السؤال:
أنا شاب مسلم ، ومتدين ، والحمد الله ، ولي أب ظالم , منذ أن ولدت على هذه الدنيا ووالدي يظلمني ، أنا ، وأمي ، وإخوتي
مستحيل أن يمر يوم واحد دون أن يختلق المشاكل لنا ، ويضرب أمي فيه , حتى في العيدين , والله لا أذكر عيداً واحداً دون أن يختلق مشاكل ، ومصادمات فيه , مع العلم أنه كان يتقصد فعل ذلك من دون أن نفهم السبب
كل الناس تسمع ذكر الله ، وتصلي في العيد , ونحن في البيت نسمع سخطه ، وسبه ، وإهاناته , والله أصبح الناس يكرهون مخالطتنا منه
ومن سوء معاملته معهم , لقد تدين أموالاً كثيرة من الناس ، دون أن يسددها , وما زالت الديون تتكاثر حتى الآن , وظلمه يزداد يوماً بعد يوم , تارة يتهمني بأشياء لا صلة لي بها
وتارة يغضب عليَّ بعدد الشجر ، والحجر ، دون أن أعرف السبب ، حتى غضبه نكون جالسين في الصالة ، وكل شيء عادي , وبعدها لا تراه إلا يسب ، ويشتم ، ويضرب ، من دون سبب ، عندما كنت صغيراً :
كان أقاربي يعطوني العيدية , كنت أفرح بها كثيراً , لكن عندما ينتهي العيد يأتي ويأخذها مني ليفعل بها ما يريد , كرهت هذا الأب ، ولطالما فكرتُ أن أخرج من البيت ، وأن لا أعود إليه أبداً , لكن ما يحز بخاطري هي أمي
لا أريد أن أتركها وحيدة معه , أنا أحب أمي كثيراً ، وأحاول أن أفعل أي شيء حتى ترضى , لكن هو لا أطيق حتى أن أنظر إليه , لذلك أريد أن أسأل :
كيف تكون المعاملة مع هذا الوالد ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
خلق الله الخلق وجعل فيهم الرحمة والعطف ، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وأقوى ما تكون هذه الرحمة ، وأعظم ما يكون هذا العطف :
هو ما يكون من الوالدين تجاه أولادهم ، فإذا رأيت من لا يتصف بهذا من عموم الخلق ، أو من خصوص الآباء والأمهات : فهو منتكس الفطرة ، نُزعت الرحمة من قلبه ، فصارت الحجارة خيراً منه ، قال تعالى : ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة/ 74 .
وإن أعظم ما يسبب هذه القسوة – وبخاصة من الآباء – هو : الدين ، والبيئة ، ولذا رأينا المشركين يقتلون أولادهم بسبب الرزق ! وخشية العار ! وتقرباً لآلهتهم ! فأي قسوة أعظم من هذه ، أن يقدم الأب ويحفر لابنته حفرة ، ثم يدفنها حيَّة ؟!
قال تعالى :
( وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ) الأنعام/ 137 .
وللبيئة البيتية ، أو المكانية تأثيرها على القلوب في قسوتها ، حتى إن بعض ساكني البيئات الجافة ، والمنتكسة ليحن على حيوانه الأليف ، أو على دابته أكثر من حنوه على أولاده .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ ) .
رواه البخاري ( 5652 ) ومسلم ( 2317 ) .
ثانياً:
مع قسوة الأب ، وغلظته ، بل ولو كان معهما كفر بالله تعالى : فإن الله تعالى قد أمر ببرِّه ، والتلطف في معاملته ، ولا يستثنى من ذلك إلا الطاعة في المعصية ؛ فإنها تحرم على الأولاد أن يفعلوها .
قال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء/ 23 .
وقال تعالى : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
) لقمان/ 15 .
ثالثاً:
كيف يقابل الأولاد قسوة والدهم ؟
إن أسهل الطرق للتخلص من هذه القسوة ، وسوء المعاملة – أخي السائل – هي الخروج من البيت !
لكنه ليس حلاًّ ؛ لأن مقتضى الرحمة بالوالد تقتضي البقاء لدعوته ، والإحسان إليه ، ولسبب آخر : أن أمك ، وأشقاءك أحوج ما يكونون إليه مع تلك المعاملة القاسية من والدك للجميع
يتبع ....