أخطاء في مفهوم الزواج - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتدى الأسرة و المجتمع > أرشيف منتديات الاسرة و المجتمع

أرشيف منتديات الاسرة و المجتمع هنا توضع المواضيع القديمة والمفيدة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

أخطاء في مفهوم الزواج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-10-15, 17:13   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي أخطاء في مفهوم الزواج

أخطاء في مفهوم الزواج

مقدمة :


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن للزواج في الإسلام مكانةً عليا، وبركاتٍ متنوعةً، وأسراراً بديعة، وحكماً متعددة.
وكثير من الناس لا تخطر بباله تلك المعاني، ولا يعنيه شيء من أمر تلك الرابطة العظيمة.
ولهذا فقد الزواج أهميته عندهم، وقلَّت عوائده وفوائده المَرْجُوَّة لديهم.
والحديث في هذه الرسالة سيكون حول بعض مظاهر التقصير والخطأ في مفهوم الزواج.
وسيتناول_ على وجه الخصوص_ ما يكون من تلك المظاهر قبل الزواج، وذلك كالإعراض عن الزواج، وتأخيره بلا مسوغ، وقلة استشعار حكمه وأسراره.
كما سيتناول الحديثُ بعضَ ما يقع من أخطاء في الخطبة، مع تعريجٍ على المغالاة في المهور، والإسراف في الولائم، وتقصير أهالي الزوجين في إحسان التعامل مع الأزواج والزوجات، إلى غير ذلك مما سيرد ذكره في ثنايا هذه الرسالة.
أما الحياة الزوجية، وما يقع فيها من مشكلات، وأخطاء، وتقصير من الزوجين_ فسيكون في الرسائل الأخرى_ إن شاء الله_ تعالى_.
فإلى تلك الأخطاء وعلاجها، والله المستعان، وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الزلفي 29/8/1418هـ




1_ الإعراض عن الزواج:
الزواج مشروع في دين الإسلام، وأقل درجات المشروعية الإباحة.
بل إن المتأمل في أدلة الشرع يجدها لا تدل على الإباحة فحسب، بل تدل على الاستحباب أو الوجوب.
وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن النكاح فرض عين يأثم تاركه مع القدرة عليه، قال بذلك أهل الظاهر( ).
والذي نص عليه ابن حزم أنه واجب على الرجال دون النساء( ).
ونقل الكاساني عن بعض الحنفية أنه فرض كفاية كالجهاد وصلاة الجنازة، ونقل عن آخرين أنه واجب.
والقائلون بالوجوب من الحنفية منهم من عَدَّه واجباً كفائياً كرد السلام، ومنهم من جعله واجباً عينياً عملاً لا اعتقاداً على طريق التعيين كصدقة الفطر، والأضحية( ).
والقول بوجوبه رواية عن أحمد، وهو قول بعض الحنابلة( ).
وذهب بعض شافعية العراق إلى القول بأنه فرض كفاية يقاتل أهل البلد الذين يمتنعون منه( ).
وقد استدل القائلون بالفرضية، أو الوجوب العيني أو الكفائي بالنصوص الآمرة بالنكاح كقوله_تعالى_:[فانكحوا ما طاب لكم من النساء](النساء:3).
وقوله: [وأنكحوا الأيامى منكم](النور:32).
وقوله"=يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء+( ).
فالأمر عندهم للوجوب، ولم يأتِ صارف يصرفه عن الوجوب، وقد تأكد الوجوب من إخبار الرسول"أن النكاح من سنته، ومن إنكاره_ عليه الصلاة والسلام_ على من ترك النكاح وعزم على التبتل( ).
وذهب جمهور أهل ا لعلم إلى استحباب النكاح للتائق إليه الذي لا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا؛ فإن كان توقانه شديداً بحيث يخشى على نفسه الوقوع في الزنا وجب عليه الزواج متى قدر على تكاليفه( ).
هذه نبذة يسيرة من أقوال أهل العم في الزواج، ومع ذلك فإن هناك نفوساً لم تسلم فطرتها، أو عميت عن حكمة خالقها؛ حيث أعرضت عن الزواج دونما مسوغ.
ولقد أصبح انحراف الشباب عن الزواج في كثير من بلدان الإسلام في ازدياد، مما ينذر سوء المنقلب، وما بعد هذا المنقلب إلا الانقراض، والقضاء على روح العفاف؛ فغير مقبول أن نقف أمام هذا الخطر الداهم صامتين، وحقيق علينا أن نبحث عن العلل التي أصبحت بها قلة الزواج ظاهرة ظهور المرئي بالعين الباصرة، وعلينا بعد البحث عن هذه العلل أن ننظر في طريق معالجتها؛ لعلنا نقطعها من منبتها، وننقذ فتياننا وفتياتنا، ونحفظ أمتنا، ونطهر أوطاننا من خبائث لا تظهر إلا من الإعراض عن الزواج.
وإذا بحثنا عما يصح أن يكون سبباً لهذه الأزمة الاجتماعية وجدناه يرجع إلى علل مختلفة منها )
أ_ الجهل بأضرار الإعراض عن الزواج: سواء على مستوى الأمة أو الأفراد؛ فالإعراض عن الزواج يضعف الأمة، ويهددها بالقضاء والانقراض، ويُمكِّن لأعدائها من السيطرة عليها.
والإعراض كذلك ينتج فوضى خلقية مدمرة؛ لأن الزواج تصريف للغريزة في حدود الشريعة، والإعراض قد ينتهي بصاحبه إلى الزنا، والزنا من الموبقات التي تهلك الأمة، وتقضي على مقوماتها، وبسببه تضيع الأنساب، وتتزلزل القيم.
والإعراض عن الزواج يجعل صاحبه يعيش ممزقاً مشتتاً، محروماً من نعمة الولد.
وبالزواج يلتئم الشعث، وتسكن النفس، ويطمئن القلب، ويحصل الولد، ويعمر البيت، وتتم به نعمة الله على الزوجين.
والإعراض عن الزواج حرمان من الأجر؛ ذلك أن الزواج سنة جليلة من سنن المرسلين، وبصلاح النية وحسن المقصد من النكاح يضاعف الأجر للناكح الذي يريد العفاف والإعفاف، ويطلب الذرية الصالحة.
والإعراض سبب لذلة الشخص، وكونه يعيش معدوداً من سِقْط المتاع، كأنه همل مضاع أو لَقَىً مزدرى.
ب_ تبرج الفتيات: فمن الفتيات من تبرجت تَبَرُّجَ مَنْ استولى عليهن الهوى، ونضب من وجوهن ماء الحياء.
وهذا المظهر الذي ظهر به بعض الفتيات قد جعل بعض الشباب يحجم عن الزواج؛ مخافة أن ينساق إلى قرينة تستخف بجانب الصيانة كما تستخف به هؤلاء السافرات المتهتكات.
وليس هذا الخوف بحق؛ فإن البيوت المحتفظة بالحشمة، الآخذة بأدب الصيانة غير قليلة، يهتدي إليها كل من يبتغي الحياة الطاهرة، ولا سيما فتى لا يعنيه من الفتاة إلا أن يرتاح قلبه إذا نظر إليها، ويأمن على عرضه إذا غاب عنها.
وإذا أردنا معالجة هذا التبرج الذي أوجس من الشباب خيفة_ فإن تبعة ذلك تعود إلى أولياء هؤلاء المتبرجات؛ إذ لم يأخذوا في تربيتهن بالحزم، ولا في الرقابة عليهن باليقظة؛ فمن طرق مكافحة الإعراض عن الزواج مقاومة هذا السفور القاضي على كرامة فتياتنا، وإرشادهن إلى أن الصيانة خير من الابتذال، والحياء أجمل من الصفاقة، وأي صفاقة أكثر من تقلب الفتاة وجهها في وجوه الرجال؟.
جـ _ رقة الدين، وضعف العقيدة:فإن الإيمان بما يناله الفاسق من الخزي والشقاء يُقِرُّ النفس على العفاف، ويقطع تطلعها إلى ما ليس بحلال، فلا يبقى له إلا الاستمتاع بالزواج المباح.
أما رقيق الدين مزلزل العقيدة فلا يجد في نفسه حرجاً من أن يطلق لشهواته العنان، ويتقلب في بيوت الدعارة.
وذلك ما يصرف قصده عن الزواج وهو يستطيعه.
وإذا أردنا أن نعالج هذه العلة فإن أكبر جانب من تبعة ضعف العقيدة يقع على المتولين لتربية النشء؛ حيث لم يعملوا لتلقينهم العقائد الصحيحة تلقيناً يجعلها راسخة رسوخ الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ فعلاج هذه العلة أن نسعى لأن يكون ناشئنا على تربية دينية صحيحة؛ فالدين هو الذي يزكي النفوس، فلا ترى القبيح حسناً، ولا الخبيث طيباً.
د_ السفر إلى البلاد التي يشيع فيها الفجور: فهذا مما يزهد الشباب في بنات جنسه، بل وفي الزواج جملة، لأنهم يرونه قيداً لحريتهم البهيمية.
هـ _ الإعلام: بقنواته الفضائية، ومسلسلاته الهابطة التي تهزأ بالقيم، وتزري بالفضيلة؛ فهي مما يزهد بالزواج، ويغري بالرذيلة، خصوصاً في نفوس لا تفهم من الزواج إلا قضاء الوطر، وإشباع الغريزة.
و_ قلة الثقة بالنفس: فبعض الناس مهزوم النفس، محطم الوجدان، لا يثق بنفسه، ولا يرى أن أحداً يثق به أو يقدره، فتراه كلما هم بالإقدام على الزواج تَثَبَّط، وتكاسل؛ خشية أن يُرَدَّ؛ فما هي إلا أن يألف الإعراض ويعتاده.
ز_ تطلع بعض الشباب إلى الاقتران بذات الثروة: وسيأتي الحديث عن ذلك_ إن شاء الله_.
ح_ الفقر وغلاء المهور: فقد يقعد بالمرء عن الزواج، وسيأتي مزيد بيان لذلك فيما بعد.
هذه بعض أسباب الإعراض عن الزواج؛ فمن يبلغ شبابنا هذه الحقائق ليعلموا أن إعراضهم عن الزواج قتل لفضيلة العفاف، وحرمان للأوطان من نسب طيب، وإطفاء لمصابيح الحياة الاجتماعية الراقية.
ولا تراهم بعد أن يعلموا هذه الحقائق_ وهم عشاق الفضيلة، والغيورون على المصالح العامة، والعاملون لحياة الأمة ورقيها_ إلا أن يطهروا نفوسهم من محاكاة الإباحيين في الإعراض عن الزواج، وهم يستطيعونه فيكونوا_ بتوفيق الله_ أياديَ بانية لا هادمة، ومُصلحة لا مُفسدة.
2_ تأخير الزواج بلا سبب:
وهذا قريب من الإعراض عن الزواج؛ إذ يشترك معه في كثير من أضراره وأسبابه.
فمن الناس من يرغب في الزواج، ولكنه يؤخره بلا مسوغ لذلك.
وهذا خطأ له أضراره المتعددة؛ فبسببه تتعطل الشواب عن الزواج إلى سن متأخرة، فيضيع على الجنسين ربيع العمر، ونسماته، وبهجته، وقُوَّته.
ويضيع على الأمة نبات ذلك الربيع، وثمره الخصب، ثم يضيع بسببه أخلاق، وأعراض، وأموال.
وإذا زادت هذه الفاشية، واستحكم هذا التقليد فإن الأمة تتلاشى في عشرات السنين( ).
ومما يترتب على تأخير الزواج من مفاسد أن الإنسان ربما أصيب بمرض عضال قد لا يستطيع معه أن يتزوج، فمن يقبل به؟ ومن يقوم على رعايته؟ خصوصاً إذا كان والداه كبيرين، أو يكونان قد فارقا الحياة وليس عنده من يقوم به.
كما أن المنية قد تفاجئ هذا الذي أخَّر الزواج، فيموت دون أن يكون له ذرية تدعو له، وتترحم عليه، وتحيي ذكره بعد موته.
فعلى من تهيأت له أسباب الزواج أن يبادر إليه؛ حتى لا تفوته ثمراته الطيبة.
3_ تأخير زواج البنات بلا مسوغ شرعي:
فمن الأولياء من يؤخر زواج موليته بلا مسوغ شرعي، فتراه يرد الخاطب الكفؤ، ويؤخر زواج موليته؛ إما لكونها وحيدته فلا يرغب في فراقها، أو لرغبته في خدمتها له، أو لأنها موظفة ويرغب في مالها، أو لأنه ينتظر خاطباً غنياً يتقدم لموليته إلى غير ذلك من الأسباب.
وهذا خطأ وتفريط وتقصير؛ فهو حرمان للفتاة من حقها في الزواج، وهو حرمان من زوج تأنس به ويأنس بها، ويحميها من عنت العنوسة، وإرهاق الوحدة ووحشتها، ويريحها من ألم الحسرة ومرارتها.
ثم أن الفتاة أرق شعوراً، وأشد غيرة؛ فكيف تكون حالها إذا هي رأت أترابها من بنات عمها أو بنات خالها أو صديقاتها وهن يحملن الأطفال، ويسعدن بالأزواج؟
إنها تحترق كمداً وغماً وحسرة؛ فتبعة التأخير يتحملها الولي؛ فالأصل أن يزوج موليته متى ما تقدم لها الخاطب الصالح.
أما تأخير الزواج، ورد الخاطب الصالح بلا مسوغ شرعي_ فشذوذ، وخروج عن الأصل الشرعي والعرفي، وهو تمكين الفتاة من الزواج( ).
وكما لا يجوز للولي إجبار موليته على الزواج فكذلك لا يجوز لها عَضْلها.
والعَضْلُ هو مَنْعُ الوليِّ موليتَّه من الزواج، وفي ذلك يقول رب العزة_ جل جلاله_: [وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن] (البقرة:232).
فغذا ارتضت المرأة رجلاً وكان كفواً فليس لوليها منعها من التزويج به؛ فإنَّ منْعَها من التزويج في هذه الحالة يعد من فعل أهل الجاهلية.
وإذا عضل الولي موليته فإن الولاية تنتقل عنه إلى غيره، وقد ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه إلى أن الولاية تنتقل في حالة العضل إلى الحاكم.
وذهب أبو حنيفة في المشهور عنه إلى أنها تنتقل إلى الأبعد بشرط أن يكون كفواً.
فإن امتنع الأولياء جميعاً عن تزويجها وعضلوها فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم قولاً واحداً( ).
في أيها الولي الناصح لموليته! خف الله، وتذكر وقوفك بين يديه، وارحم موليتك، وتذكر بانك لست بباقٍ ولا مخلد، والأنثى لا تستغني عن رجل يحوطها برعايته أباً كان، أو أخاً، أو عماً، أو خالاً.
فإذا انْتَقَلْتَ عن هذه الدنيا، ولم تكن ابنتك دخلت عش الزوجية السعيد_ فمعنى ذلك أنها ستكون عالةً على أخيها أو أحد أقاربها، وقد تبتلى بزوجة لا تخاف الله سواء كانت زوجة أخيها أو غيره ممن يعولها، فيتحول البيت إلى جحيم لا يطاق، وكم في حنايا البيوت من منكوبات كتب عليهن البقاء عوانس في بيوت آبائهن في أول الأمر، تحوطهن رعاية الأب الرؤوف، وعاطفة الأم الحنون الرؤوم، وعندما فقدن آبائهن وأمهاتن أصبحن يعشن بائسات محرومات( ).
4_ قلة الاستشعار لحِكَم الزواج:
فكثير من الناس لا يستشعر حكم الزواج وثمراته المتعددة؛ فلو سئل الواحد منهم عن الدوافع التي قادته إلى الزواج لأجاب إجابة تنم عن قلة استشعار لتلك الحكم.
فنهم من يتزوج للمتعة فحسب، ومنهم من يتزوج إرضاء لوالديه اللذين ألحَّا عليه، ومنهم من يتزوج حتى لا يقف حجر عثرة أمام إخوانه اللذين يصغرونه، ومنهم من يتزوج تحيماً للمصلحة المالية، ومنهم من يتزوج لكي يسلم من عيب الناس ولمزهم، ومنهم من يتزوج رغبة باللحاق بركب المتزوجين، ومنهم من يتزوج ليظفر بزوجة تغسل ثيابه، وتعد طعامه فحسب، ومنهم من يتزوج رغبة في حصول الولد دونما اهتمام بتربيته، إلى غير ذلك من الدوافع المبتورة.
لهذا ينبغي استشعار الحكم المترتبة على الزواج سواء من قِبَل الوالدين، أو من قبل من يريد الزواج، أو من قبل الذين يتحدثون في هذا الباب؛ فذلك أدعى للإقبال على الزواج، ومعرفة قدره، والمحافظة على عش الزوجية؛ فحِكَم الزواج كثيرة يحسن استحضارها واستشعارها، فمن تلك الحكم ما يلي )
أ_ أنه إجابة لأمر الله ورسوله": قال_ تعالى:_[وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم](النور:32).
وقال: [فانكحوا ما طاب لكم من النساء](النساء:3).
وقال النبي"=يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج+( )
ب_ حصول الأجر والثواب: قال النبي_ عليه الصلاة والسلام_: =وفي بضع أحدكم صدقة+( ).
ولقد قرر كثير من أهل العلم أن الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادات؛ لما يشتمل عليه النكاح من المصالح الكثيرة( ).
جـ _ حصول العفاف: فإذا نظرت إلى هناك فضيلة يقال لها العفاف_ فالزواج من أعظم ما يعين على التحلي بها؛ فالزواج وسيلة ون وسائل الفضائل، وكثيراً ما تأخذ الوسائل أحكام المقاصد في نظر الشارع، وعرف الناس.
د_ بقاء النسل، والمحافظة على النوع الإنساني: فإذا نظرت إلى أن حكمة الله قد اقتضت بقاء النسل لإقامة الشرائع، وعمران الكون، وإصلاح الأرض، وان النسل الصالح لا يبقى غلا بالزواج_ رأيت كيف كان الزواج وسيلة إلى تحقيق أمور عظيمة أحب اله أن تكون، وحبب الناس للقيام عليها.
هـ _ كفاية المرأة: فإذا نظرت إلى النساء وما فطرن عليه من الضعف وقلة إطاقة الأعمال الشاقة_ شَهِدْتَ فيهن العجز عن أن يهيئن لأنفسهن مرافق الحياة، ويعشن في شيء من الراحة.
والزواج يصل ضعفهن بقوة، ويسوق إليهن جانباً كبيراً من الهناءة.
ولو قصد الرجل بالزواج كفاية المرأة ما يعنيها من مطالب الحياة_ لَقَصَدَ لِعَمل يكسبه شكوراً، وتزداد به صحيفة حياته نوراً.
و_ حصول السكن والمودة والرحمة: أوليس الزواج يكسب الرجل رفيقة تخلص له ودها، وتشمل منزله برعايتها؟
ومثل هذه الرفيقة التي تحمل حبه الطاهر، وتعمل لتدبير منزله من غير مِنَّةٍ ولا تباطؤ_ لا تتمثل إلا فيمن تربطه بها صلة الزواج.
قال_تعالى_: [ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون] (الروم:21).
ز_ حصول القرابة والمودة بين الناس: فليس الزواج يكسب صلة مقصورة على الزوجين فحسب، بل تمتد هذه الصلة من الزوجين لأسرتيهما، فتكون حلقة واسعة في سلسلة اتحاد الأمة.
وللصلات الخاصة كالقرابة والصهر أثر في التناصر كبير.
ح_ حصول نعمة الولد: فالزواج يكسب الزوج ولداً إن يُحْسِنْ تربيته كان له قرة عين في حياته، وذِكْراً طيباً بعد وفاته.
ومن ذا ينكر أن الولد الصالح المهذب من أجل النعم في هذه الحياة وبعد الممات؟ ففي الحياة تُشبع عاطفة الأبوة والأمومة، ويأنس الوالد لما يرى من صلاح ولده، ولما يناله من نفعه وإعانته، وبعد الممات يسعد بدعاء ولده الصالح، ويناله الأجر لما قام به من حسن التربية.
ط_ تكوين الأسر المسلمة: التي تعبد الله، وتقيم أمره_ عز وجل_.
ي_ تكثير سواد الأمة: قال النبي_ "_:=تزوجوا الولود الودود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة+( ).
ك_ سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي: فبالزواج يسلم المجتمع من الانحلال الخلقي الناشئ عن قلة الزواج وكثرة العزاب.
ل_ سلامة المجتمع من الأمراض الفتاكة: التي تنشأ عن هتك ستر العفاف، وعن الفوضى الخلقية( ).
م_ حصول الغنى وانتفاء الفقر: فالزواج سبب للغنى ونفي الفقر.
وهذا من لطائف النكاح وأسراره التى تخفى على كثير من الناس، وخصوصاً من يحجمون عن الزواج بحجة الفقر.
ومصداق ذلك قوله_تعالى_: [وأنكحوا الأيامى منكن والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم] (النور:32).
ومصداقه قول النبي": =ثلاثة على الله عونُهم: الناكح يريد العفاف، والمُكاتَب يريد الأداء، والغازي في سبيل الله+( ).
وبالجملة فللزواج مصالح تكثر بكثرته، وتقل بقلته، وتفقده بفقده، وقد عَرَفْت قيمة هذه المصالح ومكانتها في إعلاء الدين، وبسط أجنحة العمران؟، وتخفيف متاعب الحياة.
5_ تزويج البنات بغير الأكفياء:
فمن الأولياء من لا يقصر في المبادرة إلى تزويج موليته، ولكنه يقصر في اختيار الزوج المناسب، فتراه لا يختار لها الكفؤ الذي يُرضى دينُه وخلقه، إما قلة اهتمام بأمر موليته، وإما رغبة من التخلص من تبعتها وبقائها عنده، وغما طمعاً في المال الذي سيأتيه إذا زوَّجها من غني، وإما رغبة في الوجاهة والمنصب والسمعة إذا تقدم لها من هو كذلك، وغما رغبة في زوج ذي شهادة، أو حسن هندام، أو حسب رفيع، أو ترفع واسع، إلى غير ذلك من الاعتبارات.
أما الدين القويم، والخلق الكريم فلا يخطر بباله، ولا يدور بخياله.
ولهذا ربما زوجها بتارك للصلاة، أو بشرس الأخلاق، أو بمدمن مخدرات.
ولا ريب أن السؤال عن المنصب، والمكانة الاجتماعية، والحسب الرفيع ونحوها من الاعتبارات الأخرى، لا ريب أنها مطلوبة، ولا ترفض من حيث هي، ولا تُنَحَّى من مجال البحث والمفاضلة والاختيار؛ فلا حرج على البحث أن يسأل عن هذه الأمور أو جُلِّها.
لكن الحرج كله أن تكون وحدها هي المُحَكَّمَةَ في المفاضلة والموازنة والترجيح دون اعتبار للدين والخلق.
فلا بد من اعتبار الدين والخلق، فإذا توفر هذا الاعتبار عَمَد المرءُ إلى النظر في الاعتبارات الأخرى( ).
جاءت فاطمة بنت قيس إلى رسول الله "وذكرت له أنه خطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم _رضي الله عنهما_.
فقال رسول الله": =أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، أما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد+.
قالت فاطمة: فكرهته، ثم قال": =انكحي أسامة+.
قالت فاطمة: فنكحته، فجعل الله فيه خيراً كثيراً، واغتبطت+( ).
فالحديث واضح في أن رسول الله "ذكر من أسباب المفاضلة ناحية المال، والسلوك والمعاشرة، ولكن ذلك بعد توافر الدين.
فيا أيها الولي، ماذا تستفيد موليتك من المال والعقار، والحسب، والهندام، والمكانة الاجتماعية إذا هي حرمت السعادة والحياة الكريمة؟ وماذا تستفيد من الشهادة العلمية التي يحملها زوجها إذا كان فظَّاً غليظ القلب سيء المعاشرة؟.
وماذا يفيد الوجه الجميل، والهندام الحسن إذا كان لا يكرمها، ولا يَقْدُرُها قدرها.
وهل ينفع الفتيانَ حسنُ وجوههم
إذا كانت الأخلاق غير حسان

فلا تجعل الحسنَ الدليلَ على الفتى
فما كلُّ مصقولِ الحديد يماني


وكما قيل:
قد يدرك الشرفَ الفتى ورداؤه
خلق وبعض قميصه مرقوع

وأما أنت أيتها البنت العزيزة الكريمة فاحذري أن تقعي في حبالة التقاليد الفاسدة، أو العادات المنحرفة؛ فأنت الخاسر الأكبر في ذلك؛
فلا تُقدِّمي المال والجاه والمنصب على الدين القوي القويم، والخلق الزكي الكريم.
إن كثيراً مما يتطلع إليه الفتيات في زوج المستقبل عرضة للتغير،والتحول، والضياع، والتبدل، وعندئذ تحق على الفتاة الشقوة والخسار.
أما الدين الحق، والخلق الكريم فإنهما ثابتان ثبوت الرواسي من الجبال.
بل الغالب الأعم أنهما ينموان ويزدادان رسوخاً وقوة، هذا هو الأغلب.
أما النادر في الحالات فهو شاذ، والشاذ يؤيد القاعدة ولا يخرقها.
ولا يعني ذلك_ أيتها الفتيات_ أن العوامل الأخرى مرفوضة، لا، ليس الأمر كذلك، بل المراد للواحدة منكن أن تطلب في شريك حيلتها كل ما تريده من مرغبات.
ولكن بشرط أن يكون ذلك بعد توافر الدين، والخلق الحسن( ).
قيل لأعرابي: =فلانة يخطب، قال: أمُوسر من عقل ودين؟
قالوا: نعم، قال: فزوجوه+( ).
وقال رجل للحسن: =إن لي بنيةً، وإنها تخطب؛ فمن أُزَوِّجها؟
فقال: زَوِّجها ممن يتقي الله؛ فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها+( ).
ولقد ذهب جمع من أهل العلم إلى عدم تزويج الفاسق، وعللوا لمذهبهم بتعليلات متقاربة مأخوذة من فقه الكتاب والسنة.
يقول السبكي×: =الفاسق لا يؤمن أن يحمله فسقه على أن يجني على المرأة+( ).
وقال عبدالقادر بن عمر الشيباني ×: =الفاسق مردود الشهادة والرواية، وذلك نقص في إنسانيته، فلا يكون كفأً للعدل+( ).
وقال ابن قدامة: =الفاسق مرذول مردود الشهادة والرواية، غير مأمون على النفس والمال، مسلوب الولايات، ناقص عند الله _تعالى_ وعند خلقه، قليل الحظ في الدنيا والآخرة، فلا يجوز أن يكون كفأً للعفيفة، ولا مساوياً لها، لكن يكون كفأً لمثله+( ).
وقال الشوكاني: =ما لا يُرْضَى دينه لا يزوج، وذلك هو معنى الكفاءة في الدين، والمُجَاهِرُ بالفسق ليس بمرضي الدين+( ).
6_ قلة العناية باختيار الزوجة الصالحة:
فالزوجة الصالحة هي التجارة الرابحة، وحيث عَلِمْتَ مشروعية الزواج، وأنه مطلوب مُرغَّب فيه _فاعلم أنها لا تتم به السعادة، ولا يحرص الغرض المنشود إلا بنكاح ذات الدين والخلق.
فالزوجة شريكة الحياة، وهي أم الأولاد، وسينشؤون على خلالها وطباعها.
بل إن لها تأثيراً بالغاً على الزوج نفسه، ولذلك قيل: =المرء على دين زوجته؛ لما يستنزله الميل إليها من المتابعة، ويجتذب الحب لها من الموافقة، فلا يجد إلى المخالفة سبيلاً، ولا إلى المبيانة والمشاقة طريقاً+( ).
والعاقل اللبيب لا يُقْدِم في الزواج إلا على ذات الدين والخلق والعفاف.
قال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: =قد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وقبل أن تولدوا!
قالوا: وكيف أحسنتَ إلينا قبل أن نولد؟
قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها+( ).
وأنشد الرياشي:
فأول إحساني إليكم تَخَيُّري
لماجدة الأعراق بادٍ عفافُها( )

وقال أبو عمرو بن العلاء: =قال رجل: لا أتزوج حتى أنظر إلى ولدي منها.
قيل له: كيف ذاك.
قال: أنظر إلى أبيها وأمها؛ فإنها تَجُرُّ بأحدهما+( ).
وقال أكثم بن صيفي لولده: =يا بني! لا يحملنكم جمالُ النساء عن صراحة النسب؛ فإن المناكح الكريمة مدرجة الشرف+.
ومع عظم شأن الزوجة الصالحة، ومع أهمية العناية باختيارها_ إلا هناك تفريطاً كبيراً في هذا الشأن؛ فكما أن هناك من لا يأبه بذات الدين والخلق إذا أراد الزواج.
فهناك من يُحكِّم المصلحة المالية دون اعتبار لأي شيء آخر؛ فلا يعينه ممن يريد الاقتران بها غلا أن تكون ذات ثروة، أو أن تكون ابنة لثري.
وهناك من يقدم الحسب الرفيع، والشهرة الذائعة؛ فذلك منتهى سؤله، وغاية طموحه.
وهناك _وهو الأكثر_ من لا يريد من شريكة حياته غلا أن تكون بارعة الجمال، ممشوقة القوام، وإذا فاته ذلك قال: على الدنيا العفاء.
والحقيقة أن هذه المعايير والاعتبارات لا تكفي وحدها؛ لأنها نظرة مادية بحتة؛ فلا تحصل معها السعادة الحقة؛ لأنها لا دوام لها؛ فما بني على ما يتغير ويتبدل فهو عرضة للزوال؛ فالثروة تتبدد، والمال عرض حائل؛ فكم من الأغنياء من أصبحوا فقراء بين عشية وضحاها، وكم من الفقراء من أصبحوا أغنياء ما بين طرفة عين وانتباهتها.
فلا يدري الفقير متى غناه
ولا يدري الغني متى يعيل

إن المال يتهدده الزوال السريع، والخسارة المتوقعة، ثم ما علاقة السعادة بالمال؟
إن هناك وهماً كبيراً يسيطر على كثير من الناس؛ حيث يحسبون السعادة قائمة على الغنى والمال.
والحقيقة الماثلة للعيان تقول: إن المال وحده لا يوجد السعادة، وإن كان يعين على تحققها إن كانت موجودة؛ فإن لم تكن موجودةً نلبعةً من أعماق النفس بسبب الرضا والقناعة وحسن المعاشرة _فإن المال لا يوجدها؛ فالسعادة تعتمد على النفس أكثر مما تعمد على الظروف الخارجية من مال، وصحة، وظروف مواتية، ونحو ذلك.
بل إن من الأغنياء من يشقى في النعيم، ومن الفقراء من ينعم في الشقاء، وذلك كثير مشاهد؛ فماذا يغني المال وحده؟.
وأما الحسب فلا يكفي وحده، كما أنه ليس مقتصراً على الأسماء اللامعة للعائلات، أو الشهرة الذائعة الصيت؛ فمِنْ هؤلاء مَنْ قد يكونون في أوضاع أدبية وأخلاقية لا يحسدون عليها.
وبالمقابل هناك من المغمورين من هم على مستويات رفيعة من الأدب والأخلاق.
وربما اقترن المرء بذات حسب رفيع، وهي خِلْوٌ من الخلق القويم، فلا تنظر إليه إلا من علُ، ولا ترمقه إلا بعين الازدراء.
ثم إن الحسب أمر عرفي؛ فالوجيه في نظر قوم ربما كان وضيعاً في عين آخرين.
كذلك فالحسب الرفيع لا يغني فتيلاً إلا إذا اقترن بالإيمان والعمل الصالح، فهنا يكون خيراً وبركة، ويحصل بسببه نور على نور، وإلا فمن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه.
كذلك الجمال لا يكفي وحده؛ فمهما كان رائعاً طاغياً فهو موقوت بالصحة والشباب، وسرعان ما يذوي ويذبل مع تقدم السن، وطروء المرض، وتكرار الحمل والولادة.
ثم هب أن تزوجت ملكة جمال الكون وليس بينك وبينها تفاهم ومودة ورحمة، فماذا أنت مستفيد من هذا الجمال؟ إن قبح أخلاقها وسوء تعاملها سيجعلها في عينك كالقرد دمامةً.
إن الجمال ربما يعرض صاحبته للغرور، والفتنة، والتعالي، وشراسة الخلق.
وكم من جميلة جَرَّتْ على نفسها وزوجها وأهلها بسبب الجمال بلاءً كثيراً، وشرَّاً مستطيراً.
وكم جميلة حملها الجمال على التيه والزهو، واحتقار الزوج.
وليس الجمال في ذاته عيباً ولا نقيصة، وإذا هو اجتمع مع الخلق والدين كان نوراً على نور، ولكنه وحده لا يكفي لتحقي السعادة الدائمة، ولا المتعة الحقة.
وما أجمل قول القائل:
إذا أخو الشمس أضحى فعله سمجاً
رأيت صورته من أقبح الصور

وَهَبْكَ كالشمس في حسن ألم ترنا
نَفِرُّ منها إذا مالت إلى الضرر( )

ثم إن الجمال لا يقتصر على لون البشرة، وتقاسيم الوجه، وتناسب الأعضاء.
بل للجمال مقاييس أخرى يتدرج تحتها الذوق، والفهم، وكمال العقل، وإشراقة النفس، ورهافة الحس، وطهارة القلب؛ فلهذه المعايير دورها في جمال الشخصية.
تقول نازك الملائكة¬( ): =الجمال ملك لفتاة ذكية العينين، بسيطة المظهر، يشع وجهها عطفاً وحناناً، وكأنها تريد أن تحتضن الوجود كله، وتغمره بمشاعرها الكريمة.
وهذا الجمال المرهف العذب مبذول زهيد الثمن، تملكه كل فتاة دون أن تضيع وقتها في أسواق الملابس، وعند الخيَّاطة الجاهلة.
إنه جمال ينبع من الروح الكبيرة المستوعبة، والذهن الحر المرن، والقلب النابض الرقيق، وهو جمال الخُلُق الكريم، والعذوبة، والخشوع لله، والنزاهة، وكبر النفس.
وهذا الجمال لا علاقة له بالملابس والحلاق؛ لأنه يتألق على وجه كريم، وعيون حنون معطاء، وهو يلمع على الشعر المسترسل الذي لا يهينه الحلاق بالعبث به.
هذا هو الجمال؛ فتعريفه أنه البساطة الإنسانية، والفطرة كما خلقها اله حَيِيَّة روحية، متفتحة+( ).
ومن هنا يتبن لنا السر في الإسلام قد فضل الدين على غيره من الاعتبارات في الزواج؛ فعن أبي هريرة ÷أن النبي "قال: =تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها،ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك+( ).
فَفَضْل الدين على المال والحسب والجمال من جهة أنه يضمن الأخلاق المهذبة، والآداب الراقية، ويجمع لصاحبته الصيانة من أطرافها.
والمراد من الحديث أن الناشئة في حلية الدين_ وإن لم تكن بارعة الجمال_ تفضل غيرها ممن لم تَتَحَلَّ بالدين وإن كانت موسرة، أو حسبة، أو فائقة الجمال( ).
قال النووي×في معنى هذا الحديث: =ومعناه أن الناس يقصدون في العادة من المرأة هذه الخصال الأربع، فاحرص أنت على ذات الدين، واظفر بها، واحرص على صحبتها+( ).
وقال المنذري ×: =تربت يداك: كلمة مشتركة معناها الحث والتحريض.
وقيل: هي هنا دعاء عليه بالفقر، وقيل: بكثرة المال، واللفظ مشترك بينهما قابل لكل منهما، والآخر أظهر، ومعناه: اظفر بذات الدين، ولا تلتفت إلى المال أكثر الله مالك+( ).
وقال ابن الأثير ×: =ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى.
وهذه الكلمة جارية على السنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر به، كما يقولون: قاتله الله، وقيل: هنا لله درك+( ).
ومما ينبغي التنبيه عليه أن الإسلام _حين حث على الظفر بذات الدين_ لا ينعى على من التفت بعد ذلك إلى الحسيبة الجميلة ذات المال، ولا يأمر الرجل أن يتزوج بامرأة فقيرة دميمة وضيعة.
ولكنه يريد ذات الدين التي أخذ حظها من الجمال والشرف؛ فذلك أحب إلى البعل، وأعف له، وأغض لبصره، واجمع لشتات قلبه.
ثم إن ذوات التقى والصلاح كثيرات في بيوت المسلمين، ومنهن الجميلات، والحسيبات، والثريات، ولا حرج على الجل أن يطلب ذات الجمال أو المال أو الحسب إذا كانت ذات دين.
إن التوجيه النبوي في الحديث يرشدنا إلى اختيار ذات الدين، وليس بالضرورة أن تكون ذات الدين مجردة من المواصفات الأخرى التي يرغب فيها الرجال، وإنما قدم أمر الدين؛ لأن الدين منبع كل خير؛ فهو لا يتغير ولا يتحول؛ فالمتدينة تحفظ زوجها في فراشه، وماله، وأولاده كما أنها تعينه على كل بر وصلاح، فتعينه على بر والديه، وإكرام ضيفه، وعلى بذل النفقة للمحتاجين والمعوزين.
وإنها لَتُشْرق عليه بحنانه وحبها، وتطيعه بكل ما يأمر به ما لم يأمر بمعصية، وتكون عوناً له على ما يلقى من الشدائد والمتاعب.
وإنها لَتُحِسُّ بان ما يتعرض له زوجها من الضيق أمر يهددها هي بالذات، وتشعره بأنه ليس وحده يعاني مل يعاني.
وكم يخفف من و قع المصيبة أن يرى المصاب من يشاركه شعوره نحها بصدق وأمانة، وان يرى من يقف موقفه تثبيتاً، وتأييداً، ودعاءً، ودعماً، ومشورة.
بل تكاد تختفي في حياة ذلك الزوج المشكلاتُ تماماً؛ لأنه ما من مشكلة إلا ولها في الإسلام حل؛ فإذا كانت الزوجة تقوم بواجبها بصدق وحماسة خيمت على البيت سحائب السرور، وأشرقت عليه شموس السعادة.
والناس يَحْيَون بالمعاني، ويلتذون بالعواطف، ويسعدون بالمشاعر أكثر من الأمور المادية الحسية.
إن هذا كله يدعو العاقل من المسلمين أن لا يُقَدِّمَ على الدين في المرأة عاملاً آخر( ).
7_ إرغام الفتاة على الزواج بمن لا تريده:
فمن الناس من تُخْطب إليه موليته، فإذا اقتنع بالخاطب_ أياً كانت دوافع الاقتناع_ أعطى الموافقة التامة، دون أن تعلم المولية بشيء؛ فإذا قرب موعد الزفاف همس الولي في أذنها؛ كي تهيئ نفسها لزوجها.
وهذا من الخلل الكبير؛ فقد لا ترضى المرأة بذلك الزوج، فإذا أجبرت على الزواج به حياتهما ضرباً من النكد( ).
ولهذا جاء الشرع الحكيم بمنع الولي من إكراه المولية على الزواج؛ لأن ذلك ليس من حقه.
=وبعض الباحثين يخلط بين اشتراط الولي في النكاح وبين صلاحيات الولي في إجباره المرأة التي يتولى أمرها في النكاح.
والأمران ليسا بمتلازمين؛ فليس كل الذين اشترطوا الولي في النكاح أجازوا للولي إجبار موليته على الزواج ممن يريده بغير رضاها.
بل إن القول الأقوى هو عدم جواز إجبار الولي موليته على الزواج بدون اختيارها+( ).
أما الثيب البالغة فقد اتفق أهل العلم إلا من شذ منهم على منع الولي من إكراهها على الزواج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ×: =الثيب البالغة لا تنكح إلا بإذنها باتفاق الأئمة+( ).
وقال في موضع آخر: =البالغ الثيب لا يجوز تزويجها بغير إذنها لا للأب ولا لغيره بإجماع المسلمين+( ).
واستدل أهل العلم على عدم صحة إكراه الولي للثيب البالغ من الزواج بما رواه البخاري ومسلم عن خنساء بنت خذام الأنصارية: =أن أباها زوَّجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله "فرد نكاحها+( )
وبما رواه البخاري عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي "قال: =لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت+( ).
وبما رواه مسلم من حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_: =الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها+( ).
واستدلوا من المعقول بأن الثيب البالغ رشيدة عالمة بالمقصود من النكاح، مختبرة له، فلم يَجُزْ إجبارها عليه.
وإذا زَوَّجَ الوليُّ بغير إذنها ثم أجازت العقد فقد ذهب أكثر العلماء إلى صحة العقد، ولا يحتاج العقد إلى استئناف.
وهذا هو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وهو رواية عن الإمام أحمد.
وعند الشافعية أنه لابد من استئناف العقد، ولا يصح العقد السابق على إذنها، وهذه رواية عن أحمد( ).
هذا بالنسبة للثيب، أما البكر فقد اختُلِف في استحباب استئذانها أو وجوبه.
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية×الوجوب، قال: =واختلف العلماء في استئذان الولي البكر البالغة، هل هو واجب أو مستحب؟
والصحيح أنه واجب+( )
واستدل الموجبون لاستئذانها بالنصوص المشترطة استئذان البكر في نكاحها، وبالنصوص المصرحة برد رسول الله "نكاح مَنْ زوَّجها وليها من غير إذنها _كما مرَّ_.
كما أن تزويج الفتاة بغير إذنها مع كراهيتها مخالف للأصول والمعقول، والله _عز وجل_ لم يسوِّغ لوليها أن يكرهها على بيع أو إجارة إلا بإذنها، ولا على طعام، أو شراب، أو لباس لا تريده؛ فكيف يكرهها على معاشرة مَنْ تكرهه؟
ثم إن الله _عز وجل_ قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بغضها له، ونفورها منه _فأيُّ مودة ورحمة في ذلك؟
ثم إن الشريعة قد شرعت للمرأة الخلاص من زوْجها في حال كراهتها له؛ فكيف يجوز تزويجها إياه ابتداءً؟!.( )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ×: =وأما إجبار الأب لابنته البالغ على النكاح ففيه قولان مشهوران هما روايتان عن أحمد.
أحدها: أنه يجبر البكر البالغ كما هو مذهب مالك والشافعي، وهو اختيار الخرقي والقاضي وأصحابه.
والثاني: لا يجبرها كمذهب أبي حنيفة وغيره، وهو اختيار أبي بكر عبدالعزيز بن جعفر.
وهذا القول هو الصواب.
والناس متنازعون في مناط الإجبار: هل هو البكارة؟ أو الصِّغَر؟ أو مجموعهما، أو كل منهما؟
على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره.
والصحيح أن مناط الإجبار: هو الصِّغَر، وأن البكر البالغ لا يجبرها أحد على النكاح+( ).
وقال: =وأيضاً فإن الأب ليس له أن يتصرف في مالها إذا كانت رشيدة إلا بإذنها.
وبِضْعَها أعظم من مالها؛ فكيف يجوز أن يتصرف في بضعها مع كراهتها ورشدها؟!+( )
إن مقتضى ما ذُكر: أنه لا يجوز تزويج المولية بغير إذنها، ولا يعني اشتراط إذنها أن الولي غير لازم في نكاحها؛ فالصواب من القول أن تتفق إرادتها وإرادة وليها في التزويج.
نعم لوليها أن يحاول إقناعها بالزواج إذا كانت ترفضه بلا مسوغ، وله إقناعها بالزوج إذا كان صالحاً وهي ترده.
ولكن ليس له إجبارها.
كما لا يعني ذلك أن تتعنت المرأة بحجة أنها لا تجبر.
8_ إجبار الابن على نكاح من لا يريد:
فكما أنه ليس للوالد إجبار ابنته على النكاح إلا بإذنها_ فكذلك ليس له إجبار ابنه على نكاح من لا يريد.
كأن يقول لابنه: تزوج بنت عمك، أو بنت خالك، أو غيرهما؛ فليس للأب إجبار ابنه على الزواج؛ فقد يرى الابن ما لا يرى والده؛ فقد لا يجد ميلاً لمن أشار والده بها، وقد يكون طامحاً لأسرة أخرى.
نعم للوالدين إقناعه، وفتح المجال أمامه وإبداء المسوغات له.
ولكن ليس لهما إجباره؛ فقد يضرانه من حيث أراد نفعه.
رام نفعاً فضر من غير قصد
ومن البر ما يكون عقوقا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =ليس لأحد من الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقَّاً.
وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه_ كان النكاح كذلك وأولى؛ فإن أَكْلَ المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه، ولا يمكن فراقه+( )
9_ ترك الاستشارة في أمر الزواج:
فتجد من الأولياء من لا يستشير في شأنه موليته إذا خُطِبَتْ، فتراه يوافق على من تقدم لها دون استشارة لأهل بيته، أو من يعرفون الخاطب.
وتجد من المتقدمين للخطبة من لا يستشير في أمر مخطوبته.
وهذا تقصير وتفريط، وقد يترتب عليه قلة التوافق في الحياة الزوجية.
فالذي ينبغي للعاقل ألا يستبد برأيه، وألا يدع الأخذ بالمشورة، فالشورى أمرها عظيم، وشأنها جلل؛ فلقد نوَّه الله_ عز وجل_ بها، وأثنى على المؤمنين لقيامهم بها.
قال_ تعالى_: [وأمرهم شورى بينهم](الشورى:38).
وأمر نبيه"مع وفور عقله، وسداد رأيه أن يأخذ بالشورى.
قال_ عز وجل_: [وشاورهم بالأمر](آل عمران:159).
ويروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب÷أنه قال: =نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد+( ).
10_ استشارة من ليس أهلاً للاستشارة:
فكما أنه من الخطأ ترك الاستشارة في أمر الزواج_ فكذلك من الخطأ استشارة من ليس أهلاً لذلك؛ فمن الناس من يستشير في أمر الزواج، ولكنه لا يتحرى الناصح الأمين من أهل الدراية والخبرة.
بل ربما عمد إلى من لا يوثق بخبره ولا دينه، وربما عمد إلى صديق للخاطب أو قريب له أيَّاً كان، ومن هنا قد تقلب الحقائق، وتقع البلايا والرزايا.
وقد يقول المستشير في أمر موليته: من أستشير إذا لم أستشر أقارب الخاطب وأصدقاءه؟.
ويقال له: اسأل هؤلاء، ولكن لا يغب عن بالك أن عاطفة القرابة والصداقة قد تميل مع صاحبها إلا إذا كان ذا ورع، وعقل، ونصح، ونظر في الأمور بعيد.
وإذا سألت فاسأل عن دين الخاطب، وخلقه، وأمانته، ونحو ذلك.
ولا بأس أن تسأل إمام مسجده، أو بعض جيرانه، أو من تثق به من زملائه في العمل.
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
برأي نصيح أو نصيحة حازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فإن الخوافي قوة للقوادم( )

فإذا آنست من الخاطب رشداً، وصلاحاً، وأمانة، وخلقاً_ فاعرضه على موليتك، فإن وافقت، ورضيت فقد قمت بالواجب؛ فإن حصل وئام وألفة فالحمد لله، وإن كانت الأخرى فلا لوم عليك؛ فقد قمت بواجبك.
11_ قلة النصح من المستشار في أمر الزواج:
فتجد من الناس من إذا استشير في قريب أو قريبة له في أمر الزواج_ لا يَصْدُقُ، ولا يمحض المستشير النصح، فربما مدح من ليس أهلاً للمدح، وربما أخفى شيئاً من المساوئ؛ خشية ألا يتم الزواج، فيقعد قريبه أو قريبته بدون زواج.
وما علم هذا أن الله هو الذي يقسم الأرزاق، وأم الصدق منجاة للجميع.
فالواجب على من استشير في أمر الزواج أن يصدق في قوله؛ فالمستشار مؤتمن، والدين النصيحة.
جاء في صحيح مسلم عن تميم الداري أن النبي"قال: =الدين النصيحة ثلاثاً+ قلنا لمن يا رسول الله؟
قال: =لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، ولعامتهم+( ).
وربما ترك بعض الناس النصح في أمر الزواج وعد ذلك من قبيل الورع؛ زعماً منه أن بيان مساوئ الخاطب داخل في الغيبة المحرمة.
وهذا الورع ليس من الدين في شيء؛ بل الورع أن يمحض النصح لمن استنصحه، واستشاره.
ثم إن هذا مما استثناه العلماء من الغيبة.
قال النووي×: =يجوز الصدق في ذكر مساوئ الخاطب؛ ليحذر، وليس هذا من الغيبة+( ).
بل لقد أوجب بعض أهل العلم على من استشير في أمر نفسه في النكاح أن يصدق إذا كان فيه عيب يثبت فيه الخيار، وإن كان فيه ما يقلل الرغبة منه، ولا يثبت الخيار كسوء خلق أو شحٍّ استحب له( ).
12_ تفصيل المستشار في أمر الزواج في ذكر المساوئ بلا مسوغ:
فلا يعني وجوب الصدق لمن استشير في أمر الزواج أن يُفَصِّل في ذكر مساوئ الخاطب أو المخطوبة، بحيث يتجاوز الحد بلا مسوغ.
بل ينبغي للمستشار أن يقتصد قدر المستطاع في تبيان المساوئ؛
فإن قَبِلَ المستشيرُ القولَ الخفيف فلا ينبغي أن يلجأ إلى التفصيل؛ فإن قبل منه أن يقول_ على سبيل المثال_: لا أشير عليك بهذا، أولا تفعل، نحو ذلك_ كفاه عن التفصيل.( )
قال الشربيني×: =محل ذكر المساوىء عند الاحتياج؛ فإن اندفع بدونه لم يحتج ذكرها كقوله: لا تصلح لك معاملته_ وجب الاقتصار عليه، ولم يجز ذكر عيوبه+( ).
كذلك من استشير في أمر نفسه إذا كان فيه مساوىء يكفيه أن يقول:
أنا لا أصلح لكم، ولا يجب عليه أن يكشف عن عيوبه ومساويه؛ ذلك أن عيوب الإنسان سميت مساوىء لأنه يسوؤه ذكرها.( )
13_ إفشاء سر المستشار:
فمن الناس من إذا استشار أحداً في أمر الزواج أذاع السر، وأخبر بأننا قد رَدَدْنا فلاناً بسبب مشورة فلان؛ حيث أشار علينا بأن فلاناً غير صالح لكم.
وهذا الأمر لا يجوز؛ لأن فيه إفساداً لذات بين المسلمين، ولأنه يوجب الحذر من الصدق في النصيحة.
فالواجب أن تحاط هذه الأمور بسياج من السرية التامة؛ حفاظاً على عرىى المحبة أن تنفصم بين المسلمين، ولئلا يتحرج المستشار في إبداء ما عنده.
14_ تحرج بعض الخاطبين من السؤال عنه:
فهناك من الخاطبين من يأنف حين يعلم أن أهل المخطوبة يسألون عنه؛ ليتأكدوا من صلاحيته.
فتراه ينزعج، ويضيق ذرعاً بهذا السؤال، وربما عده من سوء الظن، وقلة الثقة.
والحقيقة أن هذا التحرج ليس في محله؛ فماذا يضيرك أيها الخاطب إذا سئل عنك؛ فإن كنت على بينة من أمرك، وعلى ثقة من نفسك_ فإن السؤال عنك لا يزيدهم إلا رغبة فيك.
وإن كنت مريباً وعلى وجل من كشف حقيقتك فراجع نفسك، وتجنب ما يصد الناس عنك و[إن لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم](الرعد:11).
15_ الاعتماد على صلاح الأسرة في الزواج:
فهناك من إذا أراد الزواج أقدم إلى أسرة معروفة بالصلاح والاستقامة، فيكتفي بذلك عن السؤال عن الفتاة التي سيقدم إليها، فلا يسأل عن دينها، ولا عن خلقها؛ اكتفاء بصلاح أهلها.
وهناك من إذا تقدم إليه خاطب من أسرة معروفة بالخير والصلاح_ لم يسأل عنه؛ بحجة أنه ابن لفلان ابن فلان الكريم العاقل الصالح.
بل إن بعضهم يقول: لقد زوجت الأسرة ولو لم ير الخاطب.
ولا ريب أن صلاح الأسرة واستقامتها أمر حسن مطلوب، بل هو مما يرغب في الزواج.
ولكن ذلك لا يغني، ولا يمنع من السؤال عن صاحب الشأن من خاطب أو مخطوبة؛ فقد تكون الأسرة الكريمة صالحة، ويوجد من بين أولادها من هو بعكس ذلك.
ولا أدل على ذلك من قصة نوح_ عليه السلام_ مع ابنه.

يتبع ...








 


رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 17:21   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

16_ التحجير في الزواج:
وهذه العادة معروفة في بعض المجتمعات؛ حيث يُحَجِّر الوالد على ابنته الفلانية منذ طفولتها الباكرة، فيقول ابنتي فلانة لفلان، إما ابن عمها، أو ابن خالها،أو قريبها، أو ابن صديق لوالدها أو غيرهم.
ومن ثمَّ يُتَعارف عند الأسرة ومن حولها أن فلانة محجوزة لفلان، فلا يطمع أحد في التقدم إليها، ولا يسعها رفضُ من حُجرت عليه، كما لا يسعه خطبةُ غيرها.
وهذه العادة لا أصل لها في الشرع؛ إذ أن فيها تضييقاً وتحجيراً لما وسعه الله كما أن فيه إضراراً بالفتى وبالفتاة؛ فما الداعي لذلك؟.
قد يقال: بأن الداعي مزيد الإكرام والمحبة، ولكن الأمر قد يكون بعكس ذلك؛ فقد ينحرف هذا الفتى، وقد يصاب بعاهة، وقد تسوء العلاقة بين الأسرتين، وقد يصرف الشاب نظره عن تلك الفتاة دون علم أهلها، ومن هنا ينصرف عنها الخطاب؛ لاعتقادهم بأنها لفلان الذي حُجرت عليه.
وقد يكون العكس من جهة الفتاة؛ وذلك بان لا تكون صالحة إذا كبرت، أو نحو ذلك مما ذكر.
وقد تَحْكُمُ تلك العادةُ حُكْمها فيقع الزواج دونما اقتناع، فيكون مبنياً على المجاملة؛ فيوشك أن يتصدع بنيانه.
هذا وقد سألت سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز_ حفظه الله_ عن هذه العادة فقال: لا أصل لها.
ومن التحجير أن يحجر الإنسان على ابنة عمه ليتزوجها هو أو أحد إخوانه.
وقد سُئل مفتي الديار السعودية سابقاً_ سماحة الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ× عن مسألة تحجير الرجل بنت عمه عن الأزواج؛ حيث يريد أن يختص بها هو أحد إخوانه أو بني عمه وهي ممتنعة عنه، وغير راغبة فيه: هل يجوز إجبارها عليه أو لا؟
فأجاب× قائلاً: =ونفيد أن هذا التحجير أمر لا يجوز، ولا يجيزه الشرع، والإسلام بريء منه، والسنة النبوية مستفيضة بالنهي عن ذلك، والنكاح على هذا الوجه غير صحيح، ولا يعترف به؛ إذ التحجير من أكبر انواع الظلم والجور.
ومن يصر على تحجير الأنثى الضعيفة، ويريد ان يقهرها ويتزوجها وهي غير راضية به هو بحاجة إلى الرادع السلطاني إذا لم يرتدع بالوازع القرآني+( ).
17_ ترك الاستخارة في أمر الزواج:
فمن الناس من قد تتعارض عنده الأمور، ويصعب عليه الاختيار والبت، ومع ذلك تجده لا يأبه بالاستخارة.
ومن تلك الأمور التي قد تشكل عليه ما نحن بصدده وهو مسألة الزواج.
فمن الخطأ ألا يستخير الإنسان في أمر زواجه، ومن الخطأ ألا يستخير الولي في زواج موليته، ومن الخطأ ألا تستخير الفتاة في أمر زواجها إذا خُطبت.
فحري بكل من أراد الإقدام على أمر يترتب عليه ما يترتب ألا يستهين بأمر الاستخارة؛ فهي تفتح له الأبواب، وتزيل عنه الحيرة والتردد والاضطراب؛ فإذا أقدم على أمر أقدم ونفسه مطمئنة، وإذا أحجم أحجم وقد طابت نفسه.
ولهذا كان النبي"يعلم أصحابه صلاة الاستخارة.
عن جابر÷قال: =كان النبي"يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن: =إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول: اللهم إني استخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب.
اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري_ أو قال: في عاجل أمري وآجله_ فاقدُره لي.
وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري_ أو قال: في عاجل أمري وآجله_ فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضِّني به، ويسمِّي حاجته+( ).
قال ابن حجر×: =الاستخارة: هي استفعال من الخير أو من الخِيَرة بكسر أوله، وفتح ثانيه بوزن العنبة_ اسم من قولك: خار الله له.
واستخار الله: طلب منه الخيرة، وخار الله له: أعطاه ما هو خير له، والمراد طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما+( ).
قال النووي×: =قال العلماء: تستحب الاستخارة بالصلاة والدعاء المذكور، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد، وغيرها من النوافل.
ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة: [قل يا أيها الكافرون]، وفي الثانية:
[قل هو الله أحد].
ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء+( ).
قال ابن حجر×: =وأفاد النووي أنه يقرأ في الركعتين: الكافرون، والإخلاص.
قال شيخنا في شرح الترمذي: لم أقف على دليل ذلك، ولعله ألحقهما بركعتي الفجر، والركعتين بعد المغرب.
قال: ولهما مناسبة بالحال؛ لما فيهما من الإخلاص والتوحيد، والمستخير محتاج لذلك+( ).
وقال ابن حجر×: =قال ابن أبي جمرة: الحكمة في تقديم الصلاة على الدعاء أن المراد بالاستخارة حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فيحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة؛ لما فيها من تعظيم الله، والثناء عليه، والافتقار إليه مآلاً وحالاً+( ).
قال النووي×: =ثم إن الاستخارة مستحبة في جميع الأمور كما صرح به نص هذا الحديث الصحيح، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرح له صدره والله أعلم+( ).
ومن هنا يتبين لنا عظم شأن الاستخارة بعد الاستشارة؛ فإذا استشار الإنسان ثم استخار كان حرياً أن يصاحبه التوفيق؛ فما ندم من استشار ولا خاب من استخار.
18_ التأخر بالرد على الخاطب بلا مسوغ:
فكثيراً ما يطرق الراغب في الزواج بيتاً من البيوت، متقدماً لخطبة ابنتهم، وبعد أن يتأكد أهل الفتاة من صلاحية الخاطب تجدهم يتأخرون كثيراً في إبداء الموافقة، إما قلة مبالاة، أو لبرود في الطبع، أو للإشعار بأنهم ليسوا بحريصين على تعجيل الزواج، أو غير ذلك.
وهذا خطأ؛ إذ هو مما يزهد الخاطب، ويجلب له سوء الظن، وقد يسبب له صرفَ النظر والبحثَ عن فتاة أخرى؛ فقد يظن أن أهل المخطوبة رافضون ولكنهم يستحيون من مواجهته؛ فأنى لأهل الفتاة بعد ذلك بخاطب مناسب؟
بل إن تكرر ذلك يوجب النفرة منهم، وبالتالي تبقى فتياتهم عوانس في االبيوت.
فالذي ينبغي على من تبين لهم صلاح الخاطب ومناسبته أن يبادروا إلى تزويجه أو الرد عليه؛ فالفرص لا تعوض، وخير البر عاجله.
19_ صرف النظر عن الخطبة أو الزواج لأتفه الأسباب:
فمن الراغبين في الزواج من يتقدم لخطبة فتاة من أهلها، وبعد الموافقة عليه، وفي أثناء الترتيب لإجراءات الزواج مكاناً وزماناً ونحو ذلك_ يحصل أحياناً خلاف يسير حول تلك الإجراءات.
وبدلاً من السيطرة على هذا الخلاف واحتوائه تجد أحد الطرفين أو كليهما يصعد الخلاف إلى درجة قد تقود إلى إلغاء الخطبة، أو تعكير الصفو.
وهذا مما لا ينبغي حصوله، فاللائق بأهل الخاطبين أن تكون قلوبهم كبيرة، وصدورهم متسعة، لا تضيق بمثل هذا الخلاف اليسير.
20_ اليأس من الزواج إذا تكرر الرد:
فمن الناس من يتقدم للخطبة أكثر من مرة، فإذا تكرر رده أيس من الزواج، وترك المحاولة إلى غير رجعة.
وهذا خطأ؛ فاللائق بالعاقل ألا يتوانى في الزواج، وألا ييأس من روح الله، فيحسن به أن يكرر الطرق، وأن يسأل ربه الإعانة والتوفيق؛ فلربما كان في الرد المتكرر خير وهو لا يعلم، ولربما كان له نصيب ينتظره؛ فَلِمَ يكون متشائماً؟ ولم لا يقول: لعل النصيب لم يأت بعد؟
ولا بعد في خير وفي الله مطمع ولا يأس من روح وفي القلب إيمان
21_ المجاملة في كتابة المهر:
فالمهر اسم للمال الواجب للمرأة على الرجل بالنكاح أو الوطء.
وقد سماه الله في كتابه صداقاً، وأجراً، وفريضة.
ويجب إمضاء المهر الذي اتفق العاقدان على تسميته عند العقد، سواءً كان كثيراً أو قليلاً.
والعلماء يستحبون تسميته؛ اقتداء برسول الله"ودفعاً للخصومة( ).
قال أبو بكر محمد الحسيني×: =المستحب ألا يعقد عقد النكاح إلا بصداق؛ اقتداءً برسول الله"فإنه لم يعقد إلا بمسمى، ولأنه أدفع للخصومة+( ).
وقد نقل ابن عبد البر إجماع أهل العلم على وجوب المهر، ولما نقل الإجماع بين وجوب تسميته فقال: =أجم علماء المسلمين أنه لا يجوز له وطأ في نكاح بغير صداق مسمى ديناً أو نقداً+( ).
ومع هذا تجد من الناس من لا يسمى المهر حقيقةً، إما حياءً، أو مجاملة، أو نحو ذلك.
فقد يدفع مائة ألف ريال، وإذا سُئل عن المهر عند كتابة العقد قال: قال المهر ألف ريال.
وهذا كذب لا مسوغ له، بل هو مما يوقع في الحرج والخصومة؛ فقد تأخذ الزوجة أو أهلها المهر، وقبل دخول الزوج بزوجته قد يطرأ لهم ما يصرفهم عن الزواج، وقد يكونوا أنفقوا المهر ولم يبق منه شيء، وإذا كانوا لئاماً جحدوا ما أخذوه من الزوج، وقالوا: ليس له علينا إلا المبلغ المثبت في أوراق العقد، وقد يكون المثبت في العقد ألفاً، بينما دفع الخاطب مائة ألف.
وربما يكون أهل الزوجة قد بيتوا هذه النية، وربما يطرأ على الزوج ما يصرفه عن الزواج قبل الدخول.
ولو صدق الطرفان لكان خيراً لهم، ولما وقعوا في الخصومات والحرج.
22_ التحرج من عرض المولية على الكفيء:
فمن الناس من عنده مولية أو أكثر، ولا يوفق بمن يطرق بابه للخطبة، وربما أتاه من لا يُرضى دينه وخلقه فيرده.
ومع ذلك تراه يتحرج من عرض مولياته على الأكفياء؛ فتلبث المولية من عمرها سنين، وربما تطاول عليها العهد، وفاتها الركب، ورغب عنها الخاطبون.
ولو عرضها وليها على كفيء أو أكثر لربما انتفى ذلك المحذور.
بل إن من الأولياء من يعد عرض المولية سبة وعاراً، ويخشى أن يُظن العيب والنقص في مولياته.
وهذا من الخطأ والقصور؛ إذ ليس عرضك موليَّيَكَ على الكفيء سبة ولا عاراً، سواء قَبِلَ الكفيء أو لم يقبل؛ فلك في سلفك الصالح أسوة حسنة؛ فهذا الخليفة الراشد المُحَدَّثُ المُلْهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب÷يقوم بهذا العمل من غير تحرج؛ فقد بوب الإمام البخاري في صحيحه باباً قال فيه: =باب عرض الإنسان ابنته أو أختَه على أهل الخير+.
ثم ساق بسنده حديث عمر÷وفيه: =أن عمر ابن الخطاب حين تأيَّمت( ) حفصةُ بنت عمر من خنيس بن حذافة السَّمي_ وكان من أصحاب رسول الله"وتوفي بالمدينة_ فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقال: سأنظر في أمري، فلبث ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا.
قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فَصَمَتَ أبو بكر، فلم يرجع إليَّ شيئاً، وكنت أوْجَد( ) عليه من عثمان.
فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله"فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟
قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليَّ إلا أني كنت علمت أن رسول الله"قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله"ولو تركها رسول الله"قبلتُها+( ).
قال الحافظ ابن حجر× في شرح الحديث: =وفيه عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه؛ لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه، وأنه لا استحياء في ذلك.
وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه ولو كان متزوجاً؛ لأن أبا بكر كان حينئذٍ متزوجاً+( ).
فليس من العيب أن تعرض موليتك_ أيها الولي_ على أهل الخير؛ فلست أعلم من عمر، ولا آنف ولا أروع منه.
ثم هل أتاك نبأ التابعي الجليل سعيد بن المسيب× حينما عرض ابنته على أحد طلابه ثم زوجها إياه، بعد أن رفض سعيد تزويجها من ابن الخليفة.
=قال أبو بكر ابن أبي داود: كانت بنت سعيد بن المسيب قد خطبها عبد الملك لابنه الوليد، فأبى عليه، فلم يزل يحتال عبد الملك عليه حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد، وصبَّ عليه جرة ماء، وألبسه جبةَ صوفٍ.
ثم قال( ): حدثني أحمد ابن أخي عبد الرحمن بن وهب، حدثنا عمر ابن وهب، عن عطاف بن خالد، عن ابن حرملة، عن ابن أبي وداعة_ يعني كثُيِّراً_ قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب، ففقدني أياماً، فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها، ثم قال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوِّجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا، قلت: وتفعل؟ قال: نعم، ثم تَحَمَّد، وصلى على النبي"وزوجني على درهمين_ أو قال: ثلاثة_ فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح، فصِِرْتُ إلى منزلي وجعلت أتفكر فيمن أستدين، فصليت المغرب، ورجعت إلى منزلي، وكنت وحدي صائماً، فقَدَّمتُ عشائي أُفطِر، وكان خبزاً وزيتاً، فإذا بابي يقرع، فقلت: مَنْ هذا؟ فقال سعيد، فأفكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيِّب؛ فإنه لم يُرَ أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فخرجت، فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له( )، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ قال: أنت أحق أن تؤتى؛ إنك كنت رجلاً عَزَباً فتزوَّجتَ، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها، فدفعها في الباب وردَّ الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم وضعت القصعة في ظل السراج؛ لكي لا تراه، ثم صَعِدت إلى السطح فرميت الجيران، فجاؤوني فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتهم، ونزلوا إليها، وبلغ أمي، فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثاً، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله"وأعرفهم بحق زوج، فمكثت شهراً لا آتي سعيد بن المسيب، ثم أتيته وهو في حلقته، فسلمت فرد عليَّ السلام ولم يكلمني حتى تقَوَّض المجلس، فلما لم يبق غيري قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خير يا أبا محمد، على ما يحب الصديق، ويكره العدو، قال: إن رابك شيء فالعصا، فانصرفت إلى منزلي، فوجَّه إلي بعشرين ألف درهم.
قال أبو بكر ابن أبي داود: ابن أبي وداعة هو كثير بن المطلب ابن أبي وداعة+( ).
وبعدما تبين لك_ أيها الولي_ هدي السلف في عرض المولية_ لا أخالك_ وأنت إن شاء الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه_ تتحرج من عرض موليتك على أهل الخير.
ومن الطرق الممكنة في هذا الصدد لمن يستحيي من عرض المولية بنفسه أن يتحرى الرجل الصالح المناسب، ثم يوصي من يعرفه؛ كي يفاتحه بالأمر، أو يشير عليه بأن فلاناً عنده ابنة أو مولية، وهذه صفاتها، فلو سألت عنها، ثم تقدمت لخطبتها.
ومن الطرق أن يذهب إلى ولد ذلك الصالح أو أحد إخوانه فيخبرهم بالأمر، ويوصيهم بالإشارة على ابنهم أو أخيهم بالتقدم للخطبة.
ومنها ما سبق ذكره أن يأتي الولي لمن يتحرى فيه الخير فيعرض عليه موليته مباشرة.
وهكذا يتبين لنا أن التحرج من عرض المولية على الكفيء تحرج ليس في محله.
بل إن الأمر أكبر من ذلك؛ إذ يسوغ للمرأة أن تَعْرِضَ نفسها على الرجل الصالح؛ فقد بوب الإمام البخاري× باباً في صحيحه قال فيه: =باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح+.
ثم ساق حديثين في هذا الباب.
الحديث الأول: قال:=حدثنا علي بن عبدالله، حدثنا مرحومٌ، قال: سمعت ثابتاً البنانيَّ قال:=كنت عند أنس وعنده ابنة له، قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله"تعرض عليه نفسها قالت: يا رسول الله، ألك بي حاجة؟ فقالت بنت أنس: ما أقلَّ حياءها، واسوأتاه، قال: هي خير منك؛ رغبت في النبي"فعرضت عليه نفسها+( ).
الحديث الثاني: قال: حدثنا سعيد ابن أبي مريم، حدثنا أبو غسان: قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد: =أن امرأة عرضت نفسها على النبي"فقال له رجل: يا رسول الله، زوجنيها، فقال: ما عندك؟ قال: ما عندي شيء، قال: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري لها نصفه.
قال سهل: وما له رداء، فقال النبي"=وما تصنع بإزارك؛ إن لَبِسْتَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لَبِسَتْه لم يكن عليك منه شيء؟
فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه النبي"فدعاه_ أو دُعي له_ فقال له: =ماذا معك من القرآن؟+ فقال معي سورة كذا وسورة كذا_ لسور يُعدِّدها_ فقال النبي"=أمْلكْناكها بما معك من القرآن+( ).
قال ابن حجر× في شرح الحديثين السابقين: =وفي الحديثين جواز عرض المرأة نفسها على الرجل، وتعريفه رغبتَها فيه، وأن لا غضاضة عليها في ذلك، وأن الذي تعرض المرأة نفسها عليه بالاختيار، لكن لا ينبغي أن يصرح لها بالرد، بل يكفي بالسكوت+( ).
ولا ريب أن أكثر النساء تستحيي من ذلك، ولعل من الطرق المجدية في ذلك أن توصي من يعرضها على الرجل الصالح.
23_ التحرج من قبول المولية إذا عُرضت:
فبعض الناس يتحرج من قبول المولية إذا عرضت عليه؛ لظنه أنها لم تَعْرَضْ إلا لعيب فيها، أو لأنها لم تخطب، ووليها يريد الخلاص منها، أو نحو ذلك.
فهذه الظنون لا يحسن أن تساور من عَرضت عليه؛ بل يحسن به إذا عرضت عليه، وكان راغباً في الزواج، وكانت المعروضة من أسرة كريمة_ ألا يكون عَرْضُها حائلاً دون الزواج منها؛ فقد تكون على درجة كبيرة الملائمة، بل قد تكون خطبت أكثر من مرة، وقد يكون وليها خائفاً من الحرج إذا خطبها من لا يستطيع رده؛ فحرص على المبادرة في تزويجها من الكفيء، وقد يكون محباً لمن عرضها عليه، معجباً به، إلى غير ذلك من الأسباب.
فإذا عرض عليك أحد موليته وكنت راغباً في الزواج فاستشر، واستخر، وقم بما يلزم من التحري والسؤال، ثم اتخذ قرارك المناسب؛ فلعل الخير فيمن عرضت عليك.
24_ المجاملة في قبول المولية إذا عرضت:
فكما أن من الناس من يتحرج من قبول المولية إذا عرضت عليه فكذلك هناك من يجامل في قبولها دونما رغبة أو قناعة.
وإنما قبلها مجاملة، وحياءً، وإكراماً لمن عرضها عليه.
وهذا خطأ؛ لأن ذلك قد يعرِّض الحياة الزوجية للهدم، فينبغي ترك المجاملة إذا كان لم يقتنع بالزواج.
ثم إن كان راغباً في الزواج فلا يقل المعروضة بإطلاق، ولا يردها بإطلاق، بل يتحرى ويأخذ بالأسباب كما سبق في الفقرة الماضية.
ثم إنه ينبغي لمن عُرضت عليه المولية ولم يَرَ ملائمتها له، أو لم يكن مريداً للزواج أن يتلطف بالرد على وليها، وأن يشكر له صنيعه وإحسان ظنه، وأن يدعو له ولموليته بالخير، كما يحسن به أن يحفظ سر هذا العرض، وألا يشيعه بين الناس، فيكون سبباً في زهدهم بالمعروضة.

يتبع ..









رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 17:22   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

25_ الغضب من رد المولية:
فمن الأولياء من يغضب أشد الغضب إذا عرض موليته على أحد ثم أبدى له العذر في عدم قبولها، فتجد هذا الولي يغضب على من رفض العرض، ويصفه باللؤم، وأنه ليس أهلاً للإكرام.
وهذا من الخطأ؛ وغلا فماذا يضيرك إذا عَرَضْتَ موليتك ثم لم تناسب مَنْ عُرِضَتْ عليه؟ أفأنت تكره الناس على الزواج من مولياتك؟
ثم هل تُؤَاخَذُ إذا رَدَدْتَ من لا يناسب إذا تقدم لخطبة موليتك؟
فيا أيها الولي، لا يشتد عليك إذا رُدَّ عَرْضُكَ موليتك، فعسى أن يجازيك الله بحرصك على موليتك، فيوفقها بالزواج الصالح الذي يسعدها.
[وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون] (البقرة: 216).
26_ التحرج من زواج الأخ الصغير قبل الكبير، أو الصغرى قبل الكبرى:
لا ريب أن العادة مُحَكَّمة، وأن كل عرف لا يخالف الشرع فإنه يؤخذ به.
ولقد جرت عادة الناس وأعرافهم أن يتزوج الكبير من الإخوان قبل الصغير، وأن تتزوج الكبرى قبل الصغرى؛لما في ذلك من مراعاة الترتيب في السن، ولما يفضي إليه تقديم الصغير على الكبير من التساؤلات؛ فلا يحسن إهمال الترتيب بلا مسوغ 0
ومع ذلك لا ينبغي التحرج والتشدد والتضييق في هذه المسألة؛ فقد يكون الأخ الأكبر ُمعْرضاً عن الزواج، أو راغباً في تأخيره، وقد تكون لديه أسباب تعوقه عن الزواج، وفي الوقت نفسه قد يكون الأصغر محتاجاً إلى الزواج، وتكون أسبابه متوافرة فيه؛ فما المانع من تزويج الأصغر قبل الأكبر؟
وكذلك الحال بالنسبة للفتيات، فقد َترُد الكبرى من يتقدم لخطبتها، فيرغب الخطاب عنها، وقد تكون ُمؤْثرةً لإكمال الدراسة، وقد تكون متعنتة ذات شروط تعجيزية، وقد تكون عنيدة لا تستطيع الإفضاء به؛ فما ذنب الصغرى في هذه الحالة؟ وما المانع من تزويجها قبل الكبرى؟
بل قد يكون تزويجها سبباً لتحرك الكبرى، وحرصها على الزواج.
27_الخطبة على الخطبة :
فمن الأخطاء في باب النكاح خطبة الرجل على خطبة أخيه0 قال النبي":
=لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض+( ).
وقال : =ولا يخطب المرء على خطبة أخيه، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفي ما في إنائها+( ).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ÷أن النبي "قال : =لا يخطب الرجل على خطبة أخيه+.
زاد البخاري :=حتى ينكح أو يترك+.
وفي رواية عن مسلم : =حتى يذر+( ).
والحكمة من وراء النهي عن الخطبة على الخطبة أن هذا الفعل يورث العداوة و البغضاء، كما يؤدي إلى تزكية المرء نفسه، وذم غيره، كما أن في ذلك عدواناً وظلماً؛ فالخطبة على الخطبة كالبيع على البيع، والشراء على الشراء، وذلك مما يولد الكراهية، ويوهي حبال المودة.
والإقدام على الخطبة سواء علم الخاطب أن المخطوبة أجابت أم لم تجب بعد _ يحدث مفسدة بين المسلمين.
فإذا أذن الخاطب الأول، أو صرف النظر عن الخطبة، أو َردته المخطوبة _فلا إشكال.
أما إذا أجابت الخاطب الأول، أو كانت في مرحلة تردد وتأمل _ فإن ذلك لا يجوز؛ فإن خطبة الثاني قد تجعلها تعدل عن الأول، وتصرف النظر عنه( ).
وقد سئل ابن تيميه ×عن رجل خطب على خطبة رجل آخر،فهل يجوز ذلك؟
فأجاب قائلا ً: =الحمد لله، ثبت في الصحيح عن النبي "أنه قال : =لا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه، ولا يستام سومه+.
ولهذا اتفق الأئمة الأربعة في المنصوص عنهم وغيرهم على تحريم ذلك.
وإنما تنازعوا في صحة نكاح الثاني على قولين : أحدهما : أنه باطل كقول مالك، وأحمد في إحدى الراويتين.
و الآخر: أنه صحيح كقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى بناء على أن المحرم هو ما تقدم على العقد وهو الخطبة.
ومن أبطله قال : إن ذلك تحريم للعقد بطريق الأولى.
ولا نزاع بينهم أن فاعل ذلك عاص لله ورسوله، وإن نازع في ذلك بعض أصحابهم.
والإصرار على المعصية مع العلم بها يقدح في دين الرجل وعدالته وولايته للمسلمين( ).
هذا وقد ذهب الحنابلة إلى أن إجابة الخاطب الأول تعريضاً كافيةُ لتحريم تقدم غيره لخطبتها، وإن لم يُجَبْ صراحة( ).
ويرى ابن حزم×أن مجرد التقدم لخطبة امرأة ما _يجعل خطبتها من غيره حراما إذا علم ذلك.
واستثنى حالة واحدة يجوز للثاني التقدم للخطبة، وهي أن يكون الأول غير مرضي في دينه( ).
وقرر الشوكاني ×أنه يحرم التقدم على خطبة المخطوبة إلا إذا علم عدم رضاها( ).
ونقل عن ابن القاسم صاحب مالك أن الخاطب الأول إذا كان فاسقا جاز للعفيف أن يخطب على خطبته( ).
28_التصريح بخطبة المعتدة :
فمن الأخطاء في الزواج التصريح بخطبة المعتدة من طلاق أو وفاة، فتجد من يخطب المعتدة صراحة من نفسها، أو من وليها، إما لجهله، أو لرقة دينه، أو لخوفه من أن تخطب.
وهذا أمر محرم؛ إذ لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة مطلقاً، فقد شدد أهل العلم في النكير على من خطب امرأة في عدتها.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه×: =لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ولو كانت في عدة وفاة باتفاق المسلمين؛ فكيف في عدة الطلاق؟
ومن فعل ذلك يستحق العقوبة التي تردعه و أمثاله عن ذلك، فيعاقب الخاطب و المخطوبة جميعا، ويزجر عن التزويج بها معاقبة له بنقيض قصده والله أعلم+( ).
وكما لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة مطلقاً لا يجوز التعريض بخطبة المعتدة الرجعية.
أما المعتدة من وفاة فيجوز التعريض بخطبتها، وأما التعريض بخطبة المطلقة ثلاثاً فقد اختلف العلماء فيه؛ فذهب الحنابلة إلى جواز ذلك، وهذا القول هو الأظهر عند الشافعية، أما الحنفية فالأظهر عندهم عدم الجواز( ).
وعمدة من منع التعريض بخطبة المطلقة ثلاثاً أن النص المبيح للتعريض بالخطبة وهو قوله_تعالى_: [ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النكاح] إنما ورد في المعتدة من وفاة؛ فلا يجوز تعديته من المعتدات.
والذين أجازوا التعريض بخطبة المعتدة من طلاق الثلاث حجتهم أن هذه المرأة لا تجوز رجعتها إلى مطلقها كما لا يمكن للمعتدة من وفاة أن تعود إلى زوجها المتوفى؛ فالمعنى موجود في الحالين بخلاف المعتدة من طلاق رجعي.
وقول المانعين أرجح؛ فالمطلق قد يتأذى من التعريض بخطبة زوجته، وقد يترك هذا التعريض عداوة و أحقاداً؛ فالعهد برباط الزوجية قريب، والنفوس تحتاج إلى مدة؛ لتهدأ، وتنسى( ).
و الحكمة من وراء المنع من التعريض في خطبة المعتدة الرجعية أنها في حكم الزوجة.
يقول الشافعي×: =أما المرأة يملك زوجها رجعتها فلا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة في العدة؛ لأنها في كثير من معاني الأزواج، وقد يُخاف إذا عرض لها من ترغب فيه بالخطبة أن تدعي بأن عدتها حلت وإن لم تحلَّ+( ).
و التصريح بخطبة المعتدة كأن يقول لها : أريد نكاحك، أو إذا انقضت عدتك نكحتك، أو نحو ذلك.
والتعريض كأن يقول كلاماً محتملا ًغير صريح بالخطبة كقوله: رب متطلع إليك، وراغب فيك، وحريص عليك، أو أن يقول : إنك علي لكريمة، وإن الله لسائق إليك خيراً أو رزقاً.
بل ومن العلماء من يرى التعريض أن يقول : أنت جميلة ومرغوب فيك، أو نحو ذلك( ).
29_ نكاح الشغار :
الشغار في اللغة : الخلو، يقال : بلد شاغر إذا خلا من السلطان.
وأصله مأخوذ من شغور الكلب، يقال : قد شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه للبول؛ لخُلُو الأرض منها ( ).
قال النووي×: =الشغار بكسر الشين المعجمة، وبالغين المعجمة أصله في اللغة الرفع، يقال : شغر الكلب إذا رفع رجله؛ ليبول، كأنه قال : لا ترفع رجل بنتي حتى أرفع رجل بنتك.
وقيل : هو من شغر البلد إذا خلا؛ لخلوه من الصداق.
ويقال : شغرت المرأة إذا رفعت رجلها عند الجماع+( ).
هذا وقد جاء النهي عن الشغار مفسراً في الحديث الذي رواه البخاري، قال : =حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ أن رسول الله "نهى عن الشغار.
والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق+( ).
قال النووي×: =وصورته الواضحة: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، ويضع كل واحدة صداقاً للأخرى، فيقول : قبلت، والله أعلم+( ).
قال الزركشي× : =سمي هذا النكاح نكاح الشغار، قيل : لقبحه؛ تشبيهاً برفع الكلب رجله؛ ليبول في القبح يقال : شغر الكلب إذا فعل ذلك+( ).
قال ابن حجر× : =قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز، ولكن اختلفوا في صحته؛ فالجمهور على البطلان، وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده، وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي، وذهب الحنفية إلى صحته ووجوب مهر المثل، وهو قول الزهري، ومكحول، والثوري، والليث، ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور، وهو قول على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة+( ).
قال ابن حجر : =تنبيه : ذكر البنت في تفسير الشغار مثال، وقد تقدم في رواية أخرى ذكر الأخت+( ).
وقال النووي×: =أجمعوا على أن غير البنات من الأخوات وبنات الأخ، والعمات، وبنات الأعمام، والإماء كالبنات في هذا+( ).
30_ نكاح التحليل :
فمن الناس من يطلق زوجته، وبعد أن َتبيْنَ منه يندم على تطليقه لها، فيعاوده الحنين إليها، ويحرص على أن تعود إليه.
ومما يسلكه بعض المحتالين في هذا الشأن أن يعمد إلى رجل آخر، فيتفق معه على أن يتزوج مطلقته، ثم يطلقها، ثم بعد ذلك يتقدم إلى خطبتها بعد أن تبين وتعتد من الزوج الثاني، وربما دفع الأول مبلغا من المال مقابل ذلك التحليل، وربما تكفل بجميع تكاليف الزواج.
وربما كان ذلك من الزوجة؛ حيث تتزوج من آخر كي يحللها لزوجها الأول إذا آنست منه رغبة فيها.
وهذا النوع من النكاح حرام، وهو باطل في قول عامة أهل العلم، ومنهم الحسن، والنخعي، وقتادة، ومالك، والليث، والثوري، وابن المبارك، والشافعي.
وحكي عن أبي حنيفة يصحح النكاح، ويبطل الشرط( ).
هذا وقد جاء النهي عن نكاح المحلل في قول النبي "أنه قال : =لعن الله المحلل والمحلل له+.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيميه عن رجل حنث من زوجته، فنكحت غيره؛ ليحلها للأول؛ فهل هذا النكاح صحيح أم لا؟
فأجاب : =قد صح عن النبي"أنه قال : =لعن الله المحلل والمحلل له+( ).
وعنه أنه قال :=ألا أنبئكم بالتيس المستعار؟+
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال : =هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له+.
و اتفق على تحريم ذلك أصحاب رسول الله"والتابعون لهم بإحسان، مثل عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن عمر وغيرهم، حتى قال بعضهم : لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذا علم الله من قلبه أنه يريد أن يحلها له.
وقال بعضهم : لا نكاح إلا نكاح رغبة، لانكاح دلسة.
وقال بعضهم : من يخادع الله يخدعه.
وقال بعضهم : كنا نعدها على عهد رسول الله "سفاحا.
وقد اتفق أئمة الفتوى أنه إذا شرط التحليل في العقد كان باطلا.
وبعضهم لم يجعل للشرط المتقدم ولا العرض المطرد تأثيرا، وجعل العقد مع ذلك كالنكاح المعروف نكاح الرغبة.
وأما الصحابة والتابعون وأكثر أئمة الفتيا فلا فرق عندهم بين هذا العرف واللفظ.
وهذا مذهب أهل المدينة، وأهل الحديث، وغيرهما والله أعلم+( ).
31 _ اشتراط المرأة طلاقَ ضرتها :
فمن النساء ومنْ أوليائهن َمنْ إذا تقدم لهم رجل بالخطبة وهو متزوج بامرأة أخرى اشترطوا عليه أن يطلق زوجته السابقة.
ومن الزوجات ومن أوليائهن من إذا تزوج الزوج بثانية ثاروا، وأكثروا عليه القول بأن يطلق الجديدة، وإلا هددوه بأن تتركه زوجته الأولى.
وذلك الشرط، وهذا العمل باطل؛ إذ هو دال على أثرة قبيحة، وضيق بالنفس، وشح بالخير، كما أن فيه ظلماً وعدواناً.
قال ابن قدامه ×: =إن اشترطت عليه أن يطلق ضرتها لم يصح الشرط؛ لما روي عن أبي هريرة ÷قال: =نهى رسول الله"أن تشترط المرأة طلاق أختها+
والنهي يقتضي الفساد المنهي عنه؛ لأنها اشترطت فسخ عقده، وإبطال حقه من حق امرأته+( ).
والحديث الذي أشار إليه ابن قدامه رواه البخاري في صحيحه من رواية أبي هريرة.
وفي رواية أن النبي"قال : =لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها؛ فإنما لها ما قدر لها+( ).
هذا وقد بوب البخاري×في صحيحه بابا قال فيه : =باب الشروط التي لاتحل في النكاح، وقال ابن مسعود : لا تشترط المرأة طلاق أختها+( ).
ثم ساق حديث أبي هريرة ÷.
32_ التحرج من رؤية المخطوبة :
فمن الناس من يتحرج كثيراً في مسألة النظر إلى المخطوبة؛ فإذا أراد الزواج، وتقدم لخطبة امرأة تحرج من إبداء رؤية المخطوبة؛ لظنه أن ذلك عيب.
وبعض الأولياء إذا طلب منه الخاطب رؤيةَ المخطوبة غضب أشد الغضب، وربما وصف الخاطب بالصفاقة وقلة الحياء، وربما عد رفضه من جملة المناقب التي يفاخر بها.
فهذا المظهر دليل جهل تعاني منه بعض المجتمعات الإسلامية؛ حيث تتشدد بعض الأسر في رؤية المخطوبة، فلا تجيز ذلك إلا ليلة الزواج، فيقدم الزوج على شبه المجهول، وربما وقع ضحية لمبالغة في وصف المخطوبة، فوضع في ذهنه صورة مغرقة في الخيال، فإذا دخل ورأى ما رأى هاله المنظر، وكذب الخُبْرُ الخََبَرَ.
وكم من خاطب تقدم لخطبة فتاة دون أن يراها، فلما دخل بها فوجئ بما لم يكن في حسبانه، فوقع الطلاق.
وربما كان ذلك في صبيحة ليلة الزواج، وربما وقع الطلاق بعد يومين، وربما جامل مدة من الزمن ثم لم يعد يطيق الصبر.
ولا يلزم من ذلك أن تكون الفتاة دميمة أو غير مقبولة، بل قد تُرفض وهي على درجة من الجمال.
وإنما يروق لفلان مالا يروق لفلان، ولولا اختلاف الأذواق لكسدت السلع في الأسواق، وللناس فيما يعشقون مذاهب.
ومن هنا يتبين لنا وجه الخطأ من التحرج في رؤية المخطوبة.
بل إن هناك ملمحاً آخر، وحكمة أخرى لا يفطن لها كثير من الناس، وهي أن المرأة قد لا يروقها الخاطب، فلها أن تمانع في قبوله؛ فليست مصلحة النظر مقتصرة على الخاطب، بل هي متعدية للمخطوبة [ولهن مثل الذي عليهن] (البقرة:228)( ).
إن التوافق سبب لنجاح الزواج، ودوام الألفة، والعكس بالعكس.
ولهذا جاء الشرع المطهر الحكيم بمشروعية الرؤية، وجاءت العلة لذلك أنها أحرى لدوام العشرة.
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة ÷ قال:=كنت عند رسول الله"فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال له رسول الله":=هل نَظَرْت إليها؟ قال : فأذهب فأنظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً+( ).
قال قد نظرت إليها+( ).
وعن جابر بن عبد الله _ رضي الله عنهما _ قال : قال =رسول الله": =إذا خطب أحدكم فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل+.
فخطبت جارية، فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها وتزوَُجها، فتزوجتها+( ).
وروى الترمذي في سنته عن الغيرة بن شعبة ÷أنه خطب امرأة فقال له النبي": =انظر إليها، فأنه أحرى أن يؤدم بينكما+.
قال الترمذي : =ومعنى=أحرى أن يؤدم بينكما+: أحرى أن تدوم المودة بينكما+( ).
وهذه الأحاديث تدل على استحباب النظر إلى المخطوبة، فالرسول "أمر في تلك الأحاديث بالنظر إلى من يريد الرجل خطبتها، وعلل ذلك _ صلوات الله وسلامه عليه _ بقوله : =فإنه أحرى أن يؤدم بينكما+.
والمراد أن الذي يقدم على الزواج وقد رأى المخطوبة، واستراحت نفسه إلى الإقدام على الزواج منها _ حري أن تدوم العشرة بينه وبينها.
وهذا أولى من أن يراها بعد أن يعقد عقدة عليها، فيفاجأ بأنها غير مناسبة له، فتجفوها نفسه؛ فترك الخطبة _ والحالة هذه _ أهون عليه وعليها وعلى أهلهما من تطليقها بعد زواجه منها( ).
قال ولي الله الدهلوي×: =والسبب في استحباب النظر إلى المخطوبة أن يكون الزوج على روية، وأن يكون أبعد من الندم الذي يلزمه إن يكون الزوج على رَويَّة، وأن يكون أبعد من الندم الذي يلزمه إن اقتحم في النكاح ولم يوافقه فلم يُردْه، وأسهل للتلافي إن رد، وأن يكون تزوجهما على شوق ونشاط إن وافقه.
والرجل الحكيم لا يلج مولجاً حتى يتبين خيره وشره قَبْلَ وُلُوجه+( ).
وعبارات أهل العلم الذين بينوا حكم الرؤية دائرة بين الإباحة والاستحباب.
يقول النووي ×: =وإذا رغب في نكاحها استحب له أن ينظر إليها؛ لئلا يندم، وفي وجه لا يستحب هذا النظر بل هو مباح، والصحيح الأول، للأحاديث+( ).
وقال المرادي الحنبلي ×:=يجوز النظر إلى المخطوبة وهذا هو المذهب، وقيل : يستحب،وهذا هو الصواب+( ).
وان لم ينظر إليها فلا خلاف بين العلماء في صحة الزواج؛ فان النظر مباح أو مسنون،ولم يقل أحد بوجوبه ( ).
ومما يحسن التنبيه عليه في مسألة النظر ما يلي :
أ_ نظر المخطوبة إلى الخاطب : نص الفقهاء إلى انه يندب للمرآة أن تنظر إلى من تقدم لخطبتها؛ فانه يعجبها منه ما يعجبه منها( ).
والمصلحة المرادة من النظر _وهي دوام الألفة _ تتحقق بنظر المرآة كما تتحقق بنظر الرجل؛ فان المرآة إذا لم تر الرجل إلا بعد الزواج قد تكرهه بمجرد رؤيته، فيلحقها، ويلحق الزوج عنت ومشقه كان يمكن تلافيها، وذلك برد الخاطب من أول الأمر.
وهذا يوفر الأموال، ويحفظ المشاعر من الآلام، نتيجة الفراق بعد العقد أو الدخول.
ويمكن أن يقال بان الشارع لم يوجه المرآة إلى النظر إلى الرجل لان الرجال ظاهرون بارزون في المجتمع، لا يخفون كما تخفى النساء.
وبذلك تستطيع المرآة _ إن شاءت _إن تنظر إلى الرجل بيسر وسهولة إذا تقدم لخطبتها( ).
ب_ هل يلزم استئذان المخطوبة بالنظر إليها؟: الأصل أن يستأذن الخاطب المخطوبة أو أهلها عندما يرغب رؤيتها.
ولكن الفتاة غير ملزمة لمقابلته لينظر إليها.
وقد أجاز أهل العلم للخاطب أن ينظر إليها من غير أن تعلم أو تأذن.
وهذا ما دل عليه حديث جابر ÷.
قال ابن حجر_رحمه الله _ =قال الجمهور : يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير أذنها+( )
بل أن بعض الفقهاء يرى انه يسن النظر إلى المخطوبة، وان لم تأذن هي ولا وليها، وعلل ذلك بأمرين :
الأول : أن الشارع أذن بالنظر من غير إذنها.
والثاني : الخوف من أن تتزين أن علمت انه سوف ينظر إليها، فيفوت غرضه من النظر وهو رؤيتها على طبيعتها( ).
بل وان هناك مصلحه أخرى وهي أن لا تنكسر نفسها إذا لم يقبلها؛ إذ يمكن أن يقال لها : إنه عدل عن الزواج، أو نحو ذلك من الاعتذارات التي لا تجرح شعورها.
قال النووي _ رحمه الله _=ثم مذهبنا، ومذهب مالك، وأحمد، والجمهور انه لا يشترط في جواز هذا النظر رضاها، بل له ذلك في غفلتها، ومِنْ غير تقدم إعلام، لكن قال مالك : أكره نظرة في غفلتها؛ مخافةً وقوع نظرة على عوره، وعن مالك رواية ضعيفة أنه لا ينظر إليها إلا بإذنها، وهذا ضعيف؛ لأن النبي"قد أذن في ذلك مطلقاً، ولم يشترط استئذانها، ولأنها تستحي غالبا من الإذن ولأن في ذلك تغريراً فربما رآها فلم تعجبه، فيتركها، فتنكسر وتتأذى+( )
ومن الطرق التي تجدي في مسالة النظر إذا مانعت المرأة أن يتخبأ لها كما صنع جابر÷.
ومنها أن يأتي وليها بالخاطب، ويكون هو وإياه في مكان ما في البيت إما في سطح المنزل، أو من خلال نافذة إحدى الغرف، فإذا مرت المرأة اطلعه عليها، إلى غير ذلك من الطرق.
ج_ ما وقت النظر إلى المخطوبة؟ : والجواب عن ذلك أن أهل العلم قد اختلفوا في الوقت الذي يحل للخاطب فيه النظر إلى المخطوبة، فقيل : حين تأذن المخطوبة في عقد النكاح.
وقيل : عند ركون كل واحد منهما إلى صاحبه، وذلك حين تحرم الخطبة على الخطبة( ).
والصحيح _إن شاء الله _أن وقت النظر يكون قبل الخطبة، وبعد العزم على النكاح، لأنه قبل العزم لا حاجة له على النظر، وبعد الخطبة قد يفضي الحال إلى الترك فيشق عليها.
وهذا ما رجحه النووي، والشربيني، وصاحب كفاية الأخيار( ).
د_ ما حدود النظر؟ أما حدود ما ينظر من المخطوبة فلا يختلف العلماء القائلون بإباحة النظر أو استحبابه أنه يجوز النظر إلى الوجه والكفين.
قال الشربيني : =الحكمة من الاقتصار على الوجه والكفين أن في الوجه ما يستدل به على الجمال، وفي اليدين ما يستدل به على خِصَب البدن+( ).
وهناك من قال : ينظر إلى الرقبة والساقين( ).
وهناك من قال : ينظر إليها كلها( ).
والقول الراجح هو قول قصر النظر على الوجه والكفين.
قال النووي×=وقال داود : ينظر إلى جميع بدنها، وهذا خطأ ظاهر منابذ لأصول السنة والإجماع+( ).
يقول الدكتور عمر الأشقر _ حفظه الله _ =والقول الذي نرجحه قول من قصر النظر على الوجه والكفين، فالنظر إلى الوجه هو الذي يعطي الناظر انطباعاَ بالموافقة أو الرفض، ولا يكاد أحد يطيق نقل هذا الانطباع بطريق الوصف.
أما غير ذلك من الأوصاف فيمكن أن يستفسر عنها، وتنقلها له أمه أو أخته.
ويدلنا على صحة هذا القول أن الناظر وإن كان مأموراً بالنظر _ إلا أنه لم يأت نص يبيح للمرأة المخطوبة أن تخلع لباسها للخاطب+( ).
إلى أن قال : =ومراد الذين قالوا بجواز النظر إلى جميع الجسد أي في حال نظر الخاطب إليها وهي لا تعلم بذلك، فأنه يبعد أن يجيز عالم للمرأة أن تتعرى للخاطب كي ينظر إليها، فأن وجد من يقول بذلك فإن قوله مردود عليه، غير مقبول منه+( ).
أما حدود نظر المخطوبة للخاطب فقد اختلف فيه أهل العلم، والصواب أنه إذا وقع نظرها على أكثر من الوجه والكفين لم يحرم، فعورة الرجل ما بين السرة والركبة( ).
والخلاصة أن النظر مهم، وأدعى لتوافق الزوجين، وليس معنى هذا أن الإخفاق هو مصير الزواج الذي لا يحصل قبله النظر، ولكن ذلك سبب من الأسباب، والإنسان مأمور بفعل السبب، والله وحده هو الموفق.
33_ التحرج من العدول عن الخطبة بعد الرؤية :
فمن الناس من يتحرج شديداً من العدول عن الخطبة بعد الرؤية، فتراه يضيق إذا لم ير ما يناسبه، ويتحرج من العدول عن الخطبة، وربما جامل وقبل على مضض.
والواقع أن هذا أمر يسير، فلا يحسن بالمرء أن يهلك نفسه أسفاً كما ينبغي أن لا يعظم في نفس المخطوبة أن يعدل الخاطب عنها، فعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم.
ومثل ذلك يقال للخاطب إن لم تقبل به المخطوبة.
ومما يعين على السلامة من العدول عن الخطبة بعد الرؤية أن يتحرى الخاطب في السؤال، وأن يستخير، وألا يقدم إلا وهو مطمئن من الإقدام.
34_ إخبار الخاطب بوصف المخطوبة وعيوبها إذا لم يكتب زواج :
فإذا نظر الخاطب إلى المخطوبة، فلم تقع في نفسه، ولم تنل إعجابه _ فينبغي أن يسكت، ولا يجوز له أن يذيع ما يسوؤها وأهلها، فربما أعجب غيره ما لم يعجبه، فقد لا تروقه بعض الصفات التي قد تروق غيره.
بل قد قرر بعض أهل العلم أنه لا ينبغي له أن يقول : لا أريدها، لأن في ذلك إيذاءً لها( ).
وكما لا ينبغي ذلك للخاطب، فكذلك لا ينبغي للمخطوبة أن تذكر الخاطب بسوء إذا لم تقبل به.
ومن هنا يتبين لنا خطأ بعض الناس سواء الخاطب، أو المخطوبة، أو أهلهما، فإذا لم يحصل موافقة من أحد الطرفين بدأ بذكر مساوئ الآخر، والتحذير والتنفير منه.
35_ المبالغة في مدح المخطوبة إذا تعذرت رؤية الخاطب :
فمن الأخطاء في باب الزواج أن يُبَالَغ في مدح المخطوبة إذا تعذرت رؤية الخاطب؛ فقد مر بنا أن الرؤية مباحة أو مستحبة، وليست واجبة.
فإذا تعذرت الرؤية فللخاطب أن يوكل غيره في النظر إلى المخطوبة، وذلك بان يوصي بعض قريباته في النظر إلى المخطوبة وإعطائه نبذة عن مواصفاتها.
ولكن يحسن به ألا يوكل إلا عاقلة متزنة؛ كي تعطيه الوصف بلا وكس ولا شطط؛ لأن من النساء من تبالغ في وصف المخطوبة مبالغة خارجة عن طورها، فإذا دخل الخاطب بالمخطوبة فوجئ بأن الأمر على خلاف ما ذكر؛ ولهذا ينبغي الحرص على اختيار العاقلة الموثوقة في مسألة الرؤية، أو العاقل المنصف من محارمها.
كما ينبغي لمن وكِّل في مسألة النظر أن يصور الحقيقة كما هي، حتى لا يجني على أحد من الطرفين.
قال النووي×: =وإذا لم يمكنه النظر أستحب له أن يبعث امرأة يثق بها تنظر إليه، وتخبره، ويكون ذلك قبل الخطبة+( ).

يتبع ..









رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 17:23   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

36_ الخلوة بالمخطوبة والخروج بها :
فكما أن هناك أسراً تتشدد في مسألة الرؤية، وترى أنها عيب وعار _ فهناك أسر على النقيض من ذلك تماماً، حيث تبيح للخاطب أن يخلو بمخطوبته، وتسمح له بمرافقتها في الأماكن العامة.
ولا ريب أن هذا حرام قد نهى عنه الشرع المطهر.
قال النبي":=لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما+( ).
=ولا يجوز للخاطب الخلوة بالمخطوبة؛ لأنها محرمة، ولم يَرِيد الشرع بغير النظر، فبقيت الخلوة على التحريم، ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور+( ).
ثم أن في ذلك إضراراً بالفتاة؛ وذلك لأن فترة الخطبة لا تُرتِّب على الخاطب أي التزام، فيستطيع أن ينسحب في أي وقت دون أن يُطالَب بشيء، وبعد ذلك يترك سمعة الفتاة تلوكها الألسنة، مما يترك أسوأ الأثر في حياتها ومسيرة مستقبلها؛ إذا لا يرغب خاطب آخر أن يتقدم لخطبة فتاة خلت بإنسان، وخرجت معه أمام أعين الناس.
ويزعم الذين انحرف بهم المسار عن دين الله أن خروج الخاطب مع مخطوبته، وخلوته بها أثناء فترة الخطوبة، بل وسفره معها _ أمر لابد من لأنه يؤدي إلى تقارب وجهات النظر، وتَعَرٌّف كل من الطرفين على صاحبه عن كثب.
و لا ريب أن هذا وهم كاذب، وسراب خادع، يؤدي إلى عواقب وخيمة.
ومن نظر في مسيرة الغرب ومن سار في ركابه في هذه المسألة _ يجد أن سبيلهم هذا لم يؤدِّ إلى التعارف والتآلف، بل كثيراً ما يهجر الخاطب مخطوبته بعد أن يفقدها شرفها، وربما أودع في رحمها جنيناً تشقى به وحدها، وقد ترميه من غير رحمة؛ حفاظاً على سمعتها.
ثم أن الذين توصلهم الخطبة إلى الزواج لا يصلون إلى ما يريدون من معرفة الطباع اللازمة لبعض؛ فكثيراً ما يكتشف كل واحد من الزوجين أن تلك الخطبة الطويلة لم تظهر له الطرف الآخر على حقيقته؛ ذلك أن كُلاً منهما يتكلف غير طباعه أثناء تلك الفترة؛ غذ هي فترة المثيل، والتجمل، والتصنع؛ حيث يحرص كل واحد منهما على الظهور بالمظهر اللائق أمام الآخر، مع حرص شديد على إخفاء كل عيب و نقيصة، سواء في الخَلْق؛ فإذا تم الزواج ظهر كُّل على حقيقته.
ومن يبتدع خُلْقاً سوى خُلْقِ نفسه
يَدَعْهُ وتُرْجِعْهُ إليه الرواجعُ

وبذلك يصاب كثير من الأزواج بخيبة الأمل؛ حيث يشعر أن الطرف الآخر قد دَلَّسَ عليه( ).
ثم إن الخاطب في تلك الفترة الطويلة قد يمل مخطوبته، وربما تاقت نفسه إلى غيرها قبل أن يعزم عقد النكاح، فيدع مخطوبته بعد تلك الفترة.
ومن هناك لنا وجه الخطأ في خلوة الخاطب بمخطوبته، وخروجه معها ويتبين _ أيضاً _عظمه الإسلام في هذا الشان؛ حيث اتخذ موقفاً حكيماً وسطأً يحقق الخير للطرفين دون أن يلحق ضرراً أو أذىً بأي منهما؛ فأباح للخاطبين أن يرى كل منهما الأخر ضمن ضوابط تصون سمعة الفتاة، وتسمح للخاطب أن يتقدم وهو على بينةٍ من أمره.
ثم إن الكشف عن أخلاق الطرف الأخر يمكن التعرف عليها ممن جاور الفتاة، وأهلها، أو عرفهم عن طريق الصداقة أو القرابة( ).
37_ المغالاة في المهور :
فغلاء المهور من قواصم الظهور، تلك المصيبة التي أكثرت العوانس في البيوت، وأكثرت شباباً عزاباً من المسلمين؛ فغلاء المهور حجر عثرة في طريق الزواج.
وكم من عانس جلست عالة على أهلها تعاني الأمَرَّين، والسبب أن والدها فرض شروطا مالية هي أشبه بالآصار والأغلال؛ حيث جعل ابنته سلعة تجارية، وميدانا للتفاخر والمزايدات.
ولئن سالت كثير من العزاب : لم لا تتزوجون؟ ليقولن : كيف نتزوج من هذه الشروط المرهقة، التي تجلب الإفلاس على الأغنياء، فكيف بالفقراء من أمثالنا؟
وإن كثر من هؤلاء لصادق، وإن عذرهم لَبينِّ، ولا وملامة عليهم بذلك.
وإنما اللوم على هؤلاء الذين حكَّموا العوائد، ونبذوا هداية الدين، وإرشادات العقل، وشهادة الواقع.
ولو أننا وقفنا عند حدود الله، واتبعنا ما كان عليه سلفنا الصالح، ويسرنا ما عسَّرته العوائد في أمور الزواج لما وقعنا في المشكلة.
لكننا عسَّرنا اليسير، وحُكَّمنا العوائد في مسألة مهمة كهذه، فأصبح الزواج الذي جعله الله سكناً وألفة ورحمة _ سبيلاً للقلق، والبلاء والشقاء.
وأصبح اللقاء الذي جعله الله عمارة بيت، وبناء أسرة سبباً لخراب بيت الزوجية؛ بما فرضته العوائد من مغالاة في المهور، وتفنن في النفقات و المغارم( ).
ولهذا كثر الإعراض عن الزواج، وآثر كثير من الشباب الزواج من الخارج؛ رغبة في يسر المؤونة، وقلة الكلفة، بدلاً من الانتظار الطويل لجمع مال كثير ينفق في ليلة أو بضع ليال( ).
ثم بعد ذلك يتحمل الزوج الديون الثقيلة، التي تكبر همومها مع الأيام، أو يتحمل المنة إذا كان المدين فرداً يصدع قناة عزته، أو يتحمل معاناة التسديد للأقساط لشهور طويلة، أو سنوات عديدة كحال من يشتري سيارة بالتقسيط ثم يبيعها نقداً بسعر أقل، إلى غير ذلك مما يثقل كاهل الزوج و وينعكس على الحياة الزوجية؛ إذ يعيش الزوج في نكد وكدر.
ولو قارنا بين فعل كثير من الناس اليوم، وبين هدي الإسلام وسير السلف الصالح في هذا الأمر _ لوجدن البون شاسعاً، والشقة بعيدة؛ فبينما هدي الإسلام وسير السلف يناديان بالقصر بالمهور _ إذا كثير من المسلمين بخلاف ذلك والله المستعان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، فتزوج عبدالرحمن بن عوف في عهد رسول الله "على وزن نواة من ذهب، قالوا : وزنها ثلاث دراهم وثلث، وزوج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين وهي من أفضل أيِّم من قريش بعد أن خطبها الخليفة لابنه فأبى أن يزوجها+( ).
وقال الشافعي× : =والقصد في المهر أحب إلينا، وأستحب ألا يُزاد في المهر على ما أصدق رسول الله "به نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم+( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية×:=والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي"ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة نحواً من تسعة عشر ديناراً؛ فهذه سنة رسول الله "+( ).
وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن انه قال : =سألت عائشة _ رضي الله عنها _ : كم كان صداق رسول الله "؟
قالت كان صداقة لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشَّاً، قالت أتدري ما النَشُّ؟
قلت : لا، قالت : نصف أوقية؛ فتلك خمسمائة درهم+( ).
وعن أبي عجفاء السلمي قال :=خطبنا عمر يوماً فقال : =ألا لا تغالوا في صَدُُاقات النساء؛ فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله "ما أصدق رسول الله "امرأة من نسائه، ولا أُصدِقتْ امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية+( ).
وعن عبدالله بن عباس _رضي الله عنهما _ قال :=لما تزوج على بفاطمة _ رضي الله عنهما_وأراد أن يدخل بها قال له رسول الله": =أعطها شيئاً+.
قال : ما عندي شي، قال =أين دِرْعُك الحُطَمية؟ ( )+ فأعطاها درعه+( ).
ولقد غضب رسول الله "من كثرة المهر، فقد جاء رجل من الصحابة يستعينه، فقال رسول الله": =على كم تزوجتها؟ =قال : على أربع أواق.
فقال له النبي": =على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه+( ).
هكذا كانت سيرة السلف الصالح_ رضي الله عنهم _ في شأن المهر، ثم خاف من بعدهم خَاْف سيطر على أفكارهم النظرة التجارية، فتراهم يغالون في المهور، ويتنافسون في ذلك ويتفاخرون( ).
38_ المبالغة في تكاليف الزواج :
وهذه _ في الحقيقة _ مهر آخر، ونفقات ثقيلة، يعجز عن تحملها الخاطب في كثير من الأحيان، وهي من الأعراف الاجتماعية المستحكمة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وإنما هي إسراف وبطر؛ فمن مظاهر ذلك ما يلى :
أ _ المبالغة في الهدايا : فهناك هدايا الخطبة، وهدايا المواسم، وهدايا صبيحة العرس، وهدايا لإخوان الزوجة، وأم الزوجة، ووالد الزوجة وربما أقاربها، وربما شملت المدعوين إلى غير ذلك من الهدايا التي تثقل كاهل الخاطب.
إن الإسلام لم يشرع في نفقات العقد والزفاف سوى المهر للمرأة، والوليمة للعرس، وإكرام الضيف بما يناسب الحال.
أما ما عداها من هدايا ونفقات وتكاليف فإنها ليست على سبيل الفرض والحتم، وليست من شروط العقد والنكاح في شئ، وأما تعُود إلى حرية الخاطب ويُسْره المالي؛ فإن فعل فلا حرج، وإن ترك فلا تثريب، على ألا يبلغ به الحال حد السرف، والتظاهر بمظهر التفاخر والتباهي( ).
ب_ المباهاة في بطاقات الدعوة : فمن الناس من لا يهدف من ورائها إعلام الناس بإن هناك زواجاً سوف يقام، وأنما أصبحت مجالاً للمباهاة والتفاخر حيث تكلف البطاقة الواحدة عشرة ريالات، أو خمسة عشر ريالاً؛ لما لها من أشكال غريبة، أو زخارف متنوعة، وربما وضع فيها بعض الحلوى؛ فَتَفْتَح بذلك باباً من الشر على الضعفاء والمساكين، حيث تَكْسِرُ قلوبهم، وتورثهم الحسرة.
ج_ إقامة الأفراح في الفنادق والصالات : ولو كان من ذلك أن البيت لا يتسع لهذه الوليمة لربما هان الطب.
ولكن الأمر أصبح مجالاً للتفاخر من حيث غلاء الصالة أو ذلك الفندق، وما يقدم من خدمات راقية، وأصبحنا نسمع أن هناك من يدفع الخمسين ألفاً وربما مائة ألفٍ في الليلة الواحدة.
ولو كان ذلك في المنزل واقْتُصِر على الأقارب أو خاصة الأقارب لكان أرضى لله، اسلم عاقبة.
ثم إن كان هناك من حاجة لصالات الأفراح فليكن في مكان متواضع يفي بالغرض بعيداً عن السرف والبطر.
د_ طرحة العروس : وهي ما تلبسه العروس ليلة الزفاف، حيث تنفق الأموال الطائلة على الطرحة، وما هي إلا لبسة واحدة في ليلة واحدة.
وإذا أشير على بعضهن أن تستعير ملابس أختها شمخت بأنفها، وقالت كيف ألبس ما قد استعمل من قبل؟!
هـ _ ملابس الحاضرات : وهذه إحدى الفواقر، فلا يخفى ما ينفق من أموال طائلة على مثل هذه الملابس ح وذلك أن المرأة تستنكف أن تلبس ما قد لبسته من قبل؛ بحجة أن الناس رأوها بذلك اللباس، فتراها تلبس لكل مناسبة لباساً جديداً هي وبناتها.
ولو قمت بعملية حسابية لِمَا تبلغ تلك التكاليف لهالك الأمر واستهوتك أحزان.
و _ التبذير في الأطعمة والوجبات : فاللحوم، والأرز، والفواكه، والمشروبات والحلوى و والورود وغير ذلك مما يراد به البطر، ومما يكون مصيره صناديق القمامة و فيكون صاحب الوليمة مذمة للعقلاء من الناس.
بل إن الوجبات تتعدد؛ فبدلاً من أن يكتفي بوجبة واحدة إذا هي تكون عدة وجبات وفي أيام متفرقة.
ز _ جلب المغنين والمغنيات : حيث يؤتى بهؤلاء مقابل مبالغ طائلة، فيجتمع إلى الإسراف ارتكاب ما حرَّم الله من الغناء الماجن الذي يغري بالرذيلة، ويزري بالفضيلة.
لا بأس بإظهار الفرح، وضرب الدف للنساء.
أما ما يحصل في بعض الأفراح من الغناء المحََّرم، وما يكون من اختلاط بين الرجال والنساء فليس من الإسلام في شيء( ).
كذلك ما يكون من رقص النساء، حيث تقوم الواحدة تختال كبراً وخيلاء، وربما قلدت الكافرات والعاهرات في أساليب الرقص شرقيِّه وغربيِّه؛ فأن كان رقصها رائقاً فقد تصاب بعين، وإن كان خلاف ذلك سلقها الحضور بألسنة حداد داخل الحفل وخارجه؛ فهل هذا مما تمدح بها المرأة؟ وهل هذا مما يرفع من قدرها؟ لا؛ وألف لا؛ وإنما مقدارها وزينتها وجمالها وكمالها بحيائها، ورجاحة عقلها، وسجاحة خلقها.
هذه بعض مظاهر السرف والمبالغة في تكاليف الزواج، وأن تبعهَّ كبيرة تقع على الموسرين والوجهاء؛ فهم من أولى الناس بأن يقتدى بهم في الاقتصاد؛ فما بال بعضهم ينفق في سبيل لذاته ومباهاته ولا يبالي؟ وإذا طلب منه بذل القليل في مشروع جليل أعرض ونأى بجانبه؟!
وإذا كان الموسر الذي يسرف في الزينة والملاذِّ موضع الملامة _فأولى باللوم والموعظة ذلك الذي يتكلف للملابس النفيسة، والمطاعم الفاخرة، والمظاهر البراقة، ويأتيها من طريق الاقتراض؛ فأن الهم والذل الذينِ يجرهما الدَّينُ يقلبان كلَّ صفوٍ إلى كدر و وكل لذة إلى مرارة.
وإنما رجل الدنيا وواحدها من تكون همته وإرادته فوق عواطفه وشهوته؛ فإذا نزعت نفسه إلى زينة أو لذة لا ينالها إلا أن يبذل شيئاً من كرامته _ راضها بالحكمة و وقدها بالقناعة، وأراها أن مثقال ذرَّةٍ من الكرامة يرجع بالقناطير المقنطرة من زينة هذه الحياة الدنيا.
والخلاصة أن الإسلام جرى بالنفوس في الاستمتاع بالزينة والملاذ في طريق وسط، فدل على أنه الدين الذي يهدي إلى السعادة الأخرى، ويرضى لأوليائه أن يعيشوا عيشاً طيباً في الحياة الدنيا( ).
39_ ترك إجابة دعوة الوليمة بلا سبب :
الوليمة اسم لطعام العرس خاصة وقيل : تقع على كل طعامٍ لسرور حادث، إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر( ).
قال ابن حجر×: =وجزم المازري ثم القرطبي بأنها لا تطلق في غير طعام العرس إلا بقرينة+( ).
قال الزركشي×: =قال السامري : سميت دعوة العرس وليمة؛ لاجتماع الزوجين، ووليمة الشيء كماله وجمعه والله أعلم+( ).
فالوليمة _ إذاً _ هي طعام العرس، والدعوة إليها دعوة إلى طعام العرس، وإجابة دعوة الوليمة سنة مأمور بها كما سيأتي.
إلا أن من الناس من لا يعتد بإجابة دعوة الوليمة؛ فقد يتزوج قريبه، أو جاره، أو صديقه، أو أحد معارفه، فُيدعى إلى الوليمة، فلا يجيب الدعوة مع أنه لا مانع لديه من الإجابة.
وهذا مخالف للسنة؛ إذ فيه كسر لقلب الداعي، وإشعار له بقلة قيمته.
وذلك مما يوهي عرى الأخوة، ويورث العداوة والنفرة.
ولهذا جاءت السنة المطهرة بالأمر في إجابة دعوة الوليمة، ولا خلاف بين العلماء في مشروعية إجابة تلك الدعوة، وإنما اختلفوا ك هل هي واجبة أو مستحبة.
وروى الإمام مسلم×في صحيحه عن نافع عن ابن عمر_ رضي الله عنهما _ أن النبي "قال : =إذا دعي أحدكم إلى وليمة العرس فليجب+( ).
وعن أبي هريرة ÷قال : قال رسول الله"=إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فَََََلْيُصَلِّ( ), وإن كان مفطراً فَلْيَطعم+( ).
قال ابن تيمية رحمه الله : =وأما وليمة العرس فهي سنة، والإجابة إليها مأمور بها+( ).
وقال الخرقي×: =وعلى من دعي أن يجيب+( ).
قال الزركشي في شرحه على الخرقي : =يعني وليمة العرس، وهذا هو المذهب المعروف في الجملة، وهو قول عامة العلماء+( ).
وقال ابن قدامة×: =قال ابن عبدالبر لا خلاف في وجوب الإجابة إلى وليمة العرس إذا دعي إليها إذا لم يكن فيها لهو، وبه يقول مالك، والثوري، والشافعي, والعنبري، وأبو حنيفة، وأصحابه.
ومن أصحاب الشافعي من قال : هي فروض الكفايات، لأن الإجابة؛ إكرام وموالاة، فهي كرد السلام+( ).
وقال النووي _ رحمه الله : =ولا خلاف في أنه مأمور به، ولكن هل هو أمر إيجابي أو ندب؟ فيه خلاف، الأصح في مذهبنا أنه فرض عين لكل من دعي، ولكن يسقط بأعذار سنذكرها إن شاء الله _.
و الثاني : أنه فرض كفاية.
و الثالث : أنه مندوب. هذا مذهبنا في وليمة العرس+( ).
وعلى قول من قال بالوجوب فإن الإجابة تسقط بأعذار، ولا تجب إلا بشروط ومنها( ) :
1_ أن يُعيَّن المدعوُّ : فلو لم يُعيِّن الداعي المدعوَّ لم تجب الإجابة، بل تستحب؛ لأن الإجابة معللة بما فيها من كسر قلب الداعي، وإذا عمم فلا.
ومثال التعميم أن يقول الداعي : أجيبوا إلى الوليمة، أو أن يقول رسول الداعي : أُمِرْتُ أن أدعو كل من لقيت، أو من شئت فهذه لا تجب الإجابة فيها _كما مرَّ _.
2_ أن تكون الدعوة في اليوم الأول : لأن مطلق الأمر يحصل به.
وعن ابن مسعود ÷قال : قال رسول الله" : =طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة، ومن سمَّع سمع الله به+( ).
قال الإمام أحمد×: =الأول يجب، والثاني إن أحب، والثالث فلا+( ).
وقال النووي×: =لو كانت الدعوة ثلاثة أيام فالأول تجب الإجابة فيه و والثاني تستحب، والثالث تكره+( ).
3_ أن يكون الداعي مسلماً : فلا تجب الإجابة لدعوة الذمي؛لأن الإجابة للمسلم؛ للإكرام، وتأكيد المودة، وذلك منتفٍ في أهل الذمة، وتجوز إجابتهم.
4_ أن يكون المسلم ممن لا يجوز هجره : فإن كان ممن يجوز هجره _ كالمبتدع ونحوه _ لم تجب إجابته؛ لما تقدم في الذمي.
5_ ألا يكون في الدعوة منكر : فإن كان فيها منكر كالزَّمْرِ، والخمر، والعود، واختلاط الرجال بالنساء، ولم يقدر على إزالته _ لم يحضر.
وإن قدر وجب عليه الحضور والإنكار للمنكر؛ للتمكن من الإتيان بالفرض مع التمكن من الإتيان بفرضٍ آخر.
وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر أزاله، فإن لم يقدر انصرف.
هذا ومن الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها _أن يكون في الطعام شبهة، أو أن يخص الأغنياء دون الفقراء، أو أن يكون هناك من يتأذى المدعو بحضوره معه، أو لا تليق به مجالسته، أو يدعوه الداعي لخوف شره، أو الطمع في جاهه، أو ليعاونه على باطله.
ومن الأعذار أن يعتذر المدعو إلى الداعي فيقبل منه العذر.
ومما يمكن أن يلحق بالأعذار أن يترتب على ترك الحضور مصلحة أكبر، أو أن يترتب على الحضور تفويت مصلحة أكبر.
وذلك كحال طالب العلم الذي يحرص على اغتنام الأوقات، وكحال من يشتغل بدعوة أو أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر؛ فالحاجة لأمثال هؤلاء ماسة خصوصاً في هذه الأزمان، والمناسبات كثيرة، بل منها ما يكون يومياً خصوصاً في أيام العطل، بل منها ما يكون في الظهر والمساء.
وقد يحضر المدعو بعد صلاة الظهر ولا يخرج إلا مع أذان العصر، وقد يأتي بعد صلاة العشاء فلا يستطيع الخروج إلا بعد منتصف الليل؛ فقد لا يستطيع الخروج من مكان الدعوة؛ خشية من أن يكون في نفس الداعي شئ.
ولا يخفى ما في ذلك من ضياع الوقت، وتشتيت للذهن.
أما إذا حاول المدعو ألا يطيل في المكث فليحضر؛ فلعل في حضوره خيراً وبركة، خصوصاً من له تأثير وقبول؛ فالفائدة مأمولة في حضوره.
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الصدد أن الواجب في دعوة الوليمة الإجابة والحضور، أما الأكل فلا يجب، فعن جابر ÷قال : قال رسول الله": =إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك+( ).
ثم إن المدعوَّ إذا دعي إلى أكثر من مناسبة في وقت واحد فاستطاع أن يجيبها فليفعل.
وإلا فليجب الأول، أو الأقرب، وأن يعتذر ممن لم يستطيع المجئ إليه؛ حتى لا يسئ الظن به.
ثم إنه يجمل بالداعي إذا تخلف أحد عن حضوره دعوته أن يبسط له العذر، وأن يحسن به الظن؛ فذلك دليل السماحة وكرم النفس.
40_ التقصير في تهيئة الزوج ليلة الزواج :
فالزوج رجلاً كان أو امرأة محتاج إلى تهيئة خاصةٍ ليلةَ الزواج، وقليلُ مَنْ يُعنى بالزوج ليله زواجه، فقل أن تجد من أقاربه من يوصيه بما يحتاج إليه خصوصاً كان الزواج للمرة الأولى؛ فكثيراً ما يهمل الزوج من هذه الناحية، بل قد يوصى بوصايا غريبة لا تمت للدين أو المروءة بأدنى صلة، مما قد يكون لها الأثر في تقويض بيت الزوجية.
ومن مظاهر التقصير وقلة العناية بتهيئة الزوج ليلة الزواج ما يلي :
الإهمال التام وترك الزوجين دون أدنى وصية أو إرشاد.
تقصير الزوجين بتركهما السؤال عن أمر الزوج وخصوصاً أول ليلة، فلا يسأل أحد منهما أحداً من معارفه أو أقاربه بحجة الحياء، ولا يقرآن بعض الكتب المأمونة التي تتحدث في هذا الشأن، مما قد يوقعهما في الحرج، فحري بهما ألا يغفلا هذا الجانب.
جـ _ تخويف الزوجين ليلة الزواج، فزيادة على ما بهما من ارتباك وخجل وخوف تجد من يخوفهما من تلك الليلة، ومما سيواجهه كل واحد منهما إلى غير ذلك مما يثير الخوف في نفسيهما، فما الداعي للخوف والتخوف طالما أن القناعة موجودة، وأن كَّلاً من الزوجين قد ارتضى صاحبه شريكاً له؟!
د_ توصية الزوج بالشدة والصرامة، حتى تشعر الزوجة منذ أول ليلة بأن زوجها صارم شديد، فتأخذ حسابه في مستقبل أيامها.
بل ربما أُوصى الزوج بأن يحضر معه سوطاً أو عصا.
هـ _ شحن الفتاة بوصايا قد تهدم عش الزوجية من أساسه، فبعض الأمهات توصي ابنتها بأن تخبر زوجها بأنها ستتناول أقراص منع الحمل مدة كذا وكذا، حتى تتأكد من صلاحية الزوج وملاءمته؛ فما أثر تلك الوصية على قلب الزوج؟ وما النتيجة المتوقعة من جراء تلك الوصية؟
و_ توصية الزوج وشحنه بان يتعجل في مسألة الاتصال الجنسي، وجعل ذلك معياراً لرجولته وفحولته.
إلى غير ذلك من تلك الوصايا الغريبة التي لا تصدر إلا من أمزجة مريضة.
إن تلك الوصايا وما شاكلها توقع النفرة بين الزوجين في وقت هما في أشد الحاجة إلى الألفة والمودة والانسجام .
إن بدء الحياة الزوجية في جو يقوم على الإخافة والتهديد وسوء الظن – لكفيل بتقويض بناء الزوجية من أساسه، وحري بأن يذهب بكل إمكانات الوفاق في المستقبل، ويجعل الحياة الزوجية _ إذا استمرت _ قائمة على الحقد، والكراهية، والكيد، والتربص.
ولهذا كان حرياً بالزوجين وبمن له قرابة وتأثير عليهما _ أن يُعْنَوا أشد العناية بأول ليلة من الزواج، وبأيام الزواج الأولى، لان تلك الأيام مرحلة من أدق المراحل في حياة الإنسان، والضرر تلح بأن يُرَوِّضَ كلُّ من الزوجين نفسه وصاحبه على الحياة الجديدة، فينبغي أن يكون الوفاق مغموراً بندى المودة، وشذى المحبة، ونسيم الألفة.
أما العصا والسوط والمعاندة فسلاح مفلول، ولئن أجدى مع بعض النفوس المريضة والحالات النادرة فلن يجدي في أكثر الحالات، لأن أكثر النفوس لاتقاد إلا بزمام الرفق، =وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه+( ).
إن الزوج الناجح هو الذي يستطيع أن يمتلك قلب زوجته في الأيام الأولى، وإن الزوجة العاقلة هي التي تستطيع أن تحظى بإعجاب زوجها ومحبته خلال هاتيك الأيام( ).
ومما يوصى به الزوج قبل ليلة الزواج أن يتهيأ بالحرص على هدوء باله، وبالبعد عما يزعجه ويثيره, وأن يكثر من الدعاء وسؤال الله التوفيق، وكذلك ينبغي للزوجة.
ومما يحسن بالزوج إذا دخل على زوجته أن يبدأها بالسلام، ثم يصلي ركعتين( ), ثم يأخذ بناصية زوجته ويقول الدعاء المأثور( ).
وبعد ذلك يبدأ بملاطفتها ومحادثتها بما يُسَكِّن روعها، ويطفئ لوعتها، فهي غريبة قد تركت أهلها، ورضيت به زوجاً لها، وجاءت إلى بيت لم تألفه، وإلى قرين لم تسبق لها به خلطة، فجدير بك أيها الزوج أن تكرمها و وأن تشعرها بأنها قد انقلبت إلى جو مفعم بالحب، والحنان,والمؤانسة, والاحترام.
وحري بك أن تعلمها بأن بيت الزوجية ليس قفصاً ولا سجناً، وإنما هو دوحة غناء، وروضة خضراء، عامرة بالود والنعيم والسعادة والرخاء.
ومما ينبغي للزوجة ليلة الزواج أن تتجمل لزوجها، وان تظهر أمامه بأبهى منظر، وأطيب ريح، لكي تقع موقعها من قلبه.
ومما يمكن أن يلاطف الزوج به زوجته ليلة الزواج أن يقدم لها هدية، وأن يبدي لها سعادته الغامرة بأن وُفٍّق لاختيارها، وأن يثني عليها بما هي أهله كأن يقول : لقد سمعت عنك خيراً كثيراً، وبعد أن رأيتك رأيت أحسن مما سمعت، وكم أنا سعيد بأن كنت من نصيبي، ونحو ذلك من عبارات الثناء، فهذا مما يفرحها، فالغواني يغرهن الثناء.
ومما يحسن بالزوج أن يتجاذب مع زوجته أطراف الحديث، وإن رأى منها حياءً فليعتمد سؤالها عن بعض الأمور اليسيرة التي لا تحتاج الإجابة عليها إلى تطويل، كأن يستشيرها في بعض الأمور كأن يقول لها : ما رأيك بالذهاب إلى مكة المكرمة؟ ومتى تردين ذلك؟ وكم ترغبين أن نقضي هناك؟ إلى غير ذلك مما يملأ به سكون تلك الليلة.
ومما ينبغي للزوج في تلك الليلة أن يحسن التصرف مع زوجته في مسألة المباشرة، فلا يتعدى حدود اللياقة والكياسة في مسألة الاتصال الجنسي، فيتعجل ذلك الأمر بصورة مفاجئة دونما استئناس أو تدرج.
فيحسن به أن يتدرج شيئاً فشيئاً، فبعد الملاطفة يتقرب منها قليلاً، فيصافحها، أو يمد لها كأس الماء أو نحو ذلك، حتى يتم مراده.
ولا بأس بتأجيل المباشرة إلى ما بعد ليلة الزواج إن لم تواته الفرصة في تلك الليلة.
كما يحسن بالمرأة ألا تفرط في التمنع على زوجها فيما يريده منها، ولا بأس بالتمتع اليسير الذي يهيجه ويقوي حرصه.

يتبع ..









رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 17:25   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
bounour21
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية bounour21
 

 

 
إحصائية العضو










B2 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


شكرا لك على الموضوع أخي . فقط لو كان قصير بعض الشيء


نعم للزواج فوائد عديدة لا نستطيع حصرها في أسطر .


فمن أراد الدين لابد أن يتزوج :: لأن الزواج نصف الدين
ومن أراد المال لابد أن يتزوج :: قال عمر بن الخطاب { عجبت لمن يدرك البركة بغير الزواج } وقال { تزوجهن فإنهن مجلبات للمال }
ومن أراد السعادة والهناء لابد من الزواج :: قال تعالى {{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة }}


هنيئا لكِ يأامة الله , فأنت الدين وأنت المال وأنت الهناء .











رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 17:27   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

41_ إساءة والدي الزوج لزوجة الابن :
لا ريب أن حق الوالدين عظيم، وأن برهما والإحسان إليهما واجب، وأن من عظم حقهما أن الله _ عز وجل _ قرن حقهما بحقه، كما قال _تعالى _ : [وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً](الإسراء:23).
ولا ريب أن تحملهما والصبر على ما يصدر منهما داخل في البر، وأن التقصير في حقهما عقوق يغضب الله _ تبارك وتعالى.
وكما أن للوالدين حَقَّاً على الأولاد فكذلك للأولاد حق على الوالدين.
ومما ينبغي للوالدين أن يقوما به _أن يعينا أولادهما على البر، وألا يقفا حجر عثر في طريق سعادتهم.
وأن مما يلاحظ على بعض الوالدين أنهما يسيئان إلى ابنهما بإهانة زوجته؛ فمن الأمهات _ هداها الله _ من تُقع ولدها في الحرج؛ فهي تحبه، وتحرص على إسعاده، وربما سعت جاهدة في الخطبة له.
ولكن سوء تصرفها قد يجلب لها ولابنها الضرر؛ لأن الابن إذا تزوج شعرت أمه بأنه قد خطف منها، وأن قلبه قد مال عنها؛ فتحرص أن يعود لها_ ومن الحب ما قتل _ فما تزال توغر صدر ابنها على زوجته، وتحرك فيه نوازع العزوف عنها، وربما زينت له طلاقها، ووعدته بأن تبحث له عن خير منها.
فإذا كان الابن لا يحسن التصرفَ وَوَضْعَ الأمور في نصابها _ وقع الطلاق، أو ثارت المنازعات بينه وبين زوجته.
والعجيب في الأمر أن النصيب الأوفى من الإهانة لزوجات الأبناء تلقاه تلك الزوجة التي آثرت المكث مع زوجها في منزل والديه؛ فبينما تلقى زوجات الأبناء الآخرين ممن يسكنَّ مع أزواجهن في مساكن خاصة _ بينما يلقين من والدي الزوج كل احترام، وتقدير، وحسن تعامل _ إذا بزوجة الابن التي تقطن معه في منزل والديه قد تلقى كل جحود، وكنود، وقلة تقدير، وكثرة انتقاد من قبل والدي الزوج مع إنها تقوم على رعايتهم وخدمتهم!
إن العدل والإنصاف يقضيان بأن ينزل الناس منازلهم، ويُعْتَرف لهم بفضائلهم؛ فحقِّ على الوالدين _ وخصوصا الأم _ أن يعرفا لتلك الزوجة التي تقوم على خدمتهم حقها، وأن يقدراها قدرها، وأن يذكرها بكل خير، وأن يتغاضيا عن بعض ما يصدر منها؛ فما هي إلا يشر، وما كان لبشر أن يُعْصَم من الخطأ وفرقُ بين من نعاشره على طول المدى، وبين من لا نعاشره إلا لماماً؛ فلما نفضل الأخير على الأول؟
فلو عاشرنا الأخير معاشرتنا للأول لربما رجحت كفة الأول.
ولا يعني ذلك أن يسئ الوالدان لزوجات الأبناء الذين انفردوا بمساكن خاصة وإنما المقصود ألا نبخس الناس أشياءهم، وألا ننسى لأهل الفضل فضلهم.
ومن الأمهات من إذا رأت ابنها مسروراً مع زوجته أو رأت منه إكراماً لها – ثارت نيران الغيرة في قلبها، وربما سعت إلى ما لا تحمد عقباه.
ومن الأمهات من هي قاسية في التعامل مع زوجه الابن، فترها تضخم المعايب، وتخفي المحاسن، وقد تَتَقَوَّل على الزوجة، وقد تذهب كل مذهب في تفسير التصرفات البريئة وتأويل الكلمات العابرة.
فيا أيها الأم الكريمة، يا من تحبين ابنك، وترومين السعادة لك وله – لا تكوني معول هدم وتخريب، ولا تجعلي غيرتك ناراً موقدة تحرق جو الأسرة، ولا تستسلمي للأوهام التي ينسجها خيالك؛ فتعكري الصفو، وتثيري القلاقل؛ فلا تجعلي علاقتك بزوجة ابنك علاقة الند بالند، والضرة بالضرة، بل كوني أماً لها تكون ابنة لك.
بل يحسن بك أن تحبيها، وان تتغاضي عن بعض ما يصدر منها؛ حينئذٍ تَسعدين وتُسعدين.
بل ويحسن بك أن تتوددي إليها بالهدية ونحوها، وأن تَسَعِيها بقلبك الكبير، وحنانك الفياض، ودعائك الخالص، وثنائك الصادق.
ويا أيها الزوج العاقل ما أحراك أن تكون حكيماً في معالجة الأمور، وما أجدرك أن تحرص كل الحرص على التوفيق بين زوجتك ووالديك.
وان علمت من والديك _وخصوصاً أمك _ حدة في الطبع، أو قلة مراعاة لشعور الزوجة _فلا تأخذ جميع كلامها عن زوجتك بالتقبل التام.
وليس معنى ذلك أن تواجه والدتك مباشرة، وإنما أحرص على مدراتها وإرضائها، ولا تظهر محبتك وعنايتك بزوجتك أمامها، وأكثر من دعاء الله أن يجمع القلوب، وأن يصلح الشأن.
وأنت أيتها الزوجة الكريمة إذا ابتليت بأم زوجٍ لا تحسن التعامل معك فاصبري واحتسبي الأجر عند الله، وقابلي الإساءة بالإحسان، وعليك بحسن المداراة؛ وربما انقلب البغضة محبة، والعداوة وفاقاً ووئاما، ومن يتق الله يجعل له مخرجا.
42_ تحريض أهل الزوجة ابنتَهم على زوجها :
فمن الناس من يفسدون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؛ فتراهم يحرضون ابنتهم على زوجها، فيوصونها بأن تكون حازمة معه، وان لا تطيعه بكل ما يأمر به، وان لم يأمر بمحرم؛ حتى لا يمتهنها _ بزعمهم _.
وربما أوصوها أن تطالبه بالأموال الطائلة، وربما سألوا عن كل كبيرة وصغيرة من أمر الزواج، وهكذا وكأن الزوجين في حلبت صراع، لا في عش زوجية.
وما ذلك المسلك برشيد ولا سديد؛ فالواجب على أهل الزوجة أن ينصحوا لابنتهم، وأن يوصوها بحسن التبعل للزوج، وبالبعد عن كل ما يضايقة ويؤذية؛ لأن الزوج قد يمل تلك الحالة إذا كان أهلها يحرضونها عليه، وربما صرم حبالها، فتقعد بعد ذلك ملومة محسورة، ومن ثم يشقى بها أهلها، وعلى نفسها جنت براقش.
43 _ مبالغة الأهل بالمقارنة بين أزواج بناتهم :
وهذا يحصل كثيرا، وقد يكون عند شخص ما عدد من البنات المتزوجات، وقد يكون بين أزواجهن تفاوت في التعامل واللباقة سواء مع الزوجة أو مع أهلها، مع أن الأزواج كلهم على خير وخلق ودين إلا أن بعضهم قد يفوق بعضاً في حسن التعامل.
وهذا التفاوت أمر نسبي يقع بين الناس جميعهم؛ فليس في ذلك إشكال.
وإنما الأشكال أن يبالغ أهل الزوجات في المقارنة بين أزواج بناتهن؛ فَيًفْرطوا بالثناء لذلك الزوج الأكثر لباقة، ويشعروا زوجته بسعادة حظها، وطيب مقامها معه.
ويفرطوا في ذم البقية، والزراية بهم، وإشعار زوجاتهم بتعاسة الحظ، ونغص العيش، مع أن أولئك الأزواج لم يأتوا نُكْراً، ولم يعابوا في دينهم أو أخلاقهم.
ومن هنا تفتر العلاقة مع الأزواج ، وتبدأ الزوجات بالتسخط من أزواجهن، والتقصير في حقوقهم، بحجه أنهم ليسوا أهل للاقتران بهن.
فَمَسْلَكُ المقارنات لا يجدي نفعاً، بل ربما جرا أضراراً؛ فلماذا تثار مثل هذه الأمور، وما الطائل من ورائها، طالما إن الزوج مَرْضِيُّ الدين والخلق، أو أن تقصير لم يصل إلى حد كبير؟!.
إن التمادي في مثل هذا الأمور يوهي حبال المودة بين الزوجين، وربما وصل الأمر إلى الطلاق فماذا ستجني الزوجة وأهلها من جراء ذلك المسلك؟
ربما بقيت الزوجة بدون زوج عالةً على أهلها، وربما ابتليت بزوج آخر لا يرقب فيها إلاَّ ولا ذمة.
والحاصل على أهل الفتاة ان يحرصوا كل الحرص على اختيار الزوج الكفئ؛ فاذا حصل الزواج فعليهم أن يتغاضوا عن هفواته، وألا يذكروه إلا بخير خصوصاً أمام زوجته؛ حتى تزيد حبَّاً له، وقناعة به.
وإذا أبدت ابنتهم الشكوى من زوجها فعليهم أن يصبِّروها وأن يذكروها بغيرها من النساء مما يعانين الأمرَّين من أزواجهن الشرسين، وأن يذكروها بعاقبة الأمر إن هي استمرت على الشكوى.
ثم إن رابهم شئ من أمر الزوج فليسعوا في العلاج، فإذا أعيتهم الحيلة اتسع لهم العذر لاتخاذ ما يرونه مناسباً.
44 _ مبالغة الأهل في المقارنة بين زوجات الأبناء :
وهذا الأمر عكس الأمر السابق، من جهة، وهو قريب منه من جهة أخرى.
ويكثر ذلك في البيوت التي يجتمع فيها الوالدان وأولادهما المتزوجون وغير المتزوجون.
فترى بعض أهل الأزواج لا همَّ لهم إلا عقد المقارنة بين زوجات أبنائهم وإخوانهم.
فتراهم يثنون على هذه الزوجة بأنها تجيد الطبخ، ويعيبون الأخرى بأنها بخلاف تلك، أو يثنون على هذه باللباقة، ويصفون الأخرى بالكزازة والغلظة، أو يدَّعون بأن هذه تدير زوجها على ما تريد، وأن الأخرى لا ترفع صوتها فوق صوت زوجها.
وربما طال هذا الأمر، وبولغ فيه، وربما علم الأزواج بما يقال في زوجاتهم، وربما علمت الزوجات بذلك.
ومن هنا تنشأ النفرة، ويسود سوء الظن، وتتأجج نار الغيرة.
وهذا خطأ كبير؛ فاللائق بأهل الزوج أن يحتفظوا بآرائهم لأنفسهم، وألا يذكروا زوجاتهم إلا بخير خصوصا عند أبنائهم؛ لأن ذلك مما يفرح الأبناء، ويزيد في الألفة.
وإن كان هناك من خطا فليعالج بالحكمة، وإن كان الخطأ يسيراً فالتغاضي حسن مطلوب، إلا إذا كان أمر لا يطاق ولا يحتمل.
45_ إهانة المطلقات :
فمن النساء من تبتلى بالطلاق إما لسوء في زوجها، أو لأن أهلها لم يتحروا في اختيار الزوج، أو لقلة التوفيق، أو أن يكون ذلك ابتلاءً وامتحاناً لها، أو لغير ذلك من أسباب الطلاق.
ولا ريب أن الطلاق ثقيل على قلب المرأة؛ إذ يؤذيها كلام الناس عنها، ويشق عليها تشرذمها وتفكك أسرتها خصوصاً إذا كان لديها أولاد، ويؤذيها مكثها عند أهلها.
وإن مما يزيد لوعتها شدةَ وليها أباً كان أو أخاً أو غيرهما؛ فبعض الأولياء لا يرقب في موليته المطلقة إلا ولا ذمة، فلا تراه يراعي حالها، ولا ما هي فيه من الضنك والشدة، فتراه يزيد الطين بلة، فيؤذي هذه المسكينة بالمن والأذى، ويصمها بأنها خرقاء هوجاء، وأنها ليست أهلاً لحفظ البيت والمحافظة على الزوج مع أنها قد لا تكون السبب في الطلاق.
فهذه التصرفات لا تصدر من ذي خلق كريم أو طبع سليم، فالكرام يرعون الذمام، ويحفظون ماء الوجه ولا يرتضون أن يتسببوا بإهانة أحد، خصوصاً إذا كان مهيض الجناح لا حول ولا قوة، فيا لسعادة من أسعد المطلقة، وجبر كسرها.
46_ التحرج من خروج الابن من منزل أسرته إذا تزوج :
فالحياة تختلف أنماطها من عصر إلى عصر، ومن مصر إلى مصر، ولقد كانت البيوت في السابق صغيرة ضيقة وكذلك هي الآن في بعض الأمصار.
ولهذا كان الوالدان، وأولادهما، وأزوج الأولاد يقطنون في منزل وأحد ولو كان صغيراً ضيقاً، وذلك بسبب قلة ذات أيديهم، واعتيادهم لذلك الأمر.
وفي وقتنا الحاضر تغير نمط الحياة في كثير من البلدان، فأصبحت البيوت لا تكفي الأسرة الكبيرة، نظراً لكثرة الناس، ولرغبتهم في التوسع والاستقلال.
ولهذا تجد الرجل إذا تزوج في السابق يمكث بين أهله.
أما في وقتنا الحاضر فكثير من الرجال إذا تزوج فكر وسعى سعيه للسكنى في منزل مستقل، لأن منزل أسرته قد يكون صغيراً، وقد يكون مليئاً بأفراد الأسرة، فلا يريد الزوج مضايقة والديه وأفراد أسرته بعد زواجه.
ثم إن الزوجة امرأة أجنبية، ويضايقها كثيراً أن تكون متحفزة باستمرار، خشية أن يفجأها أحد إخوان الزوج وهي غير متحجبة عنه، فالتحرز عن أقارب الزوج الذين يسكنون معه من الصعوبة بمكان.
ثم إن المشكلات قد تنشأ بعد أن يرزق الزوج بالأولاد، حيث يكثر عبث الأولاد وإزعاجهم لوالدي الزوج.
وبعد أن تكبر بنات الزوج يصعب تحفظهم من أبناء أخيه وهكذا.
كذلك زوجات الأخوان إن كن في منزل وأحد قد ينشأ بينهن التنافس، وقد يكون المنزل ميداناً تعقد فيه المقارنات بين الزوجات من قبل أهل البيت، فتراهم يثنون على زوجة فلان، لقيامها بخدمة المنزل، ويزرون بزوجة فلان، لتقصيرها _كما مر قبل قليل _.
وقد يكون لبعض الزوجات حظوة عندي والدي الزوج، ولا يكون لغيرها حظوة، ومن هنا تنشأ الغيرة، ويَدِبُّ الحسد.
إلى غير ذلك من المشكلات التي قد تحدث من جراء الازدحام في المنزل الواحد.
وكذلك بعض الأبناء قد يمكث في منزل أسرته بعد الزواج على مضض، خشية الوقوع في الحرج.
بل من الوالدين من يتضايق أشد المضايقة من تزاحم أبنائه في المنزل بعد زواجهم وهم _ أو بعضهم_ قادرون على أن يستقلوا في منازل خاصة.
ومع ذلك تجد من يتحرج في مسألة الخرج من المنزل، وبعد خروج الابن من منزل أسرته بعد الزاج ضرباً من العقوق.
والحقيقة أن هذا الأمر يسير، فلا ينبغي التشدد فيه بالنكير؛ فربما كان الخير والبر في خروج الابن من المنزل بعد الزواج، حيث يوسع لوالديه وأهل بيته عموماً، ويستطيع بسبب ذلك إكرام الزوجة وإعطاءها حقها، ويسلم بذلك من كثير من المنغصات والمكدرات.
فلا ينبغي _ إذاً_ منع الولد وإيقاعه في الحرج إذا أراد الخروج من المنزل بعد الزواج، خصوصاً إذا لم يكن الوالدان في حاجة له.
ولهذا فإن كثيرا من الآباء العقلاء يشير على أبنه بالسكنى في منزل مستقل، بل ويعينه على ذلك.
كما لا ينبغي النكير على الزوجة وأوليائها إذا اشترطوا أن تكون الزوجة في منزل خاص بها، لا يشاركها غيرها من ضرائرها وأقارب زوجها، ولأن ذلك من حقها.
يقول الكاساني×: =لو أرد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع حماتها كأم الزوج أو أخته وبنته من غيرها وأقاربها، فأبت ذلك – عليه أن يسكنها في مسكن منفرد، لأنهن ربما يؤذينها ويضررنها في المساكنة، وإباؤها دليل الأذى والضرر، ولأنه يحتاج أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق، ولا يمكن ذلك إذا كان معهما ثالث+( ).
وإن كانت المصلحة في خروج الابن من المنزل والسكن في بيت جديد إذا تزوج _ فلا يعني أن تنتهي علاقته بأسرته ووالديه على وجه الخصوص؛ يجب عليه أن يستمر في البر والصلة، فذلك لا يقتصر على المكث في المنزل.
وإذا تقرر أنه لا ينبغي التشديد في مسألة خروج الابن – فإنه لا يجوز للابن أن يخرج من المنزل إذا كان والداه عاجزين لا يستطيعان القيام بأمرهما.
47_ التساهل بشأن الحمو :
وهذا حد من حدود الله التي جاوزها وفرط فيها كثير من الناس، ففي كثير من مجتمعات المسلمين يدخل الأحماء على النساء من غير مراعاة لحكم، ولامبالاة بما يترتب على ذلك من مفاسد.
بل لقد أصبح ذلك عرفاً سائداً، وعادة متبعة، يُنْكَر على من ينكرها، فأخ الزوج، وابن العم، وابن الخال وغيرهم من الأقارب يدخلون على زوجة قريبهم تحت ستار القرابة والمعرفة والثقة.
بل هناك ما هو أعظم من ذلك؛ فهناك سائق الأسرة يدخل في البيت كيف يشاء، وهناك صديق الأسرة، فمن حقه أن يدخل ويخالط الأسرة في حضرة الزوج ومغيبة!.
وهناك واجب الضيافة، حيث يأتي الضيف فيسأل عن الزوج، فإذا لم يكن موجوداً دخل الضيف _حسب ما يقتضيه العرف _ثم تقدم له الزوجة التحية وتقوم على إكرامه وقِراه.
ولا ريب أن هذا خلل فادح، وتفريط كبير، لما يترتب عليه من عواقب وخيمة، كالخلوة المحرمة، وإظهار المرأة مفاتنها، وتلذذ الزوج بالنظر إليها إلى غير ذلك مما هو من موارد الفتنة.
ولهذا حسم الشرع المطهر هذا الأمر؛ لسد ذرائع الفتنة ومنافذ الشر.
قال النبي _ عليه الصلاة والسلام _ فيما رواه الشيخان وغيرهما : =إياكم والدخول على النساء+.
فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله، أرأيت الحمو؟
قال : =الحمو الموت+( ).
قال الليث _ فيما رواه عنه مسلم بعد روايته للحديث السابق _ : =الحمو أخو الزوج، وما أشبهه من أقارب الزوج : ابن العم ونحوه+.
قال ابن حجر : =قال النووي : اتفق أهل العلم باللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه، وعمه، وأخيه، وابن أخيه، وابن عمه، ونحوهم، وأن الأختان أقارب زوجة الرجل, وأن الأصهار تقع على النوعين أ. هـ.
وقد اقتصر أبو عبيدة، وتبعه ابن فارس، والداودي على أن الحمو أبو الزوجة.
زاد ابن فارس : وأبو الزوج يعني أن والد الزوج حمو المرأة، ووالد الزوجة حمو الرجل، وهذا الذي عليه عرف الناس اليوم.
وقال الأصمعي، وتبعه الطبري والخطابي ما نقله النووي، وكذا نقل عن الخليل.
ويؤيده قول عائشة : =ما كان بيني وبين علي إلا ما كان بين المرأة وأحمائها+.
وقد قال النووي : المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه؛ لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها، ولا يوصفون بالموت.
قال : وإنما المراد الأخ، وابن الأخ، والعم، وابن العم، وابن الأخت ونحوهم مما يحل لهم تزويجه لو لم تكن متزوجة+( ).
وقال ابن حجر ×: =قوله : =الحمو الموت+ قيل : المراد أن الخلوة بالحمو تؤدي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية، أو إلى الموت إن وقعت المعصية ووجب الرجم، أو إلى هلك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على تطليقها، وأشار إلى ذلك كله القرطبي.
وقال الطبري : المعنى أن خلوة الرجل بامرأة أخيه أو ابن أخيه تنزل منزلة الموت.
والعرب تصف الشيء المكروه بالموت.
قال ابن الأعرابي : هي كلمة تقولها العرب مثلاً كما تقول : الأسد الموت، أي لقاؤه فيه الموت، والمعنى : احذروه كما تحذرون الموت.
قال صاحب مجمع الغرائب : يحتمل أن يكون المراد أن المرأة إذا خلت فهي محل الآفة، ولا يؤمن عليها أحد؛ فليكن حموها الموت، أي لا يجوز لأحد أن يخلو بها إلا الموت كما قيل : نعم الصهر القبر.
وهذا لائق بكمال الغيرة والحمية+( ).
وقال ابن حجر : =قال النووي : إنما المراد أن الخلوة بقريب الزوج أكثر من الخلوة بغيرة، والشر يتوقع منه أكثر من غيرة، والفتنه به أمكن؛ لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير نكير بخلاف الأجنبي.
وقال عياض : معناه أن الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين، فجعله كهلاك الموت، وأورد الكلام مورد التغليظ.
وقال القرطبي في المفهم : المعنى أن دخول قريب الزوج على امرأة الزوج يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة، أي فهو محرم معلوم التحريم.
وإنما بالغ في الزجر عنه وشبَّهه بالموت؛ لتسامح الناس به من جهة الزوج والزوجة؛ لإلْفهم بذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة، فخرج هذا مخرج قول العرب : الأسد الموت، والحرب الموت، أي لقاؤه يفضي إلى الموت.
وكذلك دخوله على المرأة قد يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو إلى الرجم إن وقعت الفاحشة+( ).
إذا تقرر هذا فعلى الناصح لنفسه ألا يتساهل في شأن الحمو، وألا يتجاوز هذا الحد من حدود الله بحكم العرف والعادة، فالشرع مقدم على كل شيء.
كيف والفتنة قائمة على أشدها في هذا العصر، فها ي وسائل الإعلام تغري بالرذيلة، وتزري بالفضيلة، وتؤجج الغرائز بكل وسيلة ممكنة.
ولا يعني ألا يتساهل الإنسان بشأن الحمو أن يبالغ في الغيرة فيسيء الظن بأحمائه.
وإنما المقصود من ذلك أخذ الحيطة والتدابير اللازمة.




الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد
فهذا ما يسر الله تقييده، وأعان على إتمامه من ذكرٍ لبعض الأخطاء التي تقع في مفهوم الزواج.
ومن خلال ما سبق يتضح للقارئ الكريم أثرُ التقصير في مفهوم الزواج، والتفريط في الأخذ بالأسباب الموصلة إليه، حيث يفقد الزوج كثيراً من ثمراته، ولا يؤتي أكله في ظل وجود تلك الأخطاء.
فعسى أن يكون فيما مضى من صفحات إسهام في معالجة تلك الأخطاء، وإعانة على حل مشكلات الزواج.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

منقول









رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 17:28   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
صمت الرجوله
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية صمت الرجوله
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مشكور على الطرح اخي لكن الافظل ان تختصر فموضوعك طويل جدا لتتم قراءته










رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 17:39   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المصدر
[doc]
[pdf]










رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 17:43   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صمت الرجوله مشاهدة المشاركة
مشكور على الطرح اخي لكن الافظل ان تختصر فموضوعك طويل جدا لتتم قراءته
الزواج يحتاج منا المواضيع المطولة لنفهمه جيدا
بارك الله فيك أخي









رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 18:54   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
maghi
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية maghi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة لله تعالى وبركاته،

بارك لله فيكم اخي الكريم على ادراج هذا الموضوع القيم،

مجتمعنا المعاصر بامس الحاجة لادراك قدسية الزواج ومفاهيمه

السامية، اعرف انكم نقلتم الموضوع ومع هذا لدي تعقيب على
بعض النقاط الواردة:

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريـاض مشاهدة المشاركة

37_ المغالاة في المهور :
فغلاء المهور من قواصم الظهور، تلك المصيبة التي أكثرت العوانس في البيوت، وأكثرت شباباً عزاباً من المسلمين؛ فغلاء المهور حجر عثرة في طريق الزواج.
وكم من عانس جلست عالة على أهلها تعاني الأمَرَّين، والسبب أن والدها فرض شروطا مالية هي أشبه بالآصار والأغلال؛ حيث جعل ابنته سلعة تجارية، وميدانا للتفاخر والمزايدات.
ولئن سالت كثير من العزاب : لم لا تتزوجون؟ ليقولن : كيف نتزوج من هذه الشروط المرهقة، التي تجلب الإفلاس على الأغنياء، فكيف بالفقراء من أمثالنا؟
وإن كثر من هؤلاء لصادق، وإن عذرهم لَبينِّ، ولا وملامة عليهم بذلك.
وإنما اللوم على هؤلاء الذين حكَّموا العوائد، ونبذوا هداية الدين، وإرشادات العقل، وشهادة الواقع.
ولو أننا وقفنا عند حدود الله، واتبعنا ما كان عليه سلفنا الصالح، ويسرنا ما عسَّرته العوائد في أمور الزواج لما وقعنا في المشكلة.
لكننا عسَّرنا اليسير، وحُكَّمنا العوائد في مسألة مهمة كهذه، فأصبح الزواج الذي جعله الله سكناً وألفة ورحمة _ سبيلاً للقلق، والبلاء والشقاء.
وأصبح اللقاء الذي جعله الله عمارة بيت، وبناء أسرة سبباً لخراب بيت الزوجية؛ بما فرضته العوائد من مغالاة في المهور، وتفنن في النفقات و المغارم( ).
ولهذا كثر الإعراض عن الزواج، وآثر كثير من الشباب الزواج من الخارج؛ رغبة في يسر المؤونة، وقلة الكلفة، بدلاً من الانتظار الطويل لجمع مال كثير ينفق في ليلة أو بضع ليال( ).
ثم بعد ذلك يتحمل الزوج الديون الثقيلة، التي تكبر همومها مع الأيام، أو يتحمل المنة إذا كان المدين فرداً يصدع قناة عزته، أو يتحمل معاناة التسديد للأقساط لشهور طويلة، أو سنوات عديدة كحال من يشتري سيارة بالتقسيط ثم يبيعها نقداً بسعر أقل، إلى غير ذلك مما يثقل كاهل الزوج و وينعكس على الحياة الزوجية؛ إذ يعيش الزوج في نكد وكدر.
ولو قارنا بين فعل كثير من الناس اليوم، وبين هدي الإسلام وسير السلف الصالح في هذا الأمر _ لوجدن البون شاسعاً، والشقة بعيدة؛
فبينما هدي الإسلام وسير السلف يناديان بالقصر بالمهور _ إذا كثير من المسلمين بخلاف ذلك والله المستعان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية×: =وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق، فتزوج عبدالرحمن بن عوف في عهد رسول الله "على وزن نواة من ذهب، قالوا : وزنها ثلاث دراهم وثلث، وزوج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين وهي من أفضل أيِّم من قريش بعد أن خطبها الخليفة لابنه فأبى أن يزوجها+( ).
وقال الشافعي× : =والقصد في المهر أحب إلينا، وأستحب ألا يُزاد في المهر على ما أصدق رسول الله "به نساءه وبناته وذلك خمسمائة درهم+( ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية×:=والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي"ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة نحواً من تسعة عشر ديناراً؛ فهذه سنة رسول الله "+( ).
وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن انه قال : =سألت عائشة _ رضي الله عنها _ : كم كان صداق رسول الله "؟
قالت كان صداقة لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشَّاً، قالت أتدري ما النَشُّ؟
قلت : لا، قالت : نصف أوقية؛ فتلك خمسمائة درهم+( ).

وعن أبي عجفاء السلمي قال :=خطبنا عمر يوماً فقال : =ألا لا تغالوا في صَدُُاقات النساء؛ فإن ذلك لو كان مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله "ما أصدق رسول الله "امرأة من نسائه، ولا أُصدِقتْ امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية+( ).
وعن عبدالله بن عباس _رضي الله عنهما _ قال :=لما تزوج على بفاطمة _ رضي الله عنهما_وأراد أن يدخل بها قال له رسول الله": =أعطها شيئاً+.
قال : ما عندي شي، قال =أين دِرْعُك الحُطَمية؟ ( )+ فأعطاها درعه+( ).
ولقد غضب رسول الله "من كثرة المهر، فقد جاء رجل من الصحابة يستعينه، فقال رسول الله": =على كم تزوجتها؟ =قال : على أربع أواق.
فقال له النبي": =على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عرض الجبل، ما عندنا ما نعطيك، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه+( ).
هكذا كانت سيرة السلف الصالح_ رضي الله عنهم _ في شأن المهر، ثم خاف من بعدهم خَاْف سيطر على أفكارهم النظرة التجارية، فتراهم يغالون في المهور، ويتنافسون في ذلك ويتفاخرون( ).
تحديد المهر غير جائز شرعا،

وفي الاية :(واتيتم احداهن قنطارا) دليل على جواز المغالاة في المهور؛ لان الله تعالى لايمثل الا بمباح.
وبخصوص الاقتباس الوارد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وارضاه فهو متصرف فيه والاصل فيه...

وخطب عمر رضي الله عنه فقال: الا لاتغالوا في صدقات النساء فانها لو
كانت مكرمة في الدنيا او تقوى عند الله لكان اولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مااصدق قط امراة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة اوقية.

فقامت اليه امراة فقالت: ياعمر يعطينا الله وتحرمنا!؛ اليس الله سبحانه وتعالى يقول: (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)؟ فقال عمر:اصابت امراة واخطا عمر. وفي رواية فاطرق عمر ثم قال: كل الناس افقه منك ياعمر!. وفي اخرى: اصابت امراة ورجل اخطا. وترك الانكار.

هذا عمر وماادراك ماعمر؛ فاروق الامة، ولم يحدد قيمة المهر.
منقول
اعتذر على المداخلة ولكنني وددت توضيح هذه النقطة وحسب.









رد مع اقتباس
قديم 2015-10-15, 21:45   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maghi مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة لله تعالى وبركاته،

بارك لله فيكم اخي الكريم على ادراج هذا الموضوع القيم،

مجتمعنا المعاصر بامس الحاجة لادراك قدسية الزواج ومفاهيمه

السامية، اعرف انكم نقلتم الموضوع ومع هذا لدي تعقيب على
بعض النقاط الواردة:


تحديد المهر غير جائز شرعا،

وفي الاية :(واتيتم احداهن قنطارا) دليل على جواز المغالاة في المهور؛ لان الله تعالى لايمثل الا بمباح.
وبخصوص الاقتباس الوارد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وارضاه فهو متصرف فيه والاصل فيه...

وخطب عمر رضي الله عنه فقال: الا لاتغالوا في صدقات النساء فانها لو
كانت مكرمة في الدنيا او تقوى عند الله لكان اولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مااصدق قط امراة من نسائه ولا بناته فوق اثنتي عشرة اوقية.

فقامت اليه امراة فقالت: ياعمر يعطينا الله وتحرمنا!؛ اليس الله سبحانه وتعالى يقول: (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)؟ فقال عمر:اصابت امراة واخطا عمر. وفي رواية فاطرق عمر ثم قال: كل الناس افقه منك ياعمر!. وفي اخرى: اصابت امراة ورجل اخطا. وترك الانكار.

هذا عمر وماادراك ماعمر؛ فاروق الامة، ولم يحدد قيمة المهر.
منقول
اعتذر على المداخلة ولكنني وددت توضيح هذه النقطة وحسب.

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته
بالنسبة لقصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه والمرأة التى أنكرت عليه أمام الناس فهي ضعيفة
قال البيهقي في السنن الكبرى 7/233 إسناد القصة منقطع
وقال الألباني في الأرواء 6/348 منقطعة لأن الشعبي لم يدرك عمر ومجالد بن سعيد ضعيف

++++++

((أصابت امرأة وأخطأ عمر))
هذه الزيادة غير صحيحة.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ألا لا تغالوا صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها نبي الله ﷺ، ما علمت رسول الله ﷺ نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه والألباني. من غير اعتراض المرأة عليه، فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر. فلها طرق لا تخلو من مقال، منها: طريق أبي يعلى وفيها مجالد بن سعيد، قال الإمام أحمد: يرفع كثيراً مما يرفعه الناس ليس بشيء، وقال ابن معين: لا يحتج به، وقال البخاري:ضعيف.
فإن اجتمع البخاريِّ وابن معين وأحمد فيه فحسبك بواحدٍ منهم فكيف وقد أجمعوا !!
ومنها: طريق عند ابن المنذر وفيه قيس بن الربيع، وقد تكلم فيه غير واحد كالبخاري وابن مهدي وابن معين، وذكره البخاري في الضعفاء، وقال النسائي: متروك الحديث. ورواها أيضاً أبو حاتم البستي في مسنده من طريق أبي العجفاء قال البخاري:في حديثه نظر.

منقول









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-30, 20:13   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
ريـاض
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم










رد مع اقتباس
قديم 2015-12-31, 17:21   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
لمسة ابداع
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية لمسة ابداع
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك اله فيك










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أخطاء, مفهوم, الزواج


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:07

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc