ملخصات مفيدة لمسابقة القضاء لسرعة الحفظ - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

ملخصات مفيدة لمسابقة القضاء لسرعة الحفظ

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-01-25, 17:21   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










Mh04 ملخصات مفيدة لمسابقة القضاء لسرعة الحفظ

ملخص القانون المدني
المسؤولية عن العمل الشخصي :
عن الفعل الذي يصدر منه دون وساطة شخص اخر او تدخل شيئ مستقل عنه واساس هذه المسؤولية هو الخطأ ال\واجب الاثبات .
اركان الامخسؤوليبة القصيرية :
اولا : الخطأ :
هو اخلال الشخص بإلتزام قانوني مع ادراكه لهذا الاخلال
عناصره :
01/- العنصر الاول : المادي :
التعدي وانحراف الشخص عن سلوك الرجل العادي أي تجاوز للحدود التي يجب على الشخص التزامها في سلوكه .
- معيار الانحراف في السلوك : بالاعتماد على سلوك الرجل العادي أي الرجل المحتاط الذي يبذل قدرا معينا من العناية.
- ضرورة الاعتداد بالضروف الخارجية في تقدير الانحراف :
أي تكييف الواقعة مع ضروفها المحيطة بها سواء كانت خارجية او داخلية .
اثبات التعدي : على المضرور عادة
02/- العنصر الثاني :
الادراك : الفعل الضار صادر عن شخص مكلف ومميز .
- انعدام المسؤولية : عندما ينعدم التمييز
حالات انتفاء المسؤولية :
حالة الدفاع الشرعي 128 ق م لا يعد مخطئا اذا كان يصد اعتداءا عن نفسه .
· حالة تنفيذ اوامر الرئيس اثناء اداء المهام
· حالة الضرورة
04/- رضاء المضرور وهي
الاغواء : أي عندما يغوي الارجل المرأة ويعدها بالزواج وكانت مميزة .
رضا المريض بالعلاج
الالعاب الرياضية
المعاونة
ثانيا : الضرر
انواعه :
الضرر المادي يمس الشخص في ماله او جسمه .
الضرر المعنوي او الادبي : يمس الشخص في غير حقوقه المالية المالية والادبية .
الضرر المرتد وهو الذي يتعدى الشخص المضرور الى اشخاص اخرين
شروط الضرر الواجب التعويض :
ان يكون محققا : أي وقع فعلا او مؤكد الوقوع من خلال حدوث اسبابه كإصابة شخص بحادث مرور ونقل الى المستشفى اذ الحادث وقع والضرر لم يحدد بعد فهو يستحق التعويض .
المساس بمصلحة يحميها القانون : أي توافر القصد الجنائي
ان لا يكون قد سبق التعويض أي لم يرفع اى دعوى تعويضية على الضرر الذي لحقه .
ان يكون الضرر شخصيا : أي يمس الشخص في ماله واهله واسرته .
ثالثا : العلاقة السببية :
وهي الرابطة السببية بين الضرر والخطأ
النضرية المقرة للعلاقة السببية :
نضرية تعادل الاسباب : جميع الاسباب المؤدية الى الضرر متكافئة .
نضرية السبب المنتج او الفعال : الشخص يعد مساهما بصورة كبيرة وفعالة في احداث النتيجة .
نفي المسؤولية :
القوة القاهرة : قوة لا يمكن تداركها .
الحادث المفاجئ : حادث على حين غرة لا يمكن توقعه .
السبب الاجنبي : وهو تدخل شخص اجنبي في احداث الضرر .
تدخل المضرور : أي ان يكون المضرور له دور في احداث النتيجة .








مسؤلية متولي الرقابة :
قد يكون الشخص في حاجة الى الرقابة بسبب صغره او بسبب حالته العقلية او الجسمية .
ا/- تاولي الشخص للرقابة على شخص اخر : وهناك الرقابة يكون مصدرها القانون اة الاتفاق او القضاء واهم المسؤوليات نجد مسؤولية الاب والام عن الابناء القصر والمعلم في المدرسة والمشرف على الحرفة .
الخاضع للرقابة في القانون م ج :
القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد
الحالة العقلية او الجسمية
02/- صدور عمل غير مشروع ممن يخضع للرقابة : ان يصدر عملا غير مشروع ممن هو تحت الرقابة ضارا به الغير مثل كسر الزجاج منزل الى غير ذلك
ب/- اساس المسؤولية :
الخطأ المفترض القابل لاثبات العكس
ج/- نفي المسؤولية : قطع العلاقة السببية بين الضرر ةالخطأ وانه قام بواجب الرعاية والتربية والرقابة الجيدة .
د/- رجوع المكلف بالرقابة على الخاضع لها :
حيث يرجع على المشمول بالرقابة .
مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع :
هي ذات اهمية نضرا لزيادة الاضرار التي تقع منطرف التابع وذلك لعلاقة التبعية .
شروطها :
01/- علاقة التبعية : احدهما تابع للأخر والتابع له سلطة فعلية على المتبوع من خلال الرقابة والتوجيه مثل علاقة العامل ورب العمل
02/- خطأ التابع حال تادية وضيفته اة بسببها :
وهنا يجب توفر الركان المسؤولية مع حدوث اتلخطأ حال تأدية الوضيفة او بسببها .
اساس المسؤولية :
الخطا المفترض : لا سيقبل اثبات العكس .
تحمل التبعية : أي مسؤولية المتبوع عن اتابع .
الحلول : المتبوع يحل محل التابع .
النيابة : التابع نائب عن المتبوع



الضمان والكفالة : المتبوع ضامن للتابع
دفع المسؤولية :
وذلك بقطع العلاقة السببية
مسؤولية حارس الشئ الاشياء هنا هي الجوامد غير الحية ويكون حارسها مسؤولا عن الاضرار التني تحدثها الجوامد المادة 138 ق م ج شرط تحقق المسؤولية :
01/- حراسة الشيئ : الحارس من له القدرة على الاستعمال والتسيير والرقابة . 02/- وقوع الضرر بفعل الشئ :
اساس المسؤولية : هو الخطأ المترض من جانب الحارس غير قابل لاثبات العكس
دفع المسؤولية : بقطع العلاقة السببية .
مسؤولية حارس الحيوان :
المادة 139 الحارس مسؤولا عن فعل الحيوان اذا تنسرب او ضل .
شروط المسؤولية : 01/- تولي شخص رقابته .
02/- ان يجدث الحيوان ضررا .
اساس هذه المسؤولية الخطأ المفترض غير قابل لاثبات العكس وتدفع المسؤولية بقطع العلاقة السببية .
مسؤولية مالك البناء مالك البناء مسؤولا عن ما يحدثه البناء منت اضرار
شروطها :
01/- ملكية البناء ملكية وفق القانون اذا انتقلت اليه عن طريق الشهر القاري او الارث .
02/- البناء : الشيء المتماسك من صنع الانسان ويتصل بالارض اتصال قرار .
03/- تهدم البناء جزئيا او كليا محدثا ضررا للغير :
أي تفكك اجزاء البناء كلها او بعضها او انفصالها عن الارض
اساسها نفس الاساس السابق . وتفع بإثبات الصيانة او حداثة البناء وانه لا يوجد عيب فيه .
الدعوى الوقائية : يرفعها الذي يتهدده ضررا البناء بغرض اجراء الترميمات بغرض اللازمة .
المسؤولية الناشئة عن الحريق :
شروطها : اثبات الخطأ في اتجاه المسؤولين أي الحائز للعقار او المنقول لا المالك
وان يكون الحريق هو السبب في الضرر والحريق هو هو انتقال النار من عقار الحائز الى ملك الغير . واساس المسؤولية هنا هو الخطأ الواجب الاثبات من جانب الحارس او الاشخاص اللذين يسأل عنهم . وتدفع المسؤولية بقطع العلاقة السببية









 


قديم 2013-01-25, 17:26   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

طرق الاثبات في القانون المدني الجزائري
ووسائل الإثبات تنقسم من عدة نواحي فمن حيث طبيعتها ، تنقسم إلى أدلة أصلية وهي الكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة ، أدلة احتياطية وهي الإقرار اليمين ومن حيث حجيتها ن تنقسم إلى أدلة ملزمة للقاضي وهي الكتابة والإقرار واليمين ، وأدلة غير ملزمة وهي البينة والقرائن القضائية والمعاينة ومن حيث ما يجوز إثباته ، تنقسم إلى أدلة مطلقة يصلح لإثبات جميع الوقائع وهي الكتابة والإقرار واليمين ، وأدلة مقيدة يجوز قبولها في إثبات بعض الوقائع دون بعض وهي البينة والقرائن والمعاينة .
ونبحث في ما يلي في ستة مطالب متتالية طرق الإثبات حيث نبحث في المطلب الأول الإثبات بالكتابة , وفي المطلب الثاني الإثبات بشهادة الشهود , وفي المطلب الثالث القرائن ,وفي المطلب الرابع الإقرار , وفي المطلب الخامس اليمين , وفي المطلب السادس المعاينة والخبرة
المطلب الأول : الإثبات بالكتابة
وتنقسم إلى قسمين محررات رسمية ومحررات عادية
الفرع الأول : المحررات الرسمية
تعريف المحرر الرسمي :
نتص المادة 324 من القانون المدني الجزائري"العقد الرسمي هو عقد يثبت فيه الموظف او ظابط عمومي اوشخص مكلف بخدمة عامة ما تم لديه او ما تلقاه من ذوي الشان وذلك طبقا للاشكال القانونية وفي حدود سلطته وتقديره"

((1- السندات الرسمية أ- السندات التي ينظمها الموظفون الذين من اختصاصهم تنظيمها طبقا للأوضاع القانونية ويحكم بها دون أن يكلف مبرزها إثبات ما نص عليه فيها ويعمل بها ما لم يثبت تزويرها , ب- السندات التي ينظمها أصحابها ويصدقها الموظفون الذين من اختصاصهم تصديقها طبقا للقانون , وينحصر العمل بها في التاريخ والتوقيع فقط , 2-إذا لم تستوف هذه الأسناد الشروط الواردة في الفقرة السابقة فلا يكون لها إلا قيمة الأسناد العادية بشرط أن يكون ذوو الشأن قد وقعوا عليها بتوقيعهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم))
شروط المحرر الرسمي
ويستفاد من هذا أنه يجب توافر شروط ثلاثة في المحرر أو السند الرسمي وهي :
أن ينظم المحرر من موظف, وأن يكون هذا الموظف مختصا بتنظيم السند , وأن يراعي في تنظيمه للسند الأوضاع التي قررها القانون
الشرط الأول : أن ينظم المحرر من موظف
يقصد بالموظف في خصوص المحررات الرسمية كل شخص تعينه الدولة للقيام بعمل من أعمالها ، سواء أكان بأجر ككاتب العدل والمحضر ، أو بدون أجر كالمختار
ويختلف الموظفون باختلاف المحررات التي يختصون بكتابتها ، فالقاضي يعتبر موظفا عاما بالنسبة للأحكام التي يقوم بتحريرها ، كاتب الجلسة يعتبر موظفا عاما بالنسبة لمحاضر الجلسات التي يقوم بكتابتها ، والمحضر يعتبر موظفا عاما بالنسبة إلى أوراق التبليغ التي يقوم بتبليغها ، والمأذون يعتبر موظفا عاما بالنسبة لعقود الزواج و شهادات الطلاق ، وكاتب العدل يعتبر موظفا عاما بالنسبة للأوراق الرسمية المدنية التي يقوم بتحريرها
الشرط الثاني : صدور المحرر من الموظف في حدود سلطته واختصاصه
لا يكفي في المحرر الرسمي أن يكون صادراً من موظف ، بل يشترط أن يكون الموظف قد قام بتحريره في حدود سلطته واختصاصه , ويقصد بالسلطة والاختصاص في هذا الخصوص أن يكون للموظف ولاية تحرير الورقة الرسمية من حيث الموضوع ومن حيث الزمان ومن حيث المكان
فمن حيث الاختصاص الموضوعي ، يختص كل موظف عام بتحرير نوع معين من الأوراق الرسمية فالقاضي مثلا يختص بتحرير الأحكام ولكنه ليس مختصا بتحرير محاضر الجلسة ، فهذا من اختصاص مكاتب الجلسات والمأذون يختص بتحريره عقود الزواج ولكنه ليس مختصا بتحرير العقود والتصرفات المدنية كالبيع أو الهبة فهذا من اختصاص كاتب العدل وهكذا
ومن حيث الاختصاص الزماني ، تنقضي ولاية الموظف بالعزل أو النقل أو الوقف عن العمل فإذا قام بتوثيق المحرر بعد أن انقضت ولايته كان المحرر باطلا ومن حيث الاختصاص المكاني ، فإن القانون حدد لكل موظف اختصاصا إقليميا ولا يجوز له أن يباشر عمله خارج دائرة اختصاصه
الشرط الثالث : مراعاة الأوضاع القانونية في تدوين المحرر الرسمي
قرر القانون أوضاعا معينة يجب على الموظف المختص بتحرير السند أن يلتزم بها من ذلك يجب أن يكون المحرر مكتوبا باللغة العربية وبخط واضح دون إضافة أو تحشير أو كشط وأن يشتمل عدا البيانات الخاصة بموضوع المحرر – على ذكر السنة والشهر واليوم و الساعة التي تم فيها التوثيق كما يجب أن يشتمل المحرر على اسم الموظف ولقبه ووظيفته وأسماء الشهود وأسماء أصحاب الشأن وآبائهم وأجدادهم لإبائهم وصناعتهم ومحال إقامتهم وعلى الشهود أن يوقعوا المحرر مع ذوي الشأن ومع الموظف ويجب على الموظف قبل توقيع ذوي الشأن أن يتلو عليهم الصيغة الكاملة للمحرر ومرفقاته وأن يبين لهم الأثر القانوني المترتب عليه دون أن يؤثر في إرادتهم وتحفظ أصول المحررات بالمكتب ، وتسلم صور منها لأصحاب الشأن
جزاء الإخلال بشرط من الشروط الثلاثة :
إذا تخلف شرط من الشروط الثلاثة اللازمة لوجود المحرر الرسمي ، فإن المحرر يبطل كورقة رسمية فالمحرر الرسمي يفقد رسميته إذا صدر من غير موظف ، أو من موظف عام مميز مختص ، أو من موظف عام مختص إلا أنه لم يراع الأوضاع القانونية المقررة
ومن الأوضاع القانونية المقررة ما هو جوهري كتاريخ التوثيق واسم الموظف وأسماء أصحاب الشأن والشهود وتوقيعاتهم وتخلف هذه الأوضاع هو الذي يترتب عليه بطلان المحرر أما الأوضاع غير الجوهرية كدفع الرسم أو ترقيم صفحات المحرر ، فإن تخلفها لا يفقد المحرر صفته الرسمية
على أن بطلان المحرر الرسمي لا يجرده من كل قيمة ، إذا يعتبر محرراً عرفيا بشرط أن يكون موقعا من ذوي الشأن ((إذا لم تستوف هذه الأسناد الشروط الواردة في الفقرة السابقة فلا يكون لها إلا قيمة الأسناد العادية بشرط أن يكون ذوو الشأن قد وقعوا عليها بتواقيعهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم))
حجية المحرر الرسمي في الإثبات
إذا توافرت في المحرر الرسمي الشروط الثلاثة السابق ذكرها قامت قرينة على سلامته المادية وعلى صدوره ممن وقعوا عليه ((تكون الأسناد الرسمية المنظمة حجة على الناس كافة بما دون فيها من أفعال مادية قام بها الموظف العام في حدود اختصاصه , أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره وذلك ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانونا ))
فالمحرر أو السند الرسمي يعتبر بصحة ما دون فيه من بيانات أثبتها الموظف بنفسه أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ولا يجوز نقض هذه الحجية إلا بالتزوير
فالبيانات التي يثبتها الموظف بنفسه ، كتاريخ المحرر ومكان توثيقه وحضور ذوي الشأن والشهود وإثبات توقيعهم وتوقيع الموثق فهذه تكون حجة على الناس كافة ولا يمكن دحض حجيتها إلا عن طريق الطعن بالتزوير
كذلك البيانات التي تصدر من ذوي الشأن في حضور الموظف كإقرار البائع أنه قبض ثمن المبيع ، أو إقرار المشتري أنه تسلم المبيع ، لا يمكن دحض حجيتها إلا بالطعن بالتزوير
أما البيانات التي تصدر من ذوي الشأن ويدونها الموظف على مسئوليتهم دون أن يكون قد شاهدها أو تحقق من صحتها ، فلا تثبت لها صفة الرسمية ولذلك يجوز إثبات عكسها بطرق الإثبات العادية
صور المحررات الرسمية
يجب أن نفرق بين حالتين : ما إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً وحالة ما إذا كان الأصل غير موجود .
الحالة الأولى : حجية صورة المحرر الرسمي إذا كان الأصل موجوداً
((إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً فإن الصورة الخطية والفوتوغرافية التي نقلت منه وصدرت عن موظف عام في حدود اختصاصه تكون لها قوة السند الرسمي الأصلي بالقدر الذي يعترف فيه بمطابقة الصورة للأصل)) ((وتعتبر الصورة مطابقة للأصل ، ما لم ينازع في ذلك أحد الطرفين وفي هذه الحالة تراجع الصورة على الأصل))
وبمقتضى هذا النص أنه إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً ،فإن صورته الرسمية المأخوذة من هذا الأصل تكون لها حجية في الإثبات بالقدر الذي يكون فيه مطابقا للأصل ويفترض أن صورة المحرر الرسمي للأصل نظراً لأنها تؤخذ بواسطة موظف عام مختص ، ولكن إذا نازع أحد الطرفين في هذه المطابقة ، فإن المحكمة تأمر بمراجعة الصورة على الأصل
الحالة الثانية : حجية صورة المحرر الرسمي إذا كان الأصل غير موجود
تنص المادة التاسعة من قانون البينات الأردني على أنه : إذا لم يوجد أصل السند الرسمي ، كانت الصورة الخطية أو الفوتوغرافية حجة على الوجه الآتي :
1) يكون للصورة الأولى قوة الأصل إذا صدرت عن موظف عام مختص وكان مظهرها الخارجي لا يتطرق معه الشك في مطابقتها للأصل
2) ويكون للصورة الخطية أو الفوتوغرافية المأخوذة من الصورة الأولى نفس القوة إذا صدرت عن موظف عام مختص يصادق على مطابقتها للأصل الذي أخذت منه ويجوز لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة هذه الصورة على الأولى على أن تتم المراجعة في مواجهة الخصوم
3) أما الصورة المأخوذة عن الصورة الثانية فيمكن الاستئناس بها تبعا للظروف
ويتضح من هذه المادة أنه إذا لم يكن أصل السند الرسمي موجوداً فإنه يتعين التفرقة بين ثلاثة أنواع من الصور 1- الصور الرسمية الأصلية: وهي الصور التي تنقل عن أصل المحرر الرسمي مباشرة بواسطة موظف عام مختص ، سواء كانت هذه الصور تنفيذية أو غير تنفيذية ، و هذه تكون لها حجية الأصل وإنما يشترط أن يكون مظهرها الخارجي لا يدع مجالا للشك في مطابقتها للأصل أما إذا كان المظهر الخارجي يبعث على الشك في أن يكون قد عبث بها كما إذا وجد بها كشط أو محو أو تحشير فإن الصورة تسقط حجيتها في هذه الحالة .
2- الصورة الرسمية المأخوذة عن الصور الأصلية : وهي الصور المأخوذة لا من الأصل وإنما من الصور الأصلية الرسمية ، وهذه الصور لها نفس حجية الصور الأصلية المأخوذة عنها ، بشرط بقاء الصور الأصلية حتى يمكن المراجعة عليها إذا ما طلب ذلك أحد ذوي الشأن
3- الصور الرسمية للصور المأخوذة من الصور الأصلية : وهذه لا تكون لها حجية الأصل ، ولا يعتد بها إلا مجرد الاستئناس
الفرع الثاني : المحررات العادية
تعريف المحرر العادي
السند العادي هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة إصبعه وليست له صفة السند الرسمي كما عرفته المادة العاشرة من قانون البينات الأردني إذا هو المحرر الذي يصدر من الأفراد دون أن يتدخل الموظف العام في تحريره وهو نوعان : محرر عادي معد للإثبات ، وهذا يكون موقعا من ذوي الشأن ، ويعتبر دليلا مهيأ أو دليلا كاملا ، ومحرر عادي غير موقع من ذوي الشأن معد للإثبات كدفتر التاجر والأوراق المنزلية ، ولذا يعطيه القانون حجية في الإثبات تتفاوت قوة ومضعفا وفق ما يتضمنه من عناصر الإثبات
أولا: المحررات العادية المعدة للإثبات
شروط المحرر العادي :
لا يشترط في المحرر العادي المعد للإثبات إلا أن يكون مدونا به كتابة مثبتة لواقعة قانونية ، وأن تكون موقعة من الشخص المنسوبة إليه
أما أنه يشترط وجود كتابة بالمحرر العادي فهذا شرط طبيعي ولا يشترط في الكتابة شكل معين ، فكل عبارة دالة على المقصود من المحرر تصلح بعد توقيعها أن تكون دليلا على من وقعها كما لا يشترط أن تكون الكتابة باليد وإنما يجوز أن تكون على الآلة الكتابة أو مطبوعة كما يصح أن تكون بخط من وقعها أو بخط شخصي أجنبي ، بالمواد أو بالقلم الرصاص كما يصح أن تكون بلغة أجنبية
أما أنه يشترط أن تكون الكتابة موقعة من الشخص المنسوبة إليه فهذا هو الشرط الجوهري في المحرر العادي المعد للإثبات فالتوقيع هو الذي يعطي ذلك المحرر حجيته في الإثبات لأنه هو الذي ينسب الكتابة إلى صاحب التوقيع ويكون التوقيع بإمضاء الشخص نفسه كما يمكن أن يكون ببصمته أو بختمه , ويجب أن يشتمل التوقيع على اسم الموقع ولقبه كاملين ، فلا يكفي أن يكون التوقيع بالأحرف الأولى من الاسم إنما يلزم أن يكون التوقيع مطابقا للاسم الوارد في شهادة الميلاد فلا يكفي اسم الشهرة أو الاسم الذي اعتاد الشخص التوقيع به وإذا خلا المحرر العادي من التوقيع فلا تكون له أية حجية إلا إذا كان مكتوبا بخط المدين ، فإنه يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة وقد يوقع المدين ورقة على بياض ويسلمها للدائن ليدون فيها ما تم الاتفاق عليه بينهما ، ويحدث هذا كثيراً في الشيكات حيث يوقع الشيك على بياض ويعطى للدائن لملء البيانات فإذا تمت كتابة البيانات فوق التوقيع أصبح للورقة حجية المحرر العادي وإذا دون الدائن بيانات غير مطابقة للبيانات المتفق عليها ، فإن المدين يستطيع أن يثبت ذلك ويكون الإثبات وفقا للقواعد العامة ، فلا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة فإذا نجح المدين في ذلك اعتبر الدائن مرتكبا لجريمة إساءة الأمانة وإذا كان الدائن قد تعامل مع الغير بناء على ما دونه في الورقة ، فإن لهذا الغير ما دام حسن النية التمسك بحجية الورقة على المدين وليس للمدين إلا الرجوع على من أساء الأمانة بكتابة البيانات مخالفة للمتفق عليه .
ولكن إذا كانت الورقة الموقعة على بياض لم تسلم إلى من أساء الأمانة وإنما حصل عليها بطريق غير مشروع كالاختلاس أو السرقة ، فإن من وقع على بياض يمكنه أن يثبت بكافة طرق الإثبات حصول الاختلاس أو السرقة والكتابة من مسيء الأمانة ولا يستطيع الغير الذي تعامل مع أساء الأمانة بناء على هذه الورقة التمسك بها على موقعها حتى ولو كان هذا الغير حسن النية
حجية المحررات العادية في الإثبات
للمحرر العادي حجية في النواحي الثلاث الآتية : حجية المحرر بصدوره ممن وقعه ، وحجيته بصدق البيانات المدونة به ، وحجيته بالنسبة للتاريخ المدون به
أولا : حجية المحرر العرفي بصدوره ممن وقعه :
: (من احتج عليه بسند عادي وكان لا يريد أن يعترف به وجب عليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو توقيع أو ختم أو بصمة إصبع وإلا فهو حجة عليه بما فيه))
طبقا لهذا النص فإذا أنكر المدين توقيعه زالت عن المحرر حجتيه بصفة مؤقتة وتعين على من يحتج به أن ثبت صدوره ممن ينسب إليه التوقيع وذلك بأن يطلب من المحكمة أن تأمر بتحقيق الخطوط ، فإذا ثبت من التحقيق صدور المحرر ممن وقعه عادت إليه حجيته
وإذا أراد الشخص أن ينكر توقيع المحرر المنسوب إليه ، يجب أن يكون إنكاره صريحا ويجب أيضا أن يكون هذا الإنكار قبل أن يناقش موضوع المحرر و ذلك أن مناقشة موضوع المحرر يتعين لتكون جادة منتجة أن تكون وليدة الإطلاع على هذا المحرر ، وهو ما يمكن من التحقق من نسبة الخط والإمضاء أو الختم أو البصمة بأن يشهد عليه المحرر إذ من اليسير على هذا الأخير بمجرد هذا الإطلاع التحقق من هذه النسبة فإذا لم ينكرها فور إطلاعه على المحرر ، وخاض في مناقشة موضوعه ، فإن ذلك منه إنما يفيد تسليمه بصحة تلك النسبة ، فإن عاد بعد ذلك إلى إنكارها وسارت الدعوى شوطا بعيداً على أساس صحة المحرر ، فإنما يكون ذلك استشعاراً منه لضعف مركزه في الدعوى ، واستغلال لنصوص القانون في نقل عبء الإثبات إلى المتمسك بالورقة ، ورغبة في الكيد والمطل ، وهو ما لا يجوز تمكينه منه
غير أنه إذا كان الشخص الذي يتمسك عليه بالمحرر وارثا أو خلفا فلا يطلب منه الإنكار وإنما يكفي كما تنص المادة الحادية عشر الفقرة الثانية من قانون الإثبات الأردني أن يقرر أنه لا يعلم أن الخط أو التوقيع أو الختم أو البصمة هي لمن تلقى عنه الحق فإذا فعل الوارث أو الخلف ذلك زالت حجية المحرر العادي ووجب على من يتمسك به أن يطالب بإجراءات تحقيق الخطوط ليثبت صدور المحرر ممن ينسب إليه
وقد ينكر الشخص حصول التوقيع منه شخصيا برغم اعترافه بأن بصمة الختم الموقع بها هي بصمة ختمه وهذا أمر متصور فقد يفقد الشخص ختمه وقد سلمه إلى أخر فيخون هذا الأخير الأمانة وفي هذه الحالة لا يستطيع هذا الخصم التنصل مما تثبته عليه الورقة إلا إذا بين كيف وصل إمضاؤه هذا الصحيح أو ختمه هذا الصحيح إلى الورقة التي عليها التوقيع به وأقام الدليل على صحة ما يدعيه من ذلك لأنه متى أعترف الخصم الذي تشهد عليه الورقة بأن الإمضاء أو الختم الموقع به على الورقة هو إمضاؤه أو ختمه ، أو متى ثبت ذلك بعد الإنكار بالدليل الذي يقدمه المتمسك بالورقة ، فلا يطلب من هذا المتمسك أي دليل آخر لاعتماد صحة الورقة وإمكان اعتبارها حجة بما فيها على خصمه صاحب الإمضاء أو الختم ،
ثانياً : حجية البيانات المدونة في المحرر العادي :
إذا اعترف الخصم بصدور المحرر العادي منه أو سكت ولم ينكر صدوره عنه ، يكون للمحرر العادي حجية كاملة في الإثبات ، مثله في ذلك مثل المحرر الرسمي غير أن للخصم أن ينقض البيانات الواردة في المحرر العرفي بطرق الإثبات العادية
وإذا لم يقتصر الخصم على إنكار صدور المحرر منه وادعى أن البيان الوارد به أصابه تزوير مادي عن طريق الإضافة أو الحذف ، فإنه يتعين عليه أن يسلك طريق الطعن بالتزوير
ثالثا : حجية المحرر العادي بالنسبة للتاريخ المدون به :
تثبت حجية المحرر العرفي في مواجهة ظرفية ، بالنسبة لما دون فيه من بيانات ، بما في ذلك البيان المتعلق بتاريخ المحرر ، أما في مواجهة الغير فلا يعتبر المحرر العادي حجية عليه في تاريخه إلا إذا كان ثابتا
(( لا يكون للسند العادي حجة على الغير في تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت)) ولقد قصد المشرع حماية الغير من خطر تقديم المحرر العادي
ويقصد بالغير في هذا المقام كل من يحتج في مواجهته بصحة ثبوت تاريخ المحرر العادي مما يترتب عليه الإضرار بحق تلقاه عن أحد طرفي المحرر أو بمقتضى نص في القانون
ويعتبر من الغير :
1) الخلف الخاص :- أي من يكتسب من سلفه حقا معينا ، كالمشتري الذي يعتبر خلفا للبائع ، فإذا باع شخص منقولا مرتين ، فإن البيع الثاني لا يحتج به على المشتري الأول إلا إذا كان له تاريخ ثابت وذلك منعا للتواطؤ الذي قد يتم بين البائع والمشتري الثاني أضراراً بحقوق المشتري الأول بتقديمها تاريخ البيع الثاني على البيع الأول
2) الدائن الحاجز : فإذا حجز الدائن على منقول مملوك لمدينه أو على ما للمدين لدى الغير ، فإنه يصبح من الغير بالنسبة للتصرفات التي تصدر من المدين في المال المحجوز ، ولا
صور المحررات الرسمية
يجب أن نفرق بين حالتين : ما إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً وحالة ما إذا كان الأصل غير موجود .
الحالة الأولى : حجية صورة المحرر الرسمي إذا كان الأصل موجوداً
المادة 325 مدني جزائري
وبمقتضى هذا النص أنه إذا كان أصل المحرر الرسمي موجوداً ،فإن صورته الرسمية المأخوذة من هذا الأصل تكون لها حجية في الإثبات بالقدر الذي يكون فيه مطابقا للأصل ويفترض أن صورة المحرر الرسمي للأصل نظراً لأنها تؤخذ بواسطة موظف عام مختص ، ولكن إذا نازع أحد الطرفين في هذه المطابقة ، فإن المحكمة تأمر بمراجعة الصورة على الأصل
الحالة الثانية : حجية صورة المحرر الرسمي إذا كان الأصل غير موجود
تنص المادة التاسعة من قانون البينات الأردني على أنه : إذا لم يوجد أصل السند الرسمي ، كانت الصورة الخطية أو الفوتوغرافية حجة على الوجه الآتي :
1) يكون للصورة الأولى قوة الأصل إذا صدرت عن موظف عام مختص وكان مظهرها الخارجي لا يتطرق معه الشك في مطابقتها للأصل
2) ويكون للصورة الخطية أو الفوتوغرافية المأخوذة من الصورة الأولى نفس القوة إذا صدرت عن موظف عام مختص يصادق على مطابقتها للأصل الذي أخذت منه ويجوز لكل من الطرفين أن يطلب مراجعة هذه الصورة على الأولى على أن تتم المراجعة في مواجهة الخصوم
3) أما الصورة المأخوذة عن الصورة الثانية فيمكن الاستئناس بها تبعا للظروف
ويتضح من هذه المادة أنه إذا لم يكن أصل السند الرسمي موجوداً فإنه يتعين التفرقة بين ثلاثة أنواع من الصور 1- الصور الرسمية الأصلية وهي الصور التي تنقل عن أصل المحرر الرسمي مباشرة بواسطة موظف عام مختص ، سواء كانت هذه الصور تنفيذية أو غير تنفيذية ، و هذه تكون لها حجية الأصل وإنما يشترط أن يكون مظهرها الخارجي لا يدع مجالا للشك في مطابقتها للأصل أما إذا كان المظهر الخارجي يبعث على الشك في أن يكون قد عبث بها كما إذا وجد بها كشط أو محو أو تحشير فإن الصورة تسقط حجيتها في هذه الحالة .
2- الصورة الرسمية المأخوذة عن الصور الأصلية : وهي الصور المأخوذة لا من الأصل وإنما من الصور الأصلية الرسمية ، وهذه الصور لها نفس حجية الصور الأصلية المأخوذة عنها ، بشرط بقاء الصور الأصلية حتى يمكن المراجعة عليها إذا ما طلب ذلك أحد ذوي الشأن
3- الصور الرسمية للصور المأخوذة من الصور الأصلية : وهذه لا تكون لها حجية الأصل ، ولا يعتد بها إلا مجرد الاستئناس المادة 326 مدني جزائري
الفرع الثاني : المحررات العادية
تعريف المحرر العادي
السند العادي هو الذي يشتمل على توقيع من صدر عنه أو على خاتمه أو بصمة إصبعه وليست له صفة السند الرسمي كما عرفته المادة العاشرة من قانون البينات الأردني إذا هو المحرر الذي يصدر من الأفراد دون أن يتدخل الموظف العام في تحريره وهو نوعان : محرر عادي معد للإثبات ، وهذا يكون موقعا من ذوي الشأن ، ويعتبر دليلا مهيأ أو دليلا كاملا ، ومحرر عادي غير موقع من ذوي الشأن معد للإثبات كدفتر التاجر والأوراق المنزلية ، ولذا يعطيه القانون حجية في الإثبات تتفاوت قوة ومضعفا وفق ما يتضمنه من عناصر الإثبات



أولا: المحررات العادية المعدة للإثبات
شروط المحرر العادي :
لا يشترط في المحرر العادي المعد للإثبات إلا أن يكون مدونا به كتابة مثبتة لواقعة قانونية ، وأن تكون موقعة من الشخص المنسوبة إليه
أما أنه يشترط وجود كتابة بالمحرر العادي فهذا شرط طبيعي ولا يشترط في الكتابة شكل معين ، فكل عبارة دالة على المقصود من المحرر تصلح بعد توقيعها أن تكون دليلا على من وقعها كما لا يشترط أن تكون الكتابة باليد وإنما يجوز أن تكون على الآلة الكتابة أو مطبوعة كما يصح أن تكون بخط من وقعها أو بخط شخصي أجنبي ، بالمواد أو بالقلم الرصاص كما يصح أن تكون بلغة أجنبية
أما أنه يشترط أن تكون الكتابة موقعة من الشخص المنسوبة إليه فهذا هو الشرط الجوهري في المحرر العادي المعد للإثبات فالتوقيع هو الذي يعطي ذلك المحرر حجيته في الإثبات لأنه هو الذي ينسب الكتابة إلى صاحب التوقيع ويكون التوقيع بإمضاء الشخص نفسه كما يمكن أن يكون ببصمته أو بختمه , ويجب أن يشتمل التوقيع على اسم الموقع ولقبه كاملين ، فلا يكفي أن يكون التوقيع بالأحرف الأولى من الاسم إنما يلزم أن يكون التوقيع مطابقا للاسم الوارد في شهادة الميلاد فلا يكفي اسم الشهرة أو الاسم الذي اعتاد الشخص التوقيع به وإذا خلا المحرر العادي من التوقيع فلا تكون له أية حجية إلا إذا كان مكتوبا بخط المدين ، فإنه يصلح مبدأ ثبوت بالكتابة
وقد يوقع المدين ورقة على بياض ويسلمها للدائن ليدون فيها ما تم الاتفاق عليه بينهما ، ويحدث هذا كثيراً في الشيكات حيث يوقع الشيك على بياض ويعطى للدائن لملء البيانات فإذا تمت كتابة البيانات فوق التوقيع أصبح للورقة حجية المحرر العادي وإذا دون الدائن بيانات غير مطابقة للبيانات المتفق عليها ، فإن المدين يستطيع أن يثبت ذلك ويكون الإثبات وفقا للقواعد العامة ، فلا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة فإذا نجح المدين في ذلك اعتبر الدائن مرتكبا لجريمة إساءة الأمانة
وإذا كان الدائن قد تعامل مع الغير بناء على ما دونه في الورقة ، فإن لهذا الغير ما دام حسن النية التمسك بحجية الورقة على المدين وليس للمدين إلا الرجوع على من أساء الأمانة بكتابة البيانات مخالفة للمتفق عليه
ولكن إذا كانت الورقة الموقعة على بياض لم تسلم إلى من أساء الأمانة وإنما حصل عليها بطريق غير مشروع كالاختلاس أو السرقة ، فإن من وقع على بياض يمكنه أن يثبت بكافة طرق الإثبات حصول الاختلاس أو السرقة والكتابة من مسيء الأمانة ولا يستطيع الغير الذي تعامل مع أساء الأمانة بناء على هذه الورقة التمسك بها على موقعها حتى ولو كان هذا الغير حسن النية .

حجية المحررات العادية في الإثبات
للمحرر العادي حجية في النواحي الثلاث الآتية : حجية المحرر بصدوره ممن وقعه ، وحجيته بصدق البيانات المدونة به ، وحجيته بالنسبة للتاريخ المدون به
أولا : حجية المحرر العرفي بصدوره ممن وقعه :
ن(من احتج عليه بسند عادي وكان لا يريد أن يعترف به وجب عليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو توقيع أو ختم أو بصمة إصبع وإلا فهو حجة عليه بما فيه))
طبقا لهذا النص فإذا أنكر المدين توقيعه زالت عن المحرر حجتيه بصفة مؤقتة وتعين على من يحتج به أن ثبت صدوره ممن ينسب إليه التوقيع وذلك بأن يطلب من المحكمة أن تأمر بتحقيق الخطوط ، فإذا ثبت من التحقيق صدور المحرر ممن وقعه عادت إليه حجيته
وإذا أراد الشخص أن ينكر توقيع المحرر المنسوب إليه ، يجب أن يكون إنكاره صريحا ويجب أيضا أن يكون هذا الإنكار قبل أن يناقش موضوع المحرر و ذلك أن مناقشة موضوع المحرر يتعين لتكون جادة منتجة أن تكون وليدة الإطلاع على هذا المحرر ، وهو ما يمكن من التحقق من نسبة الخط والإمضاء أو الختم أو البصمة بأن يشهد عليه المحرر إذ من اليسير على هذا الأخير بمجرد هذا الإطلاع التحقق من هذه النسبة فإذا لم ينكرها فور إطلاعه على المحرر ، وخاض في مناقشة موضوعه ، فإن ذلك منه إنما يفيد تسليمه بصحة تلك النسبة ، فإن عاد بعد ذلك إلى إنكارها وسارت الدعوى شوطا بعيداً على أساس صحة المحرر ، فإنما يكون ذلك استشعاراً منه لضعف مركزه في الدعوى ، واستغلال لنصوص القانون في نقل عبء الإثبات إلى المتمسك بالورقة ، ورغبة في الكيد والمطل ، وهو ما لا يجوز تمكينه منه
غير أنه إذا كان الشخص الذي يتمسك عليه بالمحرر وارثا أو خلفا فلا يطلب منه الإنكار وإنما يكفي كما تنص المادة الحادية عشر الفقرة الثانية من قانون الإثبات الأردني أن يقرر أنه لا يعلم أن الخط أو التوقيع أو الختم أو البصمة هي لمن تلقى عنه الحق فإذا فعل الوارث أو الخلف ذلك زالت حجية المحرر العادي ووجب على من يتمسك به أن يطالب بإجراءات تحقيق الخطوط ليثبت صدور المحرر ممن ينسب إليه
وقد ينكر الشخص حصول التوقيع منه شخصيا برغم اعترافه بأن بصمة الختم الموقع بها هي بصمة ختمه وهذا أمر متصور فقد يفقد الشخص ختمه وقد سلمه إلى أخر فيخون هذا الأخير الأمانة وفي هذه الحالة لا يستطيع هذا الخصم التنصل مما تثبته عليه الورقة إلا إذا بين كيف وصل إمضاؤه هذا الصحيح أو ختمه هذا الصحيح إلى الورقة التي عليها التوقيع به وأقام الدليل على صحة ما يدعيه من ذلك لأنه متى أعترف الخصم الذي تشهد عليه الورقة بأن الإمضاء أو الختم الموقع به على الورقة هو إمضاؤه أو ختمه ، أو متى ثبت ذلك بعد الإنكار بالدليل الذي يقدمه المتمسك بالورقة ، فلا يطلب من هذا المتمسك أي دليل آخر لاعتماد صحة الورقة وإمكان اعتبارها حجة بما فيها على خصمه صاحب الإمضاء أو الختم ،
ثانياً : حجية البيانات المدونة في المحرر العادي :
إذا اعترف الخصم بصدور المحرر العادي منه أو سكت ولم ينكر صدوره عنه ، يكون للمحرر العادي حجية كاملة في الإثبات ، مثله في ذلك مثل المحرر الرسمي غير أن للخصم أن ينقض البيانات الواردة في المحرر العرفي بطرق الإثبات العادية
وإذا لم يقتصر الخصم على إنكار صدور المحرر منه وادعى أن البيان الوارد به أصابه تزوير مادي عن طريق الإضافة أو الحذف ، فإنه يتعين عليه أن يسلك طريق الطعن بالتزوير
ثالثا : حجية المحرر العادي بالنسبة للتاريخ المدون به :
تثبت حجية المحرر العرفي في مواجهة ظرفية ، بالنسبة لما دون فيه من بيانات ، بما في ذلك البيان المتعلق بتاريخ المحرر ، أما في مواجهة الغير فلا يعتبر المحرر العادي حجية عليه في تاريخه إلا إذا كان ثابتا
(( لا يكون للسند العادي حجة على الغير في تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت)) ولقد قصد المشرع حماية الغير من خطر تقديم المحرر العادي
ويقصد بالغير في هذا المقام كل من يحتج في مواجهته بصحة ثبوت تاريخ المحرر العادي مما يترتب عليه الإضرار بحق تلقاه عن أحد طرفي المحرر أو بمقتضى نص في القانون
ويعتبر من الغير :
1) الخلف الخاص :- أي من يكتسب من سلفه حقا معينا ، كالمشتري الذي يعتبر خلفا للبائع ، فإذا باع شخص منقولا مرتين ، فإن البيع الثاني لا يحتج به على المشتري الأول إلا إذا كان له تاريخ ثابت وذلك منعا للتواطؤ الذي قد يتم بين البائع والمشتري الثاني أضراراً بحقوق المشتري الأول بتقديمها تاريخ البيع الثاني على البيع الأول
2) الدائن الحاجز : فإذا حجز الدائن على منقول مملوك لمدينه أو على ما للمدين لدى الغير ، فإنه يصبح من الغير بالنسبة للتصرفات التي تصدر من المدين في المال المحجوز ، ولا تنفذ في حقه التصرفات التي يجريها المدين إلا إذا كان لها تاريخ سابق على الحجز
3) دائنو المفلس : إذا شهر إفلاس أو إعسار المدين ، يصبح دائنوه من الغير بالنسبة لتصرفاته التي قد تنقص من حقوقه أو تزيد في التزاماته ولا تكون هذه التصرفات نافذة في حق الدائنين إلا إذا كان لها تاريخ ثابت سابق على شهر الإفلاس أو شهر الإعسار
وإذا كان القانون يحمي الغير على النحو المتقدم فلا يقرر للمحرر العادي حجية في مواجهته إلا إذا كان له تاريخ ثابت ، فإنه يشترط أن يكون الغير حسن النية ، فإذا كان المشتري يعلم وقت تمام العقد أن البائع سبق أن تصرف في المبيع لشخص آخر وبادر إلى إثبات تاريخ عقده ، فإنه لا يكون حسن النية ، ويمكن للمشتري الأول أن يحتج عليه بتاريخ البيع الأول حتى ولو لم يكن ثابتا .
(( ويكون للسند تاريخ ثابت ))
أ - من يوم أن يصادق عليه الكاتب العدل
ب- من يوم أن يثبت مضمونه في ورقة أخرى ثابتة التاريخ رسميا
ج- من يوم أن يؤشر عليه حاكم أو موظف مختص
د- من يوم وفاة أحد ممن لهم على السند
وهناك حالات مستثناة من قاعدة ثبوت التاريخ كالمخالصات على سبيل المثال فإذا كان المحرر العادي مجرد مخالصة بالدين ، جاز للقاضي ألا يشترط ثبوت تاريخ المخالصة وفي ذلك تيسير على الناس وأخذ بالمألوف ، فالمدين الذي يوفي دينا عليه ويحصل على مخالصة بالوفاء لا يفكر عادة في أن يجعل تاريخ هذه المخالصة ثابتا
ثانيا :المحررات العادية غير المعدة للإثبات
بيان هذه المحررات :
المحررات غير المعدة للإثبات لا تحمل عادة توقيع ذو الشأن ، غير أن القانون يعطيها قوة في الإثبات وفقا لشروط خاصة نظمها قانون البينات الأردني وقد أورد القانون أربعة أنواع من هذه المحررات هي (1) الرسائل والبرقيات ، (2) الدفاتر التجارية الإجبارية ، (3) الدفاتر والأوراق المنزلية (4) التأشير على سند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين
(1)الرسائل والبرقيات
(( تكون للرسائل قوة الإسناد العادية من حيث الإثبات ما لم يثبت موقعها أنه لم يرسلها ولم يكلف أحدا بإرسالها )) وبمقتضى هذا النص يعطي المشرع للرسائل الموقع عليها بما لها من أهمية في التعامل التجاري نفس قوة السند العادي في الإثبات ، فتكون حجة على مرسلها بصحة المدون فيها إلى أن يثبت العكس بالطرق المقررة قانونا للإثبات أما الرسائل غير الموقعة فيمكن اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة بشرط أن تكون محررة بخط المرسل
وتعتبر الرسالة ملك المرسل إليه ، فيستطيع أن يحتج بها على مرسلها كذلك فإن (( لكل من تتضمن الرسالة دليلا لصالحه أن يحتج بها على المرسل إليه متى كان قد حصل عليها بطريقة مشروعة غير أنه إذا تضمنت الرسالة سراً للمرسل يحظر القانون إفشاءه ، فلا يجوز تقديمها للقضاء
ويقرر المشرع للبرقيات قيمة المحرر العادي أيضا (( وتكون للبرقيات هذه القوة أيضا إذا كان أصلها المودع في دائرة البريد موقعا عليه من مرسلها )) فالبرقيات إذن كالرسائل لها قيمة المحرر العادي في الإثبات بشرط أن يكون أصلها المحفوظ بمكتب البريد موقعا عليه من مرسلها ،وقد افترض المشرع مطابقة مضمون البرقية لأصلها المودع في مكتب البريد غير أن لذوي الشأن أن يثبتوا عكس ذلك
(2)الدفاتر التجارية
يلزم القانون التجاري التجار بمسك دفاتر معينة يقيدون فيها ما يتعلق بأعمالهم التجارية بما يبين مركزهم المالي ولهذه الدفاتر حجية في الإثبات
(( دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار إلا أن البيانات الواردة فيها عما أورده التجار تصلح أساساً يجيز للمحكمة أن توجه اليمين المتممة لأي من الطرفين))
((دفاتر التجار الإجبارية تكون حجة على صاحبها سواء أكانت منظمة تنظيما قانونيا أم لم تكن ولكن لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد ما كان مناقضا لدعواه)) ويتضح من هذه النصوص أن دفاتر التاجر تكون دائما حجة عليه ذلك أنها بما فيها من بيانات قام التاجر بتدوينها بنفسه – تعتبر بمثابة إقرار صادر منه
ولذلك فإن المشرع طبق عليها حكم الإقرار بالنسبة لعدم جواز تجزئته ولا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها فإما أن يؤخذ بأكمله أو يطرح بأكمله مثلا إذا قيد التاجر في دفتره أنه تسلم البضاعة وقام بسداد ثمنها فلا يجوز للخصم أن يجزئ هذا البيان فيتمسك بواقعة تسليم البضاعة ويستبعد واقعة سداد الثمن
وقد تكون دفاتر التاجر حجةله وذلك في حالتين خرج فيهما المشرع على القاعدة التي تقضي بأنه لا يجوز للشخص أن يصطنع دليلا لنفسه
الحالة الأولى : في الدعاوى التجاري إذا كان الخصم تاجراً (( تصلح لأن تكون حجة لصاحبها في المعاملات المختصة بتجارته إذا كانت منظمة وكان الخلاف بينه وبين تاجر )) يجوز قبول الدفاتر التجارية لأجل الإثبات في دعاوى التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر مستوفية للشروط المقررة قانونا
الحالة الثانية : في الدعاوى المدنية ، قد تكون دفاتر التاجر حجة له على غير التاجر ، وذلك فيما يتعلق بما يورده التاجر لعملائه غير التجار غير أن هذه الحجية قاصرة على ما يجوز إثباته بالشهادة أي أنه يشترط إلا تجاوز قيمة ما ورده التاجر لعملية عشرة دنانير :
(إذا كان الالتزام التعاقدي في غير المواد التجارية تزيد قيمته على عشرة دنانير أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز الشهادة في إثبات وجود الالتزام أو البراءة منه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك أما في الالتزامات التجارية إطلاقا وفي الالتزامات المدنية التي لا تزيد قيمتها على عشرة دنانير فيجوز الإثبات بالشهادة )
(3)الدفاتر والأوراق المنزلية :
يقصد بالدفاتر والأوراق المنزلية ، ما يدونه الشخص فيما يتعلق بشؤونه الخاصة ، في مذكرات أو أوراق متفرقة وهذه لا يلزم القانون الشخص بإمساكها و يتطلب فيها مراعاة أوضاع معينة ولهذا فإنه لا يعطيها نفس القيمة التي يعطيها للدفاتر التجارية على أن القانون لا يجرد مثل هذه الأوراق الخاصة من كل قيمة في الإثبات (( لا تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة لمن صدرت عنه ولكنها تكون حجة عليه: (أ) إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى دينا (ب) إذا ذكر فيها صراحة أنه قصد بما دونه في هذه الأوراق أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقا لمصلحته ))
فالأصل إذن أن الدفاتر والأوراق المنزلية لا تعتبر حجة على صاحبها إلا أن المشرع أورد استثناء ين أعطى فيها هذه الأوراق بعض الحجية في الإثبات
الاستثناء الأول : إذا ذكر صاحب هذه الأوراق أنه استوفى دينا إذ يعتبر هذا بمثابة إقرار منه وقد يحدث ذلك عملا حيث يكتفي الدائن بتدوين الدين في أوراقه الخاصة ولا يطالب المدين بإيصال يثبت ذلك ، ويشترط القانون الأردني أن يكون مثل هذا الإقرار صريحا
الاستثناء الثاني : إذا ذكر صاحب هذه الأوراق أنه قصد بها أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقا لمصلحته وهذه الحالة أقل وقوعا في العمل من الأولى لأن الشخص إذا قصد أن تقوم كتابته مقام السند لصاحب الحق المقر به ، فإنه غالبا ما يوقع هذه الكتابة دلالة على هذا القصد وتعتبر الكتابة الموقعة حينئذ دليلا كتابيا وفقا للقواعد العامة لا استناد إلى هذا النص الاستثنائي وهنا أيضا يتطلب القانون الأردني أن يكون التعبير صريحا وحجية الدفاتر والأوراق المنزلية في هاتين الحالتين ليست مطلقة فهي قابلة لإثبات العكس بكافة طرق الإثبات بما في ذلك البينة القرائن ولا تطبق هنا قاعدة عدم جواز إثبات ما يناقض أو يجاوز الكتابة إلا بالكتابة لأن هذه الأوراق ليست أوراقا عادية موقعة
والأصل أيضا أن الدفاتر والأوراق المنزلية لا تعتبر حجة لصاحبها لأن القاعدة أن الشخص لا يجوز أن يصطنع دليلا لنفسه ومع ذلك فليس هناك ما يمنع المحكمة من أن يستخلص قرينة لصالح من صدرت منه هذه الأوراق ومن ذلك ما جرى عليه العمل من أن الطبيب الذي يدون في دفاتره بانتظام زياراته لمرضاه يستطيع أن يستند إلى هذه الدفاتر في مطالبتهم بأتعابه ولو بما يجاوز نصاب البينة لأن علاقته بمرضاه تعتبر مانعا أدبيا من الحصول على دليل كتابي
(4)التأشير على سند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين
أن العادة المتبعة في وفاء الديون وخاصة إذا كان الوفاء جزئيا أن يقوم الدائن بالتأشير بهذا الوفاء على سند الدين الموجود في حيازته أو على نسخة أصلية أخرى للسند أو على مخالفته بدفعة سابقة من الدين
(( التأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس ولو لم يكن التأشير مؤرخا أو موقعا منه ما دام السند لم يخرج قط من حوزته))
(( وكذلك يكون الحكم إذا كتب الدائن بخطه دون توقيع ما يستفاد منه براءة ذمة المدين
في نسخة أصلية أخرى للسند أو في الوصل وكانت النسخة أو الوصل في يد المدين ))
ويتضح من هذين النصين إنه إذا كان السند المؤشر عليه ببراءة ذمة المدين في حيازة الدائن فإن هذا التأشير يعتبر حجة على الدائن , إلا أن هذه الحجية قابلة لإثبات العكس , فيستطيع الدائن أن يقيم الدليل على أن التأشير قد تم مقدما توقعا لوفاء لم يحصل , أو أن هذا التأشير قد تم عن غلط
وقد يتم التأشير على نسخة أو مخالصة في حيازة المدين ، وفي هذه الحالة لا يكون التأشير حجة على الدائن إلا إذا كان بخطه وكانت النسخة أو المخالصة في يد المدين ، وهذه الحجية أيضا قابلة لإثبات العكس.

المطلب الثالث : القرائن
والقرائن تنقسم إلى نوعين : قرائن قانونية وقرائن قضائية
والقرائن القانونية : هي ما يستنبطه المشرع تيسيراً للمتقاضين في الأحوال التي يصعب عليهم الإثبات أما القرائن القضائية فهي ما يستنبطه القاضي من ظروف الدعوى المعروضة عليه
والقرائن على هذا النحو ليست أدلة مباشرة في الإثبات ، إذ هي تقوم على استنتاج وقائع من وقائع أخرى ولا يثبت الخصم الواقعة القانونية ذاتها مصدر الحق وإنما يثبت واقعة أخرى ليستخلص منها الواقعة المراد إثباتها
القرائن القانونية
(( القرينة التي ينص عليها القانون تغني من تقررت لمصلحته عن أية طريقة أخرى من طرق الإثبات على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك ))
((الأحكام التي حازت الدرجة القطعية تكون حجة بما فصلت فيه من الحقوق ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه القرينة ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه القوة إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتعلق النزاع بالحق ذاته محلا وسببا )) (( ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بهذه القرينة من تلقاء نفسها ))
فالقرينة القانونية إذن من عمل المشرع وركنها هو نص القانون ، فالمشرع يقوم باستنباط أمر مجهول من أمر معلوم ، على أساس أن الراجح الغالب الوقوع هو ارتباط الأمرين وجوداً وعدما , وإذا كانت القرينة القانونية تقوم على فكرة الترجيح والاحتمال ، أي الأخذ بالوضع الغالب إلا أن هذه القرينة – خلافا للقرينة القضائية تنطوي على خطورة ذلك أن المشرع يضع القرينة القانونية في صيغة عامة مجردة ، آخذاً بالراجح كما قلنا ، حتى ولو كانت في بعض الحالات لا تتفق مع الحقيقة فهو لا ينظر فيها إلى كل حالة بذاتها كما هو الشأن بالنسبة للقرائن القضائية . ولذلك يكون من المتصور أن توجد بعض حالات تنطبق فيها القرينة ، رغم مغايرتها للحقيقة الواقعة ، ولهذا كان من الأفضل إلا يلجأ إلى القرائن
القانونية إلا لضرورة قصوى ، ويترك للقاضي استخلاص القرائن حتى يتمشى مع الحقيقة والواقع بقدر المستطاع
وقد يهدف المشرع من وراء النص على قرينة معينة منع التحايل على القانون من ذلك
القرائن القضائية
((القرائن القضائية هي القرائن التي لم ينص عليها القانون ويستخلصها القاضي من ظروف الدعوى ويقتنع بأن لها دلالة معينة ويترك لتقدير القاضي استنباط هذه القرائن )) ((لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة ))
فالقرينة القضائية هي ما يستنبطه القاضي من ظروف الدعوى المعروضة عليه وملابساتها ، فهو يختار واقعة معلومة ثابتة من بين وقائع الدعوى ويستدل بها على الواقعة المراد إثباتها
ويقتضي وجود القرينة القانونية إذن توافر أمرين : الأول قيام واقعة ثابتة في الدعوى ، والثاني استنباط الواقعة المراد إثباتها من هذه الواقعة الثابتة

الحالات التي يجوز فيها الإثبات بالقرائن القضائية
لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية إلا في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بالشهادة
وعلى ذلك لا يجوز الإثبات بالقرائن القضائية في التصرفات القانونية المدنية التي تتجاوز قيمتها عشرة دنانير كما لا يجوز الإثبات بها في التصرفات غير المحددة القيمة ، ولا في إثبات ما يخالف الثابت بالكتابة أو ما يجاوزها
بينما يجوز الإثبات بالقرائن القضائية في التصرفات القانونية المدنية التي لا تزيد قيمتها على عشرة دنانير ، كما تقبل القرائن القضائية في إثبات الوقائع المادية والتصرفات التجارية

المطلب الرابع : الإقرار
التعريف بالإقرار :
ا( الإقرار هو إخبار الإنسان عن حق عليه لآخر ))
فالإقرار تصرف قانوني يتم بالإرادة المنفردة فيجب إذن أن تتوافر فيه شروط التصرف القانوني ومنها اتجاه إرادة المقر إلى إحداث أثر قانوني ، أي يلزم في الإقرار أن يكون صادراً منن المقر عن قصد الاعتراف بالحق المدعى به في صيغة تفيد ثبوت الحق المقر به على سبيل الحزم واليقين وأن يكون تعبير المقر تعبيراً عن إرادة جدية حقيقة فلا يعد من قبيل الإقرار الملزم ما يصدر عن الشخص من عبارات بقصد التودد أو المجاملة طالما أنه لم يقصد منه الإدلاء بها أن يتخذها من وجهت إليه دليلا عليه كذلك فإن إبداء الخصم رغبته في تسوية النزاع لا يفيد حتما بطريقة اللزوم استمرار هذه الرغبة في كل الأوقات كما لا يفيد إقراره بحق خصمه , وكذلك لا يعتبر إقراراً ما يسلم به الخصم اضطراراً واحتياطا لما عسى أن تتجه إليه المحكمة من إجابة خصمه إلى بعض طلباته
ويلزم أن يكون المقر أهلا للتصرف أما المقر له فلا يشترط فيه أهلية ما فيجوز الإقرار للصغير غير المميز والمجنون ويشترط أن تكون إرادة المقر خالية من أي عيب من عيوب الرضا ومن ثم فإذا شاب الإقرار تدليس أو غلط كان باطلا وحقه للمقر الرجوع فيه
وإقرار النائب لا يصح إلا في الحدود المرسومة للنيابة ، فإذا كان المقر نائبا قانونيا يجب أن يحصل على إذن من المحكمة وأن يتم الإقرار في حدود هذا الإذن وإذا كان نائبا اتفاقيا كالوكيل فلا يحتج به على الموكل إلا إذا صدر بتوكيل خاص
والإقرار يصدر أمام القضاء أثناء سير الدعوى التي تتعلق بموضوع الإقرار ، وهذا يسمى بالإقرار القضائي وقد يصدر أمام القضاء في دعوى لا تتعلق بموضوع الإقرار أو يصدر خارج مجلس القضاء وهذا ما يطلق عليه الإقرار غير القضائي وسنتناول فيما يلي نوعي الإقرار :
((الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم أومن ينوب عنه إذا كان مأذونا له بالإقرار بواقعة أدعى بها عليه وذلك أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة ))
ويتضح من هذا النص أنه يلزم في الإقرار القضائي توافر شرطين وهما :
أن يكون صادراً أمام القضاء وأن يكون صادراً أثناء سير الدعوى المتعلقة بموضوعه
حجية الإقرار القضائي :
(( الإقرار حجة قاصرة على المقر))
فالإقرار يعتبر حجة بذاته على المقر ، فلا يجوز له الرجوع فيه أو تعديله ما دام قد صدر عنه مستوفيا لشروط التصرف القانوني الصحيح ومثال ذلك :-
متى كانت عبارات الإقرار صريحة وقاطعة في الدلالة على أن التنازل الذي تضمنه هو تنازل نهائي عن الأجرة المطالب بها في الدعوى وليس مقصوراً على الحق في السير فيها فإن مقتضى هذا التنازل سقوط حق المقر نهائيا في المطالبة بتلك الأجرة بأي طريقة وبالتالي فكل دعوى يرفعها بالمطالبة بهذه الأجرة تكون خليقة بالرفض إذ لا يجوز له أن يعود فيما أسقط حقه فيه (( لا يصح الرجوع عن الإقرار إلا لخطأ في الواقع على أن يثبت المقر ذلك ))
والإقرار حجة قاصرة على المقر فإقرار أحد الشركاء في شركات التضامن بدين ما لا يلزم باقي الشركاء
والإقرار غير القضائي
((الإقرار غير القضائي هو الذي يقع في غير مجلس الحكم أو يقع في مجلس الحكم في غير الدعوى التي أقيمت بالواقعة المقر بها ))
لمطلب الخامس : اليمين
تعريف اليمين
اليمين قول يتخذ فيه الحالف الله شاهداً على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد ويستنزل عقابه إذا ما حنث , و تكوين تأدية اليمين بأن يقول الحالف (( ولله))) ويذكر الصيغة التي أقرتها المحكمة ويعتبر اليمين عملا دينيا, ولذلك لمن يكلف حلف اليمين أن يؤديها وفقا للأوضاع المقررة في ديانته .
واليمين طريق من طرق الإثبات فهي أما قضائية وغير قضائية أما اليمين القضائية فهي التي توجه إلى الخصم وتحلف أمام القضاء وأما اليمين غير القضائية فهي التي يتفق على حلفها خارج مجلس القضاء
ولقد اقتصر الشارع على تنظيم اليمين القضائية أما غير القضائية فيتبع في شأنها القواعد العامة فإذا كان موضوع اليمين يتجاوز حد البينة وجبت الكتابة لإثبات الاتفاق الخاص به أما حلف اليمين فواقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات
واليمين القضائية نوعان : يمين حاسمة ويمين متممة


اليمين الحاسمة
اليمين الحاسمة (( هي التي يوجهها أحد المتداعين لخصم ليحسم بها النزاع )) وبها يحتكم الخصم اليمين إلى ضمير خصمه إذا أعوزه دليل آخر لإثبات ما يدعيه فإذا أدى خصم اليمين خسر خصمه دعواه ، و إذا نكل عنها كسبها خصمه ولمن وجهت إليه اليمين أن يردها على خصمه وهي بذلك طريق غير عادي للإثبات نظمه القانون وحدد آثاره بما يحقق العدالة
شروط وإجراءات توجيه اليمين الحاسمة:
اليمين الحاسمة ملك الخصوم ولا يستطيع القاضي أن يوجهها من تلقاء نفسه ولكن للمحكمة
أن تحلفه يمين الاستظهار وعند الاستحقاق ورد المبيع لعيب فيه وعند الحكم بالشفعة ولو لم يطلب الخصم تحليفه
ويشترط فيمن يوجه اليمين أن تتوافر لديه أهلية التصرف في الحق الذي توجه اليمين بشأنه ويجب أن تتوافر في هذا الخصم أهلية التصرف في الحق الذي توجه إليه فيه اليمين وأن يملك التصرف في هذا الحق وقت حلف اليمين وذلك أن كل خصم توجيه إليه اليمين يجب أن يكون قادراً على الخيار بين الحلف والرد والنكول ورد اليمين لتوجيهها تشترط فيه أهلية التصرف والنكول كالإقرار لا يملكه إلا من ملك التصرف في الحق
ويترتب على ذلك أنه لا يجوز للوكيل توجيه اليمين إلا إذا صدرت له وكالة خاصة بذلك ولا يجوز للولي أو الوصي أو القيم توجيهها إلا إذا كان له حق التصرف فيما يستحلف عليه الخصم
موضوع اليمين الحاسمة :
((يجب أن تكون الواقعة التي تنصب عليها اليمين متعلقة بشخص من وجهت إليه اليمين ، فإن كانت غير شخصية انصبت اليمين على مجرد علمه بها )) (( يجوز أن توجه اليمين الحاسمة في أية حالة كانت عليها الدعوى في كل نزاع إلا أنه لا يجوز توجيهها في واقعة ممنوعة بالقانون أو مخالفة للنظام العام وللآداب ))
ويتضح من هذا النص أنه يشترط أولا في الواقعة التي توجه اليمين بالنسبة لها إلا تكون مخالفة للنظام العام أو الآداب فلا يجوز توجيه اليمين بالنسبة مدين قمار أو لإثبات إيجار منزل يستغل نادياً للقمار كذلك لا يجوز توجيه اليمين بالنسبة لواقعة سبق صدور حكم فيها حاز قوة الأمر المقضي ، ولا بالنسبة لتصرف يشترط لانعقاد الكتابة ولا بالنسبة لواقعة يفيد سند رسمي حصوله إذ لا يجوز الطعن في صحته إلا عن طريق الإدعاء بالتزوير ولا يجوز أيضا توجيه اليمن عن واقعة لو صحت لكانت جريمة
ويشترط ثانيا في الواقعة موضوع اليمين أن تكون متعلقة بشخص من وجهت إليه لأن من يوجه اليمين يحتكم إلى ضمير خصمه فليزم أن تكون الواقعة متعلقة بشخص هذا الخصم ، فإن كانت اليمين غير شخصية له تعين أن تنصب على مجرد علمه بها وهذه هي يمين العلم ومثالها أن يحلف الوارث أنه لا يعلم أن مورثه كان مدينا ،وإذا وجهت اليمين إلى الوارث بصيغة يمين العلم لا يجوز لها تعديل صيغتها ويجوز توجيه اليمين الحاسمة في أي حالة كانت عليها الدعوى أي في أية مرحلة من مراحل المحاكمة
إجراءات اليمين
(( يجب على من يوجه لخصمه اليمين أن يبين بالدقة الوقائع التي يريد استحلافه عليها ويذكر صيغة اليمين بعبارة واضحة جلية )) ولكن للمحكمة ((أن تعدل صيغة اليمين التي يعرض الخصم بحيث تنصب بوضوح ودقة على الواقعة المطلوب الحلف عليها ))
وللخصم الذي وجهت إليه اليمين أن ينازع في توجيهها(( إذا كانت واردة على واقعة غير منتجة أو غير جائز إثباتها باليمن)) و((إذا نازع من وجهت إليه اليمين في جوازها أو في ورودها على واقعة منتجة في الدعوى ورفضت المحكمة منازعته وحكمت بتحليفه بينت في قرارها صيغة اليمين ، ويبلغ هذا القرار للخصم أن لم يكن حاضراً بنفسه ))
((إذا كان لمن وجهت إليه اليمين عذر يمنعه عن الحضور فتنتقل المحكمة أو تنتدب أحد قضاتها لتحليفه ، ويحرر محضر بحلف اليمين يوقعه الحالف والمحكمة أو القاضي المنتدب والكاتب)) وهذا ما تنص عليه المادة65 من قانون البينات الأردني
أما ((إذا لم ينازع من وجهت إليه اليمين في جوازها ولا في تعلقها بالدعوى وجب عليه أن كان حاضراً بنفسه أن يحلفها فوراً أو يردها على خصمه وإلا اعتبر ناكلا ، ويجوز للمحكمة أن تعطيه مهلة للحلف إذ رأت لذلك وجها فإن لم يكن حاضراً وجب أن يدعى لحلفها بالصيغة التي أقرتها المحكمة وفي اليوم الذي حددته ف‘ن حضر وامتنع دون أن ينازع أو لم يحضر بغير عذراً اعتبر ناكلا ))
آثار توجيه اليمين الحاسمة
إذ وجهت اليمين الحاسمة إلى الخصم ، إما أن يحلفها ، وأما أن يردها وإما أن ينكل عنها
وإذا حلف من وجهت إليه اليمين ، خسر موجه اليمين دعواه ولا يجوز له أن يثبت كذب اليمين بدعوى مدنية : (( توجيه اليمين يتضمن التنازل عما عداها من البينات بالنسبة إلى الواقعة التي ترد عليها ، فلا يجوز للخصم أن يثبت كذب اليمين بعد أن يؤديها الخصم الذي وجهت إليه أو ردت عليه ))(( على إنه إذا ثبت كذب اليمين بحكم جزائي فإن للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض ))
ولكن إذا ثبت كذب اليمين بحكم جزائي، جاز للخصم الذي أصابه ضرر منها أن يطالب بالتعويض ، وله أيضا أن يطعن في الحكم الصادر بناء على حلف اليمين
رد اليمين والنكول : يجوز لمن وجهت إليه اليمين أم يردها على خصمه ، وفي هذه الحالة لا يجوز للأخير أن يردها ثانية ، وإنما عليه أن يحلفها فإذا نكل عنها خسر دعواه
((كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها دون أن يردها على خصمه وكل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه))
فالنكول يقع بعدم الحلف ويترتب عليه أن يخسر الناكل دعواه
وتقتصر حجية اليمين الحاسمة على الخصمين في الدعوى وعلى الخلف العام أو الخلف الخاص لأيهما و لا يكون لها أثر بالنسبة إلى غيرهم
اليمين المتممة
اليمين المتممة هي يمين يوجهها القاضي من تلقاء نفسه لأي من الخصمين دون أن يتقيد بطلب الخصوم و للقاضي السلطة التامة في تقدير ما إذا كانت هناك حاجة لتوجيهها ليستكمل بها اقتناعه إذا لم يقدم الخصم دليلا كافيا على دعواه , واليمين المتممة على خلاف اليمين الحاسمة تعتبر مجرد واقعة مادية , ويشترط لتوجيه اليمين المتممة إلا يكون في الدعوى دليل كامل وإلا تعين على القاضي أن يبنى على أساسه ، ويشترط أيضا إلا تكون الدعوى خالية من أي دليل ، ذلك لأن اليمين المتممة يوجهها القاضي ليستكمل بها دليل ناقص في الدعوى
فاليمين المتممة إذن لا تحسم النزاع لأنها ليست إلا إجراء يتخذه القاضي من تلقاء نفسه رغبة منه في تحري الحقيقة فالقاضي من بعد توجيه هذه اليمين يكون مطلق الخيار في أن يقضي على أساس اليمين التي أديت أو على أساس عناصر إثبات أخرى اجتمعت له قبل حلف هذه اليمين أو بعد حلفها , واليمين المتممة على عكس اليمين الحاسمة لا يجوز ردها على الخصم
لمطلب السادس : المعاينة والخبرة
(للمحكمة في أي دور من أدوار المحاكمة أن تقرر الكشف والخبرة من قبل خبير أو أكثر على أي مال منقول أو غير منقول أو لأي أمر ترى لزوم إجراء الخبرة عليه .فإذا اتفق الفرقاء على انتخاب الخبير أو الخبراء وافقت المحكمة على تعيينهم وإلا تولت انتخابهم بنفسها ويتوجب عليها أن تبين في قرارها الأسباب الداعية لإجراء الكشف والخبرة والغاية من ذلك مع تحديد مهمة الخبير وتأمر بإيداع النفقات وتعيين الجهة المكلفة بها ويجوز لها أن تقوم بالكشف بكامل هيئتها أو تنتدب أحد أعضائها للقيام به
وبعد إيداع نفقات الكشف والخبرة يدعو رئيس المحكمة أو القاضي الذي تنتدبه المحكمة من
أعضائها الخبير أو الخبراء والفرقاء للاجتماع في الزمان والمكان المعينين ويبين للخبير
أو الخبراء المهمة الموكولة إليهم ويسلمه الأوراق اللازمة أو صوراً عنها ويحلفه اليمين
بأن يؤدي عمله بصدق وأمانة ويحدد للخبير أو الخبراء ميعاداً لإيداع التقرير وإذا لم
يتمكن من إبداء الخبرة أثناء الكشف ينظم محضراً بهذه الإجراءات يوقع من الحاضرين
و بعد إيداع تقرير الخبرة يبلغ كل من الفرقاء نسخة عنه ثم يتلى علنا في الجلسة وللمحكمة
من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أن تدعو الخبير للمناقشة ولها أن تقرر
إعادة التقرير إليه أو إليهم لإكمال ما ترى فيه من نقص أو تعهد بالخبرة إلى آخرين
ينتخبون حسب الأصول ))
(( إذا أنكر أحد الطرفين أو ورثته ما نسب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة إصبع في سند عادي أو أفاد الورثة بعدم العلم بما نسب للمورث وكان المستند أو الوثيقة ذا أثر في حسم النزاع فيترتب على المحكمة بناء على طلب مبرز السند أو الوثيقة أن تقرر إجراء التحقيق بالمضاهاة والاستكتاب وسماع الشهود وأي عمل فني أو مخبري أو بإحدى هذه الوسائل حسبما تكون الحالة))
المعاينة
المقصود بالمعاينة ( الكشف) مشاهدة المحكمة الشيء المتنازع عليه . ويتطلب ذلك في الغالب أن تنتقل المحكمة للمعاينة ,ويصدر قرار المعاينة من المحكمة بناء على طلب أحد الخصوم وللمحكمة من تلقاء نفسها أن تقرر إجراء المعاينة , وقد تتم المعاينة من المحكمة بكامل هيئتها ، وللمحكمة أن تندب أحد قضاتها للقيام . ويجوز رفع دعوى أصلية مستعجلة بطلب الانتقال للمعاينة وتسمى هذه الدعوى بدعوى إثبات الحالة ويتعين لرفعها توافر شروط الاستعجال ويتوافر هذا الشرط إذا كان المقصود بالدعوى منع ضرر محقق قد يتعذر تلافيه في المستقبل كإثبات واقعة يحتمل ضياع معالمها إذا تركت وشأنها ،أو تأكيد معالم قد تتغير مع الزمن وقد يتطلب إثبات الحالة خبرة فنية لا تتوافر لدى قاضي الأمور المستعجلة ولذلك يجوز له أن ينتدب أحد الخبراء للانتقال والمعاينة
الخبرة
فالخبرة إجراء يقصد به الحصول على المعلومات الفنية في المسائل التي قد تعرض على القاضي ولا يستطيع العلم بها بل أنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي في المسائل الفنية بعلمها ، بل يجب الرجوع فيها إلى رأي أهل الخبرة
وتقتصر الخبرة على المسائل الفنية التي يصعب على القاضي الإلمام بها دون المسائل القانونية ,وتقدير طلب الاستعانة بالخبرة أمر متروك لتقدير المحكمة لها أن تلتفت عنها أن وجدة في الدعوى من العناصر ما يكفي لتكوين عقيدتها بغير حاجة لخبرة

تقرير الخبير
وعلى الخبير أن يقدم تقريراً بنتيجة أعماله ويودع الخبير تقريره ومحاضر أعماله وما سلم إليه من أوراق قلم الكتاب
ومتى أودع التقرير يبلغ كل من الفرقاء نسخة عنه ثم يتلى علنا في الجلسة وللمحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم أن تدعو الخبير للمناقشة في تقريره ، ويبدي الخبير رأيه مؤيداً بأسبابه ، وتوجه إليه المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم ما تراه من الأسئلة مفيداً في الدعوى
ورأى الخبير لا يقيد المحكمة فلها في حدود سلطتها التقديرية أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو ببعض ما جاء وتطرح بعضه لأنها غير مقيدة بآراء أهل الخبرة , فرأى الخبير لا يعدو أن يكون مجرد دليل في الدعوى ولمحكمة الموضوع مخالفته دون معقب وحسبها إقامة قضائها على أسباب سائغة , ولها أيضا أن تعيد التقرير إلى الخبير ليتدارك ما تبينه له من وجوه الخطأ أو النقص في عمله أو بحثه ، ولها أن تعهد بذلك إلى خبير آخر أو إلى ثلاثة خبراء آخرين ، ولهؤلاء أن يستعينوا بمعلومات الخبير السابق


المراجع
1- عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ج2
2- توفيق فرج ، قواعد الإثبات في المواد المدنية والتجارية 1980
3- أحمد أبو ألوفا ، الإثبات في المواد المدنية والتجارية 1983
4- أحمد نشأت ، رسالة الإثبات ج1 1955
5- جلال العدوي ، مبادئ الإثبات في المسائل المدنية والتجارية 1968
6- رمضان أبو السعود ، أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية 1986
7 - مصطفى كمال طه ، القانون التجاري 1984
8- محمد يحي مطر ، مسائل الإثبات في القضايا المدنية والتجارية 1989










قديم 2013-01-25, 17:29   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

خصائص عقد البيع

يتميز عقد البيع بخاصيتين هما:

-اتجاه الارادتين الى انشاء التزام بنقل الملكية
-مقابل ثمن نقدي

وهناك خصائص أخرى ثانوية لعقد البيع وهي:

-عقد رضائي
-ملزم لجانبين
-عقد معاوضة
-قد يرد على الحقوق الشخصية والعينية أو أي حق مالي

عرفت المادة 351 ق.م عقد البيع، والأصل أنه ينشئ التزاما بنقل الملكية، لكن
في بعض الحالات عقد البيع ينقل الملكية مباشرة دون أن يستغرق مدة.


-بالنسبة للمنقولات المعينة بالذات(القيميات) يتم نقل الملكية وقت انعقاد
العقد(بمجرد العقد).


-أما في العقارات فينشأ الالتزام لكن لا ينفذ الا بعد الشهر في المحافظة
العقارية.


-والمنقولات المعينة بالنوع(المثليات) لا تنتقل فيها الملكية الا بعد عملية
الافراز(الكيل-العدد-القياس..)

والملاحظ ان المشرع الجزائري لم يشترط شكلية معينة وانما طبيعة العقد هي
التي تفرض ذلك.

-هذا ويتأجل انتقال الملكية أيضا اذا اتفق المتعاقدان على ذلك.


الاثار المترتبة عن انتقال الملكية(أهمية تحديد
وقت انتقال الملكية):



-يصبح للمشتير حق التصرف في المبيع بعد انتقال الملكية له حتى لو لم يتم
تسلمه.

-الأصل أن البائع لا يتعرض للمشتري بتصرفه في المبيع مرة ثانية لمشتري اخر
لأنه يعد بيعا لملك الغير فعليه ضمان عدم التعرض.فاذا تصرف البائع وكان
المشتري الثاني حسن النية نأخذ بقاعدة " الحيازة سند الملكية"

التراضي في عقد البيع:



الصور الخاصة للتراضي:



-مجرد الرغبة: فعل مادي عن طريق اعلانات في الجرائد
وغيرها وليس له أثر قانوني(لا يرتب التزام).


-الايجاب: الاعلان عن الرغبة، ويقترن بمدة محددة يبقى فيها الموجب(البائع)
على ايجابه.
-مشروع البيع: قبول الايجاب من قبل المشتري وبالتالي الاتفاق على العقد
التمهيدي.

1)الوعد بالتعاقد:




1) الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد:


المادة 71.
وشروطه هي:

-تعيين المسائل الجوهرية للعقد المراد ابرامه(طبيعة العقد، المبيع، الثمن).

-تحديد مدة ابداء الرغبة للموعود له(مدة ابرام العقد).
-افراغ الوعد بالبيع في ذات الشكلية التي يتطلبها عقد البيع المراد
ابرامه(العقد النهائي).

فاذا لم نستوفي أحد هذه الشروط يكون العقد باطلا(عديم الأثر).


اثاره:



- الوعد بالبيع ملزم لجانب واحد هو الواعد(البائع)، لذا يشترط فيه الأهلية
الكاملة 19سنة(تصرف دائر بين النفع والضرر)، أما الموعود له فيكفي له أهلية
التمييز13 سنة وقت الوعد ، لأن التصرف نافع نفعا محضا لكن يشترط فيه
الأهلية الكاملة وقت البيع.

-الواعد ملتزم فهو مدين بالتسليم لذا يخول للموعود له حقا شخصيا(التزامات
شخصية في ذمة الواعد)، فيبقى هو المالك للشيئ الموعود ببيعه (التزام
بالقيام بعمل) وبالتالي له حق التصرف في الشيئ ، وليس للموعود له أن يرجع
على الواعد الا بالتعويض لأن الغير الذي بيع له العقار أصبح له حقا عينيا
أما الموعود له فليس له سوى حق شخصي، والحق العيني أقوى من الشخصي.
-اذا هلك المبيع تقع تبعته على الواعد فاذا كان الهلاك بفعل الواعد يكون
ملزما بالتعويض، أما اذا كان بسبب قوة قاهرة فلا يلتزم بالتعويض.

وبما أن الوعد بالبيع يرتب التزامات شخصية فان ذلك يترتب عنه اثار:


- بالنظر الى المدة:



أ) قبل اعلان الموعود له رغبته في الشراء:

يبقى الواعد مالكا ويتحمل تبعة الهلاك اذا كانت بقة قاهرة.
ب) بعد ظهور الرغبة في الشراء خلال المدة المتفق
عليها:
يلتزم الوعد بابرام عقد البيع النهائي
دون ظهور رضاء ثاني منه، وليس لابداء الرغبة أثر رجعي.
-اذا نكل الواعد قاضاه المتعاقد الاخر مطالبا اياه بالتنفيذ العيني (اتمام
العقد النهائي)، وهنا يقوم الحكم مقام العقد (حكم حائز لقوة الشيئ المقضي
فيه)، فاذا كان المبيع عقارا لابد من شهر الحكم حتى ينتقل العقار.
ج) انقضاء المدة دون ابداء الرغبة في الشراء:
يسقط الوعد بالبيع ويتحلل الواعد من التزامه، ونفس الحكم
اذا أبدى الموعود له رغبته بعد المدة، وكذا اذا أبدى الموعود له رفضه خلال
المدة المتفق عليها يسقط الوعد بالبيع.

2)الوعد بالشراء:



الملتزم في الوعد بالشراء هو الواعد: المشتري.

-من مصلحة المشتري أن يحصل على وعد بالتفضيل من البائع (الموعود له) لأن
الوعد بالشراء ليس له قوة قانونية ولا يرتب التزاما.
-الوعد بالتفضيل:

يسمى بعقد الشفعة وهو يتم بالاتفاق (وليس بالقانون مثل الشفعة).
الغرض من الشفعة هو لم الملكية في يد شخص واحد(توحيد
الملكية، والشفعة هي الأولوية في البيع للشركاء أو الورثة). ونفس المفهوم
يعود على الوعد بالتفضيل، فاذا رغب الموعود له في البيع يفضل الواعد على
الغير.


3)الوعد الملزم لجانبين(الوعد بالبيع

والشراء): وشروطه هي:

تحديد المسائل الجوهرية -المدة -الشكلية.


-كلا الطرفين واعد وموعود له، فيكفي أن يبدي أحدهما رغبته وارادته في
التعاقد لينعقد العقد، واذا نكل أحدهما نطبق المادة72(التنفيذ العيني).

-نفس الاثار مثل الوعد الملزم لجانب واحد، لكن الفرق بينهما هو: أن الوعد
الملزم لجانبين هو بيع معلق على شرط واقف(ابداء الرغبة)، فاذا لم يبديا
الرغبة يسقط الوعد بالتعاقد من تلقاء نفسه.

2)البيوع الموصوفة:




1) البيع بشرط التجربة:


المادة355ق.م.

م.ج أورد هذا النوع من البيوع بغرض أن يرى مدى ملاءمة الشيئ المبيع ملاءمة
شخصية(معيار ذاتي).

هذا النوع من البيوع معلق على شرط واقف.
-الشرط الواقف:
حدث
مستقبلي اذا تحقق يبرم العقد واذا لم يتحقق فلا يوجد عقد ولا يرتب
التزامات.
-اذا هلك الشيئ خلال مدة التجربة وقبل ابداء القبول:
*بقوة قاهرة، يتحمل البائع تبعة الهلاك(لأنه صاحب الشيئ) على أساس: الغرم
بالغرم.
-المشرع ربط تبعة الهلاك بالتسليم وليس بنقل الملكية( على أساس أن التسليم
لاحق لنقل الملكية)، لذا تصرف المشتري في الشيئ قبل نهاية مدة التجربة يعد
قبولا بالمبيع، لأن القبول هو تعبير عن الارادة قد يكون صريحا أو ضمنيا،
وبالتالي هو تصرف لمالك ويرتب اثاره( دفع الثمن).
-المادة 355/2 نصت على جواز الاتفاق على تكييف العقد على أنه معلق على شرط
فاسخ.
-الشرط الفاسخ:
حدث
مستقبلي يضع حدا للعقد، وتبعة الهلاك يتحملها المشتري.
لذا من مصلحة البائع أن يكون العقد مكيفا على أنه معلق على شرط فاسخ حتى لا
يتحمل هو تبعة الهلاك.
-كل من الشرط الواقف والفاسخ يكونان بأثر رجعي.

2) البيع بالمذاق:



-قبول الشيئ بعد التجربة.


-لا يكون له أثر رجعي، فالعقد لا ينعقد الا بعد الاعلان عن قبول الشيئ.

3) البيع بالعينة:

مجاله: الأشياء المثلية.
نفس الشيئ مثل البيع بالنموذج، البائع مطالب باحضار بضاعة من نفس العينة،
فاذا تخلف عن ذلك يكون الجزاء هو:
التنفيذ العيني أو المطالبة بالفسخ (+التعويض اذا سبب ضرر). أو اذا كان
الاخلال غير مضر يمكن للمشتري قبول البضاعة مع انقاص الثمن اذا كانت أقل
جودة، أو الزيادة في الثمن اذا كانت أكثر جودة.

-المشتري يكتشف أن المبيع غير مطابق للعينة وقت التسليم.


4) البيع بالعربون:

نص عليه م.ج في التعديل الأخير واعتبره: مقابل عن الحق في
العدول.

المحل في عقد البيع:



-المبيع:

وهو
الحق الماي الذي يرد على الشيئ وقد يكون عينيا أو شخصيا.

شروطه:



1- أن يكون موجودا أو قابلا للوجود:

فعدم وجود المبيع ينتج عنه أن العقد باطل بطلانا مطلقا.
-وقد يرد البيع على أشياء مستقبلة بشرط أن يكون محقق الوجود ما عدا بيع
تركة انسان على قيد الحياة فقد حرمه م.ج (م92/2).

2- أن يكون معينا أو قابلا للتعيين

: لا يتم العقد في بيع الجزاف الا بعد افرازه (تحديد
مقداره).
- الزيادة في بيع الجزاف تكون من حق المشتري.

-بيع الجزاف: بيع عدة أشياء دفعة واحدة وبثمن واحد
وليتم تعيينه يعتبر شيئا معينا بذاته وتطبق عليه أحكامه.


-الأشياء المعينة بالذات: يتم تعيينها تعيينا ذاتيا بذكر الصفة المميزة لها
عن غيرها.

- الأشياء المعينة بالنوع: تعين بذكر الجنس والمقدار.
اذا لم تحدد الجودة لا يتخلف شرط التعيين عن المبيع وانما تكون الجودة طبقا
للأحكام العامة من صنف متوسط (م94/2).

-واشترط م.ج في التعيين أيضا أن يكون علم المشتري
بالمبيع علما كافيا بتحديد الأوصاف الأساسية التي تمكن من معرفته أو
برؤيته.


وللمشتري الحق في طلب الابطال اذا لم يكن عالما
بالمبيع علما كافيا أو اذا ثبت أن اقرار المشتري بعلمه كان بسبب الغش ويسقط
الحق في الابطال بالتقادم (أقصر الأجلين 5سنوات و 10سنوات) أو اذا ثبت أن
الاقرار كان لعلم به وليس لغش.


3- أن يكون مشروعا وقابلا للتعامل فيه:

الأشياء الخارجة عن دائرة التعامل:
-بحكم طبيعتها: كالهواء....
-بحكم القانون: الأشخاص الاعتبارية العامة، فلا يجوز تملكها بالتقادم، لكن
يجوز أن تكون محلا للتعامل وانما ليست محلا للبيع أو الحقوق الشخصية كالاسم
الشخصي وحقوق المؤلف.

*الشيئ محتمل الوجود: عقود الغرر، كعقد التامين والرهان الرياضي، ويكون
خارج عن ارادة الشخص فيتدخل في وجود الشيئ ظروف خارجية كالقوة القاهرة.

*محقق الوجود: يدخل في وجوده ارادة المتعاقد.

-م.ج لم يسمح بالتعامل في الشيئ المحتمل الوجود منعا للمضاربة أما المشرع
الفرنسيي فأجازه.

-والفرق بين المحتمل والمحقق هو أن في المحقق المحل هو المبييع لكن في
المحتمل المحل هو حظ الربح، فان قام به يكون قد دخل في مغامرة قد يربح وقد
يخسر.

*/

عقد البيع ناقل للملكية
لذا أورد م.ج اضافة للشروط العامة: -أن يكون البائع مالكا للمبيع.

بيع ملك الغير:

م.
397. وشروطه هي:

-أن يكون الشيئ معينا بالذات( لأن الملكية تنتقل بمجرد العقد).

-أن لا يملكه البائع.
ويكون هذا البيع: اذا كان البائع حائزا للمبيع كأن يكون مستأجرا، لكن
الملكية لا تنتقل للمشتري رغم تسليم المبيع، لان الغير هو المالك وحق
الملكية هذا هو حق عيني يخوله حق التتبع وحق الاسترداد.

واثاره هي:


1) في العلاقة بين البائع والمشتري:



أ// للمشتري الحق في طلب ابطال البيع ولو كان سيئ النية أو كان البائع حسن
النية( ليس طبقا للأحكام العامة وانما طبقا لحكم خاص وهو المادة397).


-المادة 397 لا تتماش مع نظام الشهر العقاري في القانون الجزائري.

ولكن هناك حالات يسقط فيها حق الابطال هي:

* اجازة العقد من طرف المشتري.

* اذا تملك البائع المبيع بعد البيع.
* النقادم المسقط ( أقصر الأجلين).
* اقرار المالك بالبيع.

-الاجازة تصحح العقد وتصدر من المشتري الذي هو طرف في العقد، أما الاقرار
فيصدر من المالك (الغير) وهو يصدر في العقد الصحيح بغية ترتيب اثار،
فالمالك ليس ملزما بنقل الملكية الا بعد اقراره.


ب// طلب التعويض على أساس المسؤولية العقدية: اذا كان المشتري حسن النية
يجوز له طلب التعويض (حتى ولو كان البائع حسن النية).


2) في العلاقة بين المشتري والمالك:



حق الملكية هو حق عيني ( سلطة مباشرة على الشيئ) يخول
صاحبه حق التتبع والتقدم، اذن:



أ// المالك له حق استرداد المبيع من يد المشتري عن طريق ممارسة حق التتبع،
لكن قد يصطدم المالك بعراقيل حيث يتملك المشتري المبيع عن طريق:

* الحيازة: ويجب أن تكون هادئة ( لا ينازعه فيها أحد) وعلنية ومستمرة لمدة
معينة (مدة التقادم المكسب) + السند الصحيح.
- وفي التقادم المكسب نميز بين حالتين:
** اذا كان المشتري سيئ النية: يعاقبه القاضي بالتقادم الطويل (حتى يكتسب
الملكية)م.827. ويرد العقارات والمنقولات.
** واذا كان حسن النية: فمدة التقادم هي التقادم القصير م.828. وهذا يرد
على العقارات.
** م.835. حيازة المنقول بحسن نية من وقت الحيازة( بتطبيق قاعدة: حيازة
المنقول بحسن نية سند الملكية).
* والسند الصحيح: يتوافر عندما يجيز المشتري العقد الا أن اثاره تتوقف على
اقرار الغير (المالك).

ب// الاقرار: اقرار المالك بالبيع، ويترتب عنه نقل الملكية من المالك الى
المشتري.


- اذا أقر المالك البيع ينتقل المبيع مثقلا بالرهن حماية لمصلحته، لكن
المشتري أيضا سيتضرر من انتقال الرهن اليه لذا يرجع على البائع (لأنه لم
يتفق في العقد مع البائع على الرهن) فيرجع عليه برفع دعوى الاستحقاق
(استحقاق جزئي) أو بالفسخ فيعود المتعاقدان الى الحالة الأولى قبل العقد.


3) في العلاقة بين المالك والبائع:



أ// البائع حسن النية: يرجع عليه على أساس الاثراء بلا سبب لأن البائع أثري
على حساب المالك دون سبب فيلزم بالتعويض ( وهو رد الثمن من البائع
للمالك).


ب// البائع سيئ النية: يطالب المالك بالتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية
(وهو هنا قائم على أساس ما فاته من كسب وما لحقه من خسارة) أي أن التعويض
يكون أكبر.


التزام البائع بنقل الملكية



1) المنقول المعين بالذات:

ينقل الملكية بمجرد انعقاده(م. 165ق.م).

-الاثار المترتبة عن انتقال الملكية بمجرد العقد:



- بمجرد العقد يصبح المشتري مالكا حتى لو لم يتم
التسليم، ويمكن له أن يتصرف في المبيع الذي هو في يد البائع، وبالمقابل لا
يمكن للبائع أن يتصرف في المبيع اذا لم يتم التسليم والا كنا امام بيع ملك
الغير.


- باتقال الملكية يكون للمشتري الحق في ثمار المبيع وتكون عليه تكاليفه على
أساس " الغرم بالغرم".
- اذا افلس البائع وكان المبيع مازال في يده فللمشتري أن يسترده ويستأثر به
أي يتقدم على سائر الدائنين.
- اذا توفي المشتري وكان المبيع في يد البائع يكون لورثة المشتري الحق في
المطالبة بالمبيع باعتبارهم خلفا عاما.
ملاحظة:
يجب ان لا
يكون نقل الحق معاقا بنص من القانون (كالعقار)، أو بالتفاق (كالبيع بشرط
واقف).

2) المنقول المعين بالنوع:

م.361، 166 ق.م.

-لا تنتقل الملكية الا بعد الافراز وغالبا يتم افراز المبيع وقت التسليم(
لكن الافراز هو الذي ينقل الملكية وليس التسليم).

-واذا امتنع البائع عن الفرز يمكن للمشتري أن يشتري بضاعة مماثلة على نفقة
المشتري.

3) العقارات:


م.793،165ق.م.

- الحق الشخصي على عقار هو منقول (كالثمن، الايجار...).

- تنتقل الملكية في العقارات عن طريق الشهر العقاري.
- البيع العقاري هو عقد شكلي (م.324مكرر) أي يجب أن يكتب في ورقة رسمية (
الورقة الرسمية تكتب من طرف الموثق، رئيس البلدية، مدير أملاك الدولة،
الوالي).
- الشكلية ركن يدخل في الانعقاد فلا ينعقد الا به.

** صدر قانون التوثيق في 15/12/1970 وبدأ العمل به في 01/01/1971.

اذن فقبل تاريخ 1971 كانت الورقة عرفية وهي صحيحة وفق مبدأ عدم رجعية
القوانين أما بعده فالورقة العرفية باطلة بطلانا مطلقا.

أنظمة الشهر العقاري:










قديم 2013-01-25, 17:31   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

في القانون الأداري

مقدمة عامة
تنقسم القواعد القانونية التي تنظم كل مجتمعإنساني إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد ، وقد أصطلح علىتسميتها بالقانون الخاص ومن فروعه القانون المدني والقانون التجاري وقانونالمرافعات . أما النوع الأخر من القواعد فينظم العلاقات التي تنشأ بين الدول أو بينالدولة وهيأتها العامة من ناحية والأفراد من ناحية أخرى عندما تظهر الدولة بمظهرالسلطة العامة .
وقد أصطلح على هذا النوع من القواعد القانونية بالقانون العام، ومن فروعه القانون الدولي العام والقانون الدستوري والقانون الإداري والقانونالمالي .
ومن المعروف أن القانون الإداري فرع من فروع القانون العام الداخلي – تمييزاً له عن القانون العام الخارجي الذي ينظم العلاقات بين الدول – والذي يهتمبسلطات الإدارة العامة من ناحية تكوينها ونشاطها وضمان تحقيقها للمصلحة العامة منخلال الإمتيازات الاستثنائية التي تقررها قواعد القانون الإداري .
وعلى ذلك فإنالقانون الإداري يختلف اختلافا جوهريا عن القانون الخاص لاختلاف العلاقات القانونيةالتي يحكمها ، واختلاف الوسائل التي تستخدمها السلطات الإدارية في أدائها لوظيفتهامن الوسائل قانونية ومادية وبشرية .
وقد ساهم التطور الكبير في الظروفالاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وازدياد نشاط الدولة وتدخلها في هذه المجالاتوعدم كفاءتها بدورها السابق في الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي ، في تضاعف دورالقانون الإداري ومساهمة في وضع الوسائل المناسبة لإدارة دفة نشاط السلطة العامة .
وفي هذه الدراسة نتشرف بتقديم المبادئ العامة التي يقوم عليها القانون الإداري، والذي يمثل المنهج الدراسي للمرحلة الثانية في كليات القانون.
وقد اتبعنا فيهذه الدراسة خطة البحث التالية:-
الباب التمهيدي :طبيعة القانون الإداري .
الباب الأول : التنظيم الإداري .
الباب الثاني : نشاط الإدارة العامة .
الباب الثالث: الوظيفة العامة .
لباب الرابع: القرارات الإدارية .
الباب الخامس:العقود الإدارية .
الباب التمهيدي
طبيعة القانون الإداري

لابد قبل البحث في موضوع القانون الإداري أن نتبين بعض المسائل التي تلقيالضوء على هذا القانون من حيث طبيعته , فنبين التعريف بالقانون الإداري ونشأته فيدولته الأم فرنسا ثم في مصر التي كان لها دور الريادة في العالم العربي وبعد ذلك فيالعراق , ثم نذكر خصائص ومصادر هذا القانون.
ولعل من أهم ما سنبحثه في هذاالباب أساس القانون الإداري ونطاق تطبيقه ومعيار اختصاص القضاء الإداري , ومن خلالهذا الموضوع نبين المعيار الذي نستطيع أن نقرر فيه أن نشاط الإدارة يدخل ضمن نطاقهذا القانون ويختص به القضاء الإداري أم لا .
وعلى ذلك سنقسم هذا الباب إلىفصول خمس :
الفصل الأول : التعريف بالقانون الإداري .
الفصل الثاني : نشأةالقانون الإداري .
الفصل الثالث : خصائص ومصادر القانون الإداري .
الفصلالرابع : أساس القانون الإداري .

الفصل الأول
التعريف بالقانون الإداري

درج أغلب الفقهاء على تعريف القانون الإداري بأنه ذلك الفرع من فروعالقانون العام الداخلي الذي يتضمن القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية فيالدولة من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك حقوقاً وامتيازات استثنائيةفي علاقاتها بالأفراد.( )
بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العامالذي يحكم الإدارة , أو قانون الإدارة العامة Administration Publique أو قانونالسلطة الإدارية Pouvoir Administratif . ( )
في حين عرفه البعض بأنه القانونالذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطةعامة . ( )
ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم إلى قسمين رئيسيين , قانون عام وقانون خاص , القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة وسلطاتهاالعامة , ويحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفاًفيها , وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية لامقابل لها في علاقات الأفراد .
أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكمالعلاقات بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى هيئاتها عندما تظهر بمظهر الأفرادالعاديين أي ليس بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
ويشتمل كلقسم من هذين القسمين على عدة فروع فيشتمل القانون العام على القانون العام الخارجيويتضمن القانون الدولي العام , والقانون العام الداخلي ويتضمن القانون الدستوريوالقانون الإداري والقانون المالي .
في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانونالمدني والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها من القوانين الأخرى .
وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي يحكم نشاطالإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها الحضاري .
وفيهذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم العضوي أو الشكلي, والمفهومالموضوعي أو الوظيفي .
المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة العامة , فيعرف الإدارة العامة بأنها السلطة الإدارية سواء المركزية منها أو اللامركزية , وجميع الهيئات التابعة لها .
بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي , فيعرف الإدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإداريةلإشباع الحاجات العامة.
وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هوالقانون الذي يحكم السلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية في الدولة , بينما يمكنناأن نعرف القانون الإداري بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أو الوظيفةالتي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
وقد اختلف الفقه فيترجيح أحد المفهومين إلا أن الاتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف القانونالإداري بأنه : " القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكمالنشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة " .

علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
من المهم أن نبيناستقلال القانون الإداري عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانينوتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته بعلم الإدارة العامة.
1. العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
أوضحنا أن القانون الإداري هوالقانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفةالتي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس في الدولة , والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلقبنظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها والعلاقة بينهما وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانونالدستوري , فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية وغير المركزية , فإن القانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على كافة القوانين الأخرىالتي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه .
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكامالكلية أو العامة للسلطة التنفيذية , بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيليةالتي تكفل تشغيل الأجهزة الإدارية وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلكامتداداً للقانون الدستوري . ( )
وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزهبين القانون الإداري والقانون الدستوري فقال : " أن القانون الدستوري يبين لنا كيفشيدت الآلة الحكومية , أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كلقطعة منها بوظيفتها " . ( )
وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤونالداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين من فروع القانون العام الداخلي , نجد أنالفقه الإنجليزي لا يفرق بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس موضوعاتالقانونين معاً .
ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن جانباً فيالفقه ذهب إلى انتقاد محاولات التمييز بين القانون الإداري والقانون الإداري , ودعىإلى دراستهما معاً , وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui وجيزJeze , وبوتارBonnaed . ( )
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
أ - من حيثالموضوع :- يبحث القانون الدستوري في التنظيم السياسي للدولة من حيث تكوين سلطاتالدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانون الإداري في أعمال السلطةالتنفيذية الإدارية منها دون الحكومية .
ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتلالقانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية التي لايمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائلالمتفرعة في المبادئ التي أقرها الدستور .










قديم 2013-01-25, 17:32   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










A16

في القانون الأداري

مقدمة عامة
تنقسم القواعد القانونية التي تنظم كل مجتمعإنساني إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد ، وقد أصطلح علىتسميتها بالقانون الخاص ومن فروعه القانون المدني والقانون التجاري وقانونالمرافعات . أما النوع الأخر من القواعد فينظم العلاقات التي تنشأ بين الدول أو بينالدولة وهيأتها العامة من ناحية والأفراد من ناحية أخرى عندما تظهر الدولة بمظهرالسلطة العامة .
وقد أصطلح على هذا النوع من القواعد القانونية بالقانون العام، ومن فروعه القانون الدولي العام والقانون الدستوري والقانون الإداري والقانونالمالي .
ومن المعروف أن القانون الإداري فرع من فروع القانون العام الداخلي – تمييزاً له عن القانون العام الخارجي الذي ينظم العلاقات بين الدول – والذي يهتمبسلطات الإدارة العامة من ناحية تكوينها ونشاطها وضمان تحقيقها للمصلحة العامة منخلال الإمتيازات الاستثنائية التي تقررها قواعد القانون الإداري .
وعلى ذلك فإنالقانون الإداري يختلف اختلافا جوهريا عن القانون الخاص لاختلاف العلاقات القانونيةالتي يحكمها ، واختلاف الوسائل التي تستخدمها السلطات الإدارية في أدائها لوظيفتهامن الوسائل قانونية ومادية وبشرية .
وقد ساهم التطور الكبير في الظروفالاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وازدياد نشاط الدولة وتدخلها في هذه المجالاتوعدم كفاءتها بدورها السابق في الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي ، في تضاعف دورالقانون الإداري ومساهمة في وضع الوسائل المناسبة لإدارة دفة نشاط السلطة العامة .
وفي هذه الدراسة نتشرف بتقديم المبادئ العامة التي يقوم عليها القانون الإداري، والذي يمثل المنهج الدراسي للمرحلة الثانية في كليات القانون.
وقد اتبعنا فيهذه الدراسة خطة البحث التالية:-
الباب التمهيدي :طبيعة القانون الإداري .
الباب الأول : التنظيم الإداري .
الباب الثاني : نشاط الإدارة العامة .
الباب الثالث: الوظيفة العامة .
لباب الرابع: القرارات الإدارية .
الباب الخامس:العقود الإدارية .
الباب التمهيدي
طبيعة القانون الإداري

لابد قبل البحث في موضوع القانون الإداري أن نتبين بعض المسائل التي تلقيالضوء على هذا القانون من حيث طبيعته , فنبين التعريف بالقانون الإداري ونشأته فيدولته الأم فرنسا ثم في مصر التي كان لها دور الريادة في العالم العربي وبعد ذلك فيالعراق , ثم نذكر خصائص ومصادر هذا القانون.
ولعل من أهم ما سنبحثه في هذاالباب أساس القانون الإداري ونطاق تطبيقه ومعيار اختصاص القضاء الإداري , ومن خلالهذا الموضوع نبين المعيار الذي نستطيع أن نقرر فيه أن نشاط الإدارة يدخل ضمن نطاقهذا القانون ويختص به القضاء الإداري أم لا .
وعلى ذلك سنقسم هذا الباب إلىفصول خمس :
الفصل الأول : التعريف بالقانون الإداري .
الفصل الثاني : نشأةالقانون الإداري .
الفصل الثالث : خصائص ومصادر القانون الإداري .
الفصلالرابع : أساس القانون الإداري .

الفصل الأول
التعريف بالقانون الإداري

درج أغلب الفقهاء على تعريف القانون الإداري بأنه ذلك الفرع من فروعالقانون العام الداخلي الذي يتضمن القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية فيالدولة من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك حقوقاً وامتيازات استثنائيةفي علاقاتها بالأفراد.( )
بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العامالذي يحكم الإدارة , أو قانون الإدارة العامة Administration Publique أو قانونالسلطة الإدارية Pouvoir Administratif . ( )
في حين عرفه البعض بأنه القانونالذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطةعامة . ( )
ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم إلى قسمين رئيسيين , قانون عام وقانون خاص , القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة وسلطاتهاالعامة , ويحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفاًفيها , وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية لامقابل لها في علاقات الأفراد .
أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكمالعلاقات بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى هيئاتها عندما تظهر بمظهر الأفرادالعاديين أي ليس بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
ويشتمل كلقسم من هذين القسمين على عدة فروع فيشتمل القانون العام على القانون العام الخارجيويتضمن القانون الدولي العام , والقانون العام الداخلي ويتضمن القانون الدستوريوالقانون الإداري والقانون المالي .
في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانونالمدني والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها من القوانين الأخرى .
وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي يحكم نشاطالإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها الحضاري .
وفيهذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم العضوي أو الشكلي, والمفهومالموضوعي أو الوظيفي .
المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة العامة , فيعرف الإدارة العامة بأنها السلطة الإدارية سواء المركزية منها أو اللامركزية , وجميع الهيئات التابعة لها .
بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي , فيعرف الإدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإداريةلإشباع الحاجات العامة.
وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هوالقانون الذي يحكم السلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية في الدولة , بينما يمكنناأن نعرف القانون الإداري بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أو الوظيفةالتي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
وقد اختلف الفقه فيترجيح أحد المفهومين إلا أن الاتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف القانونالإداري بأنه : " القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكمالنشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة " .

علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
من المهم أن نبيناستقلال القانون الإداري عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانينوتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته بعلم الإدارة العامة.
1. العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
أوضحنا أن القانون الإداري هوالقانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفةالتي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس في الدولة , والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلقبنظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها والعلاقة بينهما وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانونالدستوري , فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية وغير المركزية , فإن القانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على كافة القوانين الأخرىالتي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه .
وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكامالكلية أو العامة للسلطة التنفيذية , بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيليةالتي تكفل تشغيل الأجهزة الإدارية وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلكامتداداً للقانون الدستوري . ( )
وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزهبين القانون الإداري والقانون الدستوري فقال : " أن القانون الدستوري يبين لنا كيفشيدت الآلة الحكومية , أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كلقطعة منها بوظيفتها " . ( )
وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤونالداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين من فروع القانون العام الداخلي , نجد أنالفقه الإنجليزي لا يفرق بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس موضوعاتالقانونين معاً .
ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن جانباً فيالفقه ذهب إلى انتقاد محاولات التمييز بين القانون الإداري والقانون الإداري , ودعىإلى دراستهما معاً , وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui وجيزJeze , وبوتارBonnaed . ( )
ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
أ - من حيثالموضوع :- يبحث القانون الدستوري في التنظيم السياسي للدولة من حيث تكوين سلطاتالدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانون الإداري في أعمال السلطةالتنفيذية الإدارية منها دون الحكومية .
ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتلالقانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية التي لايمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائلالمتفرعة في المبادئ التي أقرها الدستور .










قديم 2013-01-25, 17:33   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

علاقة القانون الإداريبالقانون المالي
القانون المالي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة بإدارةالأموال العامة في الدولة, وهو مكمل للقانون الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزةوالهيئات الإدارية , ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة والحمايةالقانونية المقررة لهذه الأموال , وكيفية الانتفاع بها , ومن موضوعات هذا القانونكل ما يدخل ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواع الضرائب المفروضةوالأشراف والرقابة عليها .
3- علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة
يتميز القانون الإداري عن علم الإدارة العامة من حيث زاوية اهتمام كل منهمافالقانون الإداري يبحث في التنظيم القانوني للجهاز الإداري ووظيفة كل عنصر فيعناصره وعلاقته بالأفراد , بينما تبحث الإدارة العامة في النواحي الفنية والتنظيميةللجهاز الإداري ويمكن تعريفها بأنها ذلك العلم الذي يهتم بدراسة تنظيم وتوجيهوتنسيق نشاط المنظمة الإدارية لتحقيق أهدافها العامة على أكمل وجه .
وكما بيناتشتمل الإدارة العامة على مفهومين , مفهوم عضوي , يهتم بدراسة هيكل المنظماتالإدارية وفروعها , دون البحث في طبيعة النشاط الصادر منها , ومفهوم موضوعي يهتمبدراسة النشاط الإداري لهذه المنظمات بصرف النظر عن شكل المنظمة التي صدر النشاطعنها .
ويظهر الاختلاف بين الإدارة العامة والقانون الإداري من خلال طريقةدراسة الموضوع الإداري محل البحث , فالقانون الإداري عندما يبحث في تعريف القرارالإداري فإنه يركز عليه كعمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للسلطة الإدارية ويتضمنأثراً قانونياً , كذلك يبحث في مشروعية القرار الإداري وشروط صحته ونفاذه , وكيفيةالطعن بالإلغاء والتعويض ضد القرارات غير المشروعة .
في حين يعرف علم الإدارةالعامة القرار الإداري في خلال البحث في الكيفية العلمية والواقعية التي صدر علىأساسها القرار وعملية صنعه والمراحل المختلفة التي مرت بها تلك العملية واكتشافالعيوب والمشاكل التي قد تعيق هذه العملية واقتراح سبل إصلاحها . ( )
وفي مجالالوظيفة العامة يبحث القانون الإداري في المركز القانوني للموظف العام وطبيعةعلاقته بالدولة وشروط تعيينه وحقوقه وواجباته والعقوبات التأديبية التي يمكنإيقاعها عليه وضماناته تجاهها , ويبحث في طرق انتهاء علاقته الوظيفية , وما إلى ذلكمن أمور تنظمها في الغالب نصوص قانونية .
أما الإدارة العامة فتبحث الوظيفةالعامة من ناحيتين , الناحية التنظيمية فيدرس علم الإدارة العامة طبيعة الوظيفةالعامة وأسس ترتيب الوظائف العامة , وتحديد اختصاص ومواصفات كل وظيفة .
والناحية البشرية حيث تبحث الإدارة العامة عن أفضل نظام إداري لتطبيقه علىالعاملين في المنظمة الإدارية , وتعرض لطرق اختيارهم ,ووسائل رفع كفاءتهم وتدريبهم , والارتفاع بمستوى أدائهم , كما تهتم الإدارة العامة بالحوافز المادية والمعنويةلموظفي الدولة ودراسة مشاكلهم الوظيفية والنفسية , والبحث في سبل إصلاحها . ( )
ومن الجدير بالذكر أن الإدارة العامة تخضع من حيث الأصل إلى قواعد متميزة عنقواعد القانون الخاص , إلا أنها قد تنزل في أحيان أخرى عن استخدام هذه القواعدفتنزل منزلة الأفراد , وتطبق قواعد لقانون الخاص , والقانون الإداري بمعناه الواسعيعني "قانون الإدارة" أياً كانت القواعد القانونية التي تحكمها قواعد القانون الخاصأم قواعد قانونية متميزة عنها "قواعد القانون العام" , والقانون الإداري بهذاالمعنى موجود في كل مجتمع سواء اخذ بمبدأ الازدواج القانون أم لم يأخذ .
أماالقانون الإداري بمعناه الفني أو الضيق فينحصر دوره بما يطبق على الإدارة من قواعدقانونية متميزة ومغايرة لقواعد القانون الخاص ولا يوجد بهذا المعنى إلا في الدولإلى تأخذ بنظام الازدواج القانوني .
ومع أوجه الاختلاف بين القانون الإداريوالإدارة العامة فإن بينهما الكثير من أوجه التقارب , من حيث أنها يتعلقان بالبحثفي موضوع واحد هو الجهاز الإداري في الدولة وأن انحصرت دراسة كل منها بجانب منجوانبه , حتى أننا نجد أنه في الدول التي لا تأخذ بالازدواج القانوني "النظمالانجلوسكسونية " تشتمل دراسة الإدارة العامة على النواحي القانونية التي يحكمها منحيث الأصل القانون الإداري بالإضافة إلى دراسة الناحية الفنية والتنظيمية .










قديم 2013-01-25, 17:36   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2

لفصل الثاني
نشأةالقانون الإداري وتطوره
تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدولالأخرى , ويرجع الفضل في ظهور هذا القانون إلى عوامل تاريخية تأتي في مقدمتهاالأفكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 م , التي قامت على أساس الفصل بينالسلطات، ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل فيالمنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية .
وأدىهذا الاتجاه إلى وجود نظام القضاء المزدوج الذي كان مهداً لنشؤ الازدواج القانونيوظهور القانون الإداري .

المبحث الأول
نشؤ القانون الإداري في فرنسا

كانت سلطات الحكم قبل الثورة الفرنسية مركزة في يد الملك حيث ساد نظامالملكية المطلقة , ولم تكن الدولة تخضع للمساءلة أو الرقابةأمام القضاء بواسطةدعاوى الأفراد , وهي إن تعاملت مع الأفراد خضعت معاملاتها للقانون المدني . ( )
وفي هذه الفترة كانت توجد محاكم قضائية تدعى البرلمانات Parlements أنشئت لتكونممثلة للملك في وظائفه القضائية , وكانت الدعاوى تستأنف أمامها ما لم سند الملك ذلكالاختصاص إلى جهة أخرى , كما وجدت محاكم مختصة ببعض المنازعات الإدارية . ( )
وقد كانت البرلمانات تمارس سيطرة رجعية على الإدارة وتتدخل في شؤونها وتعارضوتعرقل كل حركة إصلاحية ( ) مما حدى برجال الثورة الفرنسية إلى منع المحاكمالقضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلالالإدارة تجاه السلطة القضائية , من خلال تبنيهم لمبدأ الفصل بين السلطات .

1. مرحلة الإدارة القاضية : Administration Juge
تأكيداً لاتجاه الثورةالفرنسية في الفصل بين السلطات صدر قانون 16-24 أغسطس 1790 , الذي نص على إلغاءالمحاكم القضائية ( البرلمانات ) وإنشاء ما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضيكمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي , ومنع القضاء العادي من النظر فيالمنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها و أصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبةالاختصاص في الفصل بهذه المنازعات .
وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراداللجوء إلى الإدارة نفسها للتظلم إليها وتقديم الشكوى , فكانت الإدارة هي الخصموالحكم في الوقت ذاته وكان هذا الأمر مقبولاً إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعةالسيئة لقضاء البرلمانات التعسفية .

2. إنشاء مجلس الدولة الفرنسي :
بنشوء مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1797 في عهد نابليون بونابرت وضعت اللبنةالأولى للقضاء الإداري الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان أو الأمر استشارياً يتطلبتصديق القنصل .
وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الأقاليم Les Conseils de Préfecture التي كانت تصدر أحكاماً لا تحتاج إلى تصديق سلطة إدارية عليا ، إلاأن أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه تعرض على القنصل.
فقد كانعمل المجلس يقتصر على فحص المنازعات الإدارية وإعداد مشروعات الأحكام , فلم يكنيملك سلطة القضاء وإصدار الأحكام , ولذا سمى قضاؤه في هذه المرحلة " القضاء المقيد" أو المحجوز Justice Retenue وقد استمرت هذه المرحلة إلى عام 1872 حيث أصبح قضاؤهمفوضاً .

3. مرحلة القضاء المفوض Justice délégúee
في 24مايو 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة الفرنسي اختصاص البت نهائياً في المنازعاتالإدارية دون تعقب جهة أخرى .
ومع أن هذا القانون خول المجلس سلطة البت النهائيفي المنازعات الإدارية فإنه أبقي على اختصاص الإدارة القاضية فلا يملك الأفراداللجوء إلى مجلس الدولة إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون , وفيما عدا ذلكتختص به الإدارة القاضية , مما أوجد ازدواجاً قضائياً , واستمر هذا الوضع حتى تاريخ 13ديسمبر 1889 عندما قبل مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون المرورعلى الإدارة في قضية Cadot وترتب على حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاصالعام في المنازعات الإدارية .
وبسبب تراكم العديد من القضايا أمام مجلس الدولةحدد المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر بموجب المرسوم الصادر في 30 سبتمبر 1953 , وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس الأقاليم صاحبة الاختصاصالعام في المنازعات الإدارية .
ثم أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحاتمنها المراسيم الأربعة الصادرة في 30 يوليو 1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسيللعاملين في المجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الداخلي , وتم تعديل هذا التنظيم بثلاثةمراسيم أخرى في 26 أغسطس 1975 م , وبمرسوم في 15 يناير 1980 , وآخر في 16 ديسمبر 1987 لإصلاح القضاء الإداري أنشأ بموجبه المحاكم الإدارية الاستئنافية ووسع نطاقالطعن بالنقض أمام مجلس الدولة .
وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضيالمنازعات الإدارية دون منازع, وساهم في إرساء مبادئ القانون الإداري وقواعدهالمتميزة عن قواعد القانون الخاص وابتدع الحلول المناسبة لمقتضيات حسن سير الإدارةالعامة, وأكد عالمبحث الثاني
نشوءالقانون الإداري في مصر

قبل نشوء مجلس الدولة في مصر عام 1946 لم تعرف مصرالقضاء الإداري , وقد كانت المحاكم المختلطة والأهلية السائدة قبل هذا التاريخ فيالنظام القضائي المصري تطبق بعض القوانين على المنازعات بين الأفراد أو بينهم وبينالإدارة , ولم يكن من بينها القانون الإداري .
وقد ذهب جانب من الفقه الإداريالمصري إلى أن أساس القانون الإداري ومبادئه قد بدأت تظهر من خلال أحكام المحاكمالمختلطة والمحاكم الأهلية , بينما خالف جانب آخر منهم, وذهب إلى أن مبادئ القانونالإداري لم تنشأ حقيقة إلا من خلال أحكام مجلس الدولة بعد أن إنشاؤه عام 1946 . ( )
وكان مجلس الدولة وقت إنشاؤه يتمتع بصلاحيات محددة وبمحكمة قضاء إداري واحدة , ثم ما لبث أن توسعت اختصاصاته إذ صدر القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي وسع اختصاصاتهثم أنشأت المحاكم الإدارية بالقانون رقم 147 لسنة 1954 , وبعد ذلك في عام 1955 تمإنشاء المحكمة الإدارية العليا لتكون في قمة القسم القضائي بمجلس الدولة .
ثمصدر القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة , وقد مر مجلس الدولة بتطوراتعدة حتى صدر القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته .
ووفقاً لهذا القانونيعد مجلس الدولة هيئة قضائية ملحقة بوزير العدل , ويتكون من رئيس وعدد من نوابالرئيس والمستشارين المساعدين والنواب والمندوبين ومن مندوبين مساعدين .
هذاولم تؤثر تبعية المجلس لوزير العدل في استقلاله في ممارسة وظيفته إذ لا تتعدى هذهالتبعية منح الوزير الأشراف الإداري وضمان حسن سير العمل الوظيفي , وهو ما أكدتهالمادة الأولى من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة " .
ولم يولد المجلس قوياً منذ نشأته فقد كان القضاء الإداري صاحب الولاية العامةفي نظر المنازعات الإدارية وكانت اختصاصات مجلس الدولة محددة على سبيل الحصر فيالقوانين التي سبقت القانون الحالي .
ففي ظل القانون رقم 112 لسنة 1946 والمعدلبالقانون رقم 9 لسنة 1949 كان القضاء العادي ينفرد بنظر دعاوى مسؤولية الإدارة عنأعمالها المادية ويختص بالاشتراك مع المجلس في نظر طلبات التعويض عن القراراتالإدارية ، ويترتب على رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية وإذا ما رفعت دعوىالإلغاء أو التعويض إلى مجلس الدولة عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكمالعادية فإنه يمتنع رفعها أمام مجلس الدولة .
كما كانت المحاكم العادية تنفردبنظر المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية حتى صدور القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي منحالمجلس النظر في منازعات عقود الالتزام والأشغال العامة وعقود التوريد بالاشتراك معالمحاكم العادية .
وفي ظل القانونين 165 لسنة 1955 و 55 لسنة 1959 استمرتالمحاكم العادية تنفرد بالنظر في دعوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية في الوقتالذي استقل به مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بالتعويض عن القرارات الإداريةوالعقود الإدارية .
وبصدور القانون 47 لسنة 1972 أصبح مجلس الدولة صاحب الولايةالعامة بالنظر في المنازعات الإدارية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، فقد ورد فيالمادة 172 من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختصبالفصل في المنازعات الإدارية ، وفي الدعاوى لتأديبية ويحدد اختصاصاته الأخرى " .
وبذلك أصبح مجلس الدولة قاضي القانون العام المختص بالفصل في المنازعاتالإدارية والتأديبية وساهم بإرساء مبادئ القانون الإداري , وكان له دور رائد فيحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من عسف الإدارة وإلغاء قراراتها المعيبة والتعويض عنها لى وجود واستقلال القانون الإداري

الفصل الثالث
خصائص ومصادر القانون الإداري

نبين في هذاالجزء من الدراسة الخصائص التي يتميز بها القانون الإداري والمصادر التي يستمد منهاأحكامه وذلك في مبحثين .

المبحث الأول
خصائص القانون الإداري
يتميزالقانون الإداري ببعض الخصائص منها أنه قانون سريع التطور ، وقانون غير مقنن , وأنهمن صنع القضاء .
أولاً : قانون سريع التطور .
يستم القانون الإداري بأنهقانون يتطور بسرعة تفوق التطور الاعتيادي في القوانين الأخرى ولعل ذلك يرجع إلىطبيعة المواضيع التي يعالجها ، فقواعد القانون الخاص تتميز بالثبات والاستقرار ،وقد ثمر فترة طويلة قبل أن ينالها التعديل أو التغيير ، ويعود ذلك إلى أن العلاقاتالتي ينظمها القانون الخاص بفروعه المختلفة " قانون مدني ، قانون تجاري ، قانونمرافعات " تتعلق بقواعد عامة تتطلب قدراً من الاستقرار مع ترك الحرية للأفراد منتسيير الأمور الأخرى ذات الطابع المتغير في حدود القواعد العامة المنصوص عليها علىعكس القانون الإداري الذي يعالج مواضيع ذات طبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامةوحسن تسيير وإدارة المرافق العامة وجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعيةوإنما من أحكام القضاء وخاصة القضاء الإداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلولللمنازعات الإدارية ولا يتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق ما يتلائم معظروف كل منازعة على حده تماشياً مع سرعة تطور العمل الإداري ومقتضيات سير المرافقالعامة .
ولعل من أسباب سرعة تطور القانون الإداري أنه يتأثر بالعواملالاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار وغير مستقرةنسبياً ، فاتساع نشاط الدولة ونزعتها التدخلية وانتشار الحروب والازمات الاقتصاديةوظهور المرافق العامة الاقتصادية , وما إلى ذلك من ظواهر اقتصادية وسياسية وإدارية، وضرورة استيعاب القانون الإداري لهذه المتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلىالتطور المستمر في أحكامه .

ثانياً : قانون من صنع القضاء .
يتميزالقانون الإداري أيضاً بأنه قانون قضائي نشأ عن طريق المبادئ والقواعد الإداريةالتي خلقها القضاء ، وقد ساعد على ذلك عدم تقنين أغلب قواعد القانون الإداري فكانلابد للقضاء أن ينهض بهذه المهمة من خلال وضع أسسه ونظرياته .
وإذا كان التشريعينهض في الحقيقة ببعض مواضيع القانون الإداري خاصة ما يتعلق ببعض النصوص الدستوريةوالتشريعية واللائحية التي تحكم جوانب مهمة من علاقات الإدارية العامة مثل قانونالخدمة المدنية ولائحة العقود الإدارية ، فأن التشريع لا زال قاصراً عن مجالات أخرىكثيرة من قبل قواعد القرار الإداري وقواعد المسؤولية الإدارية وشروط الطعن بالإلغاء , وما إلى ذلك من مجالات لازال القضاء يمثل المصدر الرسمي الرئيس لأحكامه .
وقدكشف مجلس الدولة الفرنسي عن النظريات والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانونالإداري وأستلم عنه القضاء الإداري في مصر العديد من أحكامه ، حتى أصبح دور المشرعفي كثير من الأحيان مقتصراً على تسجيل ما توصل إليه القضاء الإداري من أحكام . ( )
ودور القضاء الإداري في هذا المجال كان متميزاً عن دور القضاء العادي ، الذيينحصر بتطبيق القانون على المنازعة دون أن يتعداه لخلق الحلول المناسبة التي تتفقمع طبيعة منازعات القانون الإداري ، الأمر الذي أضفى على قواعد القانون الإداريالطابع العملي الذي يتماشى مع ظروف واحتياجات المرافق العامة ومقتضيات سيرها الحسنوتطورها المستمر .
ومع ذلك يتقيد القضاء في أداء مهامه وابتداعه لمبادئ وقواعدالقانون الإداري يعدم مخالفة النصوص التشريعية القائمة على أساس أن القضاء أنمايعبر عن إرادة مفترضة للمشرع , أما إذا أفصح عن إرادته تلك بنصوص تشريعية فأنهيلتزم بتطبيق تلك النصوص في أحكامه . ( )

ثالثاً : قانون غير مقنن .
يقصد بالتقنين أن يصدر المشرع مجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامةوالتفصيلية المتعلقة بفرع من فروع القانون كما هو الحال في مدونة القانون المدني أومدونة قانون العقوبات .
ولا يخفى ما لتدوين القواعد العامة والتفصيلة لقانون مامن أهمية من حيث إضفائه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع وسهولة الرجوع إلىأحكامه .
وقد نشأ القانون الإداري في فتره انتشرت فيها حركة التقنين في أعقابالثورة الفرنسية وتم تدوين قواعد القانون المدني في مدونة نابليون . ( )
إلا أنالقانون الإداري لم تشمله هذه الحركة رغم رسوخ مبادئه واكتمال نظرياته ويرجع عدمتقنينه إلى سرعة تطوره وتفرع وسعة مجالاته مما يجعل من الصعوبة جمع أحكامه في مدونهواحدة خاصة وان أحكامه في الغالب ذات طبيعة قضائية ، ولا يخفى ما في أحكام القضاءالإداري من مرونة تتأثر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع .
وإذا كان عدم التقنين يعني عدم جمع إحكام القانون الإداري في مجموعة أو مدونةواحدة فإن ذلك لا ينفي وجود تقنينات جزئية لبعض موضوعات القانون الإداري ، من ذلكوجود تشريعات خاصة بالموظفين وتشريعات خاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة وقوانينخاصة بالتنظيم الإداري أو القضاء الإداري إلى غير ذلك من مواضيع يتعذر جمعها فيتقنين شامل .

المبحث الثاني
مصادر القانون الإداري
تشتمل مصادرالقانون الإداري على مصادر القانون بصورة عامة ، وهي عادة أربعة مصادر " التشريع – العرف – القضاء – الفقه " .
وإذا كان التشريع والعرف يعدان المصدران الرسميانللقوانين الأخرى ، بينما يمثل القضاء والفقه المصدران التفسيريان للقواعد القانونية، فإن القانون الإداري يمنح القضاء دوراً هاماً , بل يعده أهم مصادر القانونالإداري على الإطلاق ، ويكون مع التشريع والعرف مصدراً رسمياً للقانون الإداري , بينما يبقى الفقه مصدراً تفسيراً له .
وفيما يلي نعرض لهذه المصادر وبشيء منالتفصيل .
أولاً : التشريع .
يقصد بالتشريع كمصدر للقانون الإداري مجموعةالقواعد القانونية المكتوبة الصادرة من السلطة المختصة في الدولة ، وقد تكون هذهالسلطة سلطة تأسيسة فيكون التشريع دستورياً، أما إذا كانت السلطة تشريعية فيكونالتشريع عادياً ويطلق عليه اصطلاح القانون ، وأخيراً إذا كانت هذه السلطة تنفيذيةفإننا نكون أمام ما يمكن تسميته بالتشريعات الفرعية أو اللوائح ، ويتميز التشريع عنغير من المصادر الأخرى بوضوحه وتحديده وسهولة تعديله .
1. التشريع الدستوري :-
تعد التشريعات الدستورية المصدر الأساسي والرسمي للقانون الإداري ، وتقعالتشريعات الدستورية الدستورية في قمة الهرم القانوني ، وتسمو على القواعدالقانوينة الأخرى جميعاً ، فهي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقتهابالمواطنين ، وتتضمن التشريعات الدستورية بعض الموضوعات المتعلقة بالقانون الإداري، كتنظيم الجهاز الإداري في الدولة ونشاطه وحقوق الأفراد وحرياتهم .
ويتوجب علىالإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية أن تلتزم بالمبادئ التي جاء بها الدستور ولايحق لها مخالفتها وإلا عدت أعمالها مخالفة لمبدأ المشروعية مما يعرضها للإلغاءوالتعويض عما تسببه من أضرار .
والقواعد الدستورية يقصد بها مجموعة القواعدالمكتوبة في وثيقة أو عدة وثائق دستورية فحسب فمن الممكن أن تكون تلك القواعد غيرمكتوبة في ظل دستور عرفي يتمتع بسمو القواعد الدستورية المكتوبة ذاتها .
كذلكتتمتع إعلانات الحقوق ما تضمنته هذه الإعلانات في حقوق وحريات الأفراد بقوة النصوصالدستورية فلا يجوز مخالفتها .
. التشريع العادي .
يأتي التشريعالعادي أو القانون بالمرتبة الثانية بعد الدستور ، من حيث التدرج التشريعي باعتبارهصادراً من الهيئة التشريعية المعبرة عن الإرادة العامة وهي صاحبة الاختصاص في ذلك .
والإدارة بوصفها السلطة التنفيذية تخضع لأحكام القوانين فإذا خالفت حكم القانونأو صدر عمل إداري استناداً إلى قانون غير دستوري وجب إلغاء ذلك العمل . ( )
3. التشريع الفرعي أو اللوائح .
يطلق على القواعد القانوينة التي تصدرها السلطةالتنفيذية التشريع الفرعي ، وتسمى في مصر اللوائح الإدارية ، وهي قواعد عامة مجردةواجبة الاحترام تلي التشريع العادي في مرتبتها في سلم التدرج القانوني , وتخضعلرقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة باعتبارها قرارات إدارية يجب أن تكونمتفقة مع القانون .

أ / اللوائح التنفيذية :
تصدر الوزارات بصفتهاالهيئة لتنفيذية في الدوله اللوائح التنفيذية المتعلقة بتنفيذ القوانين الصادرة عنالسلطه التشريعيه لتوضيح ما يكتنفها من غموض وتسهيل تطبيقها .
ب/ اللوائحالتنظيمية .
تمارس الاداره أيضاً اختصاص إصدار اللوائح التنظيمية التي تتعدىتنفيذ القوانين إلى تنظيم بعض الأمور التي يتطرق إليها القانون فتقترب وظيفتها منالتشريع , ومن ذلك قيامها بما يتعلق بتنظيم الجهات الإدارية ونظام العمل بهاوشؤونها الإدارية والمالية , وهو من صميم عملا الوزاره بصفتها المختصة بتنظيمالجهاز الإداري في الدولة .
ج/ اللوائح الضبطية أو البوليسية .
تختص الهيئةالتنفيذية بإصدار لوائح الضبط الإداري المتعلقة بالمحافظة على الأمن العام والصحةالعامة والسكنية العامة من ذلك اللوائح الخاصة بمكافحة الضوضاء أو غلق المحالالمضرة بالصحة العامة .
د/ اللوائح التفويضية .
تصدر الهيئة التنفيذية هذاالنوع من اللوائح بتفويض من الهيئة التشريعية التي يمثلها البرلمان في العراق فيموضوعات تدخل أصلاً ضمن اختصاصه ، ومن ذلك اختصاصها بإصدار اللوائح الخاصة بإنشاءوتنظيم المؤسسات والهيئات والمصالح والشركات العامة لممارسة الاختصاصات ذات الطبيعةالاستراتيجية وتحديد أهدافها واختصاصاتها .
ه/ لوائح الضرورة .
تصادفالهيئة التنفيذية في بعض الأوقات ظروفاً استثنائية تجبرها على إصدار لوائح إداريةتضمن حماية النظام العام وحسن سير المرافق العامة لتعذر صدروها من الهيئة التشريعيةالمختصة فعلاً بإصدارها ، لغيبتها أو لحصولها في غير فترة انعقادها على أن تعرض علىالهيئة التشريعية خلال مدة معينة لكي تقرها .
ثانياً : العرف :-
العرفالإداري هو مجموعة القواعد التي درجت الإدارة على إتباعها في أداء وظيفتها في مجالمعين من نشاطها وتستمر فتصبح ملزمة لها ، وتعد مخالفتها مخالفة للمشروعية وتؤدي إلىأبطال تصرفاتها بالطرق المقررة قانوناً .
ويأتي العرف الإداري في مرتبة أدني منمرتبة القواعد القانونية المكتوبة مما يستلزم إلا يخالف نصاً من نصوص القانون فهومصدر تكميلي للقانون يفسر ويكمل ما نقص منه ولكي يصبح سلوك الإدارة عرفاً إدارياً ومصدراً من مصادر القانون الإداري ، يجب أن يتوافر فيه ركنان : ركن مادي و ركن معنوي .

1. الركن المادي :
ويتمثل الركن المادي باعتياد جهة الإدارة علىإتباع سلوك معين في نشاط معين وقد يكون هذا الاعتياد ايجابياً يظهر في صورة القيامبعمل ، كما يمكن أن يكون سلبياً في صورة الامتناع عن القيام بعمل ما ،على أن يكونهذا العمل أو الامتناع بشكل ثابت ومستقر ويتكرر في الحالات المماثلة بشرط أن يمضىالزمن الكافي لاستقراره ، وتقدير ما إذا كانت هذه المدة كافيه لوجود العرف من عدمهأمر مرجعه إلى القضاء .

2. الركن المعنوي :
أما الركن المعنوي فهواعتقاد الإدارة والأفراد بإلزامية القاعدة المتبعة وضرورة احترامها وعدم مخالفتهاواعتبار ذلك مخالفة قانونية تتطلب الجزاء ، وبهذا المعنى تكون القرارات الإداريةالتي تصدر مخالفة للعرف الإداري غير مشروعة وعرضه للإلغاء إذا طعن في مشروعيتهاأمام القضاء .
إلى جانب ذلك يجب أن يكون العرف الإداري عاماً تطبقه الإدارةبشكل منتظم ومستمر بلا انقطاع في جميع الحالات المماثلة وان يكون مشروعاً وغيرمخالف لنص قانوني أو لائحي .
ومن الجدير بالذكر أن التزام الإدارة باحترامالعرف لا يحرمها من أمكان تعديله أو تغييره نهائياً إذا اقتضت ذلك المصلحة العامةفالإدارة تملك تنظيم القاعدة التي يحكمها العرف بيد أن قيام العرف الجديد يتطلبتوفر الركنين السابقين فلا يتكون بمجرد مخالفة الإدارة للعرف المطبق . ( )
أماإذا خالفت الإدارة العرف في حالة فردية خاصة دون أن تستهدف تعديله أو تغييره بدافعالمصلحة العامة فإن قرارها أو إجراءها المخالف للعرف يكون باطلاً لمخالفته مبدأالمشروعية . ( )
ومع ذلك فأن دور العرف كمصدر رسمي للقانون الإداري أقل أهميةمن المصادر الرسمية أخرى لصعوبة الاستدلال على القاعدة العرفية من جهة , ولأنالإدارة في الغالب تلجأ إلى اللوائح كوسيلة لتنظيم نشاطها الإداري من جهة أخرى .
ثالثاً : القضاء .
الأصل في وظيفة القاضي تطبيق القوانين والفصل فيالمنازعات المعروضة أمامه ، وهو ملزم قانوناً بالفصل في المنازعة الداخلة فياختصاصه وإلا اعتبر منكراً للعدالة ، لذلك رسم المشرع للقاضي الأسلوب الذي يسلكهلفض المنازعة إذا لم يجد في القواعد القانونية حلاً للمنازعة .
وعلى ذلك لا يعدالقضاء مصدراً رسمياً للقانون لدوره المتعلق بتطبيق النصوص التشريعية وتفسيرهاوإزالة غموضها وإزالة التعارض المحتمل بينها ، ولا يتعدى القاضي هذا الأمر ليصل إلىحد خلق قواعد قانونية خارج نصوص التشريع . ( )
إلا أن الطبيعة الخاصة لقواعدالقانون الإداري من حيث عدم تقنينه وظروف نشأته وتعدد مجالات نشاطه ، أدى إلى أنيتجاوز القضاء الإداري دور القضاء العادي ليتماشى مع متطلبات الحياة الإدارية فيعمدإلى خلق مبادئ وأحكام القانون الإداري ،
فيصبح القضاء مصدر رسمي للقانون الإداري بل من أهم مصادرها الرسمية ، ويتعدى دوره التشريع في كثير من الأحيان .
وتتميز أحكام القضاء الإداري بعدم خضوعها للقانون المدني ، فالقاضي الإداري إذا لم يجد في المبادئ القانونية القائمة نصاً ينطبق على النزاع المعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك دون أن يكون مقيداً بقواعد القانون المدني .
ومن جانب آخر أن أحكام القضاء العادي ذات حجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيراً على النقيض من أحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .
وفي ذلك يتبين أن للقضاء دوراً إنشائياً كبيراً في مجال القانون الإداري ومن ثم فهو يشكل مصدراً رئيسياً من مصادر المشروعية .
رابعاً : المبادئ العامة للقانون .
تعد المبادئ العامة للقانون مصدراً مهماً من مصادر القانون الإداري ويقصد بالمبادئ العامة للقانون تلك المبادئ التي لا تستند إلى نص مكتوب ، وإنما يكون مصدرها القضاء وهي تختلف عن المبادئ القانونية التي يكون مصدرها التشريع . ( )
وقد لجأ القضاء الإداري إلى المبادئ العامة للقانون للفصل في العديد من المنازعات الإدارية لعدم تقنين قواعد القانون الإداري .
وتستمد أغلب هذه المبادئ من الطبيعة المتميزة للحياة الإدارية , كمبدأ دوام استمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد ، والمساواة بين المنتفعين بخدمات المرافق العامة ، ونظرية الظروف الاستثنائية , أو تستمد في فكرة العدل والمنطق والتي بمقتضاها مارس القضاء الإداري رقابته على الوجود المادي للوقائع وصحة التكييف القانوني لها وضرورة التناسب بين جسامة الذنب الإداري والعقوبة المقررة لها . ( )
والقضاء الإداري بهذا المعنى لا يخلق المبادئ العامة للقانون إنما يقتصر دوره على كشفها والتحقيق من وجودها في الضمير القانوني للأمة ، ولذلك فمن الواجب على الإدارة والقضاء احترامها والتقيد بها باعتبارها قواعد ملزمة شأنها في ذلك شأن القواعد المكتوبة .










قديم 2013-01-25, 17:44   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الوسائل القانونية للنشاط الإداري
I.القرارات الإدارية
1.1- القرار الإداري: هو عمل قانوني إنفرادي يصدر عن إحدى السلطات في الدولة و يحدث آثار قانونية بإسناد وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم .
1. 2 – عناصر القرار الإداري :
- عنصر السبب: الواقعة المادية الدافعة لإتخاذ قرار إداري معين .
- عنصر الشكل : هو الإطار الخارجي للقرار الإداري و هناك شكليات جوهرية يتدخل المشرع لأحترام هذه الشكليات
- عنصر المحل : هو الأمر القانوني المباشر و الحال المترتب بإنشاء مركز قانوني (تعديل – إالغاء )
- عنصر الإختصاص
هو الصفة القانونية لشخص معين لإتخاذ القرارات الإدارية و الإختصاص 3 أنواع :
1-إختصاص شخصي : يتحدد في شخص معين مثال : وزير الفلاحة لا يهتم بقطاع التعليم و هذا وفق للإختصاص الشخصي لكن توجد إستثناءات هي :
التفويض : محدد لمدة زمنية وفقا لموضوع معين
الإنابة : ينص عليها بنص قانوني – عدم إمكانية مواصلة الإختصاص
2-الإختصاص الإقليمي (مكاني – زماني ) : وفق الإقليم و وفق المدة الزمنية المخول لها مثال ذلك : رئيس البلدية يختص بإقليم معين و له مدة زمنية محددة وهي 5 سنوات
3-الإختصاص الموضوعي ( الأعمال المشروعة ): يعني أن تكون وفق قوانين و مراسيم محددة بموضوع الإختصاص
1.3 – تصنيف القرارات الإدارية :
تصنف القرارات الإدارية على أنها أعمال قانونية إنفرادية تصدر عن سلطة إدارية .
النظام القانوني للقرارات الإدارية
تكوين القرارات الإدارية : و تتضمن تسلسل القرارات الإدارية ، الإختصاص (ذكر سابقا) . الشكل ، تكون القرارات بسيطة أو قرارات إدارية مركبة .
و أهم ما يميز القرارات الإدارية :
- صادرة عن هيئة مختصة - أنها قرار تنفيذي
- عمل قانوني - أنها عمل إنفرادي
2- تنفيذ القرارات الإدارية :
أ- النفاذ : و يكون بطريقتين :
* النشر : ويخص القرارات الإدارية التنظيمية
* التبليغ : و يخص القرارات الإدارية الفردية
ب- التنفيذ :
1/ التنفيذ الإختياري الحر للقرارات الإدارية: الأشخاص الملزمون بتنفيذ القرارات لهم عوامل لتنفيذ القرار تنفيذا حرا أهمها حسن إنجاز و إعداد عملية إتخاذ القرارات (وجود رآي عام قوي )
2/ التنفيذالجبري للقرارات الإدارية : التنفيذ الجبري هو إمتياز من إمتيازات السلطة العامة المقررة للإدارة العامة
3/ التنفيذ القضائي للقرارات الإدارية : هو التنفيذ الأصيل للإدارة العامة بصفة قانونية و هو أن تلجأللقضاء لإجبار الأفراد على تنفيذ القرارات الإدارية
4-زوال القرارات الإدارية :
أ/ زوالها عن طريق الإدارة : وذلك يكون بطريقتين هما
-الإلغاء الإداري :و هو إعدام الآثار القانونية للقرارات الإدارية في المستقبل و ذلك على القرارات غير المشروعة مع التقيد بمدة الإلغاء شهران و هنا نميز بين إالغاء القرارات الإدارية و التنظيمية فلا يجوز للإدارة العامة إالغاء القرارات الفردية
-السحب الإداري : هو إعدام الآثار القانونية للقرارات الإدارية بأثر رجعي (كأنها لم توجد) و تتم من طرف السلطات الإدارية الولائية و الرئاسية المختصة للقرارات الإدارية غير المشروعة بسبب عدم شرعيتها ،و يشترط في السحب أن ينص على القرارات الإدارية غير المشروعة و خلال مدة زمنية محددة ب 60 يوما من قبل السلطات المختصة
ب/ الإلغاء القضائي : يقوم على دعوى الإلغاء التي هي الدعوى الأصلية و الوحيدة لإلغاء القرارات الإدارية إلغاء قضائيا
الدعاوى الإدارية : هناك أربعة دعوي و هي
1-دعوى الإلغاء: (تجاوز السلطة) بناء على المادة 231/02 تختص المحكمة العليا بضمان إلغاء القرارات الإدارية لتجاوزها السلطة و ترفع أمام مجلس الدولة إذا كانت ضد قرار صادر عن إحدى السلطات المركزية ، وفي المجلس القضائي (الغرفة الإدارية) إذا كانت ضد السلطات المحلية و المديريات العمومية و يكون الإلغاء في القرار الأصلي و هذا لعدم شرعيته
2-دعوى القضاء الكامل : و أهمها دعوى التعويض و هي من إختصاص المجالس القضائية
3-دعوى التفسير : و يلجأ إليها عندما نكون أمام قرار إداري غامض و مبهم فيقوم القاضي الإداري بتفسير هذا القرار وفقا لسلطته التقديرية
4-دعوى فحص المشروعية : و تكون عند وجود قرار إداري مشكوك في مشروعيته فيقوم القاضي بفحص هذا القرار و التأكد من مشروعيته من عدمها
II.– العقود الإدارية :
1-المعايير الكلاسيكية :
أ‌-السلطة العامة عندما تكون الإدارة طرفا في العقد نكون أمام عقد إداري
النقد : الإدارة تقوم بأعمال السلطة و أعمال التسيير . نحتاج إلى معيار يفرق بينهما
ب‌-المرفق العام : عندما يختص العقد بمرفق عام نكون أمام عقد إداري
النقد : هناك مرافق إقتصادية و مرافق إدارية
ج‌-البند الغير مألوف : عندما يحتوي العقد الشرط غير المألوف كإلغاء – تعديل ...............إلخ نكون أمام عقد إداري
النقد : هذا النوع يوجد في القانون المدني في عقود الإذعان
2- الإتجاه الحديث : بزعامة الفقيه لوبادير يرى أن النظام غير المألوف هو الذي يحدد لنا تعريف و مفهوم العقد الإداري الذي يخضع - لنظام العقوبات
- نظام رقابة (إلغاء العقد وتعديله )
و هنا نجد أن اقضاء الفرنسي نهج الإتاه الحديث في قضية 1973 قضية شركة الإستثمار الكهربائي في نهر البيان بفرنسا
و عليه فمهمة تعريف العقد الإداري مهمة صعبة جدا
العقد الإداري بالجزائر
يعتبر الفقيه أحمد محيو أول من بحث في العقد الإداري في قانونالصفقات العمومية في سنة 1967 . المادة 2 من هذا القانون (هي عقود خطية تبرمها الدولة ،الولاية ، البلدية من أجل إنجازأشغال عامة أو توريدات أو دراسات ) و قد أخذ المشرع بثلاثة معايير:
·معيار خطي : في عقود خطية
·معيار عضوي : الدولة ، الولاية ، البلدية
·معيار موضوعي : توريدات ، أشغال ، دراسات .
و أعتبر الأستاذ أحمد محيو أنا المعيار العضوي كاف لتعريف العقد الإداري لكن الإشكال أعيد طرحه بعد تعديلات 81- 90 – 2002 هذه الأخيرة أضافت شخصا آخر و هو مؤسسات عمومية إقتصادية لكن المادة 07 (الدولة ،الولاية ، البلدية ، المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ) لا تضم هذا النةع من الأشخاص الإداريين و هذا ما يدل على تدهور المعيار العضوي .
جاء الفقيهان عمر بن رحال و الشريف بن ناجي و قالا أنه يمكن تعريف العقد الإداري من خلال عقد الإمتياز ( وهو عقد بمقتضاه تكلف السلطة شخصا طبيعيا أو معنويا بتسيير مرفق عام لمدة زمنية معينة مقابل آتاوى يتلقاها من المنتفعين)
و عقد الإمتياز يحوي على شروط تنظيمية و شروط تعاقدية
- الشروط التنظيمية : هي التي تملك الجة الإدارية تعديلها في أي وقت كلما دعت حاجة المرفق العام أو موضوع الإمتياز إلى ذلك و تمتد آثارها إلى الأطراف الثلاثة
- الشروط التعاقدية : تمنح لفائدة العقد شرريعةالمتعاقدين و هي شروط لا تهم المنتفعين مباشرة بل الجهة الإدارية و الملزم بهذا الإلتزام ، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشروط تسجل و تدون في دفتر الشروط .
مظاهر النشاط الإداري
I.المرافق الإدارية
1-نشوء المرافق العامة :
-نشوء المرافق العامة عن طريق النصوص القانونية :
·الدستور : يكرس الدستور المرافق العامة و ينشأها عن طريق السلطة التشريعية طبقا للمادة 29 – 123
·اللوائح و التنظيمات : السلطة التنفيذية رعم أنه ليس من اختصاصها إلا أنها تساهم في إنشاء المرافق العامة ( قانون المالية 97 يحق لأشخاص القانون الخاص تجاريون و صناعيون تسيير مرافق عامة المادة 113 من المرسوم )
-نشوء المرافق العامة عن طريق القضاء و الفقه :
·الفقه يرى الفقيه هوريو أنا المرفق العام هو ( منظمة عامة تقدم خدمة عامة بإستخدام السلطة العامة )
و يرى الفقيه دوجي أنه ( نشاط يتحتم على اسلطة القيام به لتحقيق التضامن الإجتماعي )
كما يرى الفقيه لوبادير ( هو نشاط يباشره شخص معنوي عام أو تحت رقابته مستعملا نظاما مغايرا للقانون المشترك )
·القضاء : أما بالنسبة للقضاء فالمرافق العامة تخضع للقانون الإداري في منازعاتها الإدارية
مبادىء و آسس المرافق العامة :
-المساواة بين المنتفعين : كل المنتفعين متساوون في الحقوق و الواجبات
-مبدأإستمرارية المرافق العامة : أي حتمية ديمومة وسيرورة المرافق العامة
-التكيف و القابلية للتغيير : و يكون ذلك وفقا للتغيرات الحادثة
-المجانية : أهم ما يميز المرافق العامة
تسيير المرافق العامة :
و لتسيير المرافق العامة و جدت أساليب كلاسيكية و أساليب حديثة
1- الأساليب الكلاسيكية : و هي أن تسيير المرافق العامة عن طريق المؤسسة العمومية الإدارية أي أن المؤسسة العمومية هي أداة تسيير المرفق العام .
و تكمن مكانة المؤسسات العمومية الإدارية في أنها خاضعة للقانون الإداري و موظفوها يخضعون لقانون الوظيف العمومي ، أموالها ممتازة و تتمتع بالحماية المدنية والجنائية كونها أموال عامة ، و منازعاتها تخضع للمنازعات الإدارية و يختص بها القاضي الإداري طبقا للمادة 07
2- الأساليب الحديثة :
1- الإستثمار من أجل خلق ثروة جديد تنشأ مرافق عامة عن طريق الإستثمار و كذا لضمان فعالية في تسيير المرافق العامة أحسن
2- الإمتياز : و دلك لتقليص العبىء على الإدارة فتلجأ إلى مثل هذا النوع ، وهو تكليف للأشخاص العامة أو الخاصة
3- مشاطرة الإستغلال :و هو نوع من أنواع الكراء
4- الإستغلال : يستغل المرفق العام من أحد الأشحاص العمة أو الخاصة للقيام بخدمات بدل المؤسسة مقابل مبالغ معينة للإدارة في إطار إتفاق بينهما



II.الضبط الإداري
تعريف الضبط الإداري :
مجموعة الإيرادات التي تقوم بها الهيئات العامة حفاظا على النظام العام.
أهداف الضبط الإداري: هو المحافظة على النظام العام بعناصر ه الثلاث:
vالحفاظ على الأمن العام + الحفاظ على الصحة العامة + الحفاظ على السكينة العمومية
أنواع الضبط الإداري :
ضبط إداري عام : مجموع الإجراءات الممنوحة لهيئات الضبط الإداري للمحافظة على النظام العام .
ضبط إداري خاص : مجموع السلطات الممنوحة للإدارة بقصد تقييد نشاط وحريات الأفراد في مجال محدد ، فهو يخص مكان محدد ونشاط بذاته.
خصائص الضبط الإداري :
الصفة الإنفرادية : عموما الضبط الإداري هو إجراء تباشره السلطة الإدارية المنفردة وتهدف إلى المحافظة على النظام العام .
الصفة الوقائية: يتميز الضبط الإداري بالطابع الوقائي ، فهو يبعد المخاطر عن الأفراد.
الصفة التقديرية:أن للإدارة سلطة تقديرية في ممارسة الإجراءات الضبطية.
سلطات وهيئات الضبط الإداري :
1/على المستوى المركزي: -رئيس الجمهورية : وذلك بموجب الدستور
-رئيس الحكومة : وفقا للمادة 125/02 و83/03الدستور
-الوزراء حسب القطاع المخصص له).
2/ على المستوى المحلي: -الوالي : نص المادة 96من قانون البلدية
ر. م. ش. ب: نص المادة 69-75 قانون البلدية
وسائل الضبط الإداري:
وسائل مادية : الإمكانيات المادية المتاحة للإدارة.
وسائل بشرية : أعوان الضبط الإداري (شرطة الدرك)
وسائل قانونية: القرارات التنظيمية.
حدود سلطات الضبط الإداري :
vالخضوع لمبدأ المشروعية : أن يكون الضبط مشروعا.
vإحترام حريات الأفراد:عدم التعسف في استعمال السلطة.
vالخضوع لرقابة القضاء : بما أنه نشاط إداري فإذا ثبت تجاوزه و خرقه للقانون كان عرضة للرقابة القضائية.










قديم 2013-01-28, 23:26   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مفهوم الحق
-تعريف الحق
لقد حاولتعدة مذاهب تعريف الحق نذكر منها أهمها والمتمثلة في المذهب الشخصيثم المذهب الموضوعي وأخيرا المذهب المختلط والنظرية الحديثة
المذهب الشخصي

يتزعم هذا المذهب سافيز وينظر إلى الحق من المنظور أي بنظر صاحب الحق فيعرف الحق بماأنه قدرة أو سلطة إرادية تثبت للشخص يستمدها من القانون ويجعل هذا المذهب من الحق صفة تلحق صاحبه ومقتضى هذا التعريف أن ثبوت الحق يكون رهنا يتمتع صاحبه بإرادة التي يكتسب بها الحق ويباشر ويعدله
*تقدير المذهب الشخصي
إذا كان هذا المذهب قد أصاب في أن الحق لا يثبت إلا للشخص بالنظر لقيمته الاجتماعية الذاتية التي يمثلها ويتمتع بها (الشخص الطبيعي ) أو بالنظر لقيمة الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه بالنسبة للمجتمع (شخص معنوي ) بما يبرز أن يكون الشخص صاحبا للحق وليس محلا له يعكس الجمادات والحيوانات التي تكون محلا للحقوق والالتزامات
* الانتقادات الموجهة للمذهب الشخصي
ويمكن أن نلخص أهم الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية في:
1- إن ربط وجود الحق يإرادة يكشف عن قصورواضح لهذا التعريف حيث أنه سيؤدي إلأى حرمان إلى حرمان تام لبعض الاشخاص من كل حق خاصة الأشخاص الذين تنعدم لديهم الإرادة كالصبي غير المميز والمجنون
2- جعل الارادة مناط الحق يحول دون استعاد حالات كثيرة تثبت فيها الحق لصاحبه رغم عدم عمله ودون تدخل من إرادته مثل حالة الغائب والموصى له الذي ينشأ حقه بوفاة الموصى رغم عدم علمه بذلك والوارث الذي تثبت له الحقوق رغم عدم علمه بوفاة مورثه ودون التدخل ارادته كما أن هذا التعريف يعجز عن التفسير ما يثبت للأشخاص المعنوية من حقوق بالرغم من توافر إرادة حقيقة لها
3- وهذا الانتقاد الحاسم يلخص كل الانتقادت ويفسرها وهو أن هذا التعريف يلحظ بين الحق واستعماله أو بين وجود الحق وبين مباشرته فالحق بوجود دون أن يتوقف وجود على قدرة إرادية لدى صاحبه ولكن مباشرة هذا الحق واستعماله يستلزم في الغلب وجود هذه الارادة فوجودها لا يكون حينئذ شرطا لقيام الحق لكن قد يكون شرط لمجرد مباشرته
مثال : عديم الأهلية يستعمل حق ملكية حين يسكن منزله أو يركب سيارته بالرغم من عدم وجود إرادة لديه
المذهب الموضوعي :رائد هذه النظرية هو الفقيه الأماني اهريدج هو يعرف الحق بأنه مصلحة يحميها القانون الذي يرى أن دور الارادة في الحق ليس جوهريا بدليل أن القانون يعترف بالحقوق للمجنون والغائب الصغير ويرى أنصار هذا المذهب أن الحق هو مصلحة مادية أو معنوية يحميها القانون فالمصلحة أو المنفعة هي جوهر الحق وليست الارادة والمصلحة قد تكون مادية فقد تكون معنوية كالحرية والشرف
* تقدير المذهب الموضوعي :كان للمذهب الموضوعي فضل التنبيه إلى أن الارادة إذا كانت قد تظهر في بعض الأحيان كأحد أسباب اكتساب الحق واستغلاله لكنها بعيدة عن أن تمثل جوهرة ونية إلى صاحب الحق ليس هو صاحب إرادة الذي يباشر أسباب اكتساب الحق وانما هو يثبت له المنفعة المصلحة فضلا عن نجاحه في رصد أن المصلحة المرجوة من تمثل الاعتبار الدافع لأسبابه
* الانتقادات الموجهة للمذهب الموضوعيالتسليم بأن المصلحة تمثل الغاية من الحق يستلزم أن يكون الحق شيئا آخر غيرها بحيث أن تعريف الحق بالمصلحة المقصودة أو المنفعة المتحققة يمثل خلطا بين جوهر الحق والغاية منه
1- في المنطق اهريج المصلحة محمية لأنه معترف بها كحق يستأمل هذه الحماية فوسيلة حماية الحق تكون تالية نشوء الحق ولا يمكن اعتبارها شرطا وعنصرا لوجوده وإنما هي أثر لهذا الوجود فالحق لا يعتبر حقا لأن القانون يحميه يدعون ولكن الصحيح أن القانون يحميه بدعوى لأنه حق بين مقوماته الجوهرية وخصائصها الذاتية لأنه يعتمد في تعريفه على أشياء خارجية عن كيانه الذاتي كالمصلحة وهي نظرية الحق الغرض ومنه والدعوى وهي وسيلة حمايته وعلى ذلك فاهرنج يدور حول فكرة الحق دون أن يمله إلى جوهر اشباع مصلحة معينة
المذهب المختلط:ذهب هذا الاتجاه في تعريف الحق إلى الجمع بين عنصري الارادة والمصلحة مع الاختلاف فيتقديم أي العنصرين على الآخر
فمتى غلب عنصر الإرادة عرف الحق بأنه السلطة الارادية التي يقررها القانون لشخص من الأشخاص تحقيقا لمصلحة القائمة التي تحميها القانون بحيث تكون الارادة هي القاعدة على تحقيق المصلحة
بينما متى غلب عنصر المصلحة عرف الحق بأنه المصلحة التي يحميها القانون والتي يقوم على تحقيقها ارادة معترف بها الشخص"وفقا لهذا الاتجاه فإن المصلحة لم تعد العنصر الوحيد للحق وانما تظهر الارادة كمحقق له ومدافعة عنه
*الانتقادات التي وجهت إلى المذهب المختلط:يتضح لنا من التعريف الذي يقول به أنصار المذهب المختلط أنه يتراوح بين الارادة والمصلحة ولهذا يمكن أن يوجه إليه ذات الانتقادات التي وجهت إلى الاتجاهين السابقين وأهمها أنه لم يعرف الحق ذاته وبين جوهره فالحق ليس الارادة كما أنه ليس المصلحة وبالقطع ليس هذا أو ذاك معا ولذلك ظهر اتجاهات فقهية حديثة حاولت أن تكشف عن جوهر الحق وخصائصه الذاتية المميزة له
النظرية الحديثة :ونتيجة للانتقادات الموجهة للنظرية المذهب السابق ظهرت نظرية حديثة في تعريف الحق وحمل لواءها الفقيه الفرنسي دابان ويتأثر بها أغلب الفقهاء ويعرف أصحاب هذا الحق بأنه : " ميزةيمنحها القانون لشخص ما ويحميها بطريقة قانونية ويكون له بمقتضاها الحق في التصرف متسلطا على مال معترف له بصفة مالكا أو مستحقا له " ومما سبق نقترح تعريف مجمل للحق بأنه الاستنثار الذي يقره لقانون لشخص من الأشخاص ويكون له بمقتضاه إما تسلطا على شيء معين أو اقتضاء أداء معين من شخص لآخر هذا التعريف يتميز بأنه يتفق على الضوء وعلى جوهر الحق وهو الاستنثار كما أن هذا الاستئثار يقره القانون وبالتالي تظهر العلاقة الوثيقة بين الحق والقانون
مقومات الحق :من خلال التعريف يتضح لنا أن للحق مقومات أربعة هي :
الاستئثار : أي اختصاص شخص بمال أو قيمة معينة على سبيل الانفراد وقد يرد الاتئثار على شيء مادي كالمنقول أو العقار على شيء ذهني كنتاج الفكر أو على قيمة لصيقة بالشخص كسلامة الجسم أو على عمل معين لهذا يختلف الحق عن الحريات والرخص التي تعرف فكرة الاستئثار او الانفراد، بل يتمتع الجميع بحق على قدم المساواة كحرية السير في الطرق العامة
التسلط الذي يأتي نتيجة طبيعة الاستئثار فمن يستأثر بشيء يكون له تسلط عليه أي القدر على التصرف بحرية في الشيء محل الحق أو الأداء أو الامتنماع على العمل إذا كان واردا على عمل
إلا أنه في بعض الأحيان يقيد القانون هذه القدرة بقيود معينة لصالح العام كعدم جواز تصرف الشخص في جسم أو حياته وكوضع بعض القيود على حرية المالك في استغلال ملكه
الاقتضاء يستطيع الشخص أن يقتضي من الناس كافة احترام حقه إذ يقع التزام عام على الناس بالامتناع عن كل ما من شأنه أن يعوق استئثار الشخص وتسلطه على الشيء محل الحق
وقد يكون الحق في مواجهة شخص أو أشخاص معينين أي في صورة رابطة تقوم بينهم كحق الدائنية إذ يستطيع صاحب الحق أن يقتضي حقه من المدين
الحماية القانونية أي الجزاء الذي يضعه القانون في حالة الاعتداء على الحق والدعوى القضائية هي الوسيلة لحماية الحق والقانون لا يحمي الحق إلا إذا قدر أن المصلحة التي ترد عليها جديرة بالحماية إي ذات القيمة اجتماعية معينة
علاقة الحق بالقانون والحريات العامة
علاقة الحق بالقانون : إن الحق والقانون هما مرتبطانفالحق دائما ينشأ أو يتقرر بموجب القانون ولا تكون له قيمة إلا بحماية القانون ولكن في نفس الوقت لا بد لأن على معنى شيء واحد ففي اللغة الفرنسية يعبر عن الحقdroitويعبر عن القانون بنفس الكلمة ويعبر عن الاستقامة بكلمة ذاتها ولجأ بعض الفقهاء الفرنسيين إلى التمييز بين القانون والحق وأطلقوا على الحقوقDROIT SUBJECTIFوأطلقوا على القانونOBJECTIFالقانون الموضوعي ونرى أن فقهاء العرب استخدموا هذه التعبيرات على أساس أن تعبير الحق الموضعي يقصد به النص القانوني الذي ينشئ الحق أو يقرر ويعد مضمونه أما الحق الشخصي أوالذاتي فيقصد به القدرات أو السلطات والمزايا التي تحمي الحق وتلزم الآخرين احترامه ويجدر بنا القول رغم الارتباط الوثيق بين الحق والقانون فهما يتميزان من حيث المفهوم والمدلول
علاقة الحق والحريات العامة
لقد استخدمت كلمة الحق والقانون كمرادفتي فيقال الحريات العامة أو الحقوق العامة وهذا ليس صحيح وحقيقة الأمر أن الحريات العامة ترادف الترخيص أو اباحة التصرف وهي ملخصة في كافة أفراد المجتمع يتكفل لحمايتها عادة الدستور بحيث يضمن لهم الساواة لحدود النظام القانوني للدولة يمكن لنا الاختلاف في الحق والحرية في ما يلي :
1- الحريات تمثل اباحة أصلية ومطلقة للجميع أما الحقوق فقاصرة على أشخاص معينين
2- الحريات العامة لا يقابلها الالتزام في جانب الشخص معين أم الحق المقرون بالالتزام في مواجهة الغير
3- الفرق بين الحريات والحق على أساس نصوص القانون المتعلقة بالتعسف وتجاوز الحدود وسوء الاستغلال ترد جميعها على الحق
أنواع الحقوق
معايير التقسيم:اختلف الفقه حول معيار التقسيم فمن جانبنا نعتمد على القيمة المالية للحق كأساس للتقسيم باعتبار بمثل من جهة الصفة المميزة لأغلبها ومن جهة أخرى لأهمية النتائج العلمية لهذا التقسيم ويقوم هذا التقسيم على أساس النظر إلى الغاية الأساسية من الحق سواء كانت الغاية نفعية تعود على صاحب الحق أو كانت اجتماعية مفترضة على المستوى الاجتماعي من الحق فإذا كانت الغاية الأساسية من الاعتراف به هي تمكين للحصول على فائدة أو مصلحة من وراءه كان حقا ماليا فالمتعامل فإنه حيث يوجد الغاية الأساسية في تحقيق منفعة أو مصلحة أو ذات قيمة غير مالية كان الحق غير مالي
أنواع الحق من حيث الموضوع :ينقسم الحق من حيث الموضع إلى حقوق سياسية وأخرى مدنية
الحقوق السياسية :هي الحقوق التي يحددها الدستور للمواطنين لانتمائهم إلى وطن معين فهذا الانتماء يعطيهم الحق في المشاركة في شؤون الجماعة وإدارتها وتنشأ هذه الحقوق بمناسبة تحديد نظام الحكم في الدولة إدارتها ، لذا يتولى القانون الدستوري والقانون الإداري بيانها وتحديد مضمونها و من أهم الحقوق السياسية تتمثل في:
الحق في الانتخاب : أي الحق في التصويت لاختيار ممثلي الشعب سواء على المستوى المركزي أو المحلي
الحق في الترشح : هوحق في التقدم إلى هيئة الناخبين لاختياره نائبا عنهم
الحق في تولي الوظائف العامة وهو حق ما يمكن المشاركة في ادارة مرافق الدولة وهيئاتها ومصالحها"م14" من الدستور 71 : "الوظائف العامة حق للمواطنين"
حق في ابداء الرأي في الاستفتاء المادة 62 من دستور 71
الحق في تكوين أحزاب سياسية المادة 55 من دستور 71
خصائص الحقوق السياسية
تتميز هذه الحقوق بما يلي:
إن هذه الحقوق ليس لها طابعا ماليا
هذه الحقوق تخص المواطنين دون الأجانب ولكن القانون قد يجيز على سبيل الاستثناء وفي بعض الحالات توظيف الأجانب
لا تعتبر هذه الحقوق ميزات أو مصالح للمواطنين بل أنها وظائف سياسية أي ينظر إليها على تكاليف وليس حقوقا
حقوق مدنية :وفي هذه الحقوق تهدف إلى حماية الأفراد ومصالحهم وهي تنقسم إلى حقوق عامة وأخرى خاصة
* الحقوق العامة وهي التي تثبت للشخص بمجرد وجوده أو لكونه إنسان حق الشخص في الحياة وسلامة جسمهونذكر بعض الخصائص لهاته الحقوق وهي:
الحقوق التي لا يمكن انتقالها إلى الغير للتنازل عنها
هذه الحقوق لا تنقل إلى الورثة
الحقوق الخاصة : وتنقسم بدورها إلى قسمين وهما حقوق الأسرة وحقوق مالية
حقوق الأسرة : وهي الحقوق التي تثبت للشخص باعتباره عضوا في أسرة معينة سواء كان ذلك بسبب الزواج أو بسبب النسب وتختلف باختلاف مركز الشخص ووضعه في هذه الأسرة
الحقوق المالية : هذه الحقوق تنتج على المعاملات المالية بين الأفراد وتسمى بالمالية لأن موضوع الحق فيها يقوم على أساس المال
أنواع الحق من حيث الاستقلالية والتبعية
أنواع الحق من حيث الاستقلالية ( حقوق عينية أصلية :هي تلك الحقوق العينة المستقلة التي لا تتبع حق آخر أو تستند في وجودها إليه وإنما تنشأ مقصودة لذاتها بما تعطيه لأصحابها من سلطة الحصول والمزايا والمنافع المالية للأشياء المادية ، وهي لا تخج عن السلطات الاستعمال والاستغلال والتصرف وتنقسم إلى:
حق الملكية وهو أشمل الحقوق العينية مضمونا إذ يخول لصاحبه سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف (م802 من القانون المدني ) على ملكه سواء كان عقارا أو منقولا
حقوق متفرعة عن الملكية:وهذه الحقوق هي تلك تقتطع بعض السلطات الملكية لحساب شخص غير المالك وقد حدد القانون المدني هذه الحقوق : حق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكن وحق الارتفاق أنواع الحق من حيث التبعية
هذه الحقوق تعتبر عينية لأنها ترد على شيء معين صاحبه سلطة مباشرة على هذا الشيء ولكنها لا تقوم استقلالا بل بالتبعية لحق شخصي أو لضمان الوفاء به فالدائن صاحب الحق الشخصي قد يتعرضلمخاطر عدم الحصول على سداد دينه لأنالمدين يمكن أن يهرب أمواله أي يتصرف فيها على نحو لا يبقى لديه شيء يستطيع التنفيذ عليه و قد يكون هناك اكثر من دائن في الوقت الذي لا تكون أموال المدين كافية لسداد ديونه جميعا وتنقسم الحقوق العينية التبعية بحسب مصدرها إلى:
حق الرهن : ويتقرر بناء على اتفاق أو عقد
حق الاختصاص ويكون بأمر من القضاء
حق الامتياز ويكون بناء على النص قانونية
كما لا ننسى أن هناك حقوق مطلقة وأخرى نسبية كما توجد حقوق تامة وأخرى ناقصة

الحقوق المطلقة وهي الحقوق
أنواع الحقوق من حيث الأشخاص المواجهين له
الحق المطلق
هو الحق الذي يكون فيه الشخص في مواجهة كافة الأشخاص كحق الملكية
الحقالنسبي : فهو الحق الذي يكون للشخص فيه الحق في مواجهة شخص معين أو أشخاص معينين مثل حق الدائن كما لا ننسى أن نذكر أن هناك حقوق تامةوأخرى ناقصة

الحقوق التامة : وهي الحقوق التي يعترف بها القانون ويحميها
الحقوقالناقصة : وهي الحقوق التي يعترف بها القانون ولا يحميها مثل سقوط الدين بالتقادم ( سقوط من حق تام إلى حق ناقص
الاسم و الحالة :
الاسم :
تعريف الاسم : الاسم هو الوسيلة التي يتميز بها الشخص عن غيره . وللاسم معنيان معنى ضيق ويقصد به الاسم الشخصي PRENO والمعنى الثاني يقصد به اللقب أو اسم الأسرة NOM DE FAMILLE OU Patronimique .
- وتنص المادة28/1 مدني على انه : "يجب أن يكون لكل شخص لقب واسم فاكثر ولقب الشخص يلحق بأولاده .
- وهناك أنواع أخرى للاسم يحميها القانون إذا استعملت بصفة مستمرة وحمايتها تكون بقدر حماية الاسم المدني من ذلك .
اسم الشهرة والاسم المستعار والاسم التجاري
اسم الشهرة :le surnom
- وهو اشتهار الشخص باسم آخر بين الناس واسم الشهرة هو من صنع الناس أي غير هو الذي يطلق على الشخص هذا الاسم واسم الشهرة جدير بحماية القانون.
الاسم المستعار :Pseudonyme : - ويطلقه الشخص على نفسه بقصد تحقيق عرض معين كإخفاء شخصيته في مناسبة معينة وقد يكون الغرض سياسيا كتسمية رجال المقاومة بأسماء مستعارة لإخفاء أسمائهم الحقيقية والشخص حر في اختيار هذا الاسم وكذلك هذا الاسم يحميه القانون إذا استعمله صاحبه بصفة مستمرة
الاسم التجاري : - وهو استخدام التاجر اسما يمارس تحته تجارته ويكون مميزا لمحله التجاري وعنصرا من عناصره
وهو حق مالي قابل للتصرف فيه وفقا للمادة 78 تجاري وتعرض فيما يلي للاسم المدني فبين طريقة اكتسابه ومميزاته .حمايته وفي الأخير طبيعته القانونية .
أولا :الاسم المدني :
ا.كيفية اكتساب الاسم العائلي:
1.النسب : وهو الطريق الطبيعي لاكتساب الاسم ,فينسب الولد إلى أبيه إذا ولد خلا ل عشرة اشهر. وكذلك يثبت النسب الإقرار أي بإقرار البنوة لمجهول النسب ولو تم ذلك الإقرار في مرض الموت .
2 . القانون : - يقوم ضابط الحالة المدنية باختيار اسم للقيط أو الولود من أبوين مجهولين المادة 64 من قانون الحالة المدنية 1.
3. الزوجية : - جده في الدول الغربية حيث تحمل الزوجة لقب زوجها ولا تفقد لقبها العائلي فيصبح لقبان تختار بينهما .
كيفية اكتساب الاسم الشخصي: - المادة 64 من قانون الحالة المدنية توجب الأب أو الأم أو من بلغ عن ميلاد الشخص إتير اسم له من اسماي الجزائرية وقد وضعت الدولة قائمة اسمية للأشخاص .
مميزات الإسم :
يمتاز الاسم بأنه غير قابل لتصرف أو النزول عنه كما انه لا يخضع لنظام التقادم المكسب أو المسقط.
حماية الاسم : يحضى الاسم بحماية قانونية أعطاها له المشرع وتكون الحماية على كافة أنواعه دون تمييز وتكون الحماية على إحدى الاعتداءين .
1.انتحال الاسم دون حق أي التسمي باسم الغير دون إذنه .
2. المنازعة غير المبررة فاستعمال الغير للاسم وهي تأخذ صورتين .
- إما الإدعاء بعدم أحقيته بهذا الاسم وإما إشاعة عدم الأحقية بين الناس والحماية هنا هي المطالبة بوقف الاعتداء أو التعويض المادة 48 قانون المدني وقد تشدد حتى تصل بالحبس من 6 اشهر إلى 5 سنوات أو المتابعة بجناية تزوير وهذا ما نصت عليه المادة:249 قانون العقوبات .
الطبيعة القانونية للاسم : - لقد إختلف الفقهاء حول تحديد الطبيعة القانونية للاسم فهناك انه مجرد نظام إداري للبوليس المدني وهناك من يرى انه حق ملكية على حق معنوي وهناك من يراه انه حق وواجب في آن واحد وظهر اتجاه آخر .
- يرى انه حق من حقوق الأسرة وهو الرأي الراجح إذ انه في الغالب ما ينتج صدور الاسم من الانتماء الأسرة .
مفهوم الحالة :
تعريفها:
- هي من أهم مميزات الشخصية القانونية فتثبت الحالة السياسية لشخص بانتمائه لدولة وتثبت حالته الدنية من خلال إتباعه لعقيدة معينة .
أنواعها:
1/الحالة السياسية:
v وتعني ارتباط الشخص بالدولة وانتمائه لها ويكون ذلك عن طريق حمل جنسية الدولة ويحملها بطريقتين إما الدم أو الإقليم كما أن جنسية الدم هي جنسية أصلية وفي حالة تعدد الجنسيات يطبق القاضي الجنسية الفعلية آو الحقيقية .
2/ الحالة الدينية :
- الإسلام دين الدولة ولا وجود في الإسلام لمثل بعض الامتيازات الممنوحة في طوائف معينة كما هو في بعض البلدان ويترتب على كون الشخص مسلما فإنه يخضع لأحكام التعامل بين المسلمين مع غير المسلمين
3/الحالة العائلية :
- وهي العلاقة التي تربط الشخص بالعائلة وقد تنكون هذه الرابطة نسب أو قرابة مصاهرة
1/ أنواع القرابة:
* قرابة النسب : حسب نص المادة 32 من القانون المدني تتكون أسرة الشخص من ذوي قرباه ويعتبر من ذوي القربة وبذلك تكون إما مباشرة وهي التي تربط بين الأصول والفروع أي التي تربط الجد بأبنائه وحفدته .
الجد الأصل لا يحسب




الأب درجة 2 صعودا



الابن درجة 1 مباشرة






* قرابة الحواشي : وهي التي تربط بين الأشخاص الذين يجمعهم أصل واحد دون أن يكون أحدهم فرعا للآخر .


الجد ( الأصل ولا تحسب درجة )








الأب درجة 2 الأب درجة 3



صعودا

نزولا


الابن درجة 1 الابن درجة 4

فقرابة ابن العم بابن عمه هي قرابة حواشي من الدرجة الرابعة

*-قرابة المصاهرة :
-هي تنتج نتيجة الزواج , ويحتفظ فيها كل قريب بدرجة قرابته للزوج الآخر .
-أهمية القرابة :
من حيث الإرث : يترتب عن القرابة أن الأقارب يتوارثون فيما بينهم .
من حيث التعويضات المدنية : يستطيع الأقارب مطالبة المسؤول بالتعويض عن الضرر الموروث الذي ألحقه بمورثهم .
من حيث الولاية : يتولى الأصل ولاية الفرع إذا كان هذا الأخير عديم الأهلية أو ناقصها .
من حيث النفقة : يكون الأصول ملزمين بالنفقة على الفروع كما أن الزوج ملزم بالنفقة على الزوجة إذا توافرت أسباب النفقة
من حيث رد القاضي :يجوز طلب رد القاضي في أي مرحلة من مراحل الدعوى إذا كانت له قرابة بأحد الخصوم .المادة 201 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري
من حيث الدعوى الجزائية : السرقة بين الأقارب حتى الدرجة الربعة لا تحرك النيابة الدعوى حتى يقدم الضحية الشكوى .
الأهلية الموطن والذمة المالية :

المطلب الأول : الأهلية :
الفرع الأول : مفهوم الأهلية :
- هي صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالالتزامات والقيام بالأعمال والتصرفات القانونية يترتب عليها كسب الحقوق أو يترتب عليها الواجبات التي تتأثر أحكامها ( المادة 45 مدني جزائري ) وقد أحال القانون المدني الجزائري في المادة 44 أحكام الأهلية إلى قانون الأسرة يعطى له حق التصرف والأداء الذي فرض أهلية الوجوب والعكس وهناك استثناءات عند نقص الأهلية فهنا يتحملها شخص آخر يوصى على العناية بمال أو تصرفات الشخص الناقص الأهلية حسب المادة 82.85 حيث قد ينوب عنه وليه أو كفيله ......
الفرع الثاني : أنواعها :
أولا : أهمية الوجوب : تبدأ من الولادة حتى الوفاة تثبت في بعض الأحيان قبل الميلاد مثل الجنين شرط و لادته حيا و هي تمر بمرحلتين :
المرحلة الأولى : و هي مرحلة الحمل و يعد فيها الشخص ذو أهلية وجوب ناقصة لأنه غير صالح للتحمل بالالتزام و غير صالح لكسب الحقوق و تثبت له شرط و لادته حيا المادة : 187 من قانون الأسرة .
المرحلة الثانية : تبدأ بعد ولادته حيا : حيث يستطيع بعدها تحمل الالتزامات لاكتساب الحقوق إلا ما منعه عنه القانون بنص خاص المادة : 403 من قانون المدني : تمنع المحامين من شراء الحقوق المتخاصم عنها المادة : 135 من قانون الأسرة تمنع قاتل العمد من ميراث مقتوله .
ثانيا : أهلية الأداء : هي صلاحية الشخص لمباشرة التصرفات القانونية بنفسه و أهلية الأداء تفترض أهلية الوجوب و العكس غير صحيح المادة : 82 , 85 , 83 من قانون الأسرة .
إن تصرفات كامل الأهلية تعد صحيحة و ناقص الأهلية تصرفاته قابلة للإبطال و معدوم الأهلية تصرفاته باطلة بطلانا مطلقا . و انه يمكن تمييز أهلية الأداء بـالمراحل التالية :
1/ المرحلة الأولى : وهي مرحلة الجنين : ليس له أهلية الأداء .
2/المرحلة الثانية : و هي مرحلة الصبي المميز : و هي من الولادة حتى السادسة عشر **له أهلية منعدمة و في مصر سبع سنوات 07.
المرحلة الثالثة : مرحلة الصبي المميز : و تمتد هذه المرحلة : من السادسة عشر دون بلوغ سن الرشد و هنا تكون أهليته قابلة للإبطال و نميزها من خلال تصرفاته .فإذا كانت تدخل ضمن تصرفات الضارة محضا فإنها تكون باطلة , أما التصرفات التي تدور بين النفع و الضرر متروكة للسلطة التقديرية للقاضي , أما التصرفات النافعة نفعا محضا فإنها جائزة مع امكانيه إبطالها .
المرحلة الرابعة : أهلية التمييز :و هي مرحلة بلوغ سن الرشد و هنا تكون تصرفاته صحيحة سواء كانت نافعةاو ضارة حسب نص المادة : 40 من قانون المدني : من بلغ سن التسعة عشر سنة كاملة متمتعا بقواه العقلية و غير محجور عليه أصبح أهلا للتصرف .
- و تجدر الإشارة هنا إلى انه في حالة بلوغ الشخص سن : 19 سنة و لم تكن له أهلية أو انعدمت فتدخل المشرع و اوجب على ضرورة تعين ولي أو وصي أو قيم مادة : 44 من القانون المدني .
v 1/ الولي : - بالرجوع إلى نص المادة : 87 من قانون الأسرة الجزائري نجد إن الولاية تثبت للأب و وصيه و الولاية هنا على مال الصغير و إن انعدم الولي أو الوصي انتقلت الولاية إلى إلام المادة : 99 من قانون الأسرة .و الولاية هنا هي التصرف في الموال القاصر تصرف الرجل الحريص و تنتهي الولاية بعجز الولي أو عدم قدرته على أداء الولاية أو موته أو الحجر عليه أو بلوغ الصبي سن الرشد
v 2/ الوصي : - هو كل من تمنح له الولاية على مال الصغير غير وليه الشرعي و يسمى بالوصي المختار لان الأب هو الذي يختاره و يشترط بان يكون بالغا مسلما أمينا , و سلطات الوصي هي نفسها سلطات الولي و تنتهي بنفس انتهاء سلطات الولي .
v 3/ المقدم : أو القيم : *حسب المادة : 99 من قانون الأسرة : المقدم هو الذي تعينه المحكمة في حالة عدم وجود الولي أو وصي على من كان فاقد الأهلية أو ناقصها و ناقص الأهلية هو المجنون و المعتوه و السفيه و ذو الغفلة .
- عوارض أهلية الأداء :
1/ الجنون : هو مرض يسبب اضطراب العقل و زواله و قد يصل إلى حد إعدام الإرادة .
2/ العته : نقص خلقي أو مرض طارئ آو لكبر السن يصيب الإدراك .
3/ السفه : السفه هو تبذير المال على مقتضى العقل .
4/ الغفلة : هي السذاجة إذ لا يعرف صاحبها ما ينفعه و ما يضره .
موانع أهلية الأداء :
1/ الغياب : و هو مانع مادي أي من ليس له محل إقامة آو موطن معروف , فيعين له وكيل إذ لم يترك وكيلا و تنتهي مهمته أما بعودة الغائب حيا أو ميتا فعلا أو حكميا صدور الحكم الذي يثبت وفاته.
2/ الحكم بعقوبة جنائية : - قد تقترن العقوبة الجنائية .بعقوبة تبعية تتمثل في الحرمان من بعض الحقوق المدنية أو السياسية وبذلك يعد الشخص ناقصا للأهلية .
3/ المانع الطبيعي أو الجسماني : قد يصاب الشخص بعاهة جسمية مثل : بتر الأعضاء الرئيسية مما يمنعه عن ممارسة مهامه لذا يعين له وصي يساعده على تأدية مهامه .
الفرع الثاني :الموطن : هو المقر القانوني للشخص أو الكان الذي يعتبر القانون أن الشخص موجود فيه فالموطن هو المكان الذي يعتد به في مخاطبة الشخص في شؤونه القانونية مثال ذلك في حالة إعلان الأوراق القضائية التي يلزم إعلانها للشخص كصحيفة الدعوى والتنبيه والإنذار.
* والمشرع الجزائري يحدد الموطن على أساس محل الإقامة المعتاد فقد نصت المادة 36 مدني على أن الموطن لك جزائري هو المحل الذي يوجد فيه سكناه الرئيسي ...
أنواع الموطن :
1/ الموطن العام :
- هو الذي يعتمد به بالنسبة لكل شؤون الشخص و هو يتحدد بالمطان الذي يقيم فيه الشخص و هو أما إن يكون اختياري أي إن الشخص هو الذي يختار الموطن الذي يقيم فيه و الموطن الإلزامي هو الموطن الذي لا يمكن للشخص مغادرته بقوة القانون .
2/ الموطن الخاص : هو المقر الذي يتخذه الشخص لممارسة نشاط معين إذ انه يناط بالإعمال القانونية و النشاطات التي يمارسها الشخص فمثلا : المحامي موطنه الخاص هو مكتب المحاماة و الطبيب العيادة .
المطلب الثالث : الذمة المالية : هي مجموع ما يكون للشخص من الحقوق و الالتزامات المالية الحاضرة و المستقبلية مثل الحقوق العينية و الحقوق الشخصية و الذهنية و هي لصيقة بالشخص و لا تزول إلا بزوال الشخص و أهمية الذمة المالية هي توفير الضمان للدائنين فلا يعد المدين ملزما بالوفاء جسمانيا بديونه كما كان سائدا في الماضي حيث كان يحبس و يقتل و يستعبد إما ألان فان الوفاء ينصب على ذمة المدين المالية .
المبحث الأول:الوقائع القانونية: يقصد بالوقائع القانونية كل حدث مادي أو كل فعل أو عمل مادي يرتب القانون على وقوعه آثار قانونية بغض النظر عن إرادة الشخص عما إذا كانت قد اتجهت إليه أم لم تتجه ، لهذا يعبر عنها بالمصادر غير الارادية للحق أي التي يتوقف نشوء الحق فيها على إرادة الاشخاص أطراف العلاقة القانونية بمجرد توافر السبب أو مصدر الحق المنشء للحق ، و تنشأ فيها الحقوق بقوة القانون أو فعلا ماديا لأنه وحده الذي تترتب عليه و الذي يكون واقعة مادية أي حدثا أو عملا دون وقائع طبيعية ووقائع من فعل الانسان أو أعمال مادية.
المطلب الاول : الوقائع الطبيعية كمصادر للحق قد تكون الوقائع الطبيعية أحيانا في حد ذاتها مصادر مباشرة لإنشاء و قيام الحقوق بحيث لا تكون لإرادة الاشخاص أي أثر قانوني في وجودها
و بالتالي فإن الواقعة الطبيعية تحدث بفعل الطبيعة و تحدث آثار قانونية في إنشاء الحق لا دخل للإنسان فيه و هي قد تكون متصلة بالانسان و قد لا تكون متصلة به فمثلا واقعة الميلاد و الوفاة فهي متصلة به فبميلاد الانسان تبدأ شخصيته القانونية و بها يثبت النسب كما يترتب عليها الشخصية القانونية للمتوفي و تصفية ذمته المالية كما أنها تثبت حق الورثة في الميراث و حق الموصى لهم أما الوقائع الطبيعية الغير متصلة بالانسان فهي ترتب حقوقا أيضا فالثمار التي تنشأ في الاشجار ترتب حق ملكية لصاحبها بالرغم من أنها تنشأ بفعل الطبيعة .
المطلب الثاني : الوقائع التي هي من فعل الانسان أو (الاعمال المادية ) : و هي كل فعل أو عمل يقوم به الانسان يحدث آثار قانونية و تترتب عنها حقوق مثل الاعتداء على شخص فهو يرتب أثر ينشأ عنه حق للمعتدى عليه و هذا الفعل أو العمل إما يكون صادرا عن إرادته أو عن خطأ منه ، فالشخص الذي يشتري عقارا اتجهت إرادته مباشرة الى حق الملكية ، أما الشخص الذي يضرب شخصا آخر فلم تتجه إرادته الى اعطائه حق التعويض بل الى إحداث ضرر.و عليه فإن هذه الارادة اما ان تتجه الى فعل ضار أو نافع الا أنها في كل الاحوال تترتب عنها حقوقا
01/ الفعل الضار :و هذا الفعل قد يكون عمديا أو عن خطأ و هو الفعل الذي يحقق الضرر و يخرج عن السلوك العادي المفروض في الانسان و يترتب للشخص المضرور و ينشأ له حقوق و هذا طبقا للمادة 124 من القانون المدني و منه فيشترط في الفعل الضار حتى يترتب عنه الحق في التعويض :
1- أن يكون هناك خطأ 2- أن يكون هناك ضرر 3- أن تكون هناك علاقة [1] سببية بين الضرر و الخطأ
02/الفعل النافع : وهو فعل يصدر من الشخص إما أن يؤدي الى إثراء ذمة الغير أو الى إثراء ذمته و يرتب عليه القانون اثار و هذا الفعل الذي يؤدي الى إثراء ذمة الغير يسمى الاثراء بلا سبب و المقصود منه هو اثراء الشخص على حساب شخص اخر بدون ان يكون هناك سبب إثراء المثري أي هو العمل على الاعتناء بذمة الغير بدون سبب قانوني و هو مانصت عليه المادة 141 ق م «كل من نال على حسن نية ..» وله صورتين :
أ/الدفع غير المستحق : و المقصود منه أن يدفع الشخص أوالا لشخص اخر بدون سبب قانوني كان يعتقد بأنه مدين لهذا الشخص و له الحق في أن يرجعه أو دين سقط بالتقادم.
ب/الفضالة : و المقصود بها قيام شخص بعمل لحساب شخص اخر بدون سبب قانوني مثلا شخص يرى بأن جدار جاره سيسقط فيقوم بإصلاحه و هي تختلف عن الوكالة التي هي قيام بعمل لحساب شخص آخر بسبب قانوني و هو عقد الوكالة و هو ماتنص عليه المادة 251 ق م .,و يشترط في الفضولي أن يقوم بعمل عاجل لحساب الغير و لم ينص المشرع على ان يكون هذا العمل عاجلا و يشترط أن لا يكون الفضولي ملزما بل متطوعا.و الفرق بين الاثراء بلا سبب و الفضالة هو أن الشخص الفضولي يقوم بعمل لحساب الغير عن قصد ما بينما لا يلزم الشخص في الاثراء بلا سبب أن يقصد تحقيق عمل لحساب الغير.
03/الحيازة :هو وضع يد على العقار أو منقول و يرتب القانون على هذا العمل آثار تتمثل في حماية و حيازة العقار بدعاوى الحيازة.و حماية حيازة المنقول بحسن نية إذ يترتب عليها كسب ملكية المنقول و كذلك إسقاط التكاليف عنه كما يترتب على الحيازة أيضا كسب الحائز حسن النية .أما اكتساب ملكية العقار فلا تترتب على حيازته وحدها بل لا بد أن تقترن حيازة العقار بمدة معينة وهي مدة التقادم المتطلب لكسب ملكية العقار فإذا كان الحائز حسن النية و كان له سند صحيح اكتسب ملكية العقار بالتقادم القصير (10 سنوات) أما إذا كان الحائز سيء النية أو لم يكن بيده سند صحيح فلا يكتسب الملكية إلا بعد مرور 15 سنة (تقادم طويل).
التصرف القانوني كمصدر للحق :التصرف القانوني هو أن تتجه الارادة الى إحداث أثر قانوني معين كعقد البيع أو الزواج مثلا و يشترط في التصرف القانوني توفر النية و التي هي استهداف غاية ما يترتب عليها تحقيق اثار قانونية يعقد بها القانون و هذا هو جوهر الاختلاف بين الواقعة القانونية و التصرف القانونية .
المطلب الاول : أنواع التصرفات القانونية:تتعدد التصرفات القانونية بتنوع موضوعها و نتناول فيما يلي أهم هذه التصرفات
01- قد يكون التصرف القانوني صادر عن جانبين و لا بد من تطايق إرادتي طرفيه كالبيع و الايجار أو صادرا من جانب واحد كالوصية إذ تتم بإرادة الموصي وحدها وكذا الهبة .
02- قد يكون التصرف القانوني منشء للحق كعقد الزواج الذي ينشئ حقوقا بين الزوجين لم تكن موجودة من قبل أو يكون ناقلا للحق فالحق يكون موجودا عند شخص يسمى السلف و ينقله التصرف القانوني الى شخص آخر يدعى الخلف و كذلك من التصرفات الناقلة : عقد البيع ، عقد الايجار ... و هذه التصرفات تنقل الحق العيني.
03- و قد يكون التصرف القانوني كاشفا أو مقررا للحق كالقسمة مثلا فالتصرف القانوني الكاشف لا ينشئ حقا و لكنه يقرره فقط ، فما هو إلا تعديل للعلاقات القانونية القائمة عن طريق إقرار حق كان موجودا من قبل.
04- و قد تكون التصرفات القانونية مضافة الى ما بعد الوفاة حيث لا تنفذ و لا يتم اكتساب الحقوق إلا بعد وفاة المتصرف فهي تصرفات مضافة الى بعد وفاته كالوصية .
- و تسود نظرية التصرف القانوني بغض النظر عن موضوع التصرف مبدأ سلطان الارادة و أساسه أن الارادة وحدها كافية لإنشاء تصرف قانوني لتحديد اثاره ، فالشخص يلتزم لأنه أراد الالتزام كما أنه يلتزم بالقدر الذي يريده فقط.
المطلب الثاني : شروط و آثار التصرف القانوني :
شروط التصرف القانوني : لكي يوجد التصرف القانوني و ينتج ىثار يجب أن تتوفر فيه شروط معينة منها ما هو موضوعي ومنها ما هو شكلي.
أ/الشروط الموضوعية : تلعب الارادة دورا فعالا في وجود التصرف القانوني لذا وجب أن يعب المتعاقد عن إرادته و أن يظهر نيته في ترتيب الاثر القانوني المراد و يتم التعبير عن الارادة صراحة بالكتابة أو باللفظ أو بالاشارة و قد يكون التعبير ضمنيا و يجب أن تكون الارادة موجودة وصادرة عن ذي أهلية و إنما يجب كذلك أن تكون خالية من العيوب و عيوب الارادة هي :

01/ الغلط : و هو توهم يصور للعاقد أمرا على خلاف الواقع فيحمله بذلك على التعاقد أو بعبارة أخرى هو وهم يتولد في ذهن المتعاقد يجعله يعتقد الامر على غير حقيقته
02/ التدليس : و هو تظليل المتعاقد باستعمال طرق احتيالية تدفعه الى التعاقد بحيث لولاها ما قبل بالتعاقد .
03/الإكراه : وهو ضغط يقع على المتعاقد فيبعث في نفسه رهبة تدفعه الى التعاقد.
04/الاستغلال : هو عدم التوازن بين ما يعطيه المتعاقد وقيمة ما يأخذه مما يترتب عليه عدم التوازن الاقتصادي
كما يشترط أن يكون محل التصرف ممكنا أي موجود فعلا و أن يكون معينا أو قابلا للتعيين ففي الحقوق الشخصية مثلا محل العقد يكون مثلا كالتعاقد ناد لكرة القدم مع لاعب لمدة معينة .
أما في الحقوق العينية فيحدد محلها سواء كان قيميا أو مثليا ففي الاشياء القيمية يجب تعيينها كالدار تتضح مساحتها و أبعادها و في المثليات تتعين الاشياء بجنسها و نوعها و مقدارها كما يشترط أن يكون المحل مشروعا و يقصد بهذا الشرط أن يكون الشيء محل الحق العيني مما يجوز التعامل فيه لأن بعض الاشياء غير قابلة للتعامل بحسب طبيعتها كأشعة الشمس مثلا و البعض الآخر يحظر القانون التعامل فيها كالمتاجرة بالمخدرات مثلا فالأشياء التي تخرج عن دائرة التعامل إما بحسب طبيعتها أو بحسب نص القانون لا تكون مشروعة و بالتالي لا تكونمحلا للعقد محلا للعقد قانونا.
الشروط الشكلية :هناك بعض التصرفات لا تكون صحيحة و لا يعتقد بها إلا إذا تمت في شكل معين فرضه المشرع أي اشترط تحريرها في الشكل الذي أورده القانون و هذا حماية للمتعاقدين و تخلف هذا الشكل يؤدي الى بطلان التصرف بطلانا مطلقا و هذا ما نصت عليه المادة 324 ق م زيادة عن العقود التي يأمر القانون بإخضاعها الى شكل رسمي يجب تحت طائلة البطلان تحرير العقود التي تتضمن نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية أو محلات تجارية أو عقود تسيير محلات تجارية أو مؤسسات صناعية في شكل رسمي و يجب دفع الثمن لدى الضابط العمومي الذي حرر العقد
02/آثار التصرف القانوني :مبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين :تنص المادة 106 ق م على مايلي : «العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه و لا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون» أي أنه متى توافرت الشروط الشكلية و الموضوعية المطلوبة في التصرف فإنه لا يجوز لأي من الطرفين العدول عنه إلا بموافقة الطرف الآخر .
مبدأ نسبية العقد :و يقضي هذا المبدأ بأنه لا يمكن للغير أن يكتسب حقا أو أن يتحمل التزام عن عقد لم يبرمه و أن أثار العقد تنتقل إلى الخلف العام لطرفي العقد إن لم يمنع ذلك الاتفاق أو القانون أو تحول طبيعة العقد دون ذلك كما تنتقل للخلف العام الحقوق دون الالتزامات التي تتحملها التركة دون الورثة تطبيقا لمبدأ لا تركه إلا بعد سداد الدين أما الالتزامات الشخصية التي التزم بها السلف فلا تلزم الخلف غلا إذا كانت متصلة بالحق الذي انتقل إليه و كانت من مستلزماته إما إذا كان الخلف خاص فيجب أن يكون عالما بها[2] .
ويبقى مبدأ نسبية العقد يحمي الغير الأجنبي عن العقد فلا يمكن العقد أن يلزم الغير إن كان من الممكن أن يكسبه حقا كما في حالة الاشتراط لمصلحة الغير .=
استعمال الحق
المطلب الأول: تطور نظرية التعسف في استعمال الحق

لقد لقيت نظرية التعسف في استعمال الحق رفضا من طرف أصحاب المذهب الفردي الذين كانوا لا يقبلون أن يرد على حق المالك في استعماله ملكه أي قيد إلا في حالة واحدة، وهي وجوب عدم مجاوزة المالك حدود حقه وقد كان هذا المذهب مسيطر على الفكر القانوني، وكان يرى أن استعمال الشخص لحقه يجب أن يكون مطلقا دون قيد، فالقاعدة عند أصحاب هذا المذهب هي أنه لا يمكن ان ينسب للشخص وهو يستعمل حقه أي خطأ. والحقيقة هي أن الصورة التي تقبلها هذا المذهب، وهي عدم مجاوزة حدود الحق لا تعتبر تعسفا في استعمال الحق، وإذا استعملها الشخص يدخل في نطاق يمنع عليه دخوله أصلا فهنا يعتبر العمل خطأ يلزم التعويض، فليس للشخص أن يتجاوز حدود ملكه أو يدخل ملكية جاره أو يبني عليها أو أن يغرس فيها .
وقد تأثر الفقيه الفرنسي بهذا المذهب، ففي بداية القرن 19 كان يعتبر الحقوق مطلقة ومن يعمل في حدود حقه لا يسأل مهما كان الضرر الذي يصيب الغير نتيجة ذلك فللشخص استعمال حقه كيفما شاء ولا يكون مسئولا عن الضرر الذي يلحقه للغير .
وكان الفقيه بلاتيول يعارض نظرية التعسف في استعمال الحق بشدة ويرى أنها تتناقص مع مضمون الحق إذ متى كان لشخص حق فلا يتصور أن يتعسف فيه وقدرة جوسران على بلاتيول بقوله: " إنك تخلط بين كلمة حق التي تعني Droit subjectif وكلمة Droit التي تعني القانون إذ من المتصور أن يكون للشخص حق موافقا لحق من الحقوق Droit subjectif ومخالفا للقانون في المجموعة، فالتعسف في استعمال الحق يستلزم وجود فعل يدخل في حدود مضمون الحق، فهو مشروع في ذاته وينقلب إلى فعل غير مشروع لانحراف في غرضه أو لأن نتيجته لا تتفق مع الغاية من الحق .
وتطورت فيما بعد نظرية التعسف في استعمال الحق ولقيت تأييدا لدى الفقه والقضاء الفرنسيين عموما، وبعد أن كان القضاء الفرنسي يشترط توافر الخطأ العمدي من طرف المتعسف أي أن يكون قد قصد الإضرار بالغير، فتطور وأصبح يعتبر الفعل تعسفا كلما ترتب عليه ضرر أصحاب الغير ولم تتوفر لصاحب الحق مصلحة من استعماله.
أما الفقهاء المسلمون فقد كانوا لا يؤيدون فكرة التعسف في استعمال الحق، إذ لا يمكن أن يكون الفعل غير مشروع إذا كان نتيجة ممارسة الشخص لحقه وفقا للمقولة :" الجواز الشرعي ينافي الضمان" ولكن ما لم لبثت الحال أن تطورت وترسمت نظرية التعسف في استعمال الحق، وأعطاها فقها. المسلمين منذ القرن السادس الهجري أوسع تصوير، وكانوا هم الرائدين في هذا المضمار وسبقوا في ذلك الشرائع الغربية إذ لم يقتصروا على صورة تعمد الإضرار بالغير، بل اعتبروا الفعل تعسفا كلما تخلفت المصلحة لدى صاحب الحق، وتجاوز الحدود المألوفة المتعارف عليها واهم تطبيقات ذلك مضار الجوار، فلا يتحمل الجار ما جاوز الحد المألوف من مضار الجوار .
المطلب الثاني : معايير التعسف في استعمال الحق وجزاؤه :
1- معايير التعسف في استعمال الحق :
يعتبر الشخص متعسفا في استعمال حقه إذا تحققت إحدى الصور التي نصت عليها المادة 41 مدني بما يلي " < يعتبر استعمال الحق تعسفا في الأحوال التالية :
-إذا وقع بقصد الإضرار بالغير.
-إذا كان يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير .
-إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة .>
ويستخلص من هذا النص أن معيار التعسف في استعمال الحق، إما أن يكون معيارا شخصيا وهذا ما تضمنته الفقرة الأولى من المادة 41 مدني .
وإما أن يكون معيارا موضوعيا وهذا ما تضمنته الفقرتان الثانية والثالثة من نفس المادة كما يعتبر الضرر الفاحش الذي يلحق بالجار معيارا موضوعيا .
أ/المعيار الشخصي : قصد الإضرار بالغير :
يكون الشخص متعسفا إذا قصد الإضرار بالغير، كمن يبني خطأ في ملكه يقصد حجب النور عن جاره دون أن تتحقق له من ذلك أية فائدة، فهذا العمل يعد داخلا في إطار ملكه واستعمالا لحقه، ولكن إذا تم إثبات توافر قصد الأضرار بالغير أعتبر متعسفا في استعمال حقه و قصد الأضرار بالغير من أظهر صورة التعسف في استعمال الحق ، فالقانون لا يحمي شخصا قصد من فعله مجرد الإضرار بالغير، و لتحقق هذه الصورة يجب ألا يحقق العمل أية منفعة لصاحبه أو يحقق له منفعة تافهة و في كلتا الحالتين نستخلص نية الإضرار .
ب/المعيار الموضوعي :
إذا كان استعمال الحق يرمي إلى الحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير .
ففي هذه الحالة يعتبر الشخص متعسفا حتى و لو كانت له مصلحة في استعمال حقه على وجه معين، وذلك بالنظر إلى أن هذه المصلحة لا تتناسب مع الضرر الذي يصيب الغير، إذ تكون الفائدة قليلة بالنسبة للضرر.كمن يغرس أشجار عالية لتوفر نوع من الرطوبة، و يحجب بذلك النور عن جاره، و يمنعه من استعمال شرفته استعمالا مألوفا، فيكون متعسفا في استعمال حقه لأن المصلحة التي يسعى إليها و هي الحصول على الرطوبة قليلة الأهمية بالنسبة للضرر الذي يصيب الغير- و هو عدم استعمال الشرفة – و في نفس السياق تنص المادة 708/2 على ما يلي: << غير أنه ليس لمالك الحائط أن يهدمه مختازا دون عذر قانوني إن كان هذا يضر الجار الذي يستر ملكه بالحائط >>النص العربي خاطئ في كلمة (قانوني) و صحتها (قوي) كما ورد في النص الفرنسي فذه الصورة تقوم على أساس عدم التوازن بين المصالح المتضاربة لصاحب الحق والغير فكلما كانت فائدة صاحب الحق أقل من الضرر الذي يصيب الغير أعتبر متعسفا في استعمال حقه ولو لم يكن عدم التوازن نتيجة قصد الإضرار بالغير .
2- عدم مشروعية المصلحة : وذلك كاستعمال مالك المنزل لمنزله لغرض مخالف للنظام العام أو الداب العامة. وقد يكون المصلحة غير مشروعة بصفة غير مباشرة مثال رب العمل الذي يستعمل حقه في فصل عامل نتيجة انخراطه في نقابة من نقابات العمال، أو المؤجر الذي يطالب المستأجر بإخلاء العين المؤجرة بحجة حاجته للسكن فيها بعد إخفاقه في طلب زيادة الأجرة عما يسمح به القانون .وهناك من يرى أن هذا المعيار معيار شخصي لأن في هذه الصورة المصلحة غير المشروعة يتوفر فيها قصد الإضرار بالغير، إلا اني أرى أن القانون أقام التعسف في هذه الحالة على معيار موضوعي وهو عدم مشروعية المصلحة دون الاعتداد بنية المتعسف .
3-الضرر الفاحش: ويمكن إضافة الضرر الفاحش إلى المعايير السابقة،ولقد نص عليه المشرع في النصوص المتعلقة بمضار الجوار غير المألوفة، ويمكن اعتباره تطبيقا لأحكام الشريعة الإسلامية التي تقتضي بأن يعتبر استعمال الحق تعسفا إذا ألحق بالغير ضررا فاحشا. ومن تطبيقات الضرر الفاحش ما نصت عليه المادة 691 مدني بقولها: " يجب على المالك ألا يتعسف في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار. وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة غير أنه يجوز له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف وعلى القاضي أن يراعى في ذلك العرف، وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الآخرين والغرض الذي خصصت له "
وتطبيقات الضرر الفاحش متعددة فيما يخص مضار الجوار إذ يعتد بالضرر الفاحش ولا ينظر إلى ينظر إلى مصلحة صاحب الحق حتى لو كانت جدية، فيجب الحد منها إذا لحق الغير ضررا فاحشا، في هذا الصدد تنص المادة 705 مدني على ما يلي: " للمالك إذا كانت له مصلحة جدية في تعلية الحائط المشترك ان يعليه بشرط ألا يلحق بشريكه ضررا بليغا…"
2) جزاء التعسف في استعمال الحق :
إن جزاء التعسف في استعمال الحق قد يكون جزاء وقائي وذلك إذ ظهر التعسف في استعمال الحق بصفة واضحة قبل تمامه، فيمكن منع صاحب الحق من الاستعمال التعسفي لحقه. أما في حالة حدوث التعسف فعلا فإنه يحكم على المتعسف بالتعويض لصالح المضرور كما قد يلزم كذلك بإزالة الضرر ذاته كلما كان ذلك ممكنا .
المطلب الثالث: أساس التعسف في استعمال الحق :
يجب تحديد ما إذا كان التعسف في استعمال الحق صورة من صور الخطأ التقصيري إذ يذهب الفقه والقضاء الفرنسيان الحديثان واغلب المؤلفين العرب إلى إدخال نظرية التعسف في استعمال الحق في نظام المسؤولية التقصيرية ويعتبر المتعسف قد ارتكب خطأ في استعمال حقه ويتحقق ذلك متى انحرف عن سلوك الرجل العادي وذلك سواء أكان الخطأ عمدي جسيما أم يسيرا غير انه يمكن الرد على هذا بأن التعسف قد يتحقق دون ان تتوافر مقومات الخطأ وذلك إذا ابتعد الشخص عن غاية الحق دون أن يكون مخطأ ولو بذل في استعمال في استعمال حقه الحيطة والتبصر التي يبذلها الرجل العادي.ويذهب البعض الآخر من الفقهاء إلى إبعاد التعسف عن مجال الخطأ التقصيري إذ أن نطاق التعسف أوسع من ذلك لأنه إذا كان من الممكن إقامة الصورة الأولى الواردة في المادة 41 التي يعتبر فيها الشخص متعسفا في استعمال حقه قصد الإضرار بالغير، على أساس الخطأ فيهما بل يمكن إقامة التعسف فيهما على أساس موضوعي فقط ويمكن كذلك تطبيق نفس الفكرة على مضار الجوار غير المألوفة .
ويلاحظ أن الفقه الفرنسي نفسه قد انتهى إلى أن التعسف لا يقوم على أساس الخطأ، بل يسأل الشخص عن الضرر الذي يلحقه بالجار ولو لم يكن مخطأ . ويرى الأستاذ علي سليمان أن: < التعسف في استعمال الحق قد استمد قوانيننا العربية من الشريعة الإسلامية أصلا، وهذه الشريعة لا تقيم المسؤولية في حالة التعدي على أساس الخطأ بل تنظر إليها نظرة موضوعية … فيعتبر التعسف في استعمال الحق مستقلا عن نظام المسؤولية التقصيرية ….>.
وعلى هذا الأساس أرى أن نطاق نظرية التعسف في استعمال الحق أوسع من نطاق المسؤولية التقصيرية ومن الأفضل اعتبارها تطبيقا لقواعد العدالة، فالمبالغة في الشيء حتى ولو كانت في إطار القانون، تؤدي إلى الفوضى وإلى مخالفة القانون لذا يجب تقييدها ومسائلة الشخص عنها إذا ترتب على هذه المبالغة في استعمال الحق ضررا للغير .
إثبــات الحــق :
المطلب الأول : المذاهب المختلفة في الإثبات :
الإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء، وقد يلزم القاضي بهذا الدليل كما يمكن يلتزم به، وقد يفرض القانون على المتقاضين تقديم دليل معين، كما قد تترك الحرية للقاضي في التحري وذلك وفقا لاعتماد مذهب من المذاهب المختلفة في الإثبات ما يلي أتعرض لها بالتفصيل الآتي :
أ-مذهب الإثبات المطلق : وتكون للقاضي وفقا لهذا المذهب سلطة واسعة في التحري عن الوقائع التي عليه، فيكون له دور فعال في تسيير الدعوى واستجماع الأدلة، فهو الذي عنها . ويعاب على هذا المذهب أنه يعطي سلطة واسعة وكبيرة للقاضي، مما قد يؤدي الإضرار بالمتقاضيين إذ يحتمل أن يتعرضوا لمفاجآت نتيجة اختلاف التقدير من إلى آخر ويقلل من الثقة في نظام الإثبات .
ب-مذهب الإثبات المقيد: قد بفرض المشرع للإثبات طرقا محددة، فلا يستطيع المتقاضى إقامة الدليل على حقه بغير الوسيلة التي حددها القانون، كما يكون القاضي كذلك ملزما بهذه الطرق، فهذا المذهب يقيد القاضي إلى أبعد الحدود ويحقق الانسجام في تقدير القضاة مما يترتب عليه استقرار المعاملات، إلا انه يؤخذ على هذا النظام أن الحقيقة القضائية لا تتفق أحيانا مع الحقيقة الفعلية أو الواقعية لأن القاضي والمتقاضين ملزمون بطرق محددة فلا يمكن إقامة الدليل على أمر واضح بغير الطرق التي حددها القانون .
ج-مذهب الإثبات المختلط :يأخذ هذا المذهب بالإثبات المقيد في مسائل معينة كالمسائل المدنية التي يتطلب المشرع إثباتها بالكتابة أما في المسائل المدنية التي تشترط الكتابة لإثباتها، فإثباتها يكون مطلقا إذ للقاضي تقدير شهادة الشهود أو القرائن القضائية وفقا لاقتناعه الشخصي، أما المسائل التجارية فيأخذ فيها بنظام الإثبات المطلق نظرا لما تتطلبه هذه المسائل من سرعة في التعامل،إذ يصعب إقامة الدليل عليها كتابة فلا يمكن تقييدها بأدلة معينة، وتأخذ معظم التشريعات –ومن بينها المشرع الجزائري – بالمذهب المختلط . وفي هذا المذهب المختلط يكون للقاضي موقف وسط، إذ قد يكون له مطلق الحرية في المسائل المدنية، إذ يستطيع من تلقاء نفسه الأمر بإجراء تحقيق في الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بالبيئة مثلا، كما أن له أن يوجه اليمين المتممة إلى أحد الخصوم من تلقاء نفسه أيضا. ويكون دور القاضي مقيدا وسلبيا كلما قيده القانون بأدلة معينة، كوجوب الاعتداء بالدليل الكتابي مثلا.
المطلب الثاني: عبء الإثـبات ومحـله :
1-عبء الإثبات: نستطيع أن نوجز الحديث عن عبء الإثبات في النقاط التالية :
-يقه عبء الإثبات على من يدعي وجود الحق ابتداء فمن يدعي إصابته بضرر من عمل غير مشروع يكون مكلفا بإثبات واقعة الفعل الضار بكافة الطرق، بأن يقدم للقاضي أدلة الضرر الذي لحقه، وأدلة الخطأ الذي وقع من جانب المدعي عليه، وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر.
-وفي حالة دفع الإدعاء من جانب المدعي عليه يقع على الأخير عبء الإثبات كما لو أدعى الوفاء بالدين الثابت بالكتابة مثلا يلتزم بتقديم ما يثبت الوفاء كتابة لأنه في هذه الحالة يعتبر مدعيا ببراءة ذمته من ذلك الدين، ونفس الشيء بالنسبة للمدعي عليه الذي ينكر وقوع خطـأ منه أو ينكر رابطة السببية بين سلوكه والضرر الذي أصاب المدعي في دعوى الفعل الضار.
-يعفى المدعي من إثبات خطأ المدعي عليه في الخطأ المفترض بقرينة قانونية، كما هو الحال في المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير، مثل الإضرار التي تقع من عديمي أو ناقص الأهلية، او الحيوان، أو من الآلة، أو من صاحب البناء .. فالمسؤول عن الرعاية والحاسة في تلك الحالات، وكذلك المتبوع المسئول فرضا عن خطأ تابعه، في جميع هذه الأحوال لا يكلف المدعي بإثبات أوجه الخطأ في السلوك الضار وإنما يكفيه إثبات الضرر وارتباطه بالسلوك الضار دوريا يكلف بإثبات الخطأ في سلوك من قام بالفعل الضار.
-في حالات الخطأ المفترض إذا أراد المدعي عليه بالتعويض المدعي أن ينفي مسئوليته عن الحادث الضار فعليه يقع إثبات العكس في المسئولية التقصيرية عن فعل الغير دائما
-وإذا وجدت قرينة قانونية في حالات الخطأ واجب الإثبات وكانت مقررة لصالح أحد الخصوم فإنه يعفى من إثبات الواقعة المتعلقة بها وعلى الخصم الأخر يقع عبء إثبات عكس تلك القرينة القانونية .ومثال ذلك إذا قدم المستأجر مخالصة عن الوفاء بأجرة الشهر الرابع من هذا العام تعتبر قرينة قانونية على سداد الأجرة المستحقة من قبل عن العين المؤجرة له، ويعفى من إثبات الوفاء بالأجرة عن الشهور السابقة، وينتقل عبء الإثبات إلى المؤجر لكي يدلل على عدم الوفاء حتى يثبت العكس وهو أمر صعب دائما
-بعض التشريعات ينص على القواعد الموضوعية للإثبات في صلب القانون المدني وينص على الشكلية للإثبات (الإجرائية) في قانون الإجراءات المدنية والتجارية (قانون المرافعات)… في حين يذهب بعض التشريعات إلى النص على قواعد الإثبات بنوعيها في قانون الإجراءات المدنية …. وتذهب التشريعات الأخرى إلى إصدار قانون مستقل للإثبات يجمع القواعد الموضوعية والإجرائية للإثبات معا . ويهمنا بأن نبيت ان التشريع الجزائري أخذ بالنظام الأول فنص على القواعد الشكلية في قانون الإجراءات المدنية .
2-محل الإثبات : يقصد بمحل الإثبات تلك الواقعة القانونية المنشئة للحق لأنها هي مصدر الحق وبإثبات المصدر يثبت نشوء الحق ووجوده وسوف نتكلم عن محل الإثبات في الواقعة المادية وفي التصرف القانوني .
الواقعة المادية لقانون: سبق القول أن الواقعة المادية القانونية قد تكون من فعل الطبيعة وحدها ولا دخل للإنسان في إحداثها كالولادة وقد تكون الواقعة المادية قانونية أيضا يترتب عليها القانون أثار معينة وهي من عمل الإنسان كالعمل الضار وغير المشروع كالجريمة، وكلما كانت الواقعة المادية مصدر للحق المتنازع عليه كانت هذه الواقعة بالذات هي محل الإثبات أمام القضاء أي تكون هي ما ينبغي إقامة الدليل على إثباته حتى وجود الحق ويشترط في الواقعة المادية القانونية التي تكون محل للإثبات شروط هي :
1-أن تكون متعلقة بالدعوى : ومؤدي هذا الشرط أن تكون الواقعة المراد لها علاقة بالحق موضوع النزاع والبداهة لا لزوم لإثبات واقعة لا تتعلق بموضوع الحق المتنازع عليه أمام القضاء.
2-يجب أن تكون الواقعة منتجة في الإثبات : يقصد بهذا أن تكون الواقعة مقنعة للقاضيين ولو في أحد عناصرها، وفي هذا الصدد تنص المادة 64 إجراءات مدنية يجوز الأمر بالتحقيق لإثبات الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بشهادة الشهود والتي يكون المحقق فيها حيادي ومنتحا في الدعوى .
3-أن تكون جائزة القيود: المقصود في الشرط أن تكون الواقعة المراد إثباتها على فرض صحتها وإمكان ثبوتها، ويجوز للمحكمة قبولها كدليل في الدعوى قضائية فلو تصورنا أن محل الحق المدعي به من الإثبات الخارجة عن دائرة التعامل ويحرم التعامل فيها كالنقد ،ففي هذه الحالات تكون الواقعة المراد إثباتها غير جائزة القبول قانونيا أمام المحكمة
2/التصرف القانوني : سبق أن عرفنا بأن التصرفات القانونية هي المصادر الإدارية للحقوق لأن نشوء الحق وقيامه يتوقف على إرادة الشخص سواء في العقود التبادلية أو في التصرفات بإرادة منفردة، وبهذا تختلف التصرفات القانونية عن الوقائع المادية القانونية، حتى تلك الوقائع المادية التي تكون بفعل الشخص ذاته في الأعمال الضارة وغير المشروعة كالجرائم وأشباه الجرائم بل وحتى في الجرائم العمدية، لأننا كما ذكرنا من قبل أنه حتى في الجرائم العمدية التي يرتكبها الجاني بإرادته الحرة ويتوافر لديه القصد الجاني ونية الإجرام تكون الجريمة ذاتها عمدية أي إرادية ولكن حق المجني عليه أو ذويه في التعويض عن الضرر الناشئ عنها ذلك الحق يرتبه القانون على فعله الضار دون أن يكون للمجرم إرادة للحقوق الناشئة ولهذا تعتبر الجرائم أعمالا غير مشروعة وتعتبر مصادر غير إرادية للحقوق الناشئة عنها في حين أن الجرائم عمدية كما قلنا فالعبرة بنشأة الحق رغم إرادة الملتزم به. والتصرفات القانونية باعتبارها مصادر إرادية للحقوق تختلف أيضا عن الواقع المادية من حيث الإثبات، وذلك لأن مصادر الحقوق هي العقود وهي من صنع الأشخاص مع توافر الإرادة الصحيحة للأشخاص وتلك الإرادات الحرة هي محور العقود المنشئة للحقوق. ولهذا نجد المشرع غالبا يستلزم لإثبات الحقوق العقدية دليلا معينا هو الإثبات بالكتابة بحسب الأصل كقاعدة عامة. ولكن لهذه القاعدة استثناء ان في القانون المدني الجزائري نصت عليهما المادة 333 بقولها أن التصرفات القانونية التي تزيد قيمتها عن 1000 دج أو تكون قيمتها غير محددة، لا تثبت بشهادة الشهود ولابد من أن تكون ثابتة بالكتابة وذلك فيما عدا المعاملات التجارية. ومعنى ذلك أنه يستثني من قاعدة إثبات الحقوق بالكتابة في العقود حالتان :
أ-الحالة الأولى: المعاملات التجارية لأنها تقوم على عنصري الثقة والسرعة معا.
ب-الحالة الثانية: هي التصرفات القانونية التي تكون قيمتها 1000 دج فأقل سواء كانت التصرفات منشئة للحق أو كان يترتب عليها انقضاء ذلك الحق .
المطلب الثالث: طريق الإثبات :
تنص التشريعات عادة على طرق الإثبات ووسائله، وفي بعض الحالات تحدد الأدلة التي يجب تقديمها للقضاء في دعاوى معينة، وبالتالي تعتبر وحدها جائزة القبول دون غيرها. وبوجه عام يمكن حصر أهم وسائل الإثبات أمام القضاء فيما يلي:
1- الكتابة .
2- شهادة الشهود (البينات).
3- القرائن القانونية.
4- حجية الشيء المقضي به .
5- الإقرار (الإعتراف).
6- اليمين .
7- المعاينة .
8- تقارير الخبراء.
وسنتكلم بإيجاز عن كل وسيلة من وسائل الإثبات فيما يلي :
أولا: الكــتابـة :
تعتبر الكتابة من أهم طرق الإثبات في عهدها الحاضر ، و لقد مر بنا أن المادة 333 مدني جزائري تضمنت حكما مؤداه أنه في غير المسائل التجارية لا يجوز الإثبات إلا بالكتابة سواء لإثبات وجود الحق أو لإثبات الوفاء به انقضاءه لأي سبب آخر تجاوزت قيمة التعرف القانوني ألف دينار جزائري أو كانت القيمة غير محددة .
و بمفهوم المخالفة لهذا النص نستطيع القول بأنه المعاملات التجارية المدنية التي تكون قيمتها ألف دينار فأقل، و كذلك في المعاملات التجارية عامة مهما كان حجمها أو قيمتها، فالإثبات جائز و يكون مقبولا أمام القضاء بكافة و سائله بغير الكتابة، كشهادة الشهود و المحادثات الهاتفية و غيرها ومن البديهي أن الكتابة تصلح وسيلة للإثبات في المواد التجارية وفي المواد المدنية إذا كانت 1000 دينار فأقل و ذلك من باب أولى.
و الكتابة نوعان كتابة رسمية و كتابة عرفية . فالكتابة الرسمية يقصد بها ما تكون من عمل موظف رسمي مختص كما هو الحال في عقود الرهن الرسمي. أما الكتابة العرفية فهي التي يقوم بها الأفراد فيما بينهم دون تدخل موظف رسمي و لكل من النوعين حجية خاصة كدليل للإثبات بحسب نصوص القانون .
ثانيا: شهادة الشهود(البينات): يقصد بشهادة الشهود، الأقوال التي يدلى بها الأشخاص في ساحات القضاء بشأن إثبات أو نفي واقعة قانونية أيا كان نوعها .
و لهذا نقول بأن الشهود نوعان، شهود إثبات و شهود نفي، و للمحكمة أن تستمع إلى الشهود دائما سواء كانوا للنفي أو للإثبات لكي تتجلى الحقيقية .
و تقبل شهادة الشهود كدليل إثبات في المواد التجارية عموما ، و كذلك في المواد المدنية في حدود الألف دينار لا أكثر كما عرفنا من مضمون المادة 333 مدني، ما لم يوجد نص قانوني بخلاف ذلك .
ولكن الشهادات أي البيانات أيا كان نوعها و أيا كان الأشخاص الذين يؤدون الشهادة لا تكون ملزمة للقاضي بل تخضع لتقديره. فله أن يقبل شهادة واحد من الشهود كدليل إثبات أو نفي يقنع به و يرفض شهادتين متضاربتين، في نفس الدعوى و نفس الموضوع .
ثالثا: القرائن القانونية والقضائية : القرينة القانونية التي ينص المشرع عليها كدليل إثبات تعفي من تقررت صالحه من عبء الإثبات، ومن أمثلتها قرينة الوفاء بالأقساط السابقة عند ثبوت الوفاء بقسط الأجرة اللاحق وعلى ذلك نصت المادة 449 مدني بقولها:
" الوفاء بقسط من الاجرة يعتبر قرينة الوفاء بالاقساط السابقة حتى يقوم الدليل على عكس ذلك" . وتفسير ذلك أنه في دعوى المطالبة بإيجار المعين إذا قدم المستأجر ما يفيد قيامه بسداد الإيجار عن الشهر الرابع من العام الحالي مثلا يعتبر ذلك قرينة على سداد جميع الأقساط السابقة على ذلك التاريخ، وعلى المؤجر ان يثبت العكس إذا أراد أي أنه يصبح الملزم بالإثبات. أما القرائن القضائية فيقصد بها كل ما يستخلصه القاضي من أمر معلوم للدلالة على أمر مجهول فهي أدلة استنتاجية، ولهذا يجوز للطرف الآخر أن يثبت العكس إذا مكنه من ذلك . وجرى العرف القانوني على أن القرينة أي كان نوعها فهي أدنى من مستوى الدليل في مجال الإثبات أي لا ترقى إلى قيمته في نطاق الإثبات القضائي ومعنى ذلك أن القرينة تحتاج إلى قرينة أخرى تسندها كدليل إثبات، بينما الدليل يكون بمرده كافيا لإثبات الواقعة القانونية أو نفيها .
رابعا: حجية الشيء المقضي به : الحكم النهائي الفاصل في موضوع الدعوى يعتبر عنوانا للحقيقة والعدالة في نفس الوقت. ولذلك تكون له حجيته في مواجهة الكافة أي بالنسبة لأطراف الخصومة ولغيرهم من الناس ولهذا يعبر عن الحكم النهائي في الدعوى بأنه حجة قضائية وأن له قوة الشيء المقضي. لذلك يعتبر الحكم النهائي سببا من أسباب انقضاء الدعوى، بل هو السبب الطبيعي والعادي لانتهاء الدعاوى، فهو خاتمة مراحل الدعوى وهو الذي يحسم المنازعات القضائية أيا كان نوعها. ويصدر الحكم النهائي لا يجوز إعادة رفع النزاع إلى أي جهة قضائية أخرى طالما لم يتغير أطراف الدعوى ومحلها وسببها. ويمكن الاحتجاج بالحكم القضائي النهائي كدليل على صحة ما جاء فيه واستخدام هذا الحكم كدليل للإثبات في دعوى قضائية أخرى لحسم نزاع يتصل بالنزاع الذي فصل فيه نهائيا .
خامسا: الإقرار القضائي : من المبادئ المقررة في الفقه القانوني ان الإقرار القضائي يعتبر سيد الأدلة في الإثبات أمام الجهات القضائية، والإقرار القضائي بقصد به اعتراف المدعي عليه بصحة الواقعة القانونية المدعي بها. ولهذا نقول إذا أقر المدعي عليه امام المحكمة بمديونيته بالحق المدعي به عليه، كان هذا الإقرار من جانبه دليلا على ثبوت حق المدعي. ولا تجوز تجزئة الإقرار بل يتوجب على القاضي في هذه الحالة الحكم لصالح المدعي، والإقرار دليل قاطع في الإثبات، اما في المواد الجنائية فقد نصت المادة 213 إجراءات جزائية على ما يأتي " الاعتراف شأنه كشأن جميع عناصر الإثبات يترك لحرية تقدير القاضي" . ولاشك ان المشرع يقصد بهذا النص الواضح ان يخول القاضي حق تحري الحقيقة لتحقيق العدالة فله ان يلتفت عن الاعتراف القضائي إذا كان غير صحيح أو كان نتيجة إكراه مادي او معنوي. اما إذا كان الاعتراف لا يشوبه عيب فإنه يعتبر دليلا متميزا في الإثبات القضائي .
سادسا: الـيمـيـن : يقصد باليمين أداء القسم، أي يحلف الشخص بالله العظيم أن يقول الحق ولا شيء غير الحق، وإلا تعتبر شهادته باطلة قانونا، وجرى العمل ان يؤدى الشهود اليمين القانونية قبل إبداء أقوالهم أمام المحكمة، كما يقسم أيضا المترجمون والخبراء وغيرهم ممن يبدون أراءهم في حالات انتداب الخبراء، وذلك للتأكيد من أنهم سيؤدون شهاداتهم بالحق والصدق. والخصوم أيضا قد يؤدون اليمين كوسيلة من وسائل الإثبات مع ملاحظة أن اليمين نوعان: اليمين المتممة ، واليمين الحاسمة .
واليمين المتممة هي التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي أطراف الخصومة في الدعوى بغرض اتمام اقتناعه بقرينة معينة، وهذه اليمين المتممة لا أثر لها، لأن القاضي له أن يأخذ بها وله ان يلتفت عنها حتى بعد قيام الخصم بحلف اليمين. ومن المعلوم ان للخصم ان يحلف اليمين المتممة إذا طلبها القاضي وله أن يمتنع عن أداء اليمين، حيث لا يتقرر حتما بأدائها أو النكول عنها حسم النزاع إيجابيا أو سلبيا.
أمت اليمين الحاسمة فهي التي يوجهها الخصم المدعي للمدعي عليه، عندما يعجز عن إثبات حقه الذي يدعيه، ويطلب منه ان يقسم على صحة ما يدعي به عليه أو عدم صحته، وبحسب نص القانون تحسم هذه اليمين النزاع. بحيث لو أداها المدعي عليه وقرر عدم صحة الإدعاء المقام ضده فإن المدعي يخسر دعواه، أما إذا امتنع المدعي عليه من حلف اليمين الحاسمة فإن المدعي يربح دعواه، حيث يعتبر ذلك دليل إثبات على صحة ما ادعاه.وفي المواد الجنائية لا يحلف المدعي المدني اليمين، ولا يعتبر شاهدا لأنه يعتبر خصما حتى ولو كان هو المجني عليه، مع أنه في حالة عدم ادعائه مدنيا يعتبر شاهد الإثبات الأول في الدعوى العمومية ويحلف اليمين باعتباره شاهدا .
سابعا: المعـايـنة : يقصد بالمعاينة الانتقال إلى مكان النزاع لمشاهدته على الطبيعة بقصد التوصل إلى معرفة الحقيقة والفصل في الدعوى على ضوء نتيجة المعاينة. وقد تنتقل المحكمة بهيئتها القضائية لإجراء المعاينة إذا كانت هناك مبررات وذلك لاستجلاء الملابسات الغامضة في موضوع النزاع، وللمعاينة أثر بالغ في استظهار الحقائق. وقد تضمن قانون الإجراءات المدنية الجزائري النص على أنه يجوز لقاضي المحكمة أن يأمر من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم بالانتقال للمعاينة. وأنه يجوز للقاضي ان يستصحب من يختاره من أهل الخبرة للاستعانة به عند إجراء المعاينة والاسترشاد بخبرته الفنية في موضوع النزاع. كما أجاز المشرع للقاضي أثناء إجراء المعاينة ان يسمع الشهود الذين يرى لزوما لسماع شهاداتهم بعين المكان. ويجب أن يحرر محضر بالمعاينة ويوقع عليه القاضي ومن كاتب الجلسة وتثبت فيه إجراءات المعاينة وما يثبت منها، على ان يودع هذا المحضر بملف الدعوى.كما نص المشرع على أن مصروفات الانتقال للمعاينة تضاف إلى مصروفات الدعوى .
ثامنا: تقارير الخبراء : كثيرا ما يلجأ القضاة إلى الاستعانة بأهل الخبرة من أطباء أو مهندسين او فنيين، لإجراء الفحص والبحث والتحليل في الدعاوى التي تثار فيها مشاكل تقنية مثل مضاهاة الخطوط عند الادعاء بتزوير المحررات وتكون لتقارير أولئك الخبراء أهمية قانونية كقرائن او أدلة في الإثبات القضائي. وقد نظم المشرع في قانون الإجراءات المدنية قواعد الاستعانة بالخبراء أمام المحاكم وأجاز للقاضي أن يستعين بخبير أو بعدد من الخبراء لاجراء أعمال الخبرة في الدعوى المطروحة عليه، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب الخصوم. وللقاضي أن يختار هؤلاء الخبراء من بين المقيدين بجدول الخبراء بالمجلس القضائي أو من غيرهم بشرط ان يحلفوا اليمين القانونية. ويلتزم الخبراء بتقديم تقاريرهم عن المهام التي كلفوا بها من قبل المحكمة في الآجال التي يحددها لهم القاضي الذي انتدبهمن ويجوز للقاضي مناقشتهم في المحكمة لاستجلاء ما كان غامضا في تلك التقارير. وبهذا نكون قد استكملنا باب اثبات الحق وننتقل إلى الباب الخامس والأخير لكي نبحث زوال الحق أي انقضاء الحق .


مكتبة الكـــــوثر من إعـــــداد عزوزي يوسف بن قويدر علي ميلود رقيعة
منقول










قديم 2013-01-28, 23:46   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ج-من حيث الجزاء------
جزاء مخالفة قواعد الاخلاق تانيب الضمير واستنكار الناس اما جزاء مخالفة قواعد القانون فيتخذ صورةالقهر والاجبار ( جزاء مادي)
تعريف القانون العام :
هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين طرفين يكون احداهما او كلاهما ممن يملكون السلطة او السيادة ويتصرفون بهذه الصفة
---------فروع القانون العام--------------
1-القانون العام الخارجي:
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول في زمن السلم وزمن الحرب كما تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية من حيث اختصاص كل منظمة وحقوق وواجبات الدول تجاه هذه المنظمات.
2-القانون العام الداخلي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات القانونية بين الدولة او احد فروعها وبين الاشخاص الطبيعيين او المعنويين عندما تتصرف باعتبارها صاحبة السلطة او السيادة.
فروع القانون العام الداخلي
القانون الدستوري
هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة وتحدد السلطات العامة واختصاص كل منها كما تبين الحقوق العامة والسياسية والواجبات العامة للمواطن والحريات الفردية والجماعية وبذالك يعتبر القانون الدستوري القانون الاساسي للدولة
القانون الادراي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم نشاط السلطة التنفيذية اثناء تادية وظائفها الادراية وتبين كيفية ادارتها للمرافق العامة
القانون المالي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم مالية الدولة كما تبين النفقات العامة (التسيير والتجهيز)والايرادات العامة (الضرائب والرسوم) للدولة.
القانون الجنائي
هو مجموعة القواعد القانونية الموضوعية والاجرائية في مجالي تعريف القاعدة القانونية
القاعدة القانونية هي خطاب موجه للاشخاص يامرهم بفعل شيئ او النهي عنه وتتمثل وظيفتها في تنظيم العلاقات بين الاشخاص
----خصائص القاعدة القانونية-------
قواعد سلوك تحكم الروابط الاجتماعية
قواعد عامة
قواعد ملزمة
----انواع القاعدة القانونية-----
القواعد الامرة
القواعد المكملة
-----تعريف القانون------

لغة فان كلمة يونانية الاصل وتعني العصا المستقيمة اي الاستقامة
-----المعنى العام-------
هو مجموعة القواعد القانونية الملزمة التي تحكم سلوك الافراد وعلاقاتهم في المجتمع وهو يحدد النظام الذي تتم من خلاله مختلف علاقات الافراد وسلوكهم
-----المعنى الخاص--------
هو مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التسريعية لتنظيم امر معين.
-----القانون والحق-------
يحدد القانون المصالح المشروعة لكل شخص ويظبط سلطة القيام ببعض الاعمال تحقيقا لهذه المصالح المشروعة بالحقوق
تتولد الحقوق عن القانون الذي يبين اطارها وحدودها ويوفر لها الحماية
-----القانون والاخلاق------
ا-من حيث المضمون------
تشترك الاخلاق مع القانون في واجبات الشخص نحو غيره حيث نجد اوامر ونواهي القانون هي نفسها اوامر ونواهي خلقية
ب-من حيث الغاية------
غاية الاخلاق مثالية تهدف الى تربية الانسان الفاضل ولتحقيق هذه الغاية تتنوع الواجبات الخلقية اما القانون فيهدف الى غاية عملية واقعية تتمثل في المحافظة على النظام في المجتمع وتحقيق العدل والمساواة بين الناس
ج-من حيث الجزاء------
جزاء مخالفة قواعد الاخلاق تانيب الضمير واستنكار الناس اما جزاء مخالفة قواعد القانون فيتخذ صورةالقهر والاجبار ( جزاء مادي)
تعريف القانون العام :
هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين طرفين يكون احداهما او كلاهما ممن يملكون السلطة او السيادة ويتصرفون بهذه الصفة
---------فروع القانون العام--------------
1-القانون العام الخارجي:
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات بين الدول في زمن السلم وزمن الحرب كما تنظم العلاقات بين الدول والمنظمات الدولية من حيث اختصاص كل منظمة وحقوق وواجبات الدول تجاه هذه المنظمات.
2-القانون العام الداخلي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات القانونية بين الدولة او احد فروعها وبين الاشخاص الطبيعيين او المعنويين عندما تتصرف باعتبارها صاحبة السلطة او السيادة.
فروع القانون العام الداخلي
القانون الدستوري
هو مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم في الدولة وتحدد السلطات العامة واختصاص كل منها كما تبين الحقوق العامة والسياسية والواجبات العامة للمواطن والحريات الفردية والجماعية وبذالك يعتبر القانون الدستوري القانون الاساسي للدولة
القانون الادراي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم نشاط السلطة التنفيذية اثناء تادية وظائفها الادراية وتبين كيفية ادارتها للمرافق العامة
القانون المالي
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم مالية الدولة كما تبين النفقات العامة (التسيير والتجهيز)والايرادات العامة (الضرائب والرسوم) للدولة.
القانون الجنائي
هو مجموعة القواعد القانونية الموضوعية والاجرائية في مجالي التجريم والعقاب ( لاجريمة ولاعقوبة بدون نص)
قانون العقوبات
يتضمن القواعد القانونية التي تبين الجرائم المختلفة والعقوبات المقررة لها وشروط المسؤولية الجنائية
قانون الاجراءات الجنائية
مجموعة القواعد القانونية التي تبين الاجراءات التي تتبع في ضبط الجرائم والتحقيق فيها ومن ثم اصدار الاحكام على المتهمين
القانون الخاص
مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات الناشئة بين طرفين او اكثر سواء كانوا اشخاصا معنويين او اشخاص طبيعيين ولايعمل اي منهما بصفة صلحب السيادة على الاخر
فروعه
القانون المدني
القانون التجاري
قانون الاجراءات المدنية
القانون الدولي الخاص
الدرس الثالث
المصادر الرسمية للقانون
1-التشريع .تعريفه هو مصدر رسمي للقانون الجزائري ويقصد به وضع القواعد القانونية المكتوبة بواسطة السلطة المختصة بذالك
انواعه:
التشريع الاساسي :هو الدستور وهو اعلى التشريعات درجة في الدولة حيث يشتمل على مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم السلطات العامة فيها واختصاص كل منها وعلاقتها ببعضها البعض
التشريع العادي: هو مجموعة القواعد القانونية التي تسنها السلطة التشريعية في الدولة في حدود اختصاصها المحدد لها في الدستور وله صورتين التقنين التجاري والمدني
مراحل التشريع العادي:
مرحلة اقتراح التشريع
مرحلة الفحص
مرحلةموافقة الهيئة التشريعية
مراحل نفاذ التشريع العادي
مرحلة اصدار التشريع
مرحلة نشر التشريع
تعريف التشريع باوامر :
هو تشريع عادي لكنه يوضع لمواجهة حالة من الحالات التي تقتضي سرعة اصداره
التشريع الفرعي( اللوائح)
تعريفه: يقصد يه اللوائح التي تختص السلطة التنفيذية بوصفها في حدود اختصاصها الذي يبينه الدستور وهي 3 انواع
اللوائح التنفيذية وتصفها السلطة التنفيذية وتتضمن القواعد التفصيلية لتنفيذ التشريع العادي
اللوائح التنظيمية وهي اللوائح التي تصفها السلطة التنفيذية اتنظيم المصالح والمرافق العامة
لوائح الضبط وهي الللوائح التي تضعها السلطة التنفيذية بهدف المحافظة على الامن العام والمحافظة على الصحة العامةولوائح تنظيم المرور.....
2-مبادئ الشريعة الاسلامية يقصد بها تلك المبادئ المشتركة المستخلصة من القران والسنة المتفق على احكامها في المذاهب الفقهية وتتضمن السنة القران الاجماع القياس
3-العرف: هو تكرار سلوك الناس في مسالة ما بطريقة معينة مع الاعتقاد بان هذا السلوك ملزم لهم قانونا
عناصره:
العنصر المادي: هو تكرار سلوك الناس في مسالة ما بطريقة معينة وخلال مدة طويلة من الزمن وبصفة مستمرة

العنصر المعنوي: هو اعتقاد الناس واحساسهم وشعورهم بان العادة التي اعتادو عليهاملزمة لهم قانونا ويتعين عليهم طاعتها
4-مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة
مبادئ القانون الطبيعي:
يقصد بها مجموعة المبادئ والمثل العليا التي يسلم العقل الانساني السليم بضرورتها اتنظيم العلاقات بين الافراد
قواعد العدالة
تعتبر قواعد مرتة ونسيبة تختلفمن شخص الى اخر ومن مكان وزمان الى اخر والعدالة تعني بصفة عامة المساواة في الحكم
المصادر التفسيرية
تتمثل في احكام القضاء واراء الفقه ولايعتد بها كمصادر انشائية للقانون ولايلتزم القاضي بها في اصداره للاحكام
القضاء
هو مايصدر عن المحاكم على اختلاف درجاتها من احكام في الدعاوي التي تعرض عليها تطبيقا لنصوص القانون
الفق










قديم 2013-01-28, 23:54   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

محاضرات في القانون الجنائي العام
الأحكام العامة لقانون العقوبات والنظرية العامة للجريمة

مقدمــــــة

يعد قانون العقوبات من أهم القوانين التي تستعين بها الدولة في فرض الانضباط والأمن داخل المجتمع، على اعتباره القانون المتضمن لأشد أنواع الجزاءات القانونية وأكثرها لتحقيق فكرة الدرع العام قبل الردع الخاص. وكانت لهذا القانون ذات الأهمية حتى قبل ظهور الدولة، باعتباره من أقدم فروع القانون والذي وجد مع وجود الجماعات البشرية الأولى، وصاحب مختلف مراحل تطورها، وبذلك اتسم في كل مرة بسمات المرحلة التي تطبع النظام المتبع في المجتمع، بجوانبه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، حيث في كل مرة كانت تجد فيه الجماعات المكلفة بالحكم – أيا كان نوعها- الوسيلة المثلى لفرض سياستها وأهدافها، وكذا الحفاظ على مصالحها. والسبب الذي جعل هذا الفرع القانوني الهام يحتل مثل هذه المكانة، ومثل هذه الدرجة من الأهمية، راجع بالأساس إلى الجزاء الذي تتضمنه قواعده، باعتبارها جزاءات تصيب الشخص المكلف في حياته أو حريته، وأقلها أن تصيبه في ماله، وبذلك كانت عبارة عن وسائل قهر وإلزام وردع، ووسيلة في يد السلطة الحاكمة في فرض رؤاها في كيفية سير الأفراد والجماعات. وعلى إثر ذلك ضم هذا الفرع القانوني في ثناياه نوعين من الأحكام، أحكام تجريمية وأخرى عقابية، وأن دراسته دراسة وافية تقتضي الإلمام بهما معا، بالنظر للتلازم الموجود بين النوعين أو الشقين من الأحكام. وبهذا فإنه من البديهي أن دراسة القانون الجنائي العام، تقتضي دراسة النظرية العامة للتجريم، والنظرية العامة للجزاء
( الجريمة والجزاء)، وهي المسألة الأولى التي تعطي لقانون العقوبات خاصته الأولى المتمثلة في تضمنه لعلمين، هما علم الإجرام وعلم العقاب، الذي يستدعي في كرة مرة الإلمام بالعلوم الجنائية لفهم أبعاد القانون الجنائي. هذا من جهة.

ومن جهة ثانية، تطبيق القانون الجنائي يستدعي نوعا آخر مخالف تماما للقواعد السابقة، التي تعد في جوهرها قواعد موضوعية، وهذا النوع الآخر هو القواعد الإجرائية، والتي تشكل في ذاتها فرعا قانونيا آخرا، وهو قانون الإجراءات الجنائية مع ما يتسم به من خصوصيات، وما يحكمه من مبادئ، والذي يعد وسيلة تفعيل وتطبيق القانون الجنائي بشقيه العام والخاص، والذي بدونه لا مجال للحديث عن دور وأهمية القسم العام، وهذا الأمر يجعلنا أمام مشكلة أخرى، وهي أن دراسة هذا الفرع القانوني في قسمه العام يقود بداهة لدراسة جوانبه الإجرائية، الأمر الذي يزيد دراستنا تشعبا وتوسعا. ويجعل الدارس والمدرس لهذا الفرع القانوني أمام ثلاثة فروع قانونية، النظرية العامة للجريمة، النظرية العامة للجزاء، وقانون الإجراءات الجزائية. والأكثر من ذلك، الفروع الثلاثة السابقة تستعدي أيضا الإحاطة بفرع قانوني آخر يتعلق بنظرية تنفيذ الجزاء، وهو المحكوم في الجزائر بقانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمساجين، والموضع السليم لدرسته هو النظرية العامة للجزاء الجنائي.

والغريب في الأمر أن دراسة هذه الفروع في مجملها مقررة لطلبة السنة الثانية، في حين القسم الخاص للقانون الجنائي – وفي جزء منه فقط- مقرر لطلبة السنة الثالثة، وهي مسألة نرى وجوب إعادة النظر فيها. غير أن ذلك لا يمنعنا من محاولة تقديم هذه المحاضرات بنوع من الشرح والتفصيل، معتمدين أسلوبا نتجنب من خلاله التفصيل الممل وكذا الاختصار المخل، خدمة وإعانة للطالب في استيعابه لمضامين وأبعاد هذا الفرع القانوني الهام من فروع القانون، ونخصص هذه المطبوعة أولا للنظرية العامة للجريمة والتي لا غنى فيها عن تناول الأحكام العامة لقانون العقوبات ذاته، لنتبعها – بعون الله- بمطبوعة أخرى نخصصها للنظرية العامة للجزاء الجنائي، وثالثة نخصصها للشرح أحكام قانون الإجراءات الجزائية، علها تكون عونا مفيدا لطالب السنة الثانية حقوق.

هذا وننبه مسبقا، بأننا سنعمد وفي كثير من الأحيان، إلى الإشارة للخلاف الفقهي الذي قد يشوب فكرة من أفكار هذا القانون في هوامش هذه الدراسة، والتي ننصح في كل مرة الاطلاع عليها وأخذ فكرة عنها، على اعتبار متن الموضوع يخصص فقط لما استقر عليه الفقه في الغالب، أو لما تبناه التشريع المعاصر، مركزين على القانون الجزائري والإشارة في كل مرة تقضي فيه المسألة ذلكن إلى القانون المقارن. كما نشير في آخر الدراسة إلى أهم المراجع المعتمد عليها في إعداد هذه المحاضرات، دون إدراجها في موضعها على النحو الذي يقتضيه إعداد البحوث الأكاديمية، وذلك تقتضيه ظروف أخرى متعلقة بحقوق التأليف، لا إهمالا للجوانب المنهجية والشكلية في إعداد البحوث والدراسات.

وسنتناول هذه الدراسة من خلال بابين أساسيين، نتناول في الأول النظرية العامة للجريمة، لنتناول في الثاني النظرية العامة للمسؤولية الجنائية، على أن نسبق كل ذلك بباب تمهيدي نتناول فيه الأحكام العامة لقانون العقوبات ذاته، ونعنونه بمعالم قانون العقوبات. وننبه مسبقا بأن قد يكون هناك اختلال في توازن البابين، على أساس أننا فضلنا تخصيص مطبوعة لنظرية الجزاء، في حين غالبية الفقه يتناولها في إطار نظرية المسؤولية الجنائية، لكن الفائدة الموضوعية المتوخاة من إعداد هذه المطبوعة، تتجاوز بكثير الفائدة المحققة من مراعاة الجوانب الشكلية. هذا ولا يفوتنا أن نتمنى أن تكون هذه المطبوعة عونا علميا لطلبتنا الأعزاء في دراستهم للمادة خلال هذه السنة، وعونا مفيدا في مشاريعهم العلمية المستقبلية.


.

باب تمهيدي
معالم قانـون العقوبات

قانون العقوبات يشمل نوعين من الأحكام الموضوعية، النوع الأول عبارة عن المبادئ والأحكام العامة الحاكمة للتجريم والعقاب، والتي تعد بلورة للنظريات الجنائية التي تبلورت فقهيا وقانونيا على مر عصور طويلة من الزمن، سيما وأن هذا القانون، من أقدم القوانين على وجه الأرض، بل يمكن رده إلى ما قبل ذلك، عند بدأ الخليقة[1]. وهو النوع من الأحكام الذي يطبق على كل الجرائم أيا كان نوعها – على أساس أن قانون العقوبات يعرف التقسيم الثلاثي للجرائم، حيث يقسمها إلى جنايات وجنح ومخالفات-، وأيا كان مرتكبها – حيث أن الجريمة قد تكون مشروعا فرديا يسهر على اقترافه فاعل واحد، أو عدة فاعلين، وهو ما يعرف بالمسؤولية الجنائية أو الاشتراك- سواء كان وطنيا أو أجنبيا – تعبيرا عن مبدأ سيادة قانون العقوبات على إقليم الدولة، حيث يطبق على الوطنيين والأجانب على حد سواء-، ويسمى هذا القسم عادة بالنظرية العامة للجريمة، كما يشمل أيضا على الأحكام العامة والمبادئ التي تحكم الجزاء، ويسمى هذا الجزء بالنظرية العامة للجزاء الجنائي. وكلا الشقين يكونان ما يسمى بالقسم العام لقانون العقوبات، الذي يعد من المقررات لبرنامج السنة الثانية في دراستهم لقانون العقوبات.

كما يشتمل على أحكام خاصة، تبين الجرائم بمفرداتها وأركان وظروف وعناصر كل منها، والعقوبة المقررة لها، ويسمى هذا الشق، بقانون العقوبات الخاص، أو القسم الخاص لقانون العقوبات، الذي يعد مقررا على طلبة السنة ثالثة حقوق. على اعتبار أن هذا القسم ما هو إلا تطبيق للنظرية العامة لكل من الجريمة والجزاء. وعلى العموم، الموضوع الرئيسي للقانون الجنائي أو قانون العقوبات، وإن كان الظاهر منه أنه دراسة للنظرية العامة للجريمة، فهو يبحث أساسا على المسؤولية الجنائية على اعتبار الجريمة سلوك يرتكبه شخص يجب أن يكون مسؤولا عن فعله حتى يوقع عليه العقاب. وفي معالجة هذا الموضوع، ظهر خلاف فقهي كبير في الفقه القانوني الجنائي، حيث نجد المدرسة الألمانية اتجهت اتجاها فلسفيا في دراسة الموضوع، حيث يحللون الموضوع على خمسة عناصر أساسية، هي الفعل المتمثل في السلوك، النموذج وهو الوصف القانوني المجرد للتجريم، لا قانونية الفعل وهي مطابقة الفعل للنموذج ومن ثم تقرير الطبيعة اللامشروعة لهذا الفعل، الإثم وهو العلاقة ما بين الفعل والموقف النفسي الآثم، وأخيرا العقاب وهو الثر أو النتيجة أو ثمرة العوامل الأربعة الأولى. أما الفقه الفرنسي ومعه الفقه العربي، له تحليل أكثر بساطة للموضوع، حيث يبدأ تحليل المسؤولية الجنائية من الجريمة إلى المجرم، ومن الشروط الموضوعية للجريمة إلى الشروط الشخصية للجاني، ولكن في الأخير يلتقون مع التحليل الألماني حيث يلتقون في فكرة الجريمة، الإثم، الأهلية للعقاب – أي المسؤولية الجنائية- ثم العقاب نفسه[2]. لكن قبل كل ذلك، وفي البحث عن تحديد معالم قانون العقوبات، شاب الخلاف الفقهي الطويل الذي يطبع هذا الفرع القانوني الهام، حول تسمية القانون في حد ذاته وتحديد مضامينه وأبعاده، وكذا تناول تطوراته وتحديد طبيعته وعلاقته بمختلف فروع القانون الأخرى. لذا فإن دراسة معالم قانون العقوبات، تقتضي منا التعريف به أولا، وتناول محتواه وتحديد طبيعة قواعده، وكذا إبراز علاقته مع مختلف القوانين الأخرى، وتبيان أهدافه. وذلك في فصل أول، نعنونه بماهية قانون العقوبات، لنتناول في فصل ثاني، نشأة وتطور قانون العقوبات، وذلك بتناول تطور الفكر الجنائي بصفة عامة، وقانون العقوبات الجزائري بصفة خاصة.

الفصل الأول
ماهيـــة قانون العقوبات

قانون العقوبات من القوانين التي تجسد بها الدول الحماية القانونية لمصالحها ومصالح المجتمع الأساسية والجوهرية، والتي تكفل الأمن والسكينة والاستقرار لكافة أفراد هذا المجتمع، وإقامة العدل بين أفراده، وهو بذلك ضرورة وحتمية لكل مجتمع أيا كان توجهه وطرق حكمه وتسييره، على اعتبار الجريمة سلوك إنساني ملازم للمجتمعات في كل مكان وفي كل زمان، لذا نجد قانون العقوبات لازم التطور البشري، وعايش تحولاته الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، الأمر الذي انعكس على تسميته وتحديد معناه وتبيان محتواه، وحصر العلاقة الموجودة بينه وبين مختلف الفروع القانونية الأخرى، تبعا للتطورات التي عرفها هذا القانون، وهو ما يقتضي منا تناول هذا الفصل ضمن مبحثين، نخصص الأول لمفهوم قانون العقوبات، أين نتناول تحديد معنى مسمياته المختلفة، وحصر مضمونه وتبيان أقسامه، لنخصص الثاني للبحث في طبيعة هذا القانون.
المبحث الأول
مفهوم قانــون العقوبات

يتفق الفقه الجنائي حول مضمون قواعد قانون العقوبات وخصائصه وأهدافه، والتي نتناولها ضمن المبحث الثاني من هذه الدراسة، غير أنه يختلف حول تسميته وتعريفه وعلاقته بمختلف الفروع القانونية الأخرى، وتبعا لذلك حول تحديد طبيعته– وهو موضوع المبحث الثاني-، غير أننا سنقتصر دراستنا في هذا المبحث على مطلبين، خصص الأول لتعريف قانون العقوبات، والثاني لمحتوى هذا القانون.

المطلب الأول
تعريف قانـــون العقوبات

قبل التطرق للتعاريف التي أعطيت لقانون العقوبات، والاختلاف الفقهي الكبير في ذلك، نشير بأن الخلاف انصب أولا حول تحديد تسمية هذا القانون. لكن دون أن ينعكس ذلك على تحديد محتوى ومضمون هذا القانون، وهو الأمر الذي نتبينه من خلال الفروع التالية.

الفرع الأول
في تسمية قانون العقوبات

تطلق في العادة تسمية "قانون العقوبات " على هذا الفرع من فروع القانون[3]، والذي يضم في حقيقته كل من الجرائم والعقوبات المقررة لها، وذلك من قبل تسمية الكل باسم الجزء، أو مثلما نرى، من قبيل تسمية التابع للمتبوع، على اعتبار أن الجريمة سابقة في الوجود على ارتكاب الجريمة، كما أن ارتكاب هذه الجريمة لا يعني بالضرورة توقيع عقوبة، فقد يوقع على شخص تدبير أمني أو احترازي، أو قد لا يطبق الجزاء أصلا، سواء تمثل في عقوبة أو في تدبير أمني، في الحالات التي قد يتوفر فيها للشخص مانع من موانع العقاب، أو سبب من أسباب الإباحة، أو حتى في الحالات التي لا يعرف فيها مرتكب الجريمة أو لا تتمكن فيه النيابة العامة من إثباتها عليه، وهنا تكون الجريمة أمر واقع، في حين شق العقوبة لم يطبق. الأمر الذي يجعلنا نرى بأتن تسمية هذا القانون، بقانون العقوبات تسمية قاصرة على أن تستوعب مضامينه وخصوصياته. خاصة وأنها ركزت على شق العقاب دون شق التجريم، وفي جزء منه دون الآخر – كون الجزاء يشمل العقوبات والتدابير، على نحو ما سنرى-. وهنا جاء اتجاه فقهي، ينادي بإطلاق تسمية " القانون الجزائي" على هذا القانون، ليصبح يشمل شق الجزاء بنوعيه العقوبات والتدابير، لكنه يظل قاصر على أن يشتمل شق التجريم، وهو الأهم في نظرنا. وتبقى تسمية قاصرة عن استيعاب المضمون الكلي لهذا القانون ومحتوياته، لذا يفضل بعض الفقه، تسمية " القانون الجنائي" باعتباره قانون الجرائم، وأن هذا النوع – الجنايات- أهم وأخطر الأنواع، مقارنة بالجنح والمخالفات، غير أننا نرى بأن هذه التسمية تعد أيضا تسمية للكل باسم الجزء، حيث أنها ركزت على جانب التجريم – في حين الأولى ركزت على جانب العقاب- وفي نوع واحد فقط من بين ثلاثة أنواع من الجرائم، وهي الجنايات، مثلما ركزت التسمية الأولى على نوع فقط من أنواع الجزاء، وهي العقوبة، وبالتالي التسمية قاصرة جدا، كونها أهملت نوعين من الجرائم، زيادة على إهمالها لشق العقاب برمته.

غير أن هذه الانتقادات الموجهة لكل تسمية من التسميات الثلاث السابقة، لم تمنع الفقه في عمومه، من استعمالها تبعا لتوجه المشرع في بلده، ووفقا لما ألفه في استعمال المصطلحات، غير أن الإشكال في رأينا يكمن في موقف المشرع نفسه، فإن كان من الجائز أن نستعمل مصطلح من المصطلحات الثلاثة السابقة، فعل الأقل أن يعممه المشرع، غير أننا نرى بأن غالبية التشريعات، بما فيها التشريع الجزائري، تسمي القانون الموضوعي، بقانون العقوبات، بينما تميل لشق الجزاء بخصوص الإجراءات، حيث نجد المشرع الجزائري، يطلق تسمية " قانون العقوبات" على القانون موضوع دراستنا في هذا السداسي، ومصطلح " قانون الإجراءات الجزائية" بخصوص الشق الإجرائي موضوع دراستنا في السداسي الثاني من السنة الجامعية، وهنا يثار التساؤل عن المغزى من عدم توحيد المصطلحات، وإن كانت بعض التشريعات تطلق عليه مصطلح " الإجراءات الجنائية" نسبة للجنايات.

الفرع الثاني
تعريف قانون العقوبات

يعرفه البعض[4]، بأنه: " مجموعة القواعد القانونية التي تبين الجرائم وما يقرر لها من أو يقابلها من عقوبات أو تدابير أمن، إلى جانب القواعد الأساسية والمبادئ العامة التي تحكم هذه الجرائم والعقوبات والتدابير"، بينما يرى البعض[5]، أنه :" مجموعة القواعد القانونية التي تحدد رد الفعل الاجتماعي ضد الجرائم، وتترجم مجموعة الحلول الوضعية للظاهرة الإجرامية". في حين يرى آخرون، أن قانون العقوبات يمعناه الواسع، مجموعة القواعد التي تحدد التنظيم القانوني للفعل المجرم ورد فعل المجتمع إزاء مرتكب هذا الفعل، سواء بتطبيق عقوبة أو تدبير أمن، كما يشمل أيضا القواعد الإجرائية التي تنظم الدعوى الجنائية. وبذلك يشمل المعنى الواسع كل من القواعد الموضوعية التي تجرم وتعاقب على الأفعال، سواء تمثلت في قانون العقوبات أو في القوانين المكملة له، وكذا القواعد الإجرائية المتمثلة في مجموعة القواعد الواجب اتخاذها بخصوص الدعوى العمومية، وصدور الأحكام والطعن فيها، وحتى تنفيذ العقوبة التي ينظمها قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين[6]. بينما المعنى الضيق لقانون العقوبات، فيطلق مرادفا لتقنين العقوبات أو مجموعة القواعد الموضوعية فقط الخاصة بالتجريم والعقاب. والتي تعني فقط الدور المزدوج لهذا لقواعد هذا الشق، حيث تبين من جهة، الأفعال والتصرفات المجرمة، ومن جهة ثانية، ردة الفعل الاجتماعي إزاءها أو في مواجهتها، سواء كان ذلك بعقوبة أو تدبير من تدابير الأمن أو التدابير الاحترازية[7].

ويرى البعض، بأن الدور المزدوج لقواعد قانون العقوبات، هي التي تبين الاختلاف الفقهي والتشريعي الحاصل حول تسمية هذا القانون، وهي التسميات التي تعبر فعلا عن ماهية هذا القانون، حيث يمكن القول بأن الجريمة أيا كان نوعها والجزاء أيا كان نوعه، وجهان لعملة واحدة، فالتعبير بالجريمة يعني أنه هناك جزاء مقابل، والتعبير بالجزاء يعني أن هناك جريمة قد وقعت، حيث لا جريمة دون جزاء، ولا جزاء دون وقوع جريمة، من حيث المبدأ. غير أننا نفضل تسمية القانون الجنائي – والدليل على ذلك تسمية المادة التي نحن بصدد دراستها – على تسمية قانون العقوبات، حيث بإمكان التسمية الأولى أن تشمل الشق الإجرائي بالإضافة إلى الشق الموضوعي، في حين أن تسمية قانون العقوبات، في رأينا تشمل الشق الموضوعي فقط دون الشق الإجرائي. وبالتالي يمكننا القول بأن مسألة التسمية تقودنا لدراسة محتوى هذا القانون، وهو موضوع دراستنا في الفرع الموالي.

المطلب الثاني
محتوى القانون الجنائي

يجمع الفقه في عمومه، على أنه لقانون العقوبات نوعين من المحتوى، محتوى قانوني وهو أساس والهدف المباشر لهذا الفرع القانوني، ومحتوى علمي وهو محتوى غير مباشر منه تستمد القواعد القانونية المنظمة لشقي التجريم والعقاب. وهو ما نبينه باختصار في الفرعين التاليتين.

الفرع الأول
المحتوى القانوني للقانون الجنائي

تكمن مهمة قانون العقوبات بالدرجة الأولى، في تبيان الأفعال التي يرى المشرع أنها تضر بالمصلحة العامة وبالنظام العام القائم[8]، ويضع قائمة بها، وهي التي تشكل بذاتها فرعا من فروع القانون الجنائي، ويسمى ب:" القانون الجنائي الخاص"، أو القسم الخاص من القانون الجنائي أو قانون العقوبات، وهي القسم الذي يبين كل جريمة على حدا وما يميزها من أركان وظروف وعناصر، وما يتقرر لها من عقوبات
أو تدابير احترازية أو أمنية. وإلى جانب القواعد السابقة، هناك مجموعة أخرى من القواعد التي تحدد القواعد والمبادئ العامة التي تحكم القانون الجنائي في مجمله، من أركان عامة للجريمة، وقواعد المسؤولية الجنائية وموانعها، وتصنيف الجرائم، وأسباب الإباحة، وموانع العقاب... وهي مجموعة القواعد التي تشكل فرع من فروع القانون الجنائي، المسمى بالقسم العام، أو القانون الجنائي العام، الذي يعد موضوع دراستنا في هذا البحث. غير أن تطبيق الفرعين السابقين من فروع القانون الجنائي، يقتضي إجراءات معينة بموجبها تتدخل الدولة عن طريق أجهزتها من وقت ارتكاب الجريمة لغاية توقيع العقوبة على مقترفها، وتبين ماهية هذه الأجهزة، وطرق تدخلها وكيفيات ذلك، وهو القسم المسمى بقانون الإجراءات الجزائية[9].

وبالتالي يتحدد المحتوى القانوني للقانون الجنائي، أو قانون العقوبات، بثلاثة فروع قانونية فرعية يتضمنها هذا القانون، وهي القسم العام، أو القانون الجنائي العام[10]، والقانون الجنائي الخاص[11] – المقرر في برنامج السنة الثالثة حقوق إلى جانب علم الإجرام- وقانون الإجراءات الجزائية أو الجنائية[12]، المقرر في السداسي الثاني من السنة الثانية حقوق. وهي أقسام وفروع تتكامل فيما بينها، لتشكل في الأخير الجزء الكبير من السياسة الجنائية والعقابية للدولة، من حيث تبيانها للتجريم وما قرر من عقوبات، والأحكام والمبادئ العامة التي تحكم العمليتين – التجريم والعقاب-، بالإضافة إلى قواعد إجرائية تنقل الشق السابق من حالة السكون إلى حالة الحركة، أو من الحالة النظرية المجردة، إلى الحالة الواقعية العملية. هذا من ناحية.

ومن ناحية ثانية، يتحدد المضمون القانوني لقانون العقوبات، في كونه وبالإضافة إلى احتواءه لقسم عام وآخر خاص، أنه هناك قوانين عقوبات تكميلية وأخرى خاصة.

فقانون العقوبات التكميلي، يجد علته في كون القسم الخاص من قانون العقوبات لا يتضمن كل الجرائم التي قررها المشرع، فهناك عدد كبير من الجرائم نصت عليها قوانين أخرى مستقلة، مثل قانون المنافسة والأسعار وقانون الصحة والقانون الجمركي ...وهي مجموعة القوانين التي يطلق عليها مصطلح قانون العقوبات التكميلي أو القوانين الملحقة بقانون العقوبات، مما يستتبع بالضرورة خضوعها للأحكام العامة المتضمنة بالقسم العام لقانون العقوبات. ولجوء المشرع إلى هذه الطريقة المتمثلة في التجريم والعقاب بموجب نصوص قانونية مستقلة، يجد أساسه في عدم قدرته على حصر كل الجرائم في موضوع واحد هو قانون العقوبات، خاصة إذا كانت هذه الجرائم تحمي مصالح متغيرة أو طارئة تخضع للتعديل والتغيير كلما دعت الضرورة لذلك، في حين أن قانون العقوبات يتسم بالاستقرار النسبي، لذا فهو يجرم في العادة الأفعال الشائنة والمستهجنة في المجتمع في كل وقت من الأوقات ولا يتدخل إلا في حال تغيرات اقتصادية
أو اجتماعية أو علمية حديثة توجب إلغاء بعض الجرائم أو إدراج البعض الآخر.

وأما قوانين العقوبات الخاصة، فهي حسب الفقه طائفة ثالثة من الجرائم، التي يتم النص عليها في قوانين خاصة، اصطلح على تسميتها بقوانين العقوبات الخاصة، منها قانون العقوبات العسكري وقانون العقوبات الاقتصادي وقانون العقوبات التجاري. وأصبحنا نسمع بقانون العقوبات الإداري وقانون الجنائي الدستوري...، وهي كلها قوانين تحمي مصالح تتميز بطابع خاص يبرر إخضاعها لقواعد قانونية خاصة، سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الإجرائية، كونها تخضع لبعض الأحكام التي قد تختلف كلية
أو جزئيا عن الأحكام العامة الموضوعية والإجرائية، لكن العلاقة بينهما تظل قائمة ويجب الرجوع للأحكام العامة في كل حالة لم يرد بشأنها نص في هذه القوانين الجنائية الخاصة، تطبيقا لقاعدة الخاص يقيد العام. ولتجنب الخلط بين القوانين الجنائية الخاصة والقوانين التكميلية لقانون العقوبات العام، يدرج الفقه الفرقين الأساسيين التاليين:
1- القوانين المكملة لقانون العقوبات، تحمي مصالح من ذات نوع وطبيعة المصالح المحمية بموجب القسم الخاص من قانون العقوبات، مما لا يجيز الخروج بشأنها عن الأحكام العامة المنصوص عليها بالقسم العام لقانون العقوبات، في حين تحمي قوانين العقوبات الخاصة مصالح وحقوق تتميز بطبيعة خاصة تستوجب الخروج نوعا ما ( بصفة كلية أو بصفة جزئية) عن الأحكام العامة لقانون العقوبات سواء في قسمه الموضوعي أو في قسمه الإجرائي .
2- الجرائم المنصوص عليها في قوانين العقوبات التكميلية، تخضع بحسب الأصل للأحكام العامة الواردة بالقسم العام لقانون العقوبات، إلا إذا نص فيها على ما يخالف ذلك، أما قوانين العقوبات الخاصة فتضم أحكامها الموضوعية والإجرائية الخاصة بها، ولا يرجع فيها إلى الأحكام العامة إلا في الحالات التي لا يرد فيها نص خاص.

الفرع الثاني
المحتوى العلمي للقانون الجنائي


حتى يستطيع القانون الجنائي أن يحقق أهدافه على أتم وجه، يجب أن يستعين بالعلوم الحديثة وما تقدمه له من مساعدة مبنية أساسا على معطيات علمية، من أهم هذه العلوم المسماة بالعلوم الجنائية المساعدة، علم التحقيق الجنائي وعلم الإجرام، اللذان يعدان ركائز العلوم الجنائية أو السياسة الجنائية بصفة عامة. وإن كان يستفيد القانون الجنائي أيضا ببعض العلوم الأخرى حتى وإن كانت من طبيعة غير جنائية، كعلم النفس وعلم الاجتماع، والعلوم الاقتصادية وغيرها من العلوم الإنسانية، خاصة وأن الجريمة بدورها ظاهرة إنسانية، فهمها يقتضي فهم السلوك الإنساني ككل، وذلك لا يتسنى إلا بالاستعانة بكل هذه العلوم في رسم السياسة الجنائية. وهو ما نبينه باختصار في النقاط التالية. والتي لا نقصد بها علاقة قانون العقوبات بباقي فروع القانون الأخرى، التي سنتناولها في نقطة مستقلة، وإنما هي علوم متضمنة بطريقة غير مباشرة في إطار هذا القانون ذاته. والمسماة بالعلوم الجنائية نسبة لهذا الفرع القانوني، ويقصد بها تلك العلوم التي تبحث في الجريمة والمجرم، من حيث تحديد أسباب الإجرام وصفات المجرم ووسائل معالجته وتقويمه، وأهداف العقوبة وأغراضها، وبالتالي نقطة الاشتراك بينها وبين القانون الجنائي، هي الاهتمام المشترك بالجريمة والمجرم والعقوبة، والأهم مكافحة الجريمة، وهي المحاور الأساسية للقانون الجنائي وسبب وجوده. غير أن وسيلة القانون الجنائي في مكافحة الجريمة، هي تحديد الأعمال المجرمة وتقدير الجزاء المناسب لها، بينما وسيلة العلوم الجنائية، هي البحث العلمي القائم على الدراسات التجريبية القائمة على الملاحظة واستخلاص النظريات والقوانين العلمية التي تحكمها، والتي تجعل من المشرع الجنائي يضع النصوص القانونية وفق سياسة جنائية معينة التي تعد محصلة النتائج العلمية التي توصلت إليها العلوم الجنائية[13]. وسنبين أهم هذه العلوم في النقاط الثلاث التالية.

أولا: علـــم الإجرام

علم الإجرام، هو العلم الذي يدرس الجريمة كظاهرة اجتماعية، ويتناول بالتحليل والبحث أسباب الجريمة ودوافعها المختلفة، والذي يشمل أيضا ثلاثة فروع من العلوم، هي علم طبائع المجرم، ويتناول بالدراسة أسباب الجريمة الكامنة في تكوين الجاني الخلقي والجسدي، وعلم النفس الجنائي، وهو العلم الذي يهتم بالبحث في الأسباب النفسية الدافعة لارتكاب الجرائم، وتطور الفكرة الإجرامية في نفسية الجاني، بالإضافة إلى علم الاجتماع الجنائي، وهو العلم الذي يركز على أسباب الجريمة الراجعة إلى المجتمع والظروف الاجتماعية المحيطة بالجاني، بالإضافة إلى علم آخر تفرع عن علم الإجرام، وهو علم الإجرام الإكلينيكي، الذي يركز على دراسة كيفية فحص الجاني جسديا ونفسيا وعقليا، للتعرف على أسباب انحرافه[14]. خاصة وأن علماء الإجرام لهم معاييرهم لاكتشاف تصرفات وسلوكات الأفراد، ودراسة الجريمة دراسة علمية من حيث أسبابها وطرق مكافحتها، ومن هنا كانت العلاقة والاستفادة بين القانون الجنائي وعلم الإجرام علاقة تعاونية أو تبادلية، حيث أن المعطيات الأولية، من تعريف للجريمة، وتقديم المادة البشرية الأساسية موضوع الدراسة والبحث والتحليل، ورسم القيود والحدود التي يتعين على علم الإجرام عدم تعديها في دراسته للمجرم، ومنعهم من التدخل في الشؤون القانونية وخاصة الجنائية[15].

ثانيا: علــــم العقاب
علم العقاب، هو العلم الذي يهتم بدراسة أهداف العقوبة والتدابير وتحديد أغراضها الاجتماعية، ودراسة القواعد والأساليب الكفيلة بتحقيق أغراضها، ودراسة أساليب تقويم الجناة أثناء فترة تنفيذ العقوبة
أو التدبير، كما وهو العلم الذي يعني مجموعة القواعد التي تحدد الأساليب التي تتبع في تنفيذ العقوبات والتدابير الاحترازية، حتى تحقق الغرض الذي يستهدفه المجتمع منها، في إطار الفلسفة التي يتبناها ويعمل في إطارها.

ثالثا: علــم (التحقيق الجنائي) البوليس الفني

وهو العلم الذي يهتم بدراسة تحديد الجاني والتعرف على مرتكب الجريمة وكيفية وقوعها، بدءا من دراسة البصمات، وكيفية رفع آثار الجريمة، وفحصها وتحليلها... وهو علم شهد تطورات مذهلة في السنوات الأخيرة[16]، حيث استفاد كثيرا بالتطورات العلمية والتكنولوجية التي وفرتها للبحث الجنائي، سواء فيما يتعلق بدراسة مسرح الجريمة، أو التعرف على الجناة، من وجود لفكرة البصمات الوراثية، والأدلة الإلكترونية والمعلوماتية والبيولوجية...وعلم التحقيق الجنائي يضم في الواقع العديد من التخصصات التي تتعاون في مجملها لأجل اكتشاف الجريمة ومرتكبيها، ففي إطار هذا العلم، هناك " الطب الشرعي" الذي ساعد على اكتشاف أسباب الوفاة مثلا ووقتها، ومدى وقوع الاعتداء من عدمه، وطريقة هذا الاعتداء وما إن كان عن طريق العنف أو غيره، وأي وسيلة كانت سببا في إحداث الجريمة، والتعرف حتى على المجني عليهم والجناة على حد سواء، سيما في ظل استفادة هذا العلم من التطورات العلمية الحاصلة في الثورة البيولوجية والمعلوماتية. كما يوجد " علم السموم" الذي يساعد على التحقق من أن مادة معينة أو مخدر ما كان السبب في حدوث الجريمة، وتحليل المواد المخدرة في جرائم المخدرات، كما يوجد ما يسمى بعلم البصمات[17]، وما يسمى " بالشرطة العلمية" وهي كلها علوم تسهل من مهام رجال البحث والتحري، والقاضي في إصدار حكمه. كما يستعين القانون الجنائي بالكثير من العلوم الأخرى، مثل علم الاجتماع القانوني، الذي يهدف إلى دراسة الواقع الاجتماعي للقانون منذ نشأته مرورا بمختلف مراحل تطوره، وكذا العوامل والظروف المحيطة بإصدار التشريعات العقابية ودراسة آثارها الاجتماعية، والعوامل الاجتماعية التي تؤثر في إصدار القوانين وعمل أجهزة العدالة، وهو بذلك يلعب دورا بارزا في تقديم الحقائق الاجتماعية بطريقة موضوعية للمشرع لكي يصدر بناء عليها قوانينه، مما يكفل علاقة الصلة بين القانون والمجتمع الذي نشأ لتنظيمه، وكذا علم الإحصاء، الذي يعتني بإعطاء حقائق رقمية للمتخصصين في التشريع حتى يكنوا على دراية واقعية بكل ما يتصل بالجريمة والمجرمين، من عدد الجرائم والمجرمين أو دراسة نوعية معينة منهم، ومدى انتشار الجريمة في زمان ما أو مكان ما ... خاصة وأن الدراسات الإحصائية من أفضل السبل للحكم على نجاح السياسة الجنائية.










قديم 2013-01-28, 23:55   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الثاني
الطبيعة القانونية لقانون العقوبات

المقصود من تحديد طبيعة قانون العقوبات، البحث فيما إذا كان يعد فرعا من فروع القانون العام
أو فرعا من فروع القانون الخاص، وعموما، البحث في موقع هذا الفرع الهام من فروع القانون بين فروع القانون الأخرى التي تشكل النظام القانوني لأي دولة؟ خاصة إن كنا نعلم، أن النظام القانوني، هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم مجموعة من المصالح، هذه الأخيرة التي قد تكون عامة كما قد تكون خاصة، ووفقا لذلك ينقسم القانون إلى قانون عام وقانون خاص، فإذا كانت المصلحة التي تحميها القاعدة القانونية مصلحة عامة، كنا بصدد فرع قانوني عام، وإن كانت المصلحة المراد حمايتها مصلحة خاصة أو فردية، كنا بصدد فرع قانوني خاص، وبذلك يكون القانون العام عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تحمي المصالح العامة وتنظم العلاقات العامة، كالقانون الدستور، والقانون الإداري، والقانون المالي أو الجبائي
أو الضريبي، والقانون الدولي العام، بينما القانون الخاص، هو مجموعة الفروع أو القواعد القانونية التي تنظم العلاقات فيما بين الأفراد، وتحمي مصالحهم، كالقانون المدني، والقانون التجاري الذي يهدف إلى تنظيم طائفة من أفراد المجتمع وهم التجار، ونوع محدد من الأعمال وهي الأعمال التجارية، وقانون الأسرة الذي يهتم بشؤون هذه الأخيرة... وبالتالي السؤال السابق، وإن طرحناه بصيغة أخرى، ما موقع القانون الجنائي من تقسيمات القانون، فهل قواعد قانون العقوبات تحمي مصالح عامة، وبالتالي هو فرع من فروع القانون العام، أم يقتصر دوره على حماية مصالح فردية خاصة، وبالتالي هو فرع من فروع القانون الخاص؟ وهو السؤال الذي نرى بأن الإجابة عليه تكون بتناول علاقة قانون العقوبات بكل فروع القانون، سواء الخاصة
أو العامة منها، لنحكم بعدها عن طبيعة قواعده وموقعها من هذا التقسيم، أم تتنوع أصلا بذاتية واستقلالية تميزها عن سائر القواعد القانونية الأخرى. أم مجرد قانون مكمل لباقي فروع القانون الأخرى ولا يمكنه أن يتدخل ويلقى مجالا للتطبيق إلا عند عجز هذه القوانين عن كفالة حماية قانونية فعالة لقواعدها وأحكامها. وذلك من خلال مطلبين، نتناول في الأول، علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الأخرى بمختلف تقسيماتها، وفي الثاني تحديد مكانة هذا القانون في النظام القانوني للدولة. على أن نخصص الثالث، وعلى غير العادة، لخصائص هذا القانون وأهدافه، ونقول على غير العادة، كونه جرت العادة على أن يتم تناول الخصائص ضمن المفهوم. لكن لطبيعة هذا القانون تركنا تناول الخصائص إلى ما بعد تحديد طبيعة هذا القانون التي بإمكانها أن توضح بذاتها العديد من خصائص هذا القانون وكذا أهدافه المرتبطة بهذه الخصائص.

.
المطلب الأول
علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الأخرى

سنحاول من خلال هذا الفرع، وباختصار، أن نحدد علاقة قانون العقوبات بكل فروع القانون الأخرى، سواء كانت عامة أو خاصة، ومن خلال ذلك يمكننا الحكم عن طبيعته وما إن كان قانونا عاما
أو خاصا، أو له ذاتية واستقلالية تميزه عن سائر الفروع الأخرى. وذلك من خلال الفروع التالية. أين نتناول علاقة قانون العقوبات بفروع القانون العام، في فرع، وفي آخر، علاقته بفروع القانون الخاص، وما دمنا بصدد تحديد العلاقات، فإننا نخصص فرعا لعلاقة قانون العقوبات بقواعد الدين والأخلاق.

الفرع الأول
علاقة قانون العقوبات بفروع القانون العام

بالاطلاع على محتوى غالبية الفروع القانونية التي تعد من القانون العام، نجد بأن لقانون العقوبات علاقة مباشرة ووطيدة بمختلف هذه الفروع، حيث أنه وبالاطلاع على القانون الدستوري – كأهم القوانين العامة في الدولة- نجد بأن القانون الجنائي هو المخول للحماية أهم المبادئ والأحكام التي يتضمنها القانون الدستوري، سواء تعلق الأمر بالحقوق والحريات، حيث أن القانون العقوبات يجرم كل الأفعال والسلوكات التي تمثل اعتداء على هذه الأخيرة[18]، وسواء تعلق الأمر بحق الدولة في الاحتفاظ بشكل الحكم، حيث يعاقب قانون العقوبات على جرائم الخيانة والتجسس وكل أنواع الاعتداءات التي تمس بأمن الدولة سواء من جهة الداخل أو من جهة الخارج[19]، كما يجرم كل الاعتداءات الواقعة على الاقتصاد والدفاع الوطنيين[20]، وتجريم كل الاعتداءات والمؤامرات ضد سلطة الدولة وسلامة أرض الوطن[21].... وهي أمور تبين بكل وضوح العلاقة الوطيدة بين القانونيين الجنائي والدستوري، الذي يعد أهم القوانين العامة في الدولة أيا كان شكل الحكم فيها، ومثل هذه العلاقة الوطيدة جعلت الفقه ينظر لفرع قانوني جديد سماه ب :" القانون الجنائي الدستوري"[22].

أما بخصوص القانون الإداري، الذي يعد من أهم القوانين العامة للدولة، والذي عن طريقه تسير الدولة مصالحها ومرافقها، نجد لقانون العقوبات علاقة جد وطيدة به، باعتباره يجسد حماية جد فعالة من الاعتداءات التي تكون السلطة الإدارية أو الإدارة العامة عرضة لها، بدءا من ضمان سير المرافق العامة وتنظيم ممارسة السلطة الإدارية في الدولة والرقابة على الموظفين وضمان احترامهم لحقوق وحريات الأفراد، ضمن ما سماه المشرع الجزائي ب:" تواطؤ الموظفين" ( المواد من 112 حتى 115)، والرقابة على السلطات الإدارية والقضائية وحدود ممارستهما لسلطاتهما ( المواد من 116 حتى 118)، الاختلاس والغدر[23]، الرشوة واستغلال النفوذ باعتباره من جرائم الموظفين، إساءة استعمال السلطة ضد الأفراد والأشياء العمومية ( المواد من 135 حتى 142)، وهي كلها تهدف إلى ضمان احترام السلطات لمهامها، وفي المقابل هناك جرائم من خلاقها يحمي قانون العقوبات الموظف، ويجعله يؤدي مهامه في ظل من الحماية الفعالة، كحمايته من أفعال الإهانة والتعدي ( المواد من 144 حتى 148)، حماية أختام الدولة ( المادة 155 وما بعدها)، وهي كلها أمور تبين لنا العلاقة الوطيدة بين القانون الإداري القانون الجنائي، للدرجة التي بدأ فيها البعض أيضا ينظر لقانون عقوبات إداري.

وعلى العموم لقانون العقوبات علاقة وطيدة بمختلف فروع القانون العام، سواء تعلق الأمر بالقانون الضريبي أو الجبائي وما قرره من تجريم لأفعال التهرب والغش الضريبي، والقانون المالي وما يقرره من تجريم للاعتداءات الواقعة على هذا المال، كما تظهر علاقته الوطيدة بالقانون الدولي العام، وذلك من خلال فرعين قانونيين هامين، هما القانون الجنائي الدولي، الذي ينظم العلاقات الجنائية فيما بين الدول، خاصة في مجال تسليم المجرمين وطرد الأجانب والتعاون الدولي لمكافحة الجرائم... وفرع قانوني آخر حديث نسبيا، وهو القانون الدولي الجنائي، الذي ينظم جملة من الأفعال التي تشكل جرائم ماسة بكل الدول، والتي تسعى لمكافحتها على النطاق العالمي الواسع في إطار نوع من التنسيق والتعاون، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم المخدرات بمختلف أنواعها، والاتجار بالرقيق، وعموما كل أنواع الإجرام الدولي المنظم[24].

وبالتالي يمكن القول مما سبق، بأنه للقانون الجنائي علاقة جد وطيدة مع كل فروع القانون العام في الدولة، الأمر الذي جعل الرأي الفقيه الجنائي الغالب يستقر عليه، ودون البحث في علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الخاصة، معتبرا هذا القانون جزء من النظام القانوني العام للدولة، وهو النظام الذي تتضامن قواعده فيما بينها لتنظيم المجتمع، وحماية المصالح الاجتماعية العامة، وتنظيم علاقات ذات طبيعة عامة، سواء كانت بين مؤسسات الدولة فيما بينها، أو بين هذه المؤسسات والأفراد، وبالتالي القانون الجنائي، شأنه شأن القانون الدستوري والقانون الدولي العام، والقانون الإداري والقانون المالي، من فروع القانون العام. غير أننا سنحاول رغم ذلك محاولة استقراء علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الخاصة، حتى لا يفهم من الكلام السابق أن هذه العلاقة منعدمة.

الفرع الثاني
علاقة قانون العقوبات بفروع القانون الخاص

من أهم فروع القانون الخاص في كل النظم القانونية، نجد القانون المدني الذي يعد الشريعة العامة للقوانين الخاصة، والذي تفرعت عنه باقي القوانين الأخرى، ومنها القانون التجاري وقانون الأحوال الشخصية، وهي الفروع التي تقتصر دراستنا عليها في تبيان علاقتها بقانون العقوبات. فبخصوص القانون المدني وما ينظمه من حقوق مثل الملكية والحيازة والعقود، نجد بأن قانون العقوبات يوفر حماية لكل هذه المواضيع التي تعد من صمم اهتمامات القانون المدني، فهو يحمي الملكية سواء المنقولة منها أو العقارية من أفعال السرقة والنهب والنصب وخيانة الأمانة والإتلاف والحرق ومن كل أشكال التعدي الأخرى، ويحمي العقود من التزوير... وبالتالي قانون العقوبات هو الموفر للحماية القانونية الفعالة للنظم المقررة في التقنين المدني، وبالتالي العلاقة بينهما جد ظاهرة.

وبخصوص القانون التجاري المنظم لفئة التجار وأعمالهم التجارية ووسائل قيامهم بمهاهم المتمثلة في الأوراق التجارية، نجد بأن قانون العقوبات يحمي هذه الأوراق من التزوير، ومن كل أفعال تنال من الثقة المفروضة فيها، كما يحمي العلامات التجارية والمنافسة، ويعاقب على انعدام الفواتير ومخالفة الأسعار... الأمر الذي يبين أيضا العلاقة المتينة بين القانونين.

وبخصوص قانون الأحوال الشخصية، نجد بأن قانون العقوبات هو المقرر للحماية الجنائية للأسرة من خلال تجريم الاعتداءات التي تشكل تهديدا لها، مثل تجريمه للأفعال التي تشكل هتكا لعرض الأسرة، كجريمة الزنا وهتك العرض، ويحمي البناء من خلال تجريمة لفعلي الإهمال والترك وعدم دفع النفقة المقررة، وتعريض حياة القصر للضياع... بل نجد قانون العقوبات قد خصص فصلا كاملا للجنايات والجنح التي ترتكب ضد الأسرة في المواد من 304 إلى 309 منه. وتبرز هنا أيضا العلاقة الظاهرة بينه وبين قانون الأسرة.
وبالتالي نتوصل إلى القول بأنه لقانون العقوبات علاقة بسائر فروع القانون الخاص، مثلما وجدنا بأنه له علاقة مع سائر فروع القانون العام، الأمر الذي لا يمكننا حتى هذه اللحظة من الحكم على طبيعة هذا القانون وما إن كان فرعا قانونيا عاما أم فرعا قانونيا خاصا؟ وهو السؤال الذي يقودنا لنقطة ثانية نبحث من خلالها عن مكانة قانون العقوبات في النظام القانوني للدولة. وهو موضوع دراستنا في المطلب الثاني، غير أننا ما دمنا بصدد تحديد علاقة قانون العقوبات بمختلف فروع القانون، فإننا لا تود أن نفوت علاقته بقواعد الدين والأخلاق.

الفرع الثالث
علاقة قانون العقوبات بالدين والأخلاق

تفرض كل من قواعد الدين والأخلاق، مجموعة من الواجبات والالتزامات على الفرد نحو ربه ونحو غيره من الأفراد، ونحو نفسه أيضا، وعادة ما تقوم مثل هذه الالتزامات والواجبات على أساس مبادئ البر والإحسان والخير والعدالة، وكل ما يهدف إلى سمو النفس البشرية، وذلك تحت التهديد بمجموعة من الجزاءات غير القانونية، منها الجزاءات الدينية، أو في استهجان الرأي العام أو حتى ذاتية، تتمثل في وخز الضمير، لذا فعلاقة قواعد الدين والأخلاق تأثير كبير لا ينكر على قواعد قانون العقوبات، حيث كثيرا ما يستلهم منها المشرع الجنائي بعض قواعد التجريم والعقاب، كما أنه بها يستهدي القاضي ويسترشد عند تقييمه للمسؤولية وتقديره للعقاب، وعليه فعلاقة الالتقاء بين الدين والأخلاق وقانون العقوبات أيضا وثيقة في مجال علاقة الفرد بغيره من الأفراد، وإن كان لكل من القواعد مجاله ونطاقه. بالرغم من وجود علاقة تعارض بينهما أحيانا، حيث قد يهتم قانون العقوبات ببعض المجالات التي لا تهتم بها قواعد الدين والأخلاق، مثل قواعد المرور، كما قد تهتم قواعد الدين والأخلاق ببعض المجالات التي لا يهتم بها قانون العقوبات، مثلما هو الشأن بالنسبة لجريمة الزنا إلا في بعض الجوانب الوضعية المبتدعة. وهو ما جعل بعض الفقه، يرى أن دائرة قانون العقوبات لا تتطابق مع دائرة قواعد الأخلاق، فهي أضيق منها من وجه، وأوسع منها من وجه آخر، وإن كان هناك منطقة تؤثر فيها قواعد الدين والأخلاق على قواعد قانون العقوبات.

المطلب الثاني
مكانة قانون العقوبات في النظام القانوني للدولة

بعد إجرائنا للعلاقة الموجودة بين القانون الجنائي ومختلف فروع القانون الأخرى، سواء كانت عامة أو خاصة، تبين لنا أن علاقته موجودة بكل فرع القانون هذه أيا كانت طبيعتها، مما يجعلنا لم نجب بدقة عن السؤال ولم نحدد طبيعته. وهو ما أثار جدلا فقهيا واسعا بين اتجاهين، يرى أحدهما بأن قانون العقوبات ما هو إلا فرع من فروع القانون العام، والثاني، يرى أنه فرع من فروع القانون الخاص، ولكل من الاتجاهين حججه، وهو الخلاف الذي نتناوله باختصار في فرع، لنتناول في آخر الاتجاه الغالب في الفقه.

الفرع الأول
الخلاف حول مكانة قانون العقوبات

انقسم الفقه بخصوص مكانة قانون العقوبات بين قائل بأنه فرع من فروع القانون العام، وآخر قائل بأنه فرع من فروع القانون الخاص، ولكل اتجاه حججه وأسانيده، والتي نحاول تناولها باختصار في النقطتين التاليتين[25].

أولا: قانون العقوبات فرع من فروع القانون العام

يرى أنصار هذا الاتجاه، أن قانون العقوبات حتى وإن كانت له علاقة بفروع القانون الخاص، لأنه تطبيقه يمس العلاقة بين الفرد والدولة وأن المتهم في الدعاوى الجزائية يحاكم باسم الشعب، وأنه غالبية الأفعال التي يعاقب عليها موجهة ضد مصالح المجتمع، كجرائم أمن الدولة، وجرائم اختلاس المال العام ورشوة الموظفين، وهي المواضيع التي لا جدل حول اعتبارها مواضيع من القانون العام، وأن الجرائم التي يظهر أنها تمثل مصلحة للأفراد، كالقتل والضرب والسرقة، فهي جرائم تمس بطريق غير مباشر مصلحة المجتمع أيضا، كون هذه الأخيرة تقتضي تأمين حقوق أفراده الأساسية مثل حقهم في الحياة والسلامة الجسدية والملكية، وأن تأمين هذه الحقوق الخاصة تشكل في مجموعها تأمين مصالح المجتمع الأساسية. وبالتالي، تكون المصالح التي يحميها قانون العقوبات دوما مصالح اجتماعية عامة، حتى وإن تضمنت بالتبعية حماية حقوق يظهر أنها خاصة. كما يعد القانون الجنائي من فروع القانون العام، بالنظر لزاوية العلاقات التي ينشئها بعد وقوع الجريمة، والتي ترتب قيام حق الدولة كممثلة للمجتمع في متابعة مرتكب الجريمة ومعاقبته، عن طريق جهاز عام وهو جهاز النيابة العامة، مما يجعل قانون العقوبات بكل قواعده فرع من فروع القانون العـــــام.

ثانيا: قانون العقوبات فرع من فروع القانون الخاص

على عكس الاتجاه الأول، يرى أنصار هذا الاتجاه، بأن قانون العقوبات أقرب للقوانين الخاصة، سيما إذا نظرنا للتلازم الدائم بين الدعوى العمومية والدعوى المدنية التبعية، وأن معظم نصوصه تجرم وتعاقب حقوقا خاصة بالأفراد وتتدخل كلما عجزت القوانين الخاصة عن فرض الحماية الكافية لأحكامها، وبالتالي الجدل الفقهي لم يفصل في طبيعة قانون العقوبات، هنا ظهر اتجاه غالب في الفقه، رأى أنه لقانون العقوبات ذاتية واستقلالية عن كل فروع القوانين، سواء كانت خاصة أو عامة. وهي المسألة التي نتناولها في الفرع الموالي.
الفرع الثاني
ذاتية قانــــون العقوبات

يرى غالبية الفقه فصلا للجدل السابق، أن قانون العقوبات وبالرغم من علاقته بكامل فروع القانون الخاص، إلا أنه فرع من فروع القانون العام في الدولة، غير أنه يختلف عنها باستقلاله عنها، وبذاتية تميزه عن غيره من فروع القانون العام الأخرى، وليس مجرد حارس للقوانين الأخرى سواء كانت عامـــــة أو خاصة. فوظيفة القانون الجنائي داخل النظام القانوني للدولة، ليست مجرد وظيفة احتياطية باعتباره يتضمن قواعد جزائية تتدخل في حالة عجز القوانين الأخرى على بسط حماية لنفسها، فيتدخل لفرض الاحترام لهذه القواعد، مما يجعله قانون تابع لغيره ذو طبيعة احتياطية تدخله مرهون بعجز القواعد الأخرى، الأمر الذي يجعله مجرد حارس أو شرطي للقوانين الأخرى، يتم الاستنجاد به فقط في حالة عجز القواعد الأخرى[26]. وإن كان هذا القول يعد جزءا من الحقيقة، غير أنه ليس الحقيقة كلها، كون القانون الجنائي يشكل وحدة قانونية تتشكل من مجموعة من القواعد القانونية ذات الطبيعة الخاصة، التي لا تشبه أي فرع قانوني آخر، خاصة وأنه يتميز ببعض القواعد التي لم يسبق لباقي القوانين أن عرفتها، ويرتب التزامات تجهلها هذه القوانين، كالالتزام باحترام الآخرين ومساعدتهم، وفكرة الشروع التي في حقيقتها لا تعد اعتداء على أي حق من الحقوق أيا كانت طبيعتها، ويتطلب العمد كقاعدة والخطأ كاستثناء، ويركز في الكثير من الأحيان على بعض الظروف الأخرى، مثل شخصية الجاني والمجني عليه، وزمان ومكان ارتكاب الجريمة، ووسيلة ارتكاب الجريمة، ومثل هذه المسائل ليست ذات أهمية في فروع القانون الأخرى، كما أن القانون الجنائي وإن استعار مفهوما أو فكرة من فرع قانوني آخر، فإنه لا يتقيد بالمفهوم المعطى لها في هذا الفرع من فروع القانون، بل قد يوسع أو يضيق منه بحسب هدفه في حد ذاته بعيدا عن هدف القانون الآخر، كمدلول الملكية والحيازة والشيك والموظف العام، واهتمامه بفكرة الخطورة الإجرامية، وهي كلها أفكار تميزه وتجعل له ذاتية مستقلة عن سائر فروع القانون الأخرى سواء كانت عامة أو خاصة. وإن كان فعلا من القانون العام كونه يهدف بالدرجة الأولى لحماية النظام العام والمصلحة العامة، وهو الأمر الذي انعكس بوضوح على خصائص هذا القانون وأهدافه، التي لا يتميز بها أي قانون آخر سواه، وهي الخصائص التي سنتناولها في الفرع الموالي، مع أهداف هذا القانون، مذكرين بأننا تعمدنا ترك الخصائص لما بعد تحديد الطبيعة وذلك على غير العادة – حيث في الغالب ما تعالج الخصائص مع التعريف ضمن المفهوم-.


.
المطلب الثالث
خصائص وأهداف قانون العقوبات
نظرا لطبيعة قواعد قانون العقوبات وما تميز به محتوى وذاتية واستقلالية، جعلته يتميز بجملة من الخصائص التي تعطي لهذا القانون نوع من التميز عن باقي فروع القانون الأخرى، وتؤكد فعلا فكرة ذاتيته واستقلاليته التي توصلنا إليها في النقطة السابقة، وتجعله يحقق أهداف مغايرة تماما للأهداف المتوخاة من باقي فروع النظام القانوني في الدولة، لذا سنحاول أن نتناول هذا الفرع من خلال فرعين، نخصص الأول لخصائص قانون العقوبات، والثاني لأهدافه.
الفرع الأول
خصائص قانون العقوبات

يتميز قانون العقوبات بجملة من الخصائص التي تميزه عن باقي فروع القانون الأخرى، وتؤكد استقلاليته عنها وتمتعه بذاتية، ومن أهمها، أنه قانون ذو طابع سيادي أحادي المصدر متصف بنوع من الثبات والاستقرار والتعقيد، وهو ما نفصله في النقاط التالية.

أولا: قانون العقوبات ذو طابع سيادي

من أهم الخصائص التي ينفرد بها قانون العقوبات عن سائر الفروع القانونية الأخرى، هو طابعه السيادي الذي من خلاله تعبر الدولة عن سيادته على إقليمها وبسط نفوذها عليه، من خلال مبدأ الإقليمية الحاكم لتطبيق هذا القانون كقاعدة – على نحو ما سنراه- ومن خلاله تعبر الدولة عن سيادتها على الأفراد أيا كانت جنسيتهم وتفرض عليهم السلوكات التي تتماشى وأهدافها، وعن طريقه تفرض النظام والاستقرار والأمن داخل المجتمع، كما أنه القانون الوحيد الذي يطبقه القاضي الوطني الذي يمتنع عليه كقاعدة تطبيق قوانين العقوبات الأجنبية.

ثانيا: قانون العقوبات أحادي المصدر

نظرا لارتباط قانون العقوبات بسيادة الدولة، وبناءه على مبدأ فريد من نوعه هو " مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات" الذي يقضي بأنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص صريح في القانون وأن يكون هذا الأخير صادر عن سلطة مختصة بإصداره وفقا للدستور، ووفقا لإجراءات محددة ومبينة دستوريا مخافتها يترتب عليه بطلان النص. مما يجعل منه قانوني أحادي المصدر، على عكس القانون المدني الذي تقضي المادة الأولى منه بتعدد مصادره، وهي الخاصية التي جعلت من قانون العقوبات يتميز بأخرى ناجمة عنها، وهي أنه قانون جامد.

ثالثا: قانون العقوبات قانون جامد

من الخاصية السابقة التي تحصر مصدر قانون العقوبات في النص التشريعي المكتوب، فإن التجريم والعقاب والتعديل والتغيير في أحكامه، يتطلب المرور بمراحل معقدة وطويلة وتتطلب فترة زمنية أطول مما تتطلبه باقي فروع القانون الأخرى، مما يجعله قانون يتميز بالجمود والثبات والاستقرار النسبي. خاصة وأن تجريم فعل جديد أو إلغاء جريمة موجودة يتطلب فترة زمنية طويلة لا نظير لها مع أي قانون آخر.

رابعا: قانون العقوبات ذو طابع إجرائي معقد

قانون العقوبات مرتبط ارتباطا وثيقا بقانون الإجراءات الجزائية، وآخر يتعلق بتنفيذ الجزاء المحكوم به، وأنه دون هذه القوانين الإجرائية لا يمكن أن يلقى قانون العقوبات التطبيق، حيث لا براءة ولا إدانة إلا بالمرور بمراحل إجرائية طويلة ومعقدة، وأن هذا القانون الإجرائي متعلق فقط بقانون العقوبات، عكس القانون الإجرائي في القوانين الخاصة الذي يحكم كل فروع القانون الموضوعية الخاصة وحتى العامة مثل القانون الإداري – يحكمها جميعا قانون الإجراءات المدنية والإدارية- وهي قوانين لا تحتاج في تطبيقها لهذه القوانين الإجرائية إلا إذا ثار نزاع، عكس قانون العقوبات الذي يوجب اقترانه بالقانون الإجرائي في أي إجراء.
الفرع الثاني
أهداف قانون العقوبات

بالنظر للذاتية الخاصة التي يتمتع بها قانون العقوبات وطبيعته السيادية، ووضعه الخاص في النظام القانوني للدولة، فإننا نجده يهدف إلى تحقيق مرامي سامية ورئيسية، يمكن لنا أن نوجزها في حماية مصالح المجتمع وتحقيق الأمن والطمأنينة لأفراده، وتحقيق العدالة، كل ذلك عن طريق فكرتي الردع العام والخاص، وهو ما نبينه باختصار في النقاط الأربعة التالية[27].

أولا: حماية المصالح الاجتماعية المشتركة

يهدف قانون العقوبات أساسا إلى حماية المصالح الاجتماعية المشتركة لجموع الأفراد الذين ينتمون للمجتمع، سواء كانت هذه المصالح جسدية، كالحق في الحياة وسلامة البدن من جرائم القتل والضرب والجرح وكل أشكال الإيذاء الأخرى، أو مادية اقتصادية، كحماية الأموال وكل أنواع الملكية والحيازة من السرقة والنصب والاحتيال والإتلاف... أو أدبية معنوية، كحماية الشرف والاعتبار من جرائم القذف والسب والشتم والتحقير...

ثانيا: تحقيـق العدالة

قواعد قانون العقوبات قواعد عامة ومجردة، كونها تهدف إلى تجريم السلوكات التي يرى المشرع أنها ضارة بمصالح المجتمع، دون أن يميز في ذلك بين الأفراد الذين يرتكبونها، مقرا عقوبة واحدة للجميع، ومبينا أحكام تدرج المسؤولية بصفة موضوعية ومجردة، ومراعيا لأوضاع الجناة والمجني عليهم وموازاة ذلك مع مصالح المجتمع، مبنيا على العديد من الأفكار القانونية التي تعد تجسيدا لفكرة العدالة في معناها الواسع، كمبدأ الشرعية ومبدأ مادية الجريمة، وفكرة الذنب أو الإثم، وشخصية المسؤولية والعقوبة... وهو في ذلك يرمي لتحقيق المساواة والعدالة داخل المجتمع، وهي الهدف الذي يقود لهدف آخر لا يقل أهمية وهو توفير الأمن والطمأنينة للأفراد، الذي نتناوله في النقطة الموالية.

ثالثا: توفير الطمأنينة للأفراد

يعد قانون العقوبات صدرا لتحقيق الأمن والطمأنينة للمخاطبين بأحكامه، بالنظر لما تتضمنه قواعده من تحديد مسبق لما هو محظور على الأفراد إتيانه، وبناءه على مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وهو المبدأ الذي يوفر الأمان للأفراد من تعسف وتحكم السلطة التنفيذية والقضائية، وبناء عليه قررت العديد من المبادئ الأخرى التي تعد مصدرا للاستقرار النفسي للأفراد أهمها تقادم الجرائم والعقوبات، عدم رجعية نصوص القانون العقوبات للماضي.

رابعا: تحقيق الردع العام والردع الخاص

الردع العام يتحقق بما تلحقه أحكام قانون العقوبات من تخويف وترهيب لأفراد المجتمع بما تتضمنه من عقوبات، ومن رؤيتهم إنزال هذه العقوبات على الجناة، أما الردع الخاص، فيتحقق بإنزال الجزاء على مقترفي الجرائم كنتيجة لعدم امتثالهم لأوامر ونواهي قانون العقوبات، لتكون مانعا لهم من معاودة الإجرام[28].










قديم 2013-01-28, 23:56   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثاني
تطور قانون العقوبات

مــر قانون العقوبات في تطوره بالعديد من المراحل، وهي التي ميزت تطور المجتمعات البشرية، وعرف الكثير من التطورات والانقلابات، غير أننا سنركز دراستنا فقط على أهم المراحل التي تساعدنا على فهم مبادئه ومضامينه التي ترسخت اليوم كنظريات. وفي تمييز مراحل تطور قانون العقوبات يمكن القول بأنها ثلاث مراحل أساسية، هي مرحلة المجتمعات القديمة ما قبل ظهور وقيام الدولة، وبعدها مرحلة ظهور هذه الأخيرة وقيامها –الدولة، ثم مرحلة ظهور المدارس الفقهية وأثرها على تطور قانون العقوبات، غير أننا سنحاول أن نتناول هذا التطور ضمن مبحثين أساسيين، نخصص الأول لمحلة ما قبل ظهور المدارس الفقهية، والثاني لتطور قانون العقوبات مع ظهور المدارس الفقهية، كون الأخيرة هي التي ساهمت في تطوره ووصله للشكل الذي هو عليه حاليا.

المبحث الأول
قانون العقوبات في المجتمعات القديمة

يقصد بالمجتمعات القديمة، تلك المراحل الزمنية الطويلة التي مرت بها المجتمعات البشرية قبل أن تنتظم في شكل دول، وفي هذا الوقت أكد الباحثين أن البشرية عرفت أربعة نظم أساسية، هي نظام الأسرة، نظام العشيرة، نظام القبيلة، ثم فكرة المدينة التي كانت أساسا لقيام الدول. ورغم بساطة تكوين هذه الجماعات البشرية الصغيرة وطريقة عيشها التقليدية، إلا أنها عرفت الجريمة ورد الفعل المقابل ضدها، وهو ما أكدته الكتب السماوية منها الشريعة الإسلامية الغراء، حيث بينت أن أول فعل بشري مثير على وجه الأرض كانت جريمة قتل، حيث قال عز وجل في الآية 29 من سورة المائدة،:" فطوعت له نفسه قتل أخيه فأصبح من الخاسرين" في إشارة إلى قتل ابن آدم " قابيل" لأخيه هابيل. والاهتمام بالجريمة ورد الفعل المقابل، أي الجزاء، كانت النواة الأولى للاهتمام بقانون العقوبات، مثلما هو الأمر عليه اليوم، حيث أن أساس قواعد قانون العقوبات " الجريمة والجزاء" المشكلة للشق الموضوعي للقاعدة الجزائية. وسنحاول تقسيم تطور قانون العقوبات في المجتمعات القديمة إلى مرحلتين أساسيتين، هما مرحلة ما قبل ظهور الدولة، ومرحلة ظهورها، وذلك في المطلبين التاليين، مركزين فقط أهم التطورات التي شكلت ملامح القوانين العقابية المعروفة في العصر الحديث، دون تلك التفاصيل التي انفردت بها هذه المجتمعات ولم يبق لها اثر اليوم.

المطلب الأول
قانون العقوبات في فترة ما قبل ظهور الدولة

قبل ظهور الدول، عرفت المجتمعات البدائية التقليدية الأولى نظم اجتماعية بسيطة، تمثلت في الأسرة، القبيلة، ثم العشيرة. والتي عرفت بعض النظم والأفكار التي انعكست على مبادئ ونظريات قانون العقوبات، وطورت في مراحل تطوره اللاحقة. وهو ما نحاول الإشارة إليه باختصار وبتناول أهم الأفكار التي جاءت بها هذه التطورات، وذلك في الفرعين التاليين.

الفرع الأول
مجتمع الأسرة وقانون العقوبات

كانت بداية الاهتمام بقانون العقوبات، وتشكل نواته الأولى، عن طريق الأعراف التي تشكلت بخصوص فكرة " العدوان" ، حيث كان كل اعتداء على فرد من أفراد الأسرة يعد كاعتداء على سائر أفرادها، سواء كان اعتداءا داخليا أو خارجيا من فرد أو أفراد من أسر أخرى، في الحالة الأولى يقرر رب الأسرة الجزاء المقرر على الفرد مقابل اعتداءه على أسرته، والذي قد يصل حد النفي من الأسرة أو القتل، وفي حالة الاعتداء الخارجي كان الجزاء عبارة عن ثأر جماعي[29]. وما يمكن قوله عن هذه الفترة من حياة البشرية، أن الجرائم كانت قليلة وعادة ما تنحصر في جرائم الأشخاص فقط، وعلى الخصوص جريمة القتل، وذلك راجع لبساطة الحياة في تلك المجتمعات وقلة الأموال التي يحتمل الاعتداء عليها، مما انعدم معه جرائم الأموال، وكان رد الفعل على الجرائم التي كانت موجودة غريزيا يتمثل في انتقام المجني عليه أو أهله، على الجاني أو أهله، وهو الانتقام الذي يساوي أو يفوق – في غالب الأحيان- الضرر الذي لحق بهم، مما جعل من حلقات الانتقام تتسلسل وتتاولى حيث كل انتقام يعقبه انتقام مضاد وهكذا، الأمر الذي يترك بصمة واضحة وكبيرة في مجال تطور قانون العقوبات.
.
الفرع الثاني
مجتمع العشيرة وقانون العقوبات
بالنظر لكون العشيرة عبارة عن انضمام بعض الأسر لبعضها البعض[30]، خاصة تلك التي تربط بينها روابط النسب، ورثت العشيرة النظام العقابي الذي كان سائدا في مرحلة الأسرة، وطورته نوعا ما بما يلاءم مصالح العشائر الجديدة، خاصة وأن سلطات رب الأسرة في توقيع الجزاء، انتقلت إلى رئيس العشيرة في حال ما إن كان الجاني ينتمي لهذه العشيرة، وحلت فكرة الانتقام الجماعي" بين أسر العشيرة الواحدة، مما هدد أمن العشائر وأحلوا محله فكرة الطرد من العشيرة حتى لا يعرض وحدتها للخطر، واهتدوا أيضا لفكرة نظام القصاص الذي كان له تأثير كبير في الحد من شهوة الانتقام الفردي والمبالغة في الثأر. غير أنه في حالات الاعتداءات الخارجية بقيت الحروب بين العشائر وسيلة لتوقيع الجزاء والانتقام من جناة العشائر الأخرى، وتفكيرا في الحد من ويلات هذه الحروب اهتدت العشائر لفكرة الدية والصلح، الدية وهي مبلغ من المال تدفعه عشيرة المعتدي لعشيرة المعتدى عليه نظير تنازلها عن الثأر، مما قلل من الحروب التي كانت تثار من حين لآخر بين هذه العشائر، وقربت بينها، الأمر الذي جعلها تتحد في نظم اجتماعية أوسع هي نظم القبيلة والمدن[31]. سيما بظهور الديانات التي ساهمت في هذا التوحد والاندماج، وقوت من سلطات الحكام التي اصطبغت بصبغة دينية، الأمر الذي جعل من الجرائم التي يقرها تصطبغ بصبغة دينية أيضا، وتجعل من العقوبة التي تنزل بالجاني، إرضاء للآلهة قبل أن تكون انتقاما أو ثأرا. مما مكن الكهنة ورجال الدين في التجريم والعقاب. ويمكن القول أن هذا التطور يسمح لنا القول بأن سلطات التجريم والعقاب انتقلت من رب الأسرة إلى رب العشيرة إلى رجل الدين أو الكاهن، وأن العقوبة إرضاء للآلهة قبل أن تكون عبارة عن انتقام أو ثأر من الجاني. ومع ظهور الدول عملت على تعديل مضامين التجريم والعقاب بما يبسط هيبتها ويؤكد هيمنها ويفرض سادتها وسلطانها، وكانت وسيلتها الوحيدة في ذلك قانون العقوبات، وقد كان لها ذلك فعلا.

المطلب الثاني
قانون العقوبات ومرحلة ظهور الدولة

مع البدايات الأولى لظهور الدولة، عملت الأخيرة على الإبقاء على نظامي الصلح والدية، وتعديلها بما يخدم أهدافها ويحافظ على مصالحها، لذا أول ما قامت به أن جعلت منهما نظامين إجباريين، بعدما كانا في المجتمعات القديمة نظامين اختياريين، وفي شق التجريم عملت على التوسع في الجرائم العامة على حساب الجرائم الخاصة، مما مكنها من القضاء على سلطات رؤساء العشائر والقبائل، وقامت من جديد بتعديل النظم التجريمية والعقابية بما يخدم مصالحها الآنية، ويقوي نفوذها ويحقق أهدافها. وعكس المجتمعات القديمة أين كان الاهتمام بالعقوبة أكثر من الاهتمام بالجريمة، فإنه مع ظهور الدولة انعكس الوضع، وبدأ الاهتمام بالجريمة أكثر من العقاب، فبعدما عملت على إحداث الجرائم العامة الماسة بنظام الدولة، ووسعت من نطاقها على حساب الجرائم الخاصة، ربطت الجريمة بنظام وأمن المجتمع – وهي الفكرة السائدة في النظام الجنائية الحديثة- وبما أن الجريمة مساس وتعريض لمصالح الدولة وسيادتها للخطر، فإن رد الفعل عليها حق للدولة فقط، لها أن تقرر نوعه ومقداره، وبالتالي أصبح النظام العقابي شأن من شؤون السلطة وحدها دون غيرها. كما ظهرت فكرة الردع ووقاية المجتمع من الإجرام، كأهداف للجزاء الجنائي عوض الانتقام والثأر، والردع قد يكون خاص يتمثل في تكفير الجاني عن إثمه، أو عام يتمثل في تخويف وترهيب باقي أفراد المجتمع، ليتأكد بذلك الدفاع عن أمن وسلامة المجتمع، غير أن هذه الأهداف جعلت الدول القديمة تبالغ في قسوة العقوبات، وهنا ظهرت عقوبات الإعدام بكثرة، مع عقوبات أخرى كثيرة تنطوي على الكثير من صنوف التعذيب، مثل الإحراق وتمزيق الأطراف والتغليل بالسلاسل. الأمر الذي جعل القرون الوسطى، التي شهدت نشأة وظهور الدول تمر بمرحلة سواد حالك في المجال العقابي، في الغالب ما يتجاوزه الشراح الأوروبيين، لإخفاء حقيقة الوضع المأساوي في المجتمعات الأوروبية، من جهة، ولتغطية أفضال الشريعة الإسلامية على المجتمعات من جهة ثانية. خاصة وأنها الشريعة التي أنارت هذه الحقبة التاريخية وطورتها وأرست حضارة ظاهرة لا تخفى معالمها. وهو ما يقدونا إلى تناول فكرة أثر الدين على تطوير قانون العقوبات[32]، من خلال فرعين، نتناول في الأول قانون العقوبات والديانة المسيحية، وفي الثاني الشريعة الإسلامية وأثرها في تطوير قانون العقوبات.
الفرع الأول
قانون العقوبات والديانة المسيحية

ورثت الدول الأوروبية القوانين الجزائية المصبوغة بصبغة دينية، نتيجة انتشار الديانة المسيحية، وهو الوضع الذي استغلته الكنيسة وحاولت الإبقاء عليه وتدعيمه، ومحاولتها السيطرة على أجهزة العدالة بالنظر لكونها صاحبة الاختصاص، باعتبار الجرائم اصطبغت بصبغة دينية، الوضع الذي جعل الكنيسة تنازع الدولة في مسألة الاختصاص القضائي، والتجريم والعقاب، وهنا انقسم قطاع العدالة إلى قسمين، عدالة كنسية يرعاها رجال الدين، وعدالة دنيوية ترعاها الدولة، ونتج عن ذلك صراع طويل ومرير انتهى في نهاية المطاف إلى تغليب دور المحاكم الدنيوية على حساب المحاكم الكنسية، مما زد من تعسف وتحكم أهواء الحكام، وظلت العقوبات تتصف بالقسوة، ابتلى فيها الناس بعدالة لا ترحم، هدفها وهمها الوحيد ردع الشعوب وتخويفهم وبث الرعب فيهم حفاظا على كيان الدولة، ورغم ذلك بقيت الجرائم والعقوبات تتسم بصبغة دينية، وساد اعتقاد في أوروبا أن أي كارثة أو مشكلة تحل بالمجتمع سببها غضب الآلهة عن الجريمة التي أغضبتها، لذا يجب إنزال أشد العقوبات على من يغضب الآلهة، واعتبرت العقوبة في القانون الكنسي تكفير عن ذنوب الجاني وإرضاء للآلهة. ومما زاد الأوضاع تعقيدا، مبالغة القضاة في إرضاء الحكام، وتكريس الطبقية بين الناس وسيادة اللامساواة، ومما أزم الأوضاع أكثر اعتبار الحكام أنفسهم مفوضون في الأرض للحكم باسم الآلهة، فكانت هذه الفترة في أوروبا في الحقيقة من أسوأ الفترات التي عرفتها العدالة الجنائية وقانون العقوبات على الإطلاق، امتدت لنهاية القرون الوسطى، وبالضبط إلى ما قبل الثورة الفرنسية سنة 1789. غير أن الأمر اختلف في الناحية الثانية من العالم بإطلال فجر الشريعة الإسلامية.

الفرع الثاني
أثر الشريعة الإسلامية في تطوير قانون العقوبات

على عكس الجانب المظلم للعدالة الجنائية وقانون العقوبات السائد في أوروبا في القرون الوسطى، فإن الجهة الأخرى المقابلة كانت تنعم بتطبيق أكثر النظم القانونية الجنائية إحكاما، حيث كانت تطبق الشريعة الإسلامية، التي نرى أنها على عكس التطورات السابقة، اهتمت بالجريمة قبل اهتمامها بالعقوبة، حيث قسمت الجريمة شرعا إلى ثلاثة أقسام مختلفة لكل منها قواعدها وأحكامها، ولكل نوع منها عقوباتها الخاصة، وأصناف الجرائم في الشريعة الإسلامية هي: جرائم الحدود التي حددت على سبيل الحصر في القرآن الكريم، ويعاقب عليها بعقوبة تسمى الحد المقرر كحق لله عز وجل، وهي جرائم قررت لحفظ النفس والنسل والعرض والمال والعقل والدين، لذا قابلتها جرائم: السرقة، الزنا، القذف، شرب الخمر، الردة، البغي والحرابة. والنوع الثاني من الجرائم، هي جرائم القصاص والدية وهي جرائم قررت حفاظا على مصالح الأفراد، والنوع الثالث، وهو الجرائم التعزيرية التي تعني تأديب على الذنوب التي لم يأتي فيها حد من الحدود، أو القصاص والدية. كما اهتمت الشريعة الإسلامية بفكرة المسؤولية الجنائية وطرق الإثبات وغيرها من الأفكار التي لم تكن معروفة في القانون العقابي في الشق الآخر من العالم.

وما يمكننا قوله عن دور الشريعة الإسلامية، نبرزه باختصار فيما قاله العلامة أحمد عبد الرزاق السنهوري :" لو وطئت أكنافها وعبدت سبلها لكان لنا في هذا التراث الجليل ما ينفخ روح الاستقلال في فقهنا وفي قضائنا وفي تشريعاتنا، ثم لأشرفنا نطالع العالم بهذا النور الجديد فنضيء به جانبا من جوانب الثقافة العالية في القانون "، وهي حقيقة لم يقف عندها فقهاء الشريعة الإسلامية فقط وإنما حتى الفقه الأوروبي المقارن، خاصة في المؤتمر الذي عقدته شعبة الحقوق الشرعية من المجتمع الدولي للحقوق المقارنة في كلية الحقوق جامعة باريس في 2 جويلية 1951 بعنوان: " أسبوع الفقه الإسلامي "، حيث تم التأكيد على أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يمارى فيها، كما أن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات ومن الأصول الحقوقية التي هي مناط الإعجاب، والتي بها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة والتوفيق بين حاجاتها وفي أثناء مناقشات هذا المؤتمر أبدى نقيب المحامين في باريس آنذاك دهشته بقولــه : " أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلاحيته كأساس تشريعي يفي بحاجات المجتمع الحضري المتطور، وبين ما نسمعه الآن في محاضرات ومناقشات، مما يثبت خلاف ذلك تماما ببراهين النصوص والمبادئ"

هذا، ويمكننا أن ننبه طلبتنا الأعزاء، أن الاهتمام في هذه المراحل كان منصبا بالأساس على فكرة العقوبة والجزاء، وهو أمر تبينه غالبية الدراسات، في حين أننا نرى الأهم أن يتم التركيز على جانب الجريمة وهو ما أهمل تماما، لكن بدراستنا لمختلف التطورات أمكننا أن نستنتج الملاحظات التالية بخصوص تطور نظرية الجريمة، في مقابل تطور نظرية الجزاء السابقة، فالجرائم في المجتمعات البشرية القيديمة، وبالنظر لبساطة طرق عيشها،لم تكن متعددة بالشكل الحالي، حيث أهم ما عرفته المجتمعات البشرية قديما خاصة في مرحلة الأسرة وبداية تشكل العشائر، هو الجرائم الواقعة على الأشخاص وأهمها جريمة القتل، ثم مع القوة التي بدأت تتخذها المكونات القديمة وتقوية طرق عيشها ووسائل تبادلها، بدأت تظهر الجرائم المالية، وبظهور الدين ظهرت الجرائم التي تشكل اعتداء على الديانات، وبظهور الدولة ونظم الحكم المختلفة ظهر ما يعرف اليوم بالجرائم السياسية. أما من حيث تكوين البنيان القانوني للجريمة، فلم يكن ينظر في المجتمعات القديمة للجانب النفسي للجريمة أو لمرتكبها، وبمعنى قانوني أدق، لم يكن ينظر للركن المعنوي للجريمة، حيث كانت مجرد فعل مادي يسأل من صدر عنه دون اعتداء بإرادته أو قصده، فالجريمة وفق هذه المجتمعات كانت تتكون من ركن واحد هو ركن مادي. أما بداية بروز الركن المعنوي للجريمة واتخاذه مكانته كركن أساسي في الجريمة، كان مع ظهور القانون الروماني القديم، لكن دوره كان مقتصرا على تحديد المسؤولية وتقدير العقاب لا كركن بالمعنى القانوني الدقيق، بناء عليه يكتمل البنيان القانوني للجريمة. غير أن هذا الركن اتخذ مكانته الطبيعية إلى جانب الركن المادي، بظهور الديانة المسيحية، حيث تعد الجريمة في نظر الفقه الكنسي أن يكون الجاني أراد الخطيئة واتجهت نيته إليها، لكن مع الشريعة الإسلامية تبلور بطريقة واضحة، ومن بعده المسؤولية الجنائية وموانعها وأسباب الإباحــــة.

أما النقطة الثانية التي من خلالها يمكننا التطرق لتطور قانون العقوبات، هي فكرة مبدأ الشرعية
أو على الأقل مبدأ التجريم والعقاب، حيث أنه في المجتمعات القديمة لم يكن المبدأ معروفا وبالتالي كان التعسف ومبدأ اللامساواة، وكان الأفراد يفاجئون بجرائم لم يكن أمرها مجرما من قبل وتوقع عليهم عقوبات لم ينذروا بها من قبل وعدم المساواة بن الجناة حيث كانت تتحكم في ذلك وضعهم الاجتماعي والطبقي.

المبحث الثاني
قانون العقوبات وظهور المدارس الفقهية

بالرغم من أن ظهور الدولة لم يأتي بالكثير من الجديد لتطور القانون العقابي، إلا أن الوضع المظلم والحالك الذي عرفته أوروبا في القرون الوسطى، عرف ظهور العديد من التيارات الفكرية الجنائية المنادية للإصلاح، وهي التيارات التي تولدت عنها العديد من المدارس الفقهية الجنائية التي لازال فكرها يدرس لغاية اليوم، وتركت بصماتها الراسخة على قانون العقوبات، بالرغم من أن كل مدرسة من هذه المدارس قامت على أسس فلسفية تختلف تمام على المدارس الأخرى، ورغم هذا الاختلاف، إلا أنها ساهمت في إصلاح تشوه واعوجاج العدالة الجنائية الأوروبية، وأنقذتها من غرقها في الظلمة والفساد الذي كانت تعرفه، وخلصتها من القوانين العرفية والمنشورات الملكية التي كانت تكرس التعسف والتحكم والحكم وفق أهواء الحكام والملوك، وتقنن اللامساواة والطبقية، وكان ذلك نتيجة لإشعال مشاعر الفلاسفة والمفكرين التي حركت أقلامهم لتشعل كتاباتهم بوادر الثورة على الأوضاع، والمناداة بقانون أكثر إنسانية ينبذ عم المساواة والتفرقة وتحكم القضاة واستبداد الحكام، سيما في ظل تشبع المجتمعات الأوروبية آنذاك بفلسفة العقد الاجتماعي، للفقيه جون جاك روسو التي أوضح مضامينها في كتابه العقد الاجتماعي، وفلسفة الفقيه مونتسكيو بظهور كتابه روح القوانين سنة 1748 الذي أول ما أكد فيه هو نسبية قانون العقوبات وضرورة اختلافه باختلاف المجتمعات والعصور، كما هاجم بشدة النتائج المترتبة عن الانتقام الجماعي وبصفة خاصة قسوة العقوبات، الأمر الذي شجع على إيجاد مناخ فكري جنائي نادى بقانون عقوبات يراعي روح العصر ورغبة المجتمعات في التغيير والتجديد والإصلاح، وكثرت التيارات الفكرية في أهم الدول الأوروبية، وأهمها إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، التي شكلت العديد من المدارس الفقهية، التي ساهمت بصفة مباشرة في بلورة القانون الجنائي كنظام متكامل، وأهم هذه المدارس، المدرسة التقليدية الأولى ( المدرسة الكلاسيكية)، والمدرسة التقليدية الحديثة، والمدرسة الوضعية، والعديد من المدارس الوسطية أو التوفيقية، وأخيرا ظهور مدرسة الدفاع الاجتماعي، وعموما يمكن تلخيص هذه الاتجاهات في المدارس التقليدية، ونقيضتها المدرسة الوضعية، وبينما المدارس التوفيقية، وهو الأمر الذي نعالجه من خلال المطالب الثلاثة التالية.

.
المطلب الأول
المدارس التقليدية

المدرسة التقليدية من أهم وأولى المدارس الفقهية التي اهتمت بقانون العقوبات وساهمت في تطويره بشكل كبير، خاصة وأنها شهدت العديد من التطورات في حد ذاتها، وهي التطورات التي أسفرت عن ظهور مدرستين تقليديتين، سميت الأولى بالكلاسيكية أو بالتقليدية الأولى أو القديمة، وسميت الثانية بالمدرسة التقليدية الحديثة، وكانت هناك محاولات لإنشاء مدرسة تقليدية ثالثة، غير أن دراستنا ستتركز على المدرستين الأوليتين، في الفرعين التاليين.

الفرع الأول
المدرسة التقليدية الأولى (المدرسة الكلاسيكية)

نشأت هذه المدرسة في منتصف القرن الثامن عشر[33]، بعد صدور كتاب " الجرائم والعقوبات" للمفكر الإيطالي بيكاريا سنة 1764، الذي ألفه في مجتمع اتسم بقسوة العقوبات والتجريم على الأهواء وانتفاء المساواة في التطبيق تبعا لاختلاف الطبقات، حيث نادى في كتابه بوجوب المساواة والقضاء على الطبقية، والإقلال من قسوة العقوبات، ونادى بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وهي الأفكار التي اتبعها في إيطاليا فيلا تيجري، وفي ألمانيا فويرباخ، وفي إنجلترا بنتام، الذي أدخل فكرة المنفعة كأساس لتقدير العقوبة، وأن تكون العقوبة بقدر من الإيذاء والألم للمجرم بقدر يفوق اللذة التي حصل عليها من ارتكاب جريمته، كما ركز على الأثر الرادع للعقوبة، خاصة الردع العام الذي يعد أساس إحجام الناس على ارتكاب الجرائم، وعموما يمكن تلخيص الأسس الفلسفية التي قام عليها فكر المدرسة التقليدية على المبادئ التالية التي كان لها أثر في قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1910:
1- إقرار مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات، وإبطال سلطة القاضي في خلق الجرائم، والتقليل من سلطته التقديرية في تحديد العقوبات.
2- أساس المسؤولية الجنائية حرية الاختيار، حيث توجه أوامر ونواهي قانون العقوبات للشخص المميز المدرك لتصرفاته.
3- الحد من قسوة العقوبات، ورأى بيكاريا الذي يعد أول من وضع أسس في فلسفة العقاب ووضع نظرية متكاملة تحدد أساس حق الدولة في العقاب، وانتقد قسوة العقوبات التي رأى أنه لا فائدة منها حيث يعمل الجناة على الإفلات منها، بل فكر في أن العقوبة يجب أن تكون بقدر يفوق ما يحصل عليه الجاني من جريمته، حيث إذا فكر في ارتكاب جريمة وازن بين ما يعود عليه من نفع جراء ارتكابه هذه الجريمة، وما ينزل عليه من عقاب، حيث إن وجد الألم الذي ينزل به جراء العقوبة يفوق النفع الذي يحصل عليه من اقتراف الجريمة امتنع عن ارتكابها، بينما جاك روسو وفي كتابه العقد الاجتماعي، فيرى رد العقوبة إلى أدنى الحدود، حيث أن الشخص لما تنازل عن حريته للجماعة، لم يتنازل إلا عن القدر اللازم لحماية هذه الحرية، وتبنى جيريمي بنتام فكرة المنفعة الاجتماعية أيضا، التي نادى بها بيكاريا، حيث رأى أنه لا فائدة من قسوة العقوبات ما لم تكن تنطوي على مصلحة، وبالتالي نادى هؤلاء، بالمساواة بين الناس في العقاب، والتقليل من قسوة العقوبات والأخذ بفكرة حرية الاختيار كأساس للمسؤولية الجنائية.
الفرع الثاني
المدرسة التقليدية الحديثة
وهي المدرسة التي قامت على أفكار الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت، والتي كان لها أثر كبير على الفكر القانوني الجنائي، حيث نادى بفكرة العدالة المطلقة، وأسس العقوبة على اعتبارات إرضاء الشعور بالعدالة، حيث أن الجاني أنزل شرا بالمجتمع، وإرضاء شعور هذا المجتمع بالعدالة يجب أن يقابله إنزال شر بالجاني، حتى ولم لم تتحقق مصلحة للمجتمع في ذلك، وقد صاغ في ذلك مثالا شهيرا، هو أنه المجتمع الذي يهجر فرد أو يعدمه وبالرغم من أنه افتقد لهذا العضو ولم ينل أية فائدة من ذلك، إلا أن تنفيذ العقوبة تنزل رضاء بالعدالة بهذا المجتمع. وقد تأثر بأفكار هذا المفكر، روسيه وأرتولا وموليه في فرنسا، وكيرار وكرمينيان في إيطاليا، وهوس في بلجيكا، وميترماير في ألمانيا، وتكونت من أفكار الجميع المدرسة التقليدية الحديثة، وجمعوا بين فكرة العدالة التي نادى بها كانت، وفكرة المنعة التي نادى بها بنتام، وأسسوا العقوبة على فكرة العدالة التي تحقق منفعة للمجتمع، حيث لا يعاقب الجاني بعقوبة تتجاوز الحدود التي تتطلبها مصلحة المجتمع، كما انتقد رواد هذه المدرسة فكرة المساواة المطلقة التي لا تأخذ بعين الاعتبار شخصية الجاني وظروفه الشخصية، حيث أدخلوا فكرة الظروف المخففة ونادوا تبعا لذلك بالتوسع بعض الشيء في السلطة التقديرية للقاضي حتى يراعي الظروف الشخصية للجاني[34].
المطلب الثاني
المدرسة الوضعية ( أو الإيطالية)
المدرسة الوضعية نشأت بإيطاليا مع صدور كتاب " الإنسان المجرم" للطبيب الإيطالي لمبروزو سنة 1876، وتبعه القاضي جارو فالو الذي ألف كتابا عن علم الإجرام، وفيري الذي وضع مبادئ نظريته في رسالة تخرجه من كلية الحقوق، بعنوان " آفاق جديدة في قانون العقوبات"، وكونت آراء الثلاثة المدرسة الوضعية، التي تعد أول محطة حولت الأنظار من الاهتمام بالجريمة كفعل ضار وقع في المجتمع، إلى شخص المجرم باعتباره محدث هذا الفعل الضار، ومصدر الخطورة في العودة مستقبلا للإجرام، وإحداث المزيد من الوقائع الضارة الأخرى بالمجتمع، وبالتالي وجوب أن يهدف رد فعل المجتمع هذه الخطورة الإجرامية، وذلك بتطبيق التدابير الاحترازية للقضاء على الخطورة الكامنة لدى المجرم. خاصة وأنها المدرسة التي نفت بداية " حرية الاختيار" عن الجاني، فهو مدفوعا دائما بعوامل داخلية دفعته لارتكاب الجرائم، سواء كانت هذه العوامل الداخلية، ذات أصل وراثي أو جثماني أو اجتماعي، والتي تدفعه جبرا إلى ارتكاب الجرائم، وبالتالي العقوبة سوف لن يكون لها أثرا رادعا ويجب أن يتجرد مضمونها من فكرة الردع، كون الردع يستلزم التسليم بحرية الإرادة[35]، والجاني ليس حرا بل مدفوعا، بمعنى ليس مخيرا بل مسيرا. وأن الخطورة الإجرامية هذه يجب أن تواجه بتدابير احترازية كفيلة بالقضاء عليها، وإصلاح الجاني
أو إقصائه من المجتمع إن تعذر إصلاحه، لذا تمحورت أفكار هذه المدرسة حول المبادئ التالية:
1- ضرورة قيام قانون العقوبات على أسس شخصية، حيث يجب أن يأخذ بعين الاعتبار شخصية الجاني وليس ماديات الجريمة، فالجريمة ليست عبارة عن مظهر مادي خارجي، وإنما انعكاس لخطورة إجرامية كامنة لدى الجاني.
2- إنكار حرية الاختيار، والقول بأن المجرم مسير وليس مخير، فهو مدفوع لارتكاب الجرائم نتيجة خطورته الإجرامية، لذا فمسؤوليته لا تقوم على أساس حرية الاختيار، وإنما على فكرة الخطورة الإجرامية. حيث يرى أنصار هذه المدرسة أنه هناك خطرون وليس مذنبون، والخطر يجب أن يوضع في مكان لا يمكنه من الاعتداء على غيره، لذا يجب تقرير التدابير الاحترازية عوض العقوبات.
3- تصنيف المجرمين تبعا لعوامل الخطورة الإجرامية لديهم، وتقرير تدابير احترازية خاصة بكل طائفة من هذه الطوائف، فالمجرمين يصنفون إلى مجرم بالطبيعة، ومجرم معتاد، ومجرم بالعاطفة، ومجرم بالمصادفة، فالمجرم بالطبيعة والمجرم بالاعتياد مدفوعين إلى ارتكاب الجرائم بعوامل تكوينية، يستحيل شفائها، يتعين اتخاذ تدابير الإبعاد من المجتمع ضدهم، والمجرم المجنون فهو مدفوع إلى الإجرام نتيجة مرض عقلي، يتعين إيداعه إحدى دور الأمراض العقلية، والمجرم بالعاطفة هو المجرم الذي يندفع إلى ارتكاب الجريمة نتيجة عدم توازن في حالته العاطفية، يتعين أن يعوض أضرار الجريمة زيادة على توقيع تدابير احترازية عليه، والمجرم صدفة، وهو الذي دفعته لارتكاب الجريمة عوامل وظروف اجتماعية طارئة، وبالتالي يمكن إصلاحه بتدبير احترازي يعالج الظروف الاجتماعية التي دفعته لارتكاب الجريمة.
4- رد فعل المجتمع يجب أن يكون عبارة عن تدبير احترازي هدفه إما الإصلاح أو الإقصاء من المجتمع، لا على العقوبة الهادفة إلى الردع والقائمة على اعتبارات العدالة.

وإن كانت أفكار المدرسة الوضعية لم تطبق بالكامل في القوانين والنظم الجنائية، إلا أن بعض أفكارها كانت أساس للعديد من الأفكار القانونية، مثل منح القاضي السلطة التقديرية في تقدير العقوبة الملائمة لشخصية الجاني، وهو ما يسمى مبدأ تفريد العقاب الذي يعد من أهم المبادئ الجنائية المطبقة في كل التشريعات الجزائية الحديثة، وفكرة غرض العقوبة الإصلاحي والعلاجي التي أصبحت محور لسياسات تنفيذ العقوبات في التشريعات الوضعية.

المطلب الثالث
المدارس التوفيـــقية

أسفر الجدل الذي حصل بين المدرستين التقليدية والوضعية، إلى ظهور مدارس وسطية أو توفيقية، حاولت التوفيق بين آراء المدرستين، متفادية إسراف المدرسة الوضعية في دراسة المجرم على حساب الجريمة، وإنكار حرية اختياره تماما، وإفراغ العقوبة من معاني الردع تماما وتوجهها نوح الإصلاح والعلاج وحتى الإقصاء، وعلى النقيض من ذلك، مغالاة المدرسة التقليدية في الاهتمام بالجريمة دون المجرم، أي الاهتمام بالفعل دون الفاعل، وحرية إرادته، وإفراغ العقوبة من كل معاني الإصلاح والعلاج والتهذيب، وتوجهها فقط نحو تحقيق العدالة والمساواة والمنفعة الاجتماعية.

وكانت من أهم المدارس التوفيقية، المدرسة الثالثة التي أنشأها في إيطاليا كارنفالي وأليمينا، والاتحاد الدولي لقانون العقوبات الذي أسسه فان هامل برنس وفون ليست، ونقطة الاشتراك بين هذه المدارس، هي الاعتراف بحرية الإرادة لدى الجاني وإقامة المسؤولية الجنائية على أفكار التمييز والإدراك، وأن أهداف العقوبة متعددة، فهي تهدف إلى تحقيق الردع، كما تسعى إلى إصلاح الجاني وتهذيبه وعلاجه أيضا، لذا يمكن إقرار التدابير الاحترازية إلى جانب العقوبات التقليدية، وبذلك أصبحت الغلبة لأفكار المدارس التوفيقية في التشريعات العقابية الحديثة[36]، بما فيها المشرع الجزائري، الذي أسس المسؤولية الجنائية على حرية الإرادة والتمييز والإدراك، حيث لا تقوم هذه المسؤولية في حالة صغر السن والجنون والإكراه ( المواد من 47 إلى 51 من تقنين العقوبات الجزائري)، ولإقراره للتدابير الأمنية إلى جانب العقوبات ( المواد 19-22 من تقنين العقوبات الجزائري). ومن بين أعهم المدارس التوفيقية، نجد مدرسة الدفاع الاجتماعي، ومدرسة الاتحاد الدولي لقانون العقوبات، الذين سنتناولهما من خلال الفرعين التاليين.

الفرع الأول
مدرسة الدفاع الاجتماعي
الاهتمام بالشخص الجاني عوض الجريمة

وهي المدرسة التي تأسست على يد الفقيه الإيطالي جراماتيكا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أنشا مركزا للدراسات التي تتمحور حول فكرة أو نظرية " الدفاع الاجتماعي"، وأسس مجلة سميت ب " مجلة مؤتمرات الدفاع الاجتماعي" في إيطاليا سنة 1947، وفي بلجيكا سنة 1949، و1954، ونشرت سنة 1955 برنامجا تضمن الحد الأدنى لسياستها. وهي المدرسة التي تقوم أساسا حول الأفكار التالية:
1- يجب أن يكون هدف قانون العقوبات، حماية المجتمع من مخاطر السلوكات المجرمة، ولا أن تكون وظيفته مجرد القصاص من الجاني وتخويفه وترهيبه بالعقوبات، لذا يجب أن يتم إقرار وسائل أخرى إلى جانب العقوبات التقليدية، وهي تدابير الدفاع الاجتماعي، لتصبح العقوبة تدبيرا للدفاع الاجتماعي، وقانون العقوبات قانونا للدفاع الاجتماعي. وهي بذلك تدافع عن أفراد المجتمع كافة، بما فيهم الجناة ذاتهم، ولا تهتم كثيرا بالبحث في الأساس الفلسفي لمسؤولية الجاني.
2- تتقرر تدابير الدفاع الاجتماعي بدراسة علمية دقيقة تكشف أسباب انحراف الجاني لاختيار التدبير الملائم للتطبيق عليه.
3- إيلاء أهمية كبيرة لمتابعة الجاني ومساعدته بعد إخضاعه لتدابير الدفاع الاجتماعي، وذلك بتقديم الرعاية والمساعدة له للتغلب على الأسباب التي أدت به إلى الانحراف، وبذلك يمكن إعادة الإدماج الاجتماعي للمجرمين كأعضاء صالحين فيه.
4- كما يمكن تطبيق تدابير الدفاع الاجتماعي حتى قبل إقدام الشخص على ارتكاب الجريمة، وذلك من خلال الكشف المبكر عن الأشخاص الذين تتوفر لديهم نفسيا واجتماعيا عناصر يترجح معها ارتكابهم جرائم في المستقبل. بل الأكثر من ذلك، نادى جراماتيكا بالعديد من الوسائل التي يجب أن تبنى عليها السياسة الجنائية، لدرجة أنه انتقدت من زميله مارك آنسل الذي ظل فترة طويلة سكرتيرا عاما للحركة، واعتبر آراء جراماتيكا آراء شخصية متطرفة خاصة وأن الأول نادى بإلغاء قانون العقوبات.

الفرع الثاني
مدرسة الاتحاد الدولي لقانون العقوبات

وهو الاتحاد الذي تأسس سنة 1880 من قبل مجموعة من الفقهاء أهمهم: أدولف برنز، فون ليست، فان هامل، وأخذوا بأهم الأفكار التوفيقية بين المدارس السابقة، وتركزت فلسفته على دعامتين أساسيتين، هي أن مهمة قانون العقوبات الكفاح ضد الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية، وأن يراعي القانون الجنائي النتائج التي تسفر عنها الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية، وهو ما يدل على الاتجاه العلمي للاتحاد الدولي ورفضهم التام لفكرة التسليم بالحتمية، وطالب هؤلاء الفقهاء رجال القانون بضرورة ألا يغرقوا في الأفكار الفلسفية، بل وجوب التفكير في الشعور الداخلي للفرد بحريته، وهي الأفكار التي أثرت في بعض التشريعات أهمها قانون الدفاع الاجتماعي البلجيكي الصادر سنة 1930، الخاص بالمجرمين الشواذ والعائدين، كما ظهرت حركات فقهية حديثة نتيجة أفكار هذا الاتحاد، أهمها الحركة التي ظهرت في إسبانيا باسم علم الإجرام الحديث.

المبحث الثالث
تطور قانون العقوبات الجزائري

الجزائر من بين الدول التي عرفت تطورات كبيرة على مستوى قانون العقوبات، خاصة وأنها من الدول الإسلامية التي طبقت أحكام الشريعة الإسلامية في مرحلة معينة من تاريخها، كما عرفت بعض التطورات في الفكر الجنائي نتيجة استعمارها من قبل الاحتلال الفرنسي ولفترة طويلة من الزمن، لتكون أهم المراحل المميزة لتطور قانون العقوبات في الجزائر، ثلاث مراحل، مرحلة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، مرحلة تطبيق القانون الفرنسي، ومرحلة الاستقلال التي شهدت تطبيق قانون عقوبات وطني، وهو ما نتناوله في المطلب الثلاثة التالية.
المطلب الأول
مرحلة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية

عرفت الجزائر تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الفترة التي أعقبت الفتوحات الإسلامية لشمال إفريقيا، حيث طبقت الشريعة على كل المجالات بما فيها المجال الجزائي، بما فيها شقي التجريم والعقاب، حيث عرفت تقسيم الجرائم وفقا للتقسيم الشرعي لهان جرائم الحدود، جرائم القصاص، والجرائم التعزيرية، وهو ما نبينه في الفروع الثلاثة التالية.
الفرع الأول
جرائــــم الحدود
جرائم الحدود جرائم محدودو ومبينة على سبيل الحصر بالكتاب ( القرآن الكريم)، والتي يعاقب عليها بعقوبة تسمى " الحد" الذي يعني لغة المنع، أي منع الجاني من معاودة ارتكاب الجريمة، والحد عقوبة قررها الخالق نتيجة الجريمة التي تشكل اعتداء على حق لله عز وجل، سيما وأنه بالاطلاع على هذا النوع من الحدود يبين أنها تهدف لحفظ النفس والنسل والعرض والمال والعقل وحفظ الدين. والأصل أن الحد مقرر كقاعدة بموجب نص قرآني، واستثناء بموجب السنة النبوية الشريفة مثلما هو الشأن بالنسبة لجريمة شرب الخمر، وجريمة الردة، حيث تكفل النص القرآني بتبيان شق التجريم، بينما تكفلت السنة بتبيان الحد المقرر لها كعقوبة. وعقوبة الحد لا تقبل العفو أو التنازل عنها كونها حق مقرر لله عز وجل، وهي مقررة لجرائم تامة لا لمجرد الشروع فيها أو المحاولة، فإن توقفت عند حد الشروع اعتبرت معصية توجب عقوبة تعزيرية لا تطبيق الحد، وما يميز هذا النوع من العقوبات أنها ذات حد واحد لا حدين، كما هو الحال في التشريعات الوضعية الحديثة، وبالتالي فلا سلطة تقديرية للولي في تطبيقها، وباختصار جرائم الحدود سبعة، هي: حد الزنا[37]، حد السرقة[38]، حد القذف[39]، حد البغي[40]، حد الحرابة[41]، حد الردة[42]، حد شرب الخمر[43]، وبالتالي الحدود في الشريعة الإسلامية هي الجلد والقتل والقطع. الجلد في مائة جلدة في الزنا، وثمانون في القذف، وبين الأربعين والثمانين في شرب الخمر، والقطع في السرقة، والقطع على خلاف والصلب في الحرابة، والقتل في الردة.
الفرع الثاني
جرائم القصاص والدية
وهي جرائم تقع على نفس الإنسان أو ذاته، وبالتالي هي اعتداءات واقعة على الأفراد ويجوز التنازل أو العفو عنها من المجني عليه أو من ذويه عكس جرائم الحدود التي لا يقبل فيها العفو والتنازل، غير أن العفو عنها لا يمنع ولي الأمر العقاب عليها بعقوبة تعزيرية إذا رأى أنه من شأنها تؤدي إلى إفساد في الأرض[44]، وجرائم القصاص والدية هي : القتل العمد، الجناية شبه العمد، القتل الخطأ، الجناية على ما دون النفس عمدا، الجناية على ما دون النفس خطأ، وعقوبتها القصاص أي عقاب الجانب بنفس فعلته، والدية هي دفع مقابل مالي يمثل بدل النفس أو العضو يدفع من الجاني أو ذويه عوضا عن دمه أو عضوه ( طرفه) وتختلف الدية بختلاف المجني عليه قدرا وجنسا كما هناك ما يشبه اليوم العقوبات التبعية وهي الكفارة والحرمان من الوصية أو الميراث، وعموما يمكن القول أن القصاص عقوبة مقررة للجرائم العمدية أما الدية فهي عقوبة مقررة جرائم الخطأ.
الفرع الثالث
الجرائم التـــعزيرية
التعزير هو تأديب عن ذنوب لم يشرع فيها حد من الحدود، ولا هي من جرائم القصاص والدية، ولم يرد بخصوصها نص لا في القرآن ولا في السنة يقررها كجريمة قائمة أصلا، غير أنه هناك نصوص في القرآن تبين بعض أنواع الجرائم التعزيرية، مثل الرشوة وخيانة الأمانة والسب والربا ودخول البيوت والمساكن....ولكن بصيغة النهي عن مثل هذه الأفعال كونها إفساد في الأرض أو من شانها ن تؤدي إليه، وهي جرائم عكس النوعين السابقين واردة على سبيل المثال لا الحصر، حتى يمكن ترك أمر التجريم عن التعازير لولي الأمر وفق تطورات الحياة الاجتماعية وما يراه مناسبا لأمنها ونظامها وسكينتها، ووفقا لاختلاف الأزمنة والأمكنة والمصالح، لكن بالخضوع للمبادئ والأحكام العامة للشريعة الإسلامية وعدم الخروج عنها. وطبقت ألأحكام السابقة في الجزائر منذ الفتوحات الإسلامية للبلاد لغاية دخول المحتل سنة 1830 حيث ساد تطبيق قانون عقوبات المستعمر، وبطريقة تختلف حتى عن القانون المطبق في فرنسا، وهو ما نبنه باختصار في المطلب الثاني.

المطلب الثاني
مرحلة تطبيق القانون الفرنسي

بدخول الاستعمار الفرنسي للبلاد واحتلالها سنة 1830، شرع في تطبيق تشريعاته ومنها قانون العقوبات الفرنسي، وتكرس ذلك فعليا مع صدور أمر سنة 1841 يقضي بتطبيق قانون العقبات الفرنسي على المسائل الجزائي في الجزائر، غير أن هذا التطبيق لم يكن بالطريقة التي يطبق بها في فرنسا، حيث عمد المحتل على إحداث أحكام تمييزية وبعض الجرائم الخاصة الذي لا يعرفها القانون الفرنسي نفسه، وهي جرائم جاءت بصيغة عامة وهادفة لمحاربة حركات التحرر ومعاداة الاستعمار وعنونت ب:" الأفعال المعادية للوجود الفرنسي في الجزائر" ، وعرف تطبيق فكرة المسؤولية الجماعية المنافية لقواعد قانون العقوبات، حيث كانت تعاقب العروش بأكملها بغرامات جماعية عن كل فعل يمس بالاحتلال أو يعارض وجوده.

ثم تراجع المستعمر عن هذا التمييز سنة 1944 وألغى القوانين التميزية والاستثنائية وأخضع الجزائريين ( الأهالي) لقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية الفرنسيين، غير أنه مع اندلاع الحرب التحريرية، تراجع عن ذلك وظهرت من جديد القوانين الاستثنائية والقواعد التمييزية والعنصرية، وعرفت الجزائر عقوبات الاعتقال الإداري والمراقبة البوليسية والعقوبات الجماعية وإقامة المحاكم الاستثنائية وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية بشكل ليس معمولا به في قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي.

المطلب الثالث
مرحـــلة الاستقلال

باستقلال الجزائر سنة 1962 عملت الجزائر على سن تشريعات مستقلة، غير أن المسألة استغرقت وقتا بالنظر للوضع الخاص الذي تمر به الدول المستقلة حديثا، حث لم يصدر قانون العقوبات الجزائري إلا سنة 1966[45]، لذا استمر العمل بالقانون الفرنسي ما عدا ما تعارض منه مع السيادة الوطنية، بموجب القانون 62-157 المؤرخ في 31-12-1962 ( المادة الأولى منه)، في الفترة الممتدة من 05-07-1962 لغاية 15 يونيو 1966 تاريخ دخول تقنين العقوبات الجزائري حيز التنفيذ. لكن دون أن يمنعه ذلك من إصدار بعض التشريعات التي واجه بها بعض الأوضاع الخاصة، كإصداره المرسوم 63-85 المؤرخ في 16-03-193 المتضمن قمع الجرائم المرتكبة ضد التشريع المتعلق باقتناء وحيازة وصنع الأسلحة والذخائر والمتفجرات، والكثير من المراسيم الأخرى التي هدف منها المشرع الحفاظ على الأمن في هذه الفترة الحساسة من تاريخ البلاد[46]. ومع سنة 1966 أصدرت الجزائر قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية[47]، وإن كان المشرع قد استمد غالبية أحكامهما من القانون الفرنسي، مع تضمينه خصوصيات المجتمع الجزائري ومراعاة اعتبارات إتباع الدين الإسلامي في البلاد، وحتى في بعض القواعد الموضوعية الأخرى مثل مسؤولية الشخص المعوي وقواعد الاشتراك والشروع في الجريمة.... وقد عدل قانون العقوبات الجزائري منذ صدوره لغاية سنة 2006 سبعة عشر (17) مرة[48]. وما زلنا نسمع بأنه في طور المراجعة لغاية اليوم. هذا وبعد تناولنا في الباب التمهيدي السابق تحديد أهم معالم قانون العقوبات، سنشرع في دراسة الباب الأول من هذه الدراسة،والمتعلق بالنظرية العامة للجريمة باعتبارها تمثل شق التكليف في القاعدة الجزائية، على أن نتبعه بباب ثاني نخصصه لنظرية المسؤولية الجنائية. تاركين موضوع النظرية العامة للجزاء الجنائي ليكون موضوع لمطبوعة أخرى مستقلة، شأنه شأن مطبوعة قانون الإجراءات الجزائية.










قديم 2013-01-29, 00:02   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثا: شرعية التنفيذ العقابي
شرعية التنفيذ العقابي تعد الحلقة الثالثة من حلقات الشرعية الجنائية، حيث تقتضي أن يجري تنفيذ الحكم الصادر ضد المتهم وفقا للكيفيات التي حددها القانون، تحت رقابة وإشراف القضاء، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد بهذه المرحلة الذي بدا مع مدرسة الدفاع الاجتماعي، وتبلور مع منظمة الأمم المتحدة التي قامت بإصدار القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة المساجين، التي بينت بدقة المبادئ التي تحكم مرحلة التنفيذ العقابي، مما يعد شرعية لهذا التنفيذ، وبالتالي يمكننا القول أن هذه الحلقة لم تبق مجرد مبدأ دستوري بل ارتقت لمرتبة المبادئ الدولية مع صدور قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة توصي الدول بضرورة العمل بالقواعد النموذجية الدنيا السابقة، وهو القرار رقم 2858- في 20-12- 1971، والقرار 32/8 في 06-11-1974 وهي القواعد التي عنيت الدول بإدراجها في قوانينها، باعتبار القانون الأداة التشريعية الصالحة للشرعية الجنائية، وهو ما قام به المشرع الجزائري في قانون تنظيم السجون، خاصة القانون الأخير قانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين رقم 05-04 المؤرخ في 06-02-2005. وتقوم شرعية التنفيذ العقابي على ضرورة تحديد أساليب التنفيذ وضماناته وأهدافه المنصوص عليها بالقانون المعبر عن إرادة الشعب والذي سمح بالمساس بحرية الشخص أو حياته، وأن يكون تنفيذ العقوبة خاضعا لإشراف قاضي يطلق عليه قاضي تنفيذ العقوبات.

الفرع الثالث
الانتقادات الموجهة لمبدأ الشرعية الجنائية:

في الحقيقة، مبدأ الشرعية الجنائية لم يكن محل انتقادات في القرن التاسع عشر، أو على الأقل خلال جزء كبير منه، غير أنه تم البدء بتوجيه الانتقادات له مع ظهور المدرسة الوضعية الإيطالية، والمدارس اللاحقة لها، غير أن هذه الانتقادات لم تنل من قيمة وأهمية المبدأ، بوجود الرأي الغالب في الفقه في جانب المدافعين عنه، الأمر الذي كرسه كمبدأ قانوني ودستوري ودولي، وهو ما نبينه باختصار في النقطتين التاليتين.

أولا: معارضي مبدأ الشرعية الجنائية

من بين الانتقادات التي وجهت له، أنه أخذ على المبدأ عدم قدرته على إعطاء تعريف دقيق ومرض للجرائم، حيث هناك العديد من الأفعال التي تعد لا اجتماعية ولا أخلاقية ولا يستطيع المشرع الإحاطة بها، وحصرها من خلال نصوصه، مما يجعل الكثير من المجرمين يفلتون من العقاب، لذا يرى البعض الإفلات من المبدأ أو على الأقل إعطاء سلطة واسعة للقاضي في تفسير النصوص والقياس عليها. كما أخذ عليه، إهماله لشخصية الجاني، كونه هناك الكثير من الأشخاص الخطرين الذي يجب الحجز عليهم حتى قبل ارتكابهم للجرائم. وهناك العديد من الأشخاص لا يمكن القضاء على الخطورة الإجرامية لديهم حتى بعد انقضاء مدة عقوبتهم، ومع هذا النوع لا يستطيع لا المشرع ولا القاضي التحديد المسبق لمدة العقوبة الواجبة التطبيق عليهم، إذ ذلك مرهونا بزوال حالة الخطورة الإجرامية لديهم. وهي الانتقادات التي كان لها صدى عميق على التشريعات الجنائية النازية والشيوعية لغاية سنة 1958، حيث استبعد تطبيق المبدأ نهائيا، وجزئيا في التشريع الإيطالي الفاشي.

ثانيا: أنصار مبدأ الشرعية الجنائية

الانتقادات السابقة، أقلقت كثيرا أنصار مبدأ الشرعية، ودفعهم لعقد العديد من المؤتمرات الدولية للدفاع عنه، مثل المؤتمر الدولي للقانون الجنائي المنعقد في باريس سنة 1937، والمؤتمر الدولي للقانون الجنائي الذي انعقد في لاهاي في أوت من سنة 1937 كذلك. وتم الرد على الانتقادات السابقة، حيث رأوا أن إلغائه أو التقييد منه، يعيدنا إلى عهد استبدادية القضاة، بل إلى أخطر من ذلك، حيث أنه في تلك العصور كانت هناك على الأقل بعض المعايير للقضاة ونوع من الضمير يمكنهم من التوفيق بين مصالح المجتمع ومصلحة المتهم على الأقل، في حين اليوم لا يراعي القضاة إلا المعايير السياسية التي تغلبت على مصالح الأفراد، مثلما حدث مع الشيوعية والفاشية وكل الأنظمة الديكتاتورية، وأما بخصوص الاستناد لحالة الخطورة للقول بمعاقبة الأشخاص بمجرد ظهورها لديهم، فتم الرد بالقول: من الذي يحدد هذه الخطورة، فإذا قلنا القاضي فإننا عدنا لعهد التحكم والأهواء، وإن قلنا المشرع فذلك يعني عودة لمبدأ الشرعية الجنائية، كما أنه لا يمكن التسليم بالنقد القائل بأن المبدأ يهمل شخصية الجاني، وذلك بالنظر لما يوفره مبدأ تفريد العقوبة المعمول به في جل الأنظمة العقابية، الذي يخفف من حدة مبدأ الشرعية الجنائية، بإعطاء نوع من الحرية للقاضي في مراعاة شخصية الجاني عن طريق وضع حدين للعقوبة يختار بينهما القاضي، وفقا لشخصية الجاني وظروف ارتكابه للجريمة وحالته. وكذا إقرار نظام التشديد في العقوبة والتخفيف فيها.










قديم 2013-01-29, 00:04   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
hadia369
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية hadia369
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الثاني
النتائج المترتبة على مبدأ الشرعية الجنائية

يرى الفقه أنه تترتب على مبدأ الشرعية الجنائية ثلاثة مبادئ أساسية هي: انفراد التشريع في تحديد الجرائم والعقوبات، والتزام التفسير الضيق للقواعد الجنائية، وعدم رجعية القاعدة الجنائية للتطبيق على ما حدث في الماضي من وقائع. غير أنه يمكننا القول باختصار، أن مبدأ الشرعية الجنائية في شقه الموضوعي ،يقتضي في نظرنا، أنه لا جريمة ولا جزاء إلا بنص قانوني صادر عن السلطة المختصة بإصداره وفقا للقانون، وأن يكون هذا النص ساريا من حيث الزمان والمكان، وزيادة عن ذلك ألا يمون الشخص خاضعا لسبب من أسباب الإباحة، وهو رأي يمليه علينا وضع تقنين العقوبات الجزائري الذي تناول مبدأ الشرعية الجنائية في المادة الأولى وأردفه بالمادتين 2 و3 المتعلقتين بسريان النص الجنائي زمانا ومكانا. لذا سنحاول أن نبين هذا المبحث من خلال ثلاثة مطالب، نخصص الأول للنتائج القانونية العامة لمبدأ الشرعية الجنائية، في حين الثاني نخصصه لسريان النص الجنائي من حيث الزمان كونه الإطار الذي يبين أهم نتائج مبدأ الشرعية المتمثلة في عدم رجعية القوانين الجنائية، على أن نخصص الثالث لسريان النص الجنائي من حيث المكان. ونرجئ البحث عن أسباب الإباحة إلى مبحث ثالث مستقل، على اعتبار أسباب الإباحة تخرجنا من نطاق التجريم وتعيدنا على نطاق الإباحة التي لا يحكمه مبدأ الشرعية الجنائية.

المطلب الأول
النتائج القانونية العامة لمبدأ الشرعية

النتائج القانونية العامة التي يرتبها مبدأ الشرعية الجنائية، هي انفراد التشريع بمجال التجريم والعقاب، أي أن يكون النص الجنائي المكتوب الصادر عن السلطة المختصة بإصداره وفقا للدستور وحده المختص بسن قوانين تتعلق بالتجريم والعقاب، وأنه يحظر على القاضي اللجوء إلى التفسير الواسع أو القياس في هذا المجال بالذات، وهو ما نبينه في الفروع الثلاثة التالية.

الفرع الأول
انفراد التشريع بالتجريم والعقاب

مبدأ الشرعية الجنائية يقوم أساسا على فكرة العقد الاجتماعي ومبدأ الفصل بين السلطات، وان المجال الخطير المتمثل بكل ما يمس بحقوق وحريات الأفراد يجب أن تمارسه السلطة التشريعية التي تمثل الشعب، خاصة وأن هذه السيادة جاءت بعد صراع مرير بين السلطة والفرد، وهو الصراع الذي انتقل بعدها ما بين الحكومة والبرلمان، لغاية انتصار البرلمان واستئثاره بمسائل التشريع وإصدار القوانين، وأضحى سيادة القانون من مبادئ قيام دولة القانون، غير أن الوضع الحالي في جل الدول والأنظمة، اشتراك كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في إصدار القواعد القانونية، حيث تصدر السلطة التشريعية القوانين بينما تختص السلطة التنفيذية في إصدار اللوائح، غير أن ذلك لا ينال من مبدأ انفراد التشريع، كون القواعد التشريعية التي تصدرها السلطة التشريعية يجب أن تخضع للدستور، واللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية يجب أن تخضع للدستور ولقواعد السلطة التشريعية وقوانينها، وأن تدرج القواعد القانونية سمة من سمات الشرعية الجنائية. وهو موقف كل من فقهاء العصر الحديث ودول النظم الديمقراطية، وقد عبر المجلس الدستوري الفرنسي عن ذلك في عبارة قصيرة أوردها في قرار صادر عنه سنة 1973، جاء فيه أن سلب الحرية يتعلق بالمشرع. بينما أكدت المحكمة الدستورية العليا في مصر، أنه :" الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصا ما بتنظيم شيء مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور، وان هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين، فلا يجوز لها أن تسلبه من اختصاصاها وتحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقديها في ذلك بضوابط عامة وأسس رئيسية تلتزم بالعمل في إطارها.".

وانفراد التشريع بالتجريم والعقاب وفقا لما يقضي به مبدأ الشرعية الجنائية، يعني اختصاص المشرع وحده بمعالجة المسائل التي تدخل في اختصاصه، دون أن تزاحمه في ذلك السلطة التنفيذية بما تملكه من سلطة التشريع عن طريق اللوائح، غير انه يمكنها عن طريق اللوائح تنظيم وتنفيذ ما أقره من المشرع من قواعد عامة، ومن المسائل التي تدخل في اختصاص المشرع وحده كل ما يتعلق بتنظيم ممارسة الحقوق والحريات ورسم حدودها، فلا تملك السلطة التنفيذية التدخل في هذا المجال دون إذن من المشرع[1].ولأن التشريع يعد صادرا من أقدرا السلطات على استجلاء جوانب الصالح العام، والتعبير عن مقتضياته، كون السلطة التشريعية تعبر عن إرادة الشعب، هو فقط الذي يمكن أن يضمن التوازن بين الحقوق والحريات الفردية وبين مقتضيات المصلحة العامة، لذا فإن منطقة الحقوق والحريات محرمة على غير المشرع، متروكة له وحده باعتباره ممثلا للشعب، ويمارس انفراده هذا طبقا للدستور، وأن يفعل ذلك بالكيفية التي حددها الدستور – القواعد القانونية- ولا يمكن أن تشاركه السلطة التنفيذية في ذلك، إلا في الحدود التي ينص عليها التشريع طبقا للدستور.

الفرع الثاني
إتباع قواعد خاصة في تفسير النصوص الجنائية

يقصد بالتفسير تلك العملية الذهنية التي يمكن عن طريقها التوصل إلى المعنى الحقيقي للنص القانوني، حتى يتسنى للقاضي تطبيق النص على الوقائع المعروضة عليه للفصل فيها، خاصة في الحالة التي تكون فيها النصوص غامضة وتحتمل التأويل أو تثير اللبس، لذا يتعين على القاضي البحث عن المعنى الذي أراده المشرع من خلال وضعه لهذا النص، والتفسير عملية قضائية تخص كل النصوص القانونية لا الجزائية فقط، حيث كل نص يحتاج إلى استجلاء معناه ومحتواه، لدرجة أن بعض الفقه رأى انه: لا قضاء بدون تفسير. غير أن القواعد الجنائية، وبالنظر لمساسها بحقوق وحريات الأفراد، نجد الدستور قد خصها بقواعد معينة يجب أن يتم إتباعها في حالة إرادة تفسيرها، خاصة وان الإخلال بمثل هذه القواعد يخل بمبدأ الشرعية الجنائية ذاته. لذا فكيفية تفسير النصوص الجنائية التي بطبيعتها تعد نصوصا عامة ومجردة، تكون بحاولة تطبيقها على الوقائع التي تحدث بالنظر لكل واقعة على حدة، فالمشرع إن كان يضع النصوص الجنائية، فالقاضي هو الذي يقع عليه إثبات تطبيقها، لذا فمن الواجب عليه النظر فيما إن كانت الواقعة التي حدثت تندرج تحت النص الذي سنه المشرع. والتفسير هو البحث عن المعنى الحقيقي للنص العام المجرد، بحيث يمكن تطبيقه على الوقائع المادية، وهو شأن كل قاعدة جنائية حتى ولو لم يكن يشوبها غموض أو إبهام، حيث كل قاعدة جنائية لا بد لها من تفسير وشرح[2]. وتقيدا بمبدأ الشرعية الجنائية، وتحقيقا للعدالة الجنائية، فإن تفسير النصوص الجنائية بمختلف أنواعها تخضع لبعض القواعد الخاصة، حتى لا يكون التفسير اعتداء على مبدأ الشرعية الجنائية وبالتالي اعتداء على الحقوق والحريات. لذا يرى غالبية الفقه، بأن القاضي في تفسيره النصوص الجنائية يجب أن يتبع أسلوب التفسير الضيق أو الحرفي، وأنصار هذا الاتجاه وصلوا حتى دعوة إسناد عملية التفسير للسلطة التشريعية حتى لا يتحول القاضي إلى مشرع[3]، وهو تبرير يجد سنده في العصر الذي وجد فيه المبدأ، حيث ظهرت المدرسة الكلاسيكية كرد فعل عن التحكم والتعسف الذي كان يمارسه القضاة آنذاك، لكن يرى البعض أن هذا الأمر وهم ولا يستند لأي أساس قانوني سوى على العامل الزمني الذي نشأ فيه مبدأ الشرعية الجنائية، خاصة وان القاضي وهو يفسر النصوص الجنائية، لا يعطي رأيه الشخصي وإنما يبحث عن المعنى الحقيقي للقانون، وعن المعنى الموضوعي للنص كما أراده المشرع، ومن جهة ثانية، إلزام القاضي بالتفسير الضيق يفترض قانونا أن تكون النصوص الجنائية الصادرة عن المشرع دقيقة شكلا ومضمونا، وهو غير الموجود في الواقع، إذ كثيرا ما تتصف النصوص الجنائية بعدم الدقة، وينطوي في بعض الحيان على بعض المتناقضات الظاهرية، ثم أن إرادة المشرع التي ضمنها النص، ليست مبدأ جامدا محكومة بالوقائع الاجتماعية السائدة وقت صياغة النص، بل هي إرادة متطورة بتطور الوقائع الاجتماعية التي تعد بلورة لإرادة المشرع، أو المصلحة تبلور إرادة المشرع وتبعا لها يتحدد نطاق تطبيق نصوصه، والقانون لم يصنعه المشرع ليومه فقط، بل صنع للمستقبل، وعلى هذا النحو ترك أمر التفسير لأجل تحديد معنى النصوص القانونية في ضوء التحولات والتغيرات الاجتماعية، والقاضي في ذلك ملزم دائما بالإرادة المفترضة للمشرع افتراضا منطقيا في ضوء الوقائع الاجتماعية الجديدة، مع احترامه للصيغة التي استعملها المشرع في صياغة النصوص احتراما لمسألة الاستقرار القانوني، خاصة وان القانون في الكثير من الأحيان يبنى على أفكار متحركة ومتطورة بطبيعتها، كأفكار النظام العامة والآداب العامة، ومسالة الاختراعات العلمية والتطورات التكنولوجية، ومفهوم المنقول والعقار... وبالتالي القاضي في تفسيره للنصوص الجنائية، يجب أن يبحث عن إرادة المشرع من خلال الصيغة التي عبر من خلالها عن هذه الإرادة، وأن يراعي مجمل الأحكام الدستورية المتعلقة بالمسألة حتى يكون تفسير القاضي مطابقا للدستور.

الفرع الثالث
حظر القياس في المسائل الجزائية
القياس هو :" إلحاق واقعة غير منصوص علي حكمها بواقعة أخرى منصوص على حكمها لاشتراك الواقعتين في علة الحكم"، ذلك أن الحكم يتبع علته وجودا وعدما، في حين يتوسع بعض الفقه في تعريف القياس، بحيث لا يقاس فقط على واقعة بعينها منصوص على حكمها، ولكن على النظام القانوني في مجمله، ووفقا لذلك هناك نوعين من القياس، قياس شرعي Analogie légale وقياس قانوني Analogie juridique. القياس الشرعي، وهو قياس واقعة لم يرد نص بحكمها على واقعة أخرى منصوص عليها، لاشتراك الواقعتين في نفس العلة، فيطبق على الواقعة غير المنصوص على حكمها نفس حكم الواقعة المنصوص عليها. وأما القياس القانوني، هو أن تلحق واقعة غير منصوص على حكمها ليس بواقعة أخرى بعينها، ولكن بمجمل المبادئ العامة وروح القوانين، وتدخل في هذا الاعتبار، المعطيات الأخلاقية والدينية والاجتماعية، وهو الذي كان معمولا به في العصر السابق على الثورة الفرنسية، واختفى في القرن التاسع عشر مع ظهور مبدأ الشرعية الجنائية، لكنه عاد للظهور ثانية في القرن العشرين مع ظهور الفقه الجنائي الحديث والمذاهب السياسية الاستبدادية، فرأى أنصار المذهب الوضعي أن ضرورات الدفاع الاجتماعي ضد الظاهرة الإجرامية تقتضي الأخذ بالقياس، وأثر كذلك المذهب الماركسي الذي لا يأخذ بعين الاعتبار إلا بالمصلحة متناسيا حرية الفرد.
وإن كان القياس عموما يعد وسيلة من الوسائل التي تستهدف استكمال النقص الذي يشوب النصوص القانونية، وذلك عن طريق إيجاد حل لمسألة لم ينظمها القانون عن طريق استعارة الحل من مسألة مماثلة وضع لها المشرع حلا، فإنه في المجال الجنائي القياس غير جائز بناء على مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، حيث يبعد القياس ضمنيا، حيث تقييد الحقوق والحريات بيد المشرع وحده مما ينزع من القاضي مكنة اللجوء للقياس في هذه المسائل، حتى ولو كان النص قاصرا أو القانون مشوب بقصور أو بثغرات، كون مسألة التجريم والعقاب تمس بالحقوق والحريات الفردية، التي يعد أمر التشريع فيها من اختصاص المشرع وحده دون أن يزاحمه في ذلك احد. وإن أمكنت مزاحمته أحيانا وفي بعض الاستثناءات، من قبل السلطة التنفيذية بما تملكه من اختصاص التشريع سيما في مجال المخالفات، فإن ذلك محكوم بنصوص الدستور، وفي نطاق القواعد العامة للقانون الصادر عن السلطة التشريعية، لكن مسألة القياس تجريما وعقابا، مسألة مستبعدة تماما. خاصة وأن القياس مهمة مناطة بالقاضي الذي لا يملك إزاء النصوص العقابية سوى التطبيق. دون خلق الجرائم والعقوبات عن طريق القياس.
غير انه تجدر الإشارة، إلى أن القياس المحظور، هو القياس في مجال التجريم والعقاب، بالنظر لما تنطوي عليه المسألة من تقييد ومساس بحريات الأشخاص وحقوقهم، سواء تعلق الأمر بخلق جريمة جديدة
أو ظرف تشديد جديد أو عقوبة جديدة، غير أن النصوص التي تخدم صالح المتهم يجوز فيها القياس، كأسباب الإباحة وموانع المسؤولية أو موانع العقاب، أو الأعذار القانونية المعفية أو المخففة، ففي هذه الحالات يعد القياس استصحاب على الأصل العام، المتمثل في أن الأصل في الأشياء الإباحة، وإن كان القياس ممنوع في التجريم والعقاب كونه قياس عن استثناء، فإن القياس في الأصل يجوز. خاصة وان القياس في مثل هذه الحالات يخدم الحريات والحقوق ولا يمس بها أو يقيدها، ومبدأ الشرعية يقتضي حظر القياس خوفا من الإفتتات على هذه الحقوق والحريات، وما عدا ذلك فهو جائز[4]. وإن غابت بعض الأحكام القضائية في الجزائر التي تؤكد عن المسألة، فإنه محكمة النقض الفرنسية أكدت بجواز القياس متى كان في صالح المتهم، حيث سبق وان قاس المشرع الفرنسي على جريمة السرقة بين الأزواج والأصول والفروع التي لا توجب سوى التعويض المدني، على جريمة النصب وخيانة الأمانة، قبل أن تتجسد كنصوص في تقنين العقوبات ونقل المشرع الجزائري المسألة على قانونا العقابي[5]. كما اعتبر المشرع الفرنسي حالة الضرورة من أسباب الإباحة عن طريق القياس على باقي أسباب الإباحة بالرغم من عدم وجود نص يقرر ذلك، غير أنه بخصوص هذه المسألة، فإن المشرع الجزائري لم يتبناها. غير أن المشرع الفرنسي وفي قانون عقوباته الجديد لسنة 1992 والذي دخل حيز النفاذ سنة 1994 أدخل حال الضرورة ضمن أسباب الإباحة بموجب نص المادة 122-7.
المطلب الثاني
تطبيق النص الجنائي من حيث الزمان
عدم الرجعية كأثر من آثار مبدأ الشرعية الجنائية

من قبيل المسلمات أن النصوص القانونية بما فيها ذات الطابع الجنائي ليست بالنصوص الأبدية، بل خاضع للتعديل والإلغاء تبعا لإرادة المشرع في مواجهة ظاهرة الإجرام، والقاعدة القانونية المعروفة عادة، أن النص القانوني لا يطبق على ما حدث من وقائع قبل دخوله حيز النفاذ ولا بعد أن تم إلغاءه، بل يحكم فقط الوقائع والتصرفات التي حدثت في مرحلة سريانه أو فترة نفاذه، والنص الجنائي تحكمه قاعدة عامة معروفة في جل الأنظمة القانونية وهي القاعدة التي تعد مكملة لمبدأ الشرعية الجنائية، أو نتيجة من نتائجه أو أثر من آثاره، وهي قاعدة عدم رجعية النص الجنائي للتطبيق على الماضي، أو قاعدة الأثر المباشر والفوري للنصوص الجنائية، غير أنه مثلما هو الشأن بالنسبة لكل قاعدة، فإنه يرد عليها استثناء، وهذا الاستثناء في المجال الجنائي يعد في حد ذاته مبدءا لم تعرف له فروع القانون الأخرى نظيرا، ألا وهو مبدأ " رجعية القانون الأصلح للمتهم"، أو ما عبر عنه المشرع " بالقانون الأقل شدة". وبذلك تكون المادة الثانية من قانون العقوبات قد تضمنت القاعدة العامة المتمثلة في عدم رجعية النصوص الجنائية، وذلك في الفقرة الأولى منها، في حين تضمنت الفقرة الثانية منها الاستثناء الذي قلنا انه مبدءا في حد ذاته، وهو رجعية القانون الأصلح للمتهم، :" لا يسري قانون العقوبات على الماضي إلا ما كان منه أقل شدة".

الفرع الأول
قاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية

تطبيقا لمبدأ الشرعية الجنائية الذي يقضي بأن تكون عملية التجريم والعقاب بموجب النصوص التشريعية المكتوبة، الصادرة عن السلطة المختصة بذلك احتراما لمبدأ الفصل بين السلطات، وتطبيقا لدولة القانون، وتحقيقا لمبدأ سمو هذا القانون، فإن كل ذلك، وحتى المنطق يقضي أن يكون هذا القانون موجودا، أي أن يكون النص سابقا عن الواقعة التي اقترفها الجاني، كون مبدأ الشرعية يقتضي ضمنيا تخيير الشخص بين ما هو مباح وما هو محظور، فعلى الأقل المحظور يجب أن يكون مبينا مسبقا. لذا فالمنطق يقتضي أن كل قانون لا يحكم إلا الوقائع التي حدثت في ظل نفاذه وسريانه، ولا يمتد تطبيقه على ما وقع أو حدث من وقائع سابقة عن نشره وترتيب آثار سريانه[6]، وفي الحقيقة القاعدة لا يختص بها القانون الجنائي وحده، بل هي قاعدة معروفة في كل القوانين الأخرى، بمختلف أقسامها وفروعها، غير أن اختصاص هذه الأقسام والفروع وعدم مساسها بالحقوق والحريات الفردية لم يجعل من عدم الرجعية مسألة تنال الاهتمام مثل الاهتمام الذي لاقته في المجال الجنائي، وبالتالي تقضي القاعدة أن القانون يحكم فقط الأفعال التي تكون لاحقة أو على الأقل معاصرة للحظة سريانه، دون تلك التي حصلت قبل ذلك، ولحظة سريان القانون قد يكون بالنص صراحة على هذا التاريخ، أو وفقا للقواعد العامة في سريان النصوص القانونية، وذلك في خلال 24 ساعة من نشره في الجريدة الرسمية أو من وصول هذه الأخيرة للمناطق البعيدة أو التي كانت تشهد ظروفا استثنائية حالت دون وصول الجريدة الرسمية في وقتها.

وبالتالي تعد قاعدة عدم الرجعية، أو قاعدة الأثر الفوري أو الأثر المباشر لقانون العقوبات، من القواعد الأساسية المكملة لمبدأ الشرعية الجنائية، والتي تقضي وتهدف إلى عدم مفاجأة الأشخاص بتجريم أفعال كانت مباحة وقت ارتكابها، غير أنه للقاعدة استثناء نصت عليه الفقرة الثانية من تقنين العقوبات الجزائري، وهي قاعدة رجعية القانون الأقل شدة – على حسب تعبير المشرع الجزائري- أو قاعدة القانون الأصلح للمتهم حسب التسمية التي يطلقها الفقه الجنائي. وهي الاستثناء الذي يعد في حقيقته مبدءا في قانون العقوبات، الذي نتناوله في النقطة الموالية.

الفرع الثاني
القانون الأصلح للمتهم (القانون الأقل شدة)

إن كانت قاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية، قاعدة تعرفها غالبية الفروع القانونية الأخرى، فإن قاعدة رجعية القانون الأقل شدة، وفقا لتعبير المشرع الجزائري، أو القانون الأصلح للمتهم وفقا لتعبير فقهاء القانون الجنائي، تعد في نظرنا قاعدة جنائية خالصة، يختص بها قانون العقوبات دون غيره من فروع القانون الأخرى، التي إن أراد المشرع سريانها على الماضي نص على ذلك صراحة، في حين أنها في المجال الجنائي تعد مسألة قانونية، القاضي ملزم بإعمالها دون الحاجة للنص عليها، وذلك أن صلاحية القانون للمتهم بأي وجه من الأوجه يعد عودة نحو الأصل وهو البراءة، وبالتالي الأصل لا يحتاج على نص بل يقتضيه المنطق[7]. غير أنه لتطبيق فكرة القانون الأصلح للمتهم شروط وضوابط ومعايير يتعين تناولها في النقاط التالية.

أولا: شروط تطبيق القانون الأصلح للمتهم

ليستفيد المتهم من القانون الأصلح للمتهم يجب أن نشير إلى بعض المسائل الهامة، فالقول بهذا الاستثناء يعني بالضرورة انه يوجد هناك قانونان، القانون القديم وهو الذي في ظله ارتكب المتهم جريمته، وقانون جديد صدر قبل أن يصدر حكم نهائي بات في القضية، وإلا لولا صدور هذا القانون الجديد لما طرحت مسألة القانون الأصلح للمتهم على بساط البحث، ومن ثم يجب أن يكون هذا القانون يحمل ما يوحي أنه أصلح للمتهم، إذ إذا كان أسوأ فلا مجال لتطبيقه أصلا، وبالتالي يمكن تلخيص شروط تطبيق القانون الأصلح للمتهم في الشرطين التاليين: أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل صدور حكم نهائي بات في القضية، وأن يكون القانون الجديد أقل شدة أو أصلح للمتهم من وجهة نظر القانون لا من وجهة نظر المتهم. وهو ما نبينه في نقطتين مستقلتين، غير أننا ننبه بأن هناك شرط ثالثا ضمني لا نحاول تفصيله، على اعتبار أنه شرط بديهي، وهو أن نكون فعلا أمام تنازع للقوانين أي أن يصدر قانون جديد قبل صدور حكم نهائي بات على الشخص، لأننا إن كنا أمام قانون واحد فهو الواجب التطبيق سواء كان شديدا أو كان في مصلحة المتهم.

1- أن يكون القانون الجديد أقل شدة للمتهم ( أو أصلح للمتهم):

وهي أن يكون القانون الجديد الذي صدر ليزاحم القانون القديم الذي حدثت في ظله الجريمة أصلح للمتهم، وبالتالي فالمسألة تتعلق بتنازع القوانين، وعلى القاضي أن يختار منهما أي قانون يحقق مصلحة المتهم بإعمال معايير وضوابط قانونية تمكنه من الحكم على صلاحية القانون، حيث الأمر غير متروك لتقدير المتهم ولا لاختياراته، إذ ما قد يراه المتهم في صالحه، قد لا يكون كذلك من وجهة نظر القانون، كما أن مسألة اختيار القانون الأصلح للمتهم مسألة موضوعية يستقل بتقديرها قاضي الحكم في ظل الظروف المحيطة بالقضية وشخصية الجاني[8]، إذ لهذه الأخيرة دور كبير في تحديد القانون الأصلح للمتهم، سيما في الحالات الغامضة التي أثارت الكثير من الجدل في الفقه حول تحديد صلاح القانون للمتهم، لذا وجدت الكثير من الأسس والضوابط الموضوعية المستندة أحيانا لبعض الظروف الشخصية، التي من شأنها تمكين القاضي من إجراء مقارنة قانونية بين القانونين وتحديد أيهما أصلح لحالة المتهم في ظل ظروفه التي ارتكب فيها الجريمة.

أ- الضوابط المعمول بها لتحديد القانون الأصلح للمتهم:

سبق وأن رأينا انه من خصائص القاعدة أو النص الجنائي أنه يتألف من شقين أساسيين، شق التجريم وشق الجزاء، وأن الأولوية للشق الأول على الثاني، كون الأخير ما هو إلا أثر مترتب عن اقتراف شق التجريم المتضمن النهي أو الأمر، وأن توقيع الجزاء تحصيل حاصل، لذا فمسألة تنازع القوانين من حيث الزمان، والبحث في أي منهما أصلح للمتهم، قد ينظر فيه لشق التجريم، كما قد ينظر فيه لشق الجزاء، ووفقا للقانون الأولوية دوما لشق التجريم على شق الجزاء، أي أولوية شق التجريم على شق الجزاء إعمالا للمادتين 27 و5 من قانون العقوبات الجزائري[9]، وتنازع القانونيين قد يكون من حيث شق التجريم وقد يكون من حيث شق العقاب، أي أن التعديل الذي مسه القانون الجديد قد يتعلق بأي منهما، وقد يكون متعلقا بكلا الشقين، لذا أوجد الفقه والقضاء معايير تساعد القاضي بخصوص الشق الأول – شق التجريم- وأخرى تعينه في المقارنة بخصوص شق الجزاء.

أ/1-الضوابط المستمدة من الأحكام الخاصة بالتجريم

تطبيقا للمادة 27 من تقنين العقوبات الجزائري، التي قسمت الجرائم إلى جنايات ثم جنح ثم مخالفات، وبالنظر للمادة 5 من ذات القانون التي بينت العقوبات الأصلية لكل من هذه الأنواع، فإن القاضي ملزم بإتباع الترتيب الوارد بهذه المواد، وبذلك يكون القانون الجديد أصلح للمتهم في الحالات التي نعطي عليها أمثلة في النقاط التالية، مع العلم أن المسألة تنأى عن الحصر، كون شق التجريم ترتبط به العديد من الأفكار المتعلقة بالإباحة والمسؤولية وموانعها والنظريات المعمول بها بخصوص الشروع والاشتراك والمساهمة، وما إلى غير ذلك من أفكار، غير أن أهم الحالات التي يمكن الحكم فيها على القانون أنه أصلح للمتهم نذكر:
- حالة إباحة القانون الجديد للفعل الذي كان مجرما بالقانون القديم، وهي من أهم الحالات التي يمكن فيها للمتهم الاستفادة من القانون الجديد حتى ولو كان صدر عليه حكم نهائي بات، أي دون انتظار تحقق الشرط الثاني لتطبيق قاعدة القانون الأصلح للمتهم.
- إضافة القانون الجديد للنص القديم سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسؤولية يستفيد منه المتهم في الظروف المحيطة بالجريمة، أو إضافة مانع من موانع العقاب – وإن كان هذا الشق يتعلق بالجزاء لا بشق التجريم-
- إضافة النص الجديد للجريمة ركنا لم يكن مشترط في النص القديم، ويستفيد من هذه الإضافة المتهم، أي تخلف في حقه الركن الجديد الذي اشترطه النص الجديد.
- إعادة تكييف الفعل من الوصف الأشد إلى الوصف الأخف، كأن كان الفعل جناية وأصبح جنحة، أو كان جنحة وأصبح مخالفة. وذلك بغض النظر عن مدة العقوبة.
- إلغاء فكرة العقاب على الشروع في الجريمة، إذ كان النص القديم يعاقب على الشروع في الجنحة وألغاه النص الجديد، وكان المتهم في وضع المتابعة لأجل الشروع في الجريمة وفقا للنص القديم.
هذا ونشير أن الحالات السابقة تعد من بين الحالات الأكثر ووضحا، ولا يعني سردها بأنها الوحيدة، فأمر القانون الأصلح للمتهم قد يتعلق بكافة أفكر القانون الجنائي، والإلمام بها يتعين التفرغ من دراسة القانون بأكمله .

أ/2 - الضوابط المستمدة من الأحكام الخاصة بالجزاء

وهي الحالات التي يكون فيها التعديل الوارد بالنص الجديد متعلقا بشق الجزاء، دون الشق المتعلق بالتجريم، وهي الحالات التي تنأى بدورها عن الحصر وتتعلق بكامل نظرية الجزاء الجنائي، غير أوضح الحالات التي درج الفقه على إعطاءها سنوضحها، غير أننا نؤكد بأن القاضي ملزم في تحديد القانون الأصلح للمتهم بنظرة المشرع العامة وترتيبه للجزاءات وأنواعها وقيمتها ومدتها، لا بما يراه المتهم انه أنسب وأصلح له، لذا فالترتيب الوارد بالمادة 5 من تقنين العقوبات الجزائري ملزم للقاضي وإن كان في الغالب لا يخدم مصلحة المتهم. ومن أهم ما درج الفقه على إعطاءه من حالات وأمثلة نذكر.
- حالات تخفيف النص الجديد للعقوبة، ويجب مراعاة التخفيف المتدرج المنصوص عليه في المادة 5 من قانون العقوبات الجزائري، حيث نجد الإعدام، المؤبد، السجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشرين سنة، الحبس من شهرين إلى خمس سنوات، الغرامة التي تتجاوز 20.000 دج، الحبس من يوم إلى شهرين، الغرامة من 2000 دج إلى 20.000 دج[10].
- في حالة اتحاد العقوبة في الجنس والنوع، فالقانون الأصلح هو الذي ينقص من المدة، كان كانت العقوبة في كلا القانونين السجن أو الحبس، فإن القانون الأصلح الذي ينقص من المدة، وإن كانت العقوبة الغرامة في كلا القانونيين، فإن القانون الأصلح هو الذي ينقص من مقدارها.
- كما يعد القانون الصلح للمتهم، القانون الذي ينقص من عدد العقوبات، كأن كانا عقوبتين فجعلهما واحدة،
أو كانت إجباريتين فأعطى الخيار للقاضي.
- إذا جاء القانون الجديد بوقف التنفيذ، أو أضاف مانع من موانع العقاب، أو عذر مخفف سواء كان قضائي أو قانوني.
- إلغاء القانون الجديد للعقوبات التبعية أو التكميلية بعدما كان القانون القديم يتضمنها.
- غير أنه هناك إشكال، يتمثل في كون العقوبات في غالبية التشريعات مبنية على نظام الحدين، حد أدنى وحد أقصى وللقاضي السلطة التقديرية في الحكم بينهما، أو حتى النزول عن الحد الأدنى إعمالا لظروف التخفيف ( المادة 53 من قانون العقوبات وما بعدها من مواد مكررة)، وهنا يكون أي قانون أنزل أحد الحدين سواء كان الأدنى أو الأقصى هو الأصلح للمتهم، وأي منهما رفع هذين الحدين هو الأسوأ، غير أن الإشكال يكمن في الحالة التي يعدل فيها الحدين، وهنا لا إشكال في الذي ينزل بهما معا، فهو دوما الأصلح، كما أنه لا إشكال بخصوص القانون الذي يصعد بهما معا فهو دوما الأسوأ، لكن الإشكال في الذي يرفع من أحدهما وينزل من الآخر، كالرفع من الحد الأدنى والنزول بالحد الأقصى، أو العكس، فهنا ثار جدل فقهي انتهى واستقر في نهاية المطاف أن القاضي ينظر فيه إلى حالة المتهم، فإن كانت ظروفه الشخصية تستحق التخفيف فالقانون الذي ينزل بالحد الأدنى أصلح له حتى وإن رفع من الحد الأقصى، وذلك لكونه جدير بالحد الأدنى، مهما زاد الحد الأقصى، وإن كانت ظروفه الشخصية تقود للتشديد كان يكون عائدا فالقانون الذي ينزل بالحد الأقصى هو الصلح له حتى وإن رفع من الحد الأدنى كونه جدير بالحد الأقصى.

كما يثور الإشكال حول القانون الذي يجمع بعض القواعد التي تعد في صالح المتهم، والبعض الآخر منها في ضد مصلحته، فهنا الحل يكمن في البحث عما إذا كان القانون قابل للتجزئة من عدمها، والقابلية للتجزئة تعني إمكانية تطبيق بعض قواعده في معزل عن الأخرى، على عكس القانون الذي يتضمن قواعد تعد كل واحد لا يقبل التجزئة، مثل القانون الذي يجعل العقوبة التكميلية التي كانت وجوبية وجعلها جوازية، مع رفعه لمدتها، فهنا يجب النظر لظروف القضية على حدا، فإن كانت ظروف الجاني تقتضي التخفيف اعتبر القانون الجديد أصلحا له بالرغم من كونه رفع من مدة العقوبة التكميلية كونه أجدر بتطبيق ظروف التخفيف، والعكس غير صحيح، لذا فمسألة تقدير القانون الأصلح للمتهم، في القوانين القابلة للتجزئة بناء على العلاقة المنطقية بين مختلف النصوص القانونية، والسياسة الجنائية، وفي ضوء اعتبارات شخصية ينظر فيها لشخصية الجاني، وليس بنظرة موضوعية مجردة، وبناء على ذلك يقدر القاضي القانون، ويمتنع عليه تطبيق القانون الشد بأثر رجعي، عكس القانون الأصلح.

وهناك إشكالية أكثر تعقيدا، تتمثل في تنازع ثلاثة قوانين، خاصة إذا ارتكبت جريمة في ظل قانون أشد، ثم صدر قبل الحكم النهائي قانون أقل شدة، وقبل صدور حكم نهائي في القضية صدر قانون ثالث أشد من سابقه وفي ظله سيحاكم المتهم، فأي قانون من بين هذه القوانين الثلاثة سيطبق؟، السائد فقها وقضاء، هو تطبيق القانون الثاني الذي يعد الأصلح للمتهم، خاصة وأن عدم صدور حكم على المتهم في ظل هذا القانون مرده تأخر الإجراءات والمحاكمة، وهي مسألة لا دخل للمتهم فيها، لذا لا يجب أن نحمله عبء تأخر الإجراءات وبطء المحاكم في إصدار الأحكام، إلا أنه بالرغم من وجاهة هذا الرأي ومنطقيته، إلا أن الفقه يرى الأخذ بوجهة النظر هذه بحذر وتحفظ، كون التنازع في الأصل يقوم بين قانونين لا أكثر، وهما القانون الذي حدثت في ظله الواقعة المتابع الشخص من أجلها، والقانون الساري وقت المحاكمة، لذا فليس للمتهم المطالبة بالقانون الثاني- الوسط- لأنه وضع المتهم في ظل سريان هذا القانون لم يتغير، حيث لم يرتكب في ظله الجريمة، كما أنه لا يحاكم في ظله.

كما أن إشكال بطء الإجراءات قد يتسبب في بعض الأوضاع غير المنطقية، حيث أن مسألة التنازع بين القوانين وقاعدة تطبيق القانون الأصلح للمتهم، تثير إشكال في الحالة التي ترتكب فيها جريمتين من نفس النوع، من شخصين، في حين يكون قد صدر على أحدهما حكم نهائي بات حائز لقوة الشيء المقضي فيه، وفي هذه الحالة ينتفي ركن هام من أركان تطبيق القانون الأصلح للمتهم، في حين تأخرت مع الآخر الإجراءات، ولم يصدر ضده حكم نهائي، وبالتالي صدر قانون جديد يعد أصلحا له، ففي هذه الحالة سيستفيد منه، مما يخلق وضعين قانونيين شاذين، حيث يسرى على واقعتين من نفس النوع حدثتا في ذات الوقت قانونيين مختلفين، مما يؤدي إلى الحكم على المتهمين بعقوبتين مختلفتين، إحداهما أشد من الأخرى،
أو أن يدان أحدهما ويبرأ الآخر، خاصة لو أن القانون الجديد قد أباح الفعل، وهنا يرى البعض أنه لا سبيل إلى إصلاح هذا الوضع، إلا عن طريق إجراء العفو، وهو إجراء في جوهره وطبيعته يختلف عن مسألة التخفيف من العقوبة أو إلغائها أو إباحة الفعل. لذا نجد بعض التشريعات تضمنت معالجة لهذه المسألة، وذلك بإعادة النظر في القضية ككل، مثل القانون الدنمركي في المادة الثالثة من تقنين عقوباته، والمادة 24 من قانون العقوبات الإسباني، والمادة 6 من قانون العقوبات البرتغالي، والمادة 2 من قانون العقوبات البولندي، وهو الاتجاه الذي تبناه المؤتمر الدولي للقانون الجنائي المنعقد في برلين سنة 1935.


.
2- ألا يكون قد صدر حكم نهائي بات في القضية

الشرط الثاني لتطبيق القانون الأصلح للمتهم، بعد توفر الشرط الأول المتمثل في تزاحم قانونين، هو ألا يكون قد صدر في القضية حكم نهائي بات، والحكم النهائي البات هو الحكم الذي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن، سواء العادية أو غير العادية، وهو أمر بديهي ومنطقي، حيث لا يجب أن يتم المساس بقرارات العدالة النهائية احتراما للأوضاع والمراكز القانونية التي خلقتها، واحتراما لمبدأ حجية الشيء المقضي به المعمول بها في القانون أي كان نوعه، وفي المجال الجنائي تجنبا لمحاكمة الشخص عن الفعل الواحد مرتين.

غير أن هذا الشرط، وكما سبقت الإشارة، لا يمس بالحالة التي يباح فيها فعل كان مجرما بموجب قانون قديم عدل أو ألغي، بالرغم من أن الموضوع قد أثار خلافا وجدلا فقهيا حادا، إلا أنه استقر في نهاية المطاف، على إفادة المتهم بالقانون الذي جاء بالإباحة، بحجة أنه لا فائدة من العقاب على فعل أصبح مباحا في نظر المجتمع، غير أن غالبية الدول العربية تضمنت قوانينها العقابية حلا قانونيا صريحا للمسألة، تبنت فيه الرأي السابق، ومن أمثلتها المادة 5/3 من تقنين العقوبات المصري، والمادة 2 من تقنين العقوبات اللبناني، والمادة 2 من تقنين العقوبات السوري، على عكس المشرع الجزائري الذي لم يضمن قانونه نصا خاصا بالمسألة أسوة بالمشرع الفرنسي.

ثانيا: الاستثناءات الواردة على قاعدة رجعية القانون الأصلح للمتهم

إن كانت قاعدة رجعية القوانين الأصلح للمتهم في المجال الجنائي، تمثل استثناء على قاعدة عدم رجعية القوانين، فهذا الاستثناء ترد عليه استثناءات – بمعنى العودة للقاعدة- وهي أنه لا رجعية للقوانين الإجرائية والمحددة المدة حتى ولو كانت أصلح للمتهم. كون القوانين الإجرائية قوانين تنظم مرفق العدالة ولا خيار للمتهم ولا فائدة له في التنظيم، والمسألة تخص الدولة لا الأفراد، والقوانين المحددة المدة التي يسنها المشرع لمواجهة ظروف وحالات مؤقتة تقتضي طبيعتها وظروفها ذلك، لا يمكن تقييدها باستثناء الرجعية كون ذلك يفقدها الهدف الذي لأجله سنها المشرع، وتكون سببا لتهرب الأفراد ومناورته لغاية انتهاء مدة القانون للاستفادة بفكرة القانون الأصلح للمتهم. وهو ما نوضحه في النقطتين التاليتين.

1- القوانين المؤقتة أو المحددة المدة(Les lois temporaires)

وهي القوانين التي يصدرها المشرع لمواجهة فترات استثنائية معينة أو أوضاعا محددة، وهي مستثناة من رجعية القانون الأصلح للمتهم، حتى ولو لم يكن قد صدر ضده حكم نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، والقول بخلاف ذلك يفقد هذه القوانين معناها والهدف الذي كان يتوخى منها. غير أن ما تجدر الإشارة إليه، هو أن القوانين المؤقتة تختلف عن القوانين الاستثنائية Les lois exceptionnellesأو القوانين الظرفية Lois de circonstances حيث أنها قوانين فعلا مؤقتة بطبيعتها، غير أنها سنت لمواجهة ظروف معينة دون أن تحدد مدة معينة للعمل بها، بل ذلك مرهون بالمدة التي يستغرقها الظرف الذي سنت لأجله، وهو الظرف الذي في العادة ما يكون سياسيا أو اقتصاديا، حيث لا ينتهي العمل بها إلا بصدور قانون يلغي العمل بها، على عكس القوانين المؤقتة التي تتضمن تاريخ سريانها، وهنا يرى الغالبية تطبيق قاعدة القانون الأصلح للمتهم، حيث لا يمكن اتهام الشخص بتحايله اتجاهها رغبة منه في كسب الوقت حتى إلغائها، كونه لا يعلم بتاريخ إلغائها، على عكس القوانين المؤقتة التي يعمل فيها المتهم ذكائه ويتحايل على القوانين حتى ينتهي العمل بها استفادة من قاعدة القانون الصلح للمتهم، لذا حرم منها في غالبية القوانين الجنائية.

2- القوانين الإجرائية:

تثار مسألة تنازع القوانين الإجرائية من حيث الزمان، وهي القوانين التي يحكمها مبدأ الأثر
أو السريان الفوري، غير أن المبدأ تعترضه بعض الصعوبات العملية في التطبيق، ويرى فقهاء القرن التاسع عشر أن كل إجراء يجب أن يكتمل في ظل القانون الذي شرع أثناء سريانه، وبالبعض يرى المقارنة بين القوانين الإجرائية وتطبيق الأصلح منها مثلما هو الشأن بالنسبة للقوانين الجنائية الموضوعية، غير أن غالبية الفقه يرى وجوب التطبيق الفوري للقوانين الإجرائية دون رجعية، ولا مجال لإعمال مبدأ القانون الأصلح للمتهم بخصوص هذا النوع من القوانين، كونها قوانين صدرت لأجل المصلحة العامة، ومن أجل مصلحة المتهم أيضا وبالتالي يفترض فيه انه أفضل من سابقه من حيث التنظيم القضائي وإظهار الحقيقة بكل جوانبها، وأن القوانين الإجرائية لا تعد حقا مكتسبا يطالب بالاحتفاظ بها، غير أن ذلك أثار جدلا فقهيا، وهو الجدل الذي لم يكن بسهولة وضع هذا الحل الذي تتفق عليه غالبية القوانين. لذا رأى البعض بأنه يجب أن يكون هناك معيار تبنى عليه مسألة التفرقة بخصوص التطبيق الفوري للقوانين الإجرائية، سيما الوقائع التي خضعت لحكم ابتدائي، حيث يرى البعض أن يكون هذا الحكم معيارا للتمييز، حيث يطبق القانون الجديد إن لم يكن قد صدر حكم ابتدائي في القضية، وإن كان قد صدر فيها حكما ابتدائيا فيجب اتباع الإجراءات في ظل القانون القديم تجنبا لكثرة المصروفات وحفاظا على الحقوق التي يكون قد اكتسبها المتهم من خلال هذا الحكم. كما أن طرق الطعن في الأحكام القضائية، يحكمها القانون الذي صدرت في ظله، كونه القانون الذي يكشف عن طبيعة هذا الحكم ونوعه ومدى قابليته للطعن من عدمه ونوعية هذا الطعن، ومواعيده، والأشخاص الذين يجوز لهم ذلك وأسباب بناء الطعن، حيث يظل الشخص خاضعا لطرق الطعن التي كان منصوصا عليها في القانون الذي صدر في ظله الحكم، حتى وإن كان القانون الجديد قد ألغاها.

كما أن نصوص التقادم تثير بعض الخصوصية بالنظر للطبيعة الخاصة لهذه النصوص، سواء تعلقت بتقادم الجريمة أو الدعوى أو العقوبة، كونها نصوص يمكن القول أنها ذات طبيعة موضوعية، وبذلك يمكن إخضاعها لقاعدة القانون الأصلح للمتهم، حيث القانون الذي يزيد من مدة التقادم يعد الأصلح أو الذي يرسي التقادم بعدما كان النص القديم لا يخضع الفعل للتقادم في أي جانب من جوانبه. وإن اعتبرت النصوص المتعلقة بالتقادم، من النصوص الإجرائية، فهنا يسري عليها ما سري على النصوص الإجرائية من حيث قاعدة الأثر الفوري لها، أم هناك حل خاص يجب اعتماده نظرا للطبيعة الخاصة المتعلقة بالتقادم؟.في الواقع حدث نقاش فقهي حاد بخصوص هذه المسألة، ولم يتفق الفقه إلا على نقطة واحدة، وهي أن القانون الجديد لا يطبق على تقادم اكتملت مدته وفتح باب التقادم من جديد،كون ذلك يتعارض ومبدأ عدم الرجعية، بينما بخصوص التقادم الذي لم يكتمل، اعتبره القضاء الفرنسي من القوانين الموضوعية التي تخضع للقانون الأصلح للمتهم، غير أنه سرعانما تراجع القضاء وجعله من القوانين الإجرائية التي تخضع للتنفيذ الفوري دون رجعية[11].غير أن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد، بل ظهرت أفكار فقهية أخرى، تصب في غالبها في اتجاه جعل هذه القوانين المتعلقة بالتقادم تخضع لما تخضع له سائر القوانين الإجرائية.

ثالثا: مسألة تحديد تاريخ ارتكاب الجريمة

مسألة تنازع القوانين من حيث الزمن، واختيار الأصلح منهما للتطبيق على المتهم، تقتضي تحديد تاريخ ارتكاب الجريمة ووقته، حيث معرفة تاريخ وقوعها وما إن كان في ظل سريان القانون القديم
أو سريان القانون الجديد من شأنه أن يحسم كل خلاف، خاصة إن كنا نعلم أن بعض الجرائم ترتكب في وقت قصير من الزمن، والبعض الآخر تتراخى عبر الوقت، حيث يستغرق الركن المادي للجريمة في هذا النوع وقتا من الزمن، قد يطول وقد يقصر، بحيث قد ترتكب بعض الأفعال في ظل القانون القديم، وبعضها الآخر في ظل القانون الجديد، فهنا يثور تساؤل حول أي القانونيين يطبق؟ ومن الطبيعي القول بأن القانون الواجب التطبيق، هو القانون الذي حدث في ظله الركن المادي للجريمة، وبالتالي وقت وقوع هذا الركن هو المحدد للقانون الواجب التطبيق، حيث يكون القانون الساري المفعول وقت وقوعه، لكن الإشكال أن السلوك قد يقع في ظل قانون وتحدث النتيجة في ظل قانون آخر جديد، فهل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار زمن اقتراف الفعل أو زمن تحقق النتيجة؟. هنا ظهرت ثلاثة آراء فقهية، الأول يرى أن العبرة بتاريخ اقتراف السلوك الإجرامي، وبالتالي القانون الواجب التطبيق هو القانون الساري وقت إتيان السلوك، والبعض الثاني يرى أن العبرة بتحقق النتيجة، وبالتالي القانون الواجب التطبيق هو القانون الساري المفعول وقت تحقق هذه النتيجة، والرأي الثالث يأخذ بالاتجاهين السابقين معا، حيث يجب أن نقارن ما بين القانونيين أيهما أصلح للمتهم ويطبق، ونرى أنه الرأي الأصوب كون الجريمة اكتمال وتحقق في ضوء القانونيين، ونكون بصدد تنازع نبحث فيه عن القانون الصلح للمتهم. غير أن البعض، يرى الأخذ بالرأي الأول لأن الجريمة في نظره يكتمل ارتكابها عند اقتراف السلوك المادي، ولا عبرة بالنتائج، فالفعال يسأل عنه بغض النظر عن حدوث النتيجة خاصة في الجرائم العمدية.

وبخصوص الجرائم المستمرة التي لا يرتكب فيها الفعل المادي دفعة واحدة بل يأخذ وقت من الزمن فيه قد يعدل القانون أو يصدر قانون آخر يثير مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان، والاستمرار قد يكون متتابع كانتحال الألقاب أو الصفات، وهنا لإرادة الجاني دور في حالة الاستمرار، وهناك جرائم مستمرة دائمة كجريمة تزييف النقود، أو تقليد الأختام، وفيها الآثار وحدها المستمرة وليس الركن المادي الذي حدث دفعة واحدة، ويعامل هذا النوع من الجرائم معاملة الجرائم الوقتية. أما النوع الأول المتمثل في الجرائم المستمرة المتتابعة، حيث تختلف عن سابقتها، إذ فيها الفعل المادي لا يرتكب دفعة واحدة، وإنما يرتكب باستمرار حيث كل لحظة تمر تعد الجريمة مرتكبة فيها برمتها، حيث في هذه الحالة يكفي أن تستمر الجريمة ولو للحظة واحدة بعد صدور القانون الجديد ليطبق حتى ولو كان اشد بالنسبة للمتهم، وهناك إشكال آخر بخصوص هذه الحالة، يتمثل في حالة اشتراط القانون لفترة من الزمن كعنصر أساسي في السلوك، مثل الإهمال العائلي والامتناع عن دفع النفقة المقررة قضاء، حيث يشترط الإهمال أو الامتناع أن يتم لفترة من الزمن، قدرها المشرع في هاتين الجريمتين بشهرين، فالرأي الراجح فيها أن يطبق القانون الجديد في الحالة التي تتم فيها المدة هذه في ظله، حيث يشترط أن تمر فترة الشهرين في ظل القانون الجديد حتى تعد الجريمة مرتكبة في ظله.

وفي جرائم الاعتياد، التي تفترض تكرار الفعل الواحد أكثر من مرة، فما حكم الفعل إذا ارتكب عدد من المرات في ظل القانون القديم، ومرة واحدة في ظل القانون الجديد، ففي رأي الفقه لا يأخذ بعين الاعتبار إلا حالات التكرار التي ارتكبت في ظل القانون الجديد، واعتبار الحالات الواقعة قبل صدوره كأن لم تكن ولا تأخذ بعين الاعتبار في تكوين حالة التكرار أو الاعتياد. وإن كانت أحكام القضاء تظهر عكس ذلك، حيث يرى القضاء أن القانون في مثل هذه الجريمة يعاقب على حالة الخطورة الكامنة لدى الجاني، وأن الفعل الأخير في الحقيقة هو الذي يبين هذه الخطورة الإجرامية، وبالتالي يمكن اعتبار أن الفعل الأخير هو الذي كون حالة الاعتياد وبالتالي هو الذي كشف عن الخطورة الإجرامية لدى الجاني التي تستحق العقوبة.

وفي حالة العود، غالبية الفقه يرى أن الحكم الصادر في ظل القانون القديم لا يعد سابقة كوننا نرتب آثار قانونية عن قانون لم يعد معمولا به، كما تثار مسألة وقت ارتكاب الجريمة بخصوص حالة تعدد الجرائم، سواء كان تعدد صوري أو تعدد حقيقي، الذي سمى أيضا بالتتابع الإجرامي أو الجرائم المتتابعة، كالسرقة على عدة دفعات...

.
المطلب الثالث
نطاق تطبيق النص الجنائي من حيث المكان
تنازع القوانين الجنائية من حيث المكان

إن كانت فكرة تنازع القوانين الجنائية من حيث الزمان تخص قانونيين صادرين من نفس المشرع، داخل البلد الواحد، فإن تنازع القوانين الجنائية من حيث المكان تتعلق بقوانين مختلفة لدول مختلفة، فالجريمة كمشروع يمكن أن يمتد تنفيذه لأكثر من إقليم واحد، وتسهر على ذلك عصابات إجرامية من جنسيات مختلفة، وقد تمس الجريمة الواحدة بمصالح العديد من الدول، لذا كان يتعين تحديد نطاق تطبيق القانون الجنائي للدولة، باعتباره قانون يجسد سيادتها، وهي السيادة التي تتجسد أولا على إقليم الدولة ومواطنيها، وفي بعض الأحيان تتبع هؤلاء إلى خارج هذا الإقليم، وفي أحيان أخرى فكرة الإقليم ذاتها في القانون الجنائي ذات مدلول مختلف عما تعارف عليه الناس وفقا للقانون الدستوري والقانون الدولي.

لهذه الأسباب – ولأسباب كثيرة أخرى متعددة- فإن مسألة تحديد نطاق السريان المكاني للنص الجنائي، تتحدد باختصار بتطبيق أربعة مبادئ أساسية تأخذ بها غالبية التشريعات الجنائية المعاصرة، وإن كان بعضها ليس بصفة صريحة مثل مبدأ العالمية- من بين هذه المبادئ ما هو أصلي تنعقد له الأولوية على سائر المبادئ الأخرى، كمبدأ الإقليمية، ومنها ما هو احتياطي كمبدأ الشخصية والعينية اللذان لا يعدان من المبادئ التي تكمل مبدأ الإقليمية وتسد النقائص التي يواجهها تطبيق هذا الأخير، ومنها ما يجسد فكرة التعاون الدولي، وتدويل مواجهة ظاهرة الإجرام، مثلما هو الشأن بالنسبة لمبدأ العالمية. لذا وعلى عكس البعض، الذي يرى أن مبدأ الإقليمية القاعدة ويفرده بنقطة، ويشمل باقي المبادئ في نقطة أخرى باعتبارها استثناءات له، فإننا سنحاول أن نبين كل مبدأ من هذه المبادئ في نقطة مستقلة، باعتبارها تتكامل فيما بينها بما يضمن مكافحة الجريمة ومتابعة مرتكبيها وضبطهم ومحاكمتهم على نحو فعال. غير أننا سنتناول مبدأ الإقليمية في فرع مستقل، لنتناول في فرع آخر المبادئ الأخرى المكملة له، والتي يسميها البعض مبادئ احتياطية، وسبق لنا نحن، أن قلنا انها مبادئ تتعاون وتتكامل فيما بينها.

الفرع الأول
المبـــدأ الأصلي( مبدأ إقليمية النص الجنائي)

يعني مبدأ إقليمية تطبيق النص الجنائي، أن قانون العقوبات يسري على كل الجرائم أيا كان نوعها التي ترتكب على إقليم الجمهورية، وأيا كانت جنسية مرتكبها أو المرتكبة عليه[12]، وطنيا أو أجنبيا، ولهذا المبدأ بعض المبررات التاريخية التي جعلت منه من أقدم المبادئ – وإن كان البعض يرى أن الأقدم هو مبدأ الشخصية وذلك صحيح في نظرنا- كما ينطوي على العديد من المبررات السيادية المتعلقة بسيادة الدولة على إقليمها، بالإضافة لما له من فوائد عملية في إثبات الجرائم ومتابعة مرتكبيها ومحاكمتهم محاكمة فعالة تحقق أفكار الردع العام والخاص، كل ذلك انعكس على طريق تطبيق هذا المبدأ، حيث تمت معاملة بعض الأوضاع أو بالأحرى بعض المركبات معاملة الإقليم، بالرغم من اختلافها التام عنه، مثلما هو الشأن بالنسبة للطائرات والسفن، كما أنه وبالرغم من أولية وأصالة وسيادة مبدأ الإقليمية، إلا أنه ترد عليه بعض الاستثناءات التي تمليها القوانين والأعراف الدولية، سواء كانت سياسية أو دبلوماسية أو قنصلية، وبعض الأحكام الدستورية الأخرى، مما جعل من بعض الجرائم المرتكبة على الإقليم الوطني غير خاضعة للقانون الوطني، وهو ما اصطلح في معالجته باستثناءات مبدأ الإقليمية، وهي المسائل التي نوضحها في النقاط التالية.

أولا: معنى ومبررات مبدأ الإقليمية

يقصد بمبدأ إقليمية النص الجنائي، تطبيق التشريع الوطني الجنائي على كافة الجرائم المرتكبة على إقليم الدولة الجزائرية، بصرف النظر عن جنسية مرتكبها أو المرتكبة عليه، وبغض النظر عن المصلحة
أو الحق المعتدى عليه، سواء كانت مصلحة أو حق وطني أو أجنبي، لذا يرى البعض أنه للمبدأ شقين
أو وجهين، أحدها سلبي ويتمثل في انحسار تطبيق القانون الوطني خارج الإقليم، والآخر إيجابي يتمثل في تطبيق القانون الجنائي الوطني على إقليم الدولة دون مزاحمة من أي تشريع أجنبي آخر. وقد تضمنت المادة 3 من تقنين العقوبات الجزائري النص على مبدأ إقليمية النص الجنائي، بنصها على:" يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية.كما يطبق على الجرائم التي ترتكب في الخارج إذا كانت تدخل في اختصاص المحاكم الجزائية الجزائرية طبقا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية"[13].

أما المبررات التي جعلت من غالبية التشريعات الجنائية تأخذ بمبدأ إقليمية النص الجنائي، فإننا نذكر أهمها في النقاط التالية[14]:
1- يعد مبدأ إقليمية تطبيق النص الجنائي، مظهر من مظاهر ممارسة الدولة لسيادتها على إقليمها، وبالتالي تطبيق قانونها على كل ما يقع عليه من أفعال رأت تجريمها، أيا كان مرتكبها أو المرتكبة عليه، وأيا كانت المصلحة المتعدى عليها وطنية أو أجنبية.
2- مبدأ إقليمية النص الجنائي يقود إلى تطبيق قانون مكان ارتكاب الجريمة، ويقضي باختصاص المحاكم الجنائية بنظر الدعوى، وهو أنسب مكان لمحاكمة المتهم، حيث فيه تتوفر أدلة الإثبات، وبه غالبا ما يوجد المتهم.
3- محاكمة المتهم في المكان الذي ارتكب فيه جريمته، وتوقيع الجزاء عليه في هذا المكان، يرسخ فكرة الردع العام الذي يسعى لتحقيقه الجزاء الجنائي.
4- كما أنه من مصلحة المتهم تطبيق قانون البلد الذي ارتكب فيه جريمته، لافتراض علمه بهذا القانون، مما يحقق أغراض مبدأ الشرعية الجنائية ويحقق العدالة من خلال عدم مفاجئة المتهم بقوانين يجهلها.

لذا فالقانون الجنائي الجزائري يطبق على كافة إقليم الجمهورية الجزائرية، وفقا لما هو متعارف عليه في أحكام القانون الدولي العام[15]، ووفقا لنص المادة 12 من دستور 1996 المعدل والمتمم التي بينت معنى الإقليم، وإن كان القانون الجنائي يعطي له مدلولا آخرا، حيث نصت هذه المادة على أنه:" تمارس سيادة الدولة – ونلاحظ أن المادة عبرت عن الموضوع بالسيادة ولا تتعلق فقط بالقانون الجنائي- على مجالها البري ومجالها الجوي، وعلى مياهها، كما تمارس الدولة حقها السيد الذي يقره القانون الدولي على كل منطقة من مختلف مناطق المجال البحري التي ترجع إليها.". وزيادة على ما ذكر بالهامش أدناه حول الإقليم، فيمكن أن نضيف أن قوانين العقوبات لا تهتم ببيان نطاق إقليم الدولة، بل تفرض سلفا أن هذه الفكرة معروفة ومحددة بواسطة القانون الدولي، والإقليم في العادة يشمل الإقليم البري الذي تحدده الاتفاقيات الدولية، ويشمل المياه التي تحت جوف الأرض والأنهار والقنوات التي تمر به سواء كانت أنهارا وطنية أو دولية، وأما الإقليم البحري فبينته اتفاقية سنة 1958 المتعلقة بالبحر الإقليمي التي بينت في مادتها الأولى على أن سيادة الدولة تمتد خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية إلى حزام من البحر ملاصق لشواطئها يسمى البحر الإقليمي، وبخصوص الإقليم الجوي وقعت اتفاقية باريس سنة 1919 مبينة أنه لكل دولة سيادة كاملة وانفرادية على طبقات الهواء التي تعلو إقليمها البري وبحرها الإقليمي وحتى مستعمراتها – كون الاتفاقية وقعت وقت الحركات الاستعمارية- وأكدت على ذلك من جديد اتفاقية شيكاغو سنة 1944 التي اعتبرت مادتها الأولى الهواء عنصرا تابعا لإقليم الدولة، غير أنه مبدأ اهتز أمام التطور العلمي مما أدى إلى التفكير في تحديد الإقليم الهوائي بارتفاع محدد، لذا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19-12-1966 في دورتها 21 القرار رقم 3222 بالموافقة على مشروع اتفاقية تنظم استعمال واستغلال الدول للطبقات العليا في الجو بما فيها القمر والكواكب الأخرى، ونصت هذه الاتفاقية في مادتها 11 على أن طبقات الجو العليا تخرج عن سيادة كل دولة، غير أنها اتفاقية لم تحدد المسافة التي تكون بين الفضاء الجوي وطبقات الجو العليا.

ثانيا: تحديد مكان وقوع الجريمة

من المتفق عليه قانونا أن مكان وقوع الجريمة يتحدد بالمكان الذي يقع فيه ركنها المادي سواء اجتمعت أركانه الثلاثة وهنا لا إشكال، لكن من المتصور أن تتوزع هذه العناصر على أكثر من إقليم واحد فهنا يثار الإشكال حول تحديد أي منها يكون مكانا لوقوع الجريمة، هنا السائد أن قوانين كل الدول التي توزعت عليها الجريمة يكون مختصا بنظر الجريمة، وهو الوضع أيضا في الجرائم المستمرة حيث يكون قانون كل إقليم قامت فيه حالة الاستمرار مختصا بنظر الجريمة، غير أن جرائم الامتناع تعد مرتكبة في الإقليم الذي حصل فيه الامتناع وكان من الواجب أن يقوم فيه الجاني بما هو مطلوب منه قانونا، كما أنه يعد إقليم ارتكبت فيه الجريمة الإقليم الذي حدثت فيه النتيجة الإجرامية- أو لآثار المباشرة للفعل - حيث أنه إذا أرسل شخص صندوق متفجرات لشخص آخر فتحه فانفجرت عليه وسافر لبلد آخر للعلاج وتوفي هناك يكون مختصا بلد العلاج أيضا بالإضافة للبلدين الآخرين. الأول هو بلد السلوك والثالث بلد النتيجة والثاني بلد علاقة السببية[16]. لكن لا عبرة بالنتائج الحاصلة بعد حدوث النتيجة وإن كانت تشكل جريمة مستقلة فيتحدد الاختصاص بمكان وقوع هذه الجريمة، مثل إخفاء متحصلات السرقة أو إخفاء الجثة التي يعتد بها قانونا ولا الأعمال التحضيرية غير المعاقب عليها.

غير أن الإشكال يكمن في حالة الشروع في الجريمة، وهنا يرى بعض الفقه أن الاختصاص ينعقد للدولة التي شرع في التنفيذ فيها وكذا للدولة التي كان من المفترض حصول النتيجة فيها، في حين يرى جانب آخر من الفقه، منتقدا الرأي الأول أنه لا يجب أن ينعقد الاختصاص لقانون الدولة التي كان يفترض حدوث النتيجة بها، وهو رأي نؤيده كثيرا خاصة وإن كنا نرى أن المجني عليه قد لا يكون عالما أصلا بأنه كان عرضة لجريمة شرع في ارتكابها عليه، كما أنه يثور الإشكال بخصوص المساهمة الجنائية، والتي على نحو ما سنرى تنقسم إلى مساهمة جنائية أصلية ومساهمة جنائية تبعية، ففي الأولى يكون كل الجناة فاعلين أصليين، وهو ما لا يثير أي إشكال حسب البعض إذا ما وقعت الجريمة على إقليم الدولة، لكننا نرى أنه في حالة التحريض قد نكون بصدد مساهمة جنائية أصلية حيث يعد الفاعل الأصلي كل من المحرض والمنفذ، وبالتالي إن كان التحريض في بلد والتنفيذ في بلد آخر فإننا نرى اختصاص قانون كل من البلدين ونفس الشيء بالنسبة للفاعل المعنوي. غير أنه في حالة المساهمة الجنائية التبعية، أين نكون بصدد فعل أصلي وآخر فعل الاشتراك، ونرى أن غالبية القوانين تتبع عمل الشريك بعمل الفاعل الأصلي حيث يرى أنه إذا وقع الفعل الأصلي أو جزء منه في إقليم دولة ما فإن قانونها يمتد للتطبيق على فعل الاشتراك، وأن قانون الدولة التي وقع فيها فقط فعل الاشتراك لا ينطبق تماما، ونؤيد هذا الرأي كون أفعال الاشتراك لا عقاب عليها في حد ذاتها كونها أفعال مباحة تنجذب إلى دائرة التجريم بالنظر لفعل الفاعل الأصلي.

ثالثا: الامتداد الحكمي لفكرة الإقليم

سبق القول، أن المشرع الجزائري، عامل السفن والطائرات معاملة خاصة، في الحالات التي ترتكب عليها جرائم، وعالجهما ضمن إطار مبدأ الإقليمية – وإن كان ذلك في قانون الإجراءات الجزائية- وذلك ضمن المادتين 590 و591، مبينا اختصاص القانون الجزائري بخصوص الجرائم التي ترتكب على متن السفن والطائرات، وحالات وشروط ذلك، مفرقا بين تلك الجزائرية والأجنبية – سواء بخصوص الطائرات أو السفن- أخذا ببعض الحدود التي يمكن تبريرها أحيانا، وأخرى يعجز الشخص عن تفسيرها بعد مقارنة المادتين معا بما تتضمنه من أحوال.

1- بالنسبة للسفــن:

نصت المادة 590 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري على أنه: " تختص الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجنايات والجنح التي ترتكب في عرض البحر على بواخر تحمل الراية الجزائرية آيا كانت جنسية مرتكبيها. وكذلك الشأن بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب في ميناء بحرية جزائرية على ظهر باخرة تجارية أجنبية."، من هذه المادة، يتضح بأن المشرع الجزائري، فرق ما بين السفن الوطنية والسفن الأجنبية، وبخصوص الأخيرة فرق بين السفن الأجنبية الحربية والسفن الأجنبية المدنية، واستعمل عبارة السفن التجارية التي نرى ووجوب استبدالها بالمدنية.

أ- بالنسبة للسفن الجزائرية:
متى كانت السفينة جزائرية، فإن قانون العقوبات الجزائري يكون مختصا في حال توفر الشروط التالية مجتمعة[17]، وأن تخلف شرط من هذه الشروط يقود لعدم تطبيقه، وهي:
1- أن تكون السفينة تحمل الراية الجزائرية.
2- أن تكون الجريمة جناية أو جنحة، وبالتالي تستبعد المخالفات.
3- أن يكون مكان ارتكاب هذه الجناية أو الجنحة والباخرة في أعالي البحار، كون هذه المنطقة غير خاضعة لأية سلطة، لأنه لو ارتكبت الجناية أو الجنحة في المياه الإقليمية أو موانئ الجزائر، فاختصاص للقانون الجزائري يكون بموجب المادة 3 من قانون العقوبات، لا بموجب المادة 590 من قانون الإجراءات الجزائية، وإن ارتكبت في مياه إقليمية أجنبية يكون الاختصاص لقانون هذه الدولة تطبيقا لمبدأ إقليميتها.
4- لا عبرة بجنسية الجاني أو المجني عليه، ولا بالمصلحة أو الحق الذي مست به الجناية أو الجنحة.

ب- بالنسبة للسفن الأجنبية:

استعمل المشرع الجزائري بخصوص السفن الأجنبية مصطلح " السفن التجارية" تمييزا لها عن السفن الحربية، هذه الأخيرة التي تعامل معاملة خاصة، وكان عليه أن يستعمل مصطلح " السفن المدنية" كون التجارية قد يفهم منه سفن البضائع دون سفن الأشخاص أو السفن السياحية... وحتى يكون القانون الجزائري مختصا بنظر الجرائم المرتكبة على السفن الأجنبية ما عدا الحربية منها، يجب أن تتوفر الشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الماد 590 من قانون الإجراءات الجزائية، وهي:
1 – حسب المادة 590 أن تكون السفينة الأجنبية تجارية، أي ليست حربية – وهو المغزى من الشرط- والسفينة الأجنبية هي التي تحمل جنسية أو راية دولة أخرى.
2- أن يكون الفعل يشكل جناية أو جنحة، وبالتالي تستبعد المخالفات.
3- أنه لا عبرة بجنسية الجاني أو المجني عليه، ولا بالمصلحة التي تم الاعتداء عليها، كون المادة لم تشترط ذلك.
4- أن يكون مكان تواجد السفينة الأجنبية ميناء بحرية جزائرية، وهو ما يفهم منه أن تكون راسية، ونحن نتساءل عن عدم النص على المياه الإقليمية الوطنية باعتبارها من اختصاص قانوننا، على الأقل مثلما نزع المشرع اختصاصنا لما تكون بواخرنا في المياه الإقليمية لدول أخرى، فينزع اختصاص قانون هذه الدول لما تكون بواخرها في مياهنا الإقليمية....غير أن الأمر يمكن مواجهته بالمادة 3 التي تشكل القاعدة العامة متى كانت الباخرة الأجنبية بالمياه الإقليمية الوطنية.

2- بالنسبة للطائرات:
مثلما فعل المشرع الجزائري بالنسبة للسفن، فإنه فعل بالنسبة للطائرات، حيث يتعلق الأمر بالطائرات المدنية دون الحربية، وفرق فيها بين الطائرات الجزائرية والطائرات الأجنبية، وكل منها يجب أن تستجمع جملة من الشروط حتى يكون القانون الجزائري مختصا، وذلك ما بينته المادة 591 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، التي نصت على أنه: " تختص الجهات القضائية الجزائرية بنظر الجنايات والجنح التي ترتكب على متن طائرات جزائرية أيا كانت جنسية مرتكب الجريمة. كما أنها تختص أيضا بنظر الجنايات
أو الجنح التي ترتكب على متن طائرات أجنبية إذا كان الجاني آو المجني عليه جزائري الجنسية أو إذا هبطت الطائرة بالجزائر بعد وقوع الجناية أو الجنحة. وتختص بنظرها المحاكم التي وقع بدائرتها هبوط الطائرة في حالة القبض على الجاني وقت هبوطها أو مكان القبض على الجاني في حالة ما إذا كان مرتكب الجريمة قد قبض عليه في الجزائر فيما بعد."

أ- بالنسبة للطائرات الجزائرية:
حتى يكون القانون الجزائري مختصا بالتطبيق على الطائرات الجزائرية يجب أن تتوفر الشروط التالية:
1- أن تكون الطائرة جزائرية، أي حاملة للراية الجزائرية،
2- أن يكون الفعل المرتكب يشكل جناية أو جنحة، وبالتالي لا عبرة بالمخالفات.
3- لا عبرة بجنسية الجاني، وبالضرورة إذن لا عبرة بجنسية المجني عليه، ولا بمكان ارتكاب الجريمة، فالقانون الجزائري يتبع طائراتنا أينما حلت حتى في قلب عواصم الدول الأخرى، على عكس ما فعله المشرع بخصوص البواخر.

ب- بالنسبة للطائرات الأجنبية:
يكون قانون العقوبات مختص بالتطبيق على الجرائم المرتكبة على الطائرات المدنية الأجنبية، إذا توفرت الشروط التالية مجتمعة:
1- أن تكون الطائرة أجنبية أي حاملة لجنسية دولة أخرى.
2- أن يكون الفعل بالضرورة يشكل جناية أو جنحة وتستبعد المخالفات.
3- أن يكون الجاني أو المجني عليه جزائريا، أو هبوط الطائرة بالجزائر بعد ارتكاب الجريمة حتى وإن لم يكن الجاني أو المجني عليه جزائريا[18].
وتكون المحكمة التي يتواجد بنطاق اختصاصها مكان هبوط الطائرة بالمحاكمة، أو مكان القبض عليه إن تم القبض عليه لاحقا.

ثالثا: الاستثناءات الواردة على مبدأ الإقليمية:

بالرغم من أن مبدأ إقليمية النص الجنائي يقتضي أن تخضع كل الجرائم المرتكبة على إقليم الجمهورية الجزائرية للقانون الجنائي الجزائري، أيا كانت جنسية الجاني أو المجني عليه، وبغض النظر عن المصلحة أو الحق المعتدى عليه، غير أنه إعمالا لبعض الأحكام الدستورية والأعراف الدبلوماسية وبعض قواعد القانون الدولي العام، وما تتضمنه من أعراف واتفاقيات دولية، فإنه ترد بعض الاستثناءات على مبدأ إقليمية النص الجنائي، التي تستبعد الجرائم التي يرتكبها بعض الأشخاص من الخضوع لقانون العقوبات الجزائري[19]، إذ ارتكبها مثل هؤلاء الأشخاص أثناء أو بمناسبة تأدية مهامهم، ومن بين هؤلاء الأشخاص نذكر:

1- رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الجزائريين:

تستثني غالبية القوانين الجنائية، بما فيها قانون العقوبات الجزائري جرائم رئيس الجمهورية التي يرتكبها أثناء ممارسته لمهامه الرئاسية أو بمناسبتها، وذلك طبقا للأعراف الدستورية، ولا يمكن محاكمته عنها إلا بعد زوال صفة الرئاسة عنه، غير أن ما تجدر الإشارة إليه أن الدستور الجزائري لسنة 1996 المعدل والمتمم، تضمن حكما لم تكن تعرفه الدساتير السابقة، وهو الحكم الذي جاءت به المادة 158 منه: التي نصت على أنه:" تؤسس محكمة عليا للدولة تختص بمحاكمة رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى، ورئيس الحكومة عن الجنايات والجنح التي يرتكبانها بمناسبة تأدية مهامهما..."[20].
وقضت هذه المادة أن كيفية تشكيل المحكمة وعملها وسيرها وتنظيمها، سيبين عن طريق الأحكام التنظيمية، غير أنه ولحد الساعة لم يصدر أي نص يبين ذلك. مما يجعلها من النص مجرد نص نظري.

2- أعضاء المجالس النيابية العليا:
( البرلمان ومجلس الأمة في الجزائر[21])

ونقصد بالمجالس النيابة العليا، تمييزا لها عن المجالس الشعبية الإقليمية أو المحلية، مثل المجالس الشعبية الولائية والمجالس الشعبية البلدية، ونجد كل الدول تقرر الحصانة لأعضاء السلطة التشريعية[22]، ولا يعني ذلك نزع الصفة التجريمية عن الفعل المعاقب عليه الذي يرتكبونه، وإنما متابعتهم لا تتم إلا بإتباع إجراءات دستورية خاصة، وهو ما بينته المواد 109، 110، 111 من دستور 1996 المعدل والمتمم، حيث تضمنت المادة 109 مبدأ الحصانة البرلمانية، بنصها :" الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب ولأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم ومهمتهم البرلمانية، لا يمكن أن يتابعوا أو يوقفوا، وعلى العموم لا يمكن أن ترفع عليهم أية دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليهم أي ضغط، بسبب ما عبروا عنه من آراء وما تلفظوا به من كلام أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامهم البرلمانية."[23]. وهنا فعلا استثناء بخصوص نوع محدد من الجرائم. كونها مادة أرست فكرة الحصانة البرلمانية المعترف بها لنواب السلطة التشريعية، خاصة المتعلقة بمهامهم الرئيسية وهي مناقشة القوانين والتصويت عليها، غير أن المادة 110 من دستور 1996 المعدل والمتمم ركزت على فكرة المتابعة الجزائية عن الجنايات والجنح، وفكرة التنازل عن الحصانة البرلمانية،
أو رفعها، بينما بنت المادة 111 حالة تلبس النائب بارتكاب جناية أو جنحة.

فقضت المادة 110 بأنه :" لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب – المقصود نواب الغرفة السفلى-
أو عضو مجلس الأمة بسبب جناية أو جنحة إلا بتنازل صريح منه أو بإذن حسب الحالة من المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة الذي يقرر رفع الحصانة عنه بأغلبية أعضائه."، وبالتالي يمكن للنائب سواء كان نائبا في الغرفة السفلى، أو عضو من أعضاء مجلس الأمة في حال اتهامه بارتكاب جناية أو جنحة، أن يتنازل صراحة عن حصانته البرلمانية، والمقصود بعبارة " صراحة" أنه تنازل مكتوب تضمنه النيابة العامة ملف القضية، أو برفع الحصانة عليه من قبل أغلبية باقي الأعضاء، وفي هذه الحالة تجوز متابعته كأي شخص من الأشخاص، غير أن ما تجدر الإشارة إليه، أن المادة 110 لم تبين الموقف من الحالة التي يرتكب فيها عضو البرلمان أو عضو مجلس الأمة لمخالفة، فهل عدم ذكر هذا النوع من الجرائم يعني عدم المسائلة عنها أصلا، أم تجوز فيها المتابعة دون الإجراءات السابقة. في حين بينت المادة 111 حالة تلبس عضو البرلمان
أو عضو مجلس الأمة بارتكاب جناية أو جنحة[24]، حيث قضت أنه :" في حالة تلبس أحد النواب أو أحد أعضاء مجلس الأمة بجنحة أو جناية يمكن توقيفه ويخطر بذلك مكتب المجلس الشعبي الوطني أو مكتب مجلس الأمة حسب الحالة فورا. يمكن المكتب المخطر أن يطلب إيقاف المتابعة وإطلاق سراح النائب أو عضو المجلس الأمة على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادة 110 أعلاه.".

3- رؤساء الدول الأجنبية:
تستثنى وفقا للعرف الدولي الجرائم التي يرتكبها رؤساء الدول الأجنبية أو ملوكها أو أمراءها في أقاليم الدول الأجنبية. وذلك على اعتبار رؤساء الدول الأجنبية يمثلون دولا ذات سيادة وقد جرى العرف الدولي على عدم إخضاعهم لسيادة دولة أجنبية أخرى يتواجدون على إقليمها، ويمتد الاستثناء إلى الجرائم التي يرتكبونها بمناسبة ممارسة مهامهم أو بممارسة حياتهم الشخصية، كما تمتد الحصانة لتشمل حسب البعض كل أفراد أسرتهم وحاشيتهم، وسبق لنا القول بأن قانون العقوبات تعبير عن سيادة الدولة وبالتالي نرى أنه في حال إخضاع رئيس دولة لقانون عقوبات دولة أخرى يكون قد تم إخضاعه لسيادة هذه الدولة. ورئيس الدولة يقصد به حاكم الدولة وفقا للنظام السياسي الذي يسودها، فقد يكون ملكا أو أميرا أو سلطانا أو رئيس جمهورية أو عضو مع غيره في مجلس رئاسي يدير الدولة أو قائد ثورة أو حركة تحرر معترف بها
أو زعيما روحيا لدولة ذات نظام حكم ديني، وهي الحصانة التي تمتد حتى أعضاء الوفد المرافق له وأفراد عائلته[25]. ولا عبرة في كون زيارته رسمية أو خاصة أو حتى ولو كانت تحت اسم مستعار إذ يكفي في الحالة الأخيرة أن يكشف عن شخصيته في حال محاولة توقيفه[26].

4- رجال السلك السياسي الأجنبي:
رؤساء الحكومات والوزراء وكتاب الدولة ورجال المنظمات الدولية يتمتعون بحصانة قضائية مستمدة من المعاهدات الدولية والقوانين الأساسية للمنظمات التي يتبعونها تعفيهم من كل مسائلة جنائية عن الجرائم التي يرتكبونها في الدول التي يقيمون فيها في مهام رسمية.

5- رجال السلك الدبلوماسي والقنصلي:
وهم لا يسألون أيضا عن الجرائم التي يرتكبونها في الدول التي يمثلون فيها دولهم. طبقا لاتفاقية فيينا المؤرخة في 24-04-1963 المتعلقة بالعلاقات القنصلية، والتي تمنح حصانة للموظفين القنصليين وموظفي الهيئات الدولية بالنسبة للجرائم التي تتعلق بقيامهم بوظائفهم أو بسببها، وأما الجرائم التي ترتكب خارج إطار الوظيفة تعقد الاختصاص لقانون البلد الذي يتواجدون به. وفي تبرير الحصانة قيل أن الممثل السياسي ووظيفته شيء واحد، حيث يتلاشى الشخص في وظيفته، فإذا عاقبناه فنحن نعاقب من خلاله الدولة التي يمثلها، وبالتالي نمس بسيادتها، ومن الحصانة السابقة قررت أيضا حصانة مباني السفارات والقنصليات، لكن ذلك لا يعني أنها ملاذ للمجرمين حيث ارتكاب جريمة داخل السفارة أو خارجها والفرار إليها، لا يمنع من تسليم الشخص لسلطات البلد، حتى ولو كان من رعايا الدولة التي تمثلها السفارة أو القنصلية ولا يعني ذلك تسليم رعايا الدولة، حيث لا تعد هذه المباني خارج الإقليم. وبخصوص الحصانة يجب القول أنه يحق للسلطات المحلية عندما يرتكب الممثل السياسي جريمة من الجرائم القيام بطرده باعتباره شخصا لم يعد مرغوبا فيه في البلد، كما يحق لبلده الأصلي معاقبته على جرائمه التي ارتكبها في بلد عمله، وبذلك لا يكون في معزل عن العقاب بأي حال من الأحوال، كما أن الحصانة شخصية وتتعلق بشق العقاب لا شق التجريم، بمعنى عدم العقاب لتوفر الحصانة لا يعني أن الفعل مباح، أو الصفة تعد سبب من أسباب الإباحة، وإنما هي مانع من موانع العقاب في مثل هذه الحالات، لذا فالأشخاص المساهمين مع صاحب الحصانة يمكن متابعتهم وعقباهم متى كنوا لا يتمتعون بالحصانة، سواء كانوا من المواطنين أو من الأجانب تطبيقا لمبدأ الإقليمية، كما أن حق الدفاع المشروع مقرر للمعتدى عليهم حتى ضد أصحاب الحصانة. كما أنه هناك اتفاقية فيينا لسنة 1961 وتشمل أعضاء السلك الدبلوماسي والبعثات السياسية الخاصة وممثلو المنظمات الدولية أو الإقليمية بصرف النظر عن درجاتهم وألقابهم ويستوي أن تتعلق الجرائم بممارسة مهامهم أو بمناسبة متابعة شؤون حياتهم الخاصة ، أما فيما يخص الخدم فتقتصر الحصانة على ما يصدر منهم من جرائم بمناسبة ممارستهم لمهامهم شريطة ألا يكونوا من رعايا الدولة التي توجد بها مقر البعثة أو المنظمة أو السفارة[27].

6- رجال القوات الأجنبية المرابطة في التراب الوطني:
ويستمدون حصانتهم بخصوص عدم متابعتهم عن الجرائم التي يرتكبونها في الدول التي يرابطون فيها. وهي مقررة للقوات الموجودة بأرض الدولة بترخيص منها، مثل قوات الطوارئ الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أو قوات وطنية لدولة أخرى، وهي الحصانة التي يتمتع بها أفراد هذه القوات بمناسبة ما يقع منهم من جرائم بمناسبة تأديتهم لمهامهم، أو داخل المناطق المخصصة لهم.
وعلى العموم، الحصانة أو الإعفاء من المتابعة الجزائية وفقا للقانون الجزائري لا يغني عن إخطار الجهات الرسمية التي يتبعها الشخص مرتكب الجريمة والمتمتع بالحصانة الدبلوماسية، التي في العادة ما تتابعهم تأديبيا وقد يتجاوز الأمر لحد تعويض ضحاياهم مدنيا، وتبقى كل معاهدة أو قانون أساسي للمنظمة، وكذا الأعراف الدبلوماسية أو مبدأ المعاملة بالمثل تحدد طرق وكيفيات ذلك.

الفرع الثاني
المبادئ المكملة لمبدأ الإقليمية

على عكس العصور السابقة، أضحت الحدود تشكل محاسن للعصابات الإجرامية وليست عوائق، خاصة مع تقدم المواصلات وتحول العالم على قرية صغيرة، وتدويل الجريمة، فأصبحت الحدود عائقا بالنسبة للسلطات في بحثها وتعقبها للمجرمين، وازدياد حركات الهجرة التي تصعب من عمليات التكيف مع قوانين الدول التي يستقر بها هؤلاء المهاجرين، كما أنهم انفصلوا عن جذورهم ولا يستطيعون التكيف مع الحياة الجديدة بسهولة، ولا يستطيعون التكيف مع مجتمع جديد وحياة جديدة وعادات وتقاليد جديدة زيادة على حواجز اللغة والثقافة وحتى الدين، فانفصالهم عن حياة اعتادوا عليها وعايشوها يحدث لهم نوع من الصراع بين القيم القديمة والقيم الجديدة المستحدثة فتضعف مقاومتهم شيئا فشيئا، كما أنه للحربين العالميتين والحروب الإقليمية الأخرى دور كبير في بروز ظاهرة العنف والإرهاب الذي لم يعد مقتصرا فقط على الأفراد والمنظمات، بل شملت حتى الدول، وهي كلها مسائل لفتت الانتباه إلى ضرورة توسع دائرة القانون الجنائي لمحاربة هذا النوع من الإجرام، وهو ما جعل مبدأ الإقليمية وحده غير كاف لمواجهة الظاهرة الإجرامية، وكان لزاما عليه الاستعانة ببعض المبادئ الأخرى المكملة، والتي نتناولها في النقاط التالية.

أولا: مبدأ الشخصية الجنائية

مبدأ الشخصية الجنائية أسبق في الظهور من مبدأ الإقليمية، حيث كان يعد الأصل فيما مضى، كون النص الجنائي كان يتبع رعايا الدولة أسينما حلوا، سيما في ظل فكرة الإقليم لم تكن قد تجسدت بعد بالشكل المعروف اليوم، لكن مع ظهور الدولة وارتكاز سيادتها على فكرة الحدود الإقليمية، انحصر نطاق تطبيق مبدأ الشخصية الجنائية فاسحا المجال أمام مبدأ الإقليمية ليصبح المبدأ الرئيسي الحاكم لسريان النص الجنائي. ويعرف مبدأ الشخصية الجنائية بأنه تطبيق النص الجنائي على كل جاني يحمل جنسية الدولة أينما حل وأينما وجد، وأيا كان الإقليم الذي ارتكب عليه جنايته، وبعبارة أكثر اختصارا، هو وجوب تطبيق القانون الجنائي لكل دولة على الحاملين لجنسيتها أينما حلوا[28]. ونص المشرع الجزائري على مبدأ الشخصية الجنائية في المادتين 582 و583 من قانون الإجراءات الجزائية، مفرقا بين الفعل الذي يرتكبه الجزائري بالخارج وما إن كان جناية أو جنحة، وهو الأمر الذي يقودنا لتناول المبدأ من خلال نقطتين تبعا للتمييز السابق.

.
1- الجنايات ومبدأ الشخصية الجنائية

وهو شق من مبدأ الشخصية الجنائي الذي يركز على الرعية التي ترتكب فعلا يوصف بالجناية في الخارج، وقد تضمنه المادة 582 من قانون الإجراءات الجزائري[29]، التي أوردت جملة من الشروط إذا ما توفرت مجتمعة طبق على هذا الجاني القانون الجزائري بالرغم من أنه ارتكب جنايته بالخارج، وهذه الشروط هي:
- أن يكون الفعل الذي ارتكبه الشخص في الخارج يوصف بأنه جناية وفقا للقانون الجزائري، ويتضح من النص أنه لا عبرة للتكييف المعطى له من قبل تشريع القطر الذي وقعت عليه، سواء كان جناية أو جنحة،
أو فعل مباح أصلا وهو أمر ننتقده بشدة[30].
- أن يكون الجاني يحمل الجنسية الجزائرية، أو أن يكون قد اكتسبها بعد ارتكابه الجريمة[31].
- أن يكون ارتكاب الجناية قد تم خارج الإقليم الجزائري، لأنه لو كانت عليه لطبق مبدأ الإقليمية وفقا للمادة 3 من قانون العقوبات.
- أن يعود هذا الجاني الجزائري إلى أرض الوطن سواء جبرا أو طواعية، لأنه وفقا لهذه المادة لا يمكن أن يحاكم غيابيا.
- ألا يكون الجاني قد حوكم في الخارج عن هذه الجناية، وألا يكون قد قضى عقوبتها في حال كان قد حوكم عنها، أو سقطت عنه هذه العقوبة بالتقادم أو حصل على عفو عنها في دولة ارتكابها.

2- الجنح ومبدأ الشخصية الجنائية

وهو مبدأ يخص الجزائري الذي يرتكب خارج الإقليم الجزائري فعلا يوصف بأنه جنحة سواء في نظر القانون الجزائري أو في نظر القطر الذي ارتكبت فيه، فهنا يكون خاضعا للقانون الجزائري بشروط يجب أن تتوفر جملة واحدة، وهي شروط بينتها المادة 583 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري[32]، وهــي:
- أن يكون الفعل الذي اقترفه الجزائري يوصف بأنه جنحة، سواء في القانون الجزائري أو في القانون الأجنبي المطبق على الإقليم الذي ارتكبت فيه[33].
- أن ترتكب هذه الجنحة في الخارج.
- أن يكون مرتكبها جزائريا وقت اقترافها أو اكتـــسب الجنسية الجزائرية بعد ذلك وفقا للمادة 584 من ق إ ج ج .
- أن يعود الجاني للجزائر أو يسلم غليها، حيث لا يجوز محاكمته غيابيا.
- ألا يكون قد حكم عليه في الخارج أو قضى عقوبته أو تقادمت أو حصل على عفو عنها.
- وزيادة على ذلك، إن كانت الجنحة ضد الأفراد، يجب تقديم شكوى من الشخص المضرور أو بلاغ من سلطات القطر الذي ارتكبت فيه الجنحة حتى يمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية.

وفي حالتي مبدأ الشخصية تجري المتابعة بناء على طلب النيابة العامة لمحل إقامة الجاني بالجرزائر أو محل القبض عليه، وذلك ما تضمنته المادة 587 من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أنه : " تجري المتابعة بناء على طلب النيابة العامة لمحل إقامة المتهم أو مكان آخر محل إقامة معروف له أو مكان القبض عليه."
ثالثا: مبدأ العينية ( مبدأ الذاتية)

وهو المبدأ المكمل الثاني لمبدأ الإقليمية بعد مبدأ الشخصية، وسمي بمبدأ العينية أو الذاتية لأنه يمس بمصالح الدولة ذاتها أو بعينها لا بمصالح أفرادها، سواء كانوا جناة أو مجني عليهم، وأنه يطبق خصيصا على الأجانب دون حاملي جنسية الدولة، لأنه هؤلاء يخضعون لمبدأ الشخصية، وعموما، نقصد بهذا المبدأ تطبيق القانون الوطني الجزائري على كافة الجرائم المرتكبة بالخارج – لا بأرض الوطن، لأنه في هذه الحالة الخيرة نطبق مبدأ الإقليمية- والتي تمس بالمصالح الأساسية للدولة المرتبطة بسيادتها واقتصادها والثقة المولاة في نقودها، وأن الضحية في هذا النوع من الجرائم هي الدولة ذاتها، وبهذا المبدأ تكون تمارس نوعا من الدفاع الشرعي عن مصالحها، كما يعد – المبدأ- تعبيرا عن بسط الدولة لسلطانها التشريعي على كل الجرائم التي تمس بهيبتها ومصالحها، ولكن في الحالات التي لا تلقى فيها هذه الجرائم اهتمام من سلطات القطر الذي ارتكبت فيه. وهو الأمر الذي دفع بالمشرع الجزائري على غرار غالبية التشريعات الجنائية المعاصرة للنص على هذا المبدأ في المادة 588 من قانون الإجراءات الجزائية[34]، وهو النص الذي لا يطبق إلا إذا توفرت الشروط التالية مجتمعة:
1- أن يكون الجاني أجنبيا، لأنه لو كان جزائريا لطبق مبدأ الشخصية سواء بموجب المادة 582 إذا كان الفعل يشكل جناية، أو المادة 583 إذا كان الفعل يشكل جنحة.
2- أن ترتكب الجريمة في الخارج، لأنه لو ارتكبت في الوطن فيطبق مبدأ الإقليمية.
3- على أن توصف الجريمة على أنه جناية أو جنحة.
4- أن تكون هذه الجريمة ماسة بالسلامة الوطنية[35]، أو أن تكون تزييفا للنقود أو الأوراق المصرفية المتداولة في الجزائر وقت ارتكاب الجريمة[36].
5- أن تحصل الجزائر على تسليمه لها أو أن يلقى القبض عليه في الجزائر. إذ لا يجب أن يحاكم غيابيا.

ثالثا: مبدأ العالمية Universalité de la répression

ويقصد بهذا المبدأ- بالرغم من عدم النص عليه صراحة في القانون الجزائري- سريان القانون الجنائي الوطني على كافة الجرائم ذات الطابع العالمي أو الدولي متى ضبط الجاني أو ألقي عليه القبض في الجزائر، حيث لا يمكن محاكمته غيابيا، أيا كانت جنسية هذا الشخص، على ألا يكون جزائريا، لأنه في هذه الحالة يطبق مبدأ الشخصية، وأيا كانت جنسية المجني عليه، وأيا كان مكان ارتكاب الجريمة، بشرط ألا يكون الجزائر لأنه في هذه الحالة يطبق القانون الجزائري على أساس مبدأ الإقليمية لا مبدأ العالمية، وبشرط ألا تطلب دولة أخرى تسليمه لها باعتباره من رعاياها أو أن الجريمة مست بها بمبدأ من المبادئ السابقة، حيث في هذه الحالة تصبح الأولى بمحاكمته. ويبرر هذا المبدأ رغبة الدول في التعاون من أجل مكافحة نوع معين من الجرائم التي تهم المجتمع الدولي[37]، والتي تشكل عدوانا على مصلحة مشتركة بين الدول، كجرائم القرصنة والاتجار في الرقيق أو في المخدرات... وقد تجسد من خلال اتفاقيات قد تلزم الدول المنضمة لها أن تدرج المبدأ في قانونها الداخلي مثلما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 المتعلقة بجرائم الحرب وغيرها من الانتهاكات الواردة بهذه الاتفاقية










 

الكلمات الدلالية (Tags)
ملخصات, لمسابقة, مزرعة, مفيدة, الدفع, القضاء


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:38

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc