طوبى للغرباء

[أحمد حمادة]

الايمان سفينة النجاة ....

عن ابن عمر رضي الله عنه قال : اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .

ويقول علي كرم الله وجهه عن حقيقة الدنيا : اوله عناء واخره فناء ، حلاله حساب وحرامه عقاب ، من صح امن ومن مرض ندم ، من استغنى افتتن ومن فقر حزن ، من سعاها فاتته ومن قعد عنها اتته ، ومن نظر اليها اعمته ومن اعتبر بها بصرته .

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : والله لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .

يقول ابن القيم في كتابه الفوائد : يا مخنث العزم أين انت والطريق تعب فيه ادم ، وناح لأجله نوح ، ورمي في النار الخليل ، وأضجع للذبح اسماعيل ، وبيع يوسف بثمن بخس ، ولبث في السجن بضع سنين ، ونشر بالمنشار زكريا ، وذبح السيد الحصور يحي ، وقاسى الضرب أيوب ، وزاد على المقدار بكاء داود ، وسار مع الوحش عيسى ، وعالج الفقر وانواع الاذى محمد صلى الله عليه وسلم ، تزها انت باللهو واللعب ؟؟؟
فيا دارها بالحزن ان مزارها ........ قريب ، ولكن دون ذلك اهوال

الدنيا كامرأة بغي لا تثبت مع زوج ، انما تخطب الازواج ليستحسنوا عليها ، فلا ترضى بالدياثة
ميزت بين جمالها وفعالها ....... فاذا الملاحة بالقباحة لا تفي
حلفت لنا ان لاتخون عهودنا ....... فكأنها حلفت لنا أن لا تفي

قال تعالى : قل متاع الدنيا قليل والاخرة خير لمن اتقى ،
وصف الله سبحانه وتعالى جميع الدنيا بأنها متاع قليل ، وانت أيها الانسان تعلم أنك ما أوتيت من القليل الا قليلا ، ثم ان القليل ان تمتعت به فهو لعب ولهو لقوله تعالى : انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة .
قال ابن عياض ك لو كانت الدنيا ذهبا يفني ، والاخرة خزفا يبقى لوجب علينا ان نختار ما يبقى على ما يفنى .

اما الغربة التي ذكرتها في بادئ الحديث فهي أنواع :

_ غربة الرجل في أهله وبيته يوم يريد الاسلام ، ولكن زوجته وأطفاله وجيرانه لا يريدون له الاسلام ولا الهداية ، فهو في صراع وحرب معهم.

_ غربة الشاب في بيته وبين أسرته وم يهديه الله عز وجل صراطا مستقيما ، ويوم يدله على سبيل النجاة ، فيجد ان اول من يحاربه هو البيت ، وابوه وامه واخوه واخته ، فيقف غريبا ، وهذا والله غربة من اعظم الغرب ، لا يعلمها الا من ابتلي بها .

_ وغربة المرأة الصالحة في بيت لا يدين بالولاء للسنة ولا للاستقامة ، فتبقى غريبة تصارع الاحداث بضعفها لأنها تريد من بيتها أن يكون بيتا اسلاميا مستقيما على هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، فتفاجأ فاذا البيت يحاربها ، والزوج والاب والابن ، حينها تكون غريبة في بيتها ، ولها ما للغرباء في الجنة .

ومجمل صفات الغرباء ان يكونوا اتقياء واولياء لله تبارك وتعالى ، يؤمنون بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا ونبيا ،ويقيمون الصلاة الخمس جماعة ولا يتركونها الا لعذر شرعي ، وتظهر السنة على محياهم ، ويداومون على قراءة كتاب الله عزوجل ، ويتدارسون السنة ، ولا يجدون ضغينة علىعباد الله وعلى المسلمين ،

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء .

لكن ، لكن ، لكن
كيف يسلم من له زوجة لا ترحمه ، وولد لا يعذره ، وجار لا يأمنه، وصاحب لا ينصحه ، وشريك لا ينصفه ، وعدو لا ينام عن معاداته ، ونفس أمارة بالسوء ، ودنيا متزينة ، وهوى مرد ، وشهوة غالبة له ، وغضب قاهر ، وشيطان مزين ، وضعف مستول عليه ،
_فان تولاه الله وجذبه اليه انقهرت له هذه كلها ، وان تخلى عنه ووكله الى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة .

اللهم اجعلنا من الغرباء الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، اللهم ارزفنا حلاوة الايمان التي تنسينا حلاوة الدنيا :
والليل من حولي هدوء قاتل والذكريات تمور في وجداني
ويهدني ألم فانشد راحتي في بضع ايات من القران
والنفس بين جوانحي شفافة دب الخشوع بها فهز كياني
قد عشت اؤمن بالاله ولم أذق الا اخيرا لذة الايمان