يـــــوم العقاب...
العقاب: طائر من الطيور الجارحة, لا يأكل إلا من صيده, ولا يأكل إلا حياً, ولا يأكل الجيف والحشرات والديدان, ويظل جائعا إن لم يجد صيداً. حاد البصر, مرهف الحس, ثابت الجناح, فائق الذكاء, قوي المخالب, له منقار أعقف, سريع كاسر, يصطاد الذئاب والثعالب والضواري ولا يهابها, لا يعرف الجبن ولا التردد, والعُقيب, والهيثم أفراخ العقاب. .
والعقاب: حصن بناه العرب في الأندلس. .
والعقاب: معركة وقعت بين مسلمين الأندلس والإفرنج دارت رحاها حول حصن (العقاب) في السادس عشر من تموز (يوليو) من عام 1212, وشكلت نقطة تحول لتقهقر الحكم الاسلامي في القارة العجوز, وهي معركة تاريخية حاسمة, وقفت فيها قوات التحالف المؤلفة من جيوش الملك (ألفونسو الثامن) من قشتالة, وجيوش (سانتشو السابع) من نافارة, وجيوش (أفونسو الثاني) من البرتغال, وجيوش (بيدرو الثاني) من أراغون, ضد قوات الموحدين في الجزء الجنوبي من الأندلس بقيادة السلطان محمد الناصر.
والعقاب أيضا, وهذا هو الأهم: هي الراية الرسمية للخلافة الإسلامية, بطول ثلاثة أمتار وثلاثين سنتمتراُ, وبعرض مترين, منسوجة من الحرير والذهب والفضة, كتب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله - اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
خسر المسلمين المعركة الحاسمة, وخسروا رايتهم (العقاب), واندحرت جيوشهم في الأندلس, ولم تمض سنة واحدة حتى مات (محمد الناصر) حزنا وكمدا على راية (العقاب) التي غنمتها الجيوش الإفرنجية المتحالفة ضد المسلمين, فتساقطت بيدهم المدن الأندلسية الواحدة تلو الأخرى, ثم سقطت قرطبة, وانحصر الحكم الاسلامي في غرناطة,
لقد مضت قرون وقرون على العقاب الذي نلناه على يد الإفرنج في يوم العقاب فنسينا وقائع المعركة التي زهقت فيها أرواح المسلمين على الهوية, بيد أن الإفرنج لم ينسوا انتصاراتهم علينا. فلم يحرقوا راية (العقاب), التي غنموها في العقد الأول من القرن الثالث عشر الميلادي, واتخذوا من اليوم السادس عشر من تموز عيدا وطنياً, تحتفل به اسبانيا كل عام, وتستعرض فيه راية (العقاب) في تظاهرة عارمة بمشاركة القوات المسلحة, ورجال الدولة والبرلمان وبحضور الوزراء والسفراء, وجمع غفير من عامة الناس. .
ففي كل عام يخرجون راية (العقاب) من مستودعها في المتحف الوطني الاسباني, وينكسونها أمام أنظار الناس في مدينة غرناطة, ابتهاجا بانتصاراتهم علينا عام 1212,
لقد مضت اسبانيا على عادتها السنوية لأكثر من (800) عام في تمجيد ذكرى معركة العقاب, وواصلت الاستهانة براية العرب والمسلمين, ولم تتوقف حتى يومنا هذا, على الرغم من احتجاج المنظمات الوطنية العربية على مراسيم هذه الاحتفالية المهينة. .
يحتفلون بهزيمتنا, وينكسون راياتنا في اليوم الذي يبتهج فيه الفاشي بفاشيته, والطائفي بطائفيته, والعنصري بعنصريته, والمتعصب براياته وطبوله وسيمفونيته الحاقدة, بينما نحتفل نحن بانتصارات جهالنا على علمائنا, ونفرح بتسيد الظلام على النور, حتى صرنا نتحيز للباطل ونذود بالدفاع عنه من دون أن ندرك مدى تخلفنا عن عصورنا الذهبية التي قال فيها السياسي الكبير عمرو بن كلثوم:
ملأنا البرَّ حتى ضاقَ عنا وماءَ البحرِ نملؤُهُ سَفينا..
إذا بلغَ الفِطامَ لنا صبيٌّ تَخِرُ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدِينا..
فبعد أن كنا مفخرة الأمم تحولنا إلى مسخرة الأمم..