معنى اسم الله تعالى الحميد - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

معنى اسم الله تعالى الحميد

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2020-01-02, 18:12   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18 معنى اسم الله تعالى الحميد

اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

يا صفوة الطيبين
جعلكم ربي من المكرمين
ونظر إليكم نظرة رضا يوم الدين

.



روى الإمامان البُخاريّ ومسلم من حديث أبي هُرَيرة - رضِي الله عنْه -

أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -

قال: ((إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلاَّ واحدًا، مَنْ أحصاها دخل الجنَّة))

ص 526 برقم 2736

وصحيح مسلم 1076 برقم 2677.


اخوة الاسلام

تقدم شرح الاسماء التالية


معنى اسم الله : العزيز

معنى اسم الله تعالى. الحكيم

كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى : "الأحد"

كيف نعمل بمقتضى اسم الله تعالى : "الأكرم"

معني اسم الله تعالى الكريم

كيف نعمل بمقتضى اسم الله الأول

كيف نعمل بمقتضى اسم الله الأعلى

معنى اسم الله عز وجل المقيت

معنى اسم الله عز وجل القدوس

معنى اسم الله عز وجل الواسع

معنى اسم الله عز وجل الوكيل

معنى اسم الله عز وجل الشهيد

معنى اسم الله عز وجل الملك

معنى اسم الله تعالى الجبار

معنى اسم الله تعالى السلام

معنى اسم الله عز وجل المؤمن

معنى اسم الله تعالى المهيمن

معنى اسم الله تعالى المتكبر والكبير

معنى اسم الله عز وجل الخالق

معني اسم الله تعالي البارئ

معني اسم الله عز وجل المصور

معنى اسم الله عز وجل الغفار

معني اسم الله تعالى القهار

معني اسم الله عز وجل الوهاب

معنى اسم الله تعالى الرزاق

معنى اسم الله تعالى الفتاح

معني اسم الله عز وجل العليم

معنى اسم الله تعالى الخافض و الرافع

معني اسم الله تعالى القابض و الباسط

اسم الله تعالي المعز و المذل

معني اسم الله تعالى الرحمن و الرحيم

معني اسم الله عز وجل السميع

معني اسم الله عز وجل البصير

معني اسم الله تعالى الحكم و الحكيم

هل العدل من أسماء االله تعالى

معني اسم الله تعالى اللطيف

معنى اسم الله تعالى الخبير

معنى اسم الله عز وجل الحليم

معنى اسم الله تعالى العظيم

معنى اسم الله تعالى الشكور

معني اسم الله تعالى الْعَلِيُّ

معني اسم الله تعالى الكبير و المتكبر

معنى اسم الله تعالى الحفيظ

معني اسم الله تعالى الحسيب

معني اسم الله تعالى الرقيب

معنى اسم الله تعالى المجيب

معني اسم الله تعالى الودود

معني اسم الله تعالى المجيد

معني اسم الله تعالى الحق

معني اسم الله تعالى القوي المتين

معني اسم الله تعالى الولي و المولى





.








 


رد مع اقتباس
قديم 2020-01-02, 18:13   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

معني اسم الله تعالى الحميد

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الحَمِيدِ

أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 78 - 89).

الحَمِيدُ فِي اللَّغَةِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى اسْمِ المَفْعُولِ

وَهُوَ المَحْمُودُ

فِعْلُهُ حَمِدَ يَحْمَدُ حَمْدًا

وَالحَمْدُ نَقِيضُ الذَّمِّ بِمَعْنَى الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ

وَهُوَ المُكَافَأةُ عَلَى العَمَلِ.

وَالحَمْدُ وَالشُّكْرُ مُتَقَارِبَانِ؛ لِكِنَّ الحَمْدَ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ

لِأَنَّكَ تَحْمَدُ الإِنْسَانَ عَلَى صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ

وَعَلَى عَطَائِهِ

وَلَا تَشْكُرُهُ عَلَى صِفَاتِهِ

لسان العرب (3/ 156)

وتفسير الطبري (13/ 179)

وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز للفيروز آبادي (2/ 499)

تحقيق محمد علي النجار المكتبة العلمية

وفتح الباري (8/ 351).

قَالَ الرَّاغِبُ:

"الحَمْدُ أَخَصُّ مِنَ المَدْحِ، وَأَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ

فَإِنَّ المَدْحَ يُقَالُ فِيمَا يَكُونُ مِنَ الإِنْسَانِ بِاخْتِيَارِهِ

وَمَا يُقَالُ مِنْهُ وَفِيهِ بِالتَّسْخِيرِ

فَقَدْ يُمْدَحُ الإِنْسَانُ بِطُولِ قَامَتِهِ وَصَبَاحَةِ وَجْهِهِ

كَمَا يُمْدَحُ بِبَذْلِ مَالِهِ وَسَخَائِهِ وَعِلْمِهِ

وَالحَمْدُ يَكُونُ فِي الثَّانِي دُونَ الأَوَّلِ

وَالشُّكْرُ لَا يُقَالُ إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ، فَكُلُّ شُكْرٍ حَمْدٌ

وَلَيْسَ كُلُّ حَمْدٍ شُكْرًا

وَكُلُّ حَمْدٍ مَدْحٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَدْحٍ حَمْدًا

وَيُقَالُ فُلَانٌ مَحْمُودٌ إِذَا حُمِدَ

وَمُحَمَّدٌ إِذَا كَثُرَتْ خِصَالُهُ المَحْمُودَةُ"

المفردات (ص: 256).

وَالحَمِيدُ سُبْحَانَهُ هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ

حَمِدَ نَفْسَهُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]

فَهُوَ سُبْحَانَهُ المَحْمُودُ عَلَى مَا خَلَقَ وَشَرَعَ

وَوَهَبَ وَنَزَعَ

وَضَرَّ وَنَفَعَ

وَأَعْطَى وَمَنَعَ

وَعَلَا بِذَاتِهِ وَشَأْنِهِ فَارْتَفَعَ

وَأَمْسَكَ السَّمَاءَ عَنِ الأَرْضِ أَنْ تَقَعَ

وَفَرَشَ الأَرْضَ فَانْبَسَطَ سَهْلُهَا وَاتَّسَعَ

حَمِدَ نَفْسَهُ

وَحَمِدَهُ المُوَحِّدُونَ

فَلَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ.

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ:

"الحَمْدُ كُلُّهُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ... فَإِنَّهُ المَحْمُودُ عَلَى مَا خَلَقَهُ وَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، فَهُوَ المَحْمُودُ عَلَى طَاعَاتِ العِبَادِ وَمَعَاصِيهِم وَإِيمَانِهِم وَكُفْرِهِم

وَهُوَ المَحْمُودُ عَلَى خَلْقِ الأَبْرَارِ وَالفُجَّارِ وَالمَلَائِكَةِ وَعَلَى خَلْقِ الرُّسُلِ وَأَعْدَائِهِم، وَهُوَ المَحْمُودُ عَلَى عَدْلِهِ فِي أَعْدَائِهِ كَمَا هُوَ المَحْمُودُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ

فَكُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الكَوْنِ شَاهِدَةٌ بِحَمْدِهِ، وَلِهَذَا سَبَّحَ بِحَمْدِهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ"

طريق الهجرتين (ص: 192).

وَرَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحِمْدُ؛ أَنْتَ قَيَّمُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ؛ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ

وَلَكَ الْحَمْدُ؛ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ؛ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ... الحَدِيثَ"

الطبري (15/ 144)

القرطبي (10/ 309).

وَكَذَلِكَ فَإِنَّ اللهَ عز وجل هُوَ الحَمِيدُ الذِي يَحْمَدُهُ عِبَادُهُ المُوَحِّدُونَ؛ لِأَنَّهُم يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ الدُّنْيَا لِلابْتِلَاءِ، وَخَلَقَ الآخِرَةَ لِلْجَزَاءِ

فَهُم يَحْمَدُونَهُ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَيُوَحِّدُونَهُ فِي العِبَادَةِ وَالاسْتِعَانَةِ وَالدُّعَاءِ، حَتَّى يُكْرِمَهُم بِجِنَّتِهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَإِنِ ابْتَلَاهُم صَبَرُوا

وَإِنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِم شَكَرُوا، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِهِم: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]

وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34]

الاعتقاد للبيهقي (62).

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي نُونِيَّتِهِ:

وَهُوَ الحَمِيدُ فَكُلُّ حَمْدٍ وَاقِعٍ
أَوْ كَانَ مَفرُوضًا مَدَى الأَزْمَانِ

مَلَأَ الوُجُودَ جَمِيعُهُ وَنَظِيرُهُ
مِنْ غَيْرِ مَا عَدٍّ وَلَا حُسْبَانِ

هُوَ أَهْلُهُ سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ
كُلُّ المَحَامِدِ وَصْفُ ذِي الإِحْسَانِ

نونية ابن القيم (2/ 215).









رد مع اقتباس
قديم 2020-01-02, 18:15   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


وُرُودُهُ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ

النهج الأسمى (2/ 55 - 65).

وَرَدَ هَذَا الاِسْمُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً، مِنْهَا:

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 73].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 8].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾ [الحج: 24].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].

وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [البروج: 8].


مَعْنَى الاِسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:

قال أبو عبيدة:

"(حميد مجيد) أي: محمود ماجد"

مجاز القرآن (1/ 293).

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾:

"وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ (حَمِيدٌ):

أَنَّهُ مَحْمُودٌ عِنْدَ خَلْقِهِ بِمَا أَوْلَاهُم مِنْ نِعَمِهِ، وَبَسَطَ لَهُم مِنْ فَضْلِهِ"

جامع البيان (3/ 58).

وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النساء: 131]

: "وَ (الحَمِيدُ) الذِي اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُم أَيُّهَا الخَلْقُ الحَمْدَ بصَنَائِعِهِ الحَمِيدَةِ إِلَيْكُمْ، وَآلَائِهِ الجَمِيلَةِ لَدَيْكُمْ، فَاسْتَدِيمُوا ذَلِكَ أَيُّهَا النَّاسُ بِاتِّقَائِهِ، وَالمُسَارَعَةِ إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا يَأَمُرُكُم بِهِ وَيَنْهَاكُمْ عَنْهُ"

جامع البيان (5/ 205).

وَقَالَ الزَّجَّاجُ:

"(الحَمِيدُ) هُوَ فَعِيلٌ فِي مَعْنَى مَفْعُولٍ، وَاللهُ تَعَالَى هُوَ المَحْمُودُ بَكُلَّ لِسَانٍ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، كَمَا يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: الحَمْدُ للهِ الذِي لَا يُحْمَدُ عَلَى الأَحْوَالِ كُلِّهَا سِوَاهُ"

تفسير الأسماء (ص: 55).

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ:

"(الحَمِيدُ) هُوَ المَحْمُودُ الذِي اسْتَحَقَّ الحَمْدَ بِفِعَالِهِ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ

وَهُوَ الذِي يُحْمَدُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَفِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ

لِأَنَّهُ حَكِيمٌ لَا يَجْرِي فِي أَفْعَالِهِ الغَلَطُ، وَلَا يَعْتَرِضُهُ الخَطَأُ، فَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ"

شأن الدعاء (ص: 78).

وَقَالَ الحُلَيمِيُّ:

"(الحَمِيدُ) هُوَ المُسْتَحْقُّ لِأَنْ يُحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَدَأَ فَأَوْجَدَ، ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ النِّعْمَتَينِ الجَلِيلَتَيْنِ: الحَيَاةِ وَالعَقْلِ

وَوَالَى بَيْنَ

في الأسماء للبيهقي (ص: 59): بعد منحه

وكذا في الكتاب الأسنى (ورقة 294 ب).

مِنَحِهِ، وَتَابَعَ آلَاءَهُ وَمِنَنَهُ حَتَّى فَاتَتْ العَدَّ وَإِنِ اسْتُفْرِغَ فِيهَا الجَهْدُ، فَمَنْ ذَا الذِي يَسْتَحِقُّ الحَمْدَ سِوَاهُ؟ بَلْ لَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ لَا لِغَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ المَنَّ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ"

المنهاج (1/ 202)

وذكره ضمْن الأسماء التي تتبع إثباتَ التدبيرِ له دُون ما سِواه

ونقله البيهقيُّ في الأسماء (ص: 59 - 60).

وَقَالَ البَيْهَقِيُّ:

"هُوَ المَحْمُودُ الذِي يَسْتَحِقُّ الحَمْدَ

وَقِيلَ: مَنْ لَهُ صِفَاتُ المَدْحِ وَالكَمَالِ.

وَهَذِهِ صِفَةٌ يَسْتَحِقُّهَا بِذَاتِهِ"

الاعتقاد (ص: 62)

وانظر: المقصد الأسنى (ص: 82).

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ:

"وَهُوَ (الحَمِيدُ) أَيْ: المَحْمُودُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ"

تفسيره (1/ 321).

وَقَالَ السَّعْدِيُّ:

"(الحَمِيدُ) فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَلَهُ مِنَ الأَسْمَاءِ أَحْسَنُهَا، وَمِنَ الصِّفَاتِ أَكْمَلُهَا وَأَحْسَنُهَا، فَإِنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى دَائِرَةٌ بَيْنَ الفَضْلِ وَالعَدْلِ"

تيسير الكريم الرحمن (5/ 299 - 300)









رد مع اقتباس
قديم 2020-01-02, 18:16   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة

ثَمَرَاتُ الإِيمَانِ بهَذَا الاِسْمِ:

1- الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هُوَ المُسْتَحِقُّ لِلْحَمَدِ عَلَى الإِطْلَاقِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ نَفْسِهِ ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، وَالأَلِفُ وَاللَّامُ فِي (الحَمْدِ) لِلاِسْتِغْرَاقِ

أَيْ هُوَ الذِي لَهُ جَمِيعُ المَحَامِدِ بِأَسْرِهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأَِحَدٍ إِلَّا للهِ تَعَالَى، وَلَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ

هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ الحَمِيدُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَفِي أَسِمَائِهِ وَفِي أَفْعَالِهِ، فَلَهُ الحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ

فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالعُسْرِ وَاليُسْرِ، وَفِيمَا نُحِبُّ وَنَكْرَهُ، كَيْفَ لَا! وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ، الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، المُخْتَارُ لِمَا يَشَاءُ، فَمَهْمَا يَقْضِ وَيُقَدِّرْ فَهُوَ المُوَافِقُ لِلْحِكْمَةِ البَالِغَةِ، وَالعِلْمِ التَّامِّ.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ:

"اللَّهُمَّ ربَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلءَ الأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ"

رواه مسلم (1/ 347)

من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه أيضًا من حديث ابن أبي أوفى، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ:

"اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ؛ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ؛ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الحَمْدُ؛ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقُّ..."

صحيح: أخرجه البخاري (7442) ومسلم (769).

وَكَانَ مَرَّةً يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" فَقَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيَّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "مَنِ المُتَكَلِّمُ؟

" قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُم يكْتُبُهَا أَوَّلُ"

أخرجه البخاري (2/ 284)

من حديث رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه.

وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ اللهَ تَعَالَى فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَيَحْمَدُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ... الذِّكْرَ المَشْهُورَ.

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنًا عِظَمَ حَمْدِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالحَـمْدُ للهِ تَمْلَأُ المِـيزَانَ، سُبْحَـانَ اللهِ وَالحَـمْدُ للهِ تَمْـلَآنِ (أَوْ تَمْلَأُ) مَـا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..."

أخرجه مسلم (1/ 203)

من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.

وَقَالَ: "أَحَبُّ الكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأيِّهِنَّ بَدَأتَ..."

أخرجه مسلم (3/ 1685)

من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.

وَعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: قَالَ لِي عُمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: "إِنِّي لَأُحَدِّثُكَ بِالحَدِيثِ اليَوْمَ

لِيَنْفَعَكَ اللهُ عز وجل بِهِ بَعْدَ اليَوْمِ، اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللهِ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ الحَمَّادُونَ"

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/ 434):

حدثنا إسماعيل، أنا الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن مطرف به، وتمامه: "واعلم أنَّه لن تزال طائفةٌ من أهل الإسلام يقاتلون على الحق، ظاهرين على مَن ناوأهم حتى يقاتلوا الدَّجَّال

واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أَعْمَرَ مِن أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء الله أنْ يرتئي".

وسنده صحيح، مطرف هو ابن عبد الله بن الشخير، وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله، وهما أخوان ثقتان، وإسماعيل هو ابن عُليَّة، وهو ممن روى عن الجريري قبل الاختلاط.

وَهَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ، فَهُوَ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ

قال الهيثمي في المجمع (10/ 95)

بعد أن ذكر الحديث: "رواه أحمد موقوفًا وهو شبْه المرفوع، ورجاله رجال الصحيح".

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي فَضْلِ الحَمْدِ عَلَى النِّعَمِ: "مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ، إِلَّا كَانَ الذِي أُعْطَاهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ"

حديث حسَن: أخرجه ابن ماجه (2/ 1250) واللفظ له

وأبو بكر بن السني في عمل اليوم والليلة (358)

عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن شبيب بن بشْر، عن أنس مرفوعًا به، وسنده حسَن، شبيب ابن بشر وثَّقه ابنُ معين، وليَّنَه أبو حاتم، وقال الحافظ في التقريب: "صدوق يخطئ".

وله شاهد، يَرويه الطبراني في الكبير (8/ 193/ 7794)

عن سويد بن عبد العزيز، عن ثابت بن عجلان، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعاً بنحوه، وفيه سويد بن عبد العزيز، ضعيف

وبذلك أعلَّه الهيثمي في المجمع (10/ 95).

أَيْ: كَانَ إِلْهَامُ اللهِ لَهُ مِنَ الحَمْدِ وَالشُّكْرِ، أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ مِنَ النِّعْمَةِ.

وَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّ حَمْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْ أَسْبَابِ رِضَاهُ عَنِ العَبْدِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأَكْلَةَ فَيحْمَدُهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا"

رواه مسلم (4/ 2095).

2- وَقَدْ اقْتَرَنَ هَذَا الاسْمُ فِي الكِتَابِ بِبَعْضِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾

وَقَوْلِهِ: ﴿ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾

وَقَوْلِهِ: ﴿ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾

وَقَوْلِهِ: ﴿ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾

وَيُفِيدُ ذَلِكَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَفْرَدَيْهِمَا.

فَفِي الآيَةِ الأُولَى: لَهُ الحَمْدُ عَلَى غِنَاهُ وجَمِيلِ نِعَمِهِ.

وَفِي الثَّانِيَةِ: لَهُ الحَمْدُ عَلَى مَجْدِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ.

وَفِي الثَّالِثَةِ: لَهُ الحَمْدُ عَلَى تَوَلِّيهِ المُؤْمِنِينَ بِنُصْرَتِهِ وَرِعَايَتِهِ لَهُم وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِم، وَمَحَبَّتِهِ لَهُم.

وَفِي الرَّابِعَةِ: لَهُ الحَمْدُ عَلَى عِزَّتِهِ وَغَلَبَتِهِ، وَعَلَى إِعْزَازِهِ لأَِوْلِيَائِهِ، وَنَصْرِهِ لِحِزْبِهِ وَجُنْدِهِ.

3- كُلُّ مَا يُحْمَدُ بِهِ العِبَادُ فَهُوَ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ؛ لِأَنَّهُ الوَاهِبُ لِلصِّفَاتِ المَحْمُودَةِ.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله تَعَالَى:

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَهُ الحَمْدُ، وَأَنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَأَنَّ لَهُ الحَمْدَ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ، وَلَهُ الحُكْمُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ المَحَامِدِ.

وَالحَمْدُ نَوْعَانِ: حَمْدٌ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَى عِبَادِهِ، وَهُوَ مِنَ الشُّكْرِ.

وَحَمْدٌ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ بِنَفْسِهِ مِنْ نُعُوتِ كَمَالِهِ، وَهَذَا الحَمْدُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَنْ

في الأصل: لا يكون إلا ما هو في نفسه...

ولعل الصواب ما أثبتناه، (النجدي).

هُوَ فِي نَفْسِهِ مُسْتَحِقٌّ لِلحَمْدِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الكَمَالِ، وَهِيَ أُمُورٌ وُجُودِيَّةٌ، فَإِنَّ الأُمُورَ العَدَمِيَّةَ المَحْضَةَ لَا حَمْدَ فِيهَا، وَلَا خَيْرَ، وَلَا كَمَالَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَا يُحْمَدُ فَإِنَّمَا يُحْمَدُ عَلَى مَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ

فَكُلُّ مَا يُحْمَدُ بِهِ الخَلْقُ فَهُوَ مِنَ الخَالِقِ، وَالذِي مِنْهُ مَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ هُوَ أَحَقُّ بِالحَمْدِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ المُسْتَحِقَّ لِلْمَحَامِدِ الكَامِلَةِ، وَهُوَ أَحَقُّ مِنْ كُلِّ مَحْمُودٍ بِالحَمْدِ، وَالكَمَالِ مِنْ كُلِّ كَامِلٍ، وَهُوَ المَطْلُوبُ

مجموع الفتاوى (6/ 83، 84).









رد مع اقتباس
قديم 2020-01-02, 18:17   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:

1- الحَمِيدُ المَجِيدُ:

فَالحَمِيدُ فَعِيلٌ مِنَ الحَمْدِ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ، وَأَكْثَرُ مَا يَأْتِي فَعِيلًا فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَسَمِيعٍ وَبَصِيرٍ وَعَليمٍ وَقَدِيرٍ وَعَليٍّ وَحَكِيمٍ وَحَلِيمٍ، وَهُوَ كَثِيرٌ.

وَكَذَلِكَ فَعُولٌ كَغَفُورٍ وَشَكُورٍ وَصَبُورٍ.

وَأَمَّا الحَمِيدُ: فَلَمْ يَأْتِ إِلَّا بِمَعْنَى المَحْمُودِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ المَحْمُودِ، فَإِنَّ فَعِيلًا إِذَا عُدِلَ بِهِ عَنْ مَفْعُولٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ قَدْ صَارتْ مِثْلَ السَّجِيَّةِ وَالغَرِيزَةِ وَالخُلُقِ اللَّازِمِ

كَمَا إِذَا قُلْتَ فُلَانٌ ظَرِيفٌ أَوْ شَرِيفٌ أَوْ كَرِيمٌ، وَلِهَذَا يَكُونُ هَذَا البِنَاءُ غَالِبًا مِنْ فِعْلٍ بِوَزْنِ شَرُفَ، وَهَذَا البِنَاءُ مِنْ أَبْنِيَةِ الغَرَائِزِ وَالسَّجَايَا اللَّازِمَةِ، كَكَبُرَ وَصَغُرَ وَحَسُنَ وَلَطُفَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَلِهَذَا كَانَ حَبِيبٌ أَبْلَغَ مِنْ مَحْبُوبٍ؛ لِأَنَّ الحَبِيبَ هُوَ الذِي حَصُلَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ وَالأَفْعَالُ التِي يُحَبُّ لأَِجْلِهَا، فَهُوَ حَبِيبٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِن قُدِّرَ أَنَّ غَيْرَهُ لَا يُحِبُّهُ لِعَدَمِ شُعُورِهِ بِهِ

أَوْ لِمَانِعٍ مَنَعَهُ مِنْ حُبِّهِ، وَأَمَّا المَحْبُوبُ فَهُوَ الذِي تَعَلَّقَ بِهِ حُبُّ المُحِبِّ، فَصَارَ مَحْبُوبًا بِحُبِّ الغَيْرِ لَهُ، وَأَمَّا الحَبِيبُ فَهُوَ حَبِيبٌ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، تَعَلَّقَ بِهِ حُبُّ الغَيْرِ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ، وَهَكَذَا الحَمِيدُ وَالمَحْمُودُ.

فَالحَمِيدُ: هُوَ الذِي لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ وَأَسْبَابِ الحَمْدِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُودًا وَإِنْ لَمْ يَحْمِدْهُ غَيْرُهُ، فَهُوَ حَمِيدٌ فِي نَفْسِهِ، وَالمَحْمُودُ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَمْدُ الحَامِدِينَ، وَهَكَذَا المَجِيدُ وَالمُمَجَّدُ

وَالكَبِيرُ وَالمُكَبَّرُ، وَالعَظِيمُ وَالمُعَظَّمُ، وَالحَمْدُ وَالمَجْدُ إِلَيْهِمَا يَرْجِعُ الكَمَالُ كُلُّهُ، فَإِنَّ الحَمْدَ يَسْتَلْزِمُ الثَّنَاءَ وَالمَحَبَّةَ لِلْمَحْمُودِ، فَمَنْ أَحْبَبْتَهُ وَلَمْ تُثْنِ عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ حَامِدًا لَهُ

وَكَذَا مَنْ أَثْنَيْتَ عَلَيْهِ لِغَرَضٍ مَا وَلَمْ تُحبَّهُ لَمْ تَكُنْ حَامِدًا لَهُ حَتَّى تَكُونَ مُثْنِيًا عَلَيْهِ مُحِبًّا لَهُ، وَهَذَا الثَّنَاءُ وَالحُبُّ تَبَعٌ لِلأَسْبَابِ المُقْتَضِيَةِ لَهُ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ المَحْمُودُ مِنْ صِفَاتِ الكَمَالِ

وَنُعُوتِ الجَلَالِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى الغَيْرِ، فَإِنَّ هَذِهِ هَيَ أَسْبَابُ المَحَبَّةِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ أَجْمَعَ وَأَكْمَلَ كَانَ الحَمْدُ وَالحُبُّ أَتَمَّ وَأَعْظَمَ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ لَهُ الكَمَالُ المُطْلَقُ الذِي لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ مَا

وَالإِحْسَانُ كُلُّهُ لَهُ وَمِنْهُ، فَهُوَ أَحَقُّ بِكُلِّ حَمْدٍ، وَبِكُلِّ حُبٍّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَهُوَ أَهْلٌ أَنْ يُحَبَّ لِذَاتِهِ وَلِصِفَاتِهِ وَلأَِفْعَالِهِ وَلأَسْمَائِهِ وَلِإِحْسَانِهِ وَلِكُلِّ مَا صَدَرَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

جلاء الأفهام (ص: 243).

كَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ الفِعْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَا حِكْمَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ يَقْصِدُهُ الفَاعِلُ لأَِجْلِهَا لَا يَكُونُ مُتَعَلَّقًا لِلْحَمْدِ

فَلَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ حَصَلَتْ بِهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الفَاعِلِ لِحُصُولِهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الحَمْدَ عَلَيْهَا، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.

بَلِ الذِي يَقْصِدُ الفِعْلَ لِمَصْلَحَةٍ وَحِكْمَةٍ وَغَايَةٍ مُحْمُودَةٍ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَنْفِيذِ مُرَادِهِ، أَحَقُّ بِالحَمْدِ مِنْ قَادِرٍ لَا يَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ وَلَا لِمَصْلَحَةٍ وَلَا لِقَصْدِ الإِحْسَانِ، هَذَا المُسْتَقِرُّ فِي فِطَرِ الخَلْقِ.

وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ حَمْدُهُ قَدْ مَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَمَلَأَ العَالَمَ العُلْوِيَّ وَالسُّفْلِيَّ وَالدُّنْيَا وَالآخِرَةَ، وَوَسِعَ حَمْدُهُ مَا وَسِعَ عِلْمُهُ، فَلَهُ الحَمْدُ التَّامُّ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ

وَلَا حُكْمَ يُحْكَمُ إِلَّا بِحَمْدِهِ، وَلَا قَـامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا بَحَـمْدِهِ، لَا يَتَحَـوَّلُ شَيءٌ فِي العَـالَمِ العُـلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ إِلَّا بِحَمْدِهِ، وَلَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ؛ إِلَّا بِحَمْدِهِ

كَمَا قَالَ الحَسَنُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ

لَقَدْ دَخَلَ أَهْلُ النَّارِ النَّارَ وَإِنَّ حَمْدَهُ لَفِي قُلُوبِهِم مَا وَجَدوا عَلَيْهِ سَبِيلًا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ الكِتَابَ بِحَمْدِهِ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ بِحَمْدِهِ، وَأَمَاتَ خَلْقَهُ بِحَمْدِهِ، وَيُحْيِيِهِم بِحَمْدِهِ

وَلِهَذَا حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ الشَّامِلَةِ لِذَلِكَ كُلِّهِ فَـ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2].

وَحَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى إِنْزَالِ كُتُبِهِ فَـ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ [الكهف: 1].

وَحَمِدَ نَفْسَهُ عَـلَى خَـلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالأَرْضِ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [الأنعام: 1].

وَحَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى كَمَالِ مُلْكِهِ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [سبأ: 1].

فَحَمْدٌ مَلَأَ الزَّمَانَ وَالمَكَانَ وَالأعْيَانَ وَعَمَّ الأَقْوَالَ كُلَّهَا، ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾ [الروم: 17، 18].

وَكَيْفَ لَا يُحْمَدُ عَلَى خَلْقِهِ كُلِّهِ وَهُوَ ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ [السجدة: 7]، وَعَلَى صُنْعِهِ وَقَدْ أَتْقَنَهُ: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88]

وَعَلَى أَمْرِهِ وَكُلُّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَعَدْلٌ وَمَصْلَحَةٌ، وَعَلَى نَهْيِهِ وَكُلُّ مَا نَهَى عَنْهُ شَرٌّ وَفَسَادٌ

وَعَلَى ثَوَابِهِ وَكُلُّهُ رَحْمَةٌ وَإِحْسَانٌ، وَعَلَى عِقَابِهِ وَكُلُّهُ عَدْلٌ وَحَقٌّ، فللهِ الحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَهُ المُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِهِ الخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ.

وَالمَقْصُودُ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ الفَاعِلُ أَعْظَمَ حِكْمَةً كَانَ أَعْظَمَ حَمْدًا، وَإِذَا عَدِمَ الحِكْمَةَ وَلَمْ يَقْصِدْهَا بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ عُدِمَ الحَمْدُ

شفاء العليل (ص: 382).

وَأَمَّا المَجْدُ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْعَظَمَةِ وَالسَّعَةِ وَالجَلَالِ، وَالحَمْدُ يَدُلُّ عَلَى صِفَاتِ الإِكْرَامِ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ العَبْدِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَالٌّ عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ فِيهَا، فَأُلُوهِيَّتُهُ تَسْتَلْزِمُ مَحَبَّتَهُ التَّامَّةَ، وَاللهُ أَكْبَرُ دَالُّ عَلَى مَجْدِهِ وَعَظَمَتِهِ

وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ تَمْجِيدَهُ وَتَعْظَيمَهُ وَتَكْبِيرَهُ، وَلِهَذَا يَقْرِنُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فِي القُرْآنِ كَثِيرًا

كَقَوْلِهِ: ﴿ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 73]

وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]

فَأَمَرَ بِحَمْدِهِ وَتَكْبِيرِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 78]، وَقَالَ: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 27].

وَفِي المُسْنَدِ وَصَحِيحِ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ: "أَلِظُّوا بِيَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ"

حسَن: رواه الترمذي (3254، 3525)

وأحمد (17143)

وصحَّحه الألباني في الصحيحة (1536).

يَعْنِى: الْزَمُوهَا وَتَعَلَّقُوا بِهَا، فَالجَلَالُ وَالإِكْرَامُ هُوَ الحَمْدُ وَالمَجْدُ، وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ: ﴿ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40]

وَقَوْلُهُ: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149

وَقَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الممتحنة: 7]

وَقَوْلُهُ: ﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ ﴾ [البروج: 14، 15]

وَهُوَ كَثِيرٌ فِي القُرْآنِ

جلاء الأفهام (ص: 243).

وَهُوَ سُبْحَانَهُ الحَمِيدُ المَجِيدُ، وَحَمْدُهُ وَمَجْدُهُ يَقْتَضِيَانِ آثَارَهُمَا؛ وَمِنْ آثَارِهِمَا: مَغْفِرَةُ الزَّلَّاتِ، وَإِقَالَةُ العَثَرَاتِ، وَالعَفْوُ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَالمُسَامَحَةُ عَلَى الجِنَايَاتِ

مَعَ كَمَالِ القُدْرَةِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الحَقِّ، وَالعِلْمِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِالجِنَايَةِ وَمِقْدَارِ عُقُوبَتِهَا، فَحِلْمُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَعَفْوُهُ بَعْدَ قُدْرَتِهِ، وَمَغْفِرَتُهُ عَنْ كَمَالِ عِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ

كَمَا قَالَ المَسِيحُ صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]

أَيْ: فَمَغْفِرَتُكَ عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِكَ وَحِكْمَتِكَ، لَسْتَ كَمَنْ يَغْفِرُ عَجْزًا وَيُسَامِحُ جَهْلًا بِقَدْرِ الحَقِّ، بَلْ أَنْتَ عَلِيمٌ بِحَقِّكَ، قَادِرٌ عَلَى اسْتِيفَائِهِ، حَكِيمٌ فِي الأَخْذِ بِهِ.

فَمَنْ تَأَمَّلَ سَرَيَانَ آثَارِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فِي العَالَمِ، وَفِي الأَمْرِ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مَصْدَرَ قَضَاءِ هَذِهِ الجِنَايَاتِ مِنَ العَبِيدِ، وَتَقْدِيرُهَا: هُوَ مِنْ كَمَالِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالأَفْعَالِ

وَغَايَاتُهَا أَيْضًا: مُقْتَضَى حَمْدِهِ وَمَجْدِهِ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ.

فَلَهُ فِي كُلِّ مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ، وَالآيَاتُ البَاهِرَةُ، وَالتَّعَرُّفَاتُ إِلَى عِبَادِهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَاسْتِدْعَاء مَحَبَّتِهِم لَهُ، وَذِكْرِهِم لَهُ، وَشُكْرِهِم لَهُ، وَتَعَبُّدِهِم لَهُ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى

إِذْ كُلُّ اسْمٍ لَهُ تَعَبُّدٌ مُخْتَصٌّ بِهِ، عِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَحَالًا؟، وَأَكْمَلُ النَّاسِ عُبُودِيَّةً المُتَعَبِّدُ بِجَمِيعِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ التِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا البَشَرُ

فَلَا تَحْجُبُهُ عُبُودِيَّةُ اسْمٍ عَنْ عُبُودِيَّةِ اسْمٍ آخَرَ، كَمَنْ يَحْجُبُهُ التَّعَبُّدُ بِاسْمِهِ القَدِيرِ عَنِ التَّعَبُّدِ بِاسْمِهِ الحَلِيمِ الرَّحِيمِ، أَوْ يَحْجُبُهُ عُبُودِيَّةُ اسْمِهِ المُعْطِي

عَنْ عُبُودِيَّةِ اسْمِهِ المَانِعِ، أَوْ عُبُودِيَّةِ اسْمِهِ الرَّحِيمِ وَالعَفُوِّ وَالغَفُورِ عَنِ اسْمِهِ المُنْتَقِمِ، أَوِ التَّعَبُّدُ بِأَسْمَاءِ التَوَدُّدِ وَالبِرِّ وَاللُّطْفِ وَالإِحْسَانِ عَنْ أَسْمَاءِ العَدْلِ وَالجَبَرُوتِ وَالعَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الكُمَّلِ مِنَ السَّائِرِينَ إِلَى اللهِ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قَلْبِ القُرْآنِ

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]

وَالدُّعَاءُ بِهَا يَتَنَاوَلُ دَعَاءَ المَسْأَلَةِ، وَدُعَاءَ الثَّنَاءِ، وَدُعَاءَ التَّعَبُّدِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَدْعُو عِبَادَهُ إِلَى أَنْ يَعْرِفُوهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَيُثْنُوا عَلَيْهِ بِهَا، وَيَأْخُذُوا بِحَظِّهِم مِنْ عُبُودِيَّتِهَا

مدارج السالكين (1/ 419).

2- إِثْبَاتُ الحَمْدِ كُلِّهِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ:

نِسْبَةُ القُدْرَةِ وَالحِكْمَةِ للهِ تَسْتَلْزِمُ أَمْرًا ثَالِثًا وَهُوَ الحَمْدُ، وَيَجْمَعُ هَذَيْنِ الأَصْلَيْنِ العَظِيمَيْنِ أَصْلٌ ثَالِثٌ هُوَ عَقْدُ نِظَامِهَا وَجَامِعُ شَمْلِهَا، وَبِتَحْقِيقِهِ وَإثْبَاتِهِ عَلَى وَجْهِهِ يَتِمُّ بِنَاءُ هَذَيْنِ الأَصْلَيْنِ وَهُوَ إِثْبَاتُ الحَمْدِ كُلِّهِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ

فَإِنَّهُ المَحْمُودُ عَلَى مَا خَلَقَهُ وَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، فَهُوَ المَحْمُودُ عَلَى طَاعَاتِ العِبَادِ وَمَعَاصِيهِم وَإِيمَانِهِم وَكُفْرِهِم، وَهُوَ المَحْمُودُ عَلَى خَلْقِ الأَبْرَارِ وَالفُجَّارِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ

وَعَلَى خَلْقِ الرُّسُلِ وَأَعْدَائِهِم، وَهُوَ المَحْمُودُ عَلَى عَدْلِهِ فِي أَعْدَائِهِ، كَمَا هُوَ المَحْمُودُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَى أَوْلِيَائِهِ، فَكُلُّ ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الكَوْنِ شَاهِدَةٌ بِحَمْدِهِ

وَلِهَذَا سَبَّحَ بِحَمْدِهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ: ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ [الإسراء: 44]

وَكَانَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الاعْتِدَالِ مِنَ الرُّكُوعِ: "رَبَنَّا وَلَكَ الحَمْدُ، مِلءَ السَّمَاءِ، وَمِلءَ الأَرْضِ، وَمِلءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ"

صحيح: أخرجه مسلم (476) في الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه.

فَلَهُ سُبْحَانَهُ الحَمْدُ حَمْدًا يَمْلَأُ المَخْلُوقَاتِ وَالفَضَاءَ الذِي بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَيَمْلَأُ مَا يَقْدِرُ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا يَشَاءُ اللهُ أَنْ يَمْلَأَ بِحَمْدِهِ، وَذَاكَ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُمْلَأَ مَا يَخْلُقُهُ اللهُ بَعْدَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالمَعْنَى أَنَّ الحَمْدَ مِلءَ مَا خَلَقْتَهُ وَمِلءَ مَا تَخْلُقُهُ بِعْدَ ذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المَعْنَى مِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ يَمْلَؤُهُ حَمْدُكَ، أَيْ يُقَدَّرُ مَمْلُوءًا بِحَمْدِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا

وَلَكِنْ يُقَالُ: المَعْنَى الأَوَّلُ أَقْوَى لأَِنَّ قَوْلَهُ: "مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ" يَقْتَضِى أَنَّهُ شَيءٌ يَشَاؤُهُ، وَمَا شَاءَ كَانَ

وَالمَشِيئَةُ مُتَعَلقةٌ بِعَيْنِهِ لَا بِمُجَرَّدِ مَلءِ الحَمْدِ لَهُ، فَتَأَمَّلْهُ لَكِنَّهُ إِذَا شَاءَ كَوْنَهُ فَلَهُ الحَمْدُ مِلْؤُهُ، فَالمَشِيئَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى المَمْلُوءِ بِالحَمْدِ، فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مَوْجُودًا يَمْلَؤُهُ حَمْدُهُ

وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: "مِنْ شَيءٍ" بَعْدُ يَقْتَضِي أَنَّهُ شَيءٌ يَشَاؤُهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ هَذِهِ المَخْلُوقَاتِ كَمَا يَخْلُقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ مَخْلُوقَاتِهِ مِنَ القِيَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا. وَلَوْ أُرِيدَ تَقْدِيرَ خَلْقِهِ لَقِيلَ: وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ مَعَ ذَلِكَ

لِأَنَّ المُقَدَّرَ يَكُونُ مَعَ المُحَقَّقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: مِلءَ مَا شِئْتَ أَنْ يَمْلَأَهُ الحَمْدُ، بَلْ قَالَ: مَا شِئْتَ

وَالعَبْدُ قَدْ حَمِدَ حَمْدًا أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنَّ ثَنَاءَهُ وَوَصْفَهُ بَأَنَّهُ يَمْلَأُ مَا خَلَقَهُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَمَا يَشَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ "وَمِلءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدُ" يَقْتَضِي إِثْبَاتَ مَشِيئَةٍ تَتَعَلَّقُ بِشَيءٍ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَعَلَى الوَجْهِ الثَّانِي قَدْ تَتَعَلَّقُ المَشِيئَةُ بِمِلءِ القَدْرِ، وَقَدْ لَا تَتَعَلَّقُ، وَأَيْضًا فَإِذَا قِيلَ: "مَا شِئْتَ مِنْ شَيءٍ بَعْدَ ذَلِكَ" كَانَ الحَمْدُ مَالِئًا لِمَا هُوَ مَوْجُودٌ يَشَاؤُهُ الرَّبُّ دَائِمَا

وَلَا رَيْبَ أَنَّ لَهُ الحَمْدَ دَائِمَا فِي الأَولَى وَالآخِرَةِ، وَأَمَّا إِذَا قُدِّرَ مَا يَمْلَؤُهُ الحَمْدُ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَالمُقَدَّرَاتُ لَا حَدَّ لَهَا، وَمَا مِنْ شَيءٍ مِنْهَا إِلَّا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ شَيءٍ بَعْدَهُ، وَتَقْدِيرُ مَا لَا نَهَايَةَ لَهُ كَتَقْدِيرِ الأَعْدَادِ

وَلَوْ أُرِيدَ هَذَا المَعْنَى لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَعْلِيقِهِ بِالَمشِيئَةِ، بَلْ قِيلَ: "مِلءَ مَا لَا يَتَنَاهَى" فَأَمَّا مَا يَشَاؤُهُ الرَّبُّ فَلَا يَكُونُ إِلَّا مَوْجُودًا مُقَدَّرًا، وَإِنْ كَانَ لَا آخِرَ لِنَوْعِ الحَوَادِثِ، أَوْ بَقَاءَ مَا تَبَقَّى مِنْهَا، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَشَاؤُهُ بَعْدُ.

وَأَيْضًا فَالحَمْدُ هُوَ الإِخْـبَارُ بِمَحَـاسِنِ المَحْـمُودِ عَلَى وَجْهِ الحُبِّ لَهُ، وَمَحَاسِنُ المَحْمُودِ تَعَالَى إِمَّا قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ، وَإِمَّا ظَاهِرَةٌ فِي مَخْلُوقَاتِهِ، فَأَمَّا المَعْدُومُ المَحْضُ الذِي لَمْ يَخْلُقْ وَلاَ خَلَقَ قَطُّ فَذَاكَ لَيْسَ فِيهِ مَحَاسِنُ وَلَا غَيْرُهَا

فَلَا مَحَامِدَ فِيهِ البَتَّةَ، فَالحَمْدُ للهِ الذِي يَمْلَأُ المَخْلُوقَاتِ مَا وُجِدَ مِنْهَا وَيُوجَدُ هُوَ حَمْدٌ يَتَضَمَّنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بَكَمَالِهِ القَائِمِ بِذَاتِهِ، وَالمَحَاسِنِ الظَّاهِرَةِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ

وَأَمَّا مَا لَا وُجُودَ لَهُ فَلَا مَحَامِدَ فِيهِ وَلَا مَذامَّ، فَجَعْلُ الحَمْدِ مَالِئًا لَهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ

طريق الهجرتين (ص: 192).









رد مع اقتباس
قديم 2020-01-02, 18:18   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة


3- مَعْنَى قَوْلِهِ (الحَمْدُ للهِ مَلءَ السَّمَاوَاتِ):

وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَوْنِ حَمْدِهِ يَمْلَأُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا

فَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ: أَيْ لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا قَالُوا: فَإِنَّ الحَمْدَ مِنْ قَبِيلِ المَعَانِي وَالأَعْرَاضِ التِي لَا تُمْلَأُ بِهَا الأَجْسَامُ، وَلَا تُمْلَأُ الأَجْسَامُ إِلَّا بِالأَجْسَامِ.

وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَكَلُّفِ البَارِدِ، فَإِنَّ مِلءَ كُلِّ شَيءٍ يَكُونُ بِحَسَبِ المَالِئِ وَالمَمْلُوءِ

فَإِذَا قِيلَ امْتَلَأَتِ الجَفْنَةُ طَعَامًا فَهَذَا الامْتِلَاءُ نَوْعٌ، وَإِذَا قِيلَ: امْتَلَأَتِ الدَارُ رِجَالًا، وَامْتَلَأَتِ المَدِينَةُ خَيْلًا وَرِجَالًا فَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ، وَإِذَا قِيلَ: امْتَلَأَ الكِتَابُ سُطُورًا

فَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ كَمَا فِي أَثَرٍ مَعْرُوفٍ: "أَهْلُ الجَنَّةِ مَنِ امْتَلَأَتْ مَسَامِعُهُ مِنْ ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنِ امْتَلَأَتْ مَسَامِعُهُ مِنْ ذَمِّ النَّاسِ لَهُ"

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فِي عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ كُنَـيِّفٌ مُلِئَ عِلْمًا

وَيُقَالُ: فُلَانٌ عِلْمُهُ قَدْ مَلَأَ الدُّنْيَا، وَكَانَ يُقَالُ مَلَأَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا الدُّنْيَا عِلْمًا، وَيُقَالٌ: صَيْتُ فُلَانٍ قَدْ مَلَأَ الدُّنْيَا وَضَيَّقَ الآَفَاقَ

وَحُبُّهُ قَدْ مَلَأَ القُلُوبَ، وَبُغْضُ فُلَانٍ قَدْ مَلَأَ القُلُوبَ، وَامْتَلَأَ قَلْبُهُ رُعْبًا، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُسْتَوْعَبَ شَوَاهِدُهُ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي بَابِهِ وَجَعْلُ المَلْءِ وَالامْتِلاَءِ حَقِيقَةً لِلْأَجْسَامِ خَاصَّةً تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ وَدَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا البَتَّةَ

وَالأَصْلُ الحَقِيقَةُ الوَاحِدَةُ، وَالاشْتِرَاكُ المَعْنَوِيُّ هُوَ الغَالِبُ عَلَى اللُّغَةِ وَالأَفْهَامِ وَالاسْتِعْمَالِ، فَالمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى مِنَ المَجَازِ وَالاشْتِرَاكِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ تَقْرِيرِ المَسْأَلَةِ.

وَالمَقْصُودُ أَنَّ الرَّبَّ أَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى لَيْسَ فِيهَا اسْمُ سُوءٍ، وَأَوْصَافُهُ كُلُّهَا كَمَالٌ لَيْسَ فِيهَا صِفَةُ نَقْصٍ، وَأَفْعَالُهُ كُلُّهَا حِكْمَةٌ لَيْسَ فِيهَا فِعْلٌ خَالٍ عَنِ الحِكْمَةِ وَالمَصْلَحَةِ، وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ

وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الكَمَالِ، مَذْكُورٌ بِنُعُوتِ الجَلَالِ، مُنَزَّهٌ عَنِ الشَّبِيهِ وَالمِثَالِ، وَمُنَزَّهٌ عَمَّا يُضَادَّ صِفَاتِ كَمَالِهِ: فَمُنَزَّهٌ عَنِ المَوْتِ المُضَادِّ لِلْحَيَاةِ

وَعَنِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالسَّهْوِ وَالغَفْلَةِ المُضَادِّ لِلْقَيُّومِيَّةِ، وَمَوْصُوفٌ بِالعِلْمِ، مُنَزَّهٌ عَنْ أَضْدَادِهِ كُلِّهَا مِنَ النِّسْيَانِ وَالذُّهُولِ وَعُزُوبِ شَيءٍ عَنْ عِلْمِهِ، مَوْصُوفٌ بِالقُدْرَةِ التَّامَّةِ مُنَزَّهٌ عَنْ ضِدِّهَا مِنَ العَجْزِ وَاللُّغُوبِ وَالإِعْيَاءِ

مَوْصُوفٌ بِالسَّمْعِ وَالبَصَرِ مُنَزَّهٌ عَنْ أَضْدَادِ ذَلِكَ، مَوْصُوفٌ بِالغِنَى التَّامِّ، مُنَزَّهٌ عَمَّا يُضَادَّهُ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وَمُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ كُلِّهِ

فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونُ غَيْرَ مَحْمُودٍ كَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قَادِرٍ وَلَا خَالِقٍ وَلَا حَيٍّ، وَلَهُ الحَمْدُ كُلُّهُ وَاجِبٌ لِذَاتِهِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا مَحْمُودًا كَمَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِلَهًا وَرَبًّا وَقَادِرًا.

4- مَعْنَى (الحَمْدُ كُلُّهُ للهِ):

فَإِذَا قِيلَ "الحَمْدُ كُلُّهُ للهِ" فَهَذَا لَهُ مَعْنَيَانِ:

(أَحَدُهُمَا): أَنَّهُ مَحْمُودٌ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَبِكُلِّ مَا يُحْمَدُ بِهِ المَحْمُودُ التَّامُّ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ يُحْمَدُ أَيْضًا كَمَا يُحْمَدُ رُسُلُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ وَأَتْبَاعُهُم - فَذَلِكَ مِنْ حَمْدِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

بَلْ هُوَ المَحْمُودُ بِالقَصْدِ الأَوَّلِ وَبِالذَّاتِ، وَمَا نَالُوهُ مِنَ الحَمْدِ فَإِنَّمَا نَالُوهُ بِحَمْدٍ؛ فَهُوَ المَحْمُودُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ وَقَدْ عَلِمَ غَيْرُهُ مِنْ عِلْمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ بِدُونِ تَعْلِيمِهِ.

وَفِي الدُّعَاءِ المَأْثُورِ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ المُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِكَ الخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ، أَسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ"

أخرجه البيهقي، والديلمي عن أبي سعيد

كما في كنز العمال (7/ 20112).

وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَهُ المُلْكُ، وَقَدْ آتَى مِنَ المُلْكِ بَعْضَ خَلْقِهِ، وَلَهُ الحَمْدُ وَقَدْ آتَى غَيْرَهُ مِنَ الحَمْدِ مَا شَاءَ

وَكَمَا أَنَّ مُلْكَ المَخْلُوقِ دَاخِلٌ فِي مُلْكِهِ، فَحَمْدُهُ أَيْضًا دَاخِلٌ فِي حَمْدِهِ، فَمَا مِنْ مَحْمُودٍ يُحْمَدُ عَلَى شَيءٍ مِمَّا دَقَّ أَوْ جَلَّ إِلَّا وَاللهُ المَحْمُودُ عَلَيْهِ بِالذَّاتِ وَالأَوْلَوِيَّةِ أَيْضًا.

وَإِذَا قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ" فَالمُرَادُ بِهِ أَنْتَ المُسْتَحِقُّ لِكُلِّ حَمْدٍ، لَيْسَ المُرَادُ بِهِ الحَمْدَ الخَارِجِيَّ فَقَطْ.

(المَعْنَى الثَّانِي): أَنْ يُقَالَ: "لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ" أَيْ: الحَمْدُ التَّامُّ الكَامِلُ فَهَذَا مُخْتَصٌّ بَاللهِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ فِيهِ شِرْكَةٌ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ لَهُ الحَمْدَ بِالمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا، فَلَهُ عُمُومُ الحَمْدِ وَكَمَالُهُ

وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ المَحْمُودُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى كُلِّ شَيءٍ أَكْمَلَ حَمْدٍ وَأَعْظَمَهُ، كَمَا أَنَّ لَهُ المُلْكَ التَّامَّ العَامَّ، فَلَا يَمْلِكُ كُلَّ شَيءٍ إِلَّا هُوَ، وَلَيْسَ المُلْكُ التَّامُّ الكَامِلُ إِلَّا لَهُ

وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ يُثْبِتُونَ لَهُ كَمَالَ المُلْكِ وَكَمَالَ الحَمْدِ، فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: إِنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ

وَلَا يَخْرُجُ عَنْ خَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ شَيءٌ البَتَّةَ، فَلَهُ المُلْكُ كُلُّهُ، وَالقَدَرِيَّةُ المَجُوسِيَّةُ يُخْرِجُونَ مِنْ مُلْكِهِ أَفْعَالَ العِبَادِ، وَيُخْرِجُونَ سَائِرَ حَرَكَاتِ المَلَائِكَةِ وَالجِنِّ وَالإِنْسِ عَنْ مُلْكِهِ.

وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ دَاخِلًا فِي مُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ وَيُثْبتُونَ كَمَالَ الحَمْدِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ المَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَعَلَى كَمَالِ الحَمْدِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ المَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَعَلَى مَا خَلَقَهُ وَيَخْلُقُهُ

لِمَا لَهُ فِيهِ مِنَ الحِكَمِ وَالغَايَاتِ المَحْمُودَةِ المَقْصُودَةِ بِالفِعْلِ. وَأَمَّا نُفَاةُ الحِكْمَةِ وَالأَسْبَابِ مِنْ مُثْبِتِي القَدَرِ فَهُم فِي الحَقِيقَةِ لَا يُثْبِتُونَ لَهُ حَمْدًا كَمَا لَا يُثْبِتُونَ لَهُ الحِكْمَةَ

فَإِنَّ الحَمْدَ مِنْ لَوَازِمِ الحِكْمَةِ، وَالحِكْمَةُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ يَفْعَلُ شَيْئًا لِشَيءٍ فَيُرِيدُ بِمَا يَفْعَلُهُ الحِكْمَةَ النَّاشِئَةَ مِنْ فِعْلِهِ

فَأَمَّا مَنْ لاَ يَفْعَلُ شَيْئًا لِشَيءٍ البَتَّةَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ الحِكْمَةُ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: لَيْسَ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ لَامُ التَّعْلِيلِ

وَمَا اقْتُرِنَ بِالمَفْعُولَاتِ مِنْ قُوًى وَطَبَائِعَ وَمَصَالِحَ فَإِنَّمَا اقْتُرِنَتْ بِهَا اقْتِرَانًا عَادِيًّا، لَا أَنَّ هَذَا كَانَ لأَِجْلِ هَذَا، وَلَا نَشَأَ السَّبَبُ لأَِجْلِ المُسَبَّبِ، بَلْ لَا سَبَبَ عِنْدَهُم وَلَا مُسَبَّبٌ البَتَّةَ

إِنْ هُوَ إِلَّا مَحْضُ المَشِيئَةِ وَصَرْفُ الإِرَادَةِ التِي تُرَجِّعُ مَثَلًا عَلَى مَثَلٍ، بَلْ لَا مُرَجِّحَ أَصْلًا، وَلَيْسَ عِنْدَهُم فِي الأَجْسَامِ طَبَائِعُ وَقُوَى تَكُونُ أَسْبَابًا لِحَرَكَاتِهَا

وَلَا فِي العَيْنِ قُوَّةٌ امْتَازَتْ بِهَا عَلَى الرِّجْلِ يُبْصَرُ بَهَا، وَلَا فِي القَلْبِ قُوَّةٌ يُعْقَلُ بِهَا امْتَازَ بِهَا عَنِ الظَّهْرِ، بَلْ خَصَّ سُبْحَانَهُ أَحَدَ الجِسْمَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ وَالعَقْلِ وَالذَّوْقِ تَخْصِيصًا لِمَثَلٍ عَلَى مَثَلٍ بَلَا سَبَبٍ أَصْلًا وَلَا حِكْمَةٍ

فَهَؤُلَاءِ لَمْ يُثْبِتُوا لَهُ كَمَالَ الحَمْدِ، كَمَا لَمْ يُثْبِتْ لَهُ أُولَئِكَ كَمَالَ المُلْكِ، وَكِلَا القَوْلَيْنِ مُنْكَرٌ عِنْدَ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الأُمَّةِ، وَلِهَذَا كَانَ مُنْكِرُو الأَسْبَابِ وَالقُوَى وَالطَّبَائِعَ يَقُولُونَ: العَقْلُ نَوْعٌ مِنَ العُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ

كَمَا قَالَ القَاضِيَانِ أَبُو بَكْرِ ابْنُ الطَّيِّبِ، وَأَبُو يَعْلَى بْنُ الفَرَّاءِ، وَأَتْبَاعُهُمَا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ غَرِيزَةٌ، وَكَذَلِكَ الحَارِثُ المُحَاسِبِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، فَأُولَئِكَ لَا يُثْبِتُونَ غَرِيزَةً وَلَا قُوَّةً وَلَا طَبِيعَةً وَلَا سَبَبًا

وَأبْطَلُوا مُسَمَّيَاتِ هَذِهِ الأَسْمَاءِ جُمْلَةً، وَقَالُوا: إِنَّ مَا فِي الشَّرِيَعةِ مِنَ المَصَالِحِ وَالحِكَمِ لَمْ يَشْرَعِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ مَا شَرَعَ مِنَ الأَحْكَامِ لأَِجْلِهَا

بَلِ اتَّفَقَ اقْتِرَانُهَا بِهَا أَمْرًا اتِّفَاقِيًّا، كَمَا قَالُوا نَظِيرَ ذَلِكَ فِي المَخْلُوقَاتِ سَوَاءً، وَالعِلَلُ عِنْدَهُم أَمَارَاتٌ مَحْضَةٌ لِمُجَرَّدِ الاقْتِرَانِ الاتِّفَاقِيِّ.

وَهُمْ فَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُعَرِّجُونَ عَلَى المُنَاسَبَاتِ وَلَا يُثْبِتُونَ العِلَلَ بِهَا البَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى تَأْثِيرِ العِلَّةِ بَنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، فَإِنْ فَقَدُوا فَزِعُوا إِلَى الأَقْيِسَةِ الشَّبِيهَةِ.

وَالفَرِيقُ الثَّانِي: أَصْلَحُوا المَذْهَبَ بَعْضَ الإِصْلَاحِ وَقَرَّبُوهُ بَعْضَ الشَّيءِ وَأَزَالُوا تِلْكَ النُّفْرَةَ عَنْهُ، فَأَثْبَتُوا الأَحْكَامَ بِالعِلَلِ وَالعِلَلَ بِالمُنَاسَبَاتِ وَالمَصَالِحِ، وَلَمْ يُمْكِنْهُم الكَلَامُ فِي الفِقْهِ إِلَّا بِذَلِكَ

وَلَكِنْ جَعَلُوا اقْتِرَانَ أَحْكَامِ تِلْكَ العِلَلِ وَالمُنَاسَبَاتِ بَهَا اقْتِرَانًا عَادِيًّا غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ، وَالعِلَلُ وَالمُنَاسَبَاتُ أَمَارَاتُ ذَلِكَ الاقْتِرَانِ، وَهَؤُلَاءِ يَسْتَدِلُّونَ عَلَى إِثْبَاتِ عِلْمِ الرَّبِّ بِمَا فِي مَخْلُوقَاتِهِ مِنَ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ وَالمَصَالِحِ

وَهَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ مِنْهُم، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَدُلُّ إِذَا كَانَ الفَاعِلُ يَقْصِدُ أَنْ يَفْعَلَ الفِعْلَ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لِأَجْلِ الحِكْمَةِ المَطْلُوبَةِ مَنْهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَفْعَلْ لأَِجْلِ ذَلِكَ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ

وَإِنَّمَا اتَّفَقَ اقْتِرَانُهُ بِمَفْعُولَاتِهِ عَادَةً فَإِنَّ ذَلِكَ الفِعْلَ لَا يَدُلُّ عَلَى العِلْمِ، فَفِي أَفْعَالِ الحَيَوَانَاتِ مِنَ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ وَالحِكَمِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الحِكَمُ وَالمَصَالِحُ مَقْصُودَةً لَهَا لَمْ تَدُلَّ عَلَى عِلْمِهَا.

وَالمَقْصُودُ أَنَّ هَؤُلَاءِ إِذَا قَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ لِحِكْمِةٍ امْتَنَعَ عِنْدَهُم أَنْ يَكُونَ الإِحْكَامُ دَلِيلًا عَلَى العِلْمِ

وَأَيْضًا فَعَلَى قَوْلِهِم يَمْتَنِعُ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى مَا فَعَلَهُ لأَِمْرٍ مَا حَصَلَ لِلْعِبَادِ مِنْ نَفْعٍ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقْصِدْ بِمَا خَلَقَهُ لِنَفْعِهِم وَمَصَالِحِهِم

بَلْ إِنَّمَا أَرَادَ مُجَرَّدَ وُجُودِهِ لَا لأَِجْلِ كَذَا، وَلَا لِنَفْعِ أَحَدٍ وَلَا لِضُرِّهِ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ فِعْلُهُ ذَلِكَ حَمْدٌ؟

فَلَا يُحْمَدُ عَلَى فِعْلِ عَدْلٍ، وَلَا عَلَى تَرْكِ ظُلْمٍ؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ - عِنْدَهُم - هُوَ المُمْتَنِعُ الذِي لَا يَدْخُلُ فِي المَقْدُورِ

وَذَلِكَ لَا يُمْدَحُ أَحَدٌ عَلَى تَرْكِهِ، وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ وُجُودُهُ فَهُوَ عِنْدَهُم عَدْلٌ، فَالظُّلْمُ مُسْتَحِيلٌ عِنْدَهُم إِذْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ المُمْتَنِعِ المُسْتَحِيلِ لِذَاتِهِ، الذِي لَا يَدْخُلُ تَحْتَ المَقْدُورِ

وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَرْكٌ اخْتِيَارِيٌّ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَ حَمْدٌ، وَإِخْبَارُهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ بِقِيَامِهِ بِالقِسْطِ حَقِيقَتُةُ عِنْدَهُم مُجَرَّدُ كَوْنِهِ فَاعِلًا لَا أَنَّ هُنَاكَ شَيْئًا هُوَ قِسْطٌ فِي نَفْسِهِ يُمْكِنُ وُجُودُ ضِدِّهِ

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46]

نَفْيٌ عِنْدَهُم لِمَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي نَفْسِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، كَجَعْلِ الجِسْمِ فِي مَكَانَيْنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَجَعْلِهِ مَوْجُودًا مَعْدُومًا فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ عِنْدَهُم هُوَ الظُّلْمُ الذِي تَنَزَّهَ عِنْهُ

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفَسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا"

صحيح: وقد تقدَّم.

فَالذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ المُسْتَحِيلُ المُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ كَالجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَلَيْسَ هُنَاكَ مُمْكِنٌ يَكُونُ ظُلْمًا فِي نَفْسِهِ وَقَدْ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمْدَحُ المَمْدُوحُ بِتَرْكِ مَا لَوْ أَرَادَهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: "وَجَعَلْتَهُ مُحَرَّمًا بَيْنَكُمْ" فَالذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الذِي جَعَلَهُ مُحَرَّمًا بَيْنَ عِبَادِهِ وَهُوَ الظُّلْمُ المَقْدُورُ الذِي يَسْتَحِقُّ تَارِكُهُ الحَمْدَ وَالثَّنَاءَ.

وَالذِي أَوْجَبَ لَهُمْ هَذَا مُنَاقَضَةُ القَدَرِيَّةِ المَجُوسِيَّةِ وَرَدُّ أُصُولِهِم وَهَدْمُ قَوَاعِدِهِم، وَلَكِنْ رَدُّوا بِاطِلًا بِبَاطِلٍ، وَقَابَلُوا بِدْعَةً بِبِدْعَةٍ، وَسَلَّطُوا عَلَيْهِم خُصُومَهُم بِمَا الْتَزَمُوهُ مِنَ البَاطِلِ، فَصَارَتِ الغَلَبَةُ بَيْنَهُم وَبَيْنَ خُصُومِهِم سِجَالًا

مَرَّةً يَغْلِبُونَ وَمَرَّةً يُغْلَبُونَ، لَمْ تَسْتَقِرَّ لَهُم النُّصْرَةُ الثَّابِتَةُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ المَحْضَةِ الذِينَ لَمْ يَتَحَيَّزُوا إِلَى فِئَةٍ غَيْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَلْتَزِمُوا غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ

وَلَمْ يُؤَصِّلُوا أَصْلًا بِبِدْعَةٍ يُسَلِّطُونَ عَلَيْهِم بِهِ خُصُومَهُم، بَلْ أَصْلُهُم مَا دَل عَلَيْهِ كِتَابُ اللهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ وَشَهِدَتْ بِهِ الفِطَرُ وَالعُقُولُ. فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ حَمْدَهُ تَعَالَى شَامِلٌ لِكُلِّ مَا يُحْدِثُهُ.

5- بَيَان حَمْدِ المَدْحِ وَحَمْدِ الشُّكْرِ:

وَالمَقْصُودُ: بَيَانُ شُمُولِ حَمْدِهِ سُبْحَانَهُ وَحِكْمَتِهِ لِكُلِّ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ إِحْسَانٍ وَنِعْمَةٍ وَامْتِحَانٍ وَبَلِيَّةٍ

وَمَا يَقْضِيهِ مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ، وَاللهُ تَعَالَى مَحْمُودٌ عَلَى ذَلِكَ مَشْكُورٌ حَمْدَ المَدْحِ وَحَمْدَ الشُّكْرِ، أَمَّا حَمْدُ المَدْحِ فَاللهُ مَحْمُودٌ عَلَى كُلِّ مَا خَلَقَ إِذْ هُوَ رَبُّ العَالَمِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَأَمَّا حَمْدُ الشُّكْرِ فِلَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نِعْمَةٌ فِي حَقِّ المُؤْمِنِ إِذَا اقْتَرَنَ بِوَاجِبِهِ مِنَ الإِحْسَانِ، وَالنِّعْمَةُ إِذَا اقْتَرَنَتْ بِالشُّكْرِ صَارَتْ نِعْمَةً، وَالامْتِحَانُ وَالبَلِيَّةُ إِذَا اقْتَرَنَا بِالصَّبْرِ كَانَا نْعْمَةً

وَالطَّاعَةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِهِ، وَأَمَّا المَعْصِيَةُ فَإِذَا اقْتَرَنَتْ بِوَاجِبِهَا مِنَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ وَالإِنَابَةِ وَالذُّلِّ وَالخُضُوعِ

فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنَ الآثَارِ المَحْمُودَةِ وَالغَايَاتِ المَطْلُوبَةِ مَا هُوَ نِعْمَةٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا مَسْخُوطًا مَبْغُوضًا لِلْرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ التَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ

وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنَ الرَّجُلِ إِذَا أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ بِأَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا وَمِنَ الحَيَاةِ، فَنَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَإِذَا بِهَا قَدْ تَعَلَّقَ خِطَامُهَا فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ، فَجَاءَ حَتَّى أَخَذَهَا

فَاللهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ العَبْدِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ، فَهَذَا الفَرَحُ العَظِيمُ الذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيءٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ مِنْ عَدَمِهِ، وَلَهُ أَسْبَابٌ وَلَوَازِمُ لَا بُدَّ مِنْهَا

وَمَا يَحْصُلُ لِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوبًا لَهُ فَهَذَا الفَرَحُ أَحَبُّ إِلَيْهِ بِكَثِيرٍ وَوُجُودُهُ بِدُونِ لاَزِمِهِ مُمْتَنِعٌ، فَلَهُ مِنَ الحِكْمَةِ فِي تَقْدِيرِ أَسْبَابِهِ وَمُوجِبَاتِهِ حِكْمَةٌ بَالِغَهٌ وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ

هَذَا بِالإِضَافَةِ إِلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَأَمَّا بِالإِضَافَةِ إِلَى العَبْدِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُمَالُ عُبُودِيَّتِهِ وَخُضُوعِهِ مَوْقُوفًا عَلَى أَسْبَابٍ لاَ تَحْصُلُ بِدُونِهَا

فَتَقْدِيرُ الذَّنْبِ عَلَيْهِ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ التَّوْبَةُ وَالإِنَابَةُ وَالخُضُوعُ وَالذُّلُّ وَالانْكِسَارُ وَدَوَامُ الافْتِقَارِ كَانَ مِنَ النِّعَمِ بِاعْتِبَارِ غَايَتِهِ وَمَا يَعْقُبُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الابْتِلَاءِ وَالامْتِحَانِ بَاعْتِبَارِ صُورَتِهِ وَنَفْسِهِ

وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ مَحْمُودٌ عَلَى الأَمْرَيْنِ، فَإِنِ اتَّصَلَ بِالذَّنْبِ الآثَارُ المَحْبُوبَةُ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالذُّلِّ وَالانْكِسَارِ فَهُوَ عَيْنُ مَصْلَحَةِ العَبْدِ

وَالاعْتِبَارُ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ البِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ خُبْثِ نَفْسِهِ وَشَرِّهِ وَعَدَمِ اسْتِعْدَادِهِ لِمُجَاوَرَةِ رَبِّهِ بَيْنَ الأَرْوَاحِ الزَّكِيَّةِ الطَّاهِرَةِ فِي المَلَأِ الأَعْلَى

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ النَّفْسَ فِيهَا مِنَ الشَّرِّ وَالخُبْثِ مَا فِيهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِ ذَلِكَ مِنْهَا مِنَ القُوَّةِ إِلَى الفِعْلِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الآثَارُ المُنَاسِبَةُ لَهَا، وَمُسَاكَنَةُ مَنْ تَلِيقُ مُسَاكَنَتُهُ، وَمُجَاوَرَةُ الأَرْوَاحِ الخَبِيثَةِ فِي المَحِلِّ الأَسْفَلِ

فَإِنَّ هَذِهِ النُّفُوسَ إِذَا كَانَتْ مُهَيَّأَةً لِذَلِكَ فَمِنَ الحِكْمَةِ أَنْ تُسْتَخَرَجَ مِنْهَا الأَسْبَابُ التِي تُوصِلُهَا إِلَى مَا هِيَ مُهَيَّأَةٌ لَهُ وَلَا يَلِيقُ بِهَا سِوَاهُ

وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ مَحْمُودٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا هُوَ مَحْمُودٌ عَلَى إِنْعَامِهِ وَإِحْسَانِهِ عَلَى أَهْلِ الإِحْسَانِ وَالإِنْعَامِ القَابِلَيْنِ لَهُ

فَمَا كُلُّ أَحَدٍ قَابِلًا لِنِعْمَتِهِ تَعَالَى فَحَمْدُهُ وَحِكْمَتُهُ تَقْتَضِي أَلَّا يُودِعَ نِعَمَهُ وَإِحْسَانَهُ وَكُنَوزَهُ فَي مَحِلٍّ غَيْرِ قَابِلٍ لَهَا

وَلَا يَبْقَى إِلَّا أَنْ يُقَالَ: فَمَا الحِكْمَةُ فِي خَلْقِ هَذِهِ الأَرْوَاحِ التِي هِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِنِعْمَتِهِ؟ فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنَ الجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ

طريق الهجرتين (ص: 194).









رد مع اقتباس
قديم 2020-01-02, 18:29   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
Ali Harmal
مشرف منتدى الحياة اليومية
 
الصورة الرمزية Ali Harmal
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ربي يحفظك ويرضا عنك يا دكتور









رد مع اقتباس
قديم 2020-01-02, 19:03   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ali harmal مشاهدة المشاركة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ربي يحفظك ويرضا عنك يا دكتور
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

كم يسعدني عودتك

و تعليق المميز مثلك

و يسعدني اكثر تواجدك الدائم

ادام الله مرورك العطر

بارك الله فيك









رد مع اقتباس
قديم 2020-01-02, 19:25   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
Ali Harmal
مشرف منتدى الحياة اليومية
 
الصورة الرمزية Ali Harmal
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة *عبدالرحمن* مشاهدة المشاركة


الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

كم يسعدني عودتك

و تعليق المميز مثلك

و يسعدني اكثر تواجدك الدائم

ادام الله مرورك العطر

بارك الله فيك

جزاك الله عنا خيرا اخي الحبيب .









رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:49

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc