إن الله سبحانه وتعالى قد مدح النبي صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه عندما بدأ الإسلام غريباً، فقال عزوجل: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ (الفتح 29 )، وبشر كل من سار على دربهم ونهج نهجهم فقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(التوبة 100). فكذلك عندما يعود الإسلام غريباً طوبى للغرباء الذين لا يخرجهم عن صراط الله كثرة الخارجين عنه، ولا يثنيهم خذلان أهلهم لهم ولا يخافون الوعيد ما داموا في كنف الله عندما يعود الإسلام غريباً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ" رواه مسلم.
فالسابقون الأولون الذين نصروا الله ورسوله عندما بدأ الإسلام غريباً استشعروا حلاوة الإيمان ومدحهم ربنا ووعدهم بالجنة. واللاحقون الآخرون الذين ينصرون الله ورسوله عندما يعود الإسلام غريباً كما بدأ يستشعرون حلاوة الإيمان في كل لحظة وموعودون بالجنة إن شاء الله. فهم الذين رعاهم الله وحماهم وثبتهم على الحق وأعانهم رغم الأذى الذي وقع عليهم عندما بدأ الإسلام غريباً وعوضهم بلذة الإيمان وحلاوته التي لا يعلمها إلا من صابر نفسه وجالدها حتى يكون لسان حاله يقول:
ولست أُبالي حين أُقتـل مسـلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي
وكما جاء في الحديث الصحيح عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" رواه البخاري.
وعندما بدأ لإسلام غريباً خاطب ربنا عزوجل رسوله الكريم قائلاً: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾(الأنفال 64) وقال أيضاً: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ (الزمر 36 )، وقال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾(يونس62)، فهو جل وعلا يرعاهم ويعينهم وهو وليهم ويدافع عنهم عندما يعود الإسلام غريباً كما دافع عنهم عندما بدأ الإسلام غريباً.
ب- إن لهم بشارات ووعد بالنصر والتمكين، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ﴾(القصص5)، وقد تحقق للرسول صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصر الله حتى عندما كان مع أقل عدد في الغار، "ما ظنك باثنين الله ثالثهما".
ووعد الله الغرباء عندما يعود الإسلام غريباً بالنصر والتمكين في الدنيا حيث قال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾(النور55).
أخيراً ونحن في عصر غربة مفاهيم نجد أمامنا ثلاث طرق:
- أن يكون عندنا قرآن بلا علم ولا إيمان، ويشرحه حديث المصطفى صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَقَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ فَقَالَ رجل لَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ مِنَّا وَبَيْنَ أَظْهُرِنَا الْمَصَاحِفُ وَقَدْ تَعَلَّمْنَا مَا فِيهَا وَعَلَّمْنَا نِسَاءَنَا وَذَرَارِيَّنَا وَخَدَمَنَا قَالَ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ وَقَدْ عَلَتْ وَجْهَهُ حُمْرَةٌ مِنَ الْغَضَبِ قَالَ فَقَالَ أَيْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ هَذِهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بَيْنَ أَظْهُرِهِمُ الْمَصَاحِفُ لَمْ يُصْبِحُوا يَتَعَلَّقُوا بِحَرْفٍ مِمَّا جَاءَتْهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ أَلَا وَإِنَّ مِنْ ذَهَابِ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ ثَلَاثَ مِرَارٍ". رواه الامام احمد.أليس غريباً أن يكون القرآن عندنا للبركة والمناسبات ونقرأه للموتى ونصبر به الحزانا والثكالى…؟!
- أن يكون عندنا إيمان بلا علم ولا قرأن، وهذه أنكى من سابقتها وأدهى،فالبوذيون ومشركو العرب كان عندهم أيمان ما، قال تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾. (الزمر3)، أليس غريباً أن ندعو إلى تقارب الأديان ونحن نقرأ القرآن؟؟ ونستعمل اصطلاح إخواننا النصارى وإصطلاح الدين لله والوطن للجميع؟؟
- أن يكون عندنا قرآن وإيمان وعلم بأن هذا القرآن من عند الله وأنه تعالى القابض الباسط المحيي المميت وأنه الأول والآخر… فإذا حصل هذا العلم النابع من الإيمان بالله والالتزام بأوامره، فلا يهمنا من خالفنا عندما يعود الإسلام غريباً لاعتقادنا الجازم بأن الله ناصرٌ دينه ومظهره على الدين كله، وصدق الله العظيم: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(التوبة 32).
المصدر
https://www.9ll9.com/vb/118194.html