قصة النقد والتجريح للكاتب الشهير سيد قطب - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

قصة النقد والتجريح للكاتب الشهير سيد قطب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-11-09, 23:23   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

(( .. هل تعلم جارحا هو أكبر من الرّمي بالكفر والوصم به؟!
فسيّد رحمه الله تعالى إمام الغلاة في الجرح بلا منازع، ومع ذلك يدور الخلاف حول جرحه وتعديله, هو رحمه الله تعالى إمام الغلاة في الجرح في العصور المتأخرة بلا منازع رحمة الله عليه, فقد كَفَّر المجتمعات الإسلامية كلّها، بل كفّر البشرية جميعها, وقبل أن أسوق إليك بعض نصوص سيّد رحمه الله في ذلك, أذكر لك شهادة الدّكتور يوسف القرضاوي في كتابه ((أولويات الحركة الإسلامية )) صفحة110 قال: (في هذه المرحلة ظهرت كتب الأستاذ سيّد قطب التي تمثّل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع, وتعجيل الدّعوة إلى النّظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره، وإحياء الاجتهاد, وتدعوا إلى العُزلة الشعورية عن المجتمع, وقطع العلاقة مع الآخرين, وإعلان الجهاد الهجوميّ على النّاس كافّة ...) إلى آخر ما قال.
وهذا بعض ما قال سيّد عفا الله عنه في تكفير البشرية:

قال سيّد عفا الله عنه في ((الظّلال)) في المجلّد الثاني ص1057قال: (لقد استدار الزّمان كهيئته يوم جاء هذا الدّين إلى البشرية، وعادت البشرية إلى مثل الموقف الذي كانت فيه يوم تنزّل هذا القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويوم جاءها الإسلام مبنيا على قاعدته الكبرى: شهادة أن لا إله إلا الله).
ثم قال عفا الله عنه: (لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدّين إلى البشرية بلا إله إلا الله، فقد ارتدّت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان، ونكصت عن لا إله إلاّ الله، وإن ظلّ فريق منها يرددّ على المآذن لا إله إلاّ الله دون أن يدرك مدلولها).
ثم قال عفا الله عنه: (البشرية بجملتها بما فيها أولئك الذين يرددّون على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها كلمات لا إله إلا الله بلا مدلول ولا واقع وهؤلاء - يعني الّذين يرددّون لا إله إلا الله على المآذن قال: - وهؤلاء أثقل إثما وأشدّ عذابا يوم القيامة؛ لأنّهم ارتدوا إلى عبادة العباد من بعد ما تبيّن لهم الهُدى, ومن بعد أن كانوا في دين الله) - فكفروا -. وقال رحمه الله مثل هذا المعنى في نصوص كثيرة في ((الظّلال)) وغيره من كتبه.
وقال غفر الله له في ((المعالم)) صفحة98: (ما هو المجتمع الجاهلي؟ - ثم عرّفه قال: - إن المجتمع الجاهليّ هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم).
ثم ذكر صورا من صور المجتمع الجاهليّ, ثم قال صفحة101: (وأخيرا يدخل في إطار المجتمع الجاهلي - يعني الّذي هو سوى المجتمع المسلم - تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنّها مسلمة).

فالمقصود: أن سيّدا غفر الله له كان غاليا في التّجريح جدّا, بل هو إمام أئمة الغلوّ فيه, وقد رمى عمرًوا رضي الله عنه بالكذب والغشّ والخديعة والنّفاق والرشوة وشراء الذّمم, وجرّده رضي الله عنه من كلّ فضيلة, مع أن سيّدا مَدِين لعمرو رضي الله عنه خاصّة بإسلامه - أي: بإسلام سيّد نفسه -, لأنّه ما من مصريّ مسلم إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله ربّ العالمين إلاّ ولعمرو بن العاص خاصّة رضي الله عنه في عنقه دَين كبير, وجميل جليل, فعمرو رضي الله عنه هو قائد الأجناد الذين فتح الله بهم مصر, وأجداد أجداد سيّد - عفا الله عنه - إلى زمن الفتح ممّن دخل في الدّين إنّما أسلموا بسبب عمرو وجنده رضي الله عنهم أجمعين.
وفي الحديث الّذي رواه أحمد ومسلم وأصحاب السّنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا), فما سجد سيّد لله سجدة, ولا كتب حرفا يُرضي الله, ولا كُتِب في صحيفة حسناته حسنة إلاّ ولعمرو رضي الله عنه مثلها.


أفهذا هو ردّ الجميل؟! أفهذا هو ردّ الجميل؟!
لقد طاش قلم سيّد في أعراض جملة من الصّحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين, فطال قلمه معاوية وعمروا وأبا سفيان وهندا, بل طال قلمه الخليفة الرّاشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه, وأسقط خلافته من الخلافة الرّاشدة, واعتبرها فجوة بين خلافة عمر وخلافة عليّ رضي الله تبارك وتعالى عنهما في كلام يجيء إن شاء الله ربّ العالمين.
وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده, والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده صلى الله عليه وعلى آله وسلّم.
أمّا بعد:
فقد قال سيّد رحمه الله في كتابه ((العدالة الاجتماعية في الإسلام)) طبعة دار الشّروق لسنة 1975 صفحة230, لعلّ الطّبعات بلغت إلى الآن عشرين طبعة أو تزيد, كما أنّ طبعات ((الظّلال)) ربّما وصلت الآن إلى الأربعين إن لم تكن تجاوزته.
قال سيّد غفر الله له: (نحن نميل - هو -
إلى اعتبار خلافة علي رضي الله عنه امتدادا طبيعيّا لخلافة الشّيخين قبله, - يعني أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يقول:- وأنّ عهد عثمان الّذي تحَكّم فيه مروان كان فجوة بينهما).

قال الطّحاويّ رحمه الله في ((
العقيدة)): (ونُثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أوّلا لأبي بكر رضي الله عنه تفضيلا وتقديما على جميع الأمّة, ثمّ لعمر بن الخطّاب رضي الله عنه ثمّ لعثمان بن عفّان رضي الله عنه, ثمّ لعليّ رضي الله عنه, وهم الخلفاء الرّاشدون والأئمة المهتدون).

عقيدة أهل السنّة أنّ خلافة عثمان كانت من الخلافة الرّاشدة, فجاء سيّد - رحمه الله - فأسقط خلافة عثمان من الخلافة الرّاشدة.
بأيّ دليل وبأيّ حجّة؟!
وقال في ذات الكتاب صفحة 212: (وأخيرا ثارت الثائرة على عثمان, واختلط فيها الحقّ بالباطل والخير بالشرّ, ولكن لابدّ لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام, ويستشعر الأمور بروح الإسلام؛ أن يقرّر أنّ تلك الثّورة في عمومها - أي الثورة الّتي أدّت إلى مقتل عثمان رضوان الله عليه - كانت فورة من روح الإسلام, وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهوديّ ابن سبأ عليه لعنة الله).
فالثّورة على عثمان رضي الله عنه الّتي كان وراءها اليهوديّ عبد الله بن سبأ لعنة الله عليه كانت في نظر سيّد وفي حساباته أقرب إلى روح الإسلام من خلافة عثمان الرّاشدة, ثورة السّبئية من أتباع بن السّوداء عبد الله بن سبأ اليهوديّ, ثورة هؤلاء كانت أقرب إلى روح الإسلام من خلافة عثمان!
تصدّقون هذا؟
يا أهل السنّة, يا من تدعون إلى السّلفية وتنتسبون إليها!


فالثّورة على عثمان رضي الله عنه الّتي كان وراءها اليهوديّ عبد الله بن سبأ لعنة الله عليه كانت أقرب إلى روح الإسلام من خلافة عثمان!


وقال في نفس الكتاب صفحة 213:
(مضى عثمان إلى رحمة ربّه, وقد خلّف الدّولة الأمويّة قائمة بالفعل بفضل ما مكّن لها في الأرض, وبخاصّة في الشّام, وبفضل ما مكّن للمبادئ الأمويّة المجافية لروح الإسلام - يعني كان عثمان يعمل ضدّ الإسلام وضدّ روح الإسلام؟! - من إقامة الملك الوراثي, والاستئثار بالغنائم والأموال والمنافع ممّا أحدث خلخلة في الرّوح الإسلاميّ العام, وليس بالقليل ما يَشِيع في نفس الرّعية إن حقّا وإن باطلا أنّ الخليفة يُؤثر أهله, ويمنحهم مئات الألوف, ويعزل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - ليُوَلِّي أعداء رسول الله - صلى الله عليه وسلّم -).


عثمان يستأثر ويولّي أعداء رسول الله ويعزل أولياء رسول الله؟!
يولّي أعداء رسول الله ويعزل أولياء رسول الله!


إلى آخر ما قال من طعنه في الخليفة الرّاشد عثمان رضوان الله عليه.

طغى قلم سيّد, وأطلق كلاما في الّذين فضّلهم عمر وعثمان في العطاء, وهؤلاء في الجملة هم من المهاجرين والأنصار من أهل بدر وبيعة الرّضوان وأهل الشّورى, فكان عمر يفضّلهم في العطاء, وكان عثمان على سنن عمر يفضّلهم في العطاء رضوان الله عليهم أجمعين.

فقال سيّد في نفس الكتاب صفحة 216: (ولقد كان من الطّبيعي أن لا يرضى المُستَنفِعُون - الصّحابة من المهاجرين والأنصار من أهل بدر وبيعة الرّضوان وأهل الشّورى كانوا من المستنفِعِين؟!- أن لا يرضى المُستَنفِعُون عن عليّ, وأن لا يقنع بِشِرعَة المساواة من اعتادوا التّفضيل, ومن مَردوا على الاستئثار؛ فانحاز هؤلاء في النّهاية إلى المعسكر الآخر معسكر أميّة حيث يجدون فيه تحقيقا لأطماعهم على حساب العدل والحقّ اللّذين يصرّ عليهما عليّ رضي الله عنه هذا الإصرار).

الكتاب في جملته طعن في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلّم, وتطاول على الصّحابة رضي الله عنهم أجمعين.
سنعود إلى تفصيل ذلك يوما من الدّهر إن شاء الله جلّ وعلا, فنسرد ذلك ونكشفه في ضوء الكتاب والسُّنّة ليحيى من حيّ عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.

بل طغى قلم سيّد وطاش فنال من نبيّ الله وكليمه موسى صلّى الله عليه وسلّم فقال في كتابه ((التّصوير الفنيّ في القرآن)) تحت عنوان (رسم الشّخصيات في القصّة) صفحة162-163- 164 قال: (ولنأخذ موسى - عليه السّلام -؛ إنّه نموذج للزّعيم المندفع العصبيّ المزاج).

لو قلت لعلّ سيّدا كان في ذلك الوقت متأثّرا بالدّسائس الّتي كانت تُحاك في الفترة الملكية من حياة مصر, بل ما كان هنالك في أيّام الحرب العالمية الثانية, وما وقع من أودولف هتلر, وموسوليني, وأولئك الطّغاة, فكان يكتب؛ فإنّ القول هاهنا ينبغي أن يُقال فيه ما يُصحّحه, لو أنّ المرء كان متأثّرا في الكتابة عن أولئك السادة الكرام بهذا الّذي يكتبه, وهذا الّذي يسطره عن أولئك الطّغاة, أفيُقال عن موسى عليه السّلام نموذج للزّعيم المندفع العصبيّ المزاج؟! لو قيل لك هذا؛ فإنّ الصّورة الذّهنية الّتي ستأتي إلى خاطرك هي: أنّ الّذي سيتكلّم عنه من كَتَبَ هذا - مادمت لا تعلم بعد عمّن يتكلّم - أنّه سيتكلّم عن أودولف هتلر أو واحد من أولئك الطغاة.

زعيم مندفع عصبيّ المزاج, زعيم!
ما دخل الزّعامة في النّبوة؟!

مندفع!
غير مسدّد بالوحي هو؟!

عصبيّ المزاج!
يخضع للتحليل النّفسي في مدرسة سيجموند فرُويد؟!

يقول: (فها هو ذا قد رُبِّي في قصر فرعون, وتحت سمعه وبصره, وأصبح فتى قويّا{وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} [القصص : 15]).
قال سيّد: (
هنا يبدو التعصّب القوميّ, كما يبدو الانفعال العصبيّ - تعصّب قوميّ! -, وسرعان ما تذهب هذه الدّفعة العصبيّة, فيثوب إلى نفسه؛ شأن العصبيّين . {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ . قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} [القصص 15 : 17].
{
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ}[القصص : 18].

قال سيّد: (وهو تعبير مصوّر لهيئة معروفة: هيئة المتفزّع المتلفّت المتوقّع للشرّ في كلّ حركة, وتلك سمة العصبيّين أيضا, ومع هذا, ومع أنّه قد وعد بأنّه لن يكون ظهيرا للمجرمين؛ فلننظر ما يصنع إنّه ينظر: {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ}[القصص : 18], مرّة أخرى على رجل آخر {قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ}[القصص : 18], ولكنّه يهُمُّ بالرّجل الآخر كما همّ بالأمس ويُنسِيه - أي يُنسِي موسى - التعصّب والاندفاع استغفاره وندمه وخوفه وترقّبه).
لو قيل هذا عن آحاد الصّالحين لكان سيّئا, وكان مردودا, فكيف وهو يقال لكليم الله موسى صلىّ الله عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وسلّم.
قال: (لولا أن يذكّره من يهمّ به بفعلته فيتذكّر ويخشى {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}[القصص : 19], وحينئذ يَنصح له بالرّحيل رجل جاء من أقصى المدينة يسعى, فيرحل عنها كما عَلمنا, فلندعه هنا لنلتقي به في فترة ثانية من حياته بعد عشر سنوات؛ فلعلّه قد هدأ, وصار رجلا هادئ الطّبع حليم النّفس, كلاّ! فها هو ذا يُنادى من جانب الطّور الأيمن: أن ألق عصاك. فألقاها؛ فإذا هي حيّة تسعى, وما يكاد يراها حتى يثب جريا لا يعقّب ولا يُلوَى, إنّه الفتى العصبيّ نفسه, ولو أنّه قد صار رجلا؛ فغيره كان يخاف نعم, ولكن لعلّه كان يبتعد منها, ويقف ليتأمّل هذه العجيبة الكبرى).
وأجزم أنّ سيّدا لو كان حيّا لو كان شاهدا ما وقع لموسى من تلك المعجزة, وأعطاه الله ربّ العالمين الحياة إلى يوم القيامة؛ لكان في جريه إلى يوم النّاس هذا.
قال: (ثمّ لندعه فترة أخرى لنرى ماذا يصنع الزّمن في أعصابه. - نعم كان ينبغي أن يقصد طبيبا يعالجه !- لقد انتصر على السّحرة, وقد استخلص بني إسرائيل, وعبر بهم البحر, ثمّ ذهب إلى ميعاد ربّه على الطّور, وإنّه لنبيّ - يتكلّم عنه وهو يعلم أنّه في هذا المقام -, ولكن ها هو ذا يسأل ربّه سؤالا عجيبا {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ}[الأعراف : 143], ثمّ حدث ما لا تحتمله أيّة أعصاب إنسانية, بَلهَ أعصاب موسى - كلامُه -,{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف : 143]. عودة العصبيّ في سرعة واندفاع! - يعني كان يجب عليه أن يتروّى لكي يستغفر ويتوب ويعود؟! -, ثمّ ها هو ذا يعود, فيجد قومه قد اتّخذوا لهم عجلا إلها, وفي يديه الألواح التي أوحاها الله إليه, فما يتريّث وما يَنِي, {وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}[الأعراف : 150], وإنّه ليمضي منفعلا يشدّ رأس أخيه ولحيته, ولا يسمع له قولا: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}[طه : 94], وحين يعلم أنّ السّامري هو الّذي فعل الفعلة؛ يلتفت إليه مغضبا, ويسأله مستنكرا حتّى إذا علم سرّ العجل: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً}[طه : 97]. - فقال معلّقا - هكذا في حنق ظاهر وحركة متوتّرة).
قال: (فلندعه سنوات أخرى, لقد ذهب قومه في التّيه, ونحسبه قد صار كهلا حينما افترق عنهم, ولقي الرّجل الّذي طلب إليه أن يصحبه ليعلّمه ممّا آتاه الله علما, ونحن نعلم أنّه لم يستطع أن يصبر حتّى ينبئه بسرّ ما يصنع مرّة ومرّة ومرّة فافترقا).

ثمّ قال: (تلك شخصية موحّدة بارزة, ونُموذج إنسانيّ واضح في كلّ مرحلة من مراحل القصّة جميعا).
قال: (وتقابل شخصية موسى شخصية إبراهيم, إنّه نُموذج الهدوء والتّسامح والحلم{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}[هود : 75]).
والإتيان بهذه الصّورة في مقابل شخصية موسى عليه السّلام من باب قولك: وبضدّها تتميز الأشياء.
فهل هذا كلام يقال في حقّ كليم الله موسى؟!
أن يُغفر لقائل الكلام أو لا يُغفر؟ لا شأن لنا به, أن ينزل الفردوس الأعلى أو قرارة الجحيم؟ لا علاقة لنا بذلك, نسأل الله أن يغفر له, ولكن هذا الكلام يا أصحاب العقيدة الصّحيح: كيف يُسكت عليه وهو يُتداول بين الشّبيبة؟ في هذا الكتاب, في هذا الكتاب الّذي وسمه بـ((التّصوير الفنّي في القرآن)), وجمع فيه من كلّ موبقة, وهو يُدَرّس في كلّيات الآداب, وفي كلّيات اللّغة العربية, ويُنَوّه به, ويُعلَى من ذكره, وفيه هذه الطّامة وحدها, ولو كانت وحدها في كتاب لاستحقّ إعدامه.
وبعد:
فإنّ هذه المسألة قد صارت لأهل السنّة محكّا, ولمسيرتهم مَضِيقا, والحقّ فيها واضحا وضوحا لا يلتبس إلاّ على جاهل أو ذي هوى, فعلينا أن نردّ الأمور إلى الكتاب والسُّنّة بفهم سلف الأمّة, وأن نتجرّد من أهوائنا متذكّرين قول ربّنا سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}[النساء : 135].
فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا.
وقوله - أي: ونتذكّر قوله - تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ} {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة : 8].
ولنعلم أنّ الذي يُثير الفتن, ويأجّج نارها هو الّذي يخالف الكتاب والسُّنّة, وأنّ الّذي يأمر النّاس باتّباع الكتاب والسُّنّة, واتّباع السلف الصّالح من الصّحابة ومن تبعهم بإحسان هو ساع في رفع العداوة والبغضاء عن الأمّة, قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}[المائدة : 14].
فنسيان حظّ أي: ترك قدر ممّا ذُكّرت به الأمّة من الكتاب والسُّنّة مستجلب للعداوة والبغضاء بين أبناءها, والسّاعي في التذكير بالكتاب والسُّنّة هو ساعٍ في رفع العداوة والبغضاء عن الأمّة.

لمّا تأملت في تلك المسألة بشِقّيها وجدتها أوضح من الوضوح, وأجلى من الشّمس في رائعة النّهار في كبد السّماء ليس دونها غمام ولا سحاب ولا ضباب, فعجبت!
فلمَ الخلاف إذن؟!لمَ الخلاف وما سببه؟!
الأمر واضح جداّ, وجليّ جدّا, والأمر في المنتهى أمر عقيدة, ومصائر النّاس - لثالث مرّة - وأقدارهم في الآخرة لا يتدخّل فيه أحد, لأننّا لا نشهد لأحد بجنّة ولا نار إلاّ من شهد له النبيّ المختار, هذا أصل من أصول عقيدتنا أهل السُّنّة, ولا نقول لأحد شهيد, وفي ((البخاري)) ((باب: لا يقال فلان شهيد)).
من أدراك؟
ونسأل الله أن يكون قد ختم لمن مات من أهل القبلة بخير, وأن يختم لنا بخير, وأن يحشرنا جميعا في الجنّة على سرر متقابلين, وأن ينزع ما في قلوبنا من الغلّ لإخواننا من المؤمنين والمسلمين والمحسنين الذّابين عن دين ربّ العالمين إنّه على كلّ شيء قدير.
وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. ..)) جزء من خطبة للشيخ سعيد رسلان بعنوان : "مع سيد قطب رحمه الله"


المصدر








 


رد مع اقتباس
قديم 2015-11-10, 12:15   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
صبرينة لوتس
عضو محترف
 
الصورة الرمزية صبرينة لوتس
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم

يا أخي الكريم استوقفني قولك هذا : "أتمنى لو بقي في أدبه وفنه ولم يتطرق للدين والسياسة "

ولن أقول سوى لاحول ولا قوة إلاّ بالله









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
لمكاتب, الشهير, النقد, والتجريح


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:12

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc