سؤال عن الناسخ والمنسوخ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

سؤال عن الناسخ والمنسوخ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-07-09, 10:20   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
حورية تو
مشرفة الخيمة
 
الصورة الرمزية حورية تو
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي سؤال عن الناسخ والمنسوخ

السلام عليكم
من له معلومات عن الناسخ والمنسوخ فليتفضل
لأن أعداء الإسلام دائما ما يستدلون به ..









 


رد مع اقتباس
قديم 2019-07-09, 10:31   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبوإبراهيــم
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حورية تو مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
من له معلومات عن الناسخ والمنسوخ فليتفضل
لأن أعداء الإسلام دائما ما يستدلون به ..
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الناسخ والمنسوخ والمقيد والمطلق والخاص والعام هذه كلها تدرس في أصول الفقه ولا يمكن للطالب العلم أن يصير عالما أو فقيها دون تعلمه لأصول الفقه

الناسخ والمنسوخ ثابث في القرآن والسنة وأقوال السلف

لم أفهم ما الذي يحتج به أعداء الإسلام ، يرجى التوضيح أكثر باراك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2019-07-09, 13:44   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
حورية تو
مشرفة الخيمة
 
الصورة الرمزية حورية تو
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوإبراهيــم مشاهدة المشاركة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الناسخ والمنسوخ والمقيد والمطلق والخاص والعام هذه كلها تدرس في أصول الفقه ولا يمكن للطالب العلم أن يصير عالما أو فقيها دون تعلمه لأصول الفقه

الناسخ والمنسوخ ثابث في القرآن والسنة وأقوال السلف

لم أفهم ما الذي يحتج به أعداء الإسلام ، يرجى التوضيح أكثر باراك الله فيك
حسنا
كآية السيف دائما ما يقولون أنها نسخت آيات التسامح في القرآن الكريم
((((آية ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻫﻲ ﺍﻵﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻮﺑﺔ ﴿ ﻓَﺈِﺫَﺍ ﺍﻧْﺴَﻠَﺦَ ﺍﻟْﺄَﺷْﻬُﺮُ ﺍﻟْﺤُﺮُﻡُ ﻓَﺎﻗْﺘُﻠُﻮﺍ ﺍﻟْﻤُﺸْﺮِﻛِﻴﻦَ ﺣَﻴْﺚُ ﻭَﺟَﺪْﺗُﻤُﻮﻫُﻢْ ﻭَﺧُﺬُﻭﻫُﻢْ ﻭَﺍﺣْﺼُﺮُﻭﻫُﻢْ ﻭَﺍﻗْﻌُﺪُﻭﺍ ﻟَﻬُﻢْ ﻛُﻞَّ ﻣَﺮْﺻَﺪٍ ﻓَﺈِﻥْ ﺗَﺎﺑُﻮﺍ ﻭَﺃَﻗَﺎﻣُﻮﺍ ﺍﻟﺼَّﻠَﺎﺓَ ﻭَﺁﺗَﻮُﺍ ﺍﻟﺰَّﻛَﺎﺓَ ﻓَﺨَﻠُّﻮﺍ ﺳَﺒِﻴﻠَﻬُﻢْ ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻏَﻔُﻮﺭٌ ﺭَﺣِﻴﻢٌ ﴾، ﻭﻫﻲ ﺁﻳﺔ ﻗﺮﺁﻧﻴﺔ ﺍﺳﺘﺸﻬﺪ ﺑﻬﺎ ﻧﻘﺎﺩ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎﻕ ﻭﺍﺳﻊ ﻟﻺﺩﻋﺎﺀ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﺸﺠﻊ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺿﺪ " ﺍﻟﻮﺛﻨﻴﻴﻦ " ") ﺍﻟﻤﺸﺮﻛﻴﻦ )))))
ما بين قوسين منقولة للآمانة .
ثم هناك من يقول أنه توجد أحاديث نسخت آيات قرآنية...









رد مع اقتباس
قديم 2019-07-09, 13:49   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
حورية تو
مشرفة الخيمة
 
الصورة الرمزية حورية تو
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فإذا كان هناك كتاب يدرس هذا الموضوع فأريد عنوانه فالأمر يهمني بل و يهمنا جميعا فهذا يندرج في التعمق في ديننا الحنيف*










رد مع اقتباس
قديم 2019-07-09, 15:44   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمه الله و بركاته

اختي الفاضلة

الامر يسير جدا

و انا علي استعداد المساعده في اي استفسار تبحثي عنه


جاءت العقائد السماوية كافة بتقرير عقيدة واحدة هي عقيدة إفراد الله تعالى بالعبودية

وترك عبادة من سواه

فجميع الرسل نادوا في قومهم: {أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} (المؤمنون:32)

إلا أن أحكام الشرائع اختلفت من شريعة لأخرى

قال تعالى: {لكل أمة جعلنا منسكًا هم ناسكوه} (الحج:67).


وجاءت شريعة الإسلام ناسخة لما سبقها من الشرائع

ومهيمنة عليها

واقتضت حكمة الله سبحانه أن يشرع أحكامًا لحكمة يعلمها

ثم ينسخها لحكمة أيضًا تستدعي ذلك النسخ

إلى أن استقرت أحكام الشريعة أخيراً

وأتم الله دينه

كما أخبر تعالى بقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} (المائدة:3).


وقد بحث العلماء الناسخ والمنسوخ ضمن أبحاث علوم القرآن الكريم

وأفرده بعضهم بالكتابة.


والنسخ هو رفع الحكم الشرعي

بخطاب شرعي.

وعلى هذا فلا يكون النسخ بالعقل والاجتهاد.

ومجال النسخ هو الأوامر والنواهي الشرعية فحسب

أما الاعتقادات والأخلاق وأصول العبادات والأخبار الصريحة التي ليس فيها معنى الأمر والنهي

فلا يدخلها النسخ بحال.

ولمعرفة الناسخ والمنسوخ أهمية كبيرة عند أهل العلم

إذ بمعرفته تُعرف الأحكام

ويعرف ما بقي حكمه وما نُسخ. وقد حدَّد أهل العلم طرقًا يُعرف بها الناسخ والمنسوخ

منها: النقل الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصحابي


فمن أمثلة ما نُقل عنه صلى الله عليه وسلم قوله: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزروها» (رواه مسلم).

ومن أمثلة ما نُقل عن الصحابي

قول أنس رضي الله عنه في قصة أصحاب بئر معونة: ونزل فيهم قرآن قرأناه ثم نُسخ بَعْدُ «بلِّغوا عنا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضيَ عنا ورضينا عنه» (رواه البخاري) .


ومن طُرق النسخ أيضًا إجماع الأمة

ومعرفة تاريخ الحكم المتقدم من المتأخر. ولا بد من الإشارة إلى أن النسخ لا يثبت بالاجتهاد

ولا بمجرد التعارض الظاهر بين الأدلة،

فكل هذه الأمور وما شابهها لا يثبت بها النسخ.


والنسخ على أنواع

فمنها نسخ القرآن بالقرآن

ومثاله نَسْخُ قوله تعالى: { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} (البقرة:219)

فقد نسختها آية: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} (المائدة:90)

وهذا النوع من النسخ جائز بالاتفاق.


ومنها نَسْخُ السنة بالقرآن

كنسخ التوجُّه إلى قبلة بيت المقدس

الذي كان ثابتًا بالسنة بقوله تعالى: {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} (البقرة:144).

ونَسْخُ وجوب صيام يوم عاشوراء الثابت بالسنة

بصوم رمضان في قوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (البقرة:185).

ومن أنواع النسخ أيضاً


نَسْخُ السنة بالسنة

ومنه نسخ جواز نكاح المتعة

الذي كان جائزًا أولاً

ثم نُسخ فيما بعد؛ فعن إياس بن سلمة عن أبيه، قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثم نهى عنها) رواه مسلم

وقد بوَّب البخاري لهذا بقوله: باب نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة آخراً


. ويأتي النسخ في القرآن على ثلاثة أنحاء:


الأول:

نسخ التلاوة والحكم معًا

ومثاله حديث عائشة قالت: كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحُرمن، ثم نُسخن بخمس معلومات) رواه مسلم.


الثاني:

نسخ الحكم وبقاء التلاوة

ومثاله قوله تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} (الأنفال:66)

فهذه الآية نسخت حكم الآية السابقة لها مع بقاء تلاوتها

وهي قوله تعالى: {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} (الأنفال:65).


الثالث:

نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومنه ما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها: « ثم نسخن بخمس معلومات» فإن تحديد الرضاع المحرِّم بخمس رضعات، ثابت حكمًا لا تلاوة.


ووجود النسخ في الشريعة له حِكَمٌ عديدة

منها مراعاة مصالح العباد

ولا شك فإن بعض مصالح الدعوة الإسلامية في بداية أمرها

تختلف عنها بعد تكوينها واستقرارها

فاقتضى ذلك الحال تغيُّر بعض الأحكام

مراعاة لتلك المصالح


وهذا واضح في بعض أحكام المرحلة المكية والمرحلة المدنية


وكذلك عند بداية العهد المدني وعند وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن حكم النسخ أيضًا ابتلاء المكلفين واختبارهم بالامتثال وعدمه

ومنها كذلك إرادة الخير لهذا الأمة والتيسير عليها

لأن النسخ إن كان إلى أشق ففيه زيادة ثواب

وإن كان إلى أخف ففيه سهولة ويسر

.


اختي الفاضلة

هذا شرح مبسط لهذا العلم

و يبقي التفصيل ان كنتي تريدي ذلك









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-07-10 في 10:44.
رد مع اقتباس
قديم 2019-07-09, 22:24   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
الوادعي
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الأوسمة
وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

أرجو من الإخوة الأفاضل أن لا يلجوا في مسائل دقيقة وأبواب خطيرة بدون الإحالة لمن هم أوسع فهما لفقه النصوص ..
فمن بركة العلم عزوه إلى العلماء،و ينبغي بل يجب أن يكون النقل عن أهل العلم الموثوقين بعقيدتهم الراسخون الذين يؤخذ بقولهم..

قال الله تعالى( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ).









رد مع اقتباس
قديم 2019-07-10, 04:48   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الوادعي مشاهدة المشاركة
أرجو من الإخوة الأفاضل أن لا يلجوا في مسائل دقيقة وأبواب خطيرة بدون الإحالة لمن هم أوسع فهما لفقه النصوص ..
فمن بركة العلم عزوه إلى العلماء،و ينبغي بل يجب أن يكون النقل عن أهل العلم الموثوقين بعقيدتهم الراسخون الذين يؤخذ بقولهم..

قال الله تعالى( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ).
السلام عليكم ورحمه الله و بركاته

احسنت اخي الفاضل

و هذا ما يجب فعله دائما في جميع الاقسام الاسلامية

بارك الله فيك
و جزاك الله عنا كل خير









رد مع اقتباس
قديم 2019-07-10, 09:42   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ali1596321
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي


السلام عليكم
أختي في الله إضافة لما تفضل به الإخوة الكرام أقدم لك ردا عن هده الشبهة منقولا
لكن قبل دلك اسمحي لي أن أسدي لك نصيحة لوجه الله , حافظي على إيمانك قويا ويكفي أن تعلمي أن الله حق وان هدا الدين أحق بالاتباع وأنك ما أوتيت من العلم الا قليلا وأنك علمت شيئا و غابت عنك أشياء ولا تسعي الى هذة الشبهات سعيا فيجد الشيطان إلى نفسك طريقا وكي يسلم لك دينك و دنياك فمن ضاع دينه ضاعت دنياه
و اليك هدا الرابط فيه رد على هذه الشبهة لعله يقنعك والله أعلم

https://rebrand.ly/h366z7

ER]









رد مع اقتباس
قديم 2019-07-10, 11:28   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حورية تو مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
من له معلومات عن الناسخ والمنسوخ فليتفضل
لأن أعداء الإسلام دائما ما يستدلون به ..
اختي الفاضلة

تقدمت بمشاركه سابقة شرح مبسط عن ما تريدي فهمه و لكن بعد هذا التوضيح


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الوادعي مشاهدة المشاركة
أرجو من الإخوة الأفاضل أن لا يلجوا في مسائل دقيقة وأبواب خطيرة بدون الإحالة لمن هم أوسع فهما لفقه النصوص ..
فمن بركة العلم عزوه إلى العلماء،و ينبغي بل يجب أن يكون النقل عن أهل العلم الموثوقين بعقيدتهم الراسخون الذين يؤخذ بقولهم..

قال الله تعالى( وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ).

اقول الحق احق ان يتبع

و الان مع شرح العلماء للناسخ و المنسوخ

في البدايه يقول العلامه ابن باز

الناسخ الحكم الأخير والمنسوخ الحكم الأول


https://binbaz.org.sa/fatwas/25580/%...B3%D9%88%D8%AE

أنواع النَّسخ والحكمة من وجوده

يتنوع النَّسخ إلى أنواع، وما من نوع إلا وقد شرع لحِكم جليلة وفوائد عظيمة.


: أنواع النَّسخ:

يمكن أن نقسم النَّسخ على وجه العموم إلى قسمين: نسخ شريعة النبي صلى الله عليه وسلم للشرائع السابقة،

والنَّسخ داخل هذه الشريعة.


نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع:

لما كانت شريعة الإسلام آخر الشرائع، وصالحة لكل زمان ومكان؛ إذ لا شريعة بعدها، فقد نسخ الله بها ما شاء من الشرائع الماضية.

قال الإمام الزركشي

: "شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع بالإجماع

البحر المحيط في أصول الفقه: 3/ 155.

وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى:

"وقد أجمعت الأمةُ على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم قد نسَخت ما خالفها من شرائع الأنبياء

روضة الناظر وجنة المناظر: 1/ 73.

وحينما يقرر أهل العلم بل يجمعون على نسخ هذه الشريعة لِما قبلها من الشرائع

فالمقصود ما يمكن أن نسميه فروعًا دون الأصول، أو الهيئات والكيفيات دون الحقائق والذوات؛ فإن الأصول - أو الحقائق والذوات - ثابتة لا تنسخ

بل هي مقررة في كل شريعة وأمة؛ فأصل الأصول - ألا وهو التوحيد - لا يمكن أن يتطرق له النَّسخ

قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36]

وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25]

وقال - جل في علاه -: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ï´¾ [الرعد: 7]

وقال - جل شأنه -: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24]

وقال - جل جلاله -: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ... [الشورى: 13].

فهذه الشريعة لم تنسخ هذا الأصل الأصيل، الذي هو لب الشرائع كلها، مهما اختلفت الأمم وتباعدت الأزمان.

ونفس الشيء يقال بالنسبة لأصول العبادات؛ من صلاة وصيام وغيرها؛ فهذه الأصول ثابتة، وأقصد بذلك حقائقها وذواتها

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 183]

وقال تعالى عن إسماعيل عليه السلام: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ [مريم: 55]

وقال سبحانه عن عيسى عليه السلام: وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم: 31]

وقال حكاية عن قوم شعيب عليه السلام: يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ [هود: 87].

وكذلك أصول الأخلاق والمعاملات والآداب؛ فكل ذلك ثابت لا نسخ فيه، إنما النَّسخ في الكيفيات والهيئات.

وقد نقل الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى -

عن القَرافي قوله: "وهذا الإطلاق وقع في كتب العلماء كثيرًا، وهو غير مسلَّم، والمراد أن الشريعة المتأخرة قد تنسخ بعض أحكام الشريعة المتقدمة، أما كلها فلا؛ لأن قواعد العقائد لم تنسخ، وكذلك حفظ الكليات الخمس"

إرشاد الفحول: 1/ 353.


النَّسخ في الشريعة الإسلامية إما أن يكون لبدل أو غير بدل:

إذا نسخ الله - جل وعلا - حكمًا شرعيًّا، فإما أن يحل محل هذا الحكم حكم آخر أو لا، فإذا حل محله حكم جديد فذلك النَّسخ إلى بدل، وإن لم يحل محله أي حكم فذلك النَّسخ إلى غير بدل.

: النَّسخ إلى بدل:


إذا نُسخ الحكم الشرعي وحل محله حكم آخر، فإما أن يكون هذا الحكم البديل مساويًا للأول، أو أثقل منه، أو أخف:

1- النَّسخ إلى بدل مساوٍ:

أي: على نفس المكلف؛ بحيث لا فرق بين الحكم المنسوخ والحكم الناسخ من حيث الثقل أو الخفة بالنسبة للمكلف.

مثاله: نسخ استقبال بيت المقدس الذي ثبت بالسنة، فنسخ بالقرآن؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول ما نسخ من القرآن فيما ذكر لنا - والله أعلم - شأنُ القبلة

قال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115]

فاستقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق، ثم صرفه إلى بيته العتيق ونسخها

فقال: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة: 150]

رواه الحاكم في المستدرك وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذا السياق".

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة - وكان أهلُها اليهودَ

- أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قِبلة إبراهيم،

فكان يدعو وينظر إلى السماء

فأنزل الله: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة: 144]

إلى قوله: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة: 144]

فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟

فأنزل الله: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: 142]

وقال: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: 115]

تفسير ابن كثير: 1/ 391.

وهذا النوع لا خلاف في جوازه عقلاً ووقوعه سمعًا عند القائلين بالنَّسخ كافة.

2- النَّسخ إلى بدل أخف:

وهذا كثير في شريعتنا، ولنكتفِ بمثالين:

الأول: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ [الأنفال: 65].

فهذه الآية نسخت بالآية التي بعدها

وهي قوله تعالى: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 66].

ولا شك أن الحكم الأخير أخف بكثير من الأول؛ فبدلاً من أن يصابر المسلم عشرة من الكفار عليه أن يصابر اثنين فقط.

الثاني: نسخ تحريم الأكل والشرب والجماع بعد النوم في ليالي رمضان، ولعل هذا التحريم كان ثابتًا بالسنة، فتم نسخُه بالقرآن

قال تعالى:أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187].

قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -

عند تفسيره لهذه الآية: "هذه رُخصة من الله تعالى للمسلمين، ورَفْع لِما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام

فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة، فوجدوا من ذلك مَشَقة كبيرة.

وروى الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى -

بسنده عن ابن عباس في قول الله تعالى ذكره: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة: 187]

وذلك أن المسلمين كانوا في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حُرِّم عليهم النساء والطعام إلى مثلها من القابلة

ثم إن نَاسًا من المسلمين أصابوا الطعام والنساء في رمضان بعد العشاء، منهم عمر بن الخطاب، فشكَوْا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

فأنزل الله: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة: 187]

يعني: انكحوهن، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187]

جامع البيان في تأويل آي القرآن: 3/ 496.


وهذا النوع كالنوع الأول، لا خلاف في جوازه عقلاً ووقوعه سمعًا عند القائلين بالنَّسخ أجمعين.


يتبع باقي الشرح









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-07-10 في 11:35.
رد مع اقتباس
قديم 2019-07-10, 11:51   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

النَّسخ إلى بدل أثقل:

مثاله: ما يتعلق بتحريم الخمر، وحد الزنا:

فبعد الإباحة تم الانتقال إلى تحريم الخمر في أوقات الصلوات، ثم حرم نهائيًّا

وهذا الأمر يذكره بعض العلماء كمثال على النَّسخ إلى بدل أثقل، والذي أراه - والعلم عند الله - أن هذا ليس من النَّسخ إلى بدل أثقل

فبالنظر إلى عواقب شُرب الخمر وما يسببه من الأضرار - البدنية وكذا المالية - بل ومن الجرائم والصد عن ذكر الله

كما قال سبحانه: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ [المائدة: 91] -

فنسخ إباحته بتحريمه هو عين التخفيف على الأمة، والله أعلم.

وأما بالنسبة لحد الزنا، فقد كان الحكم في بداية الإسلام حبس الثيب وتعنيف البكر، فنُسخ ذلك بالرجم للثيب والجلد بالنسبة للبكر

قال تعالى:وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا *

وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا [النساء: 15، 16].

"كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت، فثبَت زناها بالبينة العادلة، حُبست في بيت، فلا تُمكَّن من الخروج منه إلى أن تموت؛

ولهذا قال: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ [النساء: 15]

يعني: الزنا مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15]

فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك.

قال ابن عباس: كان الحكم كذلك حتى أنزل الله سورة النور، فنسخها بالجلد، أو الرجم.

وكذا رُوي عن عِكرمة، وسعيد بن جُبَير، والحسن، وعطاء الخُراساني، وأبي صالح، وقتادة، وزيد بن أسلم، والضحاك: أنها منسوخة، وهو أمر متفق عليه"

تفسير ابن كثير: 2/ 233.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً؛ البِكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم))؛ رواه مسلم وأصحاب السنن.

ومن أهل العلم من قال: إن هذا ليس بنسخ، وإنما هو من قبيل المجمل الذي تم بيانه؛ حيث

قال تعالى: أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء: 15

وهذا السبيل قد بيَّنه الله تعالى، لكن الراجح النَّسخ، والله أعلم.

وهذا النوع من النَّسخ - أي إلى بدل أثقل - اختلف فيه، وجمهور العلماء على جوازه عقلاً وسمعًا، ولهم أدلة - ذكرت بعضها - تثبت الوقوع السمعي، وهو أدل دليل على الجواز العقلي.


النَّسخ إلى غير بدل:

والمقصود - كما أسلفت - بهذا النوع من النَّسخ أن يرفع الله تعالى حكمًا شرعيًّا دون بديل عنه، ومن أمثلته: نسخ وجوب تقديم الصدقة عند المناجاة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *

أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المجادلة: 12، 13]

جامع البيان في تأويل آي القرآن: 23/ 251.

روى الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - عن عليٍّ رضي الله عنه: إن في كتاب الله عز وجل لآيةً ما عمل بها أحد قبلي

ولا يعمل بها أحد بعدي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة: 12]

قال: فُرِضت، ثم نُسخت

جامع البيان في تأويل آي القرآن: 23/ 248.

وعن قتادة: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [المجادلة: 13]

: فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى.

ومن أهل العلم من قال: إنه لا نسخ في هذه الآية، متأولاً ذلك بما فيه تكلف واضح، والراجح النَّسخ.

والجمهور على جواز هذا النوع من النَّسخ، وأنكره الظاهرية وبعض المعتزلة.


النَّسخ بين القرآن والسنة:

مما لا ريب فيه أن النَّسخ وقع في شريعة الإسلام التي هي آخر الشرائع؛ وذلك لحكم جليلة، وفوائده عظيمة -

كما سنرى لاحقًا، وهذا النَّسخ كما وقع في القرآن وقع في السنة، وكما نُسخ القرآن بالقرآن فقد نسخ بالسنة

وكذا كما نسخت السنة بالسنة فقد نُسخت بالقرآن، وقبل أن أفصل القول في ذلك، أشير إلى أقسام النَّسخ في القرآن:


نسخ القرآن بالقرآن:

أجمع القائلون بالنَّسخ من المسلمين على جوازه ووقوعه، أما جوازه فلأن آيات القرآن متساوية في العلم بها،

وفي وجوب العمل بمقتضاها، وأما الوقوع فللأدلة الكثيرة التي سنذكر بعضها بإذن الله، وقد قسم العلماء هذا النوع من النَّسخ إلى ثلاثة أقسام: نسخ التلاوة والحكم معًا، نسخ التلاوة دون الحكم، ونسخ الحكم دون التلاوة.

1- نسخ التلاوة والحكم معًا:

وما كان كذلك فلا يجوز تلاوته تعبدًا، ولا العمل بما تضمنه من حكم.

مثاله: ما رواه الإمام مسلم وغيره من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات

فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يُقرأ من القرآن".

وهذا النوع من النَّسخ أجمع عليه القائلون بالنَّسخ من المسلمين؛ "فعشر رضعات معلومات يحرمن" ليس لها ورود في القرآن الكريم، كما أنه لا يعمل بحكمها

ولا شك أن حديث عائشة رضي الله عنها له حكم الرفع؛ لأن مثل هذا الأمر لا يقال من باب الرأي.

2- نسخ التلاوة دون الحكم:

ولنضرب مثالين على هذا النوع من النَّسخ الحاصل في القرآن:

• المثال الأول: وهو حديث عائشة رضي الله عنها الذي سبق ذكره، فقولها: "ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن"

هذه الخمس مما نسخت تلاوته مع بقاء حكمه؛ إذ لا وجود لها في القرآن ألبتة، لكن العمل بها قائم لم يرفع، وأما قول عائشة رضي الله عنها: "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن"

فالمراد مَن لم يبلغه النَّسخ؛ إذ كان يعتقد بقاءها، فكان يقرؤها حتى بلغه النَّسخ،

أو أن المقصود قرب الوفاة، والأظهر الأول؛ يقول الإمام الزركشي في البرهان: "وقد تكلموا في قولها: (وهي مما يقرأ)، فإن ظاهره بقاء التلاوة، وليس كذلك، فمنهم من أجاب بأن المراد قارب الوفاة

والأظهر أن التلاوة نسخت أيضًا، ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوفي وبعض الناس يقرؤها"

البرهان في علوم القرآن: 2/ 39.

وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم

: "ومعناه أن النَّسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدًّا، حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآنًا متلوًّا؛ لكونه لم يبلغه النَّسخ

لقرب عهده، فلما بلغهم النَّسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أن هذا لا يتلى"

شرح مسلم للإمام النووي: 10/ 29.

وقد أبعد النجعة من استدل بقولها رضي الله عنها: "وهن فيما يقرأ من القرآن" على بقاء التلاوة، ويكفي في رده ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم عند كتابة المصحف؛ إذ لا أثر لها في أي مصحفٍ من المصاحف العثمانية.

• المثال الثاني: حديث عمر رضي الله عنه: "إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأتها وعقَلتها ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده

فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى؛ فالرجم على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت به البينة

أو كان الحبل، أو الاعتراف، وقد قرأتها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم"؛ متفق عليه.

والأمثلة على هذا النوع من النَّسخ كثيرة

يقول الإمام الألباني - رحمه الله تعالى -:

"ويؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنُسخت تلاوتها، وبقي أمر حكمها، أو لم يبقَ، مثل حديث عمر: (الشيخ والشيخة إذا زنيا

فارجموهما ألبتة)، وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة

قال: فأنزل الله فيهم قرآنًا: (بلغوا عنا قومنا أنَّا قد لقينا ربنا)، وحديث أبي بن كعب: (كانت الأحزاب قدر البقرة)، وحديث حذيفة: (ما يقرؤون ربعها)، يعني براءة، وكلها أحاديث صحيحة"

السلسلة الصحيحة: 6/ 412.

3- نسخ الحكم دون التلاوة:

وهذا القسم اختلف فيه بين المجيزين له؛ فمنهم من توسع فأدخل فيه كثيرًا من الآيات، ومنهم من ضيق مجاله؛ ففي الوقت الذي نجد فيه الإمام الزركشي يقول عن هذا النوع: "وهو في ثلاث وستين سورة

البرهان في علوم القرآن.

نجد الإمام السيوطي يقول: "وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وهو على الحقيقة قليل جدًّا، وإنْ أكثَرَ الناس من تعداد الآيات فيه، فإن المحققين كالقاضي أبي بكر بن العربي بيَّن ذلك وأتقَنه"

الإتقان في علوم القرآن.

ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 240].

فالحكم الذي تضمنته هذه الآية منسوخ، كما سبق بيانه، وهي فيما يتلى من القرآن؛ فهي مما نسخ حكمه وبقيَت تلاوته.

كذلك من الأمثلة قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ [المجادلة: 12]، وهذا الحكم منسوخ كما سلف، فهذه الآية وإن نسخ حكمها فقد بقيت تلاوتها.

يقول الإمام الشوكاني في الإرشاد:

"ما نُسخ حكمه وبقي رسمه؛ كنسخ آية الوصية للوالدين والأقربين بآية المواريث، ونسخ العدة حولاً بالعدة أربعة أشهر وعشرًا

فالمنسوخ ثابت التلاوة مرفوع الحكم، والناسخ ثابت التلاوة والحكم، وإلى جواز ذلك ذهب الجمهور، بل ادعى بعضُهم الإجماع عليه.

وقد حكى جماعة من الحنفية والحنابلة عدم الجواز عن بعض أهل الأصول، قالوا: لأنه إذا انتفى الحكم فلا فائدة في التلاوة، وهذا قصور عن معرفة الشريعة

وجهل كبير بالكتاب العزيز؛ فإن المنسوخَ حكمُه، الباقيةَ تلاوتُه في الكتاب العزيز مما لا ينكره مَن له أدنى قدم في العلم"

إرشاد الفحول: 2/ 64.

تنبيه: أشار الإمام محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله تعالى - إلى أن من أهل العلم - كأبي إسحاق المروزي وابن السمعاني وغيرهما -

مَن قسم "نسخ التلاوة دون الحكم والعكس ونسخهما معًا" إلى ستة أقسام، والذي عليه الجمهور تقسيم ذلك إلى ثلاثة أقسام فقط.


يتبع باقي الشرح









آخر تعديل *عبدالرحمن* 2019-07-10 في 11:55.
رد مع اقتباس
قديم 2019-07-10, 12:12   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

نسخ القرآن بالسنة:

كما هو معلوم من تقسيمات السنة أنها تنقسم إلى متواتر وآحاد، فيندرج إذًا تحت نسخ القرآن بالسنة صورتان:

• نسخ القرآن بالسنة المتواترة.

• ونسخه بالآحاد.

1- نسخ القرآن بالسنة المتواترة:

اختلف العلماء في هذه المسألة بين مجيزين ومانعين، واختلف المجيزون بين قائل بالوقوع وبنفيه:

أ- القول بالجواز: ذهب الإمام مالك

القول بجواز نسخ القرآن بالسنة لعله المشهور عن الإمام مالك

لكن الإمام ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى - لما ذكر ما أجاب به الإمام أحمد حينما قيل له: " أتنسخ السنة شيئًا من القرآن؟ قال: "لا ينسخ القرآن إلا القرآن"

قال ابن عبدالبر: هذا قول الشافعي رحمه الله... وعلى هذا جمهور أصحاب مالك إلا أبا الفرج؛ فإنه أضاف إلى مالك قول الكوفيين في ذلك: إن السنة تنسخ القرآن

صحيح جامع بيان العلم وفضله: 488.

والحنفية وأكثر المتكلمين إلى جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة

لأنه لا مانع عقلاً ولا شرعًا من ذلك؛ فالكل وحي من الله تعالى

وإن كان للقرآن خصائص، وللسنة خصائص، لكنهما من مشكاة واحدة

كما قال تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3، 4]

وصح عن النبي صلى الله عليه سلم أنه قال: ((ألا إني أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معه)).

ب- القول بالمنع: ذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وأكثر أهل الظاهر

وقد ذهب إلى الجواز من الظاهرية الإمام محمد بن حزم رحمه الله تعال

فقد قال في الإحكام: "وبهذا نقول، وهو الصحيح، وسواء عندنا السنة المنقولة بالتواتر والسنة المنقولة بأخبار الآحاد، كل ذلك ينسخ بعضه بعضًا

وينسخ الآيات من القرآن، وينسخه الآيات من القرآن، وبرهان ذلك ما بيناه في باب الأخبار من هذا الكتاب من وجوب الطاعة لِما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، كوجوب الطاعة لما جاء في القرآن

ولا فرق، وأن كل ذلك من عند الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3، 4]،

فإذا كان كلامه وحيًا من عند الله عز وجل، والقرآن وحي، فنسخ الوحي بالوحي جائز؛ لأن كل ذلك سواءٌ في أنه وحي.

إلى عدم جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة، ولهم في ذلك حجج وأدلة نعرضها مع بيان الرد عليها:

• الدليل الأول

: قوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44]

ووجه الاستدلال من هذه الآية: أن الله تعالى قصَر وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم في مجرد البيان لِما في القرآن، والنَّسخ ليس بيانًا، بل هو رفع لهذا القرآن، وقد رد المجيزون على هذا الدليل بوجوه، منها:

الوجه الأول: لا دليل على الحصر؛ فالآية خالية من كل أدوات الحصر.

الوجه الثاني:

سلمنا جدلاً أن الآية حصرت مهمة النبي صلى الله عليه وسلم في البيان؛ فالمراد بالبيان التبليغ، لا الشرح، وهذا لا ينافي أن يكون النَّسخ بالسنة من جملة ما أُمر النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه وتبليغه.

الوجه الثالث

قصر وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم في البيان يفضي إلى منع استقلال السنة بالتشريع، وهذا مردود؛ فكثيرة هي الأحكام التي استقلت السنة بتشريعها، حتى قيل: "إن الكتاب ترك مجالاً للسنة، وإن السنة تركت مجالاً للكتاب".

• الدليل الثاني: قوله تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 101، 102].

والآية - كما هو ظاهر - جاءت في معرض الرد على منكري النَّسخ، ووجه الاستدلال أن النَّسخ إنما هو مما ينزل به جبريل عليه السلام، وهو القرآن.

ورد هذا بأن السنة كالقرآن؛ فهي وحي من الله تعالى، وهي مما ينزل به جبريلُ عليه السلام؛ كما دلت عليه آية النجم والحديث السابق؛ قال الإمام الشوكاني: "ولا يخفاك أن السنة شرعٌ من الله عز وجل

كما أن الكتاب شرع منه سبحانه

وقد قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]

وأمر سبحانه باتباع رسوله في غير موضع في القرآن؛ فهذا بمجرده يدل على أن السنة الثابتة عنه ثبوتًا على حد ثبوت الكتاب العزيز حكمُها حكم القرآن في النَّسخ وغيره، وليس في العقل ما يمنع من ذلك، ولا في الشرع"

إرشاد الفحول: 2/ 70.

• الدليل الثالث: أن حجية السنة إنما ثبتت بالقرآن

كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ [الحشر: 7]

وكما قال - جل وعلا -: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة: 92]

فإذا كانت السنة ناسخة للقرآن رجعت على نفسها بالبطلان؛ لأن ذهاب الأصل يُفضي إلى ذهاب الفرع.

ورُد هذا بأن موضوع البحث ليست الآيات الدالة على حجية السنة في القرآن حتى تعود على نفسها بالنقض والبطلان، كما رُد بأن هذا الدليل هو حجة على المانعين لا لهم

لأن الله تعالى أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وقَبول كل ما جاء به، ومن ذلك ما أخبر به من النَّسخ.

• الدليل الرابع: قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [البقرة: 106، 107]

هاتان الآيتان تدلان على امتناع نسخ القرآن بالسنة من وجوه ثلاثة:

• أولها: أن الله تعالى قال: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة: 106]،

والسنة ليست خيرًا من القرآن ولا مثله.

• ثانيها: أن قوله تعالى: ﴿ نَأْتِ ﴾ يفيد أن الآتي هو الله، والسنَّة لم يأتِ بها الله، إنما الذي أتى بها رسوله.

• ثالثها أن قوله: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 106، 107]

يفيد أن النَّسخ لا يصدر إلا عمن له الاقتدار الشامل، والملك الكامل، والسلطان المطلق، وهو الله وحده.

ويدفع الوجه الأول من هذا الاستدلال بأن النَّسخ في الآية الكريمة أعمُّ من أن يكون في الأحكام أو في التلاوة

والخيرية والمثلية أعم من أن تكونا في المصلحة أو في الثواب؛ فقد تكون السنَّة الناسخة خيرًا من القرآن المنسوخ من هذه الناحية، وإن كان القرآن خيرًا من السنة من ناحية امتيازه بخصائصه العليا دائمًا.

ويدفع الوجه الثاني بأن السنة وحي من الله، وما الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مبلغ ومعبِّر عنها فقط؛ فالآتي بها على الحقيقة هو الله وحده.

ويدفع الوجه الثالث بالقول بموجبه، وهو أن الناسخ في الحقيقة هو الله وحده، والسنَّة إذا نسخته فإنما تنسخه من حيث إنها وحيٌ صادر منه سبحانه.

• الدليل الخامس: قوله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي [يونس: 15]

وهذا يفيد أن السنة لا تنسخ القرآن؛ لأنها نابعة من نفس الرسول صلى الله عليه وسلم.

ورُدَّ بأن السنة وحي كالقرآن، وأن الناسخ حقيقة هو الله، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مبلغ عن الله ما ينسخ من الأحكام، أما الآية ففي بيان التبديل أو التغيير من تلقاء النبي صلى الله عليه وسلم دون وحي من الله تعالى

وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك

يقول الإمام ابن حزم - رحمه الله تعالى -:

"وهذا لا حجة لهم فيه؛ لأننا لم نقُل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدَّله من تلقاء نفسه

وقائلُ هذا كافر، وإنما نقول: إنه - عليه السلام - بدَّله بوحي من عند الله تعالى

كما قال آمرًا له أن يقول: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50]

فصح بهذا نصًّا جوازُ نسخ الوحي بالوحي، والسنَّة وحي؛ فجائز نسخ القرآن بالسنة، والسنة بالقرآن"

الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم: 4/ 505.

2- نسخ القرآن بسنة الآحاد:

اختُلف في هذا النوع من النَّسخ، والذين ذهبوا إلى المنع احتجوا بكون القرآن قَطعيَّ الثبوت، بخلاف حديث الآحاد؛ فإنه ظنيُّ الثبوت، فكيف يَرفع الظني القطعي؟!

وممن أيد المنع من المتأخرين العلامة الزرقاني - رحمه الله تعالى

فقد قال في مناهله: "أما خبر الواحد فالحق عدم جواز نسخ القرآن به للمعنى المذكور، وهو أنه ظنيٌّ، والقرآن قطعيٌّ، والظني أضعف من القطعي؛ فلا يقوى على رفعه.

والقائلون بجواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية اعتمادًا على أن القرآن ظنيٌّ للدلالة، حجتهم داحضة

لأن القرآن إن لم يكن قطعيَّ الدلالة فهو قطعي الثبوت، والسنة الآحادية ظنية الدلالة والثبوت معًا؛ فهي أضعف منه، فكيف ترفعه؟!"

مناهل العرفان: 2/ 241.

وهذا القول هو قول جمهور الأصوليين، وقد خالفهم أهل الظاهر، واستدلوا على جواز نسخ القرآن - المتواتر - بالآحاد بعدة أدلة، نقلية وعقلية.

ونرجئ الكلام عن هذه المسألة عند الحديث عن نسخ السنة المتواترة بالسنة الآحادية.

والذي أطمئن إليه هو جواز نسخ القرآن بالسنة الآحادية

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة: 180].

فهذه الآية منسوخة - على قول كثير من أهل العلم - بحديث: ((لا وصية لوارث))، وهو على الصحيح حديث آحاد.


نسخ السنة بالقرآن:

وهذا القسم اختلف فيه أيضًا، بَيْدَ أن جمهور الفقهاء والمتكلمين على جوازه ووقوعه، ولم يخالف في ذلك إلا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في إحدى روايتيه

"لقوله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44]،

"ووجه الدلالة أنه - سبحانه - قد جعل السنَّة بيانًا للقرآن، والناسخ بيان للمنسوخ، ولو كان القرآن ناسخًا للسنة لكان القرآن بيانًا للسنة، وهذا لا يجوز"

شرح الورقات في أصول الفقه للعلامة عبدالله الفوزان: 179.

ولا ريب أن الصحيح قول الجمهور؛ وذلك لأن نسخ السنة بالقرآن لا يمتنع عقلاً؛ فكلاهما وحي من الله تعالى، كما أن هذا النَّسخ وقع، والوقوع من أقوى الأدلة على الجواز، بل هو أدل دليل على الجواز.

ومن أدلة الوقوع ما يلي:

• استقبال بيت المقدس في الصلاة لم يعرف إلا من السنَّة،

وقد نسخه قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة: 144].

• ومنها: أن الأكل والشرب والمباشَرة كان محرمًا في ليل رمضان على من صام، ثم نُسخ هذا التحريم

بقوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة: 187].

• ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبرَمَ مع أهل مكة عام الحديبية صلحًا، كان من شروطه أن من جاء منهم مسلمًا رده عليهم، وقد وفَّى بعده في أبي جندل، وجماعةٍ من المكِّيِّين جاؤوا مسلمين، ثم جاءته امرأة فهمَّ أن يردها

فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [الممتحنة: 10].

يقول العلامة الزرقاني رحمه الله تعالى:

"أورد المانعون على هذا الاستدلال المعتمد على تلك الوقائع شبهة، قالوا في تصويرها: يجوز أن يكون النَّسخ فيما ذكرتم ثابتًا بالسنة، ثم جاء القرآن موافقًا لها، وبهذا يؤول الأمر إلى نسخ السنة بالسنة

ويجوز أن الحكم المنسوخ كان ثابتًا أولاً بقرآن نُسِخت تلاوته، ثم جاءت السنة موافقة له، وبهذا يؤول الأمر إلى نسخ قرآن بقرآن.

وندفع هذه الشبهة بأنها قائمة على مجرد احتمالات واهية، لا يؤيدها دليل

ولو فتحنا بابها وجعلنا لها اعتبارًا لَمَا جاز لفقيه أن يحكم على نص بأنه ناسخ لآخر إلا إذا ثبت ذلك صريحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ذلك باطلٌ بإجماع الأمة على خلافه

واتفاقها على أن الحكم إنما يسند إلى دليله الذي لا يعرف سواه بعد الاستقراء الممكن"

مناهل العرفان: 2/ 245.


يتبع باقي الشرح









رد مع اقتباس
قديم 2019-07-10, 12:31   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

نسخ السنة بالسنة:

باعتبار تقسيم السنة إلى متواترة وآحاد، فإن نسخ السنة بالسنة يندرج تحته أربع صور: نسخ المتواتر بالمتواتر، ونسخ الآحاد بالآحاد، ونسخ أحدهما بالآخر.

1- نسخ السنة المتواترة بالسنة المتواترة:

وهذا النوع مجمع عليه بين القائلين بالنَّسخ؛ قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني - 478 هـ - في ورقاته: "ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر"

لكن نقل العلامة الفوزان عن صاحب شرح الكوكب المنير أنه قال: "وأمثال نسخ متواتر السنة بمتواترها فلا يكاد يوجد"

شرح الورقات: 182.

2- نسخ الآحاد بالآحاد:

وهذا النوع كذلك لا خلاف فيه بين القائلين بالنَّسخ؛ لأن الناسخ والمنسوخ في درجة واحدة، فلا مانع من أن ينسخ أحدهما الآخر.

ومن الأمثلة: حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعًا: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها))؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم" يدل على أن النهي ثابت بالسنة.

3- نسخ الآحاد بالمتواتر:

وهذا النوع لا خلاف فيه كذلك بين القائلين بالنَّسخ؛ وذلك لأن المتواتر أقوى من الآحاد، فلا مانع من نسخ الآحاد بالمتواتر.

4- نسخ المتواتر بالآحاد:

إذا كان جمهور العلماء متفقين على جواز الأنواع الثلاثة الماضية من نسخ السنة بالسنة، فقد اختلفوا في جواز هذا النوع الرابع شرعًا، واتفقوا على جوازه عقلاً؛ فذهب الجمهور إلى المنع، وذهب الظاهرية إلى الإثبات.

وقد استدل الجمهور على المنع بدليل عقلي وآخرَ سمعي:

• فالأول: أن المتواتر قطعي الثبوت، وخبر الواحد ظني، والقطعي لا يرتفع بالظني؛ لأنه أقوى منه، والأقوى لا يرتفع بالأضعف.

• والثاني: أن عمر رضي الله عنه رد خبر فاطمة بنت قيس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى، مع أن زوجها طلقها وبتَّ طلاقها، وقد أقر الصحابة عمر على رده هذا

فكان إجماعًا، وما ذاك إلا لأنه خبر آحادي لا يفيد إلا الظن، فلا يقوى على معارضة ما هو أقوى منه

وهو كتاب الله إذ يقول: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق: 6]، وسنة رسوله المتواترة في جعل السكن حقًّا من حقوق المبتوتة.

والذي تطمئن إليه النفس: ما ذهب إليه الظاهرية - كابن حزم وغيره - من الجواز؛ وذلك لأن حديث الآحاد إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم

فالحق أنه يفيد العلم كما يوجب العمل، وإذا ثبت صار قطعيًّا؛ إذ ما الفرق بين ما تواتر وما لم يتواتر إذا صح الكل عن النبي صلى الله عليه وسلم.. إن التفريق بين المتواتر

والآحاد كان من أسباب انحراف البعض، حتى ذهبوا إلى القول: إن حديث الآحاد حجة في الأحكام دون العقائد

وهذا باطل من عدة وجوه لا يتسع المجال لذكرها، وقد فنَّد العلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى هذه الشبهة، ورد عليها بقوة في كتابه القيم: "الحديث حجة بنفسه".

ولو سلمنا جدلاً أن المتواتر يبقى أقوى من الآحاد؛ لكون الأول قطعيًّا، فنقول ما قاله العلامة عبدالله الفوزان: "..

القطعي: هو اللفظ، ومحل النَّسخ هو الحكم، ولا يشترط في ثبوته التواتر؛ لأن الدلالة باللفظ المتواتر قد تكون ظنية؛ لجواز أن يكون المرادُ غيرَ ذلك، فحينئذ لم يُرفَعِ الظنيُّ إلا بمثلِه"

شرح الورقات في أصول الفقه للعلامة عبدالله بن صالح الفوزان: 183 - 184.

وقد مثل - رحمه الله تعالى - لذلك بحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: "بينا الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن

وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشأم فاستداروا إلى الكعبة"؛ متفق عليه.

ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن استقبال بيت المقدس إنما كان ثابتًا بالسنة المتواترة، فنُسخ بهذا الخبر وهو حديث آحاد؛ حيث عمل الصحابة به بمجرد سماعه في نسخ ما تقرر عندهم بطريق العلم

والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم، فدل على الجواز.

بهذا استدل العلامة الفوزان على الجواز، لكن وإن كنت مع الجواز

فإن هذا الدليل قد لا يسلم؛ لاحتمال أن يقال: إن النَّسخ إنما هو بالقرآن؛ لقوله: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها"، والله أعلم.

وقد رجح الإمام الشوكاني - رحمه الله تعالى - ا

لجوازَ - وهو مذهب الظاهرية؛ حيث قال بعد أن أورد ما استدلوا به على صحة مذهبهم:

"ومما يرشدك إلى جواز النَّسخ بما صح من الآحاد لِما هو أقوى متنًا أو دلالة منها: أن الناسخ في الحقيقة إنما جاء رافعًا لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه، وذلك ظني وإن كان دليله قطعيًّا

فالمنسوخ إنما هو هذا الظني، لا ذلك القطعي، فتأمل هذا"

إرشاد الفحول: 2/ 68.


نسخ الإجماع والقياس والنَّسخ بهما:

مسألة نسخ الإجماع والقياس والنَّسخ بهما من المسائل الشائكة التي اختلف فيه العلماء على أقوال، وقد ذهب الجمهور إلى منع نسخ الإجماع والنَّسخ به، وكذا القياس إلا إذا كان قطعيًّا.

نسخ الإجماع والنَّسخ به:


جمهور الأصوليين على أن الإجماع لا يجوز أن يكون ناسخًا ولا منسوخًا، واستدلوا على أنه لا يجوز أن يكون ناسخًا بأن المنسوخ به إما أن يكون نصًّا أو إجماعًا أو قياسًا

ولا جائز أن يكون نصًّا؛ لأن الإجماع لا بد أن يكون له نص يستند إليه، خصوصًا إذا انعقد على خلاف النص، وإذًا يكون الناسخ هو ذلك النص الذي استند إليه الإجماع، لا نفس الإجماع

ولا جائز أن يكون المنسوخ بالإجماع إجماعًا؛ لأن الإجماع لا يكون إلا عن مستنَد يُستند إليه مِن نص أو قياس؛ إذ الإجماع بدون مستندٍ قولٌ على الله بغير علم

والقول على الله بغير علم ضلالة، والأمة لا تجتمع على ضلالة، ومستند الإجماع الثاني لا بد أن يكون نصًّا حدث بعد الإجماع الأول؛ لأن ذلك النص لو تحقق قبل الإجماع الأول ما أمكن أن ينعقد الإجماع على خلافه

ولا ريب أن حدوث نص بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم محال، فما أدى إليه - وهو نسخ الإجماع بالإجماع - محال، ولا جائز أن يكون المنسوخ بالإجماع قياسًا

لأن الإجماع على خلاف القياس يقتضي أحد أمرين، إما خطأ القياس، وإما انتساخه بمستند الإجماع

وعلى كلا التقديرين فلا يكون الإجماع ناسخًا، واستدلوا على أنه لا يجوز أن يكون الإجماع منسوخًا بأن الإجماع لا يعتبر حجةً إلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

وإذًا فالناسخ له إما أن يكون نصًّا أو قياسًا أو إجماعًا، ولا جائز أن يكون نصًّا؛ لأن الناسخ متأخر عن المنسوخ، أو لا يُعقَل أن يحدُث نص بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم

ولا جائز أن يكون الناسخ للإجماع قياسًا؛ لأن نسخ الإجماع بالقياس يقتضي أن يكون الحكم الدال على الأصل حادثًا بعد الرسول، وهو باطل، ولا جائز أن يكون الناسخ للإجماع إجماعًا؛ لِما سبق

وأما قولهم: هذا الحكم منسوخ إجماعًا، فمعناه أن الإجماع انعقد على أنه نُسخ بدليل من الكتاب أو السنة، لا أن الإجماع هو الذي نسخه

مناهل العرفان: 2/ 252، بتصرف يسير.

والقول بأن الإجماع لا يكون ناسخًا ولا منسوخًا هو قول الجمهور كما أسلفت، وخالفهم بعض المعتزلة فجوزوا أن يكون الإجماع ناسخًا لغيره.

نسخ القياس والنَّسخ به:

اختلف العلماء في نسخ القياس والنَّسخ به، فمنهم من منع ذلك مطلقًا، ومنهم من أجازه مطلقًا، ومنهم من فصَّل، وهم الجمهور؛ حيث ذهبوا إلى جواز نسخ القياس والنَّسخ به إن كان قطعيًّا

وإلى المنع إن كان ظنيًّا، والمقصود بالقياس القطعي ما قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع، ويمثل لذلك بقياس صب البول في الماء الراكد على البول فيه؛ إذ لا فارق قطعًا بينهما، فيأخذ حكمه.

1- أدلة المانعين والرد عليها:

استدل المانعون لنسخ القياس والنَّسخ به مطلقًا بأن نسخه يقتضي ارتفاع حكم الفرع مع بقاء حكم الأصل، وهذا لا يعقل، ورد من وجهين:

• أن نسخ القياس لا يقتضي ما ذكروه، بل يقتضي ارتفاع حكم الأصل تبعًا لارتفاع حكم الفرع.

• لا مانع عقلاً من أن ينسخ الشارعُ الفرعَ بناءً على أنه اعتبر قيدًا في العلة، لم يكن معتبرًا من قبل، وهذا القيد موجود في الأصل دون الفرع.

2- أدلة المجيزين والرد عليها:

القياس دليل شرعي لم يقُم دليل عقلي ولا نقلي على امتناع نسخه أو النَّسخ به، وما كان كذلك فهو جائز.

ونوقش هذا الاستدلال بأن إطلاقهم هذا يستلزم التسوية بين ظنيِّ القياس وقطعيِّه، ويستلزم جواز ارتفاع القطعي منه بالظني، وكلاهما غير مقبول عقلاً ولا نقلاً.

3- أدلة الجمهور:

فرَّق الجمهور - كما سبق - بين القياس القطعي والظني؛ فأجازوا نسخه والنَّسخ به إن كان قطعيًّا، ومنعوا ذلك إن كان ظنيًّا

واستدلوا على ذلك بأن نسخ القياس والنَّسخ به إن كان قطعيًّا لا يترتب عليه محال عقلي ولا شرعي، بخلاف إذا كان ظنيًّا، فإن نسخه والنَّسخ به يستلزم محالاً عقليًّا أو شرعيًّا.


: الحكمة من وجود النَّسخ:

خلافًا لما قد يزعمه البعض من عدم وجود أي حكمة من النَّسخ، فإن للنسخ حِكمًا جليلة، وفوائد عظيمة، سواءٌ تعلق الأمر بنسخ الشريعة الإسلامية لِما قبلها من الشرائع، أو النَّسخ الحاصل في هذه الشريعة نفسها.


الحكمة من نسخ الإسلام لما قبله من الشرائع:

تظهر هذه الحكمة في كون الإسلام آخر الأديان، وشريعته خاتمة الشرائع صالحة لكل زمان ومكان

مما يجعلها مهيمنة على كل ما سبقها من الشرائع، والله تعالى يشرع لكل أمة ما يناسبها وأحوالها وزمانها

وما زالت البشرية في نمو ونضجٍ وتطور إلى أن صارت إلى ما هي عليه في آخر عصورها

مما يجعلها تحتاج لشريعة - هي أعظم الشرائع، وأكمل الشرائع - تفي بحاجياتها الدينية والدنيوية

وتلبي مطالبها العاجلة والآجلة، وتحل مشاكلها المختلفة، وتواجه مستجداتها، وهذه لا شك هي شريعة الإسلام الخاتمة لكل الشرائع.

• يقول الشيخ الزرقاني في مناهله:

"حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه، جاء هذا الدين الحنيف ختامًا للأديان

ومتممًا للشرائع، وجامعًا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية ومرونة القواعد جمعًا وفَّق بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين

ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله؛ من أفراد وأسر، وجماعات وأمم وشعوب، وحيوان ونبات وجماد، مما جعله بحق دينًا عامًّا خالدًا إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها!"

مناهل العرفان: 2/ 195.

ومن الحكم في هذا النوع من الشرائع: ما ذكره الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى، فبعد أن نقل شيئًا من كلام الفخر الرازي في المطالب العلية قال:

"وذكر غيره في ذلك وجوهًا، منها: أن الخَلْق طُبعوا على الملالة من الشيء

فوضع في كل عصر شريعة جديدة؛ لينشطوا في أدائها، ومنها: بيان شرف نبينا عليه السلام؛ فإنه نسخ بشريعته شرائعهم، وشريعته لا ناسخ لها، ومنها: ما فيه من حفظ مصالح العباد؛ كطبيب يأمر بدواء في كل يوم

وفي اليوم الثاني بخلافه للمصلحة، ومنها: ما فيه من البشارة للمؤمنين برفع الخدمة ومؤنتها عنهم في الجنة؛ فجريان النَّسخ عليها في الدنيا يؤذِن برفعها في الجنة، يمحو الله ما يشاء ويثبت

وذكر الشافعي في الرسالة أن فائدة النَّسخ رحمةُ الله بعباده، والتخفيف عنهم، وأُورِد عليه أنه قد يكون بأثقل، وجوابه أنه رحمة في الحقيقة بالوجوه التي ذكرنا"

البحر المحيط: 3/ 156.


الحكمة من نسخ أحكام الإسلام بعضها ببعض:

من حِكم الله تعالى في نسخ أحكام الإسلام بعضها ببعض:

• التربية والتهذيب: حيث إن الله تعالى يشرع من الأحكام ما شاء، ثم ينسخها بأحكامٍ أنسبَ، فيكون الناس بالتشريع الأول قد تربَّوا وتمرنوا على العمل، فيأتي الحكم الجديد وهم على كامل الاستعداد للعمل به.

• التدرج: وهذا من أعظم ركائز الشريعة الإسلامية، ومن لُطف الله تعالى ورحمته بعباده؛ حيث إنه سبحانه لو باغَتهم بالحُكم مباشرة ربما لاشتد عليهم، لكن بالتدرج يكون الأمر أيسر وأدعى للقَبول والالتزام بأحكام الله تعالى.

فالناس في الجاهلية كانت لهم مواريث، وألِفوا أشياء صارت ملازمة لحياتهم لا تتصوَّرُ الحياة بدونها، كالخمر مثلاً، فكانت هذه الموروثات والاعتقادات والتقاليد مفاخرَ لهم مع ما فيها من باطل

فكان لا بد من إصلاح ذلك بالتدرج، والأخذ بالتغيير رويدًا رويدًا؛ ليكون أعون وأسلم في التربية، وأسرع في الامتثال.

وهذا يذكرني بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إنما نزل أولَ ما نزل منه سورةٌ من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر

لقالوا: لا ندَعُ الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندَعُ الزنا أبدًا، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر: 46]

وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده.."؛ جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه: 4993 - باب تأليف القرآن.

• بيان رحمة الله تعالى؛ إذ يشرع لهم ما هو أخف عليهم - وهذا في النَّسخ إلى بدل أخفَّ - وفي الحقيقة رحمة الله تعالى تتجلى حتى في النَّسخ إلى بدل أثقلَ لمن تأمل وتفكر.


: الحكمة من بعض أنواع النَّسخ:

: الحكمة من نسخ الحكم دون التلاوة:

تكفل الإمام الزركشي ببيان ذلك؛ حيث قال: "وهنا سؤال، وهو أن يسأل: ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة؟

والجواب من وجهين: أحدهما: أن القرآن كما يتلى ليُعرَف الحكم منه والعمل به، فيتلى لكونه كلام الله تعالى، فيثاب عليه، فتركت التلاوة لهذه الحكمة.

وثانيهما: أن النَّسخ غالبًا يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيرًا بالنعمة ورفع المشقة، وأما حكمة النَّسخ قبل العمل - كالصدقة عند النجوى - فيثاب على الإيمان به، وعلى نية طاعة الأمر"

البرهان في علوم القرآن: 2/ 39، وقد نقل هذا الجواب عنه الإمام السيوطي في الإتقان.


الحكمة من نسخ التلاوة دون الحكم:


فقد يقال: لِمَ نسخت التلاوة؟ وهلا بقيت مع الحكم ليثاب الإنسان على القراءة

كما يثاب على العمل بالحكم؟ والحكمة من هذا النوع من النَّسخ هي اختبار الناس وابتلاؤهم؛ ليعلم من يسارع في الاستجابة والعمل بالحكم بمجرد ظهوره واشتهاره دون المتواني والمتقاعس.

وفي هذا المعنى يقول صاحب الفنون

وهو الإمام علي بن عقيل البغدادي - 513هـ - صاحب كتاب الفنون في أربعمائة مجلد، وهو من أضخم الكتب.

كما نقل عنه الإمام الزركشي -:

"إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأيسر شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحي"

البرهان في علوم القرآن: 2/ 37.


الحكمة من النَّسخ إلى بدل أخف:

ولعل الحكمة من هذا النوع من النَّسخ ظاهرة، وهي بيان رحمة الله تعالى بعباده؛ إذ رفع لهم حكمًا أثقل بحكم أخف عليهم، وذلك يستلزم شكره والمداومة على طاعته؛

فذلك عنوان محبته، وفي هذا المعنى يقول العلامة الزرقاني رحمه الله تعالى:

"أما الحكمة في نسخ الحكم الأصعب بما هو أسهل منه، فالتخفيف على الناس ترفيهًا عنهم، وإظهارًا لفضل الله عليهم ورحمته بهم، وفي ذلك إغراءٌ لهم على المبالغة في شكره وتمجيده، وتحبيبٌ لهم فيه وفي دينه"

مناهل العرفان: 2/ 196.


الحكمة من النَّسخ إلى بدل مساوٍ أو أثقل:

لا ريب أن الحكمة من نسخ الحُكم إلى ما هو أثقل منه أو مساوٍ له في خفته أو صعوبته: الابتلاء والاختبار، وتمييز المؤمن الصادق المستجيب لأمر الله وأمر رسوله من المرتاب المتردد.









رد مع اقتباس
قديم 2019-07-10, 12:34   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

خاتمة:

تلك كانت بعض الأبواب التي ناقشت من خلالها موضوع "النَّسخ"

هذا الموضوع الهام الذي خصه العلماء بالبحث والدراسة والتحليل، سواء منهم الأصوليون، أو علماء الحديث

أو علماء القرآن وغيرهم، وما ذاك إلا لأهميته، وكيف لا يكون كذلك وقد تعلقت به بعض الأحكام الشرعية وجودًا وعدمًا، ثبوتًا ورفعًا.

ولا جرم - كما بينتُ بالأدلة والبراهين من الكتاب والسنة وأقوال العلماء الربانيين - أن النَّسخ حق ثابت، سواءٌ بين الشريعة المحمدية وما قبلها من الشرائع، أو داخل هذه الشريعة.


وهذا النَّسخ لا يقتضي جهلاً من الله تعالى ولا بَداءة - تعالى الله علوًّا كبيرًا عن ذلك - بل إن علم الله تعالى كامل، علِم ما كان وما سيكون، بل علم ما لم يكن كيف إن كان سيكون

فهو سبحانه يعلم أن بعض الأحكام تكون صالحة في زمان دون غيره، وفي أحوال دون غيرها، فينسخ ما شاء بما شاء؛ تبَعًا لعلمه وحكمته

وكل نسخ كيفما كان نوعه - سواءٌ إلى بدل أخف أو أثقل أو بدون بدل - فهو عند التأمل محقِّق لمصالح العباد، سواءٌ في دنياهم أو دار المعاد.

وكيفما كان فالمسلم الذي علم حقيقة العبودية، لا يعترض على ربه، بل يسلِّمُ ويخضع وينقاد

ولا يورد أسئلةَ المرتابين الشاكِّين، ورحم الله تعالى الإمام أبا جعفر الطحاوي إذ يقول في عقيدته: "ولا تثبُتُ قدمُ الإسلام إلا على ظهرِ التسليم والاستسلام".

وصدق الله إذ يقول: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾[الأنبياء: 23].

والله أعلم وأحكم


ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.

المراجع:


• الإتقان في علوم القرآن.

• البرهان في علوم القرآن.

• مناهل العرفان في علوم القرآن.

• جامع البيان في تأويل آي القرآن.

• أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.

• لباب التأويل في معاني التنزيل.

• تفسير ابن كثير.

• تيسير الرحمن.

• تفسير البحر المحيط.

• معجم مقاييس اللغة.

• مختار الصحاح.

• المفردات.

• الإحكام للآمدي.

• إرشاد الفحول.

• أصول الفقه الميسر.

• الأصول من علم الأصول.

• الإحكام لابن حزم.

• النكت على النزهة.

• البحر المحيط في أصول الفقه.

• مقدمة ابن الصلاح.

• فتح المغيث شرح ألفية الحديث.

• روضة الناظر وجنة المناظر.

• شرح مسلم للإمام النووي.

• السلسلة الصحيحة.

• صحيح جامع بيان العلم وفضله.

• شرح الورقات في أصول الفقه للعلامة عبدالله الفوزان.

• العقيدة الطحاوية.









رد مع اقتباس
قديم 2019-07-11, 11:34   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
حورية تو
مشرفة الخيمة
 
الصورة الرمزية حورية تو
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا جميعا لكم










رد مع اقتباس
قديم 2019-07-11, 19:16   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حورية تو مشاهدة المشاركة
شكرا جميعا لكم
اختي الفاضلة

لا شكر علي واجب

بارك الله فيكِ


واخيرا

ان صادفتي امامك شئ يحيرك عودي هنا به و ستجدي علماء اهل السنه و الجماعه لديدهم الاجابة حاضره هنا باذن الله تعالي









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:54

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc