السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ لم يستيقظِ العرب بعدُ من التغني بالماضي التليد، والتاريخ المجيد؟
أما آن الأوان لأن تنكسر تلك الاسطوانة المشروخة؟
تُرى فهل كُتب على العربيّ أن يحيا في حظائر التاريخ؟
فتاريخ العرب التليد ـــ قبل الإسلام ـــ ليس بأفضلٍ من حاضرهم التعيس، وكأن الوقت لم يتغير قيد أنملة.
فالتخلف ذاته، والعمالة نفسها، مع فارقٍ بسيطٍ في الأسماء والأشخاص ـــ في دهاليز التاريخ كان الغساسنة والمناذرة عملاء وتبع لكل من الفرس والروم ــــ واليوم دار لقمان على حالها، بل أن العرب وجدوا أنفسهم يصنعون أسطورة لماضيهم من لا شيء، ومع ذلك لا يملّون من ترديد: ـ نحن من طوّر وعمّر واخترع.
وكأن البشرية كانت عالة على أسلافهم .. فلتقبل الآن البشرية تطفّلهم وكسلهم وخنوعهم.
أممٌ كنّا نظن ـــ نحن العرب ـــ أننا أحسن منهم، ها هي قد لحقت ركب الحضارة والتطور، وأغرقت أسواقنا بمنتجاتها، ونحن ما زلنا نتخبط تخبط الذي به مسٌّ.
نتحرك ولكننا لا نتقدم، نتحركُ تحرك البندول.
لأنه لو بقيَ البندول يتحرّك إلى سرمد الدهر ما قطع أكثر من ذلك القوس المخصص له.
كيف تتقدم أو تتطور أمةٌ تجد مثقفيها قد انسلخوا عن المجتمع وأصبحوا ببغاوات لا هم لهم سوى تردد ما يقوله الآخر؟ ورجال دينها إمّا علماء سلاطين، أو جبناء يخشون الموت أكثر من خشيتهم من رب العباد؟
لا هم سوى ترديد: "ليس بالإمكان أكثر مما كان" أو "سلطان غشوم أحسن فتنة تدوم".
فكانت المذلة، وكان الخنوع والخضوع.
ولو تفطن هؤلاء لعلموا أن " السلطان الغشوم " لهو الفتنة بلحمها وشحمها، ولنا في الجزائر لخير دليلٍ عندما رضخ الشعب الجزائر لعصابة جعلت من رجل معوق يقود بلدًا ضحى بالغالي والنفيس لئلا يعيش تحت الضيم، صار ذلك الشعب سجين عصابة، يرى خيرات بلده تُنهب ولا يقوى على تغيير ذلك الوضع.
وعندما ثار ولم يرض بالضيم مرة أخرى، تساقطت تلك العصابة تساقط أوراق الخريف، بل صار وكأني بالواحد منهم يقول: أنجُ يا سعد فقد هلك سعيد.
سؤال يفرض نفسه: أين مكانتنا بين الأمم الآن؟
المهم أن الأجيالَ القادمة سوف تقع في نفس الحيرة ، وستعرف لا محالة، من هم انصاف الرجال؟ ومن هم الرجال؟
وسيستحي الواحد من تلك الأجيال من حاضره وتاريخه، عندما لا يجد ما يفتخر به.
فليرنو الواحد منّا إلى هذا التشرذم وهذا الانشقاق.
فالشيعيُّ ينظر إلى السنيِّ على أنه قاتل الحسين رضي الله عنه، وينظر السنيُّ للشيعيِّ على أنه يهوديٍّ أو " كافرٍ" يجوز قتله.
إنه لمن الخزي والعار في وقتٍ ٍ تلد أسيرة فلسطينية مكبلة ً إلى السرير، ويسمى بغال أنفسهم "فرسان العرب" أو قادة العرب، والآخرون يرقصون مع "ترامب" رقصة السيف. وصدق من قال :
ألا ترى أن السيفَ يزري بقدره ** إذا قيل أنّ السيفَ أمضى من العصا.
فسحقاً لأمةٍ لا يجمعها إلاّ ما يفرقها.
قال تعالى :"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون".
فهل عرب الآن بصالحين لكي يرثوا الأرض؟
ليتنا نفيق من هذا السبات، فالسفينة على وشك الغرق والبحر عميق ومظلم ورهيب.