لفصل الثاني
نشأةالقانون الإداري وتطوره
تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدولالأخرى , ويرجع الفضل في ظهور هذا القانون إلى عوامل تاريخية تأتي في مقدمتهاالأفكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 م , التي قامت على أساس الفصل بينالسلطات، ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل فيالمنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية .
وأدىهذا الاتجاه إلى وجود نظام القضاء المزدوج الذي كان مهداً لنشؤ الازدواج القانونيوظهور القانون الإداري .
المبحث الأول
نشؤ القانون الإداري في فرنسا
كانت سلطات الحكم قبل الثورة الفرنسية مركزة في يد الملك حيث ساد نظامالملكية المطلقة , ولم تكن الدولة تخضع للمساءلة أو الرقابةأمام القضاء بواسطةدعاوى الأفراد , وهي إن تعاملت مع الأفراد خضعت معاملاتها للقانون المدني . ( )
وفي هذه الفترة كانت توجد محاكم قضائية تدعى البرلمانات Parlements أنشئت لتكونممثلة للملك في وظائفه القضائية , وكانت الدعاوى تستأنف أمامها ما لم سند الملك ذلكالاختصاص إلى جهة أخرى , كما وجدت محاكم مختصة ببعض المنازعات الإدارية . ( )
وقد كانت البرلمانات تمارس سيطرة رجعية على الإدارة وتتدخل في شؤونها وتعارضوتعرقل كل حركة إصلاحية ( ) مما حدى برجال الثورة الفرنسية إلى منع المحاكمالقضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلالالإدارة تجاه السلطة القضائية , من خلال تبنيهم لمبدأ الفصل بين السلطات .
1. مرحلة الإدارة القاضية : Administration Juge
تأكيداً لاتجاه الثورةالفرنسية في الفصل بين السلطات صدر قانون 16-24 أغسطس 1790 , الذي نص على إلغاءالمحاكم القضائية ( البرلمانات ) وإنشاء ما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضيكمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي , ومنع القضاء العادي من النظر فيالمنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها و أصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبةالاختصاص في الفصل بهذه المنازعات .
وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراداللجوء إلى الإدارة نفسها للتظلم إليها وتقديم الشكوى , فكانت الإدارة هي الخصموالحكم في الوقت ذاته وكان هذا الأمر مقبولاً إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعةالسيئة لقضاء البرلمانات التعسفية .
2. إنشاء مجلس الدولة الفرنسي :
بنشوء مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1797 في عهد نابليون بونابرت وضعت اللبنةالأولى للقضاء الإداري الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان أو الأمر استشارياً يتطلبتصديق القنصل .
وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الأقاليم Les Conseils de Préfecture التي كانت تصدر أحكاماً لا تحتاج إلى تصديق سلطة إدارية عليا ، إلاأن أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه تعرض على القنصل.
فقد كانعمل المجلس يقتصر على فحص المنازعات الإدارية وإعداد مشروعات الأحكام , فلم يكنيملك سلطة القضاء وإصدار الأحكام , ولذا سمى قضاؤه في هذه المرحلة " القضاء المقيد" أو المحجوز Justice Retenue وقد استمرت هذه المرحلة إلى عام 1872 حيث أصبح قضاؤهمفوضاً .
3. مرحلة القضاء المفوض Justice délégúee
في 24مايو 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة الفرنسي اختصاص البت نهائياً في المنازعاتالإدارية دون تعقب جهة أخرى .
ومع أن هذا القانون خول المجلس سلطة البت النهائيفي المنازعات الإدارية فإنه أبقي على اختصاص الإدارة القاضية فلا يملك الأفراداللجوء إلى مجلس الدولة إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون , وفيما عدا ذلكتختص به الإدارة القاضية , مما أوجد ازدواجاً قضائياً , واستمر هذا الوضع حتى تاريخ 13ديسمبر 1889 عندما قبل مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون المرورعلى الإدارة في قضية Cadot وترتب على حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاصالعام في المنازعات الإدارية .
وبسبب تراكم العديد من القضايا أمام مجلس الدولةحدد المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر بموجب المرسوم الصادر في 30 سبتمبر 1953 , وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس الأقاليم صاحبة الاختصاصالعام في المنازعات الإدارية .
ثم أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحاتمنها المراسيم الأربعة الصادرة في 30 يوليو 1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسيللعاملين في المجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الداخلي , وتم تعديل هذا التنظيم بثلاثةمراسيم أخرى في 26 أغسطس 1975 م , وبمرسوم في 15 يناير 1980 , وآخر في 16 ديسمبر 1987 لإصلاح القضاء الإداري أنشأ بموجبه المحاكم الإدارية الاستئنافية ووسع نطاقالطعن بالنقض أمام مجلس الدولة .
وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضيالمنازعات الإدارية دون منازع, وساهم في إرساء مبادئ القانون الإداري وقواعدهالمتميزة عن قواعد القانون الخاص وابتدع الحلول المناسبة لمقتضيات حسن سير الإدارةالعامة, وأكد عالمبحث الثاني
نشوءالقانون الإداري في مصر
قبل نشوء مجلس الدولة في مصر عام 1946 لم تعرف مصرالقضاء الإداري , وقد كانت المحاكم المختلطة والأهلية السائدة قبل هذا التاريخ فيالنظام القضائي المصري تطبق بعض القوانين على المنازعات بين الأفراد أو بينهم وبينالإدارة , ولم يكن من بينها القانون الإداري .
وقد ذهب جانب من الفقه الإداريالمصري إلى أن أساس القانون الإداري ومبادئه قد بدأت تظهر من خلال أحكام المحاكمالمختلطة والمحاكم الأهلية , بينما خالف جانب آخر منهم, وذهب إلى أن مبادئ القانونالإداري لم تنشأ حقيقة إلا من خلال أحكام مجلس الدولة بعد أن إنشاؤه عام 1946 . ( )
وكان مجلس الدولة وقت إنشاؤه يتمتع بصلاحيات محددة وبمحكمة قضاء إداري واحدة , ثم ما لبث أن توسعت اختصاصاته إذ صدر القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي وسع اختصاصاتهثم أنشأت المحاكم الإدارية بالقانون رقم 147 لسنة 1954 , وبعد ذلك في عام 1955 تمإنشاء المحكمة الإدارية العليا لتكون في قمة القسم القضائي بمجلس الدولة .
ثمصدر القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة , وقد مر مجلس الدولة بتطوراتعدة حتى صدر القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته .
ووفقاً لهذا القانونيعد مجلس الدولة هيئة قضائية ملحقة بوزير العدل , ويتكون من رئيس وعدد من نوابالرئيس والمستشارين المساعدين والنواب والمندوبين ومن مندوبين مساعدين .
هذاولم تؤثر تبعية المجلس لوزير العدل في استقلاله في ممارسة وظيفته إذ لا تتعدى هذهالتبعية منح الوزير الأشراف الإداري وضمان حسن سير العمل الوظيفي , وهو ما أكدتهالمادة الأولى من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة " .
ولم يولد المجلس قوياً منذ نشأته فقد كان القضاء الإداري صاحب الولاية العامةفي نظر المنازعات الإدارية وكانت اختصاصات مجلس الدولة محددة على سبيل الحصر فيالقوانين التي سبقت القانون الحالي .
ففي ظل القانون رقم 112 لسنة 1946 والمعدلبالقانون رقم 9 لسنة 1949 كان القضاء العادي ينفرد بنظر دعاوى مسؤولية الإدارة عنأعمالها المادية ويختص بالاشتراك مع المجلس في نظر طلبات التعويض عن القراراتالإدارية ، ويترتب على رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية وإذا ما رفعت دعوىالإلغاء أو التعويض إلى مجلس الدولة عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكمالعادية فإنه يمتنع رفعها أمام مجلس الدولة .
كما كانت المحاكم العادية تنفردبنظر المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية حتى صدور القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي منحالمجلس النظر في منازعات عقود الالتزام والأشغال العامة وعقود التوريد بالاشتراك معالمحاكم العادية .
وفي ظل القانونين 165 لسنة 1955 و 55 لسنة 1959 استمرتالمحاكم العادية تنفرد بالنظر في دعوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية في الوقتالذي استقل به مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بالتعويض عن القرارات الإداريةوالعقود الإدارية .
وبصدور القانون 47 لسنة 1972 أصبح مجلس الدولة صاحب الولايةالعامة بالنظر في المنازعات الإدارية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، فقد ورد فيالمادة 172 من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختصبالفصل في المنازعات الإدارية ، وفي الدعاوى لتأديبية ويحدد اختصاصاته الأخرى " .
وبذلك أصبح مجلس الدولة قاضي القانون العام المختص بالفصل في المنازعاتالإدارية والتأديبية وساهم بإرساء مبادئ القانون الإداري , وكان له دور رائد فيحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من عسف الإدارة وإلغاء قراراتها المعيبة والتعويض عنها لى وجود واستقلال القانون الإداري
الفصل الثالث
خصائص ومصادر القانون الإداري
نبين في هذاالجزء من الدراسة الخصائص التي يتميز بها القانون الإداري والمصادر التي يستمد منهاأحكامه وذلك في مبحثين .
المبحث الأول
خصائص القانون الإداري
يتميزالقانون الإداري ببعض الخصائص منها أنه قانون سريع التطور ، وقانون غير مقنن , وأنهمن صنع القضاء .
أولاً : قانون سريع التطور .
يستم القانون الإداري بأنهقانون يتطور بسرعة تفوق التطور الاعتيادي في القوانين الأخرى ولعل ذلك يرجع إلىطبيعة المواضيع التي يعالجها ، فقواعد القانون الخاص تتميز بالثبات والاستقرار ،وقد ثمر فترة طويلة قبل أن ينالها التعديل أو التغيير ، ويعود ذلك إلى أن العلاقاتالتي ينظمها القانون الخاص بفروعه المختلفة " قانون مدني ، قانون تجاري ، قانونمرافعات " تتعلق بقواعد عامة تتطلب قدراً من الاستقرار مع ترك الحرية للأفراد منتسيير الأمور الأخرى ذات الطابع المتغير في حدود القواعد العامة المنصوص عليها علىعكس القانون الإداري الذي يعالج مواضيع ذات طبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامةوحسن تسيير وإدارة المرافق العامة وجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعيةوإنما من أحكام القضاء وخاصة القضاء الإداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلولللمنازعات الإدارية ولا يتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق ما يتلائم معظروف كل منازعة على حده تماشياً مع سرعة تطور العمل الإداري ومقتضيات سير المرافقالعامة .
ولعل من أسباب سرعة تطور القانون الإداري أنه يتأثر بالعواملالاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار وغير مستقرةنسبياً ، فاتساع نشاط الدولة ونزعتها التدخلية وانتشار الحروب والازمات الاقتصاديةوظهور المرافق العامة الاقتصادية , وما إلى ذلك من ظواهر اقتصادية وسياسية وإدارية، وضرورة استيعاب القانون الإداري لهذه المتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلىالتطور المستمر في أحكامه .
ثانياً : قانون من صنع القضاء .
يتميزالقانون الإداري أيضاً بأنه قانون قضائي نشأ عن طريق المبادئ والقواعد الإداريةالتي خلقها القضاء ، وقد ساعد على ذلك عدم تقنين أغلب قواعد القانون الإداري فكانلابد للقضاء أن ينهض بهذه المهمة من خلال وضع أسسه ونظرياته .
وإذا كان التشريعينهض في الحقيقة ببعض مواضيع القانون الإداري خاصة ما يتعلق ببعض النصوص الدستوريةوالتشريعية واللائحية التي تحكم جوانب مهمة من علاقات الإدارية العامة مثل قانونالخدمة المدنية ولائحة العقود الإدارية ، فأن التشريع لا زال قاصراً عن مجالات أخرىكثيرة من قبل قواعد القرار الإداري وقواعد المسؤولية الإدارية وشروط الطعن بالإلغاء , وما إلى ذلك من مجالات لازال القضاء يمثل المصدر الرسمي الرئيس لأحكامه .
وقدكشف مجلس الدولة الفرنسي عن النظريات والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانونالإداري وأستلم عنه القضاء الإداري في مصر العديد من أحكامه ، حتى أصبح دور المشرعفي كثير من الأحيان مقتصراً على تسجيل ما توصل إليه القضاء الإداري من أحكام . ( )
ودور القضاء الإداري في هذا المجال كان متميزاً عن دور القضاء العادي ، الذيينحصر بتطبيق القانون على المنازعة دون أن يتعداه لخلق الحلول المناسبة التي تتفقمع طبيعة منازعات القانون الإداري ، الأمر الذي أضفى على قواعد القانون الإداريالطابع العملي الذي يتماشى مع ظروف واحتياجات المرافق العامة ومقتضيات سيرها الحسنوتطورها المستمر .
ومع ذلك يتقيد القضاء في أداء مهامه وابتداعه لمبادئ وقواعدالقانون الإداري يعدم مخالفة النصوص التشريعية القائمة على أساس أن القضاء أنمايعبر عن إرادة مفترضة للمشرع , أما إذا أفصح عن إرادته تلك بنصوص تشريعية فأنهيلتزم بتطبيق تلك النصوص في أحكامه . ( )
ثالثاً : قانون غير مقنن .
يقصد بالتقنين أن يصدر المشرع مجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامةوالتفصيلية المتعلقة بفرع من فروع القانون كما هو الحال في مدونة القانون المدني أومدونة قانون العقوبات .
ولا يخفى ما لتدوين القواعد العامة والتفصيلة لقانون مامن أهمية من حيث إضفائه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع وسهولة الرجوع إلىأحكامه .
وقد نشأ القانون الإداري في فتره انتشرت فيها حركة التقنين في أعقابالثورة الفرنسية وتم تدوين قواعد القانون المدني في مدونة نابليون . ( )
إلا أنالقانون الإداري لم تشمله هذه الحركة رغم رسوخ مبادئه واكتمال نظرياته ويرجع عدمتقنينه إلى سرعة تطوره وتفرع وسعة مجالاته مما يجعل من الصعوبة جمع أحكامه في مدونهواحدة خاصة وان أحكامه في الغالب ذات طبيعة قضائية ، ولا يخفى ما في أحكام القضاءالإداري من مرونة تتأثر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع .
وإذا كان عدم التقنين يعني عدم جمع إحكام القانون الإداري في مجموعة أو مدونةواحدة فإن ذلك لا ينفي وجود تقنينات جزئية لبعض موضوعات القانون الإداري ، من ذلكوجود تشريعات خاصة بالموظفين وتشريعات خاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة وقوانينخاصة بالتنظيم الإداري أو القضاء الإداري إلى غير ذلك من مواضيع يتعذر جمعها فيتقنين شامل .
المبحث الثاني
مصادر القانون الإداري
تشتمل مصادرالقانون الإداري على مصادر القانون بصورة عامة ، وهي عادة أربعة مصادر " التشريع – العرف – القضاء – الفقه " .
وإذا كان التشريع والعرف يعدان المصدران الرسميانللقوانين الأخرى ، بينما يمثل القضاء والفقه المصدران التفسيريان للقواعد القانونية، فإن القانون الإداري يمنح القضاء دوراً هاماً , بل يعده أهم مصادر القانونالإداري على الإطلاق ، ويكون مع التشريع والعرف مصدراً رسمياً للقانون الإداري , بينما يبقى الفقه مصدراً تفسيراً له .
وفيما يلي نعرض لهذه المصادر وبشيء منالتفصيل .
أولاً : التشريع .
يقصد بالتشريع كمصدر للقانون الإداري مجموعةالقواعد القانونية المكتوبة الصادرة من السلطة المختصة في الدولة ، وقد تكون هذهالسلطة سلطة تأسيسة فيكون التشريع دستورياً، أما إذا كانت السلطة تشريعية فيكونالتشريع عادياً ويطلق عليه اصطلاح القانون ، وأخيراً إذا كانت هذه السلطة تنفيذيةفإننا نكون أمام ما يمكن تسميته بالتشريعات الفرعية أو اللوائح ، ويتميز التشريع عنغير من المصادر الأخرى بوضوحه وتحديده وسهولة تعديله .
1. التشريع الدستوري :-
تعد التشريعات الدستورية المصدر الأساسي والرسمي للقانون الإداري ، وتقعالتشريعات الدستورية الدستورية في قمة الهرم القانوني ، وتسمو على القواعدالقانوينة الأخرى جميعاً ، فهي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقتهابالمواطنين ، وتتضمن التشريعات الدستورية بعض الموضوعات المتعلقة بالقانون الإداري، كتنظيم الجهاز الإداري في الدولة ونشاطه وحقوق الأفراد وحرياتهم .
ويتوجب علىالإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية أن تلتزم بالمبادئ التي جاء بها الدستور ولايحق لها مخالفتها وإلا عدت أعمالها مخالفة لمبدأ المشروعية مما يعرضها للإلغاءوالتعويض عما تسببه من أضرار .
والقواعد الدستورية يقصد بها مجموعة القواعدالمكتوبة في وثيقة أو عدة وثائق دستورية فحسب فمن الممكن أن تكون تلك القواعد غيرمكتوبة في ظل دستور عرفي يتمتع بسمو القواعد الدستورية المكتوبة ذاتها .
كذلكتتمتع إعلانات الحقوق ما تضمنته هذه الإعلانات في حقوق وحريات الأفراد بقوة النصوصالدستورية فلا يجوز مخالفتها .
. التشريع العادي .
يأتي التشريعالعادي أو القانون بالمرتبة الثانية بعد الدستور ، من حيث التدرج التشريعي باعتبارهصادراً من الهيئة التشريعية المعبرة عن الإرادة العامة وهي صاحبة الاختصاص في ذلك .
والإدارة بوصفها السلطة التنفيذية تخضع لأحكام القوانين فإذا خالفت حكم القانونأو صدر عمل إداري استناداً إلى قانون غير دستوري وجب إلغاء ذلك العمل . ( )
3. التشريع الفرعي أو اللوائح .
يطلق على القواعد القانوينة التي تصدرها السلطةالتنفيذية التشريع الفرعي ، وتسمى في مصر اللوائح الإدارية ، وهي قواعد عامة مجردةواجبة الاحترام تلي التشريع العادي في مرتبتها في سلم التدرج القانوني , وتخضعلرقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة باعتبارها قرارات إدارية يجب أن تكونمتفقة مع القانون .
أ / اللوائح التنفيذية :
تصدر الوزارات بصفتهاالهيئة لتنفيذية في الدوله اللوائح التنفيذية المتعلقة بتنفيذ القوانين الصادرة عنالسلطه التشريعيه لتوضيح ما يكتنفها من غموض وتسهيل تطبيقها .
ب/ اللوائحالتنظيمية .
تمارس الاداره أيضاً اختصاص إصدار اللوائح التنظيمية التي تتعدىتنفيذ القوانين إلى تنظيم بعض الأمور التي يتطرق إليها القانون فتقترب وظيفتها منالتشريع , ومن ذلك قيامها بما يتعلق بتنظيم الجهات الإدارية ونظام العمل بهاوشؤونها الإدارية والمالية , وهو من صميم عملا الوزاره بصفتها المختصة بتنظيمالجهاز الإداري في الدولة .
ج/ اللوائح الضبطية أو البوليسية .
تختص الهيئةالتنفيذية بإصدار لوائح الضبط الإداري المتعلقة بالمحافظة على الأمن العام والصحةالعامة والسكنية العامة من ذلك اللوائح الخاصة بمكافحة الضوضاء أو غلق المحالالمضرة بالصحة العامة .
د/ اللوائح التفويضية .
تصدر الهيئة التنفيذية هذاالنوع من اللوائح بتفويض من الهيئة التشريعية التي يمثلها البرلمان في العراق فيموضوعات تدخل أصلاً ضمن اختصاصه ، ومن ذلك اختصاصها بإصدار اللوائح الخاصة بإنشاءوتنظيم المؤسسات والهيئات والمصالح والشركات العامة لممارسة الاختصاصات ذات الطبيعةالاستراتيجية وتحديد أهدافها واختصاصاتها .
ه/ لوائح الضرورة .
تصادفالهيئة التنفيذية في بعض الأوقات ظروفاً استثنائية تجبرها على إصدار لوائح إداريةتضمن حماية النظام العام وحسن سير المرافق العامة لتعذر صدروها من الهيئة التشريعيةالمختصة فعلاً بإصدارها ، لغيبتها أو لحصولها في غير فترة انعقادها على أن تعرض علىالهيئة التشريعية خلال مدة معينة لكي تقرها .
ثانياً : العرف :-
العرفالإداري هو مجموعة القواعد التي درجت الإدارة على إتباعها في أداء وظيفتها في مجالمعين من نشاطها وتستمر فتصبح ملزمة لها ، وتعد مخالفتها مخالفة للمشروعية وتؤدي إلىأبطال تصرفاتها بالطرق المقررة قانوناً .
ويأتي العرف الإداري في مرتبة أدني منمرتبة القواعد القانونية المكتوبة مما يستلزم إلا يخالف نصاً من نصوص القانون فهومصدر تكميلي للقانون يفسر ويكمل ما نقص منه ولكي يصبح سلوك الإدارة عرفاً إدارياً ومصدراً من مصادر القانون الإداري ، يجب أن يتوافر فيه ركنان : ركن مادي و ركن معنوي .
1. الركن المادي :
ويتمثل الركن المادي باعتياد جهة الإدارة علىإتباع سلوك معين في نشاط معين وقد يكون هذا الاعتياد ايجابياً يظهر في صورة القيامبعمل ، كما يمكن أن يكون سلبياً في صورة الامتناع عن القيام بعمل ما ،على أن يكونهذا العمل أو الامتناع بشكل ثابت ومستقر ويتكرر في الحالات المماثلة بشرط أن يمضىالزمن الكافي لاستقراره ، وتقدير ما إذا كانت هذه المدة كافيه لوجود العرف من عدمهأمر مرجعه إلى القضاء .
2. الركن المعنوي :
أما الركن المعنوي فهواعتقاد الإدارة والأفراد بإلزامية القاعدة المتبعة وضرورة احترامها وعدم مخالفتهاواعتبار ذلك مخالفة قانونية تتطلب الجزاء ، وبهذا المعنى تكون القرارات الإداريةالتي تصدر مخالفة للعرف الإداري غير مشروعة وعرضه للإلغاء إذا طعن في مشروعيتهاأمام القضاء .
إلى جانب ذلك يجب أن يكون العرف الإداري عاماً تطبقه الإدارةبشكل منتظم ومستمر بلا انقطاع في جميع الحالات المماثلة وان يكون مشروعاً وغيرمخالف لنص قانوني أو لائحي .
ومن الجدير بالذكر أن التزام الإدارة باحترامالعرف لا يحرمها من أمكان تعديله أو تغييره نهائياً إذا اقتضت ذلك المصلحة العامةفالإدارة تملك تنظيم القاعدة التي يحكمها العرف بيد أن قيام العرف الجديد يتطلبتوفر الركنين السابقين فلا يتكون بمجرد مخالفة الإدارة للعرف المطبق . ( )
أماإذا خالفت الإدارة العرف في حالة فردية خاصة دون أن تستهدف تعديله أو تغييره بدافعالمصلحة العامة فإن قرارها أو إجراءها المخالف للعرف يكون باطلاً لمخالفته مبدأالمشروعية . ( )
ومع ذلك فأن دور العرف كمصدر رسمي للقانون الإداري أقل أهميةمن المصادر الرسمية أخرى لصعوبة الاستدلال على القاعدة العرفية من جهة , ولأنالإدارة في الغالب تلجأ إلى اللوائح كوسيلة لتنظيم نشاطها الإداري من جهة أخرى .
ثالثاً : القضاء .
الأصل في وظيفة القاضي تطبيق القوانين والفصل فيالمنازعات المعروضة أمامه ، وهو ملزم قانوناً بالفصل في المنازعة الداخلة فياختصاصه وإلا اعتبر منكراً للعدالة ، لذلك رسم المشرع للقاضي الأسلوب الذي يسلكهلفض المنازعة إذا لم يجد في القواعد القانونية حلاً للمنازعة .
وعلى ذلك لا يعدالقضاء مصدراً رسمياً للقانون لدوره المتعلق بتطبيق النصوص التشريعية وتفسيرهاوإزالة غموضها وإزالة التعارض المحتمل بينها ، ولا يتعدى القاضي هذا الأمر ليصل إلىحد خلق قواعد قانونية خارج نصوص التشريع . ( )
إلا أن الطبيعة الخاصة لقواعدالقانون الإداري من حيث عدم تقنينه وظروف نشأته وتعدد مجالات نشاطه ، أدى إلى أنيتجاوز القضاء الإداري دور القضاء العادي ليتماشى مع متطلبات الحياة الإدارية فيعمدإلى خلق مبادئ وأحكام القانون الإداري ،
فيصبح القضاء مصدر رسمي للقانون الإداري بل من أهم مصادرها الرسمية ، ويتعدى دوره التشريع في كثير من الأحيان .
وتتميز أحكام القضاء الإداري بعدم خضوعها للقانون المدني ، فالقاضي الإداري إذا لم يجد في المبادئ القانونية القائمة نصاً ينطبق على النزاع المعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك دون أن يكون مقيداً بقواعد القانون المدني .
ومن جانب آخر أن أحكام القضاء العادي ذات حجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيراً على النقيض من أحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .
وفي ذلك يتبين أن للقضاء دوراً إنشائياً كبيراً في مجال القانون الإداري ومن ثم فهو يشكل مصدراً رئيسياً من مصادر المشروعية .
رابعاً : المبادئ العامة للقانون .
تعد المبادئ العامة للقانون مصدراً مهماً من مصادر القانون الإداري ويقصد بالمبادئ العامة للقانون تلك المبادئ التي لا تستند إلى نص مكتوب ، وإنما يكون مصدرها القضاء وهي تختلف عن المبادئ القانونية التي يكون مصدرها التشريع . ( )
وقد لجأ القضاء الإداري إلى المبادئ العامة للقانون للفصل في العديد من المنازعات الإدارية لعدم تقنين قواعد القانون الإداري .
وتستمد أغلب هذه المبادئ من الطبيعة المتميزة للحياة الإدارية , كمبدأ دوام استمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد ، والمساواة بين المنتفعين بخدمات المرافق العامة ، ونظرية الظروف الاستثنائية , أو تستمد في فكرة العدل والمنطق والتي بمقتضاها مارس القضاء الإداري رقابته على الوجود المادي للوقائع وصحة التكييف القانوني لها وضرورة التناسب بين جسامة الذنب الإداري والعقوبة المقررة لها . ( )
والقضاء الإداري بهذا المعنى لا يخلق المبادئ العامة للقانون إنما يقتصر دوره على كشفها والتحقيق من وجودها في الضمير القانوني للأمة ، ولذلك فمن الواجب على الإدارة والقضاء احترامها والتقيد بها باعتبارها قواعد ملزمة شأنها في ذلك شأن القواعد المكتوبة .