سيكولوجية السائق وحوادث المرور - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي

الحوار الأكاديمي والطلابي ساحة حوار عامة لمناقشة القضايا الاكاديمية وكذا طرح الأسئلة والاستفسارات والمشاكل الطلابية والاجتماعية والبحث عن الحلول والارشادات المناسبة لها....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

سيكولوجية السائق وحوادث المرور

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2020-10-17, 21:34   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
aliali-24
بائع مسجل (ج)
 
إحصائية العضو










New1 سيكولوجية السائق وحوادث المرور

الحوادث ظاهرة ملازمة للمجتمعات قديمها وحديثها، وإن كان هناك فرق بين حوادث كل منهم من حيث الكم والكيف، وقد أضحت حوادث المرور اليوم في العالم، وما ينجر عنها من خسائر بشرية ومادية، من أوضح المعضلات التي تعيق نمو المجتمعات، وواحدة من المشكلات التي تؤرق وتستنزف المجتمع في مقوماته ومكوناته الفاعلة، وتتبين هذه المشكلة بشكل ملموس وحاد في بلدان العالم الثالث، مع أن أعداد السيارات بالنسبة للسكان تتباين بين المجتمعات الصناعية والسائرة في طريق النمو.

ولقد أشار مختبر أبحاث الطرق في بريطانيا، إلى أن معدلات الوفيات في الدول النامية عندما نقارنها بحجم السيارات تصل إلى حوالي 30 ضعفاً للمعدلات السائدة في الدول الأوروبية.

وعلى كل فمشكلة حوادث المرور ليست مشكلة محلية تعاني منها دولة دون أخرى، ولكنها مشكلة عالمية تعاني منها دول العالم جميعها، على خلاف بينها في نسبة الحوادث، وفي تداعياتها السلبية على المجتمع، حيث تكلف هذه الحوادث خسائر بالغة في الأموال والأرواح، وقد يصل عمق تأثيرها إلى جوانب نفسية، يصعب التنبؤ بحجم الضرر الذي تسببه عندما يتحول هذا الضرر إلى تدهور الحالة الصحية للأفراد.

1- تعريف حوادث المرور:

عرفت هيئة الصحة العالمية "حادث المرور" بأنه: "واقعة غير معتمدة ينتج عنها إصابة ظاهرة"(1).

ويعيب هذا التعريف التعميم، حيث لم يفرق بين حادث المرور، وغيره من الحوادث، كما أنه لم يستوعب جميع عناصر حادث المرور.

أما اللجنة الاقتصادية لأوروبا التابعة لهيئة الأمم المتحدة فقد عرفت حادث المرور بأنه: "الحادث الذي تتوافر فيه الأركان التالية:

أن يحدث في طريق مفتوح للمرور العام.
أن ينتج عنه إصابة أو وفاة أو خسائر.
أن تشترك فيه إحدى المركبات المتحركة على الأقل(2).
كما عرفها البعض بأنها: "جميع الحوادث التي ينتج عنها إزهاق للأرواح أو إصابات في الأجسام أو خسائر في الأموال، أو جميع ذلك، من جراء استعمال المركبة"(3).

وحادث المرور أيضاً هو: "الحادث الذي يقع بدون سابق معرفة أو توقع، وقد ينتج عنه أضرار تصيب الشخص أو الآخرين، أو الممتلكات والمعدات أو كذلك أو بعضه"(4).

وبالنظر إلى التعريفات السابقة يمكن أن نصوغ تعريفا للحادث المروري، بأنه: "الواقعة التي تتسبب فيها المركبة المتحركة في إحداث خسائر في الأرواح أو خسائر في الممتلكات، دون قصد أو تدبير سابق من أي طرف من الأطراف المشتركة في الحادث".

2- أقسام حوادث المرور:

ثمة تقسيمات كثيرة لحوادث المرور، تختلف باختلاف الأساس الذي تقوم عليه، إذ يمكن تقسيمها باعتبار وقت الحادث، أو كيفية وقوعه، أو جسامة الأضرار المترتبة عليه، أو باعتبار التعمد والخطأ، أو الانفراد بالحادث أو الاشتراك.

2-1تقسيم حوادث المرور باعتبار الأضرار الناتجة عن الحادث:

أ- حادث الوفاة (إزهاق الأرواح):

ويمكن تعريفه بأنه: "حادث المرور الذي ينتج عنه وفاة شخص أو أكثر".

ولا جدال في أن هذا النوع يعد أهم أنواع حوادث المرور، وأعظمها إيلاما للنفس، كما أنه يوجد بين دول العالم خلاف في تحديد تعريف حادث الوفاة وتعيين صفاته.

ومثال ذلك فإن بعض الدول تحدد حادث الوفاة بأنه: "الحادث الذي يترتب عليه إصابة تؤدي إلى الوفاة في موقع الحادث".

فإذا تم نقل المصاب من موقع الحادث، وتوفي في المستشفى يعتبر حادث إصابة.

وعلى نحو آخر فإن من الدول – مثل أمريكا – تعتبر الحادث حادث وفاة، إذا حدثت الوفاة خلال سنة من تاريخ الحادث.

وفي إنجلترا يعد الحادث حادث وفاة، إذا تمت الوفاة خلال شهر من تاريخ الحادث بشرط وجود علاقة السببية بين الحادث والوفاة.

ب- حادث الإصابة:

هو: "الحادث الذي يترتب عليه إصابة شخص أو أكثر، في صورة جرح أو كسر أو تهتك في الأنسجة، سواء أكانت الإصابة ظاهرة أم خفية، خطيرة أم طفيفة".

وعلى ذلك، فإن حادث الإصابة يمكن تعريفه بأنه: "حادث المرور الذي يصيب جسم الإنسان بأذى ما، غير أنه لا يؤدي إلى الوفاة خلال شهر من تاريخ الحادث"(5).

ج- حادث الخسائر:

يمكن تعريفه بأنه: "حادث المرور الذي لا يترتب عليه وفاة أو إصابة أحد الأشخاص، وإنما ينتج عنه خسائر فقط، سواء أكانت هذه الخسائر في مركبة من المركبات المشتركة في الحادث، أم في الممتلكات العامة أو الخاصة"(6).

2-2تقسيم حوادث المرور باعتبار التعمد والخطأ:

يمكن تقسيم حوادث المرور من حيث التعمد والخطأ إلى قسمين أساسيين، هما:

أ- حوادث المرور بطريق العمد:

يقصد بحوادث المرور التعمدية: "تلك الحوادث التي يرتكبها بعض الأفراد باستخدام المركبات، قاصدين إلحاق الضرر بأشخاص آخرين أو بممتلكاتهم، وهو ما يعني توافر صفة القصد الجنائي في مثل هذه الحوادث".

وفي ضوء ذلك، نستطيع القول بأن السيارات ونحوها تعد من آلات القتل الحديثة المتطورة، على أن حوادث المرور المتعمدة، تخرج عن اختصاص رجال التحقيق في حوادث المرور، حيث يتوفر على التحقيق فيها المحققون الجنائيون، وذلك لأن حوادث المرور يشترط فيها أن تقع بطريق الخطأ(7).

ب- حوادث المرور بطريق الخطأ:

حوادث المرور الخطأ هي: "تلك الحوادث التي لا يتوافر فيها صفة التعمد والقصد، حيث تقع بطريق الخطأ، دون إرادة أي طرف من الأطراف المشاركين فيها، سواء ترتب عليها حالات قتل ووفاة، أم إصابات وخسائر في الممتلكات.

ويمكن القول بأن جميع حوادث المرور لابد من أجل تصنيفها على هذا الأساس، أن تنتفي عنها صفة القصد والتعمد(8).

ولذا فإن تعريف اللجنة الاقتصادية التابعة لهيئة الأمم المتحدة للحادث المروري، بأنه: "الحادث الذي يقع في الطريق العام، وتشترك فيه إحدى المركبات على الأقل" تعريف غير دقيق، لأنه أهمل ركنا أساسياً من أركان الحادث المروري، وهو أنه حادث غير متعمد.

2-3تقسيم حوادث المرور باعتبار المباشرة والتسبب:

يمكن تقسيم حوادث المرور من حيث التسبب والمباشرة لقسمين أساسيين: هما:

أ- حوادث المرور من حيث المباشرة:

من أمثلة المباشرة في حوادث المرور أن يتجاوز قائد مركبة السرعة القانونية المقررة، فيصدم أحد المارة، أو يتلف شيئا في الطريق العام، ومنها كذلك أن يسير قائد المركبة عكس الاتجاه المحدد للسير، فيصدم مركبة أخرى(9).

ب- حوادث المرور من حيث التسبب:

من أمثلة التسبب في حوادث المرور يحاول قائد إحدى المركبات التخطي أو الدوران بطريقة خاطئة، فيحاول قائد مركبة أخرى أن يتفاداه، فيصدم بعض المارة، أو يقوم بإتلاف بعض الممتلكات أو المنشآت.

وفي هذا المثال، فإن تصرف قائد المركبة الأولى، لم يحدث هو نفسه الحادثة المرورية، ولكنه تسبب في وقوع تلك الحادثة.

وتجدر الإشارة إلى أن السبب يشترط فيه أن يكون مفضيا – في العادة – للإتلاف، أي أن الضرر الذي حصل، يكون نتيجة عادية منتظرة من ذلك الفعل، فعلى سبيل المثال قيادة مركبة عكس اتجاه السير، من شأنه أن يفضي عادة إلى وقوع حوادث مرورية، ومثله – كذلك تجاوز الإشارة المرورية(10).

3- العوامل المتسببة في حوادث المرور:

3-1العوامل الذاتية (الداخلية):

ويقصد بها كل سلوك يصدره السائق بمحض إرادته أو غير ذلك، كما أنه سلوك يتمحور حول حركة منتظمة داخل شخصية السائق، وتشتمل على نظامه الانفعالي، المعرفي والنفس حركي.

أ-العوامل الانفعالية (الوجدانية):

وهي السمات والخصائص النفسية التي يصدرها السائق نظراً لوجود متغيرات متصارعة تؤدي على تصرفات سواء مقبولة أو غير مقبولة، ولكنها تؤثر على العملية النسقية للسياقة مثل (الاكتئاب، التوتر، العدوانية، القلق...).

فعندما يسيطر القلق على السائق يختل التوازن الذهني لديه أولاً، ويصاب بحالة من العصاب النفسي الذي يظهر بصورة انفعال شديد يضغط عليه، مما يؤدي إلى أن تسوء عنده جزئيا ظروف استمرار تفاعله الصحي والموضوعي مع البيئة المحيطة به، حيث يشعر وكأن خطرا داهما يكاد أن يقع، ويبقى الشعور لديه موزعا وغير معين، ليظهر بالتالي الهلع وكأنه كابوس يحاصره ويضغط عليه، وهنا يصبح السائق شديد الحساسية والتوتر، الأمر الذي يقوده في بعض الحالات إلى مواجهة نوبات حادة يصبح فيها اضطرابه شديدا وتصبح الأعراض الفيزيولوجية مسيطرة ومتحكمة، كما أنه يصاب بخوف ملحوظ ويعترف هو بمثل هذا الخوف لكنه لا يعرف بصورة محددة دوافع هذا الخوف، في الوقت الذي يشعر بضيق عندما يقترب موعد نوبة القلق لديه، كما أنه يشعر بأن أمرا سيئا سيقع، من هنا فإنه كلما ازداد شعوره بالخطر ضعفت لديه آلية ضبطه لحالة قلقه، وهكذا تتسارع ضربات قلبه ويزداد ارتجافه ويصبح غير قادر على التماسك والهدوء والاطمئنان، كما أنه يصبح غير قادر على تركيز انتباهه حول أمر معين بما في ذلك الطريق الذي يسلكه أو المركبات التي تتقدمه أو تتبعه ولا حتى الراجلين، وقد يشعر أنه وحده في العالم ولا مساعد له بينما تهدده ظروف الحياة كلها، وبالتالي تكون قلة النوم مرافقة دائمة له ويسيطر عليه النعاس وعدم التركيز واللامبالاة بشكل دائم(11).

وجميعنا يعرف نتيجة أفعال شخص تسيطر عليه مثل هذه الحالة، فكيف بسائق المركبة الذي يقوم كل عمله على الدقة والتركيز والوعي الثاقب والإدراك التام بما حوله.

ب- العوامل المعرفية:

وهي القدرة على تحويل معطيات الحس والذاكرة والتفاعلات الوجدانية والسيكولوجية إلى حصيلة معرفية، متعلقة بالعمليات العقلية العليا للدماغ مثل (التذكر، التعلم، الذكاء...).

ج- العوامل النفس حركية:

وهو كل فعل يقوم به السائق أساسه نفسي أو حسي، وهو متعلق بالجانب المعرفي مثل (زمن الرجع، التآزر الحركي، سرعة اليدين، سرعة الأصابع...) (12).

3-2العوامل الموضوعية (الخارجية):

وهو العوامل الخارجة عن النطاق الشخصي للإنسان، فهي عبارة عن سلوك يكتسبه من خلال التفاعل مع بيئته، سواء كانت بيئة اجتماعية، طبيعية أو تنظيمية، ويتألف العامل الخارجي من عنصرين أساسيين وهما:

السلوكيات اللاوقائية والعوامل الاجتماعية:

وهو كل تصرف يصدر من طرف عنصر من عناصر عملية السياقة (السائق، المركبة، الطريق)، ولا يهم هذا التصرف أن يكون قصدي أو عفوي، ويجب أن يكون مؤثرا بصفة سلبية على عملية السياقة.

وأما العوامل الاجتماعية فهي عبارة عن مجموعة مواقف يتلقاها السائق من طرف المجتمع وتؤثر في سلوكه ثم على عملية السياقة، نظراً لتفاعل بين الأدوار الاجتماعية، القيم، العادات، التقاليد، الأعراف، القانون أو سياسات الدولة.

العوامل المتعلقة بالظروف الفيزيقية:

وهي كل العوامل التي لا يتدخل فيها الإنسان، إذ تحدث بصفة فجائية غير متوقعة، كالأحوال الجوية(13).

4-السمات المميزة لمرتكبي حوادث المرور "سيكولوجية السائقين":

4-1السمات المزاجية:

تعد السمات المزاجية للشخصية أكثر ارتباطاً بالحوادث المرورية، وأن حالة الفرد الانفعالية أكثر الظروف التي تهيئه للتورط في حادثة، وأكثرها أيضاً لتقليل فرص هذا التوتر، وأهم هذه السمات التي نالت اهتماماً مبكراً العدوان، حيث أشارت الدراسات أن مخالفي المرور ومرتكبي الحوادث المرورية أكثر عدوانا من غيرهم(14).

ومن السمات المزاجية المميزة لمرتكبي الحوادث الاندفاعية والميل للمخاطرة، حيث تساهمان في إصدار ضروب سلوك لم يتم تقويم مترتباتها أو الخصائص السابقة المؤدية إليها، هذا فضلاً عن العلاقة القائمة أصلا بين العدوان من ناحية وكذا الاندفاعية والمخاطرة من ناحية أخرى(14).

- قيادة السيارة والسلوكات العدوانية:

دفع الاهتمام بالعوامل النفسية لحوادث المرور مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة إلى تمويل دراسات وأبحاث ميدانية، من أجل معرفة وتحليل وفهم أسباب العنف المسجل عند سائقي العربات والانعكاسات السلبية والخطيرة التي تكلف خسائر بشرية ومادية، كما أصبحت عائقا أمام تحقيق برامج النمو الاجتماعي وتوفير الأمن لأفراد المجتمع.

وقد ركزت أغلب هذه الأبحاث على معرفة الأسباب والدوافع البيولوجية والفيزيولوجية، بالإضافة إلى الأسباب الاجتماعية والثقافية. وقد توصلت أغلب هذه الدراسات إلى تأكيد ارتفاع مستويات العدوانية بأشكالها المختلفة عند الذكور مقارنة بسلوكات الإناث في الظروف المشابهة.

ومن أشهر الدراسات التي تؤكد هذه النتيجة دراسة الباحثة Rita Simon, 1991، التي عالجت نسب ومستويات جرائم العنف المختلفة في 31 دولة خلال 18 سنة، ولم تتوصل هذه الدراسة في أي فترة زمنية وفي أي دولة إلى تسجيل اقتراب مستويات عنف الإناث من مستويات عنف الذكور.

وقد توصل Baker, 1992، إلى نتائج تشير إلى ارتفاع معدلات العنف عند الذكور التي تفوق معدلات العنف عند الإناث بـ 5 إلى 10 مرات، بجانب ملاحظة تنوع ووفرة في الدراسات التي تعني بمعدلات العدوانية عند الذكور والإناث.

ومما يلاحظ أن هناك نقص في الدراسات التي تهتم بمقارنة مستويات العنف أثناء قيادة السيارات عند الرجال والنساء، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى دراسة Doobe Gross, 1989، والتي اعتمدت على دراسات المبالغة في استعمال منبهات السيارات كوسيلة غير مباشرة لقياس العدوانية. وتؤكد هذه الدراسات أن الرجال يستعملون منبهاتهم بمعدل ثلاث مرات أكثر من الإناث عندما لا يستجيب السائق الموجود أمامهم بسرعة عند تحول الإشارة المرور إلى الأخضر، وما يمكن ملاحظته من خلال هذه الدراسات كذلك هو أن السلوك العدواني يقل ويضعف مع تقدم السن، إلا أن مستوياته عند الرجال تفوق دائماً مستويات العنف عند الإناث.

ولعل أهم التفسيرات النفسية التي تشرح هذه السلوكات العدوانية نجدها في دراسة March Collett, 1986، التي تشير إلى وجود الشعور بضرورة الدفاع عن المجال الحيوي الذي يربط بسلوك دفاعي عدواني، وهو ما يفسر وجود مستوى عال من العنف عند السائقين الرجال، حيث يعتبرون السيارة امتداد لحدود ممارسة سلطتهم الجسدية وكأن السيارة عضو من أعضاء الجسم، وعندما تتعرض هذه الحدود إلى مضايقات في الطريق العمومي مثلا تنطلق آليات الدفاع عن المجال الحيوي بعنف وقوة، وبالضبط في مثل الدفاع عن حدود القبيلة عند تعرضها إلى غزو أو إغارة مثلما هو ملاحظ عند المجتمعات البشرية على مر العصور ورغم اختلاف الثقافات والتقاليد

ومن الشائع أنثروبولوجيا أن يكون الدفاع عن الإقليم أو الحيز الجغرافي من مهام الذكور في القديم، إلا أننا نلاحظ أن الذكور الشباب هم الأكثر ميلا إلى استعمال واعتماد السيارة كسلاح دفاعي، وذلك لكونها الملكية الشخصية الوحيدة التي يتصرف فيها الشاب بحرية كاملة.

وفي المجتمعات التقليدية والمحافظة كالمجتمعات العربية والإسلامية، يعتبر امتلاك السيارة خاصة من الفرد خطوة جد مهمة في طريق التحرر والاستقلالية، مقارنة مع البيت العائلي الذي يخضع إلى سيطرة الأولياء، ويمكن اعتبارها من هذا المنظور جزء من ذات الفرد، وبالتالي فإن درجة الاستعداد للدفاع عنها تبقى مرتفعة جداً، ولا تنخفض هذه الدرجة إلا مع تقدم السن والنضج الذي يتحقق بعد أن يحصل الفرد على ملكيات أخرى، مثل المنزل والمكتب والمتجر وغيرها..

وعليه فإن ارتباط السيارة بالحيز الجغرافي والمجال الحيوي لحياة الذكور يساعدنا في فهم أسباب ارتفاع نسب حوادث المرور التي يتسببون فيها(16).

* ومن السمات الأخرى المميزة لمرتكبي حوادث المرور البحث عن الإثارة والثقة بالنفس والانبساط والعصابية في مركز التحكم في التدعيم، وبوجه عام اقترنت حوادث السيارات بسمات سوء التوافق النفسي والاجتماعي، أو بالسمات السلبية للشخصية(17).

- دوافع الإثارة والمغامرة:

توجد العديد من الدراسات العلمية والمخبرية التي تناولت ظاهرة حب الإثارة وركوب المخاطر والمغامرة عند الذكور، وتؤكد غالبية نتائجها أن الذكور الشباب أكثر من غيرهم ميلا إلى هذه الممارسات المثيرة، التي تتم من خلال أنواع عديدة من السلوكات الاجتماعية بما في ذلك سياقة السيارات.

إن الدوافع التي تكمن وراء حب الإثارة تبرز بشكل أكثر وضوحاً عند أشخاص يمتازون بصفات خاصة ومحددة، حسب ما توصلت إليه دراسة Zekermen, 1996، حيث يرى أنها تتطابق بشكل كبير وعميق مع أشكال مختلفة من السلوكات المنحرفة، والتي تتناقض مع القيم السائدة في المجتمع، وهي أفعال سلوكية يغلب عليها اللون السلبي، ويعجز أصحابها عن إدراك إمكانية تحقيق التفوق والنجاح إلا من خلال سلوكات المغامرة والمبالغة.

وقد تمت دراسة دوافع هذه السلوكات من عدة جوانب مختلفة، اجتماعية ونفسية واقتصادية خاصة دراسات Fromme, 1999; Oetting, 1998; McCort, 1993، وركزت هذه الدراسات بصفة خاصة على سلوكات السائقين وميولهم نحو المغامرة والإثارة، حيث توصلت نتائجها إلى الميل إلى اعتماد التفسيرات البيواجتماعية لحب الإثارة وروح المغامرة.

وفي هذا الصدد عالجت دراسة Daitzman, 1978، العلاقة بين حب المخاطرة والمغامرة ومستويات الهرمونات الذكرية (Testosterone)، حيث توصل إلى نتائج تؤكد وجود علاقة إيجابية بين الميل إلى حب المغامرة ومستويات هرمون التستوستيرون مقدما بذلك تفسيرا بسيطا لإشكالية اندفاع السائقين الذكور نحو تلك السلوكات(18).

4-2العوامل المعرفية:

نشير هنا إلى فئتين من العوامل المعرفية الأولى تشمل الذكاء العام، بينما الفئة الثانية القدرات النوعية، وفيما يلي نعرض علاقة كل فئة منهما بحوادث المرور:

أ- الذكاء:

تضاربت النتائج التي توصل إليها الباحثون فيما يتصل بالعلاقة بين الذكاء والحوادث، حيث أشارت بعض النتائج إلى وجود ارتباط سلبي بين المتغيرين، بمعنى أنه كلما ارتفع مستوى الذكاء قل عدد الحوادث، والعكس صحيح، في حين أشارت نتائج بحوث أخرى إلى أنه لا يوجد ارتباط بين الذكاء وحوادث السيارات، كما تبين لباحثين آخرين أن هناك ارتباطا موجباً بين الحوادث والذكاء.

وقد أرجع عزت راجح سبب هذا التضارب بين نتائج الباحثين فيما يتصل بهذه العلاقة إلى سبيين:

الأول هو اختلاف الباحثين في تحديد مفهوم الذكاء، والسبب الثاني هو إغفالهم لبعض العوامل التي تؤدي إلى الحوادث، وعلى ذلك فمن الراجح أن نقص الذكاء ربما أدى إلى وقوع في الحوادث، ولكن زيادته لا يقلل منها(19).

ب- القدرات النوعية:

تتطلب قيادة السيارة مجموعة من القدرات كالانتباه والمرونة الإدراكية والسرعة النفسية الحركية وتقدير المسافات أو الزمن وغيرها، وقد أشارت نتائج الدراسات إلى ارتباط هذه القدرات النوعية ارتباطات دالة بالوقوع في الحوادث.

فقد توصل Loo, 1992، إلى أن الأشخاص المعتمدين على المجال في إدراكهم يتسمون بإنجاز سيء فيما يتعلق بمهام قيادة السيارات وبسجلهم المروري.

كما توصل محمد الحربي 1998، إلى أن الأفراد الذين وقعت لهم حوادث مرورية كانوا أكثر تشتتا للانتباه من أقرانه الآخرين الذين لم تقع لهم حوادث مرور(20).

خاتمة:
تفرض الحياة في المجتمعات العصرية سلوكات خاصة على الأفراد، ويظهر ذلك بوضوح على مستوى الأشخاص الذين ترتبط وظائفهم ونشاطاتهم بالمركبات الميكانيكية، سواء بسبب بعد مكان الإقامة عن العمل أو بسبب ضرورة الانتقال بين أكثر من مكان، ويتفق الجميع على الشعور بالحاجة إلى سرعة أكثر في الطرقات، بحيث أن هناك دائماً أشخاص يسارعون إلى مواعيد مستعجلة وإنجاز مهمات متواصلة وفي سباق دائم مع الزمن.

بالإضافة إلى إصرار الشباب على البحث عن إنجازات خارقة في الطرقات بدفع سياراتهم القوية إلى أقصى طاقاتها، وفي تحد صارخ لتجاوز حدود قانون المرور، وهو ما يفسر بوضوح سبب احتلال فئة الشباب أعلى نسب حوادث المرور في أغلب الدول المتطورة والسائرة في طريق النمو على حد سواء.

وتوجد أبحاث ودراسات عديدة وغنية تبحث في الأسباب التي تكمن خلف هذه السلوكات، وتقدم نتائج توضح وتفسر ظاهرة ارتفاع معدلات الحوادث بصفة عامة، في حين تناولت الدراسة الحالية بالشرح العوامل النفسية مثل الإفراط في الثقة والانحياز تقييم المخاطر وأسلوب الحياة (أي السمات الشخصية)، بمعنى سيكولوجية السائق التي تلعب دورا مهما في بروز السلوكات التي تؤدي إلى ارتكاب حوادث المرور.


هوامش المقال:
مقدم، يوسف أحمد طعيمة، (1990)، بحث في تحليل حوادث السيارات بالطريق السريع، عواملها، وسائل الحد منها، أكاديمية الشرطة، جمهورية مصر العربية، ص7.
مجموعة من الباحثين الضباط، (2002)، مشكلة حوادث المرور على الطرق السريعة وسبل مواجهتها، أكاديمية الشرطة، جمهورية مصر العربية، ص2.
عبد الجليل السيف، (1984)، تطور وأساليب تنظيم المرور، الطبعة الثانية، الرياض، المملكة العربية السعودية، مطابع الإشعاع، ص133.
ياسين محجر، (2011)، الاستهداف في بعض ولايات الجنوب الشرقي للجزائر، أطروحة مقدمة استكمالا لمتطلبات نيل شهادة الدكتوراه في علم النفس العمل والتنظيم، جامعة منتوري قسنطينة، الجزائر، ص18.
نايف بن ناشي بن عمير الذراعي الظفيري، (2005)، الآثار الشرعية المترتبة على حوادث السير، دراسة فقهية مقارنة بنظام الحوادث بالمملكة العربية السعودية، رسالة مقدمة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقه وأصوله، الجامعة الأردنية، ص18.
عقاب صقر، (1989)، حوادث المرور، ماهيتها وطرق التحقيق فيها، ط1، المملكة العربية السعودية، ص34.
نايف بن ناشي بن عمير الذراعي الظفيري، (2005)، مرجع سابق، ص19.
مجموعة من الباحثين الضباط، 2002، مرجع سابق، ص 1-2.
نايف بن ناشي بن عمير الذراعي الظفيري، (2005)، مرجع سابق، ص21.
نايف بن ناشي بن عمير الذراعي الظفيري، (2005)، مرجع سابق، ص22-23.
فائز حداد، (2006)، القيادة فن وذوق وأخلاق – حوادث السير وعلاقتها بالحالة النفسية للسائق، يومية الوحدة، اللاذقية، سوريا، مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر والتوزيع، ص2.
ياسين محجر، (2011)، مرجع سابق، ص20.
ياسين محجر، (2011)، مرجع سابق، ص 19-20.
عبد الله النافع، خالد السيف، (1988)، تحليل الخصائص النفسية والاجتماعية المتعلقة بسلوك قيادة السيارات بالمملكة، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، المملكة العربية السعودية، ص67.
ياسين محجر، (2011)، مرجع سابق، ص128.
صالح العبودي، (2009)، العوامل النفسية لحوادث المرور، الندوة العلمية: التجارب العربية والدولية في تنظيم المرور، مركز الدراسات والبحوث، الجزائر، ص 2-3.
عبد الله النافع، خالد السيف، (1988)، مرجع سابق، ص240.
صالح العبودي، (2009)، مرجع سابق، ص 3-4.
ياسين محجر، (2011)، مرجع سابق، ص129.
ياسين محجر، (2011)، مرجع سابق، ص129-130.









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
حوادث المرور

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc