التفتيش في قانون الاجراءات الجزائية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى الحقوق و الاستشارات القانونية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التفتيش في قانون الاجراءات الجزائية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-12-28, 11:05   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 التفتيش في قانون الاجراءات الجزائية

مقـــدمـــة
يعتبر قانون الإجراءات الجزائية الوسيلة الفنية لتطبيق قانون العقوبات ،كما أن تنظيم العمل الإجرائي هو نوع من التنسيق بين مصلحة المجتمع في القصاص من مرتكبي الجرائم و مصلحة الفرد في صيانة حقوقه الأساسية في الحرية و السكينة و حرمة المسكن، و بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، أصبحت حرية الإنسان و حرمة حياته الشخصية من أهم الحقوق التي تتمتع بقدر عالي من الاحترام
و لكن في المقابل، فان اخطر الإجراءات الماسة بحقوق الإنسان، من حيث تعلقها بحرية الفرد و سكينته و كذا من حيث وجوب إقرار حق المجتمع في اللجوء إليه و كذا ما يسفر عنه من أدلة تكشف وجه التحقيق هو إجراء التفتيش، و حقيقة الأمر انه لا يمكن أن يشعر الإنسان بالحرية إذا أصبح مهددا في سره و حرمته ,لذلك حق الإنسان في الاحتفاظ بسره و حرمة مسكنه هو الأصل، ومن ثمة فان ما يرد عليها يعتبر استثناءا، و من هنا تبرز خطورة هذه القيود في أنها تمنح السلطة القضائية حقوقا تمارسها في مواجهة الأفراد الذين لا يملكون مقاومة التفتيش.
إن أهمية التفتيش كإجراء من إجراءات جمع الأدلة التي تهدف إلى التوصل للحقيقة، جعلت قانون الإجراءات الجزائية ينظمه بأحكام خاصة، ناهيك عن أسمى قانون في البلاد، حيث نصت المادة 39 من دستور 28 نوفمبر 1996 انه لا” يجوز انتهاك حرمة حياة المواطن الخاصة و حرمة شرفه و يحميها القانون, سرية المراسلات و الاتصالات الخاصة بكل أشكالها مضمونة.
إذا كان القانون يقدر أن الغاية، هي الوصول للحقيقة تبرر الوسيلة في المساس بحق فردي، فان هذا الإجراء ليس على اطلاقه، فبالرغم من أن المشرع الجزائري على غرار باقي المشرعين أعطى صلاحيات لسلطات مختصة لانتهاك هذه الحقوق و الحرمة، إلا أن هذه الصلاحية ليست على إطلاقها، فلقد حدد القانون الإطار الشرعي لها، و نظم قانون الإجراءات الجزائية في مواده أهم الشروط موضوعية كانت أو شكلية الواجب توافرها في إجراء التفتيش ليكون شرعيا، كما انه نظم الآثار و الجزاءات المرتبة عن تخلف هذه الشروط و بالتبعية مصير ذلك الإجراء، لذلك أن إجراء التفتيش يقتضي توفر عناصر نشوء الحق فيه حتى يكون مبررا، و تنفيذ الإجراء يتطلب إحاطته بالضمانات و القيود التي بينها المشرع الجزائري مراعيا فيها الجوانب الإنسانية و الاعتبارات المتعلقة بسلامة ضبط الدليل لمواجهة المتهم.
قد يبدو أن موضوع التفتيش في الإجراءات الجزائية هو موضوع تقليدي بحت؛لكن الممارسة تبين غير ذلك ، فهو موضوع تطبيقي يتطور مع تطور حقوق الإنسان كون هذا الإجراء يحاط دائما بالضمانات الكافية رعاية للحرية و تحقيقا للعدالة.
و لقد تناول هدا البحث أهم ما تضمنه قانون الإجراءات الجزائية فيما يخص إجراء التفتيش من الشروط و الضمانات لتنفيذ الإذن بالتفتيش، و ما يترتب عن ذلك من ضبط الأدلة و الإشكالات المترتبة عنها، وأهمها تلك التي يثيرها موضوع ضبط المراسلات والاتصالات والحلول المقدمة لها.
وعلى ضوء ذلك يمكن تحديد أهداف دراستنا في هدفين رئيسيين:
1-استعراض أحكام إجراء التفتيش بصفته إجراء من إجراءات التحقيق،من حيث مدلوله القانوني وشروطه الموضوعية والشكلية.
2-تحديد أهم الأحكام الواردة بموجب التعديل المستحدث بالقانون22\06 ومدى نجاعته في تحيين السياسة الإجرائية الجزائية.
وللوصول لهذه الأهداف سوف نستخدم المنهج التحليلي لموقف التشريع والفقه والقضاء في القانون الجزائري،ارتأينا إتباع خطة التحليل مجسدة في فصلين أساسين ،إضافة إلي فصل تمهيدي يتضمن الإطار القانوني و الاصطلاحي لإجراء التفتيش و خصوصا الإذن بالتفتيش ، فيما تناول الفصل الأول أهم الشروط الموضوعية و التشكيلية التي يتطلبها إجراء التفتيش ، لنعرج في الفصل الثاني إلي أهم الآثار القانونية المترتبة عن التفتيش و المتمثلة في ضبط الأشياء والمراسلات إضافة إلى الجزاء القانوني المترتب على مخالفة الشروط القانونية ألا وهو البطلان.
وهذا وفق الخطة التالية:
الفصل التمهيدي
الفصل الأول: شروط إجراء التفتيش
المبحث الأول : الشروط الموضوعية لإجراء التفتيش
المطلب الأول : سبب التفتيش
المطلب الثاني: محل التفتيش
المطلب الثالث: قواعد الاختصاص
المبحث الثاني:الشروط الشكلية لإجراء التفتيش
المطلب الأول:قاعدة الحضور
المطلب الثاني: محضر التفتيش
المطلب الثالث: قواعد تنفيذ التفتيش
الفصل الثاني: آثار التفتيش
المبحث الأول: ضبط الأشياء و المراسلات
المطلب الأول: ضبط الأشياء
المطلب الثاني: ضبط المراسلات
المطلب الثالث : التصرف في الأشياء المضبوطة
المبحث الثاني: بطلان التفتيش
المطلب الأول: ماهية البطلان
المطلب الثاني: أسباب البطلان وطبيعته
المطلب الثالث: أحكام الدفع ببطلان التفتيش









 


رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 11:10   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل التمهيدي

الفصــــــل التمهيـــــــدي

التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق بمعناه الدقيق، تباشره السلطة المختصة بالتحقيق. وقد يختص به ضابط الشرطة القضائية في حدود معينة لا يتعداها في حالة الجريمة المتلبس بها، أو إذا انتدب لذلك من جانب السلطة المختصة بالتحقيق.
واجراء التفتيش يتضمن معنى انتهاك لحريات الأفراد وحقوقهم الشخصية في نطاق نظمه القانون لجعل هذا الانتهاك بالقدر الذي يمكن سلطة التحقيق من جمع الأدلة وتمحيصها، وبعبارة عامة، للبحث عما يفيد التحقيق.
ونشا حق الدولة في مباشرة التفتيش بمجرد وقوع جريمة معينة، والتفتيش في جوهره هو البحث عن أدلة الجريمة، أو ما يفيد التحقيق فيها بموضع له حرمة، لأنه وعاء حق الإنسان في الاحتفاظ بسره، يستوي أن يكون هذا الموضع هو جسم الشخص نفسه وملابسه وأمتعته، أو مسكنه أو رسائله الخاصة به، ففيه انتهاك لحرمة حق الإنسان في سره، وفيه معنى الإجبار، وهو بذلك يختلف عن صور أخرى يطلق عليها مصطلح التفتيش كالتفتيش الإداري.
لذلك ارتأينا تحديد الاطار الاصطلاحي للتفتيش مع تمييزه عن غيره من إجراءات التحقيق، وهذا ما سنتولى توضيحه في الفصل التمهيدي.

أولا: ماهية التفتيش
لم تتضمن التشريعات تعريفا للتفتيش، لذلك تعددت التعريفات التي صاغها الفقه، وجميعها لا تخرج على انه إجراء من إجراءات التحقيق يهدف إلى البحث عن أدلة مادية لجناية أو جنحة في محل يتمتع بحرمة المسكن أو الشخص وذلك من أجل إثبات ارتكابها أو نسبتها إلى المتهم وفقا للإجراءات القانونية المقررة. و كلمة "تفتيش" مشتقة من الفعل اللاتيني perquere و الذي يعني البحث الدقيق عن الأشياء التي تشكل جسم الجريمة و التي تؤيد الاتهام الموجه للمتهم.
وعرف التفتيش علي أنه إجراء من إجراءات التحقيق التي تهدف إلي ضبط أدلة الجريمة موضوع التحقيق وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، وبالتالي فهو عمل من أعمال السلطة القضائية ويكون لاحقا للتحقيق, معاصرا له أو سابقا له ، كما عرفه الأستاذ سامي حسني الحسيني انه إجراء تحقيق وظيفته البحث عن الدليل، وأضاف انه إجراء من إجراءات التحقيق وحق للعدالة، يقوم به رجال القضاء مباشرة أو بواسطة الضبطية القضائية بأمر مكتوب منهم، الهدف منه هو البحث عن الأدلة المادية للجريمة وحجزها في مكان خاص مغلق عادة، يتمتع بالحرمة وعدم الانتهاك.
كما عرف التفتيش على انه البحث والاستقصاء، وهو عبارة عن الاطلاع على محل منح له القانون حرمة خاصة باعتباره من خصوصيات الشخص، والغاية من التفتيش هو البحث عن الأشياء المتعلقة بالجريمة الجاري جمع الاستدلالات عنها أو حصول التحقيق بشأنها، وينفرد عن باقي طرق الإثبات بأنه إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي، بينما الطرق الأخرى جائزة كذلك في مرحلة المحاكمة وهو خاص بالإثبات في المواد الجزائية دون المواد المدنية .

ثانيا: خصائصه
يتميز التفتيش كإجراء بعدة خصوصيات تميزه عن الإجراءات الأخرى كالاستجواب والمعاينة والضبط، وأعمال الخبرة، وهذه الخصائص يمكن تلخيصها في ثلاث وهي:
1- الإكراه
هو تعرض قانوني لحرية المتهم الشخصية أو لحرمة مسكنه بغير إرادته ورغما عنه، اقتضته ضرورة إعمال حق المجتمع في العقاب والدفاع عما يحميه من مصالح، فيباح إجراء التفتيش جبرا عن صاحب الشأن ورغم إرادته متى توفرت ضمانات معينة، ولذلك فإن التفتيش بمعناه القانوني يتخذ دون اعتذار بإذعان من يقع عليه ودون أهمية لرضاه، وما دام عنصر الإكراه أوليا في التفتيش فان الإجراء الذي لا تتوفر له تلك الخاصية لا يمكن اعتباره تفتيشا ولذلك لا يعد تفتيشا البحث عن أدلة الجريمة في مسكن برضا صاحبه، ويصبح التفتيش مجرد اطلاع عادي أو معانيه كذلك لا يعد تفتيشا دخول المنازل عند صدور نداءات استغاثة من الداخل أو بناءا علي طلب أصحابها.
2- المساس بحق السر
إن التفتيش يمس حرمة الشخص، ولا يقصد بها حماية حق الملكية، كونها ليست شرطا لاعتبار إجراء التفتيش ماسا بالحرمة، فيمكن أن يتم تفتيش مسكن مؤجر، فالحرمة والحماية ليست للمكان أو الحقوق المقدرة للشخص عليه و إنما الحماية مقدرة للحق في السر الذي من مظاهر حمايته سحب الحرمة على محله.
يرتبط الحق بالسر بالحرمة الفردية، ولا يقتصر محله على المسكن، بل أن الحرمة تمتد إلى المسكن وشخص الإنسان ورسائله، فكل منها مستودعا للسر يجب حمايته.
يترتب على كون التفتيش يتضمن مساسا بحق السر أنه يخرج عن نطاقه كل إجراء لا يمس سرا لأحد، وعليه لا يعد تفتيشا البحث في الأماكن أو الأشياء التي ليست مستودعا للسر كالأماكن العامة والمزارع والحقول حيث يحق لكل إنسان الاطلاع على ما فيها .
تسقط الحرمة المقررة للحق في السر عن الأشياء التي يتخلى عنها أصحابها طواعية واختيارا ولا يعد تفتيشا الاطلاع على المنقولات التي توجد في الطريق العام، في غير حيازة أحد للتحري عن مالكها، فادا أسفر التحري عن الدليل في جريمة أو كشف عما تعد حيازته جريمة قامت حالة التلبس والتي تخول ضابط الشرطة القضائية اتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها في المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية.
3- البحث عن الأدلة المادية للجريمة
التفتيش إجراء يهدف إلي التنقيب عن الأدلة المادية التي تفيد في كشف الحقيقة في الجريمة، والأدلة المادية هي التي تستند إلى عناصر مادية بنفسها وتؤثر في اقتناع القاضي بطريق مباشر، فقد يترك الجناة في مكان الجريمة بعض الأدوات التي استخدمت في ارتكابها أو بعض بصمات أصابع أو أقدام أو غير ذلك من الظواهر المادية التي تفيد في الإثبات، والجدير بالذكر أن الحصول على هذه الأدلة قد يكون عن طريق التفتيش أو بواسطة طرق وإجراءات أخرى وهي المعاينة والخبرة والضبط، ولكن التفتيش يختلف عن هذه الإجراءات، كون المعاينة مثلا هي الوقوف على حالة الأماكن والمحافظة على ما يوجد فيها من آثار وماديات قبل أن يمضي الوقت فتضيع معالمها، وهي لا تتضمن إكراها أو اعتداءا على حرمة الأشخاص أو الأشياء أما التفتيش فهو غير ذلك .
إضافة إلى أن التفتيش يختلف عن الضبط، كون هذا الأخير هو أثر من آثار التفتيش إضافة إلى انه ينصب على الملكية ولا يعتبر اعتداءا على حق السير، كما أن الضبط لا يجوز إلا في مكان معين أو لدى شخص معين أو أشياء معينة، بينما التفتيش ينصب على كل الأشياء التي يمكن اعتبارها دليلا في الجريمة .

ثالثا: طبيعة التفتيش وصوره
اختلف الفقهاء في تحديد طبيعة التفتيش، وفي هذا الصدد ظهرت أربعة اتجاهات:
- الاتجاه الأول: أخد به القضاء الفرنسي وهو يأخذ بمعيار الغاية من الأجرام، وذلك أن إجراءات الاستدلال هي عبارة عن جمع المعلومات والبيانات العامة، وبالتالي التفتيش هو عمل من أعمال التحقيق لأنه يهدف للبحث عن الأدلة وجمعها للكشف عن الحقيقة .
- الاتجاه الثاني: ذهب أنصار هذا الرأي إلى وقت التفتيش، فإذا كان التفتيش قد اتخذ قبل فتح التحقيق كان من أعمال الاستدلال بينما يعد عمل تحقيقا إذا جرى بعد فتح التحقيق.
- الاتجاه الثالث: يأخذ بصفة القائم بالأجراء فيعتبر التفتيش من إجراءات التحقيق إدا قامت به سلطة التحقيق، ولكن انتقد هدا الرأي على أساس أن المشرع لا يعتد بصفة القائم بالإجراء خاصة في حالتي الندب والتلبس حيث يقوم به عناصر الضبطية القضائية ويعتبر من إجراءات التحقيق.
- الاتجاه الرابع: يأخذ هدا الاتجاه بالمعيار ً المختلط ً، فيعد التفتيش من إجراءات التحقيق متى اتخذته سلطة التحقيق بعد تحريك الدعوى العمومية، بقصد الكشف عن الحقيقة، وبالتالي يتضمن الإجراء ثلاثة معايير الغاية، الوقت والقائم بالإجراءات.
أخد القضاء الجزائري بالمعيار المختلط وذلك حسب قرار الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا في شان التفتيش بقولها:
"إن الأمر بالتفتيش لا يمنع البحث واكتشاف أشياء أخرى أو بضاعة مهربة إن إجراء التفتيش يتم طبقا للمادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية والمادة 64 من قانون الإجراءات الجزائية،إن إبطال التفتيش وما تلاه من إجراءات خطأ ينجز عنه نقض القرار"
- صور التفتيش
الأصل إن التفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق يهدف إلى البحث عن أدلة الجريمة موضوع التحقيق وبهذا المفهوم يختلف التفتيش القضائي عن أنواع أخرى من التفتيش ومن أهم صوره:
1- التفتيش الوقائي
هو إجراء تحفظي يقتضيه الأمن لتجريد المتهم مما معه من سلاح أو أدوات أو مواد قد يستعملها ضد نفسه أو غيره، ولا يجوز أن يشمل التفتيش سوى أيدي الشخص وملابسه أي المناطق التي يحتمل أن يكون فيها سلاح ولا يجوز الإطلاع على جسم الشخص وخاصة ما يتصل بعوراته وما يخدش كرامته، وأصبح من المتفق عليه أن ضباط الشرطة القضائية لهم الحق في تفتيش الأشخاص المقبوض عليهم بموجب أمر قضائي باعتبار التفتيش اقل خطورة من القبض، وكذا ضرورة التفتيش لوقاية رجال الأمن أثناء قيامهم بتنفيذ أعمالهم
2- التفتيش الإداري
قد يكون التفتيش الإداري منصوصا عليه قانونا، والغرض منه بواعث إدارية بحتة ولا شان له بتحقيق أية جريمة أو البحث عن أدلة عليها، مثال ذلك التفتيش طبقا للوائح السجن للتأكد من عدم حيازتهم للأشياء الممنوع حيازتها على المسجونين مثل السجائر، وتتوقف صحة التفتيش عن وجود الجهة المختصة بهذا الإجراء، وكذا التفتيش الذي يجري على بوابات السجون .
ولقد اخضع المشرع الجزائري الدائرة الجمركية لإجراءات التفتيش الإداري ومنها تفتيش الأمتعة والأشخاص الذين يدخلون إليها أو يخرجون منها أو يمرون بها بصرف النظر عن رضا هؤلاء الأشخاص بهذا التفتيش أو عدمه .

رابعــا: مفهوم الإذن بالتفتيش
الإذن بالتفتيش تفويض يصدر من سلطة التحقيق المختصة إلى احد ضباط الشرطة القضائية، مخولا إياه إجراء التفتيش الذي تختص به تلك السلطة .
وتسري على الإذن بالتفتيش أحكام الندب للتحقيق بوجه عام، ويبرر الندب للتحقيق مجموعة من الاعتبارات القانونية والمادية والفنية والاجتماعية، فسلطة التحقيق تمارس اختصاصاتها في نطاق جغرافي معين، وقد يتطلب التحقيق القيام ببعض إجراءاته خارج هذا النطاق مثل: التفتيش مما يضطرها إلى امتداد سلطة التحقيق نفسها-حتى في دائرة اختصاصها- أمام عبء ثقيل من أعمال التحقيق التي يجب عليها انجازه، بل وقد تضطرها الظروف إلى القيام بذات العمل في أكثر من مكان في نفس الوقت فلا تجد بدا من انتداب سلطة أخرى لمعاونتها في هذه المهام.
إن الإذن بالتفتيش يجد سنده القانوني في المواد 64.44 و68 من قانون الإجراءات الجزائية، فقد اشترطت المادة44 ق ا ج على ضرورة حصول ضابط الشرطة القضائية على إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق قبل المبادرة بدخول المسكن وتفتيشه في الجرائم الملتبس بها، كما أحالت المادة 64 ق ا ج إلى المادة 44 ق ا ج عندما يجري ضابط الشرطة القضائية البحث التمهيدي، إذ لا يمكنه إجراء تفتيش المساكن إلا برضا صريح من صاحب المسكن وحصوله على إذن من السلطة القضائية.
كما يجد الإذن بالتفتيش سندا له في نص المادة 68 ق ا ج بناءا على الإنابة القضائية التي نصت "إذا كان من المتعذر على قاضي التحقيق أن يقوم بنفسه بجميع إجراءات التحقيق، جاز له إن يندب ضباط الشرطة القضائية للقيام بتنفيذ جميع أعمال التحقيق ضمن الشروط المنصوص عليها في المواد 138 إلى 142 ".
إن الطبيعة القانونية للإذن بالتفتيش تتجلى في كونه إجراء ذو طابع مختلط، إداري وقضائي ، إلا أن سمة الطابع القضائي هي التي تغلب عليه باعتباره يصدر لمباشرة إجراء من إجراءات التحقيق فهو يستمد الصفة القضائية من طبيعة الإجراء محله ومن صفة مصدره، ويؤكد هذه الطبيعة القانونية للندب من انه إجراء من إجراءات التحقيق ما قرره القضاء الفرنسي من أن الندب يؤدي إلى انقطاع التقادم وهذا الأثر يترتب بالنسبة للأعمال القضائية دون الإدارية.
ويترتب على اعتبار التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق كل الآثار المترتبة من إجراءات التحقيق الأخرى .
فإذن التفتيش بمجرد صدوره من قاضي التحقيق يرتب نفس الآثار التي يرتبها أي إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى دون النظر إلى ما ينتج عن تنفيذه وبل حتى ولو لم يقم ضابط الشرطة القضائية بتنفيذ فعلا .
شروط الإذن بالتفتيش
سبق وإن قلنا أن الندب للتفتيش تفويض يصدر من سلطة التحقيق المختصة لأحد ضباط الشرطة القضائية، ولكن ينبغي لصحته شروط معينة ويمكن تلخيصها في ثلاثة شروط :
1- الشروط الخاصة بالنادب للتفتيش.
2- الشروط الخاصة بالمندوب للتفتيش.
3- شكل الإذن وبياناته.


1- الشروط الخاصة بالنادب للتفتيش
الأصل أن إجراءات التحقيق يباشرها قاضي التحقيق وهذا نظرا لخطورتها وكذا مساسها بحريات الأفراد وحرمة مساكنهم وخصوصياتهم، وبالتالي ينبغي على الجهة المختصة به أن تباشر هذه الإجراءات بنفسها، واستثناءا قد تخول بعض من هذه الإجراءات لضباط الشرطة القضائية كحال إجراء التفتيش، ويشترط في مصدر الإذن بالتفتيش لكي يكون ندبه صحيحا ومنتجا لآثاره أن يكون مختصا بالتحقيق في الدعوى اختصاصا نوعيا ومحليا.
أ - الاختصاص النوعي
يشترط أن يكون النادب للتفتيش سلطة مباشرة الإجراء، فقاضي التحقيق بحسب الأصل ووكيل الجمهورية مختصان بإصدار الإذن بالتفتيش لضباط الشرطة القضائية في الجرائم المتلبس بها وفقا لنص المادة 44 ق ا ج أما في حالة الإنابة القضائية ،فان الإذن بالتفتيش يستقل في إصداره قاضي التحقيق حسب ما ورد في المادة68 فقرة6 ق ا ج, كما يشترط أن تبقى الدعوى في حوزة النادب لحين تنفيذ الندب.
ب- الاختصاص المكاني
يقصد بالاختصاص المكاني، أن يمارس النادب للتفتيش صلاحياته في المجال الإقليمي المحدد قانونا، ويشمل دائرة اختصاص المحكمة التي يباشر فيها قاضي التحقيق وظيفته، والاختصاص المحلي لقاضي التحقيق هو اختصاص وطني فهو يشمل كامل تراب الجمهورية طبقا لنص المادة 47 فقرة04 وهو اختصاص استثناء من الأصل يتحدد بنطاق ضرورة التحقيق في الجرائم الموصوفة أعمال إرهابية أو تخريبية، لكن هذه المادة مسها تعديل قانون الإجراءات الجزائية الموجب القانون 06/22 المؤرخ في 20/12/2006 التي أضافت جرائم أخرى وهي :
جرائم المخدرات، الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات، جرائم تبييض الأموال، الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص الصرف، ونصت المادة 47 فقرة 04 على أن قاضي التحقيق يمكنه مباشرة التحقيق في أي مكان علي امتداد التراب الوطني.
ونصت المادة 40 ق إ ج على الاختصاص المكاني لكل من قاصي التحقيق ووكيل الجمهورية إذ نصت "يتحدد اختصاص قاضي التحقيق محليا بمكان وقوع الجريمة أو محل إقامة أحد الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في اقترافها أو بمحل القبض على أحد هؤلاء الأشخاص حتى لو كان هدا القبض حصل لسبب آخر."

2- الشروط المتعلقة بالمندوب بالتفتيش
يشترط أن يكون من صدر إليه الندب بالتفتيش من ضباط الشرطة القضائية وأن يكون مختصا بأمر الندب نوعيا ومحليا، وعلى علم بأمر الندب الموجه إليه.
أ- وجوب توافر صفة ضباط الشرطة القضائية
يجب أن يوجه الإذن بالتفتيش إلى ضباط الشرطة القضائية وهذا ما صرحت به المادة 44 ق إ ج عند القيام بالتفتيش في حالات التلبس، والمادتين 64.63 ق ا ج عند إجراء التفتيش أثناء مباشرة التحقيق الابتدائي، أو عند الإنابة القضائية ضمن الشروط المنصوص عليها في المواد 138 إلى 148 ق ا ج كما هو مبين في المادة 68 فقرة 6 ق ا ج .
ولقد حددت المادة 15 ق ا ج الأشخاص المتمتعين بصفة ضباط الشرطة القضائية، غير أن الانتداب يقتصر في واقع الأمر على ضباط الشرطة القضائية التابعين لمديرية الأمن الوطني أو الدرك الوطني دون باقي ضباط الشرطة القضائية مثل رؤساء البلديات .
ولكن السؤال المطروح: هل يجوز لضباط الشرطة القضائية الاستعانة بالغير عند تنفيذ الإذن بالتفتيش ؟
يجوز لضابط الشرطة القضائية الاستعانة بكل من يستطيع مساعدته تحت إشرافه ورقابته، حتى ولو لم يكن من ضباط الشرطة القضائية طبقا لنص المادة 20 ق ا ج "يقوم أعوان الضبط القضائي الذين ليست لهم صفة ضابط الشرطة القضائية بمعاونة ضباط الشرطة القضائية في مباشرة وظائفهم ويثبتون الجرائم المقررة في قانون العقوبات ممتثلين في ذلك لأوامر رؤسائهم مع الخضوع لنظام الهيئة التي ينتمون إليها".
ب- التقيد بالاختصاص النوعي والمحلي
يجب أن يكون ضابط الشرطة القضائية مختصا نوعيا ومحليا بإجراء التفتيش سواء كان من أصحاب الاختصاص العام وهم ضباط الشرطة القضائية المكلفين بتعقب كل أنواع الجرائم وهم من نصت عليهم المادتين 16.15 في البنود من 1 إلى 6 ق ا ج, أم كان من أصحاب الاختصاص الخاص مثلا: الجرائم العسكرية حسب نص المادة 15 فقرة 07 ق ا ج.
والثابت أن صفة الضبطية القضائية لدى أصحاب الاختصاص الخاص تكون محصورة في نطاق تطبيق القانون الذي أعطاهم هده الصفة .
إن الاختصاص العام لضباط الشرطة القضائية يخولهم سلطة مباشرة جميع أنواع الجرائم حتى تلك التي تدخل في نطاق الاختصاص الخاص .
أما الاختصاص المكاني لضباط الشرطة القضائية فهو يتحدد بمعيارين:
أ- على أساس الجريمة التي يصدر أمر الندب لأجلها، فهنا يتم تحديد الاختصاص بموجب المادتين 37،40 ق ا ج.
ب- على أساس الإجراء محل الندب، فضابط الشرطة القضائية في هذه الحالة يستمد اختصاصه من الإجراء محل الندب أي من الأمر الصادر عن قاضي التحقيق أو وكيل الجمهورية، كان يصدر قاضي التحقيق في باتنة مثلا إلى ضابط الشرطة القضائية بخنشلة تفويضا بإجراء التفتيش في دائرة اختصاصه وهي مدينة خنشلة.
ولكن بالرجوع لنص المادة138ق ا ج، فان هذا الإجراء باطل، كونها تشترط لصحة الإنابة أن توجه إلى ضباط الشرطة القضائية العاملين في الدائرة التي يوجد بها قاضي التحقيق الأمر بالندب، وبالتالي فان المعيار الأول والمنصوص عليه بالمادتين 40.37 ق ا ج هو الأصح، ويمكن أن يمتد اختصاص ضابط الشرطة القضائية إذا استدعت حالة الاستعجال حسب ما نصت عليه المادة 16 فقرة 3 ق ا ج، ولكن هدا يتطلب بعض الإجراءات أهمها إخبار وكيل الجمهورية الذي يعملون في دائرة اختصاصه.
3- شكل الإذن بالتفتيش وبياناته
نصت المادة 40 من الدستور على أن الإذن بالتفتيش يجب أن يكون مكتوبا، وهذا ما نصت عليه أيضا المادة 44 ق ا ج وهذا لاعتباره إجراء من إجراءات التحقيق، وإجراءات التحقيق يجب أن تكون مكتوبة . كما يشترط أن يتم إظهار الإذن بالتفتيش أثناء تنفيذ الإجراء ولقد أبطلت غرفة الاتهام لمجلس قضاء أم الواقي التفتيش الذي قام به ضباط الشرطة القضائية، وبين ذلك محضر رجال الدرك الوطني المؤرخ في 30 أوت 1983 تحت رقم 64 أنهم انتقلوا من مدينة عين البيضاء إلى خنشلة دون إشعار وكيلي الجمهورية بالمحكمتين وقاموا بتفتيش منازل المتهمين الثلاثة دون إذن كتابي من قضاة المحكمتين وضبطوا كمية من المخدرات تم حجزها مستندين إلى نص المادة 64 ق اج .
كما يشترط أن تكون صياغة الإذن بالتفتيش واضحة لا لبس فيها, فمن اللازم أن يفصح مصدر الإذن بالتفتيش عن أن الإجراء المطلوب هو "التفتيش" وهذا ما نصت عليه صراحة المادة 44 ق ا ج في حالة التلبس والمادة 138 ق ا ج عند الإنابة القضائية.
البيانات الواجب توافرها في الإذن التفتيش
من البيانات الجوهرية التي يترتب إغفالها البطلان بيان اسم مصدر الإذن بالتفتيش ووظيفته لمعرفة ما إذا كان مختصا، ويتعلق الأمر بقاضي التحقيق ووكيل الجمهورية في حالة التلبس طبقا لنص المادة44 ق د ج , أو لقاضي التحقيق أثناء التحقيق الابتدائي طبقا لنص المادة 64 ق ا ج أو في حالة الإنابة القضائية 138 ق ا ج .
لقد أضافت المادة44 في فقرتها 03 بموجب التعديل بموجب القانون 06 \22 جملة من البيانات الواجب ذكرها وهي ذكر الجريمة المسندة للمتهم, وكذلك اسم وعنوان المتهم بتحديده تحديدا كافيا نافيا للجهالة, و إذا ورد بالإذن بالتفتيش مسكن المتهم دون تحديد وكان له أكثر من مسكن, شمل الأمر كل مسكن مهما تعدد, و إذا حدد مصدر الأمر بعض المساكن دون غيرها, وجب على ضابط الشرطة القضائية المنتدب أن يتقيد بهذا التحديد، لكن القانون لم يشترط اسم ضابط الشرطة القضائية المنتدب وإنما يكتفي بتحديد وظيفته.
لم يلزم المشرع الجزائري السلطة القضائية بتسبيب الإذن بالتفتيش, إلا انه من الأحسن تسببه وذلك ضمانا لتوفر البيانات والعناصر الضرورية التي يتوافر بها سبب التفتيش, وثبوت الحق من التفتيش كذلك لخطورة هذا الإجراء ومساسه بحرمة وخصوصية المتهم, ويترتب على تنفيذ الإذن بالتفتيش جملة من الآثار القانونية التي سوف نتطرق لها عند توضيح أهم الشروط الواجب توافرها في هذا الإجراء إضافة إلى الآثار المترتبة عنه كما سنتطرق إلى أهم اثر رتبه المشرع الجزائري عند مخالفة هذه الشروط والبيانات وهو البطلان.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 11:11   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الأول

الفصل الأول: شروط إجراء التفتيش

من المسلم به أن ثمة مبادئ أساسية عامة للقضاء أيا كان مدني أو إداري أو جنائي، وبالتالي يجب أن يتم تطبيقها باعتبارها نظرية عامة تنسحب على كافة الأعمال الإجرائية أيا كانت، والقواعد العامة التي تخضع لها الإجراءات القضائية باختلافها تتطلب لوجود الإجراء وصحته مجموعة من العناصر القانونية، ومؤدى ذلك أن هذه العناصر يتطلب القانون وجودها قبل القيام بالإجراء أو أن يتضمنها الإجراء في حد ذاته.
هذه الضوابط العامة يمكن اعتبارها ضمانات أساسية خاصة وأن إجراء التفتيش يمس بصفة مباشرة بالحرية الشخصية للفرد، لذلك تحرص القوانين على إحاطته بشروط وضمانات أساسية الغرض منها هو الموازنة الضرورية بين مصلحة المجتمع في القصاص منا جرم ،وبين حقوق الفرد وحرياته الأساسية.
تتمثل هذه الضوابط في ضرورة توافر شروط موضوعية وشكلية في إجراء التفتيش.
تعتبر الشروط الموضوعية الأساس الذي يرتكز عليه إجراء التفتيش من حيث تواجده وتتضمن سبب التفتيش، محل التفتيش، والجهات المختصة للقيام به، وهذا ما سيتضمنه المبحث الأول من هذا الفصل كما سنتناول كل شرط من الشروط في مطلب مستقل.
إضافة للشروط الموضوعية نص المشرع الجزائري على جملة كلية واعتبرها بمثابة ضمان آخر لحقوق الأفراد وخصوصياتهم وتتمثل هذه الشروط في مجملها في قواعد الحضور، محضر التفتيش، وقواعد تنفيذ التفتيش التي سنتطرق لها بالتفصيل في المبحث الثاني مع مراعاة توضيح كل شرط منها بشرح أكثر في مطلب منفرد.























المبحث الأول : الشروط الموضوعية لإجراء التفتيش

إن القواعد العامة التي تخضع لها الإجراءات القضائية على اختلافها تتطلب لوجود الإجراء وصحته مجموعة من العناصر القانونية التي يطلق عليها مقتضيات العمل الإجرائي وتشمل: المحل, السبب, الاختصاص, وباعتبار التفتيش إجراء قضائي, فهو يتوافر على هذه العناصر بطبيعة الحال التي سنتناول كل واحد منها على حده في مطلب مستقل.

المطلب الأول : سبب التفتيش
من المستقر إن سبب التفتيش هو الحصول على الدليل في تحقيق قائم بقصد الوصول إلى الحقيقة التي يحملها هذا الدليل لدى شخص معين أو في مسكنه, إنما يمثل السبب الذي يحرك السلطة المختصة إلى إصدار قرارها بالتفتيش ومباشرته, وهذا هو السبب العام والأصل.
فسبب التفتيش إذن هو جناية أو جنحة, وبتوافر قرائن على وجود دليل يفيد في كشف الحقيقة لدى المتهم أو غيره, وهذا السبب لا ينشأ إلا بعد وقوع الجريمة, واتجاه قرائن الاتهام نحو شخص, أو وجود أمارات قوية ضد آخر على حيازته ما يفيد في كشف الحقيقة, ويعتبر احتمال الحصول على دليل في جناية أو جنحة هو السبب القانوني المباشر الذي يخول ضباط الشرطة القضائية إجراء التفتيش وهنا نكون أمام 03 حالات حددها المشرع على سبيل الحصر وهي:
- التفتيش طبقا لحالة التلبس حسب المادة 44 قانون الإجراءات الجزائية.
- التفتيش طبقا لنص المادة 64 ق أج المتعلقة بالتحقيق الابتدائي.
- التفتيش طبقا لأحكام الإنابة القضائية المادة 138 وما يليها ق ا ج.

الفرع الأول: التفتيش في حالة التلبس بالجريمة
يسمح قانون الإجراءات الجزائرية الجزائري في حالة الجرائم المتلبس بها وفقا للمادتين 41،44 ق ا ج بالخروج على القواعد العامة للتحقيق من حيث انه يجيز لضابط الشرطة القضائية القيام بإجراءات تدخل في نطاق إجراءات التحقيق الابتدائي والعلة في ذلك أن التلبس يقتضي الإسراع في ضبط الأدلة وجمعها قبل أن تضيع معالم الجريمة.
نص المشرع الجزائري عن التلبس بالجريمة في نص المادة 41 ق ا ج ومن شروط التلبس الوارد في نص المادة 44 ق أج مشاهدة ضابط الشرطة القضائية حالة التلبس بنفسه ولكن المادة 41 ق د ج لم تشترط هذا الشرط, فضلا على أن ضابط الشرطة القضائية يتلقى عادة نبأ التلبس عمن شاهد الجريمة. يجب على ضابط الشرطة القضائية قبل قيامه بالتفتيش أن يتأكد من حالة التلبس بنفسه والشرط الثاني هو أن تكون مشاهدة الجريمة في حالة تلبس يتم عن طريق مشروع, كما انه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية مباشرة التفتيش إلا بعد اكتشافه حالة التلبس وبالتالي فان مشاهدة الجريمة في حالة تلبس يجب أن تسبق إجراء التفتيش, كما انه يشترط أن تكون الجريمة جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة الحبس مدة تتجاوز شهرين طبقا للمادتين 41 ,55 ق ا ج
لقد نصت المادة 44 من القانون الإجراءات الجزائرية على جملة من الشروط الواجب توافرها عند التفتيش في حالة التلبس وأهمها :
* أن يجري التفتيش ضابط الشرطة القضائية وفق ما تحدده المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية ويكون ذلك بحضوره وتحت إشرافه.
* حصول ضابط الشرطة القضائية على إذن: ويكون ذلك من السلطة المختصة سواء قاض التحقيق أو وكيل الجمهورية الذي يكون أساسه وجود أمارات ودلائل سابقة على إصدار الإذن تكفي لتوجيه الاتهام للشخص المراد تفتيش منزله.
* وجود فائدة من التفتيش: تتمثل هذه الفائدة في ضبط الأشياء التي تفيد في الكشف عن الحقيقة سواء كان ذلك للإدانة أو البراءة وهذا يستشف من طبيعة الجريمة أيضا.
ولقد تدخل المشرع الجزائري صراحة بالنسبة للتفتيش في حالة التلبس بالجريمة، وحدد الأماكن التي يجوز تفتيشها كالتالي:
أولا: تفتيش منزل المتهم
تجيز المادة 44 ق إ ج لضابط الشرطة القضائية تفتيش مسكن المتهم- في حالة التلبس بجنحة أو جناية ويضبط فيه الأشياء والأوراق التي تفيد في إظهار الحقيقة ومن الواضح أن ما يجوز طبقا لهذا النص هو تفتيش منزل المتهم، وكذا منزل الأشخاص الذين يظهر أنهم ساهموا في الجناية، بينما في فرنسا كانت المادة 36 من قانون تحقيق الجنايات لا تجيز لضابط الشرطة القضائية في حالة التلبس سوى تفتيش مسكن المتهم لوحده، ولكن المادة 56 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي الحالي، أباحت تفتيش جميع الأماكن .
ثانيا: تفتيش شخص المشتبه فيه
يعتبر إجراءا جوهريا، شأنه شأن القبض على المتهم، فلا تجوز لضباط الشرطة القضائية القيام بهذا الإجراء دون أن يكون له أساس قانوني، لكن المشرع الجزائري لم ينص صراحة على منح ضباط الشرطة القضائية هذا الحق في حالة التلبس وبحسب الأستاذ عبد الله اوهايبية عندما يقول "إذا كان الأصل أن تفتيش الأشخاص إجراء مستقل عن تفتيش المساكن، فالقاعدة أن هذا التفتيش لا يجيز تفتيش الأشخاص المتواجدين به صاحبه أو الغير، إلا إذا دعت مقتضيات إجراءاته بأن قامت دلائل قوية على حيازة أو إخفاء احد المتواجدين به لأشياء أو أوراق تتعلق بالجريمة موضوع البحث تفيد في إظهار الحقيقة جاز تفتيشه" ، بل أكثر من ذلك، إذا ألقى القبض على مشتبه فيه من قبل ضابط الشرطة القضائية، تطبيقا لحكم المادة 51 فقرة 4 ق ا ج أو بناءا على أمر بالقبض القضائي حسب المادة 120 ق إ ج، جاز له أن يقوم بتفتيش المقبوض عليه تفتيشا قانونيا صحيحا منتجا لآثاره.
ثالثا: تفتيش مسكن المساهم في الجريمة
يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يقوم بتفتيش مسكن كل مساهم في الجريمة المتلبس بها بعد الحصول على إذن من الجهة القضائية، وهذا ما ورد بنص المادة 44 ق إ ج.

الفرع الثاني: تفتيش مسكن في التحقيق الابتدائي
أجاز المشرع الجزائري بنص المادة 64 ق ا ج لضابط الشرطة القضائية أن يجري تفتيشا للمسكن المشتبه فيه بناء على رضا صاحبه، فإذا رضي الشخص بتفتيش مسكنه وبوجود إذن قضائي مسبب، فإن هذا الرضا يضفي المشروعية على هذا التفتيش، وينفي عن سلوك ضابط الشرطة القضائية عدم المشروعية، ومن ثمة يكون دخوله مبررا ويصح معه كل ما يتبعه من إجراءات لاستناده إلى دخول مشروع.
ولقد أبدى الفقهاء عدة ملاحظات على المادة 64 ق ا ج يمكن إيجازها فيما يلي:
- الإحالة على المادة 44 ق ا ج لم تكن صائبة، ذلك أن رضا صاحب المسكن يغني ضابط الشرطة القضائية عن حصول على إذن بالتفتيش، ذلك أن صاحب المنزل تنازل بإرادته عن الحماية المقررة لمسكنه.
- الإحالة على المادة 45 ق ا ج والمتعلقة بقواعد الحضور غير صائبة بدورها، كون رضا الشخص يفترض تواجده هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن رضا صاحب المنزل في حالة عدم حضوره لا يؤثر على شرعية الدخول للمسكن.
- الإحالة على المادة 47 ق ا م لم تكن موفقة، كون الرضا متى حصل، هذا يجيز لضابط الشرطة القضائية دخول المسكن في أي وقت.
لكن بالرغم من هذه الملاحظات، نقول لا يوجد هناك تعارض بين حصول رضا صاحب المسكن لدخول ضابط الشرطة القضائية الحامل لإذن قضائي لمسكنه، ذلك أن المشرع اشترط ذلك من باب الضمانات الشرعية الإجرائية والدستورية، خاصة أن المادة 40 من دستور 1996 أكدت على حرمة المسكن .
وتتمثل شروط الرضا بالتفتيش في العناصر الآتي ذكرها:
أولا: يجب أن يكون الرضا صريحا
أي يكون الرضا بعبارة صريحة تفيد ذلك، فلا يصح أن يؤخذ بطريق الاستنتاج بمجرد سكوت صاحب المسكن، ولا يمكن الاعتداد بالرضاء الضمني، وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد استقى المادة 64 ق إ ج من المادة 76 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي، ولقد أوجبت إثبات الرضا كتابة بخط صاحب الشأن، ويذكر ذلك في المحضر.
ثانيا: يجب أن يكون الرضا حرا
ويقصد به أن يكون عن إرادة حرة ولا يصدر من الشخص تحت تأثير الخوف أو الإكراه مهما كان شكله ماديا أو معنويا.
ثالثا: أن يكون الرضا صادر عن علم وإدراك
أي أن صاحب المسكن يكون على علم ودراية بصفة الشخص الذي سيدخل لمسكنه، انه ضابط الشرطة القضائية وأن الغرض من الدخول هو التفتيش، ولهذا يجب أن يكون الرضا سابقا للتفتيش ليكون صحيحا.
كذلك يجب أن يصدر الرضا من صاحب صفة، وهو صاحب المسكن أو من يعد حائزا له في غيابه.

الفرع الثالث:التفتيش بناءا على الإنابة القضائية
من المستقر عليه أن سلطة التحقيق غير مطالبة بإجراء التفتيش بنفسها في كل الحالات، فيمكنها ندب احد ضباط الشرطة القضائية لذلك وذلك بموجب إنابة قضائية، ويلتزم ضابط الشرطة القضائية في حدود ما ورد بها، والسلطات المختصة بالتفتيش وفقا للإنابة القضائية هم:
أولا: التفتيش بمعرفة قاضي التحقيق المنتدب
يمكن لقاضي التحقيق أن ينتدب قاضي تحقيق آخر في كامل التراب الوطني للقيام بإجراء من إجراءات التحقيق ومن بينها التفتيش، وعادة ما يقوم القاضي المنتدب بتكليف ضابط من ضباط الشرطة القضائية
للقيام بهذا الإجراء، هنا نميز بين حالتين:
- الحالة الأولى:إذا كان إجراء التفتيش الذي سيقوم به ضابط الشرطة القضائية بناءا على انتداب من قاضي التحقيق المنتدب يقع داخل دائرة اختصاص القاضي المنتدب هنا لا يكون أي إشكال.
- الحالة الثانية: إذا كان إجراء التفتيش خارج دائرة اختصاص قاضي التحقيق المنتدب هنا يطرح الإشكال، هل يجب الحصول على تفويض أو انتداب ثالث لقاضي التحقيق الذي يمارس مهامه بدائرة الاختصاص مكان التفتيش ؟
لقد أجاب الدكتور أحسن بوسقيعة عن هذا التساؤل إذ يرى استنادا لنص المادة 16 ق إ ج انه في حالة الاستعجال يجوز للضباط أن يباشروا مهمتهم على كافة التراب الوطني إذا طلب منهم أداء ذلك احد القضاة المختصين قانونا، وهنا يتم ذلك بمعرفة ضابط من ضباط الشرطة القضائية الذي يعمل في المجموعة السكنية المعنية بعد إخبار وكيل الجمهورية المختص.


ثانيا: التفتيش بمعرفة ضابط الشرطة القضائية
يتم التفتيش بناءا على إنابة قضائية، ويعمل ضابط الشرطة القضائية على تنفيذ الإذن تحت إشراف القاضي النادب، ولكن، لا يوجد بالقانون الجزائري ما يمنع قاضي التحقيق من إعادة هذا الإجراء أو استكماله في حالة نقصه متى كان هذا مفيدا لمجريات التحقيق وكذلك لضبط الأدلة وإظهار الحقيقة، ويبقى لغرفة الاتهام صلاحية مراقبة أعمال قاضي التحقيق إذا شابها عيب من العيوب التي تؤدي إلى البطلان حسب نص المادة 191 من قانون الإجراءات الجزائية.

المطلب الثاني: محل التفتيش
يقصد به المستودع أو الوعاء الذي يحتفظ فيه الإنسان بالأشياء المادية التي تتضمن عناصر تفيد في إثبات الجريمة، تكون له حرمة بمعنى أن هذا المستودع قد يقيم ما يعد جسما للجريمة أو ما يحتمل انه أستعمل في ارتكابها أو نتج عنها أو ما وقعت عليه وكل ما يفيد في إظهار الحقيقة ولا بد أن تكون له حرمة ويحميه القانون .

الفرع الأول :شروط محل التفتيش
يجب أن يكون محل التفتيش معنيا ومما يجوز تفتيشه.
أولا: ضرورة تعيين محل التفتيش
التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق، لا يجوز الاتجاه إليه إلا بناءا على تهمة موجهة إلى شخص معين بارتكاب جناية أو جنحة، أو إذا وجدت قرائن تدل على انه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة، ولا يمكن لهذا الإجراء أن يكون عاما بمعنى أن المكان الذي يجري قاضي التحقيق تفتيشه يكون مكانا محددا سواء تعلق بالمتهم أو الغير، هذا كون العمومية في التفتيش تمس حرمة مساكن المواطنين أو أشخاصهم.
فالشخص أو المكان المراد تفتيشه يجب أن يكون محددا تحديدا كافيا نافا للجهالة.
ثانيا: أن يكون محل التفتيش مما يجوز تفتيشه
الأصل أنه متى توفرت شروط التفتيش يتعين إجراءه لكن قد يضفي القانون على بعض الأعمال حصانة معينة تتعلق أحيانا بمصلحة جديرة بالاعتبار أكثر من مصلحة التحقيق التي تتطلب إجراء التفتيش وأهمها الحصانة المتعلقة بالهيئات الدبلوماسية والهيئات البرلمانية وحصانة حق الدفاع.
1- الحصانة الدبلوماسية
مفادها تمكين المبعوث الدبلوماسي من أداء مقتضيات وظيفته في الدولة التي وفد إليها، ورعاية لما تستوجبه اللياقة في التعامل بين الدول وهي مانع من اتخاذ الإجراءات الجنائية وهذه الحصانة لا تحيط بالمبعوث إلا خلال الفترة التي يتمتع فيها بالحصانة وتشمل مقر البعثة، الحصانة الشخصية وحصانة المراسلات.
فمقر البعثة هو المكان الذي تتخذه البعثة الدبلوماسية كمقر لمباشرة أعمالها فلا يجوز دخوله ولا تفتيشه إلا بإذن من رئيس البعثة .
وتشمل هذه الحصانة كل ملحقات المقر مثل: الحدائق وكذلك المنازل الخاصة التي يسكنها أعضاء البعثات الدبلوماسية فهي تتمتع بدورها بهذه الحصانة.
أما الحصانة الشخصية فهي مقررة للمبعوثين الدبلوماسيين فلا يجوز التعرض لهم بأي إجراء ماس للحرية من قبض أو تفتيش وهي الامتياز الرئيسي الذي تتفرع منه كافة الامتيازات الأخرى .
أما فيما يتعلق بالمراسلات الدبلوماسية، فلا يصح ضبطها أو الإطلاع عليها ويسري هذا المبدأ على كل المراسلات المتعلقة بعمل البعثة. كما انه لا يجوز مراقبة المحادثات الهاتفية المتعلقة بأعضاء البعثة ولا برقياتهم حتى لو كان ذلك يفيد في كشف الحقيقة في تحقيق يجري ضد متهم لا يتمتع بالحصانة .
2- الحصانة البرلمانية
نصت المادة 109 من الدستور على أن "الحصانة البرلمانية معترف بها للنواب ولأعضاء مجلس الأمة مدة نيابتهم ومهمتهم البرلمانية، ولا يمكن أن يتابعوا أو يوقفوا وعلى العموم لا يمكن أن ترفع عليهم دعوى مدنية أو جزائية أو يسلط عليهم أي ضغط بسبب ما عبروا عنه من أراء. أو ما تلفظوا به من كلام أو بسبب تصويتهم خلال ممارسة مهامهم البرلمانية".
وكذلك نصت المادة 110 من الدستور عن الحصانة التي يتمتع بها أعضاء غرفتي البرلمان وبالتالي يمتنع عن النيابة العامة اتخاذ أي إجراء في مواجهة عضو البرلمان قبل الحصول على إذن بذلك، فلا يجوز القبض عليه ولا حبسه مؤقتا ولا تفتيشه قبل رفع الحصانة عنه، كما تمتد هذه الحصانة إلى مسكن أعضاء البرلمان.
3- حصانة حق الدفاع
من المقرر دستوريا أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، فإن حرية الدفاع عن المتهم أمر أساسي، لذلك فإن حق الدفاع عن المتهم يتمتع بحصانة مطلقة تحضر الضبط أو الاضطلاع على الأوراق أو المستندات التي لدى المحامي والتي وصلته من قبل المتهم للدفاع عنه لذلك فان قاعدة حصانة بعد الدفاع عن المتهم هي قاعدة متفرعة عن مبدأ سرية إجراءات التحري والتحقيق ونصت المواد المتعلقة بالتفتيش عن ضرورة مراعاة الإجراءات اللازمة لضمان احترام كتمان سر المهنة وحق الدفاع، فلقد نص المشرع فيما يتعلق تفتيش مكتب المحامي في المادة 80 من قانون المحاماة 91/04 : "يمنع التعدي على حرمة مكتب المحامي ولا يجوز إجراء تفتيش أو حجز من غير حضور النقيب أو ممثله وبعد إحضارهما شخصيا وبصفة قانونية ..."، كما أن المشرع رتب البطلان عن مخالفة هذه الإجراءات.

الفرع الثاني: تفتيش المساكن
يستعمل المشرع الجزائري مصطلح مسكن كمرادف لمصطلح "منزل" فلقد نص في المادة 44 ق إ ج على مصطلح منزل فيما نص في المادة 45 ق إ ج على مصطلح مسكن، كما أنه أورد تعريف المسكن في نص المادة 355 من قانون العقوبات: "يعد منزلا مسكونا كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك ولو متنقل متى كان معدا للسكن وإن لم يكن مسكونا ووقتذاك وكافة توابعه مثل الأحواش وحظائر الدواجن ومخازن الغلال والإسطبلات والمباني التي توجد بداخلها مهما كان استعمالها حتى لو كانت محاطة بسياج خاص داخل السياج أو السور".

*الشروط الواجب توافرها في المسكن: يشترط في المسكن عدة شروط أهمها التعيين وان يكون جائزا تفتيشه .
وقد اشترطت المادة 355 من قانون العقوبات أن يكون المسكن مخصصا فعلا للسكن، سواء كان بطبيعته مخصصا لكي يمارس الشخص مظاهر الحياة الخاصة به أو غير معد أصلا للسكن ولكنه بالفعل مسكون بشخص أو أكثر يقيم به، ولا يشترط أن يكون مسكونا بصفة دائمة.

ولقد ثارت عدة إشكالات فيما إذا كانت السيارة تعتبر سكنا؟ هنا يجب التفرقة بين ثلاث أنواع من السيارات:
1- السيارات العامة: مثل الحافلات والقطارات هذه السيارات تأخذ حكم الأماكن العامة وهي ليست مستودعا لسر أحد.
2- سيارات الأجرة: تأخذ هذه السيارات حكم المسكن إدا كانت بداخله أما إذا كانت خارجه فيشترط أن تكون في حالة عمل لتتمتع بالحرمة.
3- السيارات الخاصة: إن الراجح في القضاء والفقه إن للسيارات الخاصة طبيعة خاصة بحيث يتوقف حكمها على مكان وجودها، فإذا كانت داخل مرآب المسكن تأخذ حكمه أما إذا كانت خارج المسكن فإنها تتمتع بالحرمة الشخصية لصاحبها أو حائزها وذهب القضاء والقانون الفرنسي إلى جواز تفتيش السيارات التي يوحى ظاهرها أن صاحبها تخلى عنها وكانت خالية وأن يكون التخلي سابقا عن التفتيش .
وجدير بالذكر انه يجوز لرجال الضبطية القضائية إيقاف أي سيارة للتحقيق من توافر الاشتراطات القانونية والفنية ولا يعد هذا تفتيشا بالمفهوم القانوني، ولكن لا يجوز تفتيش السيارة إلا وفقا للأوضاع والشروط القانونية المقررة للمساكن.

الفرع الثالث : تفتيش الأشخاص
إن حرمة الأشخاص مستقاة من قواعد الحريات العامة ومن الملاحظ أن المشرع الجزائري لم يضع قواعد خاصة في شأن تفتيش الأشخاص واقتصر على تفتيش المساكن.
لكن تفتيش الأشخاص شأنه شأن تفتيش المساكن إجراء من إجراءات التحقيق ولا يصح أن تأمر به جهة التحقيق إلا بشان جريمة وقعت وقامت القرائن على نسبتها إلى شخص معين، لكن هذه القاعدة ليست مطلقة ذلك أن تفتيش الشخص جائز بغير أن يكون هناك اتهام موجه إليه بارتكاب جريمة معينة.
ويقصد بتفتيش الأشخاص تحسس ملابسه كما يعني فحص تلك الملابس بدقة وإخراج ما يخفيه الإنسان فيها، ويعني كذلك فحص الجسد فحصا ظاهريا.
أولا: الفحص الجسدي
يقع هدا التفتيش على الأجزاء الخارجية للجسد بعد انتزاع الملابس وتفحص الجلد من الخارج وانتزاع ما يكون لاصقا به، كذلك انتزاع الشيء من فم المتهم إذا حاول ابتلاعه كما يجوز أخد عينات من تحت أظافر الشخص أو أخد البصمات أو فحص باطن الكف والقدم.
ثانيا: توابع الشخص
تمتد حرمة الشخص إلى ما في حوزته من منقولات ويكون الإطلاع عليها من قبيل التحري ويعتبر معاينة عادية وليس تفتيشا ولكن لم ينص القانون الجزائري على تفتيش توابع الشخص ويبقى السؤال المطروح حول التفتيش الذي يمتد لداخل جسم الإنسان؟
1- فحص الدم
يعد تحليل الدم من الإجراءات التي أقرت شرعيتها العديد من النصوص القانونية، على غرار المشرع الجزائري إذ أجاز لضباط الشرطة القضائية بغاية تحديد نسبة الكحول في الدم من اجل كشف الحقيقة أخد عينات من دم الشخص حسب ما نصت عليه قانون تنظيم المرور 01/14 فهذا يعتبر تفتيشا بالرغم من انه لا يشترط وقوع جريمة أو شروط أخرى.



2- غسيل المعدة
قد يسفر غسيل المعدة عن ضبط شيء مادي أبتلعه المتهم وهذا الإجراء يعتبر تفتيشا كون الهدف منه هو التوصل إلى دليل مادي في جريمة يجري البحث عن أدلتها كما انه ينطوي على اعتداء على سر الإنسان.

*هل شبكات الحاسوب والبريد الالكتروني تخضع للتفتيش؟
يعرف العالم حديثا تصنيفا جديدا للجرائم وهي جرائم المعلوماتية وكذا الجرائم المنظمة والعابرة للحدود ولقد أتى المشرع أخيرا في التعديل الذي طرأ على قانون الإجراءات الجزائية بأحكام خاصة بهذه الجرائم.
إن ظهور شبكة الانترنت أدى إلى ظهور عدة جرائم مرتبطة بها، فهل يجوز في إطار التحقيق في هذه الجرائم القيام بإجراءات التفتيش ؟
1- شبكات الحاسوب
يتكون الحاسوب من مكونات مادية "Hardware" ومكونات منطقية "Software" عادة ما ينصب التفتيش على المكونات المادية للحاسوب للبحث عن شيء يتصل بجريمة معلوماتية ولقد استقر الفقهاء على أن التفتيش الواقع على الحاسوب هو تفتيش قانوني كما نص القانون الانجليزي الصادر في 29/06/1990 المتعلق بإساءة استخدام الحاسوب .
2- البريد الالكتروني
يهدف هدا البريد إلى إرسال واستقبال رسائل الكترونية فقد يستخدم البريد الالكتروني لأغراض غير مشروعة مثلا جريمة غسيل أموال (تبييض الأموال) عن طريق تحويل الأموال من خلال المراسلات الالكترونية. يرى الفقه انه على المحقق اختيار صندوق البريد الخاص بالمتهم محل التفتيش والمبينة في قائمة البرامج الأساسية فتظهر ثلاث خيارات :الوارد IN، الصادر OUT، الحفظ أو المهملات TRASH وهذا لتحديد مكان تواجد الرسائل المراد تفتيشها وضبطها.

المطلب الثالث: قواعد الاختصاص
الأصل أن التفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا تباشره إلا سلطة التحقيق وقاضي التحقيق يمثل سلطة التحقيق الأصلية في القوانين المقارنة التي تأخذ بمبدأ الفصل بين وظائف الاتهام والتحقيق و الحكم.
خول المشرع الجزائري مثله مثل باقي القوانين الأخرى إجراء التفتيش لضباط الشرطة القضائية استثناءا في حالات معينة سوف نتطرق لها، كما سنوضح أهم الإشكالات التي يثيرها تفتيش الأنثى.

الفرع الأول : السلطة المختصة بالتفتيش
يختص قاضي التحقيق أصلا بإجراء التفتيش تساعده النيابة العامة بتوليها تتبع الجرائم و اتخاذ الإجراءات الملائمة بصددها ثم يخطر قاضي التحقيق الذي يتولى مباشرة التحقيق، فالنيابة توجه الاتهام والتحقيق يباشر إجراءات التحقيق.
ولقد نصت المادتين 81 و82 ق.إ.ج على أنه يجوز لقاضي التحقيق القيام بإجراء التفتيش في أي مسكن يرى أنه توجد به أشياء يفيد اكتشافها في إظهار الحقيقة.
ولقد أجازت المادة 83 ق.إ.ج لقاضي التحقيق القيام بنفسه بالتفتيش في أي مكان آخر وبالتالي أي مسكن آخر غير مسكن المتهم ليضبط أدوات الجريمة أو ما نتج عن ارتكابها، وكل شيء آخر يفيد في كشف الحقيقة، كما منحته المادة84 ق ا ج حق إنابة احد ضباط الشرطة القضائية للقيام بهذا التفتيش إذا استحال على قاضي التحقيق تنفيذ هذا التفتيش بنفسه وطبقا للشروط التي نصت عليها المواد138 إلى 142 ق ا ج. إذ أن المشرع الجزائري قيد سلطة قاضي التحقيق في منح الإنابة بشرط استحالة قيامه بالإجراء بنفسه نظرا لخطورة السلطات التي يملكها قاضي التحقيق ومنها التفتيش.
* ضباط الشرطة القضائية
من الممكن أن يتم التفتيش بمعرفة ضباط الشرطة القضائية في الجرائم المتلبس بها ولقد نصت المادة 15 ق.إ.ج على أعضاء الضبطية القضائية الذين لهم صفة ضابط الشرطة القضائية، إذ نص القانون على ضرورة إجراء التفتيش من طرف ضابط يساعده أعوان ولكن يتم الإجراء بحضوره وتحت إشرافه وإلا وقع باطلا .


الفرع الثاني: تفتيش الأنثى بمعرفة أنثى مثلها
القاعدة أن ضابط الشرطة القضائية يمكنه أن يتولى إجراء التفتيش بنفسه أو من طرف احد معاونيه إلا انه لاعتبارات تتعلق بالنظام العام يجري تفتيش الأنثى بمعرفة أنثى مثلها وهي قاعدة يقتضيها الحياء العام، لكن لم يتضمن قانون الإجراءات الجزائية الجزائري نصّا في هذا الشأن.
ويتحدد مجال تطبيق هذه القاعدة في أنها لا تسري على إطلاقها لمجرد كون المراد تفتيشه أنثى ولكن الهدف هو الحفاظ على عورات المرأة التي تخدش حياءها إذا مست فإن اشتراط تفتيش الأنثى بمعرفة أنثى إنما هو ضرورة فقط عندما يكون مكان التفتيش من المواضع الجسمانية التي لا يجوز للقائم بالتفتيش الإطلاع عليها ومشاهدتها. فما يخطر على ضابط الشرطة القضائية هو أن يتعرض في تفتيش المتهمة لأجزاء من الجسم مما تعد عورة منه فهذه الأجزاء هي التي تعرضه لها انتهاكا للآداب ومساسا بالعرض .

الفرع الثالث: الإشكالات التي يثيرها تفتيش الأنثى
لم ينص المشرع الجزائري على إجراءات تفتيش الأنثى، كما أن أغلبية التشريعات العربية التي اشترطت لتفتيش الأنثى أنثى مثلها لم تتطلب شروط معينة في الأنثى المنتدبة ولكن هناك بعض الشروط الواجب توافرها:
اشترطت أغلب التشريعات تحليف الأنثى القائمة بالتفتيش اليمين قبل مباشرتها لمهمتها فيجوز ندب أي أنثى لإجراء التفتيش ولا يشترط أن تكون موظفة عامة.
إن حضور ضابط الشرطة القضائية أثناء تفتيش الأنثى يبطل الإجراء كون حضوره فيه مساس لحياء المرأة وعورتها. والجدير بالذكر أن المشرع أورد نصّا خاصا فيما يتعلق بتفتيش المساجين، حيث نصت المادة 07 فقرة 03 من المرسوم الصادر في 28/02/1972المتعلق بأمن المؤسسات "لا يمكن أن يفتش المسجون إلا من طرف أشخاص من نفس جنسه".
الإشكال الذي يثور بالنسبة لأعضاء الدرك الوطني هو عدم تواجد إناث يعملون في هذا السلك، وجرت العادة على إحضار أعوان إناث من الشرطة القضائية للقيام بتفتيش الأنثى ويتم توقيع المحضر من طرف العون الذي قام بالتفتيش ويتم ذلك تحت إشراف ضابط الشرطة القضائية (الدرك الوطني) المكلف بإجراء التفتيش وتجدر الإشارة إلى أن عون الشرطة (الأنثى) يتم إحضاره من اقرب مركز شرطة للمكان الذي يتواجد فيه الشخص المشتبه فيه (الأنثى) والمراد تفتيشها.





المبحث الثاني:الشروط الشكلية لاجراء التفتيش

بالإضافة إلى الضمانات الموضوعية للتفتيش والتي سبق شرحها، توجد ضمانات أخرى ذات طابع شكلي يجب مراعاتها عن ممارسة هذا الإجراء صونا للحريات الفردية من التعسف أو الإسراف في استخدام السلطة. والغرض من هذه الإجراءات إحاطة المتهم بضمانات أخرى إضافة للضمانات الموضوعية، ويعتبر الشكل هو الوسيلة التي يتحقق بها حدث معين أي الوسيلة التي يظهر بها أمام الغير وقد يكون الشكل عنصرا من عناصر العمل الإجرائي، عندما يعني الوسيلة التي يتم بها، وفي الواقع أن الشكليات التي يتطلبها إجراء التفتيش تختلف نظام التحقيق القضائي لتفتيش، ومنها ما يعتبر ظرفا له كإجراء التفتيش في أوقات زمنية معينة، وسيتضمن هذا المبحث هذه الشروط الشكلية بشيء من التفصيل في مطالب مستقلة.

المطلب الاول:قاعدة الحضور
يستوجب إجراء التفتيش عند مباشرته سواء تم بمعرفة سلطة التحقيق أم بمعرفة الشرطة القضائية وجوب حضور أشخاص عند مباشرته، وأول من يتعين حضوره هو المتهم، ويعتبر هذا شرطا مفترضا إذا ما تعلق الأمر بتفتيش شخصه، وذلك على خلاف تفتيش المساكن إذ من المتصور إجراء التفتيش بغير حضور المشتبه فيه متى كان حضوره غير ممكن، وبخلاف المتهم الذي يتعين حضوره قد يتطلب الأمر حضور بعض الشهود لأجراء التفتيش.
إذا كان القانون لم يستلزم حضور شهود عند قيام ضابط الشرطة القضائية بتفتيش شخص المتهم، إلا أننا نرى انه ينبغي على ضابط الشرطة القضائية ألا يتعسف في تمسكه بهذا، فليس له أن يمنع شهودا من حضور التفتيش مادام هذا الحضور ليس من شانه أن يؤدي إلى عرقلة إجراء التفتيش والثابت أن حضور الشخص آو أكثر عند مباشرة التفتيش لا يعني زوال صفة السرية على الإجراء، فالتفتيش يجري في مواجهة ذوي الشأن وحدهم، وحضور الشاهدين إنما يكون في حالة عدم حضور المشتبه فيه أو من ينوبه، والبحث في قواعد الحضور يتعلق بتفتيش المساكن دون تفتيش الأشخاص.

الفرع الأول: قاعدة الحضور عند تفتيش مسكن المشتبه فيه
من الضمانات التي يستوجبها المشرع الجزائري حضور شخص أو عدة أشخاص أثناء مباشرة التفتيش، وهو ضمان لصحة الإجراء كما سنرى لاحقا.
فإذا تعلق الأمر بتفتيش مسكن شخص يشتبه في انه ساهم في ارتكاب الجناية، فلقد نصت المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية في فقرتها الأولى على ضرورة حضور صاحب المسكن عملية التفتيش، فادا تعذر عليه الحضور لسبب ما مثل السفر فإنه يتعين عليه تعيين ممثل له بناءا على أمر مكتوب من ضابط الشرطة القضائية المكلف بالتفتيش وينوه عن ذلك في محضر التفتيش، فإذا أمتنع صاحب المسكن أو كان هاربا فان ضابط الشرطة القضائية المكلف بإجراء التفتيش يستدعى شاهدين شريطة أن لا يكونا من الموظفين الخاضعين لسلطته، ويجب أن يتضمن محضر التفتيش اسمهما ولقبهما وكل البيانات المتعلقة بالتفتيش، ويتم تسخير الشاهدين بواسطة محضر يوقعه الشاهدين مع ضابط الشرطة القضائية. هذا إذا كان القائم بالتفتيش هو ضابط الشرطة القضائية بناءا على أمر من قاضي التحقيق (ندب) أما إذا حصل التفتيش بمعرفة قاضي التحقيق فلقد نص المشرع على نفس الأحكام، إذا أحال في نص المادة 82 من قانون الإجراءات الجزائية على نص المواد من 45 إلى 47.
- أما إذا حصل التفتيش أثناء التحقيق الابتدائي فلقد نصت المادة 64 من قانون الإجراءات الجزائية على انه لا يجوز تفتيش المسكن إلا برضا صريح من الشخص الذي ستتخذ لديه هذه الإجراءات، وحددت المادة شكل الرضا الذي يكون مكتوبا بخط يد صاحب الشأن فإذا كان لا يعرف الكتابة فبإمكانه الاستعانة بشخص يختاره بنفسه وينوه عن ذلك في المحضر كما أحالت نفس المادة على المواد 44 إلى 47 من نفس القانون ولكن السؤال المطروح في حالة عدم رضا صاحب الشأن، هل يباشر ضباط الشرطة القضائية التفتيش – مع العلم أن من أهم خصائص هدا الإجراء هو الإكراه، أم يجب عليهم الحصول على إذن آخر ؟
في الحقيقة المشرع لما أحال على نصوص المواد من 44 إلى 47 فإنه بالرجوع لهذه المواد تضمنت في حالة تعذر حضور الشخص صاحب المسكن عملية التفتيش أو في حالة امتناعه عن تعيين ممثل له ولكنها لم تتضمن حالة رفض صاحب المسكن إجراء التفتيش.
تضبط الأشياء والأوراق التي يعثر عليها جراء عملية التفتيش والتي تكون مفيدة لإظهار الحقيقة أو التي يمكن أن تشكل دلائل أو أدلة مادية في القضية كما يقوم ضابط الشرطة القضائية بجرد كل المضبوطات ويرقمها ويصنفها في أحراز مختومة بعد تقديمها للمشتبه فيه أو الشهود للتعرف عليها وسنتناول كيفية التصرف في الأشياء المضبوطة بالتفصيل في الفصل الثاني.

الفرع الثاني :قاعدة الحضور عند تفتيش مسكن الغير
فرق قانون الإجراءات الجزائية بين ما إذا كان التفتيش يجري بمعرفة ضابط الشرطة القضائية –في حالات الإذن– أو كان يجري بمعرفة قاضي التحقيق، فإذا كان تفتيش مسكن الغير يباشر بمعرفة قاضي التحقيق، فيجب أن يتم استدعاء صاحب المسكن الذي يجري تفتيشه بحضور العملية فإذا كان غائبا أو رفض الحضور فإن التفتيش يتم بحضور أثنين من أقاربه أو أصهاره الحاضرين بمكان التفتيش فان لم يوجد أحد منهم يتم تعيين شاهدين ليس لهم علاقة تبعية للقضاء أو الشرطة، وأشترط المشرع للجوء لشاهدين عدم وجود أقارب الشخص أو أصهاره في مكان التفتيش حسب ما نصت عليه المادة 83 من قانون الإجراءات الجزائية.
أما إذا تم إجراء التفتيش بمعرفة ضابط الشرطة القضائية، فلقد ورد في المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية في فقرتها الثانية إن المشرع اشترط حضور صاحب المسكن عملية التفتيش فإذا تعذر ذلك فانه تتبع نفس الإجراءات الفقرة السابقة والمتعلقة بتفتيش مسكن المشتبه فيه، فيما نجد المشرع لم ينص على هذه الحالة بالنسبة للتحقيق الابتدائي وبالتالي نلاحظ أن المشرع بالرغم من إعطاءه صلاحية التفتيش لضابط الشرطة القضائية إلا أنه قيد ذلك بالشروط الواردة في المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية، فيما منح صلاحيات أخرى لقاض التحقيق.

الفرع الثالث : الأحكام الواردة بموجب القانون 06-22
لقد أورد المشرع الجزائري عند تعديله مؤخرا قانون الإجراءات الجزائية ولاسيما المواد المتعلقة بالتفتيش بموجب القانون 06-22 المؤرخ في 20/12/2006 عدة أحكام متعلقة بجملة من الجرائم المحددة على سبيل الحصر خاصة ما تعلق منها بقواعد الحضور عند تفتيش مسكن المشتبه فيه، ونص في المادة 47 مكرر على حالتين لم يسبق ذكرهما عند التفتيش بمناسبة ارتكاب الجرائم الأخرى وهما في حالة تفتيش مسكن شخص موقوف للنظر أو محبوس في مكان آخر.
نص المشرع على قواعد حضور صاحب المسكن لعملية التفتيش في الحالتين السابقتين ولكن اشترط لتطبيق هذه القواعد جملة من الشروط:
أ- أن يكون صاحب المسكن المراد تفتيشه بمناسبة ارتكاب جريمة من الجرائم المحددة على سبيل الحصر في النص المادة 47 فقرة03موقوفا للنظر أو محبوسا في مكان آخر.
ب- نقل المشتبه فيه يسبب مخاطر جسيمة قد تمس بالنظام العام .
ج- احتمال فرار المشتبه فيه.
د- اختفاء الأدلة خلال المدة اللازمة لنقله لمكان إجراء التفتيش.
إذا توافرت هذه الشروط فإن التفتيش يتم بعد الموافقة المسبقة لوكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق أي بموجب إذن بالتفتيش صادر عن إحداهما ويتم ذلك بحضور شاهدين يتم تسخيرهما بموجب أمر من وكيل الجمهورية أو قاض التحقيق المشرف على عملية التفتيش أو بحضور ممثل يعنيه صاحب المسكن ويكون ذلك كتابيا على الأرجح ولقد أحالت المادة 47 مكرر على المادة 45 بالنسبة لتعيين الشهود.
يعاب على هذه المادة أنها أوردت حالتين فقط الشخص المراد تفتيش مسكنه موقوفا للنظر أو محبوسا ولم يتم تحديد حالة ما إذا كان الشخص في حالة فرار: هل يتم تطبيق نفس الأحكام؟
في الحقيقة، لم يجب المشرع عن هذا التساؤل، ولكن يتم الرجوع للمبادئ العامة والواردة بنص المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية ويتم التفتيش طبقا لهذه الأحكام، لكن بالرجوع لنص المادة 45 في فقرتها الأخيرة فان المشرع نص : "....... لا تطبق هذه الأحكام إذا تعلق الأمر بجرائم المخدرات والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية والجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبييض الأموال والإرهاب والجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف .....". وهنا نكون أمام فراغ قانوني.

المطلب الثاني: محضر التفتيش
القاعدة المسلم بها أن أعمال التحقيق جميعا ينبغي كتابتها، والكتابة تشمل جميع إجراءات التحقيق سواء كانت معاينة، سماع شهود أو إجراءات التفتيش وتنص المادة 68 فقرة 2 من ق إ ج "وتحرر نسخة عن هذه الإجراءات وكذلك جميع الأوراق ويؤشر كاتب التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المنتدب على كل نسخة بمطابقتها للأصل......"
وبقصد حماية الحريات الفردية والمنع من التعسف، ألزم المشرع الجزائري ضباط الشرطة القضائية المنتدبين للتحقيق تحرير المحاضر المثبتة لما قاموا به من إجراءات مبينين فيها الإجراءات.
والمحضر بشكل عام له مجموعة من البيانات الواجب توافرها إضافة إلى الأشخاص المؤهلين لتحريره.

الفرع الأول: بيانات محضر التفتيش
نصت المادتين 46 و50 من المرسوم المنظم لخدمة الدرك الوطني على خصائص وبعض القواعد المتعلقة بتحديد المحضر وكذا أعضاء الدرك الوطني المؤهلين لذلك .
والملاحظ أن المشرع الجزائري أخضع تحرير المحاضر للقواعد العامة التي تتطلب أن يكون المحضر مكتوبا باللغة الرسمية، وأن يحمل تاريخ تحديده، وتوقيع محرره، كما ينبغي أن يتضمن كافة الإجراءات التي اتخذت بشأن الوقائع التي يثبتها.
أولا: كتابة المحضر بالغة الرسمية
اللغة الرسمية في الجزائر هي اللغة العربية طبقا لنص المادة 03 من دستور 1996 وفي الحقيقة لم ينص المشرع عن تحرير محضر التفتيش باللغة الوطنية، لكن هدا الأمر تقتضيه طبيعة الأشياء وذلك أن ضابط الشرطة القضائية المندوب للتفتيش أقدر على التعبير بلغته الوطنية والرسمية على جميع الإجراءات والوقائع، كذلك أن المحكمة تتعامل بلغة الدولة ولذلك قد يبطل المحضر المحرر بلغة أخرى غير لغة الدولة .
ثانيا: ضرورة تحديد تاريخ المحضر
يفيد التاريخ في تحديد اليوم الذي تم فيه إجراء التفتيش وهذا التاريخ يبدأ قطع التقادم فيما يخص الدعوى العمومية كذلك فيما يتعلق بالبطلان والآثار المترتبة عنه في إبطال الإجراءات اللاحقة للإجراء الباطل دون المساس بالإجراءات التي سبقته.
ثالثا: التوقيع على المحضر
يتعين على القائم بالتفتيش أن يبين في المحضر وصفا دقيقا للمكان الذي فتشه ومكان الأشياء التي تم العثور عليها وأوصافها وأسماء الأشخاص الموجودين بالمحل، وملاحظات المتهم وكذلك أسماء الشهود ولا بد أن لا يغفل أي أمر من الأمور التي صادفته عند قيامه بالتفتيش كونه يعتبر شاهدا على تلك الوقائع وعليه تقديم شهادة كاملة للقاضي في هذا المحضر.
وأخيرا ينبغي على القائم بالتفتيش أن يدون الإجراءات التي قام بها وأن يوقع على المحضر فهدا التوقيع هو الذي يصبغ على المحضر الصبغة القانونية، كما نصت على ذلك الفقرة الأخيرة من المادة 54 ق إ ج "... وعليه أن يوقع على كل ورقة من أوراقها"، كذلك التوقيع يفيد في معرفة من قام بالتفتيش وتحديد مدى اختصاصه، وإن بيان الاسم والصفة لا يغني عن التوقيع كذلك يتضمن المحضر توقيع الأشخاص المعنيين بالأجراء وفضلا عن ذلك ينبغي عدم الشطب وان لا يتخلل سطور المحضر أي حشر طبقا لنص المادة 95 ق إ ج.

الفرع الثاني: القائم بتحرير المحضر
القاعدة أن المحضر لكي تكون له قيمة قانونية، يجب أن يكون محررا بمعرفة موظف مختص نوعيا ومحليا ويختلف الأمر فيما إذا كان القائم بالإجراء هو ضابط الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق.
أولا: ضابط الشرطة القضائية
الأصل أن يحرر ضابط الشرطة القضائية محضر التفتيش بنفسه في حالات التلبس وذلك طبقا للفقرة 02 من المادة 45 ق إ ج فالمشرع الجزائري لا يلزم على ضابط الشرطة القضائية الذي أجرى التفتيش التخلي لغيره لتحرير محضر الإجراءات التي قام بها.
نلاحظ أن قانون الإجراءات الجزائية لم يحدد الفترة التي يجب على ضابط الشرطة القضائية تحرير المحاضر خلالها لوكيل الجمهورية في حالات التلبس في حين بالنسبة لمحاضر التحقيق ومنها محضر التفتيش الذي يحرره ضابط الشرطة القضائية بمناسبة الإنابة القضائية استنادا لنص المادة 138 ق إ ج، فقد حدد المشرع الجزائري لضابط الشرطة القضائية المندوب للتفتيش مدة 08 أيام من انتهاء إجراء التفتيش ما لم يحدد القاضي مهلة أخرى.
يثور الإشكال إذا استمد ضابط الشرطة القضائية الإذن بالتفتيش من قاضي التحقيق عن طريق الإنابة القضائية، ذلك أن ضابط الشرطة القضائية المنتدب يتقيد بذات القواعد التي يتقيد بها القاضي تطبيقا لنص المادة 139 ق إ ج مثل: ضرورة تواجد كاتب يقوم بتحرير المحاضر.
يرى الأستاذ الدكتور سامي الحسيني أنه لا يلزم حضور كاتب أثناء مباشرة ضابط الشرطة القضائية للتفتيش المنتدب للقيام به لعدم ضرورة ذلك.
ثانيا: قاضي التحقيق
استلزم المشرع الجزائري حضور كاتب ضبط لتدوين محاضر التحقيق (التفتيش) طبقا لنص المادة 68 ق إ ج والغرض الذي يهدف إليه المشرع الجزائري من وجوب قيام كاتب بتدوين محاضر التحقيق بصفة عامة ومحضر التفتيش بصفة خاصة هو الرقابة التي تبسط على القاضي من جهة ومن جهة أخرى تسهيل العمل الذهني للقاضي في الوصول للحقيقة، ويتولى الكاتب تحرير المحضر بإملاء من قاضي التحقيق الذي يثبت ما رآه هو وليس ما رآه الكاتب.

المطلب الثالث: قواعد تنفيذ التفتيش
إضافة إلى الشروط السابقة، أضاف المشرع مجموعة من القواعد والضوابط التي تحقق عدم المساس بحرمة المكان أو الشخص المراد تفتيشه وأهمها وقت إجراء التفتيش وكذا طريقة تنفيذه.

الفرع الأول : وقت أو ميعاد إجراء التفتيش
المقصود به هو الوقت من الزمن الذي يسمح فيه بتنفيذ التفتيش فلقد حظر المشرع الجزائري القيام بتفتيش المساكن في أوقات معينة، إذ نصت المادة47 فقرة 01 ق إ ج "لا يجوز البدء في تفتيش المساكن ومعاينتها قبل الساعة الخامسة صباحا ولا بعد الثامنة مساءا....."
ويستفاد من هذا النص أن المشرع الجزائري اعتبر وقت الليل الفترة الواقعة قبل الساعة الخامسة صباحا أو بعد الساعة الثامنة مساءا وهذا يعني أن المشرع حظر التفتيش ليلا، وتبعا لذاك فإن الأصل في النظام الإجرائي الجزائري هو عدم دخول المساكن وتفتيشها أثناء الليل، ولا يجوز الخروج عن هدا الأصل مبدئيا، فإن كان من الضروري عدم الانتظار إلى وقت النهار خشية هروب المتهم أو تهريب الأدلة الجريمة المطلوب ضبطها وجب الاكتفاء بمحاصرة المسكن ومراقبته من الخارج حتى وصول الوقت الجائز قانونا مباشرة التفتيش فيه، وهذا ما أكدت عليه المادة 122 في فقرتيها الأولى والثانية من قانون الإجراءات الجزائية على انه: "لا يجوز للمكلف بتنفيذ أمر القبض أن يدخل مسكن أي مواطن قبل الساعة الخامسة صباحا ولا بعد الساعة الثامنة مساءا وله أن يصطحب معه قوة كافية لكي لا يتمكن المتهم من الإفلات من سلطة القانون........"
حالات جواز إجراء التفتيش ليلا
القاعدة انه لا يجوز مباشرة التفتيش ليلا، لكن استثناءا حدد المشرع الجزائري بعض الحالات على سبيل الحصر، أجاز فيها لضابط الشرطة القضائية الدخول ليلا لمباشرة إجراء التفتيش وتتمثل هذه الحالات في:
1- طلب صاحب المسكن
نصت على هذه الحالة المادة 47 في فقرتها الأولى من قانون الإجراءات الجزائية فإذا طلب صاحب المنزل ذلك في هذه الحالة لا يتقيد ضابط الشرطة القضائية بالميعاد القانوني لكن كيف يتم التعبير عن إرادة صاحب المسكن في تفتيش مسكنه؟ إضافة إلى أن المشرع لم ينص على كيفية تبرير ذلك من طرف ضابط الشرطة القضائية؟ في هذه الحالة يتعين عليه ذكر ذلك في محضر التفتيش كونه الوسيلة القانونية الوحيدة التي تتضمن الإطار القانوني لإجراء التفتيش.
2- حالة الضرورة
نصت المادة 47 فقرة 01 قانون الإجراءات الجزائية "...أو وجهت نداءات من الداخل..." فانه يمكن لضابط الشرطة القضائية الدخول إلى المسكن دون التعرض لعقوبة انتهاك حرمة المنزل وذلك لتقديم الحماية اللازمة للشخص أو أكثر لدرء الخطر الذي يواجهه عند طلب النجدة كما أن المشرع أضاف في نفس الفقرة "...أو في الأحوال الاستثنائية المقررة قانونا" ويقصد بها على الأرجح حالة الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق.
3- تفتيش الفنادق والمساكن المفروشة
تجيز الفقرة الثانية من المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية انه يجوز التفتيش في كل ساعة من ساعات النهار قصد التحقيق في الجرائم المعاقب عليها في المواد 348 و 342 من قانون العقوبات، إذ يجوز تفتيش الفنادق والمساكن المفروشة والمحلات والأماكن المفتوحة للعامة إذا تحقق أن أشخاصا يستقبلون فيه عادة لممارسة الدعارة، ويتم ضبط الأشياء المتواجدة بهذه الأماكن.
وبالرجوع لنصوص 342 إلى 348 من قانون العقوبات فهي متعلقة بتحريض القصر على الفسق والدعارة، ولقد أتى المشرع بهذه الأحكام الخاصة كون هذه الجرائم ماسة بالنظام العام من جهة وكذلك صعوبة إثباتها من جهة أخرى، وعادة ما يتم ضبط الفاعلين متلبسين طبقا للنص المادة 41 من قانون الإجراءات الجزائية.
4- التفتيش في الجرائم الإرهابية والجرائم المستحدثة بموجب القانون رقم 06-22
نظرا لخطورة الجرائم الإرهابية نصت المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية بعد التعديل الذي أدخله المشرع الجزائري على قانون الإجراءات الجزائية بالأمر 95/10 المؤرخ في فيفري 1995 على انه يجوز مباشرة التفتيش في أي ساعة من ساعات الليل والنهار في الجرائم الموصوفة إرهابية أو تخريبية وهي تلك الجرائم المنصوص عليها بالمواد 87 مكرر إلى 87 مكرر 9 من قانون العقوبات الجزائري ولقد أعطى المشرع صلاحية التفتيش لقاضي التحقيق أو لضباط الشرطة القضائية ولكن اشترط حصولهم على أمر من قاضي التحقيق لمباشرة التفتيش.
لقد ذهب المشرع الجزائري في مجال الاستثناءات أبعد من ذلك والسبب في ذلك هو ظهور جرائم جديدة وخطيرة تمس الأمن على الصعيد الدولي، وظهرت الجرائم العابرة للحدود وإضافة إلى أن التطور التكنولوجي والإعلامي حتم بالضرورة ظهور عدة جرائم جديدة، والمشرع الجزائري واكب هدا التطور ونص على هذه الجرائم في قانون العقوبات كما أنه خصها بجملة من الأحكام الإجرائية من بينها التفتيش.
نصت المادة 47 بعد تعديلها بموجب القانون رقم 06-22 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 على: "عندما يتعلق الأمر بجرائم المخدرات أو جريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية أو الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات وجرائم تبييض الأموال أو الإرهاب وكذا الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف فإنه يجوز إجراء التفتيش والمعاينة والحجز في كل محل سكني أو غير سكني في كل ساعة من ساعات النهار أو الليل وذلك بناءا على إذن مسبق من وكيل الجمهورية المختص".
5- حالة خاصة
لقد أورد المشرع الجزائري حالة خاصة يجوز فيها الخروج من القاعدة التي نصت عليها المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية والمتعلقة بالميقات القانوني للتفتيش. إذ نصت المادة 82 من قانون الإجراءات الجزائية على انه يجوز لقاضي التحقيق وحده في مواد الجنايات أن يقوم بتفتيش مسكن المتهم في غير الساعات المحددة في المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية، ولكن اشترط المشرع للخروج عن قاعدة الميعاد القانوني أن:
أ- تتم مباشرة التفتيش مباشرة من طرف قاضي التحقيق وليس ضابط الشرطة القضائية أي أثناء مرحلة التحقيق القضائي وليس التحقيق الابتدائي ولا مجال هنا للحديث عن التلبس كون الأمر يتعلق بالجنايات وما هو معلوم أن التحقيق إجباري في مادة الجنايات حسب المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية.
ب- اشترط المشرع تنفيذ إجراء التفتيش بحضور وكيل الجمهورية.
مع العلم أن هذه الحالة وردت في باب التحقيق إضافة إلى أنها تتعلق بتفتيش مسكن المتهم فقط.
لقد نص المشرع بموجب القانون 06-22 على جملة من الأحكام الخاصة والمتعلقة ببعض الجرائم على سبيل الحصر، فهل تطبيق هذه الحالة على هذه الجرائم أم أنها تبقى متعلقة بالجنايات الأخرى فقط.
في رأينا من باب أولى أن تحضى هذه الجرائم المحددة على سبيل الحصر بنفس الإجراء المنصوص عليه بالمادة 81 من قانون الإجراءات الجزائية بالرغم من أن المشرع لم يعدّل هذه المادة.

الفرع الثاني: طريقة تنفيذ التفتيش
إن إجراء التفتيش يتضمن نوعا من الاعتداء على حريات وحقوق الأشخاص ومنها حق الدفاع لأنه لا يجوز إجبار المتهم على تقديم دليل اتهامه، لذلك إضافة للضمانات السابقة التي وضعها المشرع هناك ضمانات أخرى يتعين على ضابط الشرطة القضائية مراعاتها وهي:
أولا: عدم التعسف في تنفيذ التفتيش
يجب تنفيذ الإذن بالتفتيش بصورة لا تسيء لصاحب المسكن أو الموجودين به وإلا كان إجراءا تعسفيا، ينبغي على ضابط الشرطة القضائية اختيار الوقت المناسب والطريقة التي يرى أنها مثمرة في تحقيق الغرض من التفتيش وما يعاب عن التشريع الجزائري أنه لم يضع ضوابط لكيفية التفتيش وهذا قد يفسح المجال للتعسف، فيجب على القائم بالتفتيش أن يراعي حرمات الأفراد وتقاليدهم وقد يكشف التفتيش بصفة عارضة عن أسرار صاحب المسكن فيجب عدم الإشارة إليها في المحضر ما دام أنها لا ترتبط بالتحقيق.
كما انه لا يجوز للقائم بالتفتيش أن يتلف أو يبعثر محتويات المسكن أو أن يحيط عملية تنفيذ التفتيش بأساليب قد تؤثر سلبا على الأشخاص المتواجدين بمحل التفتيش.
ثانيا: مدى جواز استخدام القوة لتنفيذ التفتيش
إن تنفيذ التفتيش ليس متروكا لخيار المتهم، إذ يتعين على المتهم أن يخضع مسكنه للتفتيش طواعية فإذا رفض كان لضابط الشرطة القضائية اللجوء إلى القوة بعد استظهار الإذن بالتفتيش لإجباره على الخضوع للتفتيش لاسيما في حالات التلبس طبقا للمواد 44 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية التي تشرط أن يكون الإكراه الذي تعرض له المتهم متناسبا مع القدر اللازم لتنفيذ التفتيش.
وإذا زاد الإكراه عن القدر اللازم لتنفيذ التفتيش كان هدا العمل غير مشروع وهذا ما يرتب المسؤولية الجزائية لضابط الشرطة القضائية بناءا على نص المادة 107 من قانون العقوبات.
فمثلا إذا كان بمقدور ضابط الشرطة القضائية تكبيل يد المتهم فليس له الحق في إصابته بجروح، مع الإشارة أن المادة 17 في فقرتها 2 و5 من قانون الإجراءات الجزائية نصت على جواز لجوء ضابط الشرطة القضائية لاستعمال القوة العمومية في تنفيذ مهامه.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 11:14   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصــل الثـاني: أثــار التفـتــيش

يعتبر التفتيش من إجراءات التحقيق التي تهدف إلى ضبط ما يفيد في كشف الحقيقة، وذلك إذا ما توافرت فيه العناصر والشروط القانونية، وبعبارة أخرى إذا كان التفتيش قانونيا، أما إذا لم يكن قانونيا فالأثر الإجرائي الذي يترتب عليه هو بطلانه وبطلان الضبط التالي له، فضلا عن الآثار الأخرى التي قد يثيرها التفتيش غير القانوني المتمثلة في قيام المسؤولية الجنائية أو المدنية أو تأديبية للقائم به.
والغرض من الضبط هو العثور على أدلة في الجريمة التي يباشر التحقيق بشأنها والتحفظ عليها، فهو الغاية القريبة للتفتيش، ونتيجته المستهدفة.
والضبط يرتبط بالتفتيش فيما يستهدف من دليل، يتعين المحافظة عليه بالضبط وصيانته لمصلحة التحقيق، ويتقيد مثله بان ما يضبط يتصل بالواقعة الإجرامية التي يجري بشأنها التحقيق، ولذلك فهو يباشر من أجل الوصول إلى الحقيقة المطلقة، بمعنى انه ما دام التفتيش يستهدف ذات التحقيق يتعين أن يباشر ضبط ما يتعلق به من أدلة، سواء كانت في صالح الإدانة أم في مصلحة المتهم، لأن ما يضبط في كلتا الحالتين يحقق العدالة الجنائية ويفيد معنى الارتباط بالتفتيش.
وما يهمنا هنا هو دراسة الآثار الإجرائية للتفتيش، وعلى ذلك سوف نقسم دراستنا في هذا الفصل إلى مبحثين أساسين
- المبحث الأول: ضبط الأشياء و المراسلات
- المبحث الثاني: بطلان التفتيش.

























المبحث الأول: ضبط الأشياء و المراسلات

الضبط هو وضع اليد على شيء يتصل بالجريمة التي وقعت، ويفيد في كشف الحقيقة عنها وعن مرتكبها ، ويعد الضبط من إجراءات جمع الأدلة، لذلك نصت المادة 81 من قانون الإجراءات الجزائية على أن " يباشر التفتيش في جميع المساكن التي يمكن العثور فيها على أشياء يكون كشفها مفيدا لإظهار الحقيقة"، كما نصت المادة 84 في فقرتيها الأولى والثانية على أنه " إذا اقتضى الأمر أثناء إجراء التحقيق وجوب البحث عن مستندات فان لقاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المناب عنه وحدهما الحق في الإطلاع عليها قبل ضبطها مع مراعاة ما تقتضيه ضرورة التحقيق وما توجبه الفقرة الثالثة من المادة 83"، وعلى ضوء ما تقدم يقصد بضبط الأشياء السيطرة عليها ماديا ووضعها تحت تصرف سلطة التحقيق في فترة التحقيق تمهيدا لاتخاذ قرار نهائي بخصوصها إما بالرد أو بالمصادرة هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فان احترام الحريات العامة يقتضي تخويل الناس حق الاحتفاظ بسرية مراسلاتهم أيا كان نوعها، وعلى هذا الأساس فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 39 من الدستور الجزائري الحالي على أن " سرية المراسلات و الاتصالات الخاصة بكل أشكالها مضمونة " ومع هذا فان السرية لم تعد حقا مطلقا بالمعنى الذي قررته تشريعات الثورة الفرنسية ، وإنما هي حق نسبي تجوز التضحية به في سبيل المصلحة الجماعية وعلى هذا الأساس حري بنا أن نقسم هذا المبحث إلى مطلبين: نتكلم في المطلب الأول عن ضبط الأشياء فيما نتطرق في المطلب الثاني إلى ضبط المراسلات .

المطلب الأول: ضبط الأشياء
الغاية الوحيدة التي تبرر تفتيش الشخص أو مسكنه هي محاولة ضبط الأوراق أو الأسلحة أو الآلات أو كل ما يحتمل أن يكون قد استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عن ارتكابها أو وقعت عليه وفي الجملة كل ما يفيد في كشف الحقيقة الموضوعية من أدلة مادية سواء كانت أدلة الإدانة أم أدلة البراءة.
وبغير هذه الغاية يكون التفتيش تحكميا، كما لو تم بخصوص جريمة ليس من شانها أن تخلف أثار مادية يمكن ضبطها على إثر تفتيش المسكن أو الشخص، كما هو الحال في جرائم السب أو القذف و البلاغ الكاذب
وعليه لا يرد ضبط الأشياء على كل الأشياء، وإنما يكون مقصور على الأشياء المادية، وهي تلك الأشياء التي لها مظهر خارجي مادي محسوس، أما الأشياء المعنوية فلا تكون محل ضبط وإنما لها إجراء مستقل.
وتختلف الأحكام التي يخضع لها ضبط الأشياء المنقولة عن تلك التي يخضع لها ضبط العقار.

الفرع الأول: ضبط الأشياء المنقولة
إن الأشياء المنقولة ذات كيان وحس خارجي ملموس، ويمكن أن تؤدي إلى معرفة مرتكب الجريمة أو المساهمين فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لأنها ذات طبيعة ومميزات تمثل دلائل التحقيق.
والمقصود بالأشياء المنقولة في هذا المجال معنى أوسع من معناها في القانون المدني. فالمنقول يشمل كل ما يمكن نقله من مكان لآخر بدون تلف كأثاث البيت والملابس،... و العقار بالتخصيص مثل عربات المصنع وآلات الزراعة، وكذلك الأشياء الثابتة إذا نزعت من أصلها المثبتة فيه كالمرايا التي كانت مثبة في الحيطان وأنابيب المياه، بينما المنقول المعنوي لا يدخل في هذا الإطار لأنه ليس له كيان مادي ملموس.
وقد بينت المادة 84 في فقرتيها الأولى والثانية من قانون الإجراءات الجزائية المنقولات التي يمكن ان يقع عليها الضبط وان لم توردها على سبيل الحصر فذكرت " إذا اقتضى الأمر أثناء إجراء تحقيق وجوب البحث عن مستندات فان لقاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المناب عنه وحدهم الحق في الإطلاع عليها قبل ضبطها،.... ويجب على الفور إحصاء الأشياء والوثائق المضبوطة ووضعها في إحراز مختومة" ،وقد أضافت المادة 45 في فقرتها الثانية من قانون الإجراءات الجزائية " ولضابط الشرطة القضائية وحده مع الأشخاص السابق ذكرهم في الفقرة الأولى الحق في الإطلاع على الأوراق والمستندات قبل حجزها".
والظاهر أن ما ذكرته المادتان لم يأت على سبيل الحصر، إذ أن عبارة " على أشياء يكون كشفها مفيدا لإظهار الحقيقة " والمنصوص عليها في المادة 81 من قانون الإجراءات الجزائية تعني أن القائم بالتفتيش له أن يضبط كل ما يوصله للحقيقة و إظهارها، و هذا معناه أن القائم بالتفتيش يستطيع أن يضبط كل شيء متصل بالجريمة، أو وقعت عليه الجريمة أو نتجت عنه مسالة واقعية تخضع لها الدعوى، وتفيد بيقين في واقعة الجريمة وما يتصل بها . والأشياء الأخرى التي يكون ضبطها مفيدا في كشف الحقيقة هي تلك الأشياء التي قد تكون لدى المتهم أو غيره، ويستنبط من حالتها المادية المميزة ما يراه التحقيق دلائل تشير إلى الجناة بل قد تكون هي القرائن القضائية التي تعطي دلائل واضحة في إظهار الحقيقة مثلا: وجود حافظة نقود الجاني أو بعض أثاره بجوار المجني عليه أو العثور على ملابس ملطخة بدماء المجني عليه وقد سارع الجاني إلى إخفاءها.
وقد أورد المشرع الجزائري بعض الأشياء التي يجوز ضبطها مثل الوثائق والمستندات التي قد لا يثور بصددها الإشكال، ولكن المشكل يطرح حول المقصود بمصطلح " الأوراق " الواردة في المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية ؟
وعرفت الأوراق بأنها " الخطابات و الرسائل و الكتب و المنشورات ، مطبوعة كانت او بخط مستوي أن تتضمن كتابة أو رموزا أو نقوشا أو شيئا أخر .
و الذي يجب أن نؤكد عليه أن مصطلح الأوراق أوسع من مصطلح الوثائق والمستندات، ذلك أن مصطلح الأوراق بالتحديد السابق يدخل في نطاق ما يفيد في كشف الحقيقة، إذ لا يشترط أن تكون الأوراق جسم الجريمة بل يكفي أن تتضمن عنصرا من عناصر الحقيقة التي يصح ضبطها.
و قد اعتنى المشرع الجزائري بالمحافظة على ما قد تتضمنه الأوراق من أسرار عائلية أو خبايا داخلية، وعلى الرغم من أن هذه الأوراق أو الوثائق أو المستندات لا تخرج من كونها أشياء يمكن أن تفيد في كشف الحقيقة إلا أن المشرع الجزائري أورد قيودا خاصة على ضبط هذه الأشياء من قبل القائم بالتفتيش على التفصيل الأتي:
أولا : ضبط الأشياء الموجودة في مسكن المتهم بناء على حالة تلبس
تنص الفقرة الثانية من المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية على انه " لضابط الشرطة القضائية وحده مع الأشخاص السابق ذكرهم في الفقرة الأولى أعلاه الحق في الإطلاع على الأوراق والمستندات قبل حجزها".
و هذه المادة خولت لضابط الشرطة القضائية أثناء تفتيشه مسكن المتهم بناء على حالة التلبس بجريمة حق الإطلاع على الأوراق و المستندات قبل حجزها. وبالتالي فالمشرع الجزائري منح ضابط الشرطة القضائية سلطة الإطلاع على الوثائق والأوراق والمستندات المغلقة والمفتوحة، وهذا يعد خطرا على خصوصيات الأفراد، ذلك أن المشرع الجزائري عندما مكن ضابط الشرطة القضائية من الإطلاع على الأوراق و المستندات المغلقة بما أن النص جاء عاما - من وجهة نظرنا- لان الإطلاع على الأوراق المغلقة أو المستندات التي قد تحتوي على أسرار عائلية أو أمور ذات قيمة ولا تتعلق بالتحقيق، وان إطلاع ضابط الشرطة القضائية من شانه أن يسيء إلى سمعة المتهم أو سمعة عائلته، لذلك كان على المشرع الجزائري جعل الإطلاع على الأوراق والمستندات لقاضي التحقيق بمفرده أما الأوراق غير المغلقة فيباح له الإطلاع عليها إذ أن عدم إغلاقها قد يكون قرينة على أن المتهم لا يخفي ما يدعو حجبها على الغير.
وفي فرنسا نجد أن المادة 56 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسية التي وردت ضمن النصوص المتعلقة باختصاص ضابط الشرطة القضائية بناء على حالة التلبس، أعطت لضابط الشرطة القضائية الحق في الإطلاع على الأوراق الموجودة بمسكن المتهم أثناء تفتيشه قبل ضبطها.
ولم يستثني المشرع الفرنسي الأوراق المغلقة والمختومة من الإطلاع عليها من طرف ضابط الشرطة القضائية وهو ما اخذ به المشرع الجزائري في المادة 45 فقرة 02 السالفة الذكر.
وبالمقابل نجد أن المشرع المغربي في قانون الإجراءات الجنائية المغربية اتفق مع المشرع الجزائري في تخويل ضابط الشرطة القضائية سلطة الإطلاع على الأوراق إلا انه أورد استثناء على هذه السلطة حيث حصر استعمالها في نوع معين من الجرائم فقط وهي الجرائم الماسة بأمن الدولة من الداخل و الخارج وهذا حسب المادة 61 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجنائية المغربي.
ثانيا:ضبط الأشياء بناءا على انتداب من سلطة التحقيق
يملك قاضي التحقيق ندب ضابط الشرطة القضائية لمباشرة بعض إجراءات التحقيق مثل التفتيش والضبط طبقا للمادة 139 من قانون الإجراءات الجزائية و ما يليها.
وعندما يقوم ضابط الشرطة القضائية بتنفيذ الإجراء محل الندب فانه يكون له الاختصاص نفسه الذي لسلطة التحقيق ولكن في حدود ندبه، و يتقيد بالقيود التي ترد عليها، ولما كان لقاضي التحقيق حق الإطلاع على المستندات والأوراق قبل ضبطها، فقد يتبادر في الأذهان أن ضابط الشرطة القضائية في حالة ندبه بإجراء التفتيش يملك حق الإطلاع على هذه الأشياء باعتبار انه يحل محل سلطة التحقيق ، وهذا فعلا ما صرح به المشرع الجزائري من خلال الفقرة الأولى من المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية التي جاء فيها " فان لقاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المنوب عنه وحدهما الحق في الإطلاع عليها قبل ضبطها مع مراعاة ما تقتضي ضرورات التحقيق وما توجبه الفقرة الثالثة من المادة 83".
نستخلص من ذلك إن قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية يجيز لضابط الشرطة القضائية إذا ما قام بتفتيش مسكن المتهم أن يطلع على المستندات أو الأوراق التي يعثر عليها نتيجة التفتيش.
ملاحظة: لما كان إجراء التفتيش يبيح للقائم به إجرائه في كل مكان يرى هو احتمال وجود الأشياء التي يبحث عنها فيه، فقد يترتب على ذلك العثور على أشياء أخرى تعد حيازتها جريمة قائمة بذاتها أو تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى، فهل يجوز له ضبطها؟
إن هذه المسالة فعلا تعد محل نقاش في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري وذلك لعدم وجود حل لمصير الأشياء التي تعد حيازتها جريمة أو تفيد في جريمة أخرى وتضبط أثناء التفتيش وعن قانونية الإجراء المتخذ بشأنها ، وهل ضبطها صحيحا أو باطلا ؟ و في هذا الصدد نجد هناك رأيين:
الرأي الأول: يرى بصحة التفتيش ويعزز قوله بان المشرع لم يجرم التفتيش ذاته بل حرم انتهاك حرمة المسكن التي نص عليها الدستور، فإذا انتهكت الحرمة بمسوغ قانوني فان مسكن المتهم بالنسبة للقائم بالتفتيش يصبح مباحا لا حاجة لاستصدار إذن في التفتيش فيه، وعليه فما يعثر عليه أثناء التفتيش وإن كان غير متصل بالجريمة الجاري من اجلها التفتيش إلا أنه يكون له أثره.
الرأي الثاني: فيرى أنصاره بان التفتيش إنما صدر به الأمر بالنسبة لجريمة معينة بالذات، فليس للقائم بالتفتيش أن يستند في إقامته دعوى أخرى على شيء أخر عثر عليه لا يتصل بالجريمة، فحرمت المسكن مازالت قائمة فيما يتعلق بها ما دام لم يصدر إذن بالتفتيش خاص بالجريمة الثانية، وفي هذا الصدد و بخصوص هذا الرأي الثاني نلمح موقف الأستاذ الفاضل الدكتور محمد محدة عندما يقول " إذا كان المشرع قد خول للضبطية القضائية حق الإطلاع على بعض الأسرار المفيدة في كشف الحقيقة، فان كان يبحث عن سيارة تحمل أسلحة أو مواد مهربة فيجب ألا يفتح الخزائن أو الصناديق الصغيرة، كما عليه ألا يكشف ما اطلع عليه أو صادفه أثناء عملية التفتيش، فإن فعل ذلك عرض نفسه للمساءلة بإفشاء أسرار المهنة".
والواقع أن الرأي الثاني يجد سنده في التعسف الكبير للكثير من الإجراءات التي يمارسها ضباط الشرطة القضائية أثناء بحثهم عن أدلة الجرائم وبصفة خاصة عند مباشرة التفتيش للمساكن بمعرفتهم ، وعند إحساس بوجود قدر من التجاوز في تنفيذهم لتفتيش المساكن، وذلك مثل سعي ضباط الشرطة القضائية إلى ضبط أدلة قد لا تتعلق أساسا بالجريمة محل تفتيش وبحثهم عن أدلتها في أماكن يستحيل تصور وجودها فيها
وخلاصة القول أن الأشياء التي تظهر عرضا، لا يخلو أمرها من أحد الفرضين:
أ- أشياء تعد حيازتها جريمة: يصح لضابط الشرطة القضائية المضي في الإجراءات بشأنها بناءا على حقه المخول له في أحوال التلبس بالجريمة كما هو المستفاد منه من نص المادتين 44 و 45 من قانون الإجراءات الجزائية أي أن هذه الحالة وكأنها حالة التلبس ويكفي لاعتبارها كذلك أن تكون هناك عوامل خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة بصرف النظر عما سيسفر التحقيق بعد ذلك، والواقع أن المشرع الجزائري قد أخذ بالقاعدة السابقة وتطبيقا لذلك قضى بأن الأمر بالتفتيش لا يمنع البحث واكتشاف أشياء أخرى أو بضاعة مهربة .
وضبط الأشياء التي تعد حيازتها جريمة لا يحتاج إلى نص يقرره، فقيام حالة التلبس يجعل ضابط الشرطة القضائية من واجبه أن يضبط ما كشف عنه التفتيش عرضا .
ب- أشياء تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى: قد يسفر التفتيش عن أشياء تتعلق بجريمة أخرى غير تلك التي يباشر الإجراء للبحث عن حقيقتها، دون أن تعد حيازتها جريمة في حد ذاتها، ومثال ذلك أشياء استعملت في ارتكاب جريمة أخرى أو تعتبر دلائل تفيد التحقيق الذي يجري فيها، والأصل أنه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية ضبط هذه الأشياء مادامت لا تتصل بالجريمة الجاري التفتيش بشأنها، ومادامت حيازتها لا تعد جريمة، إذ لا تتوفر حالة التلبس في هذا الفرض، فإذا أراد ضابط الشرطة القضائية ضبط هذه الأشياء عليه أن يلجأ لقاضي التحقيق ليصدر إذن مستقل يخول له ضبطها وهو ما قد ينجم عليه العبث بها أو إخفائها مما يضر بمصلحة العدالة ، وفي هذا الإطار نجد أن المشرع الجزائري لم يتطرق لهذه النقطة بينما المشرع المصري في الفقرة الثانية من المادة 50 من قانون الإجراءات الجنائية المصري أجاز ضبط الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة في جريمة أخرى غير تلك التي استلزمت إجراء التفتيش.

الفرع الثاني: إجراءات ضبط الأشياء المنقولة
نظم قانون الإجراءات الجزائية إجراءات الضبط، فأوجب مراعاة قواعد شكلية معينة لضمان التعرف على الأشياء المضبوطة ، والتأكد من سلامة الأدلة الناجمة عن الضبط، وقد نص على ذلك في المواد 42، 45، 84 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، وهذا فيما يخص الضبط الذي يمارسه ضابط الشرطة القضائية، والمادة 84 وإن جاءت في التحقيق الابتدائي إلا أنه لا مانع من تطبيقها على الأشياء المضبوطة من طرف رجال الضبطية القضائية لكونها حاملة لقواعد تنظيمية لا يترتب على مخالفتها أي بطلان لأنها ليست جوهرية .
ويمكن القول أن القواعد المتعلقة بضبط المنقولات هي قواعد واحدة سواء أكانت هذه المضبوطات موجودة مع المتهم أثناء تفتيشه بناءا على حالة التلبس أم موجودة في مسكنه أثناء تفتيشه بناءا على انتداب من قاضي التحقيق.
وبناءا على ما سبق ذكره تتمثل إجراءات ضبط الأشياء المنقولة فيما يلي:


أولا: عرض الأشياء المضبوطة
تنص المادة 42 في فقرتها الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية " وأن يعرض الأشياء المضبوطة على الأشخاص المشتبه في مساهمتهم في الجناية للتعرف عليها"
وفي البداية لابد من الإشارة إلى أن مجال تطبيق الفقرة الثالثة من المادة 42 يقتصر على حالة ضبط الأشياء بمعرفة ضابط الشرطة القضائية أثناء تفتيشه للمتهم أو مسكنه بناءا على حالة التلبس أو بناء على انتداب من قاضي التحقيق على أساس المادة 139 من قانون الإجراءات الجزائية.
ولقد استلزمت المادة السابقة عرض الأشياء المضبوطة على المتهم وذلك لإبداء ملاحظات، أي أن يتم تقديم ما ضبط من المتهم شيء بشيء ليبدي ماله من الملاحظات على هذه الأشياء، فيما يقتصر دور ضابط الشرطة القضائية في هذه الحالة على مجرد تلقي ملاحظات المتهم على الأشياء المضبوطة دون أن يناقشه فيما يدلي به من ملاحظات، وإلا عد ذلك استجوابا وهو أمر محظور على ضابط الشرطة القضائية.
وينصح البعض بأن يقدم القائم بالتفتيش الأشياء المضبوطة إلى الشخص الذي ضبطت لديه ويسأله عما إذا كانت له صلة بهذه الأشياء، وسند وتاريخ حيازتها وأوجه استعماله لها ويناقش في شأن وجودها في المكان الذي عثر عليها فيه، ثم يتحقق بقدر الامكان من صحة هذه البيانات التي يجب إثباتها في المحضر، والعلة من هذا الإجراء هو التعرف على الأشياء المضبوطة، وضمان صحة الدليل المستمد منها
ولا يقتصر عرض المضبوطات من طرف ضابط الشرطة القضائية على المشتبه فيه فقط بل يتعين عرضها على وكيله أيضا، وهذا رغم أن المادة 42 السابقة لم تنص على ذلك، إلا أن المادة 84 في فقرتها الثالثة و الرابعة التي منعت فتح الإحراز والوثائق إلا بحضور المتهم مصحوبا بمحاميه أو بعد استدعائها قانونا.
ورغبة من المشرع الجزائري ألا يكون التفتيش و الضبط سببين للأضرار بالمتهم فقد نصت المادة 84 في فقرتها الثالثة على أنه " يجوز لمن يعنيهم الأمر الحصول على نفقتهم و في اقصر وقت على نسخة أو صورة فوتوغرافية لهذه الوثائق التي بقيت مضبوطة إذا لم تحل دون ذلك مقتضيات التحقيق"
ثانيا: تحريز الأشياء المضبوطة
حددت المادة 45 إ ج في فترتها الرابعة قواعد تحرير المضبوطات على أن " تغلق الأشياء أو المستندات المحجوزة ويختم عليها ، إذا أمكن ذلك فإذا تقررت الكتابة عليها فإنها توضع في وعاء أو كيس يضع عليه ضابط الشرطة القضائية شريطا من الورق ويختم عليه بختمه"
و الملاحظ في هذه المادة إن الضبط يشتمل الأشياء و المستندات، وبالنسبة للأشياء فقد تكون إما ما استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عن ارتكابها أو ما وقعت عليه الجريمة أو أي شيء أخر يفيد في كشف الحقيقة.
وبالنسبة للمستندات يستوي أن تكون مغلقة أو مفتوحة، فالضبط يشمل كلا النوعين من المستندات.
وتغلق المضبوطات ويختم عليها، إذا أمكن ذلك، فإذا تعذرت الكتابة عليها فإنها توضع في حرز، ويقصد بالحرز أي غطاء خارجي يهدف إلى صيانة وحفظ الشيء المضبوط، فقد يكون ظرفا ورقيا إذا تعلق الأمر بضبط المستندات، وقد يكون زجاجيا إذا تعلقت الأمر ببقايا مشروبات موجودة في كاس تناوله المجني عليه مما أدى إلى وفاته بالتسمم ، كما يجب أن يكون الحرز مغلوق بإحكام.
ويضع عليه ضابط الشرطة القضائية شريطا من الورق ويختم عليه بختمه، وقد ألزم المشرع الجزائري ضابط الشرطة القضائية أن يختم الحرز بختمه.
وليس هناك ما يمنع المتهم من وضع خاتمه إلى جانب ختم ضابط الشرطة القضائية متى طلب ذلك ، إذ أن هذا قد يكون مبعثا للاطمئنان بالنسبة للمتهم بعدم حصول عبث بالمضبوطات على أن يرسل ختم المتهم للنيابة العامة حتى لا يدعي فيما بعد بأنه لم يضع خاتمه على الإحراز .
والهدف من هذا الإجراء هو منع العبث بالأشياء المضبوطة أو احتمال تغييرها بعضها أو كلها و الأصل أن يتم جرد الأشياء و المستندات المضبوطة في مكان الضبط وهذا بدليل الفقرة الثانية من المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية وهذا في حالات ندب ضابط الشرطة القضائية للقيام بالتفتيش، غير أنه إذا كان تنفيذ ذلك من شان أن يثير بعض الصعوبات، فيمكن الاكتفاء بوضع المضبوطات في إحراز مؤقتة أو في حقيبة مغلقة حتى تتاح الفرصة بجردها فيما بعد ووضعها في إحراز نهائية.
ويجيز المشرع الجزائري لقاضي التحقيق أن يأمر بإيداع ما يضبط من نقود أو سبائك ذهبية وأوراق تجارية أو أوراق ذات قيمة مالية وتكون لازمة لكشف الحقيقة أو لحفظ حقوق الأطراف في الخزينة العمومية وذلك وفقا لما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية.
ثالثا: فض الأختام
أوجبت المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية عدم فتح الإحراز والوثائق إلا بحضور المتهم مصحوبا بمحاميه كما يستدعي أيضا من ضبطت عنده هذه الأشياء لحضور هذا الإجراء.
فالقانون يوجب حضور المتهم مصحوبا بمحاميه، ولا يصح فتح الإحراز في غياب المتهم أو محاميه فلابد من حضورهما معا حتى تفتح الإحراز.
أما المقصود بمن ضبطت عنده الأشياء فهو قد يكون الشخص الذي وجد في مسكن المتهم أثناء تفتيشه بمعرفة ضابط الشرطة القضائية بناءا على إذن تفتيشه، وذلك متى قامت قرائن قوية أثناء تفتيش مسكن المتهم، على أن هذا الشخص الموجود فيه يخفي معه شيئا يفيد في كشف الحقيقة، كما أن المقصود به صاحب المكان الذي به أثار تفيد في كشف الحقيقة إذا كان الشخص غير المتهم ووضعت الأختام على مكانه بسبب ارتكاب الجريمة فيه.
ويلاحظ أن المشرع الجزائري قد نص على حضور المتهم ومحاميه ومن ضبطت عنده هذه الأشياء عند فتح الإحراز والوثائق المضبوطة، ولكن ما هو الحكم لو أن وضع الأختام تم بمعرفة ضابط الشرطة القضائية بناء على ندبه للضبط من جانب قاضي التحقيق وبخاصة أن المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية واردة في إطار القسم الثالث الخاص بالانتقال و التفتيش و الضبط، بمعرفة قاضي التحقيق، فهل يجوز لضابط الشرطة القضائية المندوب فض هذه الأختام و التقيد بأحكام المادة 84 الفقرة (03) من قانون الإجراءات الجزائية أم لا يتعين عليه ذلك.
ذهب الرأي الغالب فقها إلى أن المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية و إن جاءت في التحقيق الابتدائي إلا أنه لا مانع من تطبيقها على ضبط الأشياء الحاصل من رجال الضبطية القضائية لكون المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية حاملة لقواعد تنظيمية لا يترتب على مخالفتها أي بطلان لكونها ليست جوهرية . وفي اعتقادنا أن المشرع الجزائري قد نص في المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية فقرة الثالثة على أن تفض الاختام بحضور المتهم ومحاميه معا أو بعد دعوتهما إلى الحضور وكذلك من ضبطت لديه الأشياء ،وذلك إذا كانت هذه الأختام قد وضعت بمعرفة ضابط الشرطة القضائية بناء على انتداب من قاضي التحقيق.
أما إذا كانت الأختام موضوعة بناء على ضبط ناتج عن تفتيش مستند إلى حالة تلبس وفقا للمادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية أو في إطار التحقيق الإبتدائي بناء على المادة 64 من قانون الإجراءات الجزائية فيتعين فض الأختام بحضور الأشخاص الذين عاونوا في إجراء التفتيش و المنصوص عليهم في المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية و هم الشاهدين اللذين قام ضابط الشرطة باختيارهم لحضور التفتيش نظرا لعدم حضور المتهم أو نائبه.


الفرع الثالث: ضبط العقار
قد يبدو لضابط الشرطة القضائية القائم بالتفتيش أن الجريمة قد تركت أثار بمكان ما أو تركت فيه أشياء تفيد التحقيق، ويقتضي الكشف عنها و التعرف على حقيقتها الاستعانة بالخبراء مثل بقع الدم الموجودة على أرضية المسكن أو بحيطان الغرفة أو بصمة أصابع للمشتبه فيه موجودة على زجاج النافذة، وعندئذ تبدو المحافظة على العقار الذي به هذه الآثار أمرا ضروريا لكشف الحقيقة فيتم ضبط العقار لمصلحة التحقيق.
وضبط العقار يكون بوضع الأختام على ألاماكن وغلقها وإقامة حراس عليها وهذا لمواجهة أثار الجريمة في محل الواقعة التي لا يمكن نقلها .
ووضع الأختام وتعيين الحراس على المكان هو رخصة لضابط الشرطة القضائية، وليس واجبا عليه ، فله أن يقدر ما إذا كانت توجد الآثار من عدمها ، وفي حالة وجودها فهون ليس ملزما بوضع الأختام وتعيين الحراس إلا إذا قدر أهميتها في ذلك.
والتحفظ على العقار أو ضبطه لا يستمر في الغالب مدة طويلة، ولا يكون إلا إذا بد له ضرورة، لأنه يحرم حائز العقار من الانتفاع به مع ما قد يواجه في ذلك من عناء.
والتحفظ على هذا النحو يباشره ضابط الشرطة القضائية في حالة الاستعجال التي لا يكون بالوسع فيها اللجوء إلى سلطة التحقيق قبل اتخاذ الأجراء.
والواقع أن القانون الجزائري لم ينص على قواعد خاصة لضبط العقار وأيضا تشريعات دول عربية أخرى مثل سوريا، الأردن، تونس، الكويت، لبنان و المغرب، بينما نجد أن المشرع المصري في المادتين 53 و 54 من قانون الإجراءات الجنائية المصرية قد نظم مسالة ضبط العقار حيث نصت المادة 53 من نفس القانون " لمأموري الضبط القضائي أن يضعوا الأختام على الأماكن التي بها أثار أو أشياء تفيد في كشف الحقيقة ولهم أن يضعوا ختما عليها، ويجب عليهم أخطار النيابة العامة بذلك في الحال وعلى النيابة إذا ما رأت ضرورة لهذا الإجراء أن ترفع الأمر إلى القاضي الجزائي لإقراره"
وإذا كانت هذه المسالة قد نظمها المشرع المصري في قانون الإجراءات الجنائية مما يجعل تطبيقها في مصر يكون وفق نص قانوني صريح، إلا أن هذا لا يمنع الأجهزة القضائية للدول التي ليس لها نص قانوني ينظم هذه المسالة كالجزائر مثلا من إمكانية ضبط العقار بالوسائل التي تتفق مع طبيعتها ومتى اقتضت حالة الاستعجال ذلك.

المطلب الثاني: ضبط المراسلات
إن احترام الحريات العامة يقتضي تخويل الناس حق الاحتفاظ بسرية مراسلاتهم أيا كان نوعها، وعلى هذا الأساس فقد نصت المادة 39 من الدستور الجزائري الحالي على أن " سرية المراسلات والاتصالات الخاصة بكل أشكالها مضمونة.
ويقصد بالمراسلات جميع الخطابات المكتوبة ارسلت بطريق البريد أو بواسطة رسول خاص وكذلك المطبوعات و الطرود و البرقيات التي توجد لدى مكاتب البريد أو البرق، و يستوي أن تكون الرسالة داخل ظرف مغلق أو مفتوح، كما تعد من قبيل المراسلات المكالمات الهاتفية التي خلالها يستطيع الشخص التعبير عما يجيش في نفسه إلى الغير.
والمراسلات بهذا المفهوم تعد عنصرا من عناصر الحق في حرمة الحياة الخاصة، بل هي من أهم عناصر هذا الحق في الدستور الجزائري، ذلك لان الرسائل أيا كان نوعها ما هي إلا ترجمة مادية لأفكار شخصية و أراء خاصة لا يجوز لغير مصدرها و من توجه إليه الإطلاع عليها، فهي غالبا ما تكون مستودعا لخصوصيات الإنسان.
ولا ريب أن التدخل الخفي يهدد الحياة الخاصة لأنه يتم من خلال العديد من الوسائل التي شهدها التقدم العلمي و التقني السبب الرئيسي في كثرتها، فقد يتم التصنت على مكالمات الشخص و تسجيلها ومراقبة مكاتباته دون علمه، وكذلك تصوير كافة ما يحرص الشخص على إخفاءه وهذا ما يشكل تهديدا كبيرا على حياة الفرد الخاصة، إذ أصبح من الممكن تتبع الشخص في كافة تحركاته و بقدر ما يمثل هذا التقدم العلمي من خطرا على حياة الإنسان الخاصة إلا أنه يسهل إلى حد كبير معرفة حقيقة الجرائم و الكشف عنها، وبالتالي يصبح من الضرورة و لمصلحة امن المجتمع ومكافحة الجريمة المساس بهذه الخصوصية.
ومن هذا المنطلق فان ضبط المراسلات في هذا الإطار يكون إما من خلال ضبط الرسائل و هذا ما سنتطرق له في الفرع الأول من هذا المطلب، و إما يكون من خلال مراقبة المحادثات الهاتفية وهذا موضوع الفرع الثاني.

الفرع الأول ضبط الرسائل
إن الحقوق الواردة على الرسالة بمقتضى حرمة المراسلات المقررة بالنص الدستوري السابق ذكره، لا يجيز لغير مصدرها و من توجه إليه الإطلاع على سريتها بغض النظر عن مضمونها، حتى لو كان هذا المضمون لا يتعلق بالحياة الخاصة للمراسل أو المرسل إليه، ومن باب أولى لا يجوز إفشاء محتوياتها بأي شكل من الأشكال.
وتعرف الرسائل بأنه حديث مكتوب بين شخصين تتولى نقله هيئة البريد، فينطوي تحت مفهوم الرسائل، الخطابات و المطبوعات والبرقيات التي توجد لدى مكتب البريد .
وإذا كان المشرع المصري في قانون الإجراءات الجنائية المصري قد اخضع ضبط الرسائل بكل أنواعها لأحكام خاصة، في حين نجد أن المشرع الجزائري و من خلال قانون الإجراءات الجزائية جاء خاليا من أي نص حول ضبط الرسائل عندما تكون في دوائر البريد.
فقد نصت المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية المصري على أن " لقاضي التحقيق أن يأمر بضبط جميع الخطابات و الرسائل و المطبوعات و الطرود لدى مكاتب البريد و جميع البرقيات لدى مكاتب البرق..... متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة اشهر، وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الضبط أو الإطلاع أو الرقابة أو التسجيل بناءا على أمر مسبب ولمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة.
ومن خلال هذه المادة نجد أن المشرع المصري قد وضع شروط لا بد من توافرها حتى يتم اللجوء إلى ضبط الرسائل بكل أنواعها لدى مكاتب البريد ، وهي أن يكون لهذا الأجراء فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة والا تزيد مدة الإذن عن ثلاثين يوما قابلة للتجديد ، وان يكون الأمر باتخاذ هذه الإجراءات مسبب من طرف قاضي التحقيق
والواقع أن هذه الشروط تعتبر ضمانات مخولة قانونا عند ضبط الرسائل وتفتيشها.
وفي الجزائر وفي ظل انعدام وجود أي نص أجرائي في قانون الإجراءات الجزائية يعالج هذه المسائل، نجد انه من الجانب الفقهي بشان مسالة ضبط الرسائل وجود اتجاهين أساسيين هما.
الاتجاه الأول:
يتزعمه الدكتور رمضان زرقين و الذي يجيز إجراء ضبط المراسلات إلا في إطار التطبيقات القضائية وكذلك يرى الدكتور أحسن بوسقيعةأنه يجوز لقاضي التحقيق حجز المراسلات التي يتلقاها المتهم أو تصدر عنه ما لم تكن موجهة إلى محاميه أو صادرة عنه .
وهذا الرأي لا يأخذ بمبدأ حرمة المراسلات على إطلاقها بل يجيز ضبطها في إطار التحقيق القضائي دون الإخلال بحقوق الدفاع.

الاتجاه الثاني:
يتزعمه الأستاذ عبد الحميد عمارة عندما يرى أن المشرع الجزائري أحاط سرية المراسلات بعناية خاصة، حيث لم يجز إفشاءها، ورتب عليها عقابا جزائيا طبقا للمواد 46 و 85 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية .
ونحن من جانبنا نتفق مع كلا الاتجاهين معا، فإذا كان الاتجاه الأول يجيز ضبط الرسائل في إطار التحقيق القضائي باعتبار انه يجوز ضبطها بعد خروجها من مكتب البريد ووجودها داخل مسكن المتهم، و الرسائل نوع من الأوراق تنطبق عليها قواعد ضبط الأوراق المنصوص عليها في المواد 44 و ما يليها إ ج وذلك في إطار حالات التلبس، بينما في حالة الإنابة القضائية فانه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية المأذون له بالتفتيش ضبط مراسلات المتهم ما دام أن المادة 84 من قانون الإجراءات الجزائية لم تصرح بالأوراق الجائز ضبطها، أما الاتجاه الثاني المؤيد لحرمة المراسلات مادام المشرع الجزائري لم ينظم بنصوص خاصة إمكانية ضبط الرسائل و البرقيات لدى مكتب البريد من قبل الضبطية القضائية المأذون لها بالضبط.
ومن هذا المنطلق فان قاضي التحقيق يجوز له ضبط الرسائل بعد خروجها من مكاتب البريد ومن ثم ليس هناك ما يمنعه من ضبطها لدى تلك المكاتب قبل وصولها إلى المتهم ، وهذا استنادا إلى عموم نص المادة 81 إ ج التي أجازت لقاضي التحقيق أن يباشر التفتيش في جميع ألاماكن التي يمكن العثور فيها على أشياء يكون كشفها مفيدا لإظهار الحقيقة ، كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري وفي تعديل 20/12/2006 المتعلق بقانون الإجراءات الجزائية قد نص على جواز اعتراض المراسلات التي تتم بالطرقة السلكية واللاسلكية ولم يتطرق لاعتراض الرسائل وكان عليه أن يحذو حذو المشرع المصري وينص على قواعد قانونية إجرائية في قانون الإجراءات الجزائية تنظم اعتراض وضبط الرسائل كما هو الحال في تعديل 2006 أين سمح المشرع بالمراقبة الخاصة بالمراسلات السلكية واللاسلكية للمتهم عند اقتضاء الضرورة وهذا ما سنتطرق إليه في الفرع الثاني.

الفرع الثاني: مراقبة المحادثات الهاتفية
الاتصالات الهاتفية ميزة من معطيات التقدم العصري، وتؤدي وظيفتها الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية، بالسرعة التي أزالت الأبعاد ، ووفرت الأوقات وسهلت أسباب الاتصال دون انتقال وبالإيجاز، فالاتصالات الهاتفية سلكية أو لاسلكية نعمة للإنسانية في تسيير شؤون الحياة في أسرع وقت وبأدنى جهد، إلى جانب ما تتسم به في الأصل من طابع السرية. وقد استفاد أفراد المجتمع من التقدم الحضاري و التقني كل بما يحقق أغراضه، ومن هنا كان من الطبيعي أن تستخدم الاتصالات السلكية واللاسلكية من طرف فئات المجرمين ومن هؤلاء من دأبوا على ارتكاب الجرائم المنظمة، وتجارة المخدرات أو تبيض الأموال أو الإرهاب أو الصرف،.... خاصة في ظل تطور أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية بوجود الهاتف النقال المتطور وكذا الانترنت حتى أنه أصبح للمجرمين وسائل اتصال متطورة ومتاحة لهم وفي متناولهم يمكنهم القيام بجرائمهم بواسطتها كما هو الحال بالنسبة للهاتف النقال أو شبكة الانترنت......
وهذا الخطر هو ما أدى إلى مراقبة المحادثات الهاتفية ودرءا لخطر الجريمة وملاحقة الجناة، مع أن الأصل هو أن للحياة الخاصة بالإنسان حرمتها، ولأسرار محادثاته حمايتها وهو ما قررته المادة 39 من الدستور الجزائري لسنة 1996.
ومما هو جدير بالذكر أن الاتجاه الحالي منصب على استعمال الوسائل العلمية الحديثة لمحاربة الجريمة، وذلك لتسهيل مهمة كشفها واثبات تعقب المجرمين للقبض عليهم.
وتهدف وسيلة المراقبة للمكالمة الهاتفية إلى جمع أدلة وقوع الجريمة أو نسبتها إلى مرتكبيها.
فإذا كان كل من المشرعين المصري و الفرنسي قد سبقا نظيرهما الجزائري في اعتماد نصوص قانونية تنظم كيفية مراقبة المكالمات الهاتفية فان المشرع الجزائري انتظر إلى غاية نهاية سنة 2006 وبالضبط في تعديل 20 ديسمبر 2006 وقام بإدراج مواد في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري تعالج مسالة ضبط المراسلات السلكية واللاسلكية و التي من بينها المكالمات الهاتفية ولكن اشترط ان يكون هذا الإجراء خاص بجرائم دون أخرى وكذا وفق شروط معينة وهذا ما سنتطرق إليه بالتفصيل.
أولا: الجرائم التي يجوز استعمال هذا الإجراء فيها
نصت المادة 65 مكرر 5 المستحدثة بالقانون رقم 06/22 المؤرخ في 20/12/2006 و المتعلق بتعديل قانون الإجراءات الجزائية على انه ' إذا اقتضت ضرورة التحري في الجريمة المتلبس بها أو التحقيق الابتدائي في جرائم المخدرات، أو الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات أو جرائم تبيض الأموال أو الإرهاب أو الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف وكذا جرائم الفساد........اعتراض المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية ....
من خلال نص المادة 65 مكرر 5 إ ج يتضح أن المشرع قد حصر استعمال طريقة اعتراض المراسلات السلكية و اللاسلكية التي من بينها المكالمات الهاتفية في جرائم محددة على سبيل الحصر وهذا نظرا لخطورة هذه الجرائم وما تشكله من خطر على الأمن والاستقرار الوطنيين سواء من الجانب الأمني أو الاقتصادي وهذه الجرائم هي :
- الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية .
- الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات .
- جرائم تبيض الأموال .
- جرائم الإرهاب.
- جرائم الفساد .
- الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف.
ثانيا : الجهة المختصة بإصدار الأمر بالمراقبة
تنص المادة65 مكرر 5 على انه " إذا اقتضت ضرورات التحري..... يجوز لوكيل الجمهورية المختص أن يأذن بما يلي :
- اعتراض المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية.
- وضع الترتيبات التقنية دون موافقة المعنيين من اجل النقاط وتثبيت وبث وتسجيل الكلام المتفوه به بصفة خاصة ......." كما نصت نفس المادة في فقرتها الأخيرة على انه " في حالة فتح تحقيق قضائي تتم العمليات المذكورة بناء على إذن من قاضي التحقيق وتحت مراقبته المباشرة "
من خلال نص المادة 65 مكرر 05 يتضح أن القانون حدد جهتين قضائيتين لهما الحق في إصدار الأمر بالمراقبة للمكالمات الهاتفية هاتان الجهتان هما.
أ- وكيل الجمهورية المختص: في حالة التحري في الجريمة المتلبس بها أو التحقيق الابتدائي في الجرائم السالفة الذكر، وتتم العمليات تحت إشرافه وبإذنه.
ب- قاضي التحقيق: في حالة فتح تحقيق قضائي في الجرائم السابقة وان اقتضت الضرورة مراقبة المكالمات الهاتفية للمتهمين وكل العمليات المذكورة في المادة 65 مكرر 05 بناءا على إذن منه وتحت مراقبته المباشرة.
ثالثا: إجراءاتها وشروطها
أن يتضمن الإذن كل العناصر التي تسمح بالتعرف على الاتصالات المطلوب التقاطها و ألاماكن المقصودة، والجريمة التي تبرر اللجوء إلى هذه التدابير ومدتها، وهذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 07/01 من قانون الإجراءات الجزائية.
- أن يسلم الإذن مكتوبا لمدة أقصاها أربعة (04) أشهر قابلة للتجديد حسب مقتضيات التحري او التحقيق، وهذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 07 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية
- يجوز لكل من وكيل الجمهورية أو الضابط الذي أذن له أو قاضي التحقيق أو الضابط الذي ينيبه أن يسخر كل عون مؤهل لدى مصلحة أو وحدة أو هيئة عمومية أو خاصة مكلفة بالمراسلات السلكية واللاسلكية للتكفل بالجوانب التقنية للعملية وهذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 08 من قانون الإجراءات الجزائية.
- يحرر ضابط الشرطة القضائية المأذون له أو المناب من طرف قاضي التحقيق محضرا عن كل عملية اعتراض وتسجيل المكالمات وهذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 09 من قانون الإجراءات الجزائية ويذكر بالمحضر تاريخ وساعة بداية العمليات و الانتهاء منها.
- ينسخ ضابط الشرطة القضائية المكالمات المسجلة والمفيدة في إظهار الحقيقة في محضر يودع بالملف، كما تنسخ وتترجم المكالمات التي تتم باللغات الأجنبية بمساعدة مترجم وهذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 10.
- وخلاصة القول في هذا الإطار أن المشرع وفي ظل التطورات الاقتصادية و السياسية التي شهدتها الجزائر في الآونة الأخيرة ونظرا للخطر الذي يهدد الأمن و الاقتصاد الوطنيين وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل و الذي يستعمله المجرمون في الوصول إلى أهدافهم الإجرامية فقد نص المشرع الجزائري في التعديل الأخير على ضبط المراسلات السلكية واللاسلكية التي من بينها المكالمات الهاتفية كما أحاط هذا الإجراء بعدة شروط وإجراءات لابد من احترامها حتى يعتد بما ستسفر عنه هذه العمليات كدليل من اجل الوصول إلى الحقيقة أو كشف معالم
- الجريمة، وحسن ما فعل المشرع في هذا الإطار، و كان عليه أن ينص كذلك على إجراءات ضبط الرسائل واعتراضها.

المطلب الثالث : التصرف في الأشياء المضبوطة
حين منح المشرع الجزائري لضابط الشرطة القضائية سلطة التفتيش بناءا على إذن قضائي جعل لذلك هدفا كما سبق وان ذكرنا وهو ضبط الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة عن الجريمة التي اتخذ الإجراء بسببها.
وضبط الأشياء يعني وضعها تحت يد السلطة القضائية لحين انتهاء الإجراءات في الدعوى العمومية. وقد بين المشرع الجزائري السبيل الذي تنتهي به الإجراءات في الدعوى الجزائية وذلك إما من خلال إصدار أمر ألا وجه للمتابعة أو من خلال الحكم في موضوعها، ومتى انتهت الإجراءات في الدعوى العمومية بإحدى الطرق السالفة الذكر، فان هذا يقضي أيضا بيان مآل المضبوطات وان كان ذلك لا يحول دون بيان مآلها قبل انتهاء الإجراءات في الدعوى العمومية .
ولا يخرج مآل الأشياء المضبوطة عن احد الأمرين هما الرد و المصادرة لذلك ستكون دراستنا لهذا المطلب في فرعين أساسيين : في الفرع الأول نتطرق لإعادة الأشياء المضبوطة و الفرع الثاني نتطرق لمصادرة الأشياء المضبوطة وهذا دون ان ننسى التطرق إلى الجهة القضائية المتخصصة في هذا الإطار.

الفرع الأول : رد الأشياء المضبوطة
نصت المادة 86 إ ج في فقرتها الأولى" يجوز للمتهم و المدعي المدني ولكل شخص أخر يدعي ان له حق على شيء موضوع تحت سلطة القضاء أن يطلب استرداده من قاضي التحقيق ويبلغ الطلب المقدم من المتهم أو المدعي المدني للنيابة كما يبلغ إلى كل من الخصوم الآخرين ويبلغ الطلب المقدم من الغير إلى النيابة وللمتهم ولكل خصم أخر"
ولذلك أجاز المشرع الجزائري لكل من له الحق على الأشياء أو الوثائق أو المستندات المضبوطة أن يطلب استردادها من يد السلطة القضائية.
والأمر بالرد لا يخرج عن كونه إنهاء للضبط من خلال رد الشيء إلى أصله، ومن ثم فهو إجراء الغرض منه رد الأشياء المضبوطة إلى من كانت في حيازته وقت ضبطها، وبالتالي فهو إعادة الحال إلى ما كانت عليه وقت الضبط.
والعلة من الرد هي أنه لم يعد يوجد مبرر للاحتفاظ بالأشياء المضبوطة بعد أن أدت دورها في إظهار الحقيقة في الجريمة التي ضبطت فيها هذه الأشياء بناءا على ارتكابها أو أتضح انعدام فائدتها في كشف الحقيقة في هذه الجريمة ولو كانت لها فائدة في كشف الحقيقة في جريمة أخرى .
أولا: ما ينصب عليه الرد
الأصل أن الرد ينصرف إلى الأشياء المضبوطة كافة، ولكن يستثني من ذلك الأشياء التي تعتبر حيازتها جريمة مثل المخدرات فهذه لا يمكن ردها، كذلك لا يشمل الرد المضبوطات التي تعد حيازتها مشروعة من حيث الأصل إلا أن حيازتها وقت ضبطها لم تكن مشروعة لعدم توافر الشروط القانونية المطلوبة لمشروعية هذه الحيازة مثل عدم الحصول على ترخيص بالحيازة بالنسبة للأشياء التي يتطلب القانون لها ذلك كحيازة الأسلحة و الذخائر .
ثانيا الجهة المختصة برد الشيء المضبوط
أعطى المشرع الجزائري الحق في رد الأشياء المضبوط في حالة توافر الشروط المقررة لقاضي التحقيق، لذلك تنص المادة 86 إ ج في فقرتها الأولى " يجوز للمتهم و للمدعي المدني ولكل شخص أخر يدعي أن له الحق على شيء موضوع تحت سلطة القضاء أن يطلب استرداده من قاضي التحقيق".










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 11:15   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الثاني

وعليه يبت قاضي التحقيق في طلب الاسترداد مع مراعاة ما يستوجبه القانون في شان عدم لزوم الشيء المضبوط لمصلحة العدالة، والتيقن من أنه ليس محلا للمصادرة فان قاضي التحقيق يأمر برد الشيء المضبوط إلى صاحب الحق فيه.
ويمكن التظلم ضد قرار قاضي التحقيق أمام غرفة الاتهام خلال 10 أيام من تبليغ قرار قاضي التحقيق الخصم المتظلم، ويتم التظلم بواسطة عريضة تودع لدى غرفة الاتهام.
بالإضافة إلى قاضي التحقيق كسلطة مختصة في رد الأشياء المضبوطة فان الاختصاص بالبت في رد الأشياء و المستندات أو الوثائق و الأوراق المضبوطة يتنقل من اختصاص قاضي التحقيق إلى جهة أخرى على النحو التالي .
أ- النيابة العامة: ممثلة في وكيل الجمهورية إذا كان قاضي التحقيق قد تصرف في القضية بان أصدر أمر بالأوجه للمتابعة دون أن يقضي برد الأشياء، وهذا ما نصت عليه المادة 87 إ ج " إذا أصدر قاضي التحقيق قرارا بالأوجه للمتابعة ولم يبت في طلب رد الأشياء ا لمضبوطة فان سلطة البت في ذلك تكون لوكيل الجمهورية".
ب- جهة الحكم: إذا أحيلت إليها القضية تعتبر مختصة بالبت في مسالة رد الأشياء، حيث يتوجب عليها البت في طلب الاسترداد المقدم من المتهم أو المدعي المدني أو المسؤول عن الحقوق المدنية، ولا يجوز لها أن تقضي بالمصادرة ما لم تقضي في طلب الاسترداد بالرفض أو القبول
تجدر الإشارة أن ضابط الشرطة القضائية لا يملك أي سلطة تتعلق برد الأشياء المضبوطة وهذا ما سار عليه القانون الجزائري، وبالتالي فاختصاص رد الأشياء ينعقد إما لقاضي التحقيق أو النيابة العامة أو حتى محكمة الموضوع وهذا حسب الأحوال السابق ذكرها.
ثالثا: من يحق له تسلم المضبوطات في حالة الإعادة
الأصل أن يمكن الرد إلى من كانت في حيازته الأشياء المضبوطة وقت الضبط أما إذا كانت المضبوطات من الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو تحصلت منها فإن ردها يكون لمن كانت له حيازتها كالأموال المسروقة فإنها تعاد للمجني عليه.
وبذلك فقد أنصف المشرع الجزائري الشخص الذي يطالب باسترداد الشيء المضبوط والذي كان في حيازته وقت الضبط ولو لم يكن هو مالكه، وهذا ما نصت عليه المادة 86 إج في فقرتها الأولى التي نظمت قواعد رد الأشياء المضبوطة وهي التي تجيز للمتهم وللمدعي بالحقوق المدنية ولأي شخص آخر له الحق على الأشياء المضبوطة أن يطلب استردادها.
أما إذا كانت الأشياء المضبوطة من الأشياء التي وقعت عليها الجريمة أو التي تحصلت منها، فيكون الرد للمجني عليه بناءا على طلبه عند توافر الشروط الآتية.
ـ أن يكون الشيء موضوعا للجريمة .
ـ أن يكون فقد حيازته للشيء بسبب الجريمة .
ـ ألا يكون لمن ضبطت المضبوطات لديه الحق في حبسها.

الفرع الثاني: مصادرة الأشياء المضبوطة
لقد نصت المادة 25 من قانون العقوبات الجزائري على أن " يجوز أن يؤمر بمصادرة الأشياء المضبوطة كتدبير من تدابير الأمن إذا كانت صناعتها أو استعمالها أو حملها أو حيازتها أو بيعها يعتبر جريمة، ومع ذلك يجوز الأمر بردها لصالح الغير حسن النية ، ونص هذه المادة قبل إلغائها بقانون رقم 06 ـ 23 المؤرخ في 20/12/2006 تكفل بتعريف المصادرة بصفتها عقوبة تكميلية، ومن خلالها يمكن تعريف المصادرة بأنها إجراء يؤدي إلى نزع ملكية المال جبرا وإضافته إلى خزينة الدولة ، كما تجدر الملاحظة أن جهات الحكم التي أحليت إليها القضية لا يجوز لها أن تقضي بإجراء مصادرة للأشياء المضبوطة مالم تقضي في طلب الاسترداد المقدم من المدعي أو المتهم أو الغير بالرفض أو القبول وهذا ما أكدته الغرفة الجزائية بالمحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 23 فبراير 1993 .
والمصادرة قد تكون عامة تندرج في ضمن العقوبات التكميلية، وتتمثل في وضع الدولة يدها على بيع أموال المحكوم عليه وبيعها بواسطة مصلحة الدومين، وهي عقوبة جوازية للقاضي في بعض الجنايات المنصوص عليها في المادة 15 مكرر من قانون العقوبات قبل إلغائها بالقانون 06 ـ 23 المؤرخ في 20/12/2006 ولا يجوز الأمر بها في الجنح والمخالفات إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك.
وقد تكون المصادرة خاصة أين تنصب على شيء أو أشياء معينة بذاتها ، وهي إما أن تكون وجوبية وتعتبر تدبيرا أمنيا ، وإما أن تكون جوازية وتعتبر في هذه الحالة عقوبة تكميلية .
والمصادرة لا يجوز توقيعها إلا إذا نص المشرع صراحة على ذلك فإذا قضت محكمة الموضوع بتوقيع عقوبة المصادرة على الرغم من عدم وجود نص كان حكمها معيبا للخطأ في تطبيق القانون، كما أن عقوبة المصادرة لا توقع إلا ضد المتهم المحكوم عليه.
كما انه نجد أن بعض المواد نصت صراحة على المصادرة وهذا باعتبار أن الأشياء الواجب مصادرتها هي محل للجريمة أو موضوعا لها أو أدوات استعملت في ارتكابها ومن الأمثلة على هذا ما جاء في نص المادتين 165 و168 على وجوب مصادرة الأموال والأشياء المعروضة للمقامرة عليها وكذا المبالغ التي توجد في حيازة مروجي أوراق اليانصيب، وما جاءت به المادة 263 من قانون العقوبات في فقرتها الثالثة التي نصت على وجوب القضاء بمصادرة الأسلحة والأشياء والآلات التي استعملت في ارتكاب الجناية والمادة 456 من نفس القانون التي تأمر بمصادرة الأجهزة والأدوات والألبسة التي استعملها العراف في ممارسة مهنة العرافة.








المبحث الثاني: بطلان التفتيش

التفتيش وسيلة من وسائل الضبط لكل ما يفيد في كشف الحقيقة، ولكي يكون الضبط ينبغي أن يكون نتيجة التفتيش قانوني، أما إذا كان التفتيش غير قانوني لتخلف عنصر أو أكثر من عناصره فهو إجراء باطل، وبالتالي يفقد القدرة على إنتاج آثاره التي تنجم عندما يكون صحيحا.
ونظرا لآن التفتيش إجراء قانوني يترتب عليه إهدار لحريات الأفراد وانتهاك لحرمة أسرارهم ومراسلاتهم، فقد وضع المشرع الجزائري قواعد موضوعية وشكلية راعى فيها التوفيق بين الحرية الفردية وحماية حرمة الأشخاص ومسا كنهم من جهة، وبين المصلحة العامة في البحث عن الحقيقة والوصول إلى الغاية المرجوة والهدف المنشود من التفتيش من جهة أخرى، وأوجب على سلطة التحقيق وضابط الشرطة القضائية المأذون له بالتفتيش مراعاة هذه القواعد.
كما أن هناك قواعد يبررها القانون تصبح غير ذات قيمة ما لم يتقرر الجزاء على مخالفتها، ولذلك يحرص المشرع دائما على تأكيد جزاءات مختلفة تحيط بالمخالفات، وتضمن الفعالية والحرية، إيمانا منه بأن هذه القواعد هي ضمانات للحريات الفردية، وضرورية كذلك لتحقيق العدالة التي ينشدها المشرع.
وقد تكون الجزاءات المقررة " ايجابية تتمثل في عقاب جنائي أو إداري يصيب من يخالف القواعد الإجرائية عند تنفيذ الإذن بالتفتيش، وقد يكون في شكل جزاء " سلبي يتمثل في منع الإجراء الذي اتخذ بالمخالفة من ترتيب آثاره.
وما يهمنا في هذا الصدد هو الجزاء الإجرائي الذي يتمثل في بطلان الإجراء لمخالفته القانون. فالبطلان في هذا الإطار هو جزاء إجرائي يترتب على عدم توافر الشروط اللازمة لصحة الإجراء القانوني، وبعبارة أدق، هو الجزاء الذي يقع على إجراء معين، كليا أو جزئيا إما بسبب إغفال عنصر يتطلب القانون توافره في الإجراء، وإما أن الإجراء طبق أو نفذ بطريقة غير سليمة.
ولما كانت العبرة في المحاكمات الجزائية هي اقتناع القاضي بناءا على الأدلة المطروحة لديه، وبالمقابل فإنه يشترط لإدانة أي شخص في هذه المحاكمات وفق أدلة إدانة أن تكون هذه الأدلة مشروعة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبني القاضي الجزائي إدانته للمتهم بناءا على دليل باطل من الناحية القانونية، ولا يعني هذا أن البطلان لا يمكن الحكم به إلا إذا نص القانون صراحة عليه، بل قد يقع البطلان نتيجة مخالفة قاعدة معينة تعتبر غير جوهرية في مفهوم القانون ولو لم يقرر المشرع جزاء على مخالفتها، ثم إن أحكام البطلان تختلف من حيث ما إذا كان البطلان يتعلق بمصلحة الخصوم في الدعوى، أو يتعلق بالمصلحة العامة.
وعلى هذا الأساس ستكون دراسة هذا المبحث وفق ثلاثة مطالب أساسية نتطرق فيها إلى ما يلي:
ـ المطلب الأول: نتطرق فيه لمفهوم البطلان وتميزه عن الإجراءات المشابهة له.
ـ المطلب الثاني: نتطرق فيه لأسباب البطلان وطبيعته القانونية وأنواعه.
ـ المطلب الثالث: نتطرق فيه لأحكام الدفع بالبطلان.

المطلب الأول: ماهية البطلان
نظرية البطلان من أهم موضوعات الإجراءات الجزائية، لأنه موضوع عام يثار البحث فيه في كل قاعدة إجرائية، لكن أكثرها البطلان عند الكلام عن التفتيش، مما يترتب من أثر هام وهو انهيار الدليل المستمد منه، ولأن كثيرا ما يؤدي إلى ضبط جسم الجريمة.
وتكمن أهمية البطلان كجزاء إجرائي إلى عدة أسباب لعل أهمها.
ـ أن القاعدة الإجرائية شأنها في ذلك أي قاعدة قانونية تحتوي على شقين شق التكليف وشق الجزاء ، فالأول يرسم الطريق الواجب على الأجهزة القضائية أن تسلكه للوصول إلى الحقيقة في الجرائم التي تقع ويجري التحقيق فيها، أما الثاني فيتمثل في حرمان من باشر الإجراء المخالف للقانون من بلوغ الغاية التي يهدف إليها الإجراء فعنصر الجزاء هو الذي يؤدي إلى احترام القواعد الإجراءات الجزائية، وكفالة حقوق المتهمين وحياتهم الخاصة وخاصة عق الدفاع.
ولقد نظم قانون الإجراءات الجزائية الجزائري الشروط الواجبة عند التفتيش، ونص على البطلان كجزاء إجرائي واجب لتخلف هذه الشروط، وعند مخالفة قواعد التفتيش التي نص عليها قانون الإجراءات الجزائية لذلك نرى أن لزاما علينا أن ندرس في هذا المطلب مفهوم البطلان في فرع الأول، وتمييز البطلان عن الإجراءات المشابهة له في فرع ثاني.

الفرع الأول: مفهوم البطلان
البطلان هو العمل المخالف لقانون الإجراءات الجزائية، بمعنى انه يعد الإجراء الباطل كأن لم يكن، وبذلك لا يترتب عليه أي أثر قانوني، ولا شك أن في تقرير هذا الجزاء ما يحمل القائم على التفتيش بتنفيذ العمل الإجرائي على التزام أحكام القانون لأنه إذا ما خالفها فلن ينتج عمله المخالف الأثر الذي يريده.
ولقد تعددت التعريفات للبطلان فقد قيل أنه " جزاء لتخلف كل أو بعض لشروط صحة الإجراء القانوني ويترتب عليه عدم إنتاج الإجراء لآثاره .
وعرفه رأي آخر " جزاء إجرائي يرد على العمل الإجرائي فيهدر آثاره القانونية "
فالبطلان جزاء يترتب على مخالفة القاعدة الإجرائية يحول دون الاعتداد بالآثار القانونية عند مخالفتها، ولهذا فالإجراء يكون باطلا إما بسبب عدم توفره على العناصر اللازمة لصحته أو لأن من قام به لا يملك الصفة والاختصاص والسلطة القانونية لمباشرته، أو أن إجراء جوهريا قد تم إغفاله أو لم يتم القيام به حسب الشروط التي فرضها القانون أو أقرها القضاء . ومن المقرر في التشريعات الحديثة أن البطلان هو الوسيلة العملية اللازمة لتحقيق سلامة المعادلة وهيبتها في جميع مراحل الدعوى.
فالجزاء في البطلان إجرائي يختلف عن غيره من الجزاءات الأخرى لذا فهو أوّلاٌ جزاء موضوعي لا ينال من شخص من باشر الإجراء وإنما يرد على العمل الإجرائي. كما أن الجزاء الإجرائي يسلب من العمل الإجرائي آثاره القانونية على خلاف الجزاءات الأخرى التي تحتوي على العنصر الألم والتعويض.
ولكن هل يترتب البطلان على مخالفة أية قاعدة إجرائية، أم أنه لا بد أن تتوفر شروط معنية في هذه القاعدة؟
وهنا يرى بعض الفقهاء أن جميع القواعد التي نصت عليها الإجراءات الجزائية تعتبر ملزمة وواجبة الاحترام مهما كانت قيمتها، ويترتب على مخالفتها أو إغفالها البطلان.
وحسب الأستاذ أحمد الشافعي فإن هذا الرأي الفقهي لقي انتقادا شديدا لأنه أفرط في التقدير الخاص بالشكلية التي ينتج عنها تعطيل الفصل في الدعوى الجزائية، وتكديسا للقضايا لا فائدة منه ووسيلة يستعملها المتهم للإفلات من العقاب بالحكم عليه ،مما يؤثر سلبا على النظام الاجتماعي ويلحق ضررا بالمجتمع.
إلا أنه إذا كان من حق كل شخص أن يحاكم في أجل معقول فإن طول مدة الخصومة الجزائية ليس سببا لبطلان الحكم الصادر في القضية، ومن أجل السير العادي للدعوى الجزائية خلال جميع مراحلها، فقد جعل المشرع والقضاء الإخلال بالقواعد الإجرائية الهامة هو الذي يؤدي وحده إلى بطلان الإجراء المشوب بهذا النوع من العيب.

الفرع الثاني: تمييز البطلان عن الجزاءات الإجرائية المشابهة له.
يعتبر البطلان أهم جزاء إجرائي يمكن أن يلحق إجراء معين، لذا أولاه كل من المشرع والقضاء والفقه عناية متميزة وخصه بنصوص تنظمه وأحكام تحدد وتعين مجال تطبيقه وحالات ترتيبه، غير أن هذا لا يعني انتفاء وجود جزاءات أخرى تتشابه مع البطلان في ناحية وتختلف عنه في نواحي أخرى كالسقوط وعدم القبول والانعدام.
وتلحق هذه الجزاءات الدعوى الجزائية وتؤثر فيها وتحرمها من تحقيق الغاية المرجوة منها.
ورغم الجدل الفقهي الدائر حول مدى التقاء وتميز هذه الجزاءات الإجرائية عن البطلان، فإن نفس الإشكالية نلاحظها على مستوى القضاء وخاصة بالنسبة للانعدام الذي يعتبره البعض صورة من صور البطلان، إلا أنه لم يتم فعلا التطرق في الفصل فيما إذا كان الانعدام صورة من صور البطلان أم أنه جزء مستقل عنه له كيانه الخاص.
وإذا كان البطلان من أهم الجزاءات الإجرائية، تختلف عن غيره من الجزاءات ومن ثم فإنه من الضروري أن نميز بينه وبين سائر الجزاءات الإجرائية، فيتعين التمييز بين البطلان والانعدام والسقوط وعدم القبول.
أوّلا:التمييز بين البطلان والانعدام
الانعدام جزاء إجرائي ينتج عن إجراء معيب شأنه شأن البطلان، لكنه يختلف عنه في أن الانعدام يفترض عيبا أشد جسامة ممن يفترضه البطلان، فالانعدام جزاء للإجراء الذي يخالف القانون بصورة تفقده كل قيمته القانونية، فالإجراء المنعدم لا ينتج آثاره القانونية لأنه عمل غير موجود أصلا.
فالانعدام عيب جوهري هام، بلغ درجة قصوى، يصيب كيان ووجود الإجراء ذاته فيحرمه من التكوين والنشأة بحيث لا يكون له أي اعتبار .
وإذا كان المشرع الجزائري قد نص في قانون الإجراءات الجزائية على البطلان ونظم أحكامه وطرق إثارته والتمسك به والتنازل عنه والجهة المختصة بالفصل فيه، فإنه بالعكس تماما بالنسبة للانعدام، فلم ينص عليه إطلاقا.
تجدر الإشارة إلى أن الإجراء يكون منعدما إذا لم يكن قد اتخذ أم لم يتوفر له أحد العناصر اللازمة لوجوده بينما البطلان فيفترض توافر العناصر المكونة للإجراء مع تخلف شرط من الشروط الخاصة بصحته، فالإجراء المنعدم ليس له وجود فعلي ولا وجود قانوني.
ويترتب عن التمييز بين الانعدام والبطلان عدة نتائج أهمها.
1- أن الانعدام يترتب بقوة القانون ولا يحتاج لحكم قضائي بينما البطلان يتوقف على تنظيم المشرع له.
2- الانعدام لا يحتاج إلى تنظيم من المشرع بينما البطلان يتوقف على تنظيم المشرع له.
وفي إطار التفتيش الذي هو موضوع بحثنا هذا يلاحظ أن الراجح في الفكر القانوني هو استبعاد الانعدام والأخذ بنظرية البطلان جزاء لمخالفته عناصر التفتيش وهذا من خلال:
1- طبيعة التفتيش باعتباره إجراء تحقيق يخضع في نهاية الأمر إلى تقدير المحكمة، فلها أن تستمد منه الدليل متى كان صحيحا أو تستبعده متى كان باطلا وهذا معناه انه مهما كان التفتيش غير قانوني لتخلف احد شروطه فانه يجب التقرير القضائي به دائما .
2- نظرية الانعدام تبرر في الأحكام الجزائية وهذا هو أهم تطبيقها، كما أن الفكر القانوني الجنائي تشريعا وفقها وقضاء قد استقر على أن البطلان هو الجزاء الإجرائي الذي يترتب على التفتيش غير القانوني.
ثانيا: التمييز بين البطلان والسقوط
إذا كان البطلان كما عرفناه هو جزاء عدم مراعاة إحدى الشروط التي يتطلب القانون توافرها في موضوع وشكل الإجراء فيصبح معيبا، فإن السقوط هو جزاء لذلك الإجراء الصحيح الذي لم يتخذ خلال الوقت الذي حدده القانون.
وهو بذلك جزاء إجرائي يرد على الحق أو السلطة في مباشرة العمل الإجرائي إذا لم يقم به صاحبه في الفترة التي حددها القانون ، فعدم ممارسة الإجراء خلال الفترة التي يحددها القانون يعني سقوط هذا الحق بعد فوات هذه المدة.
ونجد أن نظرية السقوط لها مجالا للتطبيق أثناء التحقيق عندما ينص المشرع على فترة يكون للمتهم أو غيره من الخصوم خلالها تقديم بعض الطلبات، ومثال ذلك مواعيد استئناف أوامر قاضي التحقيق فإذا لم يتم استئنافها خلال المدة المحددة في القانون يرد الاستئناف لسقوط الحق في مباشرته. فانقضاء الفترة المحددة يسلب الفرد حقه أو سلطته في تنفيذ العمل المطلوب.
والبطلان يقبل التصحيح في أحوال معينة ولو كان متعلقا بالنظام العام، فيما إذا اكتسب الحكم قوة الشيء المقضي فيه، أما السقوط فلا يجوز تصحيحه في كافة الأحوال، كما أن البطلان يتقرر أساسا بحكم أو بأمر، بينما السقوط فبقوة القانون .
وبهذا يتميز البطلان عن السقوط، فمن حيث موضوع الجزاء الإجرائي نجد أن السقوط ينصب إلى الحق في مباشرة الإجراء، في حين أن البطلان ينصب على الإجراء ذاته ويؤثر على فعاليته في إنتاج الآثار القانونية المعد أصلا لإحداثها، ومن حيث القاعدة المخالفة نجد أن السقوط لا يكون إلا حيث تكون المخالفة المتعلقة بقاعدة تقرر ميعاد لمباشرة الإجراء، في حين أن البطلان يكون عند مخالفة الإجراء لأي قاعدة جوهرية.
ثالثا: التمييز بين البطلان وعدم القبول
إن عدم القبول هو امتناع أو رفض القاضي الفصل في موضوع الطلب أو الدعوى، نتيجة عدم توفر الشروط الشكلية أو الموضوعية التي يتطلبها القانون لإخطار المحكمة بموضوع الدعوى .
فالإجراء غير المقبول هو في حد ذاته إجراء صحيح، ولكن لم تتوافر واقعة مستقلة عنه وسابقة عليه يعلق القانون عليها جواز اتخاذه .
إذا كان القانون قد عمد على اشتراط شروط معنية يجب احترامها عند رفع الدعوى، وتقديم الطلبات، فإن تخلف إحداها وامتنع القاضي عن الفصل فيها حكم بعدم قبولها، وأغلب ما يرد عدم القبول على الدعوى وطرق الطعن فيها، كأن ترفع الدعوى دون تقديم شكوى من الضحية مثل جنحة الزنا ، لأن هذه الجريمة معلقة على شكوى مسبقة من الضحية، فإذا باشرت النيابة العامة المتابعة القضائية ضد المتهم بصفة تلقائية فإن على القاضي أن يحكم بعدم قبول الدعوى لعدم توافر الشروط الشكلية والمتمثلة في تقديم الشكوى كما أن المدعي المدني الذي يحرك الدعوى العمومية عن طريق التأسيس أمام قاضي التحقيق ملزم بدفع كفالة مسبقة يحدد مقدارها قاضي التحقيق وإلا كانت شكواه غير مقبولة، على أن أهم ما يميز عدم القبول كجزاء إجرائي هو جواز تجديد الإجراء الذي قضي بعدم قبوله إذا توافر الشرط القانوني الذي كان منتفيا وكان الحق في اتخاذه مازال قائما.
فالبطلان وعدم القبول كلاهما جزاء إجرائي يلتقيان على وحدة السبب وهو تخلف شروط صحة العمل إلا أن البطلان خطوة أولى يليها عدم القبول، فإذا كانت الدعوى باطلة لعدم توافر شرط تقديم الشكوى قضي بعدم قبولها.

المطلب الثاني: أسباب البطلان وطبيعته
لقد اشترك كل من التشريع والقضاء جنبا إلى جنب في إثراء وتطوير البطلان، وقد تم ذلك بكيفية منسجمة ومنسقة، فعندما يقوم التشريع بإنشاء حالات جديدة للبطلان، يعمل القضاء من جهة عن طريق ما يصدره من أحكام بالتخفيف والتقليل من البطلان، وعندما يحجم المشرع من التدخل لحماية الحريات الفردية يلجا القضاء إلى إعمال رقابته والقضاء بأبطال الأجراء الذي يتم بكيفية تمس بحقوق الدفاع وتضر بمصلحة أطراف الدعوى العمومية.
وتأسيا لذلك فان هناك حالات بطلان نص عليها القانون صراحة ورتب على عدم مراعاة الأحكام التي وضعها أو أغفلها البطلان، لان الإجراء لم يتم صحيحا حسب مقتضيات قانون الإجراءات الجزائية، وعليه فلا يكون الأثر المنتظر منه لعدم توفره على الشروط الشكلية التي يستوجبها القانون في مثل هذا الإجراء، وعليه فلا تكون لهذا الأخير قيمة قانونية لأنه مجرد من القيمة القانونية فهناك من الدول من لا تعترف إلا بالبطلان المنصوص عليه في القانون ولا تأخذ إلا مجالات البطلان التي أدرجها القانون على سبيل الحصر، في حين توجد بعض الدول الأخرى تأخذ بالبطلان الجوهري أو الذاتي الذي يقضي به القضاء حتى ولو لم ينص عليه القانون إذا كان الإجراء قد خالف قاعدة جوهرية في الإجراءات.
وعليه سنقوم ببحث هذا الموضوع في ثلاث مسائل هامة الأولى أسباب البطلان في فرع أول، والثانية أنواع البطلان في فرع ثاني، والثالثة طبيعة بطلان التفتيش في فرع ثالث.

الفرع الأول: أسباب البطلان
يميز قانون الإجراءات الجزائية بين نوعين من أسباب البطلان، فقد يتقرر البطلان بنص قانوني جزاءا لمخالفة قاعدة معينة، وقد يترتب لمجرد مخالفة قاعدة تعتبر جوهرية، دون أن ينص المشرع على البطلان كجزاء عن تلك المخالفة، وهذا يعني أن البطلان قد يكون قانونيا وقد يكون جوهريا أو ذاتيا.
أولا:البطلان القانوني
يقصد بالبطلان القانوني ، أن المشرع هو الذي يتولى تحديد حالات البطلان، بحيث يمتنع القاضي على إضافة حالة إليها أو إنقاص حالة منها، هذه الحالات محددة حصريا بالنصوص. ومفهوم هذا انه لا يكفي النص على إتباع إجراء معين التي يترتب البطلان على إغفاله، ولا يملك القاضي هذا أي اجتهاد ولا مكان للاجتهاد من طرفه فهو مقيد بالنصوص، فعليه أن يقضي بالبطلان، ولكن هذا يكون إلزاميا على القاضي إلا في الحالات التي أوردها القانون على سبيل الحصر فالمشرع وحده له سلطة فرض الجزاء في هذا الشأن، مما يسد الطريق أمام القاضي في تحديد حالات البطلان.
وقد نص المشرع الجزائري على هذا النوع من البطلان صراحة في المادتين 100و105 من قانون الإجراءات الجزائية والمتعلقتين باستجواب المتهم وسماع الطرف المدني، وأيضا قرر البطلان القانوني لمصلحة المتهم في الحالات الواردة في المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية.
وتبدو أهمية هذا النوع من البطلان انه يحصر جميع حالات البطلان مما يؤدي إلى استقرار القضاء على حالات البطلان.
إلا أن البطلان القانوني قد يؤخذ عليه انه يحتوي على مساوئ، فالمشرع لا يمكنه أن يحصر على نحو جامع ودقيق كل الإجراءات والحالات التي يقضي فيها بالبطلان، بينما لا يستطيع المشرع أن يحيط سلفا بكل الأحوال التي تعتبر إخلالا باحترام الشرعية الإجرائية، ويترتب على ذلك إصدار هذه الضمانات.
ثانيا : البطلان الذاتي
ومضمونه أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في تحديد القواعد التي يترتب البطلان على مخالفتها وتلك التي لا يؤدي مخالفتها إلى هذا الأثر، دون حاجة إلى نص تشريعي يقرر البطلان بصدد كل إجراء يراه المشرع جوهريا، فهذا البطلان يعتمد أساسا على التفرقة بين القواعد الجوهرية والقواعد غير الجوهرية.
أما بخصوص القواعد الجوهرية التي يترتب على مخالفتها البطلان، فقد نصت عليها المادة 159ق أج دون ذكر الحالات الجوهرية، واكتفت ببيان شرطين يجب توافرهما لقيام البطلان الجوهري وهما:
-الشرط الأول: أن تحصل مخالفة الأحكام الجوهرية المقررة في باب جهات التحقيق من المادة 66الى 211 ق اج
-الشرط الثاني: أن يترتب على مخالفة الأحكام المذكورة إخلال بحقوق الدفاع أو أي خصم في الدعوى.
وأمام القصور التشريعي الذي تركه المشرع الجزائري في قانون الإجراءات الجزائية والذي لم يعرف فيه ما المقصود بالأحكام الجوهرية المقررة بالباب الخاص بجهات التحقيق.
فإذا كان المشرع لم يضع معيار لتحديد الأحكام الجوهرية، غير انه نص في المادة 159 من قانون الإجراءات الجزائية على الأحكام الجوهرية الخاصة بالتحقيق التي يترتب على مخالفتها البطلان إذا نتج عن هذه المخالفات مساس بحقوق الدفاع و حقوق أي طرف آخر في الدعوى.

الفرع الثاني: أنواع البطلان
إن البطلان وان كان هو الجزاء المترتب على مخالفة القواعد الخاصة بالإجراء إلا انه يمكن تقسيمه ليس بين البطلان القانوني والبطلان الجوهري، وإنما هو مقسم بين البطلان النسبي والبطلان المطلق.
فإذا كانت القاعدة الإجرائية التي تمت مخالفتها لصالح النظام العام اعتبر البطلان مطلقا، وإذا كانت متعلقة بمصلحة الخصوم اعتبر البطلان نسبيا.
والتمييز بين هذين النوعين من البطلان يعتبر مسألة ذات أهمية بالغة في الميدان العملي نظرا لما يترتب عنه من نتائج وآثار تختلف باختلاف أحكام لدفع بالبطلان.
أولا: البطلان المطلق
لقد جرى إطلاق وصف المطلق على البطلان المتعلق بالنظام العام، ويقول بعض الفقهاء أن هذا الإطلاق غير دقيق، وذلك لعدم مرافقة البطلان المطلق للبطلان المتعلق بالنظام العام، إلا انه مع هذا يرون انه لا ضرر منه في النهاية .
حيث أن معيار النظام العام هو المعيار السائد لتمييز البطلان المطلق عن النسبي، كما أن البطلان يلتقي مع البطلان المتعلق بالنظام العام في خصائصه الرئيسية، فعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع بهما في أي حالة كانت عليها الدعوى، ولا يصححها الرضا بالإجراء الباطل قبل إجراءه، ولا التنازل عن الدفع بالبطلان بعد إجراءه بالفعل.
إن السائد في الفقه في كل من فرنسا والجزائر أنه لا يوجد أي فرق بين البطلان المطلق والبطلان المتعلق بالنظام العام وإنهما يؤديان نفس المعنى وان اختلافا اصطلاحا،في حين يرى الدكتور أحسن بوسقيعة أن الأشكال التي تمس بالنظام العام هي الإجراءات التي لا تحمي فحسب مصالح أطراف الدعوى، وإنما تتعلق بالمصالح العليا للتنظيم القضائي ومن هذا القبيل مخالفة الأحكام الجوهرية المنتقاة من القضاء الفرنسي، كعدم اختصاص قاضي التحقيق أو بإجراء غير مؤرخ من قبل قاضي التحقيق و عدم استجواب المتهم أثناء التحقيق .
وتأسيا على ذلك تبين القول أن المحكمة العليا هي التي تقرر في الأخير ما إذا كان البطلان الذي لحق الإجراءات يتعلق بالنظام العام أو مصلحة الأطراف.
ثانيا: البطلان النسبي
البطلان النسبي وضع لحماية مصلحة الخصوم أو أطراف الدعوى، ويحصل في غير أحوال البطلان المطلق، ومن أمثلة هذه القواعد حق الخصوم في حضور إجراءات التحقيق الابتدائي، وحقهم في اصطحاب محامين معهم، وحقهم في أن يخطروا بمواعيد الإجراءات ومكانها.
وتختلف الآثار المترتبة عن البطلان النسبي عن تلك المرتبة على البطلان المطلق، ففي حالة كون البطلان نسبيا لا يجوز لغير ذي الشأن التمسك به، ومن حيث التمسك بالبطلان يحق لصاحب الشأن التنازل عنه صراحة،إ ذا كان البطلان نسبيا، وعلى العكس إذا كان البطلان مطلقا.
وفي حالة البطلان النسبي لا يمكن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، بل لابد من أن يتمسك به احد الخصوم، وان يكون هذا الخصم ممن قررت القاعدة لمصلحته.
كما انه لا يجوز التمسك بالبطلان النسبي أمام المحكمة العليا لأول مرة، بل يجب أن يتمسك به أمام محكمة الموضوع أما في المطلق ففي جميع مراحل الدعوى وحتى أول مرة أمام المحكمة العليا.
إلا أن أهم ما يميز البطلان النسبي عن البطلان المطلق هو أن الأول قابل للتصحيح، وهذا التصحيح يكون بطريقتين.
-الأولى:القبول الصريح أو الضمني للإجراء الباطل من قبل من تقرر البطلان لمصلحته مثلا يسقط الحق في الدفع لبطلان الإجراءات بجمع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي إذا تمت الإجراءات بوجود المتهم دون اعتراض منه.
- الثانية: تحقق الغرض من الإجراء الباطل، وهو يتم عن طريق التصرف أو القيام بإجراء لاحق من شانه أن يعدم اثر البطلان في الإجراء مثلا "بطلان التكليف بالحضور له أن يطلب تصحيح التكليف أو استيفاء فيه، وإعطاءه ميعاد لتحضير دفاعه قبل البدء في سماع الدعوى المحكمة إجابته على طلبه.

الفرع الثالث : طبيعة بطلان إجراء التفتيش في القانون الجزائري
لقد نصت المادة 48 داج على أنه "يجب مراعاة الإجراءات التي استوجبتها المادتان 45و47 ويترتب على مخالفها البطلان "وطبقا لهذه المادة ، فان أي تفتيش يقوم به ضابط الشرطة القضائية مخالف لأحكام المواد 44، 45، 47 يقع باطلا، أي مخالفة القيود المتعلقة بالحضور والميقات القانوني، والإذن من السلطة القضائية المختصة يترتب عليها البطلان، فتقع عديمة الأثر، ولا يمكن الاستناد عليه لان ما بني على باطل فهو باطل.
ومعنى ذلك انه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يشتبه فيهم أو يظهروا أنهم شاركوا في الجريمة أو أنهم يحوزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية المرتكبة لإجراء التفتيش إلا بإذن مكتوب وصادر عن وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق، ومع وجوب الاستظهار به قبل الدخول إلى المنزل المراد تفتيشه وقبل الشروع في التفتيش ، فإذا خالف ضابط الشرطة القضائية هذه الإجراءات ولم يلتزم بحرفيتها كان التفتيش باطلا بطلانا مطلقا ولا ينتج أي آثار أصلا.
أما بخصوص نوع بطلان التفتيش في القانون الجزائري فيرى الأستاذان احمد الشافعي ونبيل صقر أن المشرع الجزائري رتب على إغفال وعدم مراعاة أحكام التفتيش بطلانا نسبيا، ويضيفان أن هذا البطلان هو بطلان نسبي متعلق بمصلحة الخصوم تطبق عليه قواعد البطلان النسبي، وهو في نفس الوقت بطلان قانوني لان المشرع نص عليه في المادة 48 داج، ولا يجوز التمسك به إلا للطرف المقرر لمصلحته ونفس الشيء بالنسبة للتنازل عنه، فهو بالتالي ليس بطلانا مطلقا بل نسبيا، وان المصلحة التي يحميها هي مصلحة شخصية .
والواقع إن هذا الرأي يصب مع الموقف الذي أخذت به المحكمة العليا في احد قراراتها "إن الدفع ببطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يجب عرضها على قضاة الموضوع حتى يقولون كلمتهم فيها، وإلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المجلس الأعلى .
وبناءا على هذا القرار أكد الأستاذ احمد الشافعي بأنه يجب التمسك ببطلان التفتيش أمام قضاة الموضوع ولا يجوز لهم الحكم به من تلقاء أنفسهم، كما انه لا يجوز التمسك به أمام المحكمة العليا لأول مرة، كما يجوز حسب رأيه دائما لمن قررت القاعدة المخالفة لمصلحته التنازل عنه صراحة أو ضمنا مما يؤدي إلى تصحيح التفتيش لهذا العيب.
وبالتالي فان طبيعة بطلان التفتيش في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري حسب ما جاء في قرار المحكمة العليا وكذا رأي كل من الأستاذين، نبيل صقر واحمد الشافعي هو بطلان نسبي متعلق بمصلحة الخصوم من جهة وانه بطلان قانوني لأنه منصوص عليه في القانون في المادة 48 ق إ ج وبالتالي بطلان إجراء التفتيش هو بطلان قانوني نسبي.
المطلب الثالث: أحكام الدفع ببطلان التفتيش
الدفع بالبطلان هو الطريق الذي يلجا إليه صاحب المصلحة ليطلب بطلان الإجراء الذي يراه مخالفا للقانون ، فهو الوسيلة التي يعلن بها ضحية الإجراء تمسكه بالبطلان،وهنا يجب التفرقة بين الدفع بالبطلان المتعلق بالنظام العام ، والدفع بالبطلان المتعلق بمصلحة الخصوم، فكلاهما يشترط أساسا التمسك به توافر شروط وجود المصلحة لمن يدفع بالبطلان، إلا أن المصلحة في الدفع بالبطلان تكون مفترضة في الأحوال التي تكون متعلقة بالنظام العام، ويجوز التمسك به أمام أي درجة من درجات التقاضي، ولا يجوز التنازل عن إبداءه كما أن للقاضي أن يقضي به من تلقاء نفسه، ولو لم يبديه صاحب الحق أو المصلحة فيه .
أما البطلان في الإجراء المتعلق بمصلحة الخصوم، فلا يجوز لغير من تقرر البطلان لمصلحته التمسك به، ويجب إبداؤه أمام محكمة الموضوع، ويجوز لمن تقرر البطلان لمصلحته التنازل عنه صراحة أو ضمنا .
ويشترط للتمسك بالبطلان المقرر لمصلحة الخصوم ، ألا يكون من يتمسك به سببا في حصوله .
وفي إطار ما تقدم، سنتناول في هذا المطلب في فرعين نتعرض في الأول لشروط الدفع ببطلان التفتيش، وفي الفرع الثاني تتعرض لآثار بطلان إجراء التفتيش.

الفرع لأول: شروط الدفع ببطلان التفتيش
سبقت الإشارة إلى أن القانون الجزائري ، ومنه الفقه والقضاء الجزائريين استقروا على أن البطلان المتعلق بمخالفة قواعد التفتيش الموضوعية او الشكلية هو بطلان نسبي، ولذا فإننا نجد أن شروط التمسك بالبطلان النسبي هي:
أولا: شرط المصلحة
المصلحة هي الفائدة المرجوة من الدفع، ولا يشترط أن تكون محققة، ويكفي أن تكون المصلحة محتملة، ونظرية المصلحة في الدعاوى والدفوع من المسائل المعروفة في القانون والمسلم بها دون حاجة إلى نص، ولم يتضمن قانون الإجراءات الجزائية نصا لان القاعدة من المبادئ العامة .
ويكون لمن يدفع ببطلان التفتيش مصلحة إذا كان التفتيش الباطل قد أسفر عن الدليل الوحيد على الإدانة، فان مصلحته تقتضي الدفع به حتى لا يقوم في الدعوى دليل باطل يدينه.
وإذا كانت المحكمة قد استندت إلى دليل مستمد من تفتيش باطل مع أدلة أخرى صحيحة فان للمتهم مصلحة في الدفع ببطلانه، لان الأدلة في المواد الجزائية متساندة و مجتمعة، ولا يمكن معرفة الأثر الذي كان للدليل الباطل فيما انتهت إليه المحكمة .
وتنتقي المصلحة في الدفع ببطلان التفتيش إذا لم يسفر عن دليل، لأنه بهذه الحالة لا ترجى منه فائدة وبناء على ذلك ، فلا يجدي بالمتهم تمسكه ببطلان التفتيش إذا كانت المحكمة قد أقامت قضائها على اعتراف المتهم الذي اطمأنت إلى استقلاله عن التفتيش، وانه إذا كان التفتيش باطلا حقيقة، وكانت المحكمة قد اعتمدت في حكمها على أدلة أخرى غير مستمدة منه فإن المصلحة في التمسك ببطلانه تكون منتفية.
ويتعين أن يكون الدفع بالبطلان بالنسبة للبطلان النسبي واضحا بالتصميم عليه مع بيان سنده بعناية، فلا يصح أن يكون قولا مرسلا على إطلاقه، دون أن يحل على الدفع ببطلان التفتيش.
ثانيا:عدم تسبب الطاعن في حصول البطلان
قد تتوافر المصلحة في الدفع بالبطلان ، ومع ذلك لا يكون الدفع به جائزا ويتحقق ذلك إذا كان الطاعن بالبطلان هو السبب في حصوله، ولا تطبق هذه القاعدة إلا في شان البطلان المقرر لمصلحة الخصوم ، أما البطلان المتعلق بالنظام العام فلا ينظر فيه إلى من تسبب في حصوله، بل يجوز التمسك به دائما.
يرى بعض الفقهاء أن أساس القاعدة عدم جواز التمسك بالبطلان المقرر لمصلحة الخصوم في هذه الحالة هو التنازل الضمني عن مراعاة القاعدة الإجرائية المقررة لمصلحة الخصم الذي يريد التمسك بالبطلان.
غير انه يمكن الميول إلى ما قرره البعض من أن علة هذا الشرط هو مجازاة من تسبب في البطلان على عاقبة إهماله أو عدم اكتراثه بحرمانه من حق مقرر لمصلحته، فلو أخذنا بفكرة التنازل الضمني، لتعين القول بوجوب السماح لمن تسبب في البطلان بالطعن به متى انتفت قرينة الرضا بالتنازل عن مراعاة القاعدة التي خولفت .
ويستوي في هذا الشأن أن يكون المتسبب في تغييب الإجراء متعمدا أو مخطئا فهو في الحالتين قد ضاع حقه في التمسك ببطلان التفتيش للعيب الذي شابه بعدم الملائمة بسلوكه هو، وهذا كله بطبيعة الحال لا ينطبق إلا على البطلان النسبي.
وتطبيقا لهذه القاعدة فانه إذا تقاعس المتهم عن الحضور في التفتيش الذي يجري في منزله بعدما دعاه القائم بالتفتيش إلى الحضور فليس له أن يطعن بالبطلان.
ثالثا: تمسك صاحب الشأن بالبطلان
سبق وأن اشرنا إلى أن القاعدة العامة بالنسبة للبطلان المتعلق بالنظام العام يكون لكل ذي مصلحة التمسك به، ويجب على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولو بغير طلب، فإذا التفتت عن ذلك كان حكمها مخالفا للقانون.
أما بالنسبة للبطلان المتعلق بمصلحة الخصوم فلا يجوز الدفع أو التمسك به إلا ممن شرعت هذه الأوضاع لحمايتهم، فلا يجوز الطعن ببطلان التفتيش من غير من وقع التفتيش على شخصه أو مسكنه أو مراسلاته، وبالتالي لا يجوز للمتهم التمسك ببطلان التفتيش الحاصل في مسكن غيره ولو كان سيستفيد منه
وان كان بعض الفقهاء يرى أن القاعدة هي أن البطلان في التفتيش في جميع أحواله بطلان نسبي سواء تعلق بالنظام العام أو بمصلحة الخصوم ، على أساس افتراض رضا ذوي الشأن بالإجراء، ولان هذا الرضا يزيل عن الإجراء وصف التفتيش، ويجعل منه مجرد معاينة فلا يكون هناك بطلان أصلا حتى يمكن الدفع به ، لان البطلان شرع للمحافظة على حرمة السكن، وإذا قبل صاحب الشأن إطلاع الغير على ما في مسكنه لما كانت هناك حرمة تنتهك، وبالتالي فلا بطلان.
وإذا كان الأصل أن صاحب الشأن يتمسك ببطلان التفتيش المترتب على مخالفة قواعده ضمان قرره القانون لمصحته، فلا يجوز لمن عداه أن يتمسك به حتى ولو كان صاحب مصلحة في ذلك كشريك المتهم، إلا أن السؤال المطروح هل يجوز للنيابة العامة التمسك ببطلان التفتيش المتعلق بمصلحة الخصوم؟.
في الواقع ليس هناك ما يمنع النيابة العامة من التمسك بالبطلان النسبي فليس مهمة النيابة العامة مجرد طلب توقيع العقاب فحسب، بل هي الأمينة على المجتمع في طلب القصاص العادل من مرتكبي الجريمة، كما أن من وظائفها المحافظة على الضمانات التي فرضها القانون لمصلحة المتهمين ولذلك يكون لها الحق في الدفع بالبطلان النسبي.
الفرع الثاني: آثار بطلان إجراء التفتيش
إذا كان إجراء التفتيش معيبا لخروجه على القواعد القانونية ، فان هذا وحده ليس بكاف لاعتباره باطلا، وتجريده من كل قيمة إقناعية ، بل لابد من حكم أو قرار قضائي يقضي به حتى يمكن أن يكون للبطلان أثرا.
يترتب على التقرير بالبطلان أثار هامة منها ما يتعلق بالإجراء الباطل ذاته، ومنها ما يتعلق بالإجراءات المتصلة به سواء كانت سابقة أو لاحقة، فمتى تقرر بطلان إجراء معين وجب استبعاد الدليل المستمد منه وألا أ صبحت الضمانات التي يقررها القانون للحفاظ على الحريات عديمة الجدوى
كما انه من المتفق عليه أن الدليل اللاحق لهذا الإجراء يتأثر بالبطلان إذا كان مترتبا مباشرة على الدليل الناجم عن الإجراء الباطل، فينهار هو الآخر ويتعين إهداره.
وعلى ذلك متى ثبت بطلان التفتيش، تعين على القضاء استبعاد الدليل المستمد منه أو المترتب عليه مباشرة، وبالتالي القول ببراءة المتهم ما لم تكن ثمة أدلة أخرى في ظروف الدعوى تكفي لثبوت التهمة وإدانته.
وبناءا على ما سبق ستكون دراسة هذا الفرع إلى نقطتين أساسيتين الأولى تتناول فيها أثر بطلان التفتيش في الإجراءات السابقة له وفي الثانية أثر البطلان التفتيش على الإجراءات اللاحقة له.
أوّلا: أثر بطلان التفتيش على الإجراءات السابقة عليه
إذا كان الحكم بالبطلان يترتب عن تجريد إجراء المرعب من إنتاج آثاره القانونية في الدعوى الجزائية، فما هو حكم أثر البطلان إجراء التفتيش العيب بالنسبة للإجراءات السابقة عليه؟
القاعدة هي أن للإجراء الباطل لا يمتد تأثيره إلى الإجراءات السابقة عليه مادامت صحيحة، ومن ثم تبقى منتجة لجميع آثارها، فإذا باشر ضابط الشرطة القضائية تفتيشا باطلا فعن هذا التفتيش الباطل لسي من شانه أن يؤثر في صحة سماع أقوال المشتبه فيه السابق على تفتيش مسكنه.
وعلة عدم امتداد الأثر ترجع إلى أن الإجراءات السابقة للتفتيش الباطل قد بوشرت بمنأى عن الإجراء الباطل مما يقتضي ألا تتأثر بالبطلان الذي شاب الإجراءات اللاحقة عليها.
فقاعدة عدم تأثير الإجراء الباطل في الإجراءات السابقة عليه هي قاعدة مطلقة لأشياء فيها وهي تتفق مع تكييف البطلان بأنه جزاء إجرائي ينال من الإجراء المعيب، وما ترتب عليه من إجراءات.
وقانون الإجراءات الجزائية الجزائري لم يتضمن أي حكم يتعلق بامتداد أثر البطلان الذي يلحق إجراء معينا إلى إجراءات السابقة على الإجراء المعيب، كما أن القضاء الجزائري قد سار في الاتجاه الذي أخذ به المشرع وهو نفس المنحى الذي أخذه كل من التشريعين الفرنسي والمصري .
ثانيا: أثر البطلان التفتيش على الإجراءات اللاحقة عليه
القاعدة هي أن الإجراء الباطل يمتد بطلان إلى الإجراءات اللاحقة عليه، إذا كانت هذه الإجراءات تترتب عليه مباشرة.
وتطبيقا لكل هذا فقد نصت الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا في قرار صادر عنها في 21 أفريل 1981 أن البطلان يمتد إلى الإجراءات اللاحقة للعمل المعيب،إذا كان العيب يتصل بها عملا بالمبدأ القائل ما يبنى على الباطل فهو باطل.
وإذا كانت القاعدة هي بطلان الآثار المترتبة مباشرة على التفتيش الباطل فإن الصعوبة الحقيقة تتمثل في معرفة متى يمكن القول بأن أثر معينا ترتيب على التفتيش مباشرة ليمتد إليه البطلان وبعبارة أخرى فإن الصعوبة تتعلق بماهية المعيار الذي يبني مدى العلاقة التي تربط بين العمل الإجرائي الباطل والأعمال التالية له حتى يمتد البطلان.
كما أن الحكم بامتداد أثر بطلان الإجراء المعيب إلى كل أو جزء من الإجراءات اللاحقة له يخضع لتقدير القضاة الذين هم ملزمون بسبب حكمهم وإبراز العلاقة السببية والرابطة المباشرة بين الإجراء الباطل والإجراءات اللاحقة، ويخضع قرار قضاة الموضوع لرقابة المحكمة والعليا التي تراقب مدى وجود علاقة سببية بين إجراء الباطل المعيب الإجراءات التالية له وقد أكدت المحكمة العليا في عدة قرارات لها أن أثر البطلان يمتد إلى الإجراءات اللاحقة له إذا كان العيب يتصل بها وتوجد بينها علاقة نسبية.
وفي إطار التفتيش دائما نحد أن كثيرا ما يختلط المر بصدد الاعتراف الذي يعقب تفتيشا باطلا بحيث يتعين معرفة ما إذا كان الاعتراف مستقلا عن التفتيش الباطل أم غير مستقل عنه، وهذا الأمر لديه ضابطان هما:
ـ أن يكون اعتراف المتهم بارتكاب الجريمة أمام جهة قضائية أخرى غير تلك التي قامت بالتفتيش الباطل.
ـ أن يأتي المتهم بعد مباشرة التفتيش الباطل بفترة حتى يمكن القول بأن الاعتراف هذا صدر مستقلا عن التفتيش الباطل وأن المتهم بين اعتراف أراد أن يعترف.

الفرع الثالث: الجهات التي تقرر البطلان في القانون الجزائري
إن أي إجراء من إجراءات التفتيش لا يكفي فيه أن يكون ذا أهمية استدلالية فحسب، بل يجب أن يكون إجراءا قانونيا، يخضع لإجراءات وشكلية معينة الهدف منها هو ضمان وحماية حقوق الدفاع والأطراف معا، وقد منح المشرع الجزائري سلطة تقرير البطلان لجهات معينة هي: غرفة الاتهام وجهات الحكم.
أولا: غرفة الاتهام
لقد حول المشرع غرفة الاتهام سلطة مراقبة صحة الإجراءات المرفوعة إليها طبقا للمادة 191 من قانون الإجراءات الجزائية، فإذا رأت في الإجراءات سببا من أسباب البطلان، قضت ببطلان الإجراء المشوب به.
وعند الاقتضاء تقضي ببطلان الإجراءات التالية لـه بصفة كلية أو جزئية حسب الأحوال والملابسات وظروف الدعوى.
ولها بعد الإبطال أن تتصدى لموضوع الإجراءات أو تحيل الملف لقاضي التحقيق أو قاضي آخر غيره لمواصلة إجراءات التحقيق بحثا عن الحقيقة وإظهارها. وإذا وقع البطلان أثناء التحقيق فإن قاضي التحقيق لا يملك اختصاص إبطال الإجراء.
وبما أن المتهم لا يستطيع طرح البطلان أمام غرفة الاتهام، فإن هناك أسلوبين لمواجهة هذه الوضعية:
1- التنازل من طرف المتهم عن التمسك بالبطلان، إذا كان هذا الأخير نسبيا، ويشترط أن يتم هذا التنازل أمام المحامي أو بعد استدعائه قانونا بإشارة المادة 157 من قانون الإجراءات الجزائية.
2- إذا لم يتم التنازل عن البطلان من طرف المهتم، وكان هذا البطلان متعلقا بالنظام العام فإنه يتعين على قاضي التحقيق رفع الأمر إلى غرفة الاتهام طالبا إبطال الإجراء .
وفي هذه الحالة تفصل غرفة الاتهام في الأمر طبقا لما نصت عليه المادة 191 من قانون الإجراءات الجزائية.
وبالتالي فإن رقابة غرفة الاتهام للإجراءات كثيرا ما تؤدي إلى التكييف الجديد للدعوى، ومنه فإنها ترجع رقابة التكييف والتقدير للدلائل الكافية أو غير الكافية لإدانة المتهم أو لعدم إدانته أو عدم متابعة أصلا.
فبعد إزالة العيوب والشوائب طبقا لروح القانون، تقوم غرفة الاتهام بتكييف الجريمة من جديد، وتعطيها الوصف القانوني السليم بكل دقة وتحديد تكييف يناسبها وينطبق عليها .
وقرار غرفة الاتهام في إجراء من الإجراءات بأنه صحيح، ومطابق للقانون أو غير مطابق يخضع لرقابة المحكمة العليا، وإن كان لها حق التقدير المطلق في تقييم الدلائل الكافية ضد المتهم.
ثانيا: جهــات الحكــم
يحق لجهات الحكم عدا المحاكم الجنائية تقرير البطلان المشار إليه في المادة 157 والمادة 159 والفقرة الأولى من المادة 158 من قانون الإجراءات الجزائية، والسبب الذي جعل المشرع لم يخول محكمة الجنايات سلطة تقرير البطلان والحكم به هو أن إحالة إليها من طرف غرفة الاتهام تغطى ما اعترى التحقيق القضائي الابتدائي من بطلان . وهذا ما أشارت إليه المادة 161 من نفس القانون بقولها "لجميع جهات الحكم عدا المحاكم الجنائية صفة تقرير البطلان المشار إليه في المادتين 157، 159،..." وبذلك لم يرخص لمحكمة الجنايات ولا للمجلس القضائي عند النظر في موضوع جنحة أو مخالفة الحكم ببطلان إجراءات التحقيق إذا كانت قد أحيلت إليها من غرفة الاتهام وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 161 بقولها "غير أنه لا يجوز للمحكمة ولا للمجلس القضائي لدى النظر في موضوع جنحة أو مخالفة الحكم ببطلان إجراءات التحقيق إذا كانت قد أحيلت إليها من غرفة الاتهام".










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 11:16   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الخاتمة و المراجع

الخاتــــــمة

هذا وبعد أن انتهينا بحمد الله وتوفيقه من دراستنا للموضوع وقد حاولنا بحث جوانبه المختلفة والمشاكل التي ثارت حوله وقد اتبعنا خطة ومنهجا قدرنا أنهما سوف يلقيان الضوء على جوانب نظرية التفتيش واتخذنا من التشريع الفرنسي وبعض التشريعات العربية لاسيما القانون المصري محلا للمقارنة في بعض الجزئيات رأينا فيها ضرورة لذلك.
لقد أوضحت لنا الدراسة أن التفتيش إجراء من إجراءات التحقيق وأن كل إجراء آخر لا يقصد إلى البحث عن أدلة الجريمة لا يعد تفتيشا بالمعنى المقصود في القانون.
وبناءا على ما سبق توصلنا إلى أن الإذن بالتفتيش بصفته ندبا للتحقيق استثناءا من الأصل، وإجازة المشرع الندب للتفتيش هو استثناء يجب ألا يتوسع فيه أو يقاس عليه، ومن ثم رأينا ضرورة إحاطته بمجموعة من الشروط والقيود التي لا تخرج عن حدود هذا الاستثناء، نظرا لمساسه بحقوق الإنسان وحماية حقوقه وحرياته الشخصية، وعلى أساس هذه الاعتبارات تفحصنا مفهوم الإذن بالتفتيش وأوليناه عناية ملحوظة وكان هدفنا من التعمق في دراسة شروط صحة الإذن بالتفتيش لمساسها بحقوق الإنسان وحماية حقوقه وحرياته الشخصية.
والإذن بالتفتيش هو في ذاته إجراء من إجراءات التحقيق ولذلك لا يصح إلا إذا صدر من المختص أصلا بالتحقيق في الجريمة بشرط أن يكون مختصا بالإجراء ذاته، فلا يجوز للنيابة العامة الإذن لضابط الشرطة القضائية للتفتيش في غير أحوال التلبس. على أن يصدر الندب إلى ضابط الشرطة القضائية المختص نوعيا ومكانيا.
وبعد ذلك أولينا في بحثنا عناية خاصة بالشروط الموضوعية والشروط الشكلية بعد أن يحصل ضابط الشرطة القضائية على إذن يجيز له إجراء التفتيش.
وتأسيسا لذلك فقد بينا الشروط الموضوعية للتفتيش المتمثلة في السبب والمحل والاختصاص.
أوضحنا أن سبب التفتيش هو احتمال التوصل إلى دليل يفيد في كشف الحقيقة، أما عن محل التفتيش فقد قلنا أن التفتيش يقع على الشخص أو على مسكنه وقد يكون محله الرسائل، فيما يعتبر الاختصاص بالتفتيش مسألة في غاية الأهمية وبينا أن إجراء التفتيش بمعناه الدقيق هو في الأصل من اختصاص سلطة التحقيق، وينعقد استثناءا لضابط الشرطة القضائية وارتأينا أن نوضح تفاديا للتكرار ما يشترط في الأنثى المندوبة لإجراء التفتيش نظرا لضرورة المحافظة على حياء المرأة من أن يلمسها رجل بالتفتيش في موضع من المواضع الجسمانية التي تعد من عورات الأنثى.
بالإضافة إلى الضمانات الموضوعية للتفتيش توجد ضمانات أخرى ذات طابع شكلي يجب مراعاتها عند ممارسة هذا الإجراء صونا للحريات الفردية من التعسف أو الانحراف في استخدام السلطة، وعليه فإن أهم هذه الضمانات أو الشروط الشكلية تتمثل في ضرورة وجوب حضور المتهم للتفتيش أو من ينيبه، وقاعدة الحضور هي قاعدة شكلية يقصد بها ضمان سلامة الإجراء وصحة ضبط ما أسفر عنه من دليل.
ومن الضمانات الشكلية ضرورة تحرير محضر تدون فيه كافة الأعمال التي تمت أثناء التفتيش والأماكن التي دار فيها والأشياء التي عثر عليها والظروف التي صاحبت التفتيش والأشخاص الموجودين، وما أبداه المتهم من ملاحظات عند حصول التفتيش، وإذا كان من قام بالإجراء اصطحب معه كاتبا فيكون المحضر موقعا منه هو الآخر.
وعند حديثنا عن آثار التفتيش أكدنا على أن الضبط هو الأثر المباشر للتفتيش، ولا بد أن ينصب على الأشياء التي تفيد في كشف الحقيقة وإن أدت إلى براءة المتهم.
وخلصنا أيضا إلى أن الضبط يقع على الأشياء المادية، التي قد تكون منقولة أو عقارية، وهنا فإن الأحكام التي تتبع في ضبط المنقول تختلف عن تلك التي تتم في ضبط العقار. فقد اشترط المشرع الجزائري عرض المضبوطات على المتهم، ووضعها في أحراز مع التأكيد على ضرورة المتهم ومحاميه عند فض الأختام.
أما ضبط العقار فلم ينص عليه المشرع الجزائري على عكس القانون المصري الذي نص على أحكام تحكمه وذلك عن طريق وضع الأختام وتعيين الحراس.
ولقد بينا مسألة في غاية الأهمية أغفلها المشرع الجزائري سابقا ونص عليها حديثا وتتعلق بضبط المراسلات وبالأخص المراسلات السلكية واللاسلكية والتي نص عليها في التعديل الأخير لقانون الإجراءات الجزائية الصادر في نهاية سنة 2006.
وفي تقديرنا أن حقيقة الأمر في الإذن بتسجيل المحادثات الخاصة هي من وسائل جمع الأدلة المادية، بمعنى أن جوهرها هو إذن بالتفتيش في حالات تتطلب طبيعة الدليل مثل هذا الإجراء والذي يحتويه شريط التسجيل والذي يعد بمثابة الوعاء الذي يتضمن الدليل المتعلق بجريمة يجري التحقيق بشأنها.
وأخيرا تعرضنا لبطلان التفتيش وقد كشفت لنا الدراسة أن مخالفة قواعد التفتيش تتضمن إهدار لحريات الأفراد في جانبين من أهم جوانبها وهما حرية المسكن والحرية الشخصية. والبطلان قد يتقرر بنص قانوني وقد يترتب لمجرد مخالفة قاعدة جوهرية دون أن ينص المشرع على البطلان كجزاء على تلك المخالفة.
أما عن طبيعة البطلان فقد بينا أن الفقه قد اختلف في شكل طبيعة بطلان التفتيش، فذهب البعض إلى أن بطلانه نسبي في جميع الأحوال، وذهب البعض إلى أنه مطلق دائما بينما ذهب رأي ثالث إلى أنه قد يكون مطلقا في حالات معينة محصورة قانونا ونسبي في ما عاداه من الحالات، وذهب رأي آخر إلى أن مخالفة القواعد الشكلية جزاءها البطلان النسبي أما مخالفة القواعد الموضوعية ترتب بطلانا من النظام العام وهذا الرأي هو الذي نميل إليه على الرغم من أنه لا يتفق مع نص المادة 48 من قانون الإجراءات الجزائية التي تأخذ بالبطلان النسبي.
ومن خلال دراستنا لأحكام الدفع ببطلان التفتيش وضحنا شروط الدفع ببطلان التفتيش، والتي من أهمها شرط المصلحة، وعدم تسبب الطاعن في حصول البطلان. أما آثار البطلان فبينا أثر البطلان على الإجراء الباطل ذاته، وأثره على الإجراءات المتصلة به سواء كانت سابقة أم لاحقة. فمتى تقرر بطلان إجراء التفتيش وجب استبعاد الدليل المستمد منه، كما أنه من المتفق عليه أن الدليل اللاحق لهذا الإجراء يتأثر بالبطلان إذا كان مترتبا مباشرة على الدليل الناجم عن الإجراء الباطل، فينهار هو الآخر ويتعين إهداره.


قائمة المراجع

أولا: الكتب

1- أحمد فتحي سرور، "الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية"، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة، القاهرة، 1981.
2- أحمد شوقي الشلقاني، "مبادئ الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري"، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2003.
3- أحسن بوسقيعة، "التحقيق القضائي"، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2003.
4- أحمد الشافعي، "البطلان في قانون الإجراءات الجزائية –دراسة مقارنة-"، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2004.
5- جيلا لي بغدادي، "التحقيق –دراسة مقارنة نظرية وتطبيقية"، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 1999.
6- جيلا لي بغدادي، "الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية"، الجزء الأول، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1996.
7- يوسف دلا ندة، "قانون الإجراءات الجزائية منقح وفق التعديلات التي أدخلت عليه بموجب القانون رقم 01/08 المؤرخ في 26 يونيو 2001 ومزود بالاجتهادات القضائية"، دار هومة، الجزائر، 2001.
8- حسن صادق المرصفاوي، "أصول الإجراءات الجنائية"، منشأة المعارف الإسكندرية، 1982.
9- سليمان بارش، "شرح قانون الاجراءات الجزائية"، دار الهدى، عين مليلة، الجزائر، 1991.
10- صالح عبد الزهرة حسون، "الموسوعة القضائية"، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الرائد العربي، بيروت، 1988.
11- عبد الله أوهايبية، "شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، التحري والتحقيق"، دار هومة، الجزائر، 2003.
12- مولاي ملياني بغدادي، "الإجراءات الجزائية في التشريع الجزائري"، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1992.
13- محمود محمود مصطفى، "الإثبات في المواد الجنائية في القانون المقارن"، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، مطبعة جامعة القاهرة، 1978.
14- محمود نجيب حسني، "شرح قانون الإجراءات الجنائية"، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1988.
15- مأمون سلامة، "قانون الإجراءات الجنائية ملقا عليه بالفقه وأحكام النقض"، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1980.
16- محمد حافظ غانم، "مبادئ القانون الدولي العام"، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1961.
17- سيد حسن البغال، "قواعد الضبط والتفتيش في التشريع الجنائي"، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1966.
18- عبد الحكيم فوده ، "البطلان في قانون الإجراءات الجنائية"، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1996.
19- رؤوف عبيد، "المشكلات العلمية في الإجراءات الجنائية"، الطبعة الثالثة، الجزء الأول، دار الفكر العربي، القاهرة، 1980.
20- نبيل صقر، "البطلان في المواد الجزائية"، دار الهلال للخدمات الإعلامية، الجزائر، 2003.
21- إبراهيم حامد طنطاوي، "التحقيق الجنائي من الناحيتين النظرية والعملية"، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000.
22- سامي الحسيني، "النظرية العامة للتفتيش في القانون المصري والمقارن"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972.
23- عبد المهيمن بكر، "إجراءات الأدلة الجنائية"، الجزء الأول، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، القاهرة، 1997.
24- محمد محدة، " ضمانات المشتبه فيه أثناء التحريات الأولية"، الجزء الثاني، دار الهدى عين مليلة، الجزائر، 1992.
25- هلالي عبد الإله أحمد، "تفتيش نظام الحاسب الآلي وضمانان المتهم المعلوماتي دراسة مقارنة"، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999.
26- محمود نجيب حسني، "الدستور والقانون الجنائي"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1992.
27- عبد الحميد عمارة، "ضمانات المتهم أثناء مرحلة التحقيق الابتدائي في الشريعة الإسلامية والتشريع الجنائي الجزائري –دراسة مقارنة-، دار المحمدية، 1998.
28- حسن الجندي، "الدفع ببطلان التفتيش في ضوء أحكام محكمة النقض دراسة تحليلية وتأصيلية لأحكام محكمة النقض المصرية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989.

ثانيا: الوثائق والنصوص القانونية
1- دستور 23 فبراير 1989.
2- دستور 28 نوفمبر 1996.
3- قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية (عربي-فرنسي)، منشورات بيرتي.طبعة 2007ـ2008 .
4- قانون العقوبات الجزائري في ضوء الممارسة القضائية (عربي-فرنسي)، منشورات بيرتي ،طبعة 2007ـ2008.
ثالثا: الدوريات
1- المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية جامعة بن عكنون الجزائر.
2- المجلة الجنائية القومية إصدار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية القاهرة.
3- نشرة القضاة، عدد 2003.
رابعا: الندوات
1- رمضان زرقين، "الحماية الدستورية والحماية التشريعية لحقوق الإنسان في الجزائر"، بحث مقدم لمؤتمر حماية حقوق الإنسان في قوانين الإجراءات الجنائية في العالم العربي المنعقد بالقاهرة في الفترة الممتدة من 14 إلى 16 سبتمبر 1978.










رد مع اقتباس
قديم 2013-12-28, 11:17   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 رد

المذكرة نسخة أصلية موجودة على الرابط التالي:

https://www.4shared.com/rar/R7_Nbm5d/____.html?










رد مع اقتباس
قديم 2015-07-10, 14:25   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
lamine_alg
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك .............










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاجراءات, التفتيش, الجزائية, قانون


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:55

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc