

تفسير القرآن العظيم " ( 4 / 601 ) .

هذا هو المنهج الذي يعيش وفقه المسلم ويفهم من خلاله الحياة ، ومن انطلق من هذا الفهم فإنه لا بد سيقوده إلى النجاح والتفوق في أمور دينه ودنياه

لأن المؤمن يعلم أنه مطالب بإقامة الحق والعدل في هذه الدنيا لقول الله تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد/25

ونجاح الفرد جزء من نجاح الأمة في تحقيق العدل والقسط .

ولأن المؤمن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلًا أَن يُتقِنَهُ )

رواه أبو يعلى ( 7 / 349 ) وحسنه الألباني بشواهده في " السلسلة الصحيحة " ( 1113 ) ، وإتقان العمل ركن من أركان النجاح .

هذه الدوافع كلها هي التي تحفز المؤمن لبلوغ أقصى درجات النجاح ، فهو يسعى دائما في تنمية مواهبه ، واكتساب المهارات النافعة

وتطوير ذاته على المستوى الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي ، ويعلم أن المؤمن العامل الناجح خير من القاعد المحبط الكسول ، الذي لا يجني من كسله سوى خسارة الدنيا والدين .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ

وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) .

رواه مسلم ( 2664 ) .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان ..، ومنها :

أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده ، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ... ، ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين به

ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين ، فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله ، ولا تتم إلا بمعونته ؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به .

ثم قال : ( ولا تعجز ) ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه ، وينافي استعانته بالله

فالحريص على ما ينفعه ، المستعين بالله ، ضد العاجز ؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله ، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده ، ومصدرها منه

ومردها إليه ؛ فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له ، فله حالتان : حالة عجز ، وهي مفتاح عمل الشيطان ؛ فيلقيه العجز إلى لو ، ولا فائدة في لو ههنا ، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن

وذلك كله من عمل الشيطان ، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح ، وأمره بالحالة الثانية ، وهي : النظر إلى القدر وملاحظته ، وأنه لو قدر له لم يفت ولم يغلبه عليه أحد ؛ ...

فلهذا قال : ( فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ) ، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين : حالة حصول مطلوبة ، وحالة فواته ، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا "

شفاء العليل ( 37-38 ) .

وهو بهذا الفكر يتجاوز كل عقبة وكل فشل ، لا يعجزه شيء ، وليس لأمانيه حدود ، وليس لهمته وعزيمته نهاية .
بل يعلم أن الفشل إنما هو دليل على العمل

لأن الذي يعمل هو الذي قد يفشل ، وأما القاعد المتكاسل فلا يصيب فشلا ولا نجاحا ، والعمل لا بد أن يثمر النجاح يوما ولو بعد حين

فهو لذلك يتخذ من الفشل خطوة نحو النجاح ، يتنبه به على مواطن الخلل والنقص ، ويحاول تجاوزها وإصلاحها ، فيعود أقوى وأصلب مما كان عليه من قبل ، حتى يصيب النجاح الذي يسعى إليه .

وما باب التوبة الذي فتحه الله تعالى للذين يخطئون ويفشلون إلا حافز آخر لتجاوز مراحل الفشل إلى مراقي النجاح ، خاصة إذا استفاد المقصر من تجربته

حتى قال بعض السلف :

" معصية تورث ذلا وانكسارا خير من طاعة تورث عجبا واستكبارا " .

وأخيراً ، ومع كل هذه الحوافز والدوافع نحو النجاح وتجاوز الفشل لا يبقى عذر لقاعد أو متكاسل أو محبط ، فالسبيل ميسر ، إنما يَطلُبُ منك شيئا من العزيمة والإرادة والحكمة .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى )

رواه البخاري ( 7280 ) .

وانظر جواب السؤال القادم

والله أعلم









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-10-30 في 18:26.
رد مع اقتباس
قديم 2019-10-30, 18:34   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18

طرق النجاح في الحياة

السؤال

كيف أحصل على النجاح و التوفيق "أو الازدهار أو الرخاء" في الدنيا والآخرة.

. وما نوع النجاح والازدهار الذي يريده الإسلام للأمة الإسلامية في هذا العالم .


الجواب


الحمد لله

راحة القلب وطمأنينته ، وسروره وزوال همومه وغمومه ، مطلوب كل أحد ، وبه تحصل الحياة الطيبة

ويتم السرور والابتهاج ، ولذلك أسباب دينية ، وأسباب طبيعية ، وأسباب عملية ، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين ، وأما من سواهم فإنها وإن حصلت لهم من وجه فاتتهم من وجوه أخرى .

وبين يديك جملة من الأسباب لهذا المطلب الأعلى الذي يسعى له كل أحد ، فمنهم من أصاب كثيراً منها فعاش عيشة هنيئة ، وحيي حياةً طيبة

ومنهم من أخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء ، وحيي حياة التُعساء ، ومنهم من هو بين بين ، بحسب ما وفق له . فمن تلك الأسباب والوسائل :

1- الإيمان والعمل الصالح ....

وهو أعظم الأسباب وأصلها وأُسها

قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/ 97

فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة والجزاء الحسن في الدنيا والآخرة .

وسبب ذلك واضح : فإن المؤمنين بالله – الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة – معهم أصول وأُسس يتلقون بها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج ، وأسباب القلق والهم والأحزان ..

فيتلقون المحاب والمسارّ بقبولٍ لها ، وشكر عليها ، واستعمال لها فيما ينفع ، فإذا استعملوها على هذا الوجه أحدث لهم من الابتهاج بها ، والطمع في بقائها وبركاتها

ورجاء ثواب الشاكرين ، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرَّات التي هذه ثمراتها ، ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته ، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه

والصبر الجميل لما ليس لهم منه

وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة ، والتجارب والقوة

ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمورٌ عظيمة تضمحل معها المكاره ، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة ، والطمع في فضل الله وثوابه ، كما عبَّر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح

فقال : " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن "

رواه مسلم رقم (2999) .

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره .

2- الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف ... وهذا من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق

وبها يدفع الله عن البَرِّ والفاجر الهموم والغموم بحسبها ، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب ، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيُهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير

ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه

قال تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاحٍ بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ) النسا ء 114

ومن جملة الأجر العظيم : زوال الهم والغم والأكدار ونحوها .

3- ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب ، واشتغال القلب ببعض المكدرات : الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة ، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه

وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم ، ففرحت نفسه وازداد نشاطه

وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره ، ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه ، وبعمل الخير الذي يعمله .

وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه فإن هذا أدعى لحصول المقصود النافع والله أعلم .

4- ومما يُدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر ، وقطعه عن الاهتمام بما في الوقت المستقبل ، وعن الحزن على الوقت الماضي

ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن

فالحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها ، والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل ، فيكون العبد ابن يومه ، يجمع جِدَّه واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر

فإن جمع القلب على ذلك يُوجب تكميل الأعمال ، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن ، والنبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء

فهو يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله ، والتخلي عما كان يدعو لدفعه ؛ لأن الدعاء مقارنٌ للعمل

فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا ، ويسأل ربه نجاح مقصده ، ويستعينه على ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم : " احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز

وإذا أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ، ولكن قل : قدَّر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان " رواه مسلم. جمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال

والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار ، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة ، ومشاهدة قضاء الله وقدره ، وجعل الأمور قسمين :

1- قسم يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبذل فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده .

2- وقسم لا يمكن فيه ذلك فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويُسلم .

ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم .

5- ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله ، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته ، وزوال همه وغمه

قال تعالى : " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد/28 فلذكر الله أثرٌ عظيمٌ في حصول هذا المطلوب لخاصيته ، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره .

6- ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم ، السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم ، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور ، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها

ومعرفته أن اشتغال فكره فيه من باب العبث والمحال ، فيُجاهد قلبه عن التفكر فيها

وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته ، فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهولٌ ما يقع فيها من خير وشر

وآمال وآلام ، وأنها بيد العزيز الحكيم ، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها

ودفع مضراتها ، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره ، واتكل على ربه في إصلاحه ، واطمأن إليه في ذلك ، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله وزال عنه همه وقلقه .

ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به : " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري

وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي ، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير ، والموت راحةً لي من كلِّ شر "

رواه مسلم (2720) .

وكذلك قوله : " اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كلَّه ، لا إله إلا أنت "

رواه أبو داود بإسناد صحيح رقم 5090 وحسنه الألباني في صحيح الكلم الطيب ص 49

. فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر ، ونيةٍ صادقة ، مع اجتهاده فيما يُحقق ذلك ، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له ، وانقلب همه فرحاً وسروراً .

7- إذا حصل لإنسان قلق وهموم بسبب النكبات ، فإن من أنفع الأسباب لزوالها أن يسعى في تخفيفها عن نفسه بأن يُقدر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر , ويوطن على ذلك نفسه

فإذا فعل ذلك فليَسْعَ إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان ، فبهذا التوطين وهذا السعي النافع ، تزول همومه وغمومه ، ويكون بدل ذلك السعي في جلب المنافع ، وفي رفع المضار الميسورة للعبد

فإذا حلت به أسباب الخوف , وأسباب الأسقام ، وأسباب الفقر فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها ، بل على أشد ما يمكن منها ، فإن توطين النفس على احتمال المكاره يهونها ويزيل شدتها

وخصوصاً إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره ، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب ، ويُجاهد نفسه على تجديد قوته المقاومة للمكاره

مع اعتماده في ذلك على الله ، وحسن الثقة به ، ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل ، وهذا مُشاهد مُجرب ، ووقائعه ممن جربه كثيرة جداً .

8- قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة ؛ لأن الإنسان متى استسلم للخيالات ، وانفعل قلبه للمؤثرات ، من الخوف من الأمراض وغيرها

ومن الغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ، ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب ، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية ، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة

التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة ، ومتى اعتمد القلب على الله وتوكل عليه ، ولم يستسلم للأوهام , ولا ملكته الخيالات السيئة ، ووثق بالله ، وطمع في فضله ، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم

وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية ، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة

وكم أثرت هذه الأمور على قلوب كثير من الأقوياء ، فضلاً عن الضعفاء ، وكم أدت إلى الحمق والجنون .

واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكارك فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة. وإلا فالأمر بالعكس.

والمُعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب ، الدافعة لقلقه ، قال تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) الطلاق/3 . أي كافيه جميع ما يُهمه من أمر دينه ودنياه

فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولا تُزعجه الحوادث ، لعلمه أن ذلك من ضعف النفس ، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له

ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة ، فيثق بالله ويطمئن لوعده ، فيزول همه وقلقه

ويتبدل عُسره يُسرا ، وترحه فرحا ، وخوفه أمنا ، فنسأله تعالى العافية ، وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته ، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير ، ودفع كل مكروه وضير .

وينبغي أيضاً إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره.

انظر كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي .

* وقد لخص ابن القيم خمسة عشر نوعاً من الدواء يذهب الله بها الهم والحزن وهي :

الأول: توحيد الربوبية.

الثاني: توحيد الإلهية.

الثالث:التوحيد العلمي الاعتقادي (وهو توحيد الأسماء والصفات).

الرابع : تنـزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .

الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.

السادس : التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات : الحي القيوم.

السابع : الاستعانة به وحده .

الثامن : إقرار العبد له بالرجاء .

التاسع : تحقيق التوكل عليه ، والتفويض إليه ، والاعتراف له بأن ناصيته في يده ، يصرفه كيف يشاء ، وأنه ماض فيه حكمه ، عدل فيه قضاؤه .

العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن ، ويتعزى به عن كل مصيبة ، ويستشفي به من أدواء صدره ، فيكون جلاء حزنه ، وشفاء همه وغمه .

الحادي عشر : الاستغفار.

الثاني عشر: التوبة.

الثالث عشر : الجهاد.

الرابع عشر : الصلاة.

الخامس عشر : البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.

نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو السميع المجيب، وهو الحي القيوم.

انظر للأهمية رسالة علاج الهموم – وهي موجودة في الموقع – قسم الكتب .

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

الشيخ محمد صالح المنجد









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:37

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc