أقتراح ..لمن هو مهتم با الماجستير - الصفحة 15 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

أقتراح ..لمن هو مهتم با الماجستير

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-07-28, 14:38   رقم المشاركة : 211
معلومات العضو
"راجية الجنة"
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الصورة الرمزية "راجية الجنة"
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد900 مشاهدة المشاركة
نعم الأخت أسماء ...
المرفق العام حتى تدعمي معلوماتك فقط و يسهل عليكم فهم النقطة دون أدخال المرفق العام لأنه موضوع أخر ....كما أعتقد أن الخطة ..غالبا تكون قصيرة أي مبحثين ....نقدر و نعمل خطة على الشكل الاتي ...
المقدمة
المبحث الاول : المركزية
المطلب الاول : التركيز الاداري
المطلب الثاني : عدم التركيز الاداري
المبحث الثاني : اللامركزية
المطلب الأول : الولاية
المطلب الثاني البلدية

الخاتمة

و لمن أراد أضافة فروع ....أختصاصات رئيس المجلس ش ب أو أختصاصات الوالي ....أو أدخل نقطة تخص الخطة مع أحترام التوازن طبعا ...
الله يوفقنا
هذه الخطة لاي سؤال ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟








 


قديم 2011-07-28, 17:42   رقم المشاركة : 212
معلومات العضو
نورسين.داية
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية نورسين.داية
 

 

 
إحصائية العضو










Mh47

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد900 مشاهدة المشاركة
نعم الأخت أسماء ...
المرفق العام حتى تدعمي معلوماتك فقط و يسهل عليكم فهم النقطة دون أدخال المرفق العام لأنه موضوع أخر ....كما أعتقد أن الخطة ..غالبا تكون قصيرة أي مبحثين ....نقدر و نعمل خطة على الشكل الاتي ...
المقدمة
المبحث الاول : المركزية
المطلب الاول : التركيز الاداري
المطلب الثاني : عدم التركيز الاداري
المبحث الثاني : اللامركزية
المطلب الأول : الولاية
المطلب الثاني البلدية

الخاتمة

و لمن أراد أضافة فروع ....أختصاصات رئيس المجلس ش ب أو أختصاصات الوالي ....أو أدخل نقطة تخص الخطة مع أحترام التوازن طبعا ...
الله يوفقنا
بارك الله فيك أخي و جازاك الله خيرا أخي









قديم 2011-07-28, 18:14   رقم المشاركة : 213
معلومات العضو
bouabdellah42
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










M001

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد900 مشاهدة المشاركة
نعم الأخت أسماء ...
المرفق العام حتى تدعمي معلوماتك فقط و يسهل عليكم فهم النقطة دون أدخال المرفق العام لأنه موضوع أخر ....كما أعتقد أن الخطة ..غالبا تكون قصيرة أي مبحثين ....نقدر و نعمل خطة على الشكل الاتي ...
المقدمة
المبحث الاول : المركزية
المطلب الاول : التركيز الاداري
المطلب الثاني : عدم التركيز الاداري
المبحث الثاني : اللامركزية
المطلب الأول : الولاية
المطلب الثاني البلدية

الخاتمة

و لمن أراد أضافة فروع ....أختصاصات رئيس المجلس ش ب أو أختصاصات الوالي ....أو أدخل نقطة تخص الخطة مع أحترام التوازن طبعا ...
الله يوفقنا
بارك الله فيك
لكن هذه الخطة خرجت عن موضوع كل تساؤل قد طرح هنا من قبل









قديم 2011-07-28, 20:47   رقم المشاركة : 214
معلومات العضو
maouia
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

المرفق العام

من طرف موجاج مهدي في الخميس يناير 27, 2011 10:50 pm


مـقـدمـة
المبحث الأول: الـمرفـق العـام
المطلب الأول: تعريف المرفق العام و عناصره
المطلب الثاني: أنواع المرافق العامة
المطلب الثالث: طرق إدارة المرافق العامة
المبحث الثاني: النظام القانوني للمرافق العامة في الجزائر
المطلب الأول: أنماط النظم القانونية للمرافق العامة
المطلب الثاني: السلطة المختصة بعملية تنظيم المرافق العامة
المطلب الثالث: المبادئ القانونية التي تحكم و تنظم المرافق العامة
خـاتـمـة

مـقـدمـة
يظهر النشاط الإداري في صورتين أساسيتين:
أولا: أنه يظهر في الإطار القانوني للدولة بهدف تحقيق مصلحة عامة ضمن إطار تنفيذ
مهمة مرفق عام.
ثانيا: أنه يظهر في حدود ممارسة السلطة لتحقيق النظام و هو ما يسمى بالضبط الإداري.
و في محاولة لربط المواضيع ، كنا في السداسي الأول لما حاولنا أن نعطي مفهوما للقانون الإداري قد اعتمدنا على معيارين هما:
1/ معيار السلطة العامة.
2/ معيار المرفق العام.
و من خلال هذه الدراسة توصلنا إلى العلاقة التالية:
وجود مرفق عام يعني وجود قانون إداري يعني وجود قاضي إداري.

و بالتالي فتحديد مفهوم المرفق العام يعني تحديد مفهوم القانون الإداري
إذن المشكل المطروح هو: ما هو المرفق العام؟ ما هي أنواعه ؟ و هل يوجد نظام قانوني يحدد لنا فكرة المرفق العام في الجزائر ؟

الـمـبـحـث الأول: الـمـرفـق الـعـام
تتجه محاولات تعريف المرفق العام في اتجاهين أساسيين،اتجاه يركز تعريفه للمرفق العام على الجانب العضوي أو الشكلي،و الاتجاه الثاني يركز على الجانب المادي أو الموضوعي و هناك اتجاه ثالث يجمع بين الجانبين العضوي و المادي لفكرة المرفق العام .
الفرع الأول: تعريف المرفق العام
أولا: المعيار العضوي
ينظر هذا المعيار للمرفق العام على أساس أنه منظمة أو جهاز إداري عام،أي أن هذا الاتجاه يرى بأن المرفق العام ما هو إلا مؤسسة عامة أو إدارة محددة.

مثل: إدارة الصحة، فهي تمثل مرفق عام هو الصحة العمومية.
و من التعاريف التي ترتكز على الجانب الشكلي، التعريف التالي المرفق العام هو منظمة عامة من السلطات و الاختصاصات،التي تكفل القيام بخدمة معينة تسديها للجمهور على نحو منتظم و مطرد.)
يتضح من خلال هذا التعريف أن المرفق العام جهاز مرتبط بالإدارة العامة و يتمتع بأساليب السلطة العامة .
ثانيا: المعيار المادي
يعرف هذا المعيار المرفق العام باعتباره نشاط عام يستهدف تحقيق أهداف عامة.
و على هذا الأساس المعيار المادي يعرف المرفق العام انطلاقا من فكرة النشاط بخلاف المعيار العضوي الذي يعرفه انطلاقا من فكرة المؤسسة.
و من أهم التعاريف التي تركز على الجانب المادي للمرفق العام،تعريف leon duguit
الذي يعرف المرفق العام بأنه كل نشاط يجب أن يكلفه و ينظمه و يتولاه الحكام لأن الاضطلاع بهذا النشاط لا غنى عنه لتحقيق التضامن الاجتماعي و لتطوره،و أنه بحيث لا يمكن تحقيقه على أكمل وجه إلا عن طريق تدخل السلطة الحاكمة.)
و يأتي تعريف الأستاذ andre de lambadere
على أن المرفق العام نشاط تباشره سلطة عامة بقصد الوفاء بحاجة ذات نفع عام.)
نلاحظ أن هذا التعريف جمع بين الجانبين المادي و العضوي.
أما الفقيه رولان فيذكر في تعريفه للمرفق العام بأنه مشروع ذو نفع عام،خاضع للهيمنة أو الإدارة العليا للحكام،الذي يهدف إلى إشباع حاجات عامة للجمهور بسبب عدم كفاية أو عدم وجود مشروعات خاصة تحقق هذه الأغراض ،و يخضع لحد أدنى من القواعد الخاصة أي لنظام قانوني خاص و استثنائي.)





الفرع الثاني: عناصر المرفق العام
اعتمادا على التعاريف السابقة يمكن أن نستخلص الأركان التي يقوم عليها المرفق العام و هي بمثابة العناصر المميزة له عن غيره من الأجهزة و المؤسسات الإدارية العامة و الخاصة،و تتمثل هذه الأركان في ما يلي:
أولا: المرفق العام مشروع عام
و نعني به أن المرفق العام هو نشاط منظم و متناسق تمارسه مجموعة بشرية قيادية،توجيهية
إدارية و تنفيذية بوسائل مادية و فنية و قانونية لتحقيق غرض محدد.
ثانـيـا: المرفق العام مشروع ذو نفع عام
الهدف الأساسي من وجود المرفق العام هو تحقيق المصلحة العامة عن طريق إشباع الحاجات العامة سواء كانت مادية أو معنوية لمواطني الدولة.
و هذه المصلحة العامة تكون متلائمة مع الطبيعة الاجتماعية،الاقتصادية،و السياسية السائدة في كل مجتمع و دولة.
ثالـثـا: المرفق العام مرتبط بالدولة و الإدارة العامة
حتى يكتسب أي جهاز إداري صفة مرفق عام لا بد و أن يرتبط بالدولة و الإدارة العامة من أنه عضو في هذه الإدارة و ذلك حسب الوظيفة التي يؤديها،و هذا الارتباط لا يكون إلا وفقا للعنصرين السابقين و بالتالي نجد المرفق العام ما هو إلا أداة في يد الدولة لتحقيق النفع العام
و على هذا الأساس يكون ارتباط المرفق العام مجرد خضوعه للسلطة المختصة من حيث الإنشاء،التنظيم،التسيير،و الرقابة.
رابـعـا: المرفق العام هو مشروع يخضع لقانون خاص و استثنائي
المقصود بالنظام الاستثنائي هو الأحكام و المبادئ القانونية التي تختلف عن تلك التي تحكم
و تنظم القانون العادي.
و نشير في هذا السياق إلى أن النظام الاستثنائي الخاص الذي يحكم المرافق العامة له دور أساسي في تحديد مفهوم القانون الإداري كونه مستقل و مختلف تماما عن قواعد القانون العادي.
الـمطـلـب الـثـانـي: أنـواع الـمـرافق الـعـامـة
تتعدد أنواع المرافق العامة بتعدد تقسيماتها الفقهية و هذا بالنظر لطبيعة المرفق في حد ذاته
و هذه التقسيمات هي:
الفرع الأول: تقسيم المرافق العامة وفقا لأنشطتها
أولا: المرافق العامة الإدارية
و هي المرافق التي تمارس النشاط الإداري انطلاقا من كونه وظيفة إدارية بحتة.
و تدخل فيها المرافق التقليدية التي تعد أساسا لمفهوم القانون الإداري،و تنصب على وظائف الدولة الأساسية في حماية الأمن الداخلي و الخارجي.
يخضع هذا النوع من المرافق لقواعد القانون العام،ومن أمثلتها:مرفق العدالة،مرفق الصحة
مرفق التعليم،...
ثـانـيـا: المرافق العامة الاجتماعية
هي مجموعة المرافق العامة التي تمارس نشاطا اجتماعيا من أجل تحقيق أهداف اجتماعية
و من أمثلتها: مرفق الضمان الاجتماعي،مرفق التأمينات،...
لكن يخضع هذا النوع من المرافق لقواعد القانون الإداري و القانون الخاص.
ثـالـثـا: المرافق العامة الاقتصادية
يقصد بها المرافق التي تزاول نشاطا اقتصاديا بهدف تحقيق أهداف اقتصادية لإشباع حاجات عامة صناعية،تجارية،مالية،زراعية.
و تخضع هذه المرافق لقواعد القانون الإداري و القانون الخاص ( القانون التجاري و قانون العمل).و من أمثلتها مرفق النقل بأنواعه،البري،البحري،الجوي،و بواسطة السكك الحديدية.
رابـعـا: المرافق العامة المهنية أو النقابية
تتولى هذه المرافق توجيه النشاط المهني بواسطة هيئات يخولها القانون بعض امتيازات السلطة العامة كنقابات المهن الزراعية و نقابة المهندسين و نقابة الأطباء،و غرف التجارة
و غيرها...حيث تلزم القوانين المشتغلين بإحدى هذه المهن أن يشتركوا في عضويتها،و أن يخضعوا لسلطتها .
و كمثال على هذا النوع من المرافق نذكر:نقابة المحامين،نقابة الأطباء،...
تخضع هذه المرافق لمزيج من قواعد القانون الإداري و القانون الخاص.
الفرع الثاني: تقسيم المرافق العامة وفقا لمداها الإقليمي
أولا: مرافق عامة وطنية
و هي المرافق التي تنشأ لتحقيق أهداف على المستوى الوطني و مثالها مرفق الشرطة
مرفق الجمارك،مرفق القضاء،...
بالنسبة لهذا النوع من المرافق تعتبر الدولة مسؤولة عن تعويض الأضرار التي قد تحدث للأفراد نتيجة ممارستها المباشرة لهذا النشاط.
ثـانـيـا: مرافق عامة محلية (ولائية و بلدية)
قانون الولاية و البلدية يسمح بإنشاء مرفق عامة كمرافق حماية الغابات،كما يسمح بإنشاء مرافق ذات طابع اقتصادي،كالمؤسسات،الشركات،الوحدات الإنتاجية،...و يكون ذلك بموافقة الوالي و المصادقة عنها.
الفرع الثاني: تقسيم المرافق العامة وفقا لأسلوب إنشائها
أولا: المرافق العامة التي تنشئها الدولة بإرادتها الصريحة
و هي المرافق الاختيارية التي تتمتع السلطة الإدارية المختصة بحرية التصرف بصدد إنشائها من أجل القيام بنشاط محدد و يتم ذلك بتدخل السلطة التشريعية.
و من الأمثلة عليها مرفق المواصلات،مرفق المناجم،...
ثـانـيـا: المرافق العامة الإجبارية
يشمل هذا النوع من المرافق تلك التي تلتزم الدولة بإنشائها وجوبا،أي لا تحتاج لأداة تشريعية لممارستها باعتبار أنها تدخل في إطار الوظيفة الطبيعية للدولة.
و مثالها،مرفق الدفاع الوطني،مرفق العدالة،...
لـكـن ، هناك من الفقهاء من يعرف المرافق العامة الإجبارية على أنها: الأنشطة
أو المشاريع التي يسندها القانون إلى شخص لا مركزي بشكل إلزامي حيث تفقد الإدارة المحلية مثلا حريتها في الاختيار،و تكون ملزمة بتنفيذ القانون و الاضطلاع بمهام المرفق العام.
الـمطـلـب الـثـالـث: طـرق إدارة الـمرفـق الـعـام
تبعا للنشاط الذي يؤديه المرفق العام يتضح الأسلوب الذي يسير به هذا المرفق و بالتالي هناك عدة طرق و أساليب لتسيير المرافق العامة،خاصة بعد انتقال دور الدولة من دولة حارسة إلى دولة متدخلة،مما سمح بإنشاء عدة مرافق عامة .
و تمحورت هذه الأساليب حول ما يلي:
• الامـتـيـاز( الالتزام)
• المؤسسة العامة
• الإدارة المباشرة
و هناك بعض الفقهاء من يضيف أسلوب الشركات التي تساهم فيها الدولة.
لكن سنركز في الشرح على الأساليب الثلاثة الأولى باعتبارها العناصر المشتركة بين أغلبية الفقهاء.
الفرع الأول: أسلوب الامـتـيـاز
في هذا الأسلوب تقوم الإدارة بمنح امتياز تسيير المرافق العامة لأحد الأشخاص سواء كان شخص طبيعي أو معنوي،لمدة زمنية محددة بغرض تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها المرفق العام.
و في هذه الحالة تكون الإدارة قد تخلت عن تسيير المرفق فقط بسبب اتساع نشاطها و كثرة أعبائها،و يتم ذلك بواسطة عقد الامتياز .
الفرع الثاني: تسيير المرفق العام عن طريق المؤسسة العامة
إذا رجعنا إلى تعريف المرفق العام حسب المعيار العضوي نجد أنه عبارة عن مؤسسة عامة و هذه الأخيرة ما هي إلا شخص عام يتمتع بالشخصية المعنوية تقوم الدولة بإنشائه لإدارة المرفق العام،و بالتالي يصبح هذا الشخص المعنوي العام متمتعا بالاستقلال و ذمة مالية خاصة به،كما يكون له حق التقاضي.
نشير في الأخير إلى أن هذه المميزات تعرضنا لها في إطار موضوع التنظيم الإداري
و تحديدا في إطار شرح ما يسمى باللامركزية المرفقية .
الفرع الثالث: أسلوب الإدارة المباشرة
هو أسلوب الاستغلال المباشر و يسمى أيضا بنظام الحصر،و يعد هذا الأسلوب من الأساليب التقليدية حيث تستخدم الإدارة العامة عمالها و أموالها لتسيير المرفق و استغلاله مباشرة
و ترتيبا على ذلك فالعمال هم موظفون عموميين و الأموال هي أموال عامة تخضع لقواعد ميزانية الدولة العامة.
إن أسلوب التسيير أو الاستغلال المباشر للمرفق العام يعكس احتكار السلطة العامة عن طريق الإدارة لجميع النشاطات المختلفة،وقد ظهرت عدة نظريات تختص بهذاالأسلوب منها:
نظرية الموظف الفعلي و نظرية الموظف العام،...
• فبالنسبة لنظرية الموظف الفعلي، فقد ظهرت في القانون الإداري الفرنسي و ذلك بعد
صدور قرار مجلس الدولة.
حيث أنه في فترة الاجتياح الألماني لفرنسا تعطلت كل مرافق بلدية باريس مما دفع ببعض المواطنين إلى تشكيل لجنة تقوم بمهمة تسيير البلدية .
لـكـن و بعد استئناف المسار الانتخابي رفع المنتخبون دعوى أمام مجلس الدولة بحجة أن هذه اللجنة المشكلة من المواطنين قامت باتخاذ قرارات في غياب المنتخبين مع العلم أنها (اللجنة) غير مختصة بهذه الوظيفة.
غير أن مجلس الدولة في قراره المتخذ اعتبر القرارات الصادرة غير معيبة بعدم الاختصاص بسبب وجود الدولة في تلك الفترة تحت ظرف استثنائي، مما يعني أن مجلس الدولة اعتبر المواطنين مختصين فعليا و ليس قانونيا، و لهذا الاختصاص الفعلي شروط تتمثل في وجود ظروف استثنائية و النية الحسنة و هذه الشروط تدخل في إطار السلطة التقديرية لمجلس الدولة.
• أما بالنسبة لنظرية الموظف العام، فهي كما سبقت الإشارة إليه في بداية هذا الفرع أن الموظف الذي تعينه الإدارة لتسيير المرفق مباشرة يسمى الموظف العام و يخضع في الجزائر لقانون الوظيف العمومي.
و تجدرالإشارة في الأخير أن أسلوب الإدارة المباشرة تعرض للعديد من الانتقادات منها:
أنه أسلوب ينشأ عنه في المرافق الاقتصادية مثلا، العراقيل و التعقيدات الإدارية التي تحول دون تحقيق الأهداف الاقتصادية.
يزيد من أعباء الإنفاق المالي و الذي يترتب في الذمة المالية للجماعات المحلية مما يثقل كاهلها.
يجعل من الجماعات المحلية منهمكة في مهام التسيير و التدخل في بعض الأحيان في مجالات ليست من صلاحياتها.
يجعل كل من الدولة و الجماعات المحلية طرفا في الكثير من المنازعات و القضايا نتيجة التدخل في جميع الميادين و على جميع المستويات.
المبحث الثاني: النظام القانوني للمرافق العامة في الجزائر
يقصد بالنظام القانوني للمرفق العام مجموعة المبادئ و القواعد و الأحكام القانونية التي تتعلق بكيفية تنظيم و تسيير و مراقبة المرفق العام.
المطلب الأول: أنماط النظم القانونية التي تحكم و تحدد المرافق العامة
يتكون النظام القانوني للمرافق العامة من ثلاث فئات من النظم القانونية و هي على التوالي:
الفرع الأول: النظام القانوني العام للمرافق العامة
يشمل هذا النظام المبادئ و القواعد القانونية التي تحكم و تطبق على جميع أنواع المرافق العامة.


الفرع الثاني: النظام القانوني الخاص للمرافق العامة
هو النظام القانوني الذي يشتمل على مجموعة القواعد و الأحكام و المبادئ و الأساليب القانونية التي تتعلق بنوع معين من المرافق العامة مثل: النظام القانوني الخاص بالمرافق العامة الاقتصادية أو الإدارية أو المهنية .
الفرع الثالث: النظام القانوني الأخص للمرافق العامة
يقصد به مجموعة الأحكام و الأساليب القانونية الخاصة بكل مرفق على حدى و الذي يوجد عادة في القانون أو القرار الإداري المنشئ و المنظم لمرفق معين، كما أنه يتضمن أحكام
و أساليب قانونية تحدد أهداف و وظائف المرفق العام .
و توضيحا لذلك فإن النظام الإداري الجزائري اعتمد على هذه الأنماط الثلاثة من خلال:
أولا: المرسوم رقم 84/12 المؤرخ في:22/01/1984 و المتضمن تنظيم و تشكيل الحكومة بكل وزاراتها.
ثانيا: المرسوم رقم 86/57 المؤرخ في:25/03/1986 و المعدل للمرسوم رقم 85/119 المؤرخ في:21/05/1985 المتضمن تحديد المهام العامة لهياكل الإدارة المركزية في الوزارات المختلطة .
ثالثا: المراسيم الخاصة بتحديد هياكل و مهام كل وزارة .
و عليه فإن المرسوم رقم 84/12 يمثل النظام القانوني العام لكل وزارات الحكومة مجتمعة
و داخل هذا النظام العام نجد نظاما خاصا يوضح القواعد القانونية التي تنظم المرافق المختلطة كالنظام القانوني الخاص بتنظيم و تسيير مستشفى الأحداث باعتباره مرفق مختلط بين وزارة الصحة و وزارة الحماية الاجتماعية.
و إلى جانب هذا النظام الخاص هناك نظاما أخص حيث يندرج ضمنه المبادئ و القواعد القانونية التي تحكم و تنظم المرافق التي أنشأتها كل وزارة كالمستشفيات و المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة.


المطلب الثاني: السلطة المختصة بعملية تنظيم المرافق العامة
قبل الحديث عن السلطة التي يعود لها الاختصاص في إنشاء و تنظيم المرافق العامة لابد من معرفة ماذا نعني بعملية تنظيم المرافق العامة ؟
الفرع الأول: مفهوم عملية تنظيم المرافق العامة
نتيجة للاختلاف الفقهي في القانون الإداري حول تحديد مفهوم تنظيم المرفق العام ظهر مفهومان :
أولا: مـفـهـوم واسـع
يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن عملية التنظيم تشمل إنشاء المرفق العام،وظائفه،أهدافه
إدارته و تسييره،الهيئات التي تختص بالتسيير،...
ثانيا: مـفـهـوم ضـيـق
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن عملية تنظيم المرفق العام تكون محصورة فقط في الإدارة
و التسيير الداخلي للمرفق العام،و لا تتعداه إلى تحديد الوظائف و الأهداف و الرقابة على المرفق إضافة إلى تعديله.
الفرع الثاني: السلطة التي تختص بإنشاء و تنظيم المرفق العام
تتأرجح سلطة تنظيم المرافق العامة في القانون المقارن بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية.
و عليه فقد انقسم فقه القانون الدستوري و القانون العام في تحديد أي السلطتين أولى بعملية تنظيم المرافق العامة.
• فبالنسبة لفقه القانون العام،يتجه إلى أن السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص
و حجتهم في ذلك أن هذه السلطة هي التي تحقق الحماية القانونية للحقوق و الحريات الاقتصادية لمواطني الدولة.
و بالتالي مادامت هذه السلطة هي من يوافق على اعتمادات و موارد المرافق العامة أي على نفقات و إيرادات المرفق فهي الأولى بتنظيمه و إنشائه.
• أما بالنسبة لفقه القانون الدستوري،فيرى ضرورة إسناد عملية تنظيم المرفق العام

للسلطة التنفيذية و تبرير ذلك يعتمد على مبدأ الاختصاص لأن السلطة التنفيذية تضطلع بعملية تنظيم المرافق العامة انطلاقا من اللوائح التنظيمية التي تقوم بإصدارها.
و في ما يتعلق بالجزائر فإن السلطة التنفيذية هي التي تتولى إنشاء و تنظيم المرافق العامة أي أن الدولة في حد ذاتها هي التي تقوم بهذا الإنشاء و التنظيم من منطلق أن إنشاء المرافق العامة يدخل في إطار صلاحيات الدولة التي يخولها لها الدستور.
و ترتيبا على ذلك فقد تم إنشاء العديد من المرافق العامة عن طريق مراسيم و أوامر هذا على الصعيد الوطني،أما على المستوى المحلي فإن الجماعات المحلية تقوم بإنشاء المرافق العامة حسب النصوص الواردة في قانوني الولاية و البلدية ،كما أشرنا إلى ذلك سابقا في أنواع المرافق.
المطلب الثالث: المبادئ القانونية التي تحكم و تنظم المرافق العامة
حتى يحقق المرفق العام المصلحة العامة لجميع المنتفعين فقد أنشأ له الفقه أسس و مبادئ أجمع عليها الفقهاء و استقرت في أحكام القضاء و لمعرفة هذه المبادئ نوضحها حسب
ما يلي :
الفرع الأول: مبدأ انتظام سير المرفق العام
يقضي هذا المبدأ بحتمية استمرار المرافق العامة بشكل منتظم طالما أنه يقدم خدمات للمواطنين تعتبر أساسية لإشباع حاجات عامة لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها.
و من هذا المنطلق فأي توقف أو أي خلل في سير المرافق العامة يؤدي إلى شلل الحياة العامة في الدولة .
إن هذا المبدأ القانوني مبدأ أصيل من الواجب تطبيقه سواء نصت عليه النصوص القانونية
و التنظيمية أو لم تنص .
و ترتيبا على ذلك فإن الإدارة لا تقوم ببيع المرافق العامة أو التخلي عنها نهائيا .
إن مبدأ استمرارية المرفق العام يوجب على السلطة العامة تأمين و احترام المرفق العام سواء في مجال الموظفين العموميين حيث تمنع القوانين إضرابهم عن العمل أو توجب تأمين أو انتداب موظف يحل محل الموظف الذي ينقطع عن عمله لسبب من الأسباب،أو في مجال العقود الإدارية حيث تجيز السلطة العامة لنفسها فسخ العقد إذا أصبح تنفيذه مستحيلا بسبب القوة القاهرة أو في مجالات تقضي بعدم جواز التصرف بالأملاك العامة .
إن النتيجة التي يمكن التوصل إليها مما سبق ذكره أن القانون يوجب على السلطة الإدارية المختصة حماية المرفق العام من أجل تحقيق المصلحة العامة و بالتالي فهذا الهدف يحتاج إلى مبدأ الاستمرارية .
و إذا رجعنا للنظام القانوني الجزائري نجد أن دستور 76 و تحديدا في المادة 61 قد نص على ما يلي:
( في القطاع الخاص حق الإضراب معترف به و ينظم القانون ممارسته.) يتضح من خلال هذا النص أن الإضراب غير مسموح به بالنسبة للقطاع العام حفاظا على دوام سير المرافق العامة، و تبقى ممارسته بالنسبة للقطاع الخاص متوقفة على التنظيم القانوني له.
أي أنه لا يتجاوز مدة زمنية محدودة ( لا يكون مفتوحا) و يكون بترخيص مسبق من طرف السلطة العامة .
أما في دستور 96 فقد جاء نص المادة 57 على النحو التالي:
( الحق في الإضراب معترف به،و يمارس في إطار القانون.يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق،أو يجعل حدودا لممارسته في ميادين الدفاع الوطني و الأمن،أو في جميع الخدمات أو الأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع.)
هذا بالنسبة لفكرة الإضراب وضرورة إخضاع هذا الأخير لقيود قانونية حتى يستمر المرفق العام في تأدية خدماته،أما فيما يتعلق بالاستقالة فإن الموظف العام لا ينقطع نهائيا عن العمل بصفة عفوية بل يجب عليه تنظيم هذه الاستقالة وفقا لإجراءات قانونية تضمن له التخلي عن وظيفته دون إحداث خلل في المرفق العام.
الفرع الثاني: مبدأ المساواة أمام المرفق العام
يسمح هذا المبدأ بإعطاء الطابع السيادي للمرفق العام و هو يؤدي إلى احترام وظيفة المرافق العامة التي تقدم خدمات عامة يتساوى في الحصول عليها جميع المنتفعين من هذه المرافق إذا توفرت فيهم الشروط المطلوب توفرها للحصول على خدمات و سلع المرافق العامة و الانتفاع بها .
فهذا المبدأ يكفل لجميع المواطنين الراغبين في الانتفاع بالمرفق العام على قدم المساواة دون تمييز أو تفرقة .
يعرف هذا المبدأ بمبدأ مجانية المرفق العام،على أنه لا يقصد بلفظ المجانية المعنى الحرفي للكلمة بل المقصود بها أن يتساوى جميع المواطنين في الانتفاع بالمرفق العام.
إذن هذا المبدأ لا يتنافى بأن تقوم الدولة بفرض رسوم مقابل الحصول على خدمات من المرفق العام،أو بفرض شروط عامة للوظائف العامة .

لكن لا يجوز للإدارة أن تفرق بين الأفراد الراغبين في الاستفادة من خدمات المرفق العام ما دامت قد توفرت فيهم الشروط القانونية و بالتالي فالمساواة أمام المرفق العام تقتضي ألا تتأثر الإدارة بالاتجاه السياسي أو الاجتماعي للمنتفعين من المرفق العام .
و نشير هنا إلى أن تحقيق مبدأ المساواة أمام المرفق العام يوجب على الإدارة فرض رسوم موحدة لجميع المنتفعين .
غير أن الفقه أورد على هذه القاعدة العامة (قاعدة المساواة) بعض الاستثناءات نذكر أهمها:
• إعفاء العاجزين و المسنين من دفع الرسوم كاملة،أو إعفاء الطلبة الممتازين من دفع المصروفات الجامعية مثلا.
• الاستثناءات المتأتية من ممارسة الإدارة العامة لسلطتها التقديرية حيث تتوفر في مجموعة من الأفراد نفس الشروط للانتفاع بالمرفق العام،لكن الإدارة تفضل البعض على البعض الآخر. مثل:تفضيل الرجال في بعض الوظائف على النساء .
إن النتيجة التي يمكن أن نتوصل لها هي أن مبدأ المساواة يعني أن إنشاء المرفق العام
لا يهدف إلى الربح بل إن القانون يمنع الإدارة بأن تقوم بتحصيل الأرباح نتيجة تنظيمها للمرافق العامة .
و عليه فإن الإدارة العامة تخضع لرقابة القضاء في عملية تطبيق مبدأ المساواة أمام المرافق العامة،مما يعني أن عدم التزام الإدارة بتطبيق هذا المبدأ يعرض المرفق العام الذي لم يسير وفق هذا المبدأ لعملية الإلغاء.

الفرع الثالث: قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير
يعتبر هذا المبدأ من المبادئ العامة و المسلم بها من جانب الفقه و القضاء،فهو بمنح للسلطة الإدارية حق تعديل النظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة بما يتناسب مع التطورات التي تمس النشاطات المختلفة للمرافق العامة .
إذن هذا المبدأ يتضمن تنظيم و تسيير المرافق العامة في الدولة حسب العوامل و العناصر الملائمة للواقع و التكيف مع الظروف و المعطيات الطارئة و المستجدة و بالتالي فالمرفق العام يتغير في الزمان و المكان لأن المرفق الذي يعبر عن نشاط عام في الماضي قد لا يعبر عنه في الحاضر .
و مثال ذلك : التجارة الخارجية في الجزائر كانت بموجب دستور 76 تعبر عن مرفق عام لكن بعد دستور 89 لم تعد محتكرة من طرف الدولة،حيث أصبحت عمليات التصدير و الاستيراد تنظم بمشاريع خاصة .
و فيما يتعلق بالمرافق العامة التي تسير عن طريق عقود الامتياز فإن للإدارة الحق في أن تتدخل أيضا في هذه العقود لتعديلها حسب ما يتفق مع الظروف المستجدة من أجل تحقيق المصلحة العامة.
غير أن هذا التعديل يمنح للمتعاقد حق مطالبة السلطة العامة بالتعويض من أجل إعادة التوازن المالي للعقد.



خـاتـمـة
يبدو المرفق العام من المواضيع الأساسية في القانون الإداري حيث أنه أخذ كمعيار لتحديد مفهوم هذا الأخير .
و عليه فإن المرفق العام يعتبر نواة القانون الإداري من الجانب القانوني.
إن ما يمكن أن نستخلصه مما سبق أنه لا يمكن أن يكون للمرفق العام مفهوم جامع و مانع
و بشكل مجرد و حيادي إلا في ضوء الأهداف و الغايات الإدارية،الاجتماعية،و الاقتصادية التي تحدد له مسبقا.
مع ضرورة تعيين الجهة التي تختص بإنشائه و هي كما سبقت الإشارة إليه تأرجحت في الفقه بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و قد تكون إلى هذه الأخيرة أقرب باعتبار أن إنشاء المرافق العامة يدخل في الإطار التنظيمي من جهة وتحقيق المصلحة العامة يتطلب سرعة الإنشاء و التنظيم من جهة ثانية.
إضافة إلى ذلك فإن سياسة الدولة هي التي تبني المرافق العامة لكن من المنطلق القانوني نجد أن المرافق العامة تنشأ تلقائيا بالاعتماد على ما يحتاجه الأفراد في المجتمع.
بغض النظر و دون الدخول في الجدل الفقهي حول أي السلطتين أولى بإنشاء المرافق العامة التشريعية أم التنفيذية، فإن تسيير هذه المرافق يحتاج إلى أساليب و طرق تم حصرها

فيما يلي:
• أسلوب الإدارة المباشرة.
• أسلوب الامتياز.
• عن طريق المؤسسة العامة.
إن كل مرفق عام يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية تتمثل في:
• مبدأ انتظام سير المرفق العام (مبدأ الاستمرارية ).
• مبدأ المساواة أمام المرافق العامة (مبدأ المجانية ).
• قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير( مبدأ التكيف ).
و نشير في الأخير إلى أن مفهوم المرفق العام في الجزائر و في المرحلة ما بين 62 إلى 88 يكاد يكون غير واضح و غامض إلى حد ما .
لكن ابتداء من سنة 88 بدأت تتضح معالمه بعض الشيء، غير أنه و بتدخل الدولة و ظهور مرافق صناعية و تجارية أصبح من الصعب تحديد مفهومه مما أدى إلى أن اتجهت بعض الآراء في الجزائر إلى ضرورة تعريف دور الدولة حتى يتضح مفهوم المرفق العام.










قديم 2011-07-30, 15:18   رقم المشاركة : 215
معلومات العضو
"راجية الجنة"
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الصورة الرمزية "راجية الجنة"
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم

فضلا اخوتي عندي ليكم طلب ارجو ان اجده عندكم

وهي صلاحيات الادارية لرئيس الجمهورية حسب تعديل 2008 لانه تم التعديل بشكل واسع في صلاحياتها وتقريبا حسب القراة التقنية للتعديل
يكاد يصبح النظام رئاسي


ارجوا منكم المساعة قريبا

ولكم ني جزيل الشكر










قديم 2011-07-30, 15:46   رقم المشاركة : 216
معلومات العضو
امين83
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الأوسمة
الموضوع المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B11 الصلاحيات

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة "راجية الجنة" مشاهدة المشاركة
السلام عليكم

فضلا اخوتي عندي ليكم طلب ارجو ان اجده عندكم

وهي صلاحيات الادارية لرئيس الجمهورية حسب تعديل 2008 لانه تم التعديل بشكل واسع في صلاحياتها وتقريبا حسب القراة التقنية للتعديل
يكاد يصبح النظام رئاسي


ارجوا منكم المساعة قريبا

ولكم ني جزيل الشكر
السلام عليكم
هناك عدة مواد محددة في الدستور حسب التعديل 2008 ...
1- يخص مادة 77 الفقرة 6 ... يمكن رئيس الجمهورية أن يفوض جزءا من صلاحياته للوزير الأول لرئاسة اجتماعات الحكومة، مع مراعاة أحكام المادة 87 من الدستور و الفقرة 7 يمكنه أن يعين نائبا أو عدة نواب للوزير الأول بغرض مساعدة الوزير الأول في ممارسة وظائفه، وينهي مهامهم،....
م79... يعين رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول....
هذه بعض الصلاحيات الادارية الجديدة من خلال مقارنة لصلاحيات في دستور 1996 و تعديل 2008 ...و أليك الرابط التعديل الأخير 2008 ...
https://www.joradp.dz/HAR/Index.htm
أضغطي في الجهة اليمنى على الدستور ...
الله يوفقنا









قديم 2011-07-30, 15:53   رقم المشاركة : 217
معلومات العضو
امين83
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الأوسمة
الموضوع المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B11 المرفق العام

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maouia مشاهدة المشاركة
المرفق العام

من طرف موجاج مهدي في الخميس يناير 27, 2011 10:50 pm


مـقـدمـة
المبحث الأول: الـمرفـق العـام
المطلب الأول: تعريف المرفق العام و عناصره
المطلب الثاني: أنواع المرافق العامة
المطلب الثالث: طرق إدارة المرافق العامة
المبحث الثاني: النظام القانوني للمرافق العامة في الجزائر
المطلب الأول: أنماط النظم القانونية للمرافق العامة
المطلب الثاني: السلطة المختصة بعملية تنظيم المرافق العامة
المطلب الثالث: المبادئ القانونية التي تحكم و تنظم المرافق العامة
خـاتـمـة

مـقـدمـة
يظهر النشاط الإداري في صورتين أساسيتين:
أولا: أنه يظهر في الإطار القانوني للدولة بهدف تحقيق مصلحة عامة ضمن إطار تنفيذ
مهمة مرفق عام.
ثانيا: أنه يظهر في حدود ممارسة السلطة لتحقيق النظام و هو ما يسمى بالضبط الإداري.
و في محاولة لربط المواضيع ، كنا في السداسي الأول لما حاولنا أن نعطي مفهوما للقانون الإداري قد اعتمدنا على معيارين هما:
1/ معيار السلطة العامة.
2/ معيار المرفق العام.
و من خلال هذه الدراسة توصلنا إلى العلاقة التالية:
وجود مرفق عام يعني وجود قانون إداري يعني وجود قاضي إداري.

و بالتالي فتحديد مفهوم المرفق العام يعني تحديد مفهوم القانون الإداري
إذن المشكل المطروح هو: ما هو المرفق العام؟ ما هي أنواعه ؟ و هل يوجد نظام قانوني يحدد لنا فكرة المرفق العام في الجزائر ؟

الـمـبـحـث الأول: الـمـرفـق الـعـام
تتجه محاولات تعريف المرفق العام في اتجاهين أساسيين،اتجاه يركز تعريفه للمرفق العام على الجانب العضوي أو الشكلي،و الاتجاه الثاني يركز على الجانب المادي أو الموضوعي و هناك اتجاه ثالث يجمع بين الجانبين العضوي و المادي لفكرة المرفق العام .
الفرع الأول: تعريف المرفق العام
أولا: المعيار العضوي
ينظر هذا المعيار للمرفق العام على أساس أنه منظمة أو جهاز إداري عام،أي أن هذا الاتجاه يرى بأن المرفق العام ما هو إلا مؤسسة عامة أو إدارة محددة.

مثل: إدارة الصحة، فهي تمثل مرفق عام هو الصحة العمومية.
و من التعاريف التي ترتكز على الجانب الشكلي، التعريف التالي المرفق العام هو منظمة عامة من السلطات و الاختصاصات،التي تكفل القيام بخدمة معينة تسديها للجمهور على نحو منتظم و مطرد.)
يتضح من خلال هذا التعريف أن المرفق العام جهاز مرتبط بالإدارة العامة و يتمتع بأساليب السلطة العامة .
ثانيا: المعيار المادي
يعرف هذا المعيار المرفق العام باعتباره نشاط عام يستهدف تحقيق أهداف عامة.
و على هذا الأساس المعيار المادي يعرف المرفق العام انطلاقا من فكرة النشاط بخلاف المعيار العضوي الذي يعرفه انطلاقا من فكرة المؤسسة.
و من أهم التعاريف التي تركز على الجانب المادي للمرفق العام،تعريف leon duguit
الذي يعرف المرفق العام بأنه كل نشاط يجب أن يكلفه و ينظمه و يتولاه الحكام لأن الاضطلاع بهذا النشاط لا غنى عنه لتحقيق التضامن الاجتماعي و لتطوره،و أنه بحيث لا يمكن تحقيقه على أكمل وجه إلا عن طريق تدخل السلطة الحاكمة.)
و يأتي تعريف الأستاذ andre de lambadere
على أن المرفق العام نشاط تباشره سلطة عامة بقصد الوفاء بحاجة ذات نفع عام.)
نلاحظ أن هذا التعريف جمع بين الجانبين المادي و العضوي.
أما الفقيه رولان فيذكر في تعريفه للمرفق العام بأنه مشروع ذو نفع عام،خاضع للهيمنة أو الإدارة العليا للحكام،الذي يهدف إلى إشباع حاجات عامة للجمهور بسبب عدم كفاية أو عدم وجود مشروعات خاصة تحقق هذه الأغراض ،و يخضع لحد أدنى من القواعد الخاصة أي لنظام قانوني خاص و استثنائي.)





الفرع الثاني: عناصر المرفق العام
اعتمادا على التعاريف السابقة يمكن أن نستخلص الأركان التي يقوم عليها المرفق العام و هي بمثابة العناصر المميزة له عن غيره من الأجهزة و المؤسسات الإدارية العامة و الخاصة،و تتمثل هذه الأركان في ما يلي:
أولا: المرفق العام مشروع عام
و نعني به أن المرفق العام هو نشاط منظم و متناسق تمارسه مجموعة بشرية قيادية،توجيهية
إدارية و تنفيذية بوسائل مادية و فنية و قانونية لتحقيق غرض محدد.
ثانـيـا: المرفق العام مشروع ذو نفع عام
الهدف الأساسي من وجود المرفق العام هو تحقيق المصلحة العامة عن طريق إشباع الحاجات العامة سواء كانت مادية أو معنوية لمواطني الدولة.
و هذه المصلحة العامة تكون متلائمة مع الطبيعة الاجتماعية،الاقتصادية،و السياسية السائدة في كل مجتمع و دولة.
ثالـثـا: المرفق العام مرتبط بالدولة و الإدارة العامة
حتى يكتسب أي جهاز إداري صفة مرفق عام لا بد و أن يرتبط بالدولة و الإدارة العامة من أنه عضو في هذه الإدارة و ذلك حسب الوظيفة التي يؤديها،و هذا الارتباط لا يكون إلا وفقا للعنصرين السابقين و بالتالي نجد المرفق العام ما هو إلا أداة في يد الدولة لتحقيق النفع العام
و على هذا الأساس يكون ارتباط المرفق العام مجرد خضوعه للسلطة المختصة من حيث الإنشاء،التنظيم،التسيير،و الرقابة.
رابـعـا: المرفق العام هو مشروع يخضع لقانون خاص و استثنائي
المقصود بالنظام الاستثنائي هو الأحكام و المبادئ القانونية التي تختلف عن تلك التي تحكم
و تنظم القانون العادي.
و نشير في هذا السياق إلى أن النظام الاستثنائي الخاص الذي يحكم المرافق العامة له دور أساسي في تحديد مفهوم القانون الإداري كونه مستقل و مختلف تماما عن قواعد القانون العادي.
الـمطـلـب الـثـانـي: أنـواع الـمـرافق الـعـامـة
تتعدد أنواع المرافق العامة بتعدد تقسيماتها الفقهية و هذا بالنظر لطبيعة المرفق في حد ذاته
و هذه التقسيمات هي:
الفرع الأول: تقسيم المرافق العامة وفقا لأنشطتها
أولا: المرافق العامة الإدارية
و هي المرافق التي تمارس النشاط الإداري انطلاقا من كونه وظيفة إدارية بحتة.
و تدخل فيها المرافق التقليدية التي تعد أساسا لمفهوم القانون الإداري،و تنصب على وظائف الدولة الأساسية في حماية الأمن الداخلي و الخارجي.
يخضع هذا النوع من المرافق لقواعد القانون العام،ومن أمثلتها:مرفق العدالة،مرفق الصحة
مرفق التعليم،...
ثـانـيـا: المرافق العامة الاجتماعية
هي مجموعة المرافق العامة التي تمارس نشاطا اجتماعيا من أجل تحقيق أهداف اجتماعية
و من أمثلتها: مرفق الضمان الاجتماعي،مرفق التأمينات،...
لكن يخضع هذا النوع من المرافق لقواعد القانون الإداري و القانون الخاص.
ثـالـثـا: المرافق العامة الاقتصادية
يقصد بها المرافق التي تزاول نشاطا اقتصاديا بهدف تحقيق أهداف اقتصادية لإشباع حاجات عامة صناعية،تجارية،مالية،زراعية.
و تخضع هذه المرافق لقواعد القانون الإداري و القانون الخاص ( القانون التجاري و قانون العمل).و من أمثلتها مرفق النقل بأنواعه،البري،البحري،الجوي،و بواسطة السكك الحديدية.
رابـعـا: المرافق العامة المهنية أو النقابية
تتولى هذه المرافق توجيه النشاط المهني بواسطة هيئات يخولها القانون بعض امتيازات السلطة العامة كنقابات المهن الزراعية و نقابة المهندسين و نقابة الأطباء،و غرف التجارة
و غيرها...حيث تلزم القوانين المشتغلين بإحدى هذه المهن أن يشتركوا في عضويتها،و أن يخضعوا لسلطتها .
و كمثال على هذا النوع من المرافق نذكر:نقابة المحامين،نقابة الأطباء،...
تخضع هذه المرافق لمزيج من قواعد القانون الإداري و القانون الخاص.
الفرع الثاني: تقسيم المرافق العامة وفقا لمداها الإقليمي
أولا: مرافق عامة وطنية
و هي المرافق التي تنشأ لتحقيق أهداف على المستوى الوطني و مثالها مرفق الشرطة
مرفق الجمارك،مرفق القضاء،...
بالنسبة لهذا النوع من المرافق تعتبر الدولة مسؤولة عن تعويض الأضرار التي قد تحدث للأفراد نتيجة ممارستها المباشرة لهذا النشاط.
ثـانـيـا: مرافق عامة محلية (ولائية و بلدية)
قانون الولاية و البلدية يسمح بإنشاء مرفق عامة كمرافق حماية الغابات،كما يسمح بإنشاء مرافق ذات طابع اقتصادي،كالمؤسسات،الشركات،الوحدات الإنتاجية،...و يكون ذلك بموافقة الوالي و المصادقة عنها.
الفرع الثاني: تقسيم المرافق العامة وفقا لأسلوب إنشائها
أولا: المرافق العامة التي تنشئها الدولة بإرادتها الصريحة
و هي المرافق الاختيارية التي تتمتع السلطة الإدارية المختصة بحرية التصرف بصدد إنشائها من أجل القيام بنشاط محدد و يتم ذلك بتدخل السلطة التشريعية.
و من الأمثلة عليها مرفق المواصلات،مرفق المناجم،...
ثـانـيـا: المرافق العامة الإجبارية
يشمل هذا النوع من المرافق تلك التي تلتزم الدولة بإنشائها وجوبا،أي لا تحتاج لأداة تشريعية لممارستها باعتبار أنها تدخل في إطار الوظيفة الطبيعية للدولة.
و مثالها،مرفق الدفاع الوطني،مرفق العدالة،...
لـكـن ، هناك من الفقهاء من يعرف المرافق العامة الإجبارية على أنها: الأنشطة
أو المشاريع التي يسندها القانون إلى شخص لا مركزي بشكل إلزامي حيث تفقد الإدارة المحلية مثلا حريتها في الاختيار،و تكون ملزمة بتنفيذ القانون و الاضطلاع بمهام المرفق العام.
الـمطـلـب الـثـالـث: طـرق إدارة الـمرفـق الـعـام
تبعا للنشاط الذي يؤديه المرفق العام يتضح الأسلوب الذي يسير به هذا المرفق و بالتالي هناك عدة طرق و أساليب لتسيير المرافق العامة،خاصة بعد انتقال دور الدولة من دولة حارسة إلى دولة متدخلة،مما سمح بإنشاء عدة مرافق عامة .
و تمحورت هذه الأساليب حول ما يلي:
• الامـتـيـاز( الالتزام)
• المؤسسة العامة
• الإدارة المباشرة
و هناك بعض الفقهاء من يضيف أسلوب الشركات التي تساهم فيها الدولة.
لكن سنركز في الشرح على الأساليب الثلاثة الأولى باعتبارها العناصر المشتركة بين أغلبية الفقهاء.
الفرع الأول: أسلوب الامـتـيـاز
في هذا الأسلوب تقوم الإدارة بمنح امتياز تسيير المرافق العامة لأحد الأشخاص سواء كان شخص طبيعي أو معنوي،لمدة زمنية محددة بغرض تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها المرفق العام.
و في هذه الحالة تكون الإدارة قد تخلت عن تسيير المرفق فقط بسبب اتساع نشاطها و كثرة أعبائها،و يتم ذلك بواسطة عقد الامتياز .
الفرع الثاني: تسيير المرفق العام عن طريق المؤسسة العامة
إذا رجعنا إلى تعريف المرفق العام حسب المعيار العضوي نجد أنه عبارة عن مؤسسة عامة و هذه الأخيرة ما هي إلا شخص عام يتمتع بالشخصية المعنوية تقوم الدولة بإنشائه لإدارة المرفق العام،و بالتالي يصبح هذا الشخص المعنوي العام متمتعا بالاستقلال و ذمة مالية خاصة به،كما يكون له حق التقاضي.
نشير في الأخير إلى أن هذه المميزات تعرضنا لها في إطار موضوع التنظيم الإداري
و تحديدا في إطار شرح ما يسمى باللامركزية المرفقية .
الفرع الثالث: أسلوب الإدارة المباشرة
هو أسلوب الاستغلال المباشر و يسمى أيضا بنظام الحصر،و يعد هذا الأسلوب من الأساليب التقليدية حيث تستخدم الإدارة العامة عمالها و أموالها لتسيير المرفق و استغلاله مباشرة
و ترتيبا على ذلك فالعمال هم موظفون عموميين و الأموال هي أموال عامة تخضع لقواعد ميزانية الدولة العامة.
إن أسلوب التسيير أو الاستغلال المباشر للمرفق العام يعكس احتكار السلطة العامة عن طريق الإدارة لجميع النشاطات المختلفة،وقد ظهرت عدة نظريات تختص بهذاالأسلوب منها:
نظرية الموظف الفعلي و نظرية الموظف العام،...
• فبالنسبة لنظرية الموظف الفعلي، فقد ظهرت في القانون الإداري الفرنسي و ذلك بعد
صدور قرار مجلس الدولة.
حيث أنه في فترة الاجتياح الألماني لفرنسا تعطلت كل مرافق بلدية باريس مما دفع ببعض المواطنين إلى تشكيل لجنة تقوم بمهمة تسيير البلدية .
لـكـن و بعد استئناف المسار الانتخابي رفع المنتخبون دعوى أمام مجلس الدولة بحجة أن هذه اللجنة المشكلة من المواطنين قامت باتخاذ قرارات في غياب المنتخبين مع العلم أنها (اللجنة) غير مختصة بهذه الوظيفة.
غير أن مجلس الدولة في قراره المتخذ اعتبر القرارات الصادرة غير معيبة بعدم الاختصاص بسبب وجود الدولة في تلك الفترة تحت ظرف استثنائي، مما يعني أن مجلس الدولة اعتبر المواطنين مختصين فعليا و ليس قانونيا، و لهذا الاختصاص الفعلي شروط تتمثل في وجود ظروف استثنائية و النية الحسنة و هذه الشروط تدخل في إطار السلطة التقديرية لمجلس الدولة.
• أما بالنسبة لنظرية الموظف العام، فهي كما سبقت الإشارة إليه في بداية هذا الفرع أن الموظف الذي تعينه الإدارة لتسيير المرفق مباشرة يسمى الموظف العام و يخضع في الجزائر لقانون الوظيف العمومي.
و تجدرالإشارة في الأخير أن أسلوب الإدارة المباشرة تعرض للعديد من الانتقادات منها:
أنه أسلوب ينشأ عنه في المرافق الاقتصادية مثلا، العراقيل و التعقيدات الإدارية التي تحول دون تحقيق الأهداف الاقتصادية.
يزيد من أعباء الإنفاق المالي و الذي يترتب في الذمة المالية للجماعات المحلية مما يثقل كاهلها.
يجعل من الجماعات المحلية منهمكة في مهام التسيير و التدخل في بعض الأحيان في مجالات ليست من صلاحياتها.
يجعل كل من الدولة و الجماعات المحلية طرفا في الكثير من المنازعات و القضايا نتيجة التدخل في جميع الميادين و على جميع المستويات.
المبحث الثاني: النظام القانوني للمرافق العامة في الجزائر
يقصد بالنظام القانوني للمرفق العام مجموعة المبادئ و القواعد و الأحكام القانونية التي تتعلق بكيفية تنظيم و تسيير و مراقبة المرفق العام.
المطلب الأول: أنماط النظم القانونية التي تحكم و تحدد المرافق العامة
يتكون النظام القانوني للمرافق العامة من ثلاث فئات من النظم القانونية و هي على التوالي:
الفرع الأول: النظام القانوني العام للمرافق العامة
يشمل هذا النظام المبادئ و القواعد القانونية التي تحكم و تطبق على جميع أنواع المرافق العامة.


الفرع الثاني: النظام القانوني الخاص للمرافق العامة
هو النظام القانوني الذي يشتمل على مجموعة القواعد و الأحكام و المبادئ و الأساليب القانونية التي تتعلق بنوع معين من المرافق العامة مثل: النظام القانوني الخاص بالمرافق العامة الاقتصادية أو الإدارية أو المهنية .
الفرع الثالث: النظام القانوني الأخص للمرافق العامة
يقصد به مجموعة الأحكام و الأساليب القانونية الخاصة بكل مرفق على حدى و الذي يوجد عادة في القانون أو القرار الإداري المنشئ و المنظم لمرفق معين، كما أنه يتضمن أحكام
و أساليب قانونية تحدد أهداف و وظائف المرفق العام .
و توضيحا لذلك فإن النظام الإداري الجزائري اعتمد على هذه الأنماط الثلاثة من خلال:
أولا: المرسوم رقم 84/12 المؤرخ في:22/01/1984 و المتضمن تنظيم و تشكيل الحكومة بكل وزاراتها.
ثانيا: المرسوم رقم 86/57 المؤرخ في:25/03/1986 و المعدل للمرسوم رقم 85/119 المؤرخ في:21/05/1985 المتضمن تحديد المهام العامة لهياكل الإدارة المركزية في الوزارات المختلطة .
ثالثا: المراسيم الخاصة بتحديد هياكل و مهام كل وزارة .
و عليه فإن المرسوم رقم 84/12 يمثل النظام القانوني العام لكل وزارات الحكومة مجتمعة
و داخل هذا النظام العام نجد نظاما خاصا يوضح القواعد القانونية التي تنظم المرافق المختلطة كالنظام القانوني الخاص بتنظيم و تسيير مستشفى الأحداث باعتباره مرفق مختلط بين وزارة الصحة و وزارة الحماية الاجتماعية.
و إلى جانب هذا النظام الخاص هناك نظاما أخص حيث يندرج ضمنه المبادئ و القواعد القانونية التي تحكم و تنظم المرافق التي أنشأتها كل وزارة كالمستشفيات و المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة.


المطلب الثاني: السلطة المختصة بعملية تنظيم المرافق العامة
قبل الحديث عن السلطة التي يعود لها الاختصاص في إنشاء و تنظيم المرافق العامة لابد من معرفة ماذا نعني بعملية تنظيم المرافق العامة ؟
الفرع الأول: مفهوم عملية تنظيم المرافق العامة
نتيجة للاختلاف الفقهي في القانون الإداري حول تحديد مفهوم تنظيم المرفق العام ظهر مفهومان :
أولا: مـفـهـوم واسـع
يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن عملية التنظيم تشمل إنشاء المرفق العام،وظائفه،أهدافه
إدارته و تسييره،الهيئات التي تختص بالتسيير،...
ثانيا: مـفـهـوم ضـيـق
يرى أصحاب هذا الاتجاه أن عملية تنظيم المرفق العام تكون محصورة فقط في الإدارة
و التسيير الداخلي للمرفق العام،و لا تتعداه إلى تحديد الوظائف و الأهداف و الرقابة على المرفق إضافة إلى تعديله.
الفرع الثاني: السلطة التي تختص بإنشاء و تنظيم المرفق العام
تتأرجح سلطة تنظيم المرافق العامة في القانون المقارن بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية.
و عليه فقد انقسم فقه القانون الدستوري و القانون العام في تحديد أي السلطتين أولى بعملية تنظيم المرافق العامة.
• فبالنسبة لفقه القانون العام،يتجه إلى أن السلطة التشريعية هي صاحبة الاختصاص
و حجتهم في ذلك أن هذه السلطة هي التي تحقق الحماية القانونية للحقوق و الحريات الاقتصادية لمواطني الدولة.
و بالتالي مادامت هذه السلطة هي من يوافق على اعتمادات و موارد المرافق العامة أي على نفقات و إيرادات المرفق فهي الأولى بتنظيمه و إنشائه.
• أما بالنسبة لفقه القانون الدستوري،فيرى ضرورة إسناد عملية تنظيم المرفق العام

للسلطة التنفيذية و تبرير ذلك يعتمد على مبدأ الاختصاص لأن السلطة التنفيذية تضطلع بعملية تنظيم المرافق العامة انطلاقا من اللوائح التنظيمية التي تقوم بإصدارها.
و في ما يتعلق بالجزائر فإن السلطة التنفيذية هي التي تتولى إنشاء و تنظيم المرافق العامة أي أن الدولة في حد ذاتها هي التي تقوم بهذا الإنشاء و التنظيم من منطلق أن إنشاء المرافق العامة يدخل في إطار صلاحيات الدولة التي يخولها لها الدستور.
و ترتيبا على ذلك فقد تم إنشاء العديد من المرافق العامة عن طريق مراسيم و أوامر هذا على الصعيد الوطني،أما على المستوى المحلي فإن الجماعات المحلية تقوم بإنشاء المرافق العامة حسب النصوص الواردة في قانوني الولاية و البلدية ،كما أشرنا إلى ذلك سابقا في أنواع المرافق.
المطلب الثالث: المبادئ القانونية التي تحكم و تنظم المرافق العامة
حتى يحقق المرفق العام المصلحة العامة لجميع المنتفعين فقد أنشأ له الفقه أسس و مبادئ أجمع عليها الفقهاء و استقرت في أحكام القضاء و لمعرفة هذه المبادئ نوضحها حسب
ما يلي :
الفرع الأول: مبدأ انتظام سير المرفق العام
يقضي هذا المبدأ بحتمية استمرار المرافق العامة بشكل منتظم طالما أنه يقدم خدمات للمواطنين تعتبر أساسية لإشباع حاجات عامة لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها.
و من هذا المنطلق فأي توقف أو أي خلل في سير المرافق العامة يؤدي إلى شلل الحياة العامة في الدولة .
إن هذا المبدأ القانوني مبدأ أصيل من الواجب تطبيقه سواء نصت عليه النصوص القانونية
و التنظيمية أو لم تنص .
و ترتيبا على ذلك فإن الإدارة لا تقوم ببيع المرافق العامة أو التخلي عنها نهائيا .
إن مبدأ استمرارية المرفق العام يوجب على السلطة العامة تأمين و احترام المرفق العام سواء في مجال الموظفين العموميين حيث تمنع القوانين إضرابهم عن العمل أو توجب تأمين أو انتداب موظف يحل محل الموظف الذي ينقطع عن عمله لسبب من الأسباب،أو في مجال العقود الإدارية حيث تجيز السلطة العامة لنفسها فسخ العقد إذا أصبح تنفيذه مستحيلا بسبب القوة القاهرة أو في مجالات تقضي بعدم جواز التصرف بالأملاك العامة .
إن النتيجة التي يمكن التوصل إليها مما سبق ذكره أن القانون يوجب على السلطة الإدارية المختصة حماية المرفق العام من أجل تحقيق المصلحة العامة و بالتالي فهذا الهدف يحتاج إلى مبدأ الاستمرارية .
و إذا رجعنا للنظام القانوني الجزائري نجد أن دستور 76 و تحديدا في المادة 61 قد نص على ما يلي:
( في القطاع الخاص حق الإضراب معترف به و ينظم القانون ممارسته.) يتضح من خلال هذا النص أن الإضراب غير مسموح به بالنسبة للقطاع العام حفاظا على دوام سير المرافق العامة، و تبقى ممارسته بالنسبة للقطاع الخاص متوقفة على التنظيم القانوني له.
أي أنه لا يتجاوز مدة زمنية محدودة ( لا يكون مفتوحا) و يكون بترخيص مسبق من طرف السلطة العامة .
أما في دستور 96 فقد جاء نص المادة 57 على النحو التالي:
( الحق في الإضراب معترف به،و يمارس في إطار القانون.يمكن أن يمنع القانون ممارسة هذا الحق،أو يجعل حدودا لممارسته في ميادين الدفاع الوطني و الأمن،أو في جميع الخدمات أو الأعمال العمومية ذات المنفعة الحيوية للمجتمع.)
هذا بالنسبة لفكرة الإضراب وضرورة إخضاع هذا الأخير لقيود قانونية حتى يستمر المرفق العام في تأدية خدماته،أما فيما يتعلق بالاستقالة فإن الموظف العام لا ينقطع نهائيا عن العمل بصفة عفوية بل يجب عليه تنظيم هذه الاستقالة وفقا لإجراءات قانونية تضمن له التخلي عن وظيفته دون إحداث خلل في المرفق العام.
الفرع الثاني: مبدأ المساواة أمام المرفق العام
يسمح هذا المبدأ بإعطاء الطابع السيادي للمرفق العام و هو يؤدي إلى احترام وظيفة المرافق العامة التي تقدم خدمات عامة يتساوى في الحصول عليها جميع المنتفعين من هذه المرافق إذا توفرت فيهم الشروط المطلوب توفرها للحصول على خدمات و سلع المرافق العامة و الانتفاع بها .
فهذا المبدأ يكفل لجميع المواطنين الراغبين في الانتفاع بالمرفق العام على قدم المساواة دون تمييز أو تفرقة .
يعرف هذا المبدأ بمبدأ مجانية المرفق العام،على أنه لا يقصد بلفظ المجانية المعنى الحرفي للكلمة بل المقصود بها أن يتساوى جميع المواطنين في الانتفاع بالمرفق العام.
إذن هذا المبدأ لا يتنافى بأن تقوم الدولة بفرض رسوم مقابل الحصول على خدمات من المرفق العام،أو بفرض شروط عامة للوظائف العامة .

لكن لا يجوز للإدارة أن تفرق بين الأفراد الراغبين في الاستفادة من خدمات المرفق العام ما دامت قد توفرت فيهم الشروط القانونية و بالتالي فالمساواة أمام المرفق العام تقتضي ألا تتأثر الإدارة بالاتجاه السياسي أو الاجتماعي للمنتفعين من المرفق العام .
و نشير هنا إلى أن تحقيق مبدأ المساواة أمام المرفق العام يوجب على الإدارة فرض رسوم موحدة لجميع المنتفعين .
غير أن الفقه أورد على هذه القاعدة العامة (قاعدة المساواة) بعض الاستثناءات نذكر أهمها:
• إعفاء العاجزين و المسنين من دفع الرسوم كاملة،أو إعفاء الطلبة الممتازين من دفع المصروفات الجامعية مثلا.
• الاستثناءات المتأتية من ممارسة الإدارة العامة لسلطتها التقديرية حيث تتوفر في مجموعة من الأفراد نفس الشروط للانتفاع بالمرفق العام،لكن الإدارة تفضل البعض على البعض الآخر. مثل:تفضيل الرجال في بعض الوظائف على النساء .
إن النتيجة التي يمكن أن نتوصل لها هي أن مبدأ المساواة يعني أن إنشاء المرفق العام
لا يهدف إلى الربح بل إن القانون يمنع الإدارة بأن تقوم بتحصيل الأرباح نتيجة تنظيمها للمرافق العامة .
و عليه فإن الإدارة العامة تخضع لرقابة القضاء في عملية تطبيق مبدأ المساواة أمام المرافق العامة،مما يعني أن عدم التزام الإدارة بتطبيق هذا المبدأ يعرض المرفق العام الذي لم يسير وفق هذا المبدأ لعملية الإلغاء.

الفرع الثالث: قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير
يعتبر هذا المبدأ من المبادئ العامة و المسلم بها من جانب الفقه و القضاء،فهو بمنح للسلطة الإدارية حق تعديل النظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة بما يتناسب مع التطورات التي تمس النشاطات المختلفة للمرافق العامة .
إذن هذا المبدأ يتضمن تنظيم و تسيير المرافق العامة في الدولة حسب العوامل و العناصر الملائمة للواقع و التكيف مع الظروف و المعطيات الطارئة و المستجدة و بالتالي فالمرفق العام يتغير في الزمان و المكان لأن المرفق الذي يعبر عن نشاط عام في الماضي قد لا يعبر عنه في الحاضر .
و مثال ذلك : التجارة الخارجية في الجزائر كانت بموجب دستور 76 تعبر عن مرفق عام لكن بعد دستور 89 لم تعد محتكرة من طرف الدولة،حيث أصبحت عمليات التصدير و الاستيراد تنظم بمشاريع خاصة .
و فيما يتعلق بالمرافق العامة التي تسير عن طريق عقود الامتياز فإن للإدارة الحق في أن تتدخل أيضا في هذه العقود لتعديلها حسب ما يتفق مع الظروف المستجدة من أجل تحقيق المصلحة العامة.
غير أن هذا التعديل يمنح للمتعاقد حق مطالبة السلطة العامة بالتعويض من أجل إعادة التوازن المالي للعقد.



خـاتـمـة
يبدو المرفق العام من المواضيع الأساسية في القانون الإداري حيث أنه أخذ كمعيار لتحديد مفهوم هذا الأخير .
و عليه فإن المرفق العام يعتبر نواة القانون الإداري من الجانب القانوني.
إن ما يمكن أن نستخلصه مما سبق أنه لا يمكن أن يكون للمرفق العام مفهوم جامع و مانع
و بشكل مجرد و حيادي إلا في ضوء الأهداف و الغايات الإدارية،الاجتماعية،و الاقتصادية التي تحدد له مسبقا.
مع ضرورة تعيين الجهة التي تختص بإنشائه و هي كما سبقت الإشارة إليه تأرجحت في الفقه بين السلطتين التشريعية و التنفيذية و قد تكون إلى هذه الأخيرة أقرب باعتبار أن إنشاء المرافق العامة يدخل في الإطار التنظيمي من جهة وتحقيق المصلحة العامة يتطلب سرعة الإنشاء و التنظيم من جهة ثانية.
إضافة إلى ذلك فإن سياسة الدولة هي التي تبني المرافق العامة لكن من المنطلق القانوني نجد أن المرافق العامة تنشأ تلقائيا بالاعتماد على ما يحتاجه الأفراد في المجتمع.
بغض النظر و دون الدخول في الجدل الفقهي حول أي السلطتين أولى بإنشاء المرافق العامة التشريعية أم التنفيذية، فإن تسيير هذه المرافق يحتاج إلى أساليب و طرق تم حصرها

فيما يلي:
• أسلوب الإدارة المباشرة.
• أسلوب الامتياز.
• عن طريق المؤسسة العامة.
إن كل مرفق عام يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية تتمثل في:
• مبدأ انتظام سير المرفق العام (مبدأ الاستمرارية ).
• مبدأ المساواة أمام المرافق العامة (مبدأ المجانية ).
• قابلية المرفق العام للتعديل و التغيير( مبدأ التكيف ).
و نشير في الأخير إلى أن مفهوم المرفق العام في الجزائر و في المرحلة ما بين 62 إلى 88 يكاد يكون غير واضح و غامض إلى حد ما .
لكن ابتداء من سنة 88 بدأت تتضح معالمه بعض الشيء، غير أنه و بتدخل الدولة و ظهور مرافق صناعية و تجارية أصبح من الصعب تحديد مفهومه مما أدى إلى أن اتجهت بعض الآراء في الجزائر إلى ضرورة تعريف دور الدولة حتى يتضح مفهوم المرفق العام.
نعم الاخ maouia ..
لاحظت كثيرا من خلال المسابقات ان موضوع المرفق العام يطرح كثيرا ..فا السنة الماضية طرح ...في مديرية الادارة المحلية ....مبدأ المساواة أمام المرافق العامة .هذا في القانون الاداري و طرح كذلك السنة الماضية ...في مسابقة مفتش الوظيف العمومي في بومرداس ...و كان السؤالا في الثقافة العامة ..وهو تقريب الادارة الجوارية من المواطن .... ...









قديم 2011-07-30, 16:24   رقم المشاركة : 218
معلومات العضو
"راجية الجنة"
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الصورة الرمزية "راجية الجنة"
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد900 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
هناك عدة مواد محددة في الدستور حسب التعديل 2008 ...
1- يخص مادة 77 الفقرة 6 ... يمكن رئيس الجمهورية أن يفوض جزءا من صلاحياته للوزير الأول لرئاسة اجتماعات الحكومة، مع مراعاة أحكام المادة 87 من الدستور و الفقرة 7 يمكنه أن يعين نائبا أو عدة نواب للوزير الأول بغرض مساعدة الوزير الأول في ممارسة وظائفه، وينهي مهامهم،....
م79... يعين رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول....
هذه بعض الصلاحيات الادارية الجديدة من خلال مقارنة لصلاحيات في دستور 1996 و تعديل 2008 ...و أليك الرابط التعديل الأخير 2008 ...
https://www.joradp.dz/har/index.htm
أضغطي في الجهة اليمنى على الدستور ...
الله يوفقنا
شكرا لك الدستور اكيد عندي والا كفاش راح نراجع

قصدي اريد مقالة او مذكرة تخرج تتكلم عن هذا الموضوع لكي اتوسع اكثر









قديم 2011-07-31, 00:16   رقم المشاركة : 219
معلومات العضو
امين83
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الأوسمة
الموضوع المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B11 مخطط ...

السلام عليكم
اليكم ما وجدت .......مخطط
أنقر في الاسفل الصورة
لكن أنقلها ألى word و كبر الصورة أوأنقر عليها با الجهة اليمنى للفارة و أختار تحميل با idm فوق مكتب ...حتى تتضح الصورة
الله يوفقنا









الصور المرفقة
نوع الملف: jpg ____.jpg‏ (11.7 كيلوبايت, المشاهدات 11)

قديم 2011-07-31, 00:58   رقم المشاركة : 220
معلومات العضو
امين83
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الأوسمة
الموضوع المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B11 هامة جدا ...

السلام عليكم
اليكم ما وجدت.......
مذكرة تخرج لأحدى طالبين با المدرسة العليا للقضاء ....
أختصاص القاضي الاداري با تفسير المعاهدات الدولية ..
عصفورين با حجر أختصاص القاضي الاداري و تفسير المعاهدات الدولية في القانون الدولي
..


المقدمة

اكتسبت دراسة المعاهدات الدولية اليوم أهمية كبيرة قصد الوصول إلى حلول المشاكل التي ظهرت حتميا بعد أن فرضت المعاهدات نفسها وبقوة بين حيثيات التنظيم القانوني على مستوى المجتمع الدولي.
ولقد ظهر الدور البارز لمعاهدات في تنظيم الحياة الدولية من أجل الوصول إلى تعايش سلمي يجمع الأمم عن طريق تعاون تفتحت أفاقه وتعددت وجهاته في جميع الميادين فأصبحت المعاهدات وضرورتها في نمو العلاقات الدولية والتعايش السلمي أمر من المسلمات ، فهي نقطة توازن بين مصالحنا ومصالح غيرنا ، ننطلق إليها ابتداء من مرضاة مصالحنا ، وفي إطارها نقبل التعامل مع الغير تقييدا للسيادة .
ولقد أخذت المعاهدات مبكرا مكانا في النظم القانونية الداخلية كأحد مصادرها ، وفي النطاق الذي يتفق فيه الأطراف السيادة المطلقة على سحبه من سلطان الإدارة المنفردة ، لذا كان لها قوة القانون بل و سمتعليه ، وفي كل الأحوال ترتبط بشروط وإجراءات التصديق والنفاذ المقررة دستوريا وبالتالي تصبح واجبة النشر للنفاذ في مواجهة المخاطبين بأحكامها ، واجبة التطبيق بذاتها متى استوفت الإجراءات المقررة فيلتزم القاضي بتطبيقها من تلقاء نفسه .

جاءت المعاهدة الدولية إذن: لتجاوز عناصر النظام القانوني الداخلي والتعامل معها ضد مركز قوة القانون، ومن ثمة كان لابد لمشاكل التعارض والتنازع بين المعاهدة والقانون الداخلي أن تفرض نفسها.
فمشاكل التفسير لا تظهر بالتحديد إلا بمناسبة تطبيق المعاهدة، والتفسير نفسه لن يصبح مشكلة دولية إلا إذا غاب الحل الدولي ، والاختصاص الداخلي بذلك لن يكون قضائيا إلا إذا كان النظام الداخلي للدولة قد نزعه من يد سلطات الحكومة .
ويقصد بتفسير المعاهدة بيان حقيقة معاني النصوص أو تحديد مدلولاتها تحديدا دقيقا لغايات تطبيق حكم القانون على الوقائع والأوضاع التي تنشأ في ظل سريان المعاهدة ، ذلك أن واضعي نصوص المعاهدةلا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يستشرفوا الجوانب كافة أو أن يتنبؤوا بما سوف يحدث عند تطبيق المعاهدة ، ولو كان بمقدورهم ذلك لتوصلوا إلى صياغة نصوص المعاهدة على قدر من التفصيل والوضوح الذي تنتفي معه الحاجة إلى التفسير، فالمعاهدات إذن: قد تتضمن نصوصا تكون بحاجة إلى توضيح أو تعليق وهذا نتيجة قصور عبارة النص عن المعنى الذي قصدته بالفعل الأطراف المتعاقدة أو لتناقضه مع نص آخر، وتفسير ذلك ليس دائما بالأمر اليسير ، لأنه يؤدي كثيرا إلى إثارة الخلافات بين الدول المتعاقدة لذلك يجب على الدول معالجة هذا التفسير بدقة وحذر شديدين وذلك لتحديد الجهة المختصة وكيفية وضع هذا التفسير ومن هذا المنطلق نجد أنفسنا أمام العديد من التساؤلات :
- فما هي جهات الدولة المختصة قانونا بوضع التفسير؟
- هل السلطات الحكومية أم السلطة القضائية ؟
- وما مدى اختصاص القاضي الإداري بالتفسير؟
- وما هي طريقة وكيفية هذا التفسير؟
- وما هي المبادئ التي يسير على ضوئها ؟
للإجابة على هذه التساؤلات سوف نتناول هذا الموضوع في ثلاث فصول وفـق الخطة التاليـة :



الفصل الاول : موقع المعاهدات الدولية المصادق عليها في القوانين
الجــزائريــــة
المبحث الأول : العلاقة بين الدستور والمعاهدة الدولية
المطلب الأول : مكانة الدستور في التشريع الداخلي
المطلب الثاني: موقف المجلس الدستوري من حجية المعاهدة الدولية
المبحث الثاني : العلاقة بين المعاهدة الدولية والقانون الوطني
المطلب الأول: إجراءات ومراحل إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني
المطلب الثاني: واقع إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني

الفصــل الثاني : السلطــة المختصــة بالتفسيـــر
المبحث الأول : اختصاص السلطة التنفيذية"الاختصاص الحكومي"
المطلب الأول: تخلي القضاء عن مهمة تفسير المعاهدة الدولية
المطلب الثاني: الاختصاص الحكومي بالتفسير
المطلب الثالث: مبـررات المذهـب التقليـــــــدي
المبحث الثاني : اختصاص القضاء الإداري " مجلس الدولة الفرنسي"
المطلب الأول: الانتقادات الموجهة للمذهب التقليدي
المطلب الثاني: حـــــكم G.I.S.T.I"


المبحث الثالث : تطبيقات التفسير في القانون الجزائري
المطلب الأول: في الدساتير الجزائرية
المطلب الثاني: في المراسيم الجزائرية
المطلب الثالث: خلاصة التجربة الجزائرية

الفصــــــل الثالث : كيــفيـة التفـسيــــــــــــــــــر

المبحـث الأول : وسائـــل التفسيـــــر
المطلـب الأول: الطريقـــــة الشخصيــــــة ( حسن النية )
المطلـب الثانـي: الطريقـــــــة الموضوعيـــــــة ( الغرض )
المبحـث الثانــي : القواعـــــــد التــي تحكـــم التفسيـــــــــــــر
المطلـب الأول: القاعـــــدة العامــــــة
المطلــب الثانـي: القواعـــد المكملـــة
خاتمــــــــــة

الفصل الأول: المعاهدات الدوليـة المصـادق عليها
في القوانين الدولية

إن الطبيعة الخاصة للمعاهدة الدولية قد فرضت نفسها بحكم أن صياغتها عمل سيادات متعددة ، متساوية، ومتكافئة، ، والتزام الدولة يقوم في ذاته بمجرد التوقيع عليها ، فلا يحق لأي دولة بمفردها التعديل في صياغتها بعد ذلك وهي بصدد تطبيقها ومن هنا نتساءل عن وضعها في النظام القانوني الداخلي.

المبحث الأول : العلاقة بين الدستور والمعاهدة الدولية

إن المعاهدات التي تقوم الدولة بإبرامها في مجال علاقتها الدولية تصبح جزء من قانونها الداخلي ، بحيث يتعين على جميع سلطات الدولة أن تطبق المعاهدة ، غير انه يطرح الإشكال بالنسبة لحالة التعارض التي قد تقع بين المعاهدة والقانون الداخلي ،هل تعتبر المعاهدة جزء من القانون الداخلي وتسمو على جميع القوانين الداخلية بما فيها الدستور ام انها تعتبر جزء من القانون الداخلي باعتبارها قانونا عاديا لا يسمو على الدستور.

المطلب الأول: مكانة الدستور في التشريع الوطني

الدستور هو القانون الأسمى في الدولة ، وهو الذي يضفي الشرعية على ممارسات السلطة ويكفل الحماية القانونية ورقابة عمل السلطات العمومية ، وتبعا لذلك لا يجوز لأي نص قانوني آخر أن يخالف أحكامه ، ولكن الوتيرة التي سار بها التطور العالمي في كل المجالات وبروز ظاهرة العولمة التي طالت جميع المجالات السياسية ، الاقتصادية ، الثقافية ، والمؤسساتية ، أدى إلى إضعاف مكانة التشريعات الوطنية وفتح المجال أمام اجتهادات دولية بواسطة أجهزة متخصصة استطاعت فرز أفكار متميزة شملت مختلف المجالات ومست حتى تلك التي كانت تعتبرها الدول من صميم سيادتها وهو ما أدى إلى عرضها في كثير من الأحيان بواسطة أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والجهوية في شكل اتفاقيات أو معاهدات ليتم الانخراط فيها
بالنسبة للنظام الجزائري(1) ـ ونظرا لمكانة الدستور في التشريع الوطني ـ فإن مسألة مكانة المعاهدات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ أحمد إسكندري ـ د/ محمد ناصر بوغزالة ـ " محاضرات في القانون الدولي العام"، الطبعة الأولى ، دار الفجر للنشر والتوزيع، مصر 1998


الدولية وكيفية التعامل معـها عرفت تطورا عبر الدساتير انطلاقا من دستور سنة 1963 الـذي لم يتضمن أحكامـا تتعلـق بمكانـة المعاهدات ضمن القانون الداخلي ، كمـا أنه لم يضع أحكامـا تتعلـق بالتعارض بين القانون الداخلي والمعـاهدات الدوليـة وهذا علـى خلاف الامــر63/96 المتضمـن قانـون الجنسية الجزائريةالذي أكـد سمو
المعاهدات على القانون الداخلي في مادته الأولى ، أما دستور سنة 1976 فقد أعطى للمعاهدات الدولية نفس المكانة التي يتمتع بها القانون العادي ، بحيث تمر بنفس المراحل التي يمر بها القانون ، وعلى الرغم من ذلك فقد بقي التعارض مع قانون الجنسية الصادر بموجب الأمر 70/86 الذي كرس مبدأ سمو المعاهدات الدولية في مادته 37 ، بحيث تحتل المعاهدة نفس المكانة التي يحتلها القانون(1) ، أما دستور 1989 فقد نص في المادة123 منه كرس مبدأ سمو المعاهدات الدولية على القانون الداخلي بحيث تنص على ان:"المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون".
وكذلك الأمر بالنسبة لدستور 1996 الذي تضمن ذات المضمون واعترف بسمو المعاهدات الدولية على القوانين العادية ، بحيث تحتل المعاهدة مكانة وسطا بين الدستور والقوانين العادية وقد نظم في مادتيه 131 و 132 إجراءات إدراج المعاهدات الدولية في التشريع الوطني التي تمر بالمراحل التالية :
1- إبرام المعاهدة (المادة 77 فقرة 9 ).
2- الموافقة الصريحة لغرفتي البرلمان (المادة 131 ) وفي حالة التعارض يؤول الأمر إلى اللجنة المتساوية الأعضاء بين غرفتي البرلمان ( المادة 120/3 من الدستور).
3- دستورية المعاهدة عن طريق إخطار المجلس الدستوري ( المادة 165 )
4- مصادقة رئيس الجمهورية ( المادة 77 فقرة 09 ).

المطلب الثاني:موقف المجلس الدستوري والقضاء من حجية المعاهدات

إن المجلس الدستوري اعتبر في قراره الصادر في 20/08/1989 أن أية اتفاقية دولية بعد المصادقة عليها ونشرها تدرج في القانون الوطني وتكتسب بمقتضى المادة 132 من الدستور سلطة السمو على القوانين الداخلية ، وتخول لكل مواطن أن يتذرع بها أمام الجهات القضائية واعتمدت المحكمة
ـــــــــــــــــــــــ
(1)ـ كما أن هناك تعارض مع المادة 21 من القانون المدني الصادر بموجب الأمر 75/ 58 المؤرخ في 26/09/1975 المعدل و المتمم ، والتي تنص على مايلي " لا تسري أحكام المواد السابقة إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك ،في قانون خاص او معاهدة دوليــة نافذة في الجزائر "



العليا هذا المبدأ في قرارها بإعفاء مواطن مصري من دفع الكفالة المقررة للأجنبي أمام المحكمة الجزائرية تطبيقا للاتفاقية الجزائرية المصرية المبرمة في 29/02/1964 دون الحاجة الى نص داخلي (قرار 15/07/1998)
ويذهب القضاء الجزائري إلى تطبيق أحكام العقد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه الجزائر بالمرسوم الرئاسي 89/08 المؤرخ في 25/04/1989 القاضي بأنه لا يجوز حصر أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي، كما تم تأكيــد مبدأ السمو أيضا في القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 22/02/2000 تحت رقم 167921 حول القضية المتعلقة بمصادرة وسائل النقل المستعملة في نقل المخدرات ، والذي جاء فيه :" من الثابت قانونا أن مصادرة السيارة التي استعملت كوسيلة نقل المخدرات واجبة بحكم القانون ، كما أن مصير المبالغ المالية المتحصل عليها من المتاجرة غير المشروعة في المخدرات يعد إجراء قانونيا في حــد ذاته حتى ولو لم يذكر قضاة الموضوع النص القانوني واجب التطبيــق علما أن الجزائر صادقت على اتفاقيــة الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقليــة الموافق عليها بفيينا في 20/12/1988 والتي تسمح لكـل طرف أن يتخـذ من التدابيـر للتمكين من مصادرة التحصيلات من الجرائم المنصوص عليها بالمادة الأولى للفقرة الثالثـة (1)
هذا وقـد تمت المصادقة على الاتفاقية بموجب المرسـوم الرئاسي رقم 95/41 المؤرخ فـي 28/01/1995 وإن كان القرار لا يتعلق بسمو المعاهدة على القانون الداخلي على أساس عدم وجود نص في التشريع الجزائري ، فإنه يتعلق بتطبيق المعاهدة الدولية من طرف القاضي الجزائري ، أي يعترف لها بقوة القانون ، بحيث يفهم من ذلك أنه حتى وإن وجد نص من القانون الجزائري فإنه تطبيقا للمادة 132 من الدستور فإن المعاهدة تكتسب قوة أعلى من القانون العادي (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- اتفاقية فينا : وقع عليها في فينا خلال المؤتمر الذي عقد لهذا الغرض في 23 ماي 1969 وبدأ سريانها في 27 جانفي 1980 ، وذلك في إطار خطة تقنين القانون الدولي العام التي وضعتها لجنة القانون الدولي -إحدى هيئات الأمم المتحدة –أنشأتها الجمعية العامة بغرض تطوير وتقنين القانـون الدولي –وقد حددت آنذاك قائمة الولايات التي تضمنتها هذه الخطة وكان في مقدمتها قانون المعاهدات. د. إبراهيم شحاتة : مشروع لجنة القانون الدولي بشأن المعاهدات المحلية المصرية للقانون الدولي
(2) د/ أحمد إسكندري ـ د/ محمد ناصر بوغزالة ـ المرجع السابق ـ ص57

المبحث الثاني :العلاقة بين المعاهدة والقانون الوطني


إن العلاقة بين المعاهدة والتشريع هي علاقة تكامل ، ويتمثل هذا التكامل في الإحالات التي تعني أن اللجوء إلى التشريع في المجالات التي تحيل فيها المعاهدة أو الاتفاقية على التشريع الوطني أمر ضروري ، غير انه يتعين التدقيق في كافة المعاهدات التي صادقت عليها الدولة، التي تترك المجال للتشريع الوطني أو تلك المعاهدات التي تتعارض مع القوانين والتي تتطلب تعديلها.
ويتضح أن آلية تكييف التشريع الوطني عبر الاتفاقيات والمعاهدات سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف قد تحتاج إلى نصوص قانونية قارة أو تطبق مباشرة.

المطلب الأول:إجراءات ومراحل إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني

إن إدراج المعاهدات الدولية في التشريع الوطني يمر عبر مراحل وفق إجراءات محددة :
1- مرحلة إعداد وتحضير المعاهدات الدولية : إذ تقوم الدبلوماسية بالتنسيق مع القطاعات المعنية بدور أساسي خلال هذه المرحلة حسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية ، وفي حالة وجود تعارض تلجأ إلى تسجيل حق التحفظ على النص أو الفقرة ولا تلتزم بما تحفظت عليه .
2- مرحلة صياغة المعاهدات والاتفاقيات الدولية باللغات المعتمدة من قبل الأمم المتحدة: حيث يتم إعداد النصوص بلغة البلد (العربية) وتكون اللغة العربية حجية في التفسير.
3- مرحلة التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتي هي مخولة إلى "رئيس الجمهورية" أو "رئيس المحكمة" أو "وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية" أو لكل سلطة أخرى بموجب رسالة تفويض تمنح من قبل وزارة الخارجية
4- ـ مرحلة المصادقة: تحال المعاهدات والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف من طرف وزارة الشؤون الخارجية على الأمانة العامة للمحكمة التي تتولى عرضها على البرلمان للمصادقة عليها وفقا للمادة 131 من الدستور مباشرة إلى السيد رئيس الجمهورية الذي يصادق عليها وفقا للمادة 77 من الدستور.
5- دور المجلس الدستوري في النظر في دستورية المعاهدات : لرئيس الجمهورية ان يخطر المجلس الدستوري حول دستورية المعاهدات.
ـمرحلة النشر والإخطار: تنشر المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وتتكفل وزارة الشؤون الخارجية بإبلاغ الجهات الدولية والوطنية المعنية .

المطلب الثاني :واقع إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني

إذا استكملت المعاهـدة الدوليـة مراحل تكوينها في القانون الدولي وتوفرت فيها الشروط اللازمـة لاعتبارها مصدرا من مصادر القانون الداخلي فهي تسري في مواجهة جميع الأطراف ،وتلتزم المحاكم الوطنية بتطبيـق أحكامها بنفس المستوى الذي تلتزم فيه بتطبيق أحكـام القانون الداخلي ، وبالتالي فيجب على القاضي الوطني تطبيق أحكام تلك المعاهدة تلقائيـا كلما كان ذلك ضروريا لحل النزاع المعروض عليه ،على أن يكون تطبيق المعاهدة بأثر فوري مثل القانون الداخلي وليس بأثر رجعي.
وتطبيق القاضي للمعاهدة الدولية قد لا يثيـر مشاكل إذا كانت نصوصها لا تتعـارض مع القوانين الداخلية وإذا كان هناك تعارض يجب على القاضي أن يفك التعارض وذلك بعد التأكد من توفر شروط المعاهدة من جميع النواحي الشكلية والموضوعية(2)
ولذلكتسعى الجزائر للانضمام والمصادقة على كل الاتفاقيات الدولية المرتبطة بمصالحها ، وعملا بمبدأ سمو المعاهدات الدولية على القانون المكرس في المادة 132 من دستور 1996 وكذا المادة 27 من اتفاقية فيينا(1) لقانون المعاهدات لسنة 1969 والمصادق عليها من قبل الجزائر في 13 أكتوبر 1987 فقد بادرت الجزائر إلى إدخال تغييرات جذرية على المنظومة التشريعية الوطنية بشكل يتلاءم مع حاجات المجتمع ويراعي التوجهات الجديدة على المستوى العالمي سواء بتعديل قوانينها أو بإصدار قوانين جديدة.

ــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ جمال عبد الناصر مانع ـ القانون الدولي العام ـ المدخل والمصادر ـ دار العلوم للنشر والتوزيع ـ ص156
(2) د/ علي عبد القادر القهوجي ـ المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي ـ الدار الجامعية للطباعة والنشرـ بيروت ـ ص65

لفصل الثاني: السلطـة المختصـة بالتفسيـر

إن المحاولات قائمة دائما على الصعيد الدولي لإيجاد المسائل التي تكفل انتشار أسلوب التفسير المشترك لتطبيق التفسير المنفرد باعتبار أن وحدة التفسير ضامنة لوحدة تطبيق المعاهدة لدى كافة أطرافها ، والتفسير لن يصبح مشكلة داخلية إلا إذا غاب الحل الدولي فمهما كانت قدرات واضعي المعاهدة إلا أنها تستدعي ضرورة التدخل لتفسيرها ، هذه الحاجة للتفسير لا تقتصر فقط على الوضع في القانون الداخلي وإنما تشمل أيضا مجال القانون الدولي ،لان أهمية التفسير تلعب دورا كبيرا في المجال الدولي عن مجال القانون الداخلي ، وهذا بسبب ما يكشف القانون الدولي وقواعده من قصور لحداثة النسبية ومن غموض لتعدد أطراف واضعيه ، ناهيك عن دور الوقائع والأحداث الدولية وما تستدعيه من ضرورة البحث عن تفسير يحكمها.(1)
وتتعدد الجهات المختصة بالتفسير تعددا نوعيا ، فقد تكون الجهة المختصة بالتفسير جهة وطنية ، تتمثل إما في جهة قضائية وإما في جهة إدارية ، كما قد يكون التفسير من جهة دولية تتمثل إما في جهة قضائية دولية وأما تتمثل في منظمة دولية أو جهاز من أجهزتها، وما يهمنا نحن في هذا البحث هو مدى اختصاص القاضي الإداري .

المبحث الأول: اختصاص السلطة التنفيذية ( الاختصاص الحكومي)

إن حكومات الدول–السلطة التنفيذية- الأطراف في المعاهدات تملك صلاحية التفسير ، وذلك في غياب السلطة القضائيـة الدولية وينصب تفسـيرها على ما يكون غامضا أو مشكوكا في معناه من نصوص المعاهدات والتفسير هنا عادة يكون بالاتفاق بين هذه الحكومات الموقعة على المعاهدة (2)، وذلك بإجراء مفوضات تتبع عادة بالاتفاق أو تبادل خطابات أو تصريحات مشتركة لكليهما أو تحرير بروتوكول خاص، وان تعذر كل ذلك تكون حينئذ لكل دولة الحق في تفسير نصوص المعاهدات بنفسها ، لكن هذا التفسير لا يلزم بقية الدول الأطراف فيها ، غير أن هذا – أي عدم الاتفاق – يمكن إن يؤدي إلى نشوء نزاعات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ محمد المجذوب ـ القانون الدولي العام ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ2003 ـ ص 567
(2) المادة 22 من المرسوم رقم 05/76 المؤرخ في 26/02/2005 المتضمن التصديق على الاتفاق البحري بين الجزائر وفرنسا الموقع بباريس في 27/01/2004 تنص " كل خلاف ينشأ حول تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق يتم تسويته من قبل اللجنة البحرية المشتركة ، فإذا تعذر ذلك فيسوى عبر القناة الدبلوماسية "


وكان هذا الاتجاه التقليدي السائد متركزا على أسس قانونية وسياسية في قضاء مجلس الدولة الفرنسي لأكثـر من نصف قـرن عكس مجلس الدولة المصري الذي لم يوجد أي صدى لهذا المبدأ في أحكامه إلا القليل جدا منها،ويتردد موقف القضاء في الأردن بين حقه في التفسير أو منحه للسلطة التنفيذية.(1)

المطلب الأول: تخلي القضاء عن مهمة التفسير

حيث تأكد من خلاله أن المحاكم الوطنية تختص بتطبيق المعاهدات دون أن تكون لها صلاحية تفسيرها حيث يجب على القاضي الوطني – ومنه القاضي الإداري – أن يوقف الفصل في الدعوى ثم يطلب من الحكومة –السلطة التنفيذية –تفسير المعاهدة ، ومن ثم عليه أن يلتزم باحترام التفسير الذي يصدر عن الحكومة بمفردها أو بناء على اتفاقها مع الدول الأخرى الأطراف في المعاهدة ،حيث أن القضاء الفرنسي كان يرفض فكرة التعرض للمعاهدات بالتفسير التزاما دقيقا منه بمبدأ الفصل بين السلطات بينما تمنح الولايات المتحدة الأمريكية للمحاكم هذا الحق رغم فصل دستورها لمبدأ فصل السلطات فصلا تاما أما المحاكم المصرية فقد درجت على تفسير المعاهدات غير السياسية أي التي تتصل بمسائل مالية أو بحقوق الأطراف(2)

ولذا نجد أن بعض المحاكم الفرنسية قد أيدت هذا الاتجاه الذي يعتبر تفسير المعاهدات خارجا عن اختصاص القضاء ، وذلك على أساس أن المعاهدة عمل حكومي أو بالأحرى عمل من أعمال السيادة التي تصدر عن السلطة التنفيذية بناء على ما تملك من سلطة تقديرية وان هذه الأعمال لا تخضع بطبيعتها للرقابة القضائية ، بالإضافة إلى كل هذا فإن هذا الاتجاه يستند إلى مبدأ الفصل بين السلطات (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) الدكتور رشيد عارف السيد ـ القانون الدولي العام في ثوبه الجديد ـ الطبعة الاولى2001 ـ دائرة المكتبة الوطنيةـ عمان ـالأردن ص 98
(2) الدكتور محمد إسماعيل علــي ـ مبادئ القانون الدولي العــام ــ توزيع دار الكتــاب الحديث 1983 ـ1984 الصفحة 288
(3) الدكتور محمد المجذوب ـ المرجـــع الســـابق ـ ص571.

وكمثال على ذلك سوف نتناول قضاء مجلس الدولة الفرنسي وذلك لنقارن بينه وبين القانون الجزائري.
حيث انه بعد مرحلة من التردد حول الاستبعاد الكامل لتفسير المعاهدات الدوليةمن طرف مجلس الدولة الفرنسي ويعود ذلك- كما قلنا سابقا- لطبيعة سياسية بحتة ، وظل التفسير مستبعدا من نطاقها إذ اعتمد على فكرتين أساسيتين وهما فكرة الأعمال المنفصلة والمسائل الأولية ، برزت الفكرة الأولى عند الأعمال المتصلة بالمعاهدة عن المنفصلة عنها حيث إن المعاهدات ذاتها وما يلحق بها من شروط صحتها وإجراءات إبرامها وكذا نفاذها من مفاوضات وتوقيع وتصديق، كل هذه الأعمال تعد من الأعمال الوظيفية السياسية للحكومة، أما من حيث القرارات والإجراءات التي يتخذ تطبيقها للمعاهدة، فما يتعلق بالمعاهدة مباشرة يكون له نفس حكمها أي يخرج عن ولاية القضاء و لا يتعلق مباشرة بعلاقة الدولة بغيرها من الدول بحيث يعتبر من أعمال الإدارة العادية أي تنفيذه داخلي فقط ، فيدخل في نطاق الاختصاص القضائي ، إذن نستخلص أن إجراءات تنفيذ المعاهدة تدخل في نطاق الاختصاص القضائي لا الحكومي إذا توفرت ثلاثة شروط وهي:(1)
ـ أن يكون الإجراء متعلقا بعلاقة الدولة بمواطنين وعلى إقليمها فقط .
ـ ألا ينعكس بأي حال على دولة أجنبية أو على رعاياها.
ـ ألا ينتج عنها تقرير مركز غير قانوني يمكن أن تسأل عنه هيئات أجنبية من وجهة نظر القانون الوطني. ولهذا نجد أن مجلس الدولة قد قسم ما يتصل بتطبيق المعاهدات من أعمال ذات الصفة الإدارية البحتة التي تقوم بها السلطات الإدارية الوطنية تحت ولاية أو اختصاص القاضي الإداري وبالتالي يكون قبول الدعوى من هذه الناحية صحيحا .
غير أن مسار مجلس الدولة الفرنسي- بناء على ما سبق - لم يكن ثابتا بل كان متغيرا وذلك راجع إلى قيام القاضي كل مرة بالبحث عما إذا كانت المنازعة المطروحة أمامه على اتصال مباشر بالعلاقة بين الدولة وغيرها من الدول أم هو من العمل الإداري العادي للسلطات الإدارية الامرالذي جعل مهمة القاضي صعبة خاصة في بداية تطبيقه وذلك لتداخلهما وعدم وضوح حدودهما ، فكانت أحكام المجلس متقلبة ومترددة بين قبول الاختصاص لولاية القضاء أو الحكومة .
وهذا ما جعل اللجوء إلى الفكرة الثابتة المتمثلة في فكرة المسائل الأولية التي ظهرت لإبقاء الدعاوى المتعلقة بالأعمال الإدارية المتصلة بتطبيق المعاهدة في ولاية المجلس وذلك بواسطة الإحالة إلى الجهة المختصة بالتفسير وإيقاف الفصل في الدعوى إلى حين فصلها في ذلك ، ويتطلب إعمال هذا النظام (فكرة المسائل الأولية ) اجتماع شروط هي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1) الدكتور محمد فؤاد عبد الباسط ـ مدى اختصاص القاضي الإداري بتفسير المعاهدات الدولية ـ الدار الجامعية بيروت ـ لبنان ـ طبعة 1994 ـ ص26

1ـ أن تعترض القاضي صعوبة حقيقية من تحديد معنى النص وذلك لشك فيه أو غموض.
2ـ ألا يكون قاضي النزاع (الأصلي) مختصا بالفصل في المسألة الأولية وتثار المسألة الأولية إما عن طريق القاضي من تلقاء نفسه أي يقدر الإحالة من عدمها أو عن طريق الأطراف.
إلا أن الإحالة للتفسير وضعت لها قيود لا يجب على القاضي أن يتعداها ، أي يمنع على القاضي بحكم كونه قاضيا وطنيا وليس دوليا من طلب التفسير من السلطات الحكومية للدولة الأخرى وذلك بهدف مقارنته بالتفسير المقدم من حكومته كما يجب أن يكون الحكم بالإحالة وإيقاف الفصل غير موقف لتنفيذ القرار المطعون فيه.
أما شروط الإحالة فتمثلت فيما يلي(1):
1- أن يتعلق التفسير بمعاهدة دولية
2- عدم وضوح النص محل النزاع فإذا كان النص واضحا على نحو يجعله قابلا للتطبيق فورا وبذاته على وقائع النزاع يتعين على القاضي تطبيقه مباشرة بغير إحالة لآية جهة ، وبالتالي فإنه يجب أن يكون النص محل النظر غير واضح ولا يتسنى الوقوف على حقيقة معناه إلا بإزالة ما شابه من الغموض الذي يمتنع معه إمكانية تطبيقه مباشرة ، وتقدير وضوح النص من عدمه يعود إلى القاضي بناء على سلطته التقديرية .
3ـ أن يكون التفسير ضروريا لحسم النزاع : أي أن يكون تفسير نص المعاهدة الغامض مرتبطا بالضرورة بالفصل في النزاع وحاسما لتحديد الحق فيه ، أما إذا كان بإمكان القاضي الفصل في النزاع بأسانيد كافية وبدون اللجوء إلى التفسير فلا حاجة لهذا الأخير في هذه الحالة
4 ـ ألا يرضى التفسير إلى إدخال حكم جديد على الفقرة ولا يكون مقصورا إلا على استنباط غرض المعاهدة
وأهدافها من بين السطور ومعاني ألفاظها في حدود النصوص القانونية .

المطلب الثاني: الاختصاص الحكومي بالتفسيـــر

بعد تخلي مجلس الدولة كليا عن مهمة التفسير كما رأينا سابقا واعتباره من المهام المحجوزة للحكومة كان منطقيا أن يبقى الاختصاص لهذه الأخيرة مطلقا ، وأساس ذلك أن الحكومة هي صاحبة الاختصاص المطلق في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية ومن ذلك تفسير المعاهدات لأنها قريبة من الإرادة المشتركة للدولة المتعاهدة لآن الحكومة هي التي تولت مفاوضات هذه المعاهدة وبالتالي تعرف لأي غرض أبرمت ، وما هي الآثار التي أرادت ترتيبها ، فهي بذلك الأقدر بين سلطات الدولة علـى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور محـمد فــؤاد عبــد الباسط ـ المـرجــــع السابــــق ـ ص 58 وما يليها

تفسير المعاهدة ، وقد يكون المختص فيها وزير الخارجية أو وزير الدفاع أو لجنة وزارية مشتركة ، ولكن حرصت الحكومات على جعل وزير الخارجية هو المختص الوحيد بتفسير المعاهدات الدولية بكل موضوعاتها وليس فقط المتعلق بوزارته ، وذلك لضمان وحدة الرأي الحكومي ، لان وزير الخارجية –بطبيعة عمله –هو المختص بإجراء المشاورات مع الدول الموقعة على هذه المعاهدة ، وذلك للوصول إلى تفسير موحد لنصوصها ليكون معبرا عن إراداتها المشتركة .
كما أنه حلقة وصل بين دولته والدول الأخرى الأطراف في المعاهدة من مفاوضات الإبرام ومتابعة تنفيذها ، مما يجعله الأكثر علما وإحاطة بحقيقة المعاهدة
وأيضا قد يكون نص المعاهدة غامضا بالرغم من الإنفاق بين الدول على المبدأ العام ، تاركين للوقت والمستقبل وللإجراءات التكميلية التكفل بإنجاح وبلورة المعاني ، فيكون وزير الخارجية هو الأقدر على متابعة هذه المستجدات ، ويتمتع في هذه الحالة الوزير والحكومة بصفة عامة بسلطة تقديرية كاملة ومطلقة في تحديد المعنى الواجب إعماله ، ويكون هذا التفسير طواعية أو بناء على طلب .
وفيما يخص عمل وزارة الخارجية عندما يصلها طلب التفسير فإن الأقسام بالوزارة تبدأ أولا بالتحقق مما إذا كان النص يشوبه فعلا الغموض ، إذ قد يكون في حقيقة الأمر واضحا ويكون اللبس في فهمه مرده فقط إلى كون القاضي لا يألف اللغة الدبلوماسية التي اعتاد عليها الدبلوماسيون ومن ثمة تخفى مدلولاتها عليه وقد يكون الأمر فقط استشارة الخبراء والمختصين بشأن بعض المسائل الفنية ، فإذا كان بالنص غموض فعلي ، تقوم هذه الأقسام بالتكفل بالأمر بوسائل عدة منها .
ـ الرجوع إلى الأعمال التحضيرية أحكام القضاء الدولي الاتصال المباشر بالدول الأخرى أطراف المعاهدة ـتكليف الممثلين الدبلوماسيين لدى الدول بتقصي كيفية تطبيقها للنص.
ونجد أن التفسير الوزاري من حيث إطاره الإجرائي لا يخضع لأي إطار شكلي، وإنما المرونة في هذه الخصوصية كبيرة مادام معبرا بوضوح عن وجهة النظر الرسمية كما أن للتفسير الوزاري قيمة وحصانة مطلقة فهو :
- من ناحية ؛ يقيد القاضي تقيدا كاملا في كل النزاعات وبدون ترك مجال سلطته التقديرية وذلك لسلطة الحكومة المطلقة في مسائل العلاقات الدولية
- ومن ناحية أخرى ؛ يمنع الطعن عليه باعتباره والمعاهدة سواء أي متعلقتـان بعلاقات الدولة مع غيرها فهـو محجوز بالتالي لاختصاص السلطة التنفيذيــة فقط ، أي يكتسب حصانة أعمال السيادة التي ترفعه على نظم القضاء .





المطلب الثالث :مبررات المذهب التقليدي

لم يفصل أنصار هذا المذهب في مبررات استبعاد تفسير المعاهدات الدولية من ولاية القاضي الإداري ، بل اكتفوا بوضع صيغ عامة تربط التفسير بالطابع السياسي للمعاهدة واتصالها بعلاقات الدولة بغيرها من الدول أي من أعمال السيادة ، مما أدى بالفقهاء إلى الاجتهاد والبحث والتحليل في الأسانيد والمبررات المقدمة وتم تقسيمها إلى مجموعتين :اعتبارات قانونية ، وأخرى عملية .

أولا: الاعتبارات القانونية :

يتم الانطلاق من نظرية أعمال السيادة ، فإذا اعتبرنا أن المعاهدة من أعمال السيادة فهي تخرج من ولاية القضاء كاملة ، فإذا كان القاضي لا يستطيع النظر في التفسير الوزاري (الحكومي) والتعقيب عليه فالنتيجة التي نصل إليها هي أن القاضي يستطيع إعطاء تفسير قضائي .
فأهمية وحساسية مسائل العلاقات الدولية ، تتطلب العمل على عدم إعاقة النشاط الخارجي للدولة وعدم خلق الصعوبات نتيجة تفسير المعاهدة ، فالسلطة القضائية عندما تفسر الإرادة المشتركة لأطراف المعاهدة ، إنما تتدخل بذلك في علاقات الدولة بغيرها من الدول مما يجلب للدولة مشاكل في حالة المنازعة في التفسير ، بل يمكن أن تنشأ مسؤوليتها الدولية من جراء ذلك ، كل هذا عزز من مكانة الأعمال المتعلقة بالعلاقات الدولية في نظرية أعمال السيادة ، ومن ذلك تفسير المعاهدات .(1)
وأيضا إن استبعاد الاختصاص القضائي بالتفسير يرجع إلى النظام القانوني الداخلي نفسه ، فولاية القضاء ، إنما يتحدد نطاقها بالأعمال الصادرة عن السلطات الوطنية والمتعلقة بتطبيق القانون الوطني، وبالتالي يستبعد
من نطاق هذه الولاية تطبيق قواعد القانون الدولي العام، ومنها المعاهدات وتفسيرها، فالقاضي الداخلي ليس قاضيا دوليا حتى يمكنه تطبيق القواعد الدولية.
كما أنه من حيث طبيعة المعاهدة ، ومقتضيات تطبيقها فهي من إنشاء اتفاق مشترك بين حكومتين او أكثر وتطبيقها - كي يكون موحدا- من طرف هذه الحكومات يستلزم وحدة تفسير نصوصها ، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق التفسير الحكومي ، أي أن واضع القاعدة هوالمختص بتفسيرها ، أما ترك التفسير للقاضي فقد يؤدي إلى تضارب وتناقض التفسيرات القضائية ، وأيضا إذا تضمنت المعاهدة شرط المعاملة بالمثل فإذا اختلفت التفسيرات من دولة لأخرى ، تباين بذلك التطبيق في كل منها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ محمد فـؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص95

ثانيا: الاعتبارات العملية:

تحول بين القاضي و تفسير المعاهدة بعض الاعتبارات العملية والفنية كعدم حيازته على الأعمال التحضيرية للمعاهدة على عكس الحكومة التي تحوز من خلال مراحل إجراء المفاوضات على هذه الأعمال وكل الظروف الواقعية والقانونية والدولية المحيطة بإبرام هذه المعاهدة ، ويرجع كل هذا إلى أن المفاوضات الدولية لا يعقبها في كثير من الأحيان نشر الوثائق الخاصة بها – سريتها مثلا – وبالمقابل فإن كافة المعلومات الأخرى المتعلقة بالمعاهدة تحوزها الحكومة التي شاركت في المفاوضات .

المبحث الثاني: اختصاص القضاء الإداري "مجلس الدولة الفرنسي"

ظهر هذا التحول على مستوى القضاء الفرنسي سنة 1990 بعدما سار المذهب التقليدي لفترة طويلة أين تم إقرار سمو المعاهدة على القانون التي نص عليها دستوريا، وقدأدى الفقه الناقد لهذا المذهب إلى تشجيع مجلس الدولة للتحول على هذا المذهب فيبسط سلطاته على تفسير نصوص المعاهدات مثلما هو قادر ومختص بتفسير القانون .
الاختصاص في قضاء مجلس الدولة الفرنسي
لقد عكف المجلس على توسيع اختصاصاته في مسائل المعاهدات الدولية بصفة عامة، وبالمقابل تطبيق
نظرية أعمال السيادة (1) حيث جاء هذا الانقلاب في حكم "NICOLO" بعد أن اعتنق مجلس الدولة التفسير الذي قدمه مفوض الحكومة "FRYDMAN" ومبرره أن الدستور نفسههوالذي خول بموجب المادة 55 للقاضي في إطار تطبيقه للمعاهدة أنيبحثفي مدى تطابق القانون مع أحكـام المعاهدة لإعلائها على القانون
المخالف لها، فلم يعد النظر لمشروعية الأعمال الإدارية بالمطابقة لنصوص المعاهدة حاجزا، لأن أحكام المعاهدة ستسمو في كل الأحوال، وقد بدأ الهجوم على المذهب التقليدي ينشط على كافة المستويات وفي العديد من القضايا التي طرحت على مستوى القضاء الفرنسي
وقد كانت نتيجة لتطورات سابقة حدثت على مستوى القضاء والساحة السياسية الفرنسيين كون القضاء كان في واقع الحال وبالدرجة الأولى ينظر دائما إلى تجنيب الحكومة المشاكل والصعوبات السياسية مع بقية أطراف المعاهدة وعدم شل حركتها في ممارسة نشاطها السياسي وليس إلى أسباب قانونية وهذا ما يفسر أن هناك حالات متشابهة أخذت حلولا متناقضة لان الظروف كانت تحمل الخشية من حدوث مشاكل في بعضها دون البعض الأخر ، فنجد مثلا محكمة استئناف باريس قضت في 04 جانفي 1967 في إطار تطبيق اتفاقيات


إيفيان بإيقاف الفصل لحين ورود التفسير من وزير الخارجية على أساس انه ينتظر أن تجري الحكومة الفرنسية مفاوضات بهذا الشأن مع الحكومة الجزائرية .
وبعد أن تأكد أن الحكومة الفرنسية لن تجري هذه المفاوضات ، وان المحكمة تأكدت بتاريخ 09 أكتوبر 1971 ولمجرد أن هذه المفاوضات أصبحت مستبعدة أن الأمر لم يعد يتعلق بمسائل القانون الدولي العام وانه لم يعد هناك خشية من المساس بحرية الحكومة في مجال العمل السياسي ومن ثم استردت اختصاصها في إطار المبدأ العام الذي تسير عليه المحاكم العادية في هذا الخصوص وأيدتها في ذلك محكمة النقض في حكم (agent judiciaire du trésor consor humbert) بتاريخ 27 مارس 1973 ، وكان حكم Nicolo قد لاح بمؤشرات تحمل الأمل في تحرك الأمور, وبدأ مجلس الدولة يتخلى عن إحالة التفسير إلى الحكومة وأصبح مستأثرا بهذا الاختصاص أصالة، وحتى بدون التفرقة بين منازعات المصالح العامة والمصالح الخاصة وتلت بعد ذلك الأحكام المهاجمة للمذهب التقليدي على كافة المستويات ، منها مطالبة المفوض الحكومة CENVOIS " في إحدى القضايا باستبعاد إحالة نصوص اتفاقية جنيف لعام1951 حول وضع اللاجئين إلى وزير الخارجية للتفسير على أساس أن تطبيقها وتفسيرها منوط بالقاضي نفسه، كما نادى بذلك العديد من الفقهـاء وأعضاء مجلس الدولة وشجعهم على ذلك صدور عـدة أحكام من مجلس الدستوري تؤكـد على مبدأ استقلال القضاء ولا تستطيع أية جهة سواء التشريعية أو الحكومية أو الإدارية المساس به .
و كان هذا التحول في الاختصاص من الحكومة إلى السلطة القضائية نتيجة حتمية لما يلـي :

المطلب الأول: الانتقـادات الموجهـة للمذهب التقليـدي .

01/ضعف الأسانيد:

فمن الناحية القانونية2) بالنسبة لمقتضى نظرية أعمال السيادة نجدها إنما تمنع فقط القاضي من النظر في إبرام وصحة المعاهدة لكنها لا تمنعه من النظر في تطبيقها وبالتالي لا تمنعه من تحديد معناها ليتسنى له إعمال أحكامها ، وأن فكرة أعمال السيادة تلحق التفسير الوزاري فإن لم يوجد هذا التفسير فلن يجد القاضي أمامه أي عمل من أعمال الحكومة يعيقه على القيام بالتفسير بنفسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1) دعوى مرفوعة من السيدNICOLOلإلغاء انتخابات 1989 لاختيار النواب الفرنسيين من البرلمان الأوروبي حيث شارك فيها بالانتخاب أو ترشح المواطنين الفرنسيين في أقاليم ما وراء البحار تطبقا لقانون الانتخابات ، حيث رآه البعض مخالفا لمعاهدة السوق الأوروبية المشتركة في 25 مارس 1957 يكون الأقاليم لا تعتبر أراضي أوروبيةبالمعنى الدقيق
(2) د/ محمد فؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص119

أما بالنسبة للنظام القانوني لتحديد اختصاصات القاضي الوطنية ، فإن التفسير لا يتعارض أبدا مع القانون الدولي ما دامت المنازعة لا تضع دولته في المواجهة مع دول أخرى فكل الآثار التي ترتبها منحصرة في أن التفسير لن تكون له قوة ملزمة إلا في النظام الداخلي بغير احتجاج في مواجهة الدول الأخرى ، والقانون الدولي العام نفسه لا يرفض مطلقا اختصاص القاضي الوطني بتطبيق وتفسير القواعد الدولية بدليل أن معاهدة السوق الأوروبية المشتركة في مادتها (177) سمحت صراحة للمحكمة الداخلية بتفسير نصوص المعاهدة في نطاق معين.
وبالنسبة لمبدأ الفصل بين السلطات، نجد أن قيام القاضي بتفسير المعاهدات هو من صميم الوظيفة القضائية ذاتها وذلك أن المنطق القانوني يتطلب أن يكون النزاع هو الذي ثارت مشكلة التفسير بمناسبته، وهذا طبقا لمبدأ القضاء الكامل.
كما انه ومادامت المعاهدة لها نفس قوة القانون، بل وقد تعلوه، فإن اختصاص القاضي بتفسيرها واجب مثلما هو مختص بتفسير القانون ما دام نص المعاهدة بنفس قوة النص القانوني، رغم ما يطرح من مخاطرتتعلق بمسؤولية الدولة نتيجة تفسير خاطئ من قضائها الوطني ، فإن مثل هذه المخاطر لا تختفي مع التفسير الحكومي ، فلا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن التفسير القضائي أكثر قابلية للأخطاء من التفسير الحكومي ، فالقاضي قادر على التفسير متى قدمت له المعلومات الكافية ، ومنها حتى رأي وزير الخارجية على سبيل الاستشارة لا على سبيل الإلزام و كذا إعمال قواعد التفسير الواردة في اتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات.
أما من الناحية العملية: فإن عدم نشر الأعمال التحضيرية للمعاهدة ، وبالتالي عدم إمكان القاضي حيازتها ، لا يبرر استبعاد اختصاصه بالتفسير فحتى اتفاقـية فيينا الخاصة بقانــون المعاهدات لم تعطى لهذه
الأعمال التحضيرية سوء دور تكميلي أو احتياطي فقط ، وذلك لتأكيد المعنى المتحصل عليه من سلسة الوسائل الأصلية ، خاصة المعاهدات التي تبرم في إطار المنظمات الدولية فهذه الأعمال التحضيرية وكل الوثائق يستأثر
بها وزير الخارجية مستطيعالقاضيالرجوع إليه لإعطائه رأيه حول معنى النص محل النظر ولا يكون رأيه ملزما للقاضي.
إضافة إلى ما سبق، فقد وجدت معطيات جديدة تمثلت في النمو المتسارع للمنازعات الإدارية المتصلة بتطبيق المعاهدات سوء كان الاتصال جزئيا أو كليا، وذلك راجع إلى التطور الكبير والمستمر لقواعد القانون الدولي العام واتصاله بالنظم القانونية الداخلية، وكذلك وجوب الفصل في المنازعة بواسطة جهة قضائية، فإحالة القاضي أمر التفسير للحكومة فإنما يفقره حياده واستقلاله، بل هو تنازل عن اختصاص أصيل له .
وإضافة إلى ما سبق كان لحكم G.I.S.I.T وبالتحديد بمناسبة معاهدة ثنائية - اتفاقات إيفيان - وتوابعها بين فرنسا والجزائر دلالة كبيرة ودور كبير في تعزيز ما تم التطرق إليه سابقا والذي سيتم التطرق إليه لاحقا كون التقرير الذي أعده المفوض الحكومي الفرنسي Abraham آنذاك حول قضية G.I.S.T.I كان تأكيد للمراحل التي قطعها المجلس بالفعل).


المطلب الثاني: حكــــــــــم "G . I . S . T . I"

يعتبر هذا القرار خطوة أخرى في مسار استعادة القاضي الداخلي سلطته في التعامل مع المعاهدات الدولية، وتأتي بعد قرار NICOLO كإحدى النتائج المترتبة عليه(1)
حيث تتمثل وقائعه(2) في أن جمعية توعية ومساندة العمال المهاجرين قد رفعت دعوى لإلغاء منشور أصدره وزير الداخلية وزير الشؤون الاجتماعية والتكافل الوطني في 14 مارس 1986يتعلق بأوضاع انتقال وتوظيف وإقامة الرعايا الجزائريين وعائلاتهم في فرنسا.
- وقد تم إبرام اتفاق بين الدولة الفرنسية والجزائرية في 27/ ديسمبر 1968 في إطار اتفاقيات إيفيان في 19 مارس 1962 وأكمل بعد ذلك باتفاقيات منعقدة في 26 ديسمبر 1978 و 20 ديسمبر 1979 وهذا لتنظيم دخول وإقامة الجزائريين في فرنسا وبمقتضاه يمكن للعمال الجزائريين وبشروط معينة الحصول على تصريح من المكتب الوطني الجزائري للقوى العاملة بالإقامة لمدة خمس سنوات يجدد تلقائيا وبدون أن يحتج قبلهم بأوضاع التوظيف في فرنسا في الأحوال المنصوص عليها في تقنين العمل ونظرا لآن القانون العام الواجب التطبيق على الأجانب في فرنسا قد تطور لصالحهم بقانون صادر في 14 جويلية 1984 على النحو الذي جعله من
بعض النواحي أفضل مما تنظمه النصوص الخاصة بوضع الجزائريين، بعد أن كان العكس هذا الوضع السائد قبل ذلك ، وقد اتفـق الجانبان على إعادة النظر في اتفاقيـة 27 ديسمبر 1968 بهدف تقريب أحكامـها مـن
النظام العام الذي يحكم وضع الأجانب في فرنسا، وقد تمخضت المباحثات على اتفاق جديد لهذا الغرض في 22 ديسمبر 1985 أين صدر منشوروزاري قيد الدخـول إلى فرنسا والإقامة بها خلافا للاتفـاقيـة وذلـك
فيما يلي:
1- الاحتجاج بحالة التوظيف في فرنسا قبل الموطنين الجزائريين الراغبين في العمل والمتقدمين بطلبات الحصول على شهادة إقامة
2- استلزام الحصول على ترخيص عمل مؤقت بالنسبة للطلاب الراغبين في العمل بجانب الدراسة
3- استبعاد الأطفال المتجاورة عمرهم 18 سنة في التمتع بنظام التجمع العائلي وبرغم كونهم لا يزالون قصرا طبقا للقانون الجزائري
4- إمكانية رفض منح تصريح الإقامة في حالة ما إذا كان تواجد الشخص المعني في فرنسا يهدد النظام العام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ احمـد لعـرابة ـ محاضرات في مادة "علاقة القاضي الداخلي بالقانون الدولي ـ ألقيت على طلبة المدرسة العليا للقضاء
(2) د/محمد فؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص129


وبعد صدور هذا الحكم المنشور هوجم بدعوى الإلغاء علىأساس انه قد وضع أحكاما لائحية جديدة مخالفة للاتفاقيات المنعقدة في 22 ديسمبر 1985 وكذلك إعلان المبادئ المتعلق بالتعاون الاقتصادي والمالي بين البلدين في 19 مارس 1962 ( وهو أحد أجزاء اتفاقيات ايفيان ) ولم يقتصر على المجرد تفسير هذه الاتفاقيات
وقد قضى المجلس بإلغاء النص الموجب لحصول الطلاب الراغبين العمل بجانب الدراسة على تصريح عمل مؤقت، لمخالفته الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في 19 مارس 1962 و 27 ديسمبر 1968 والتي لم تتعرض في هذا الشأن للتعديل بالاتفاقيات اللاحقة .
وبالنسبة للنص الخاص بحق الإدارة في رفض منح تصريح إقامة لمن كانت إقامته في فرنسا مهددة للنظام العام ، فقد قضى بأن نصوص اتفاق 27 ديسمبر 1968 والبروتوكول المعدل له في 22 ديسمبر 1985 لم يتضمنا أي حكم يحرم الإدارة الفرنسية من هذا الحق بالتطبيق للنظام العام لدخول وإقامة الأجانب في فرنسا ، أي لم يكن هناك أصلا مجال لتفسير أي نص في الاتفاقية بهذا الخصوص لأنه لا يوجد أصلا نص يتعرض لذلك .
وبعدم القبول جاء أيضا قضاء المجلس فيما يتعلق بإخضاع تسليم تصريح العمل لأحكام القواعد الخاصة بعمل الأجانب المنصوص عليها في تقنين العمل ، ومنها على وجه الخصوص إمكانية الاحتجاج قبلهم بحالة التوظيف في البلاد ، ومن ناحية أخرى باعتبار أن الأطفال القصر الذين ينطبق عليهم نظام التجمع العائلي هم دون 18 سنة طبقا للقانون الفرنسي وليس 19 للذكور و 21 للإناث بموجب القانون الجزائري وذلك على أساس أن أحكام هذا المنشور في هذا الصدد ليس له طبيعة لائحية ، ولم يضم أحكاما جديدة مقتصرة في ذلك على التفسير فقط وقد كان تفسيرا سليما ، ففي الحالتين يستفاد من أوراق الدعوى أن مصدري المنشور قد فسروا تفسيرا سليما نصوص الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في هذا الشأن .
وقد لاقى هذا الحكم ردود فعل صريحة وكان مؤشرا لتأكيد المجلس لاختصاصاته القضائية واستقلاليته في ممارستها في مواجهة الحكومة ، فالحكم عندما قرر أن مصدري المنشور المهاجم أمام المجلس قد قام بتفسير أحكام الاتفاقيات الجزائرية – الفرنسية في النقاط التي اشرنا إليها سابقا تفسيرا سليما وذلك كما يلي :
1- إن هناك مشكلة تفسير كانت قائمة في هذا الخصوص
2- إن المجلس قد سمح لنفسه بتقدير مدى صحة التفسير الوزاري ليستخلص بالتالي ما يراه هو نفسه من تفسير للنصوص محل النزاع ويبني قضاءه عليه .
3- وانه قد يكون بذلك استقر مبدأ اختصاص القاضي الإداري تفسير المعاهدات الدولية ونهاية الالتزام بإحالة مسألة التفسير إلى الحكومة وإيقاف الفصل في الدعوى لحين وروده.
4- وان مسألة تفسير المعاهدات قد خرجت من طائفة أعمال السيادة وفقدان حصانتها

وفي هذا الاتجاه الجديد تم تحديد حدود التحول الذي تمثل في أن المعاهدات التي تنظم طريقا خاصا لتفسيرها ، مثل معاهدة السوق الأوربية المشتركة حيث تختص بتفسيرها محكمة العدل الأوربية بنص المادة 177 منها فهي خارج نطاق الاتجاهات القضائية في الموضوع .
كما لا يجب النظر فيه بين طوائف المعاهدات، وفي كل الأحول فإن استشارة وزير الخارجية غير مستبعدة في ذاتها إلا أن القاضي لن يكون ملزما بإتباع تفسيره وإنما يخضعه لسلطته التقديرية وتبقى الاستشارة للتنوير وعلى سبيل الاستدلال.
فبالنتيجة وبناءا على ما سبق يجب أن يكون لهذا الحكم أهمية بالغة، فقد أخرج مسألة تفسير المعاهدات من دائرة أعمال السيادة، ولم يعد التفسير الحكومي واجب الطلب والإتباع، ولم يعد له حصانة تحميه ضد الطعن القضائي إن تجاوز حدود التفسير.(1)


المبحث الثالث:تطبيقات التفسير في القانون الجزائري:

المطـلب الأول: الدساتيـر الجـزائـرية:

هناك دساتير تجعل مهمة القاضي صعبة، حيث يجد نفسه محتارا أمام النزاعات التي ترفع إليه بخصوص الفصل بين المعاهدة والقانون، أي أنها لم تنظم العلاقة بين المعاهدة الدولية والقوانين الداخلية، كالدستور الجزائري لسنة 1963 الذي يتضمن نصين حول المعاهدات لكنه لم يتعرض في تلك النصوص إلى تحديد مكانة المعاهدات في علاقاتها مع القانون الداخلي .
فالمادة 42 تنص على أن: "يقوم رئيس الجمهورية بعد استشارة المجلس الوطني بإمضاء المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية وبالمصادقة عليها والعمل على تنفيذها".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

(1) Par l’arrêt d’assemblée GISTI . le conseil d’état se réserve cette fois d’interpréter les traités seul et
Directement, sans plus les renvoyer au ministre des affaires étrangères.
Cet arrêt a le double mérite d’offrir aux conventions internationales un traitement égal à celui des sources de droit interne et de leur garantir une interprétation uniforme. En effet, en élargissant sa compétence de l’application à l’interprétation des traités, le conseil d’état se dote sur ces actes de la pleine compétence qu’il détenait déjà sur les lois. (M.F BUFFET- TCHAKALLOF : l’interprétation des traités internationaux par le conseil d’etat.l’arrêt GISTI R.G.D.I.P 1991 , n° 1 , p109 et 110.)

أما المادة 44 منه فتنص على أنه "يقوم رئيس الجمهورية بإعلان الحرب وإبرام السلم بموافقة المجلس الوطني
فما هي مكانة المعاهدة أمام القانون الوطني عند التفسير ؟
1- سمو المعاهدات على القانون الداخلي : بالنسبة للدستور الجزائري لسنة 1963 المؤرخ في 08 أكتوبر 1963 فإن قلة الأحكام المتعلقة بالمعاهدات الدولية تجعل دور القاضي صعبا وسلبيا في حالة تنازع المعاهدة مع القانون، لأن القاضي ليس أمامه أسانيد قانونية ينطلق منها في إصدار أحكامه، وبالتالي يرتبط عمله بالواقع أكثر من القانون .
ويرى بعض الفقهاءأن الجزائر وعلى الرغم من عدم احتواء الدستور على نصوص متعلقة بمكانة المعاهدات فإن حل النزاع كان يتم وفقا للقانون الفرنسي، وما خلفته التبعية التي انعكست أثارها على المحاكم الوطنية .
ففي قانون الجنسية لسنة 1963 أكد في مادته الأولى على أن الاتفاقات والمعاهدات الدولية المصادق عليها والمنشورة، تسمو على القانون.
وأيضا المادة 21 من القانون المدني التي تنص: "لا تسري أحكام المواد السابقة، إلا حيث لا يوجد نص
على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في الجزائر"،فهذان النصان يسدان الفراغ القانوني الوارد في دستور 1963.
ولعل سبب عدم إدراج نص في دستور 1963 يحدد المعاهدات، ربما يعود لتخوف السلطة الجزائرية من تأثير ذلك على المسلك الاشتراكي الذي أخذت به آنذاك وأن أغلب علاقاتها كانت مع الدول الاشتراكية وضيقة جدا مع الدول الرأسمالية .
بالإضافة إلى أن هناك من استند إلى عدة أحكام صادرة عن المجلس الأعلى بينت فيها سمو المعاهدات على القانون الداخلي كحكم الغرفة الجنائية للمجلس الأعلى بتاريخ 04 أكتوبر 1966 الذي صدر بطلب من الحكومة الفرنسية حول تسليم المجرمين .
إذن: هناك ثلاثة جوانب تم تجسيد سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية وهي على التوالي :
ـ قانون الجنسية لسنة 1963 القاضي بسمو أحكام المعاهدات الدولية على القانون الداخلي في مادته الأولى، الفقرة الثانية والتي تنص على أن: "المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة تسمو على القانون" .
ـ القانون المدني يقر صراحة بسمو أحكام المعاهدات الدولية في المادة 21 منه: "لا تسري أحكام المواد السابقة إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في الجزائر" .
ـ صدور عدة أحكام عن المجلس الأعلى للقضاء تجسد سمو المعاهدات الدولية .
2- تمتع المعاهدة بنفس قوة القانون : بالنسبة لدستور 1976: (المؤرخ في 22 نوفمبر 1976)

فإن المادة 159 منه تنص على أن: "المعاهدات الدولية التي صادق عليها رئيس الجمهورية... تكتسب قوة القانون" .(1)
لقد اعتبر الأستاذ "محمد بجاوي" أن هذه المادة تعني اعتبار المعاهدة الدولية جزء من القانون الداخلي، والمعاهدة الدولية لا تتمتع بقوة القانون إلا عن طريق موافقة البرلمان والسلطة التنفيذية عليها، وتجدر الإشارة هنا أنه تكون للمعاهدة قيمة تشريعية إذا مرت على البرلمان ووافق عليه، وتكون لها قيمة تنظيمية إذا اختصت بها السلطة التنفيذية دون تدخل البرلمان ؛ فعبارة المعاهدة لها قوة القانون تعني أن الدولة تظل تطبق المعاهدة طيلة الفترة التي تبقى فيها سارية داخليا
وهناك عدة أحكام للمجلس الأعلى للقضاء أكدت فيها على أن المعاهدات المصادق عليها من قبل الجزائر وفرنسا تعد قانونا للدولتين.

3- عودة سمو المعاهدات على القانون :

ـ دستور 1989 : (المؤرخ في 23 فيفري 1989)
لقد نص هذا الدستور على علو المعاهدة هنا على القوانين العادية، لكن لا تصل إلى مرتبة الدستور، حيث نص دستور 1989 في المادة 123 منه على أن للمعاهدة الدولية مكانة أعلى من القانون.
ـ دستور 1996: (المؤرخ في 28 نوفمبر 1996)
لم يأتي بشيء جديد عن دستور 1989، حيث أبقى على سمو المعاهدة الدولية المصادق عليها من رئيس الجمهورية على القانون، في مادته 132 (2)
إن الملاحظ مما سبق أن المشرع الجزائري خلت دساتيره الثلاثة السابقة من أية إشارة إلى تعديل المعاهدة أو الانسحاب منها أو إلغاءها أو توقيف العمل بها إلا أن طريق عمل دبلوماسي معلن.

المطلب الثاني:المراسيم الجزائرية (3)

إن تفسير المعاهدات يكون بواسطة عمل قانوني سواء كان في صورة أمر أو قانون أو مرسوم أو قرار، وعادة ما يتم هذا التفسير بصورة تلقائية، ولكن يجوز أن يتم بناء على طلب الدولة المتعاقدة بحيث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بالرغم من نص هذه المادة إلا انه بقي التعارض مع قانون الجنسية الصادر بموجب الأمر 70/86 المؤرخ 15/12/1970 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 18/12/1970 المعدل والمتمم بموجب الأمر 05/ 01 المؤرخ في 27/02/ 2005 الجريدة الرسمية رقم 15 الذي كرس مبدأ سمو المعاهدات الدولية في مادته 37 "
(2) تنص المادة 132: المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون
(3) د/احمد لعرابة ـ محاضرات في مادة "علاقة القاضي الداخلي بالقانون الدولي ـ ألقيت على طلبة المدرسة العليا للقضاء.

تقـوم الحكومة ممثلة في وزارة الشـؤون الخارجيـة باعتبارها المكلفة بالعلاقات الخارجية بتفسيـر المعاهدات كما هو الأمر بالنسبة للمراسيم التي صدرت في الجزائر من أجل تبيان اختصاص الوزارة المكلفـة بالشؤون الخـارجية في القيام بعملية التفسير هذا الأمر الذي عرف تطـورا تشريعيا وهو ما سنبيـنه على النحو التالي: (1)
*مرسوم 77/54 الصادر بتاريخ 01/ مارس 1977 .
*مرسوم 79/249 الصادر بتاريخ 01 ديسمبر 1979.
*مرسوم 84/165 الصادر بتاريخ 14 جويلية 1984 .
*المرسوم الرئاسي 90/359 الصادر بتاريخ 10 نوفمبر 1990 .
المرسوم الرئاسي 02/403 الصادر بتاريخ 26 نوفمبر2002.
أ-مرسوم 77/54 : (2) المتضمن تحديد اختصاصات وزير الشؤون الخارجية ؛ حيث نصت المادة 09 منه على " تختص وزارة الشؤون الخارجية بتأويل(3) المعاهدات والاتفاقات والبروتوكولات والتسويات الدولية ، كما انه من اختصاصاتها وحدها ، بعد أخذ رأي الوزارات المعنية ، أن تقترح وتؤيد هذا التأويل لدى الحكومات الأجنبية والمنظمات أو الجهات القضائية ، ويحق لها أن تدلي بتأويل هذه النصوص أمام المحاكم الوطنية "
إن القاعدة العامة تقر بأنه لا محل للتفسير إذا كانت نصوص المعاهدة واضحة ، لكن يثور الإشكال في مسألة التكييف التي يلجأ إليها القاضي في القيام بالتفسير أو بإحالة الأمر إلى الحكومة .
وقد كيف أيضا المجلس الأعلى للقضاء على أن المعاهدة الواضحة لا تحتاج إلى تفسير ، في حكم له بتاريخ 21 فيفري 1967 ، وأيضا في حكم أخر حول المادة 10 من إعلان المبادئ المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والمالي (اتفاقيات ايفيان) .
بالإضافة إلى قانون الجنسية الصادر بموجب الأمر 70/86 المؤرخ في 15 ديسمبر 1970 الذي نص في مادته 37 الفقرة 04، 05 على انه:"عندما يقتضي الأمر تفسير أحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجنسية بمناسبة نزاع، تطلب النيابة العامة هذا التفسير من وزارة الشؤون الخارجية... وتلتزم المحاكم بهذا التفسير "
فهذه المادة تجبر المحاكم بالالتزام الحرفي بالتفسير الصادر عن وزارة الخارجية المتعلق بالمعاهدات .



ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ جمال عبد الناصر مانع ـ المرجع السابق ـ ص 156 ، 157
(2) المرسوم 77/54 المؤرخ في 01/03/1977 ، الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 27/ربيع الثاني 1397 هجرية
(3) لم يبين هذا المرسوم بدقة اختصاص وزارة الخارجية في القيام بعملية التفسير، وإنما نص على فكرة التأويل والتي تختلف عن التفسير، لان النص بحاجة إلى تفسير وليس إلى تأويل.

ب-مرسوم 79/249: بتاريخ 01 ديسمبر 1979 [ الجريدة الرسمية الصادرة في 11/12/1979 ]
الذي أعاد تنظيم صلاحيات وزير الشؤون الخارجية بإلغائه للمرسوم السابق الذكر، حيث نصت المادة 07 منه
على "تختص وزارة الشؤون الخارجية بتفسير المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات والتسويات الدولية وتدعم، بعد استشارة الوزارات المعنية ،تفسير الدولة الجزائرية لدى الحكومات الأجنبية وكذلك لدى المنظمات أو المحاكم الدولية والوطنية .
ما يلاحظ على هذا النص أنه إذا كان اختصاص وزارة الخارجية في تفسير المعاهدات الدولية واضحا إلا انه يبقى غير ملزم للدول الأعضاء الأخرى ، فضلا عن السعي لدى المنظمات أو المحاكم الدولية لتفسير المعاهدات يجعل التفسير يخرج من اختصاص وزارة الخارجية لأنه طبقا للقواعد المتعارف عليها أن هذا النوع من التفسير يعد من اختصاص المنظمة ذاتها .
كما أن هذا النص يتعارض مع قانون الجنسية بشأن إلزامية التفسير الذي تقدمه وزارة الشؤون الخارجية ن فإذا كان ملزما للمحاكم بشأن نزاعات الجنسية ، فإن التساؤل يثور بشأن المعاهدات الدولية الأخرى ، أم أن أي تفسير يصدر عن الحكومة يعتبر ملزما لطالبه (1)
ج-مرسوم 84/165 :بتاريخ 14 جويلية 1984 :الذي يحدد صلاحيات وزير الشؤون الخارجية وصلاحيات نائب الوزير المكلف بالتعاون الذي ينص في المادة (11) منه :"يختص وزير الشؤون الخارجية بتفسير المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات واللوائح الدولية ويدافع بعد استشارة الوزارات المعنية عن تفسير الدولة الجزائرية لدى الحكومات الأجنبية ، وعند الاقتضاء لدى المنظمات أو المحاكم الدولية أو الوطنية ."
الملاحظ على هذا المرسوم انه أضاف اختصاصا جديدا لوزارة الخارجية يتمثل في تفسير اللوائح الدولية ، غير انه لم يؤكد على الصفة الإلزامية للتفسير الذي تصدره الوزارة عن طريق استبدال عبارة تدعم بعبارة "بدافع" والدفاع ليس معناه الإلزامية .
د-المرسوم الرئاسي 90/359 بتاريخ 10 نوفمبر 1990: المحـدد لصلاحيات وزير الشــؤون الخارجـية الذي يتضـمن تنـظيما جديـدا لوزير الشؤون الخارجية فـي المادة 11 منه.
ه – المرسوم الرئاسي رقم 02/403 المؤرخ في 21 رمضان 1423 الموافق ل26 نوفمبر 2002 المحدد لصلاحيات وزارة الشؤون الخارجية : حيث منح هذا المرسوم اختصاص تفسير المعاهدات لوزير الخارجية صراحة إذ نصت المادة 17 منه على مايلي :" يختص وزير الشؤون الخارجية بتفسير المعاهدات والاتفاقيات والاتفاقات والبروتوكولات والتنظيمات الدولية التي تكون الجزائر طرفا فيها ، ويدعم تفسير الدولة الجزائرية ويسانده لدى الحكومات الأجنبية ، وعند الاقتضاء لدى المنظمات أو المحاكم الدولية وكذا الجهات القضائية الدولية" .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ جمـال عبد الناصر مانـــع ـ المرجــع السابــق ـ ص158

الشيء الجوهري الملاحظ بالرجوع إلى مختلف المراسم الجزائرية الخاصة بتفسير المعاهدات ، لا نجد فيها ولو إشارة إلى القواعد التي تعتمدها وزارة الشؤون الخارجية في التفسير.
حالة تعارض المعاهدة الدولية مع القانون الوطني عند التفسير: في حالة التعارض بين المعاهدة والقانون يحاول القاضي الوطني إيجاد الحل ، إما عن طريق التوفيق ، إذا كان ذلك ممكنا ، وان كان ذلك غير ممكن فتغليب أحدهما عن الأخر وفي هذه الحالة لا يصرح القاضي بصفة واضحة أولية المعاهدات أو أولية القانون
بل يستبعد أحدهما فقط تبعا لقاعدة الأحداث كذلك الأمر في الأحوال التي لم تنظمها المعاهدة فتبقى هنا محكومة بالقانون كحكم محكمة الاستئناف بتاريخ 29 أكتوبر 1965 حول تسليم المجرمين الذي طبقت فيه القانون بالنظر لعدم وجود معاهدة دولية تحكم ذلك الموضوع بالإضافة إلى حكم مجلس الاستئناف وهران بتاريخ 19 جانفي 1964 الذي توصل لنفس النتيجة
إذن فالقاعدة العامة التي ينبغي أن تسود في حالة التعارض هي أن يسعى المشرع إلى التوفيق بين المعاهدة والقانون، وان لا يحاول تغليب احدهما إلا إذا استلزم عليه الأمر بالفصل لأحدهما، بمقتضى نصوص قانونية تبرز مسعاه.
كما أكد الدكتور "علي علي سليمان" انطلاقا من المادة 21 من القانون المدني الجزائري بأنه إذا تعارض أحكام المعاهدة مع أحكام المواد من 10 إلى 22 (باستثناء المادة 21) فإن المعاهدة هي التي تسود .
وقد لجأ القضاء الجزائري إلى تطبيق المعاهدة في بعض الأحيان على نفس الدرجة التي يتمتع بها القانون، منها الغرفة الجنائية للمجلس الأعلى حول اتفاقية "إيفيان" الذي جاء فيه : "أصبحت اتفاقيات إيفيان المصادق عليها من فرنسا والجزائر قانونا للدولتين .

المطلب الثالث: خلاصة التجربة الجزائرية في مجال تفسير المعاهدات الدولية :

يمكن القول أخيرا أن دساتير الجزائر لم تتضمن في ديباجتها أية إشارة إلى المعاهدات الدولية وتفسيرها ، لآن هذه الدساتير أساس علاقات دولية قائمة على احترام سيادة الدول وأنظمتها الداخلية والتي تكون قائمة على إبرام المعاهدات الدولية .
كما توصلنا إلى أنه يمكن للقضاء (القاضي الإداري) طلب تفسير معاهدة دولية من وزارة الشؤون الخارجية ممثلة بالوزير ، وبقيت هذه النظرة سائدة إلى حد الآن ، حيث أن التفسير الحكومي هو القاعدة الوحيدة التي تحكم التفسير في الجزائر منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا .




كما إن المشرع الجزائري تأثر بالتجربة الفرنسية في مجال تفسير المعاهدات ، وهذا التأثير نفسه كان نسبيا حيث لا يتعدى التفسير الحكومي فقط لآن الأنواع الأخرى من التفاسير لم يعترف بها المشرع الجزائري . حيث تجدر الإشارة إلى انه حسب الإحصائيات والدراسات القانونية ، ولا يوجد في ظل التجربة الجزائرية أية إحالة على وزارة الشؤون الخارجية لتفسير أية معاهدة دولية بل يكتفي القاضي الإداري الجزائري دائما بنظرية العمل الواضح .
بالإضافة إلى أن التجربة الفرنسية في مجال التفسير لم تأتي بين لحظة وضحاها بل جاءت في إطار عقود من الزمن مقارنة بالتجربة القصيرة جدا لمجلس الدولة للجرائر فمتابعة تطور اتجاهات مجلس الدولة الفرنسي في الموضوع تظهر أن الاختصاصات التي استبعدها من ولايته في البداية سلمت مجرد مرحلة من سياسة قضائية لا ترفض في النهاية استقبالها ، لكي لا يصطدم بالحكومة ، ويبدو بمظهر المتدخل في أعمالها فبدأ بالرفض التام للاختصاص ، وبعد فترة بدأ التحقيق من صرامة هذا الرفض بوسائل قانونية يتيحها لنفسه مثل نظرية الأعمال المنفصلة ونظرية العمل الواضح ، واندرجت خطواته في الطريق حسب ردود فعل الحكومة ، حتى إذا تحقق انه لا خشية من الصدام وأطمأن لانغلاق باب المشاكل مضى إلى إكمال الطريق فربما يبقى على مجلس الدولة الجزائري خطو إما خطوات نظيره مجلس الدولة الفرنسي او رسم خطواته الخاصة بنفسه .

الفصل الثالث: كيفــية التفســــــير


يعتمد التفسير وكيفيته على طبيعة العمل المفسر ، حيث أن المعاهدة تفسر مثلما تفسر العقود ، حيث تبحث عن النية المشتركة للأطراف ، وهذا إن كيفت عقدا كغيرها من العقود.
وكذلك تفسر مثلما تفسر القوانين، أي بوضعية بحتة وذلك من خلال الوسط الاجتماعي والقانوني المراد ترتيب آثارها فيه.
لكن حينما نجد أن المعاهدة ليست مطلقة لهذا أو ذاك ، بل لها من العقد ، وذلك باعتبارها توافق عدة إرادات، وأيضا من القانون حين تندرج فيه النظام القانوني الداخلي كأحد مصادره .
ومن ذلك وجب أن يكون لتفسير هذه المعاهدات قواعد تكون متناسبة وخصوصيات وضعها المزدوج فلا تنقطع صلتها بالعقد ، ولا تكون كلها من القانون ، حيث نجد أنها تمثل ناحية القانون غالبا ، وذلك لاكتساب هذه المعاهدات داخل النظام القانوني مكانة أدت في نهاية الأمر إلى التشبه بالقانون ، حيث نجد أن المعاهدة لا ينظر إليها مجردة وفارغة من المعنى والهدف، بل مجسدة بآثارها وأهدافها في وسط اجتماعي وقانوني معين . كذلك القانون، حيث انه عند تفسيره والبحث عن إرادة المشرع يكون ضوء وسط اجتماعي وقانوني، معين والآثار والأهداف التي يحققها.
لكن نجد أن تعدد السيادات في المعاهدة – وبالتالي تعدد الإرادات- يكون صعبا للغاية عكس السيادة والإرادة الواحدة التي يعبر عنها القانون ، كذلك نجد هناك عناصر أخرى لها الغلبة في تفسير المعاهدات وذلك بالنظر إلى طبيعتها وظروفها .
إذن: فتفسير المعاهدة هو عملية استجلاء للإرادة المشتركة لأطرافها ، والإرادة هنا هي المعلنة والظاهرة للأطراف ، ولا البواعث الشخصية التي دفعت كل واحد منها لإبرام هذه المعاهدات (قد نضع هذه البواعث الشخصية من بين الوسائل الاحتياطية للتفسيـر) ، كما هذه الإرادة هي إرادة الأطراف وقت إبرام المعاهدة .
والمبـدأ الـعـام المسلـم بـه مـن مبـادئ وقـواعـد التفسيـر ، وذلـك باستبعاد النـص الـواضـح البيـن مـن النـصـوص ، أي لا مـجـال لتفسـيـر لـمـا لا يـحـتـاج إلى تـفـسـيـر(1) (n'est par permis d'interpréter ce qui n'a pas besoin d'interprétation)ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قول الفقيه "VATTEL" وهو من أوائل رواد القانون الدولي العام.

حيث انه قد يكون التفسير ميسرا بظاهر الألفاظ والعبارات ، وقد تأخذ بمعانيها العادية والمألوفة ، ونقف عند هذا الحد من التفسير وقد يكون معسرا لغموض في النص فيتطلب جهدا لذلك تنص اتفاقية "فينا" لقانون المعاهدات على انه:"تفسر المعاهدة طبقا للمعنى العادي لألفاظ المعاهدة ..."
إذن فاتفاقية "فينا" لقانون المعاهدات في موادها من 31 الى 33 توجب وضع وصب مبادئ التفسير في صيغة شهد لها جانب كبير من الفقه بسلامة التحليل القانوني ، فجوهر هذه المبادئ والقواعد التي استوحتها من أفكار القانوني والفقيه "جروسيوس" مؤسس القانون الدولي العام ، ثم وجدت تطبيقها العملي في أحكام القضاء الدولي .
إن مدى قابلية قواعد التفسير الدولية للتطبيق داخل الدولة ذاتها أمر خاضع للنظام القانوني الداخلي لها ، فهو يحدد ما إذا كان التفسير من اختصاص حكومي أو قضائي وكذا قابلية هذه القواعد للتطبيق .
إن تفسير أية معاهدة بواسطة سلطات الدولة سواء الحكومة أو القضاء يستجيب لحاجات هذه الدولة ، بالإضافة إلى اتصالها بحاجات جميع الأطراف الموقعة عليها ، وان يكون هذا التفسير مقنعا ، فيترسخ في القواعد العرفية والدولية .
إن وحدة قواعد التفسير لدى أطراف المعاهدة يؤدي الى وحدة التفسير وعدم اختلافها ، وبالتالي عدم اختلاف تطبيقها .
وبالنسبة لقواعد اتفاقية "فيينا" على وجه الخصوص فإن الدول الموقعة عليها يجب ان تلتزم بما جاء فيها خاصة وأن الاتفاقيات لم تفعل سواء تقنين القواعد العرفية المعمول بها من قبل وفي المجال الذي سمح فيه القضاء الوطني بالرجوع إلى المبادئ العامة للقانون الدولي العام كما ان قواعدها المستوحاة من قواعد تفسير قواعد القانون الداخلي .

المبحث الأول: وسائل التفسير


وهي تلك المبادئ التي تحكم عملية التفسير في مجموع مراحلها ، وأيا كانت أدواتها ولا تجعلها تختلط سواء على مستوى النصوص العاكسة مباشرة لنوايا الأطراف ، أو على مستوى الموضوع والغاية ، فهنالك عناصر شخصية وهي وسائل نقل نوايا الأطراف وعبارات وألفاظ النصوص والأعمال التحضيرية والاتفاقيات التفسيرية ، وكذا الوثائق وسلوك الأطراف في تطبيق الاتفاقية .
أما العناصر الموضوعية فهي مادة المعاهدة وطبيعتها والغاية منها وظروف الإبرام وتطبيق .
فالطريقة الشخصية يأخذ بها أنصار الطبيعه العقدية للمعاهدة ، أما الموضوعية فيأخذ بها من يرى بان المعاهدة مستقلة عن نوايا الأطراف .

المطلب الأول : الطريقة الشخصية (حسن النية)la methode subjective

أثبتتها المادة 31 من اتفاقية "فينا" "تفسر المعاهدة بحسن النية ..."
تركز هذه الطريقة على اعتبار أن البحث عن النية الحقيقية أو المفترضة لأطراف المعاهدة يعتبر الأساس الجوهري للتفسير ، غير ان هذه الطريقة لم تلقى رواجا في الفقه والعمل الدوليين ، لما ينجر عنه من صعوبة في الوصول الى النية المشتركة للأطراف حول نص معين(1)
لكن رغم ذلك فإنها تساهم بل توجه تفسير القواعد القانونية بصفة عامة وسواء كانت قواعد داخلية أو دولية ، فهو بهذا يمتلك قيمة قانونية ، أي يقضي الالتزام بما اتفق عليه ، وعبر عنه فعلا بكل أمانة وإخلاص ، حيث انه يفترض من خلاله أن ذلك كان منطق الأطراف ونيته ، حيث قبلوا وقرروا إبرام المعاهدة ، وبغير اللجوء لمحاولة تفسيرها كل على حسب هواه ، فلا يمكن إبرام معاهدة يكون فيها للأطراف سوء نية (2).
إن لحسن النية من عدمها علامات خارجية تترجم حقيقتها كمواقف الأطراف عند إبرام المعاهدة وأثناء تطبيقها ، وحتى عند المنازعة واقتراح الحلول فالمهم إذن من الناحية القانونية هو السلوك الموضوعي المترجم بعلامات خارجية .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور إبراهيم محمد العناني ـ القانون الدولي العام ـ دار الفكر العربي ـ1990 ـ ص 83
(2) الدكتور محمد فؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص 183



تقتضي هذه الطريقة تفسير المعاهدات حسب نية الأطراف المتعاقدة فيها ، ونلاحظ ان هذا الطريق يتفق مع مبدأ سيادة الدولة .
ومعرفة النية تكون بالرجوع إلى الأعمال التحضيرية لإبرام المعاهدة والتصرفات الأطراف عقب إبرامها وكيفية تطبيقها .

المطلب الثاني:الطريقة الوظيفية (الغرض) la methode fonctionnelle

تقوم هذه الطريقةعلى التحري عن الغرض الأساسي للمعاهدة ، وتفسير نصوصها في ضوء هذا الغرضوهو الأثر النافع للمعنى المرجح الذي استهدف من إبرام المعاهدة، حيث أنه من المسلم به أن أية قاعدة قانونية يرتكز أساسها على تطبيقها على النحو الذي يحقق غاياتها وأهدافها .
فمن المفترض أن أطراف المعاهدة قد عبّروا عن إرادتهم بعبارة تعني ما يصبون إليه من إبرام المعاهدة ووضع النصوص، لكي تطبق وبالفعالية اللازمة، فيجب أن يكون التفسير والمعنى الذي يسمح بالتطبيق الفعلي للنصوص على نحو يكفل الترتيب الآثار التي قصدها الأطراف، وبالفعالية التي قدّروها .
إذن فإن أخفق المعنى الظاهر للنص في التعبير عن إرادة الأطراف فإن البحث بوسائل التفسير المختلفة يتجه إلى المعنى الذي أراده الأطراف.
فالأثر النافع لا يعني تجاوز إرادة الأطراف، أو الخروج عن إطار عبارات النص لأن ذلك يؤدي إلى تعدي الأمر من تفسير النص إلى مراجعته، كما جاء في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 18 جويلية 1950 .
إن الملاحظ غياب مبدأ الأثر النافع في نصوص اتفاقية "فيينا"، وذلك لأنها لا تكرسه بصورة مباشرة، لكن هذا المبدأ يفرض نفسه في الواقع بالنص عليه أو بدون ذلك.
عموما تقتضي هذه الطريقة تفسير المعاهدة حسب الغرض المراد منها، أو حسب ما يتطلبها موضوعها
وعلى الرغم مما قيل من المفاضلة والمقاربة بين طرق التفسير هذه إلا أن العمل الدولي جرى على اعتبار هذه الطرق مكملة لبعضها البعض وعلى مراعاتها جميعا بقدر أو آخر في عملية التفسير ، ولهذه الطريقة أهميتها في تفسير المواثيق الدولية لتحديد اختصاصات أجهزتها حسب الغرض الذي أنشئت من أجله(1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور جعفر عبد السلام ـ التفسير الوظيفي للمعاهدات ـ المجلة المصرية للقانون الدولي ـ المجلد26 ـ 1970 ـ القاهرة ـ ص 159 وما يليها




المبحث الثاني: قواعـــد التفـــــسير

لا يوجد في القانون الدولي أسلوب ملزم لتفسير المعاهدات ولكن الفقه والقضاء الدوليين استخلصا من القانون الداخلي مجموعة من القواعد التي يجوز أن يسترشد بها المفسر في عملية التفسير، غير انه على مستوى اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 و 1986 فقد نصت المواد 31، 32 ،33 على القواعد الخاصة بتفسير المعاهدات لذلك سوف نتطرق إلى هذه القواعد كمايلي (1)

المطلب الأول : القاعـــدة العامــة

لقد نصت المادة 31 من اتفاقية " فيينا" على يلي :
1ـ"تفسر المعاهدة بحسن نية طبقا للمعنى العادي لألفاظ المعاهدة في الإطار الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض منها".
2ـ الإطار خاص بالمعاهدة لغرض التفسير يشمل ما يلي :
أ/ أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين الأطراف جميعا بمناسبة عقد هذه المعاهدة.
ب/ أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة ، وقبلتها الأطراف الأخرى كوثيقة لها صلة بالمعاهدة .
3ـ يؤخذ في الاعتبار إلى جانب الإطار الخاص بالمعاهدة :
أ/ أي اتفاق لاحق بين الأطراف بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيق أحكامها.
ب/ أي مسلك لاحق في تطبيق المعاهدة يتفق عليه الأطراف بشأن تفسيرها.
ج/ أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع، ويمكن تطبيقها على الأطراف .
4ـ يعطي معنى خاص للفظ إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك .
فكل ما سبق عناصر لعملية تفسير واحدة ومتكاملة، وذلك للوصول إلى تحديد المعنى العادي للنص محل التفسير، وذلك إن كان المعنى عاديا أو معنا خاصا:


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور جمال عبد الناصر مانع ـ المرجع السابق ـ ص172


أولا : المعنى العادي :
هو ذلك المعنى الطبيعي للعبارات، أي الأكثر شيوعا واستعمالا في مجالاتها، خصوصا المصطلحات الفنية، ويفترض أن نية الأطراف كانت متجهة إليها، وأن لا يؤدي إلى نتائج غير منطقية وغير معقولة (و إلا استعملنا وسائل التفسير الأخرى) .
وتحديد المعنى تكون عبرته بوقت إبرام المعاهدة، لأن معاني العبارات تتغير وتتطور عبر الزمن .
وبالنسبة للعبارات النسبية كلفظ "ملائم"، فيجب البحث عن إرادة الأطراف وقت إبرام المعاهدة أو وقت تطبيقها.
والبحث عن المعنى العادي للألفاظ يكون في :
1-في الإطار الخاص بالمعاهدة وما في مستواه : يتكون الإطار الخاص عموما من نص المعاهدة والديباجة والملحقات .
فالنص يكون الأول، لأنه التعبير الظاهر لإرادة الأطراف، ثم تأتي العناصر الأخرى لإيضاح ما بقى غامضا منه ، ويراعي في التعامل مع النص :
ـ صياغته العامة حرفيا، والمدلولات اللغوية البحتة للألفاظ، على أن تكون غير متناقضة مع اعتبارات العدالة .
ـ كما ينظر للنصوص كاملة ومتكاملة في مجموعها، بدون عزلها عن بعضها، وذلك للأخذ بالتناسق وسياق النص وتوافق أحكامه .
ـ كما يقيد النص العام بالنص الخاص .
ـ الديباجة فهي التي توضح موضوع المعاهدة وغايتها ووضعها في النظام القانوني الدولي .
وقد استقر القضاء الدولي على اعتبارها جزء من المعاهدة ويتبعها في الإلزامية .
ـ الملحقات هي التي تفصل الأحكام والتنفيذ والمسائل الفنية، وتتمتع أيضا بنفس القوة الإلزامية للمعاهدة نفسها .
ـ أي اتفاق متعلق بالمعاهدة عقد بين الأطراف عند إبرامها .
ـ أي وثيقة صادرة عن طرف أو عدة أطراف بمناسبة عقد المعاهدة مع قبول باقي الأطراف بها .
2 -ما استوى بالإطار الخاص :
ويتكون من :
أي اتفاق لاحق بين الأطراف خاص بتفسير المعاهدة أو تطبيقها :
فالاتفاق التفسيري ينعقد مع إبرام المعاهدة أو لاحق عليها، هو جزء من المعاهدة وله قوة الإلزامية، ويطبق على المنازعات التي تثيرها النصوص محل التفسير .
أي مسلك لاحق بتطبيق المعاهدة يتفق عليها الأطراف بشأن تفسيرها :
حيث تتوافق إرادات الأطراف على تفسير معين للنص، يكون مهيمنا على التطبيق المتماثل وكانت النية متجهة إليه لحظة إبرام المعاهدة، فالتفسير في ضوء ظروف التطبيق يحقق مسايرته للتطور المستمر، ويستجيب للمتغيرات التي قد تطرأ بعد إبرام المعاهدة .
أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع يمكن تطبيقها على العلاقة بين الأطراف :
وهي المراكز القانونية والمصالح العامة المتمثلة في قواعد القانون الدولي ومبادئه العامة، فبالرجوع إلى هذه القواعد ذات الصلة بالمعاهدة لإلقاء الضوء على معنى ونطاق تطبيق نصوص هذه المعاهدة، نتيجة منطقية لأن الفرض أن أطراف المعاهدة لا يريدون الخروج على القواعد العامة للقانون الدولي، وإن أرادوا ذلك بنص صريح به، فإن لم يوجد هذا النص فيعتمد في التفسير على الحل أكثر توفقا من القانون الدولي(1) .
وأيضا لكون المعاهدة نفسها أحد عناصر القانون الدولي العام، والذي عبر الأطراف على إرادتهم في إطاره .
وتتجلى العلاقة بين نص المعاهدة وقواعد القانون الدولي العام أكثر في :
تضمن المعاهدة قواعد ومبادئ معينة في القانون الدولي العام، فبالتالي يقوم تفسيرها بحسب المعنى الذي تأخذه في هذا القانون .
بالإضافة إلى سكوت المعاهدة بشأن مسألة من المسائل، فيعتبر هذا السكوت إحالة ضمنية إلى قواعد القانون الدولي العام .
كذلك إذا كان النص محل التفسير معنيين معتمدين، أحدهما مستثنى من قاعدة دولية عامة، والأخر متطابق معها، فيرجح هذا الأخير عن الأول .
كما تجدر الإشارة فيما يتعلق بالنطاق الزمني لقواعد القانون الدولي العام التي نرجع إليها في التفسير .
- هل هي السائدة وقت إبرام المعاهدة أم وقت التفسير ؟ .
ظهر اتجاه بهذا وأخر بذاك، ولم تتعرض اتفاقية "فينا" لذلك، وعليه نرجع الأمر للقواعد العامة التي تتضمن على القاعدة الآمرة، أي إعمال آثارها حتى وقت التفسير، كذلك احترام النطاق الزمني إن حدده الأطراف، فإن
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ محمد فؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص200

لم يتوفر ما سبق (أي قواعد أمرة وإرادة الأطراف)، يحسم الأمر حسب ظروف كل حالة وطبيعة كل معاهدة وأهدافها .
3-في ضوء موضوع المعاهدة وغايتها :
إن موضوع المعاهدة والأهداف والآثار المنتظرة من إبرام المعاهدة الدولية، وأيضا المجالات والمحيط الذي أبرمت فيه ـ يظهر ذلك عادة في الديباجة ومجموع نصوصها ـ ، من شأنه أن يوضح نوايا وإرادة الأطراف واتجاهاتهم، لأن المعنى العادي لألفاظ النص ليس هو ذلك المعنى المجرد في ذاته بل ذلك يتحدد مضمونه وفق أهداف المعاهدة وموضوعها .
ثانيا : المعنى الخاص :
يكون للنص معنى خاصا إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك .
ويكون هذا المعنى الخاص إذا تعلق الأمر باستثناء على القاعدة العامة (أي المعنى للفظ المألوف)
وقد يكون هذا المعنى فني له استعمال في نطاق معين لا يفهمه إلا المختصون ويستلزم معنا خاص للنص بأن يكون التعبير عنه صريحا وحاسما لا غموض فيه .

المطلـب الثانــي: الوســائل المكــــملة

نصت على ذلك المادة 33 من اتفاقية "فينا" :
"يجوز الالتجاء إلى وسائل مكملة في التفسير بما في ذلك الأعمال التحضيرية للمعاهدة والظروف الملابسة لعقدها ، وذلك لتأكيد المعنى الناتج عن تطبيق المادة 31 ، أو تحديد المعنى إذا أدى التفسير وفقا للمادة 31 الى
بقاء المعنى غامضا أو غير صحيح ، أو أدى إلى نتيجة غير منطقية أو غير معقولة .
ويطبق هذا النص بعد تطبيق القاعدة العامة أولا واستنفاذ كل وسائلها ، ثم استعمال كل الحجج والإقناع لإكمال عملية التفسير
وقد نصت اتفاقية "فيينا" على طائفتين(1) من الوسائل التكميلية هما الأعمال التحضيرية ، والظروف الملابسة لعقد المعاهدة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد ذكر هاتين الطائفتين على سبيل المثال في أحد قرارات التفسير التي أصدرتها المحكمة الدستورية العليا في مصر وجاء فيها أن المحكمة وفي مجال ممارستها لاختصاصها بالنسبة للتفسير التشريعي ، إنما يقتصر ولايتها على تحديد مضمون النص القانوني محل التفسير على ضوء إرادة المشرع ، تحريا لمقاصده وهي في سبيل استلهام هذه الإرادة وكشفها لا تعزل نفسها عن التطور التاريخي للنصوص القانونية التي تفسرها تفسيرا تشريعيا ولا عن الأعمال التحضيرية الممهدة لها ، سواء كانت هذه الأعمال قد سبقتها أو عاصرتها.

أولا : الأعمال التحضيرية :
إن الأعمال التحضيرية من مفاوضات واتصالات ومذكرات وأعمال ومحاضر جلسات ومقترحات وصياغة مشاريع هامة للتعرف على النية المشتركة لأطراف المعاهدة ، إلا أنها عدت من الوسائل التكميلية وذلك لأنها تحمل بين طيّاتها نوايا متعارضة وخلافات أطراف المعاهدة ، وأيضا يشوبها التناقض والفوضى
وعدم الحسم ، بل هي التي تؤدي إلى عدم صياغة النص بطريقة واضحة ومحددة ، بل وقد تكون هذه الأعمال غامضة ومعتمدة من الأطراف وذلك بغية تحقيق نجاح ظاهري والهروب من بعض الالتزامات إلى وقت لاحق ، مما يفتح باب أمام التفسيرات والتأويلات التي قد تكون خاطئة .
بالإضافة إلى أن الوصول إلى هذه الأعمال التحضيرية صعب كليا أو جزئيا للسرية مثلا، أو انضمام دول بعد إبرام المعاهدة ودون الاشتراك في أعمالها التحضيرية.
لكل ما سبق يجب ، عند الالتجاء إلى الإعمال التحضيرية الحرص الشديد حتى ينحصر البحث في عملية تفسير ما جاء بالنص بذاته بغير تعديل أو تأويل خاطئ و بما يعكس إرادة الأطراف الحقيقية ، واستبعادها إن لزم الأمر عند تعارضها مع النص تكون صالحة لاستخلاص معنى محدد وواضح وذلك بأن تتسم بالجدية والانتظام وتناسق الأفكار .
ثانيا :الظروف الملابسة لعقد المعاهدة :
وذلك لان المعاهدة تتصل اتصالا وثيقا بالحياة الدولية، كما انه لا تنفصل عن الظروف الواقعية والتاريخية والسياسية و الإيديولوجية والاقتصادية التي أحاطت و لازمت إبرامها.
لكن هذه العناصر التكميلية السابقة للتفسير غير مذكورة على سبيل الحصر، بل يمكن اللجوء إلى عناصر مختلفة أخرى منها:
ـ القياس (1).
ـ مفهوم المخالفة .
ـ قاعدة من باب أولى.
ـ إعمال النص خير من إهماله .
ـ ما جرى عليه تطبيق المعاهدات الأخرى ، وما استقر من عرف دولي في مجال هذه المعاهدة .
ـ تفسير النص على النحو الذي يكون أكثر تحقيقا لحقوق والتزامات الأطراف أو لصالح الطرف الواقععليه الالتزام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من تطبيقات إعمال القياس كوسيلة لتفسير المعاهدات قضية السفينة Wimbledon التي عرضت على محكمة العدل الدولية ففي هذه القضية دفع وكيل الحكومة الفرنسية بأن المادة 3380 من معاهدة فرساي المتعلقة بقناة كيل لا تقيم ميزة لصالح الحلفاء فحسب ، بل ما تنص عليه يعتبر قاعدة موضوعية تقرر حرية المرور لصالح كل الدول ، لكن أثناء التفسير ثبت للمحكمة أن الدفع الذي أبدته فرنسا يقوم على أساس المركز القانوني لقناة السويس وقناة بنما

وقد أخذ المحتوى السياسي لنصوص المعاهدة في الاعتبار:
ـ أحكام القضاء
ـ تفسير الفقه
ـ قواعد العدالة
ثم يأتي التفسير الموسع أو الضيق للنص ، وهذا بعد إعمال كل وسائل التفسير السابق ذكرها ، ولم تظهر إرادة الأطراف .
وقد اعتبر القضاء الدولي قاعدة التفسير الموسع والمضيق بمثابة قاعدة إضافية ، لا يلجأ إليها إلا إذا بقيت الشكوك قائمة حول معنى النص ويجب أن يكون في إطار إرادة الأطراف وموضوع المعاهدة وغايتها .
عمليا نجد أن التفسير الموسع أقل تطبيقا من التفسير الضيق وذلك مخافة الانحراف عن الأغراض الحقيقية للمعاهدة .
إن التفسير الموسع يلجأ إليه عادة في المسائل الاقتصادية والتجارية بما يفيد الأطراف ، ويكفل تطبيق النص بطريقة عادلة ، أما التفسير المضيق فيكون بعد استنفاذ كل طرق التفسير المتاحة بما فيها التفسير الموسّع ، ويتعين في التفسير الضيق ترجيح المعنى الذي يحمّل الأطراف أقل الالتزامات .

قيود التفسير الضيق : لا يلجأ إليه لمجرد تأكيد المعنى، ولا يستعمل إذا كان من شأنه تجريد المعاهدة من كل اثر ، أو ترتيب عكس ما اتجهت إليه إرادة الأطراف .
الخــاتمــــة


بعد دراستنا المتواضعة للمراحل التي مر بها التفسير ، بدءا بالاتجاه التقليدي الذي أعطى الاختصاص للحكومة متبوعا بالاتجاه الحديث والذي تمكنت فيه السلطة القضائية من انتزاع هذا الاختصاص ،ثم دراسة كيفية التفسير للمعاهدات الدولية، بمبادئه ووسائله، توصلنا إلى ان تفسير المعاهدة الدولية يثور خصوصا بمناسبة التطبيق ، بسبب إرادة الأطراف التي تتغير مع الزمن فيكون التفسير هذا للسلطة التنفيذية اذا رأت الدولة أن إسناده لغيرها يحملها مسؤولية دولية هي في غنى عنها ، وتأكيدا للنص الدستوري : سمو المعاهدة عن القانون ، وفرض مبدأ سيادة الدولة ووجودها .
غير ان تطور العلاقات الدولية وتشعبها إلى ميادين أخرى ، كالتجارة والإقتصاد جعل هذا الإسناد يتحول إلى السلطة القضائية ، أي القاضي الوطني ، وذلك لكي لا تتعطل هذه المصالح المتسمة بالسرعة في التطبيق ، بالإضافة الى مؤهلات القاضي في ميدان التفسير عن غيره في الحكومة ، بحيث انه يطبق المبادئ والوسائل الصحيحة للوصول إلى التفسير السليم للمعاهدة الدولية .
إذن :
بتطور العلاقات الدولية ، وضرورة تعاون الدول فيما بينها لتعايش سلمي وحياة أفضل ، حيث يتجلى ذلك في إبرام المعاهدات الدولية لتكون هذه العلاقات أكثر تنظيما وتترسخ بها قواعد القانون الدولي .
غير إن قصور هذه المعاهدات يؤدي الى تدخل التفسير لإكماله ، ويكون المختص به هي الحكومة او القضاء ، وكل على حسب مصالح الدولة ، فإذا كانت عامة تمس الدولة بذاتها فيجب ان تتدخل الحكومة هنا لوضع هذا التفسير ، أمام إذا كانت المصالح العائدة من المعاهدة خاصة ، تمس الأفراد لا تحمل الدولة أية مسؤولية دولية فتسند هذه المعاهدة للقاضي الوطني لتفسيرها .

وفي النهاية لا نملك سوى التسليم بسلامة وقوة الحجج المعارضة لاستبعاد التفسير الحكومي السلف بيانها ، وانه لم يبقى للتفسير القضائي سند سوى مواجهة صدمة إنكار العدالة الفعلي ، عندما تصير الحكومة عن طريق التفسير الحكومي خصما وحكما في ذات الوقت وتتحكم بذلك في وجه الفصل في الدعوى بكل المخاطر التي يتحملها هذا الوضع بالنسبة لحقوق وحريات الأفراد؛ والقضاء من ناحية لن يجد المصاعب كثيرة في عملية التفسير بحكم الأعداد المتزايدة من المعاهدات في غير الطابع السياسي مثل مجلات التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي كما إن طابع السرية الذي يميز إعمال العاهدات السياسية البحتة سيضيق نطاقه تبعا لنوعية المعاهدات، إضافة إلى وضع قواعد موحدة للتفسير باتفاقية "فيينا" لقانون المعاهدات وإذا استعصى الأم ر على القاضي فاستشارة وزير الخارجية لم يغلق بابها.









قديم 2011-07-31, 01:10   رقم المشاركة : 221
معلومات العضو
امين83
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الأوسمة
الموضوع المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B11 الحل ..

ها قد وجدنا الحل حول الاجابة النموذجية حول طريقة صياغة الاسئلة و الخطة و طريقة الاجابة ....من خلال هذه المذكرة التي جأتكم بها أعلاه للأخوة القضاة المتخرجين جزاهم الله خيرا ..
الله يوفقنا ..










قديم 2011-07-31, 01:20   رقم المشاركة : 222
معلومات العضو
maouia
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد900 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
اليكم ما وجدت.......
مذكرة تخرج لأحدى طالبين با المدرسة العليا للقضاء ....
أختصاص القاضي الاداري با تفسير المعاهدات الدولية ..
عصفورين با حجر أختصاص القاضي الاداري و تفسير المعاهدات الدولية في القانون الدولي
..


المقدمة

اكتسبت دراسة المعاهدات الدولية اليوم أهمية كبيرة قصد الوصول إلى حلول المشاكل التي ظهرت حتميا بعد أن فرضت المعاهدات نفسها وبقوة بين حيثيات التنظيم القانوني على مستوى المجتمع الدولي.
ولقد ظهر الدور البارز لمعاهدات في تنظيم الحياة الدولية من أجل الوصول إلى تعايش سلمي يجمع الأمم عن طريق تعاون تفتحت أفاقه وتعددت وجهاته في جميع الميادين فأصبحت المعاهدات وضرورتها في نمو العلاقات الدولية والتعايش السلمي أمر من المسلمات ، فهي نقطة توازن بين مصالحنا ومصالح غيرنا ، ننطلق إليها ابتداء من مرضاة مصالحنا ، وفي إطارها نقبل التعامل مع الغير تقييدا للسيادة .
ولقد أخذت المعاهدات مبكرا مكانا في النظم القانونية الداخلية كأحد مصادرها ، وفي النطاق الذي يتفق فيه الأطراف السيادة المطلقة على سحبه من سلطان الإدارة المنفردة ، لذا كان لها قوة القانون بل و سمتعليه ، وفي كل الأحوال ترتبط بشروط وإجراءات التصديق والنفاذ المقررة دستوريا وبالتالي تصبح واجبة النشر للنفاذ في مواجهة المخاطبين بأحكامها ، واجبة التطبيق بذاتها متى استوفت الإجراءات المقررة فيلتزم القاضي بتطبيقها من تلقاء نفسه .

جاءت المعاهدة الدولية إذن: لتجاوز عناصر النظام القانوني الداخلي والتعامل معها ضد مركز قوة القانون، ومن ثمة كان لابد لمشاكل التعارض والتنازع بين المعاهدة والقانون الداخلي أن تفرض نفسها.
فمشاكل التفسير لا تظهر بالتحديد إلا بمناسبة تطبيق المعاهدة، والتفسير نفسه لن يصبح مشكلة دولية إلا إذا غاب الحل الدولي ، والاختصاص الداخلي بذلك لن يكون قضائيا إلا إذا كان النظام الداخلي للدولة قد نزعه من يد سلطات الحكومة .
ويقصد بتفسير المعاهدة بيان حقيقة معاني النصوص أو تحديد مدلولاتها تحديدا دقيقا لغايات تطبيق حكم القانون على الوقائع والأوضاع التي تنشأ في ظل سريان المعاهدة ، ذلك أن واضعي نصوص المعاهدةلا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يستشرفوا الجوانب كافة أو أن يتنبؤوا بما سوف يحدث عند تطبيق المعاهدة ، ولو كان بمقدورهم ذلك لتوصلوا إلى صياغة نصوص المعاهدة على قدر من التفصيل والوضوح الذي تنتفي معه الحاجة إلى التفسير، فالمعاهدات إذن: قد تتضمن نصوصا تكون بحاجة إلى توضيح أو تعليق وهذا نتيجة قصور عبارة النص عن المعنى الذي قصدته بالفعل الأطراف المتعاقدة أو لتناقضه مع نص آخر، وتفسير ذلك ليس دائما بالأمر اليسير ، لأنه يؤدي كثيرا إلى إثارة الخلافات بين الدول المتعاقدة لذلك يجب على الدول معالجة هذا التفسير بدقة وحذر شديدين وذلك لتحديد الجهة المختصة وكيفية وضع هذا التفسير ومن هذا المنطلق نجد أنفسنا أمام العديد من التساؤلات :
- فما هي جهات الدولة المختصة قانونا بوضع التفسير؟
- هل السلطات الحكومية أم السلطة القضائية ؟
- وما مدى اختصاص القاضي الإداري بالتفسير؟
- وما هي طريقة وكيفية هذا التفسير؟
- وما هي المبادئ التي يسير على ضوئها ؟
للإجابة على هذه التساؤلات سوف نتناول هذا الموضوع في ثلاث فصول وفـق الخطة التاليـة :



الفصل الاول : موقع المعاهدات الدولية المصادق عليها في القوانين
الجــزائريــــة
المبحث الأول : العلاقة بين الدستور والمعاهدة الدولية
المطلب الأول : مكانة الدستور في التشريع الداخلي
المطلب الثاني: موقف المجلس الدستوري من حجية المعاهدة الدولية
المبحث الثاني : العلاقة بين المعاهدة الدولية والقانون الوطني
المطلب الأول: إجراءات ومراحل إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني
المطلب الثاني: واقع إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني

الفصــل الثاني : السلطــة المختصــة بالتفسيـــر
المبحث الأول : اختصاص السلطة التنفيذية"الاختصاص الحكومي"
المطلب الأول: تخلي القضاء عن مهمة تفسير المعاهدة الدولية
المطلب الثاني: الاختصاص الحكومي بالتفسير
المطلب الثالث: مبـررات المذهـب التقليـــــــدي
المبحث الثاني : اختصاص القضاء الإداري " مجلس الدولة الفرنسي"
المطلب الأول: الانتقادات الموجهة للمذهب التقليدي
المطلب الثاني: حـــــكم g.i.s.t.i"


المبحث الثالث : تطبيقات التفسير في القانون الجزائري
المطلب الأول: في الدساتير الجزائرية
المطلب الثاني: في المراسيم الجزائرية
المطلب الثالث: خلاصة التجربة الجزائرية

الفصــــــل الثالث : كيــفيـة التفـسيــــــــــــــــــر

المبحـث الأول : وسائـــل التفسيـــــر
المطلـب الأول: الطريقـــــة الشخصيــــــة ( حسن النية )
المطلـب الثانـي: الطريقـــــــة الموضوعيـــــــة ( الغرض )
المبحـث الثانــي : القواعـــــــد التــي تحكـــم التفسيـــــــــــــر
المطلـب الأول: القاعـــــدة العامــــــة
المطلــب الثانـي: القواعـــد المكملـــة
خاتمــــــــــة

الفصل الأول: المعاهدات الدوليـة المصـادق عليها
في القوانين الدولية

إن الطبيعة الخاصة للمعاهدة الدولية قد فرضت نفسها بحكم أن صياغتها عمل سيادات متعددة ، متساوية، ومتكافئة، ، والتزام الدولة يقوم في ذاته بمجرد التوقيع عليها ، فلا يحق لأي دولة بمفردها التعديل في صياغتها بعد ذلك وهي بصدد تطبيقها ومن هنا نتساءل عن وضعها في النظام القانوني الداخلي.

المبحث الأول : العلاقة بين الدستور والمعاهدة الدولية

إن المعاهدات التي تقوم الدولة بإبرامها في مجال علاقتها الدولية تصبح جزء من قانونها الداخلي ، بحيث يتعين على جميع سلطات الدولة أن تطبق المعاهدة ، غير انه يطرح الإشكال بالنسبة لحالة التعارض التي قد تقع بين المعاهدة والقانون الداخلي ،هل تعتبر المعاهدة جزء من القانون الداخلي وتسمو على جميع القوانين الداخلية بما فيها الدستور ام انها تعتبر جزء من القانون الداخلي باعتبارها قانونا عاديا لا يسمو على الدستور.

المطلب الأول: مكانة الدستور في التشريع الوطني

الدستور هو القانون الأسمى في الدولة ، وهو الذي يضفي الشرعية على ممارسات السلطة ويكفل الحماية القانونية ورقابة عمل السلطات العمومية ، وتبعا لذلك لا يجوز لأي نص قانوني آخر أن يخالف أحكامه ، ولكن الوتيرة التي سار بها التطور العالمي في كل المجالات وبروز ظاهرة العولمة التي طالت جميع المجالات السياسية ، الاقتصادية ، الثقافية ، والمؤسساتية ، أدى إلى إضعاف مكانة التشريعات الوطنية وفتح المجال أمام اجتهادات دولية بواسطة أجهزة متخصصة استطاعت فرز أفكار متميزة شملت مختلف المجالات ومست حتى تلك التي كانت تعتبرها الدول من صميم سيادتها وهو ما أدى إلى عرضها في كثير من الأحيان بواسطة أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والجهوية في شكل اتفاقيات أو معاهدات ليتم الانخراط فيها
بالنسبة للنظام الجزائري(1) ـ ونظرا لمكانة الدستور في التشريع الوطني ـ فإن مسألة مكانة المعاهدات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ أحمد إسكندري ـ د/ محمد ناصر بوغزالة ـ " محاضرات في القانون الدولي العام"، الطبعة الأولى ، دار الفجر للنشر والتوزيع، مصر 1998


الدولية وكيفية التعامل معـها عرفت تطورا عبر الدساتير انطلاقا من دستور سنة 1963 الـذي لم يتضمن أحكامـا تتعلـق بمكانـة المعاهدات ضمن القانون الداخلي ، كمـا أنه لم يضع أحكامـا تتعلـق بالتعارض بين القانون الداخلي والمعـاهدات الدوليـة وهذا علـى خلاف الامــر63/96 المتضمـن قانـون الجنسية الجزائريةالذي أكـد سمو
المعاهدات على القانون الداخلي في مادته الأولى ، أما دستور سنة 1976 فقد أعطى للمعاهدات الدولية نفس المكانة التي يتمتع بها القانون العادي ، بحيث تمر بنفس المراحل التي يمر بها القانون ، وعلى الرغم من ذلك فقد بقي التعارض مع قانون الجنسية الصادر بموجب الأمر 70/86 الذي كرس مبدأ سمو المعاهدات الدولية في مادته 37 ، بحيث تحتل المعاهدة نفس المكانة التي يحتلها القانون(1) ، أما دستور 1989 فقد نص في المادة123 منه كرس مبدأ سمو المعاهدات الدولية على القانون الداخلي بحيث تنص على ان:"المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون".
وكذلك الأمر بالنسبة لدستور 1996 الذي تضمن ذات المضمون واعترف بسمو المعاهدات الدولية على القوانين العادية ، بحيث تحتل المعاهدة مكانة وسطا بين الدستور والقوانين العادية وقد نظم في مادتيه 131 و 132 إجراءات إدراج المعاهدات الدولية في التشريع الوطني التي تمر بالمراحل التالية :
1- إبرام المعاهدة (المادة 77 فقرة 9 ).
2- الموافقة الصريحة لغرفتي البرلمان (المادة 131 ) وفي حالة التعارض يؤول الأمر إلى اللجنة المتساوية الأعضاء بين غرفتي البرلمان ( المادة 120/3 من الدستور).
3- دستورية المعاهدة عن طريق إخطار المجلس الدستوري ( المادة 165 )
4- مصادقة رئيس الجمهورية ( المادة 77 فقرة 09 ).

المطلب الثاني:موقف المجلس الدستوري والقضاء من حجية المعاهدات

إن المجلس الدستوري اعتبر في قراره الصادر في 20/08/1989 أن أية اتفاقية دولية بعد المصادقة عليها ونشرها تدرج في القانون الوطني وتكتسب بمقتضى المادة 132 من الدستور سلطة السمو على القوانين الداخلية ، وتخول لكل مواطن أن يتذرع بها أمام الجهات القضائية واعتمدت المحكمة
ـــــــــــــــــــــــ
(1)ـ كما أن هناك تعارض مع المادة 21 من القانون المدني الصادر بموجب الأمر 75/ 58 المؤرخ في 26/09/1975 المعدل و المتمم ، والتي تنص على مايلي " لا تسري أحكام المواد السابقة إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك ،في قانون خاص او معاهدة دوليــة نافذة في الجزائر "



العليا هذا المبدأ في قرارها بإعفاء مواطن مصري من دفع الكفالة المقررة للأجنبي أمام المحكمة الجزائرية تطبيقا للاتفاقية الجزائرية المصرية المبرمة في 29/02/1964 دون الحاجة الى نص داخلي (قرار 15/07/1998)
ويذهب القضاء الجزائري إلى تطبيق أحكام العقد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه الجزائر بالمرسوم الرئاسي 89/08 المؤرخ في 25/04/1989 القاضي بأنه لا يجوز حصر أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي، كما تم تأكيــد مبدأ السمو أيضا في القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 22/02/2000 تحت رقم 167921 حول القضية المتعلقة بمصادرة وسائل النقل المستعملة في نقل المخدرات ، والذي جاء فيه :" من الثابت قانونا أن مصادرة السيارة التي استعملت كوسيلة نقل المخدرات واجبة بحكم القانون ، كما أن مصير المبالغ المالية المتحصل عليها من المتاجرة غير المشروعة في المخدرات يعد إجراء قانونيا في حــد ذاته حتى ولو لم يذكر قضاة الموضوع النص القانوني واجب التطبيــق علما أن الجزائر صادقت على اتفاقيــة الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقليــة الموافق عليها بفيينا في 20/12/1988 والتي تسمح لكـل طرف أن يتخـذ من التدابيـر للتمكين من مصادرة التحصيلات من الجرائم المنصوص عليها بالمادة الأولى للفقرة الثالثـة (1)
هذا وقـد تمت المصادقة على الاتفاقية بموجب المرسـوم الرئاسي رقم 95/41 المؤرخ فـي 28/01/1995 وإن كان القرار لا يتعلق بسمو المعاهدة على القانون الداخلي على أساس عدم وجود نص في التشريع الجزائري ، فإنه يتعلق بتطبيق المعاهدة الدولية من طرف القاضي الجزائري ، أي يعترف لها بقوة القانون ، بحيث يفهم من ذلك أنه حتى وإن وجد نص من القانون الجزائري فإنه تطبيقا للمادة 132 من الدستور فإن المعاهدة تكتسب قوة أعلى من القانون العادي (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- اتفاقية فينا : وقع عليها في فينا خلال المؤتمر الذي عقد لهذا الغرض في 23 ماي 1969 وبدأ سريانها في 27 جانفي 1980 ، وذلك في إطار خطة تقنين القانون الدولي العام التي وضعتها لجنة القانون الدولي -إحدى هيئات الأمم المتحدة –أنشأتها الجمعية العامة بغرض تطوير وتقنين القانـون الدولي –وقد حددت آنذاك قائمة الولايات التي تضمنتها هذه الخطة وكان في مقدمتها قانون المعاهدات. د. إبراهيم شحاتة : مشروع لجنة القانون الدولي بشأن المعاهدات المحلية المصرية للقانون الدولي
(2) د/ أحمد إسكندري ـ د/ محمد ناصر بوغزالة ـ المرجع السابق ـ ص57

المبحث الثاني :العلاقة بين المعاهدة والقانون الوطني


إن العلاقة بين المعاهدة والتشريع هي علاقة تكامل ، ويتمثل هذا التكامل في الإحالات التي تعني أن اللجوء إلى التشريع في المجالات التي تحيل فيها المعاهدة أو الاتفاقية على التشريع الوطني أمر ضروري ، غير انه يتعين التدقيق في كافة المعاهدات التي صادقت عليها الدولة، التي تترك المجال للتشريع الوطني أو تلك المعاهدات التي تتعارض مع القوانين والتي تتطلب تعديلها.
ويتضح أن آلية تكييف التشريع الوطني عبر الاتفاقيات والمعاهدات سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف قد تحتاج إلى نصوص قانونية قارة أو تطبق مباشرة.

المطلب الأول:إجراءات ومراحل إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني

إن إدراج المعاهدات الدولية في التشريع الوطني يمر عبر مراحل وفق إجراءات محددة :
1- مرحلة إعداد وتحضير المعاهدات الدولية : إذ تقوم الدبلوماسية بالتنسيق مع القطاعات المعنية بدور أساسي خلال هذه المرحلة حسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية ، وفي حالة وجود تعارض تلجأ إلى تسجيل حق التحفظ على النص أو الفقرة ولا تلتزم بما تحفظت عليه .
2- مرحلة صياغة المعاهدات والاتفاقيات الدولية باللغات المعتمدة من قبل الأمم المتحدة: حيث يتم إعداد النصوص بلغة البلد (العربية) وتكون اللغة العربية حجية في التفسير.
3- مرحلة التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتي هي مخولة إلى "رئيس الجمهورية" أو "رئيس المحكمة" أو "وزير الدولة ووزير الشؤون الخارجية" أو لكل سلطة أخرى بموجب رسالة تفويض تمنح من قبل وزارة الخارجية
4- ـ مرحلة المصادقة: تحال المعاهدات والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف من طرف وزارة الشؤون الخارجية على الأمانة العامة للمحكمة التي تتولى عرضها على البرلمان للمصادقة عليها وفقا للمادة 131 من الدستور مباشرة إلى السيد رئيس الجمهورية الذي يصادق عليها وفقا للمادة 77 من الدستور.
5- دور المجلس الدستوري في النظر في دستورية المعاهدات : لرئيس الجمهورية ان يخطر المجلس الدستوري حول دستورية المعاهدات.
ـمرحلة النشر والإخطار: تنشر المعاهدات والاتفاقيات المصادق عليها في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وتتكفل وزارة الشؤون الخارجية بإبلاغ الجهات الدولية والوطنية المعنية .

المطلب الثاني :واقع إدراج المعاهدات الدولية في القانون الوطني

إذا استكملت المعاهـدة الدوليـة مراحل تكوينها في القانون الدولي وتوفرت فيها الشروط اللازمـة لاعتبارها مصدرا من مصادر القانون الداخلي فهي تسري في مواجهة جميع الأطراف ،وتلتزم المحاكم الوطنية بتطبيـق أحكامها بنفس المستوى الذي تلتزم فيه بتطبيق أحكـام القانون الداخلي ، وبالتالي فيجب على القاضي الوطني تطبيق أحكام تلك المعاهدة تلقائيـا كلما كان ذلك ضروريا لحل النزاع المعروض عليه ،على أن يكون تطبيق المعاهدة بأثر فوري مثل القانون الداخلي وليس بأثر رجعي.
وتطبيق القاضي للمعاهدة الدولية قد لا يثيـر مشاكل إذا كانت نصوصها لا تتعـارض مع القوانين الداخلية وإذا كان هناك تعارض يجب على القاضي أن يفك التعارض وذلك بعد التأكد من توفر شروط المعاهدة من جميع النواحي الشكلية والموضوعية(2)
ولذلكتسعى الجزائر للانضمام والمصادقة على كل الاتفاقيات الدولية المرتبطة بمصالحها ، وعملا بمبدأ سمو المعاهدات الدولية على القانون المكرس في المادة 132 من دستور 1996 وكذا المادة 27 من اتفاقية فيينا(1) لقانون المعاهدات لسنة 1969 والمصادق عليها من قبل الجزائر في 13 أكتوبر 1987 فقد بادرت الجزائر إلى إدخال تغييرات جذرية على المنظومة التشريعية الوطنية بشكل يتلاءم مع حاجات المجتمع ويراعي التوجهات الجديدة على المستوى العالمي سواء بتعديل قوانينها أو بإصدار قوانين جديدة.

ــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ جمال عبد الناصر مانع ـ القانون الدولي العام ـ المدخل والمصادر ـ دار العلوم للنشر والتوزيع ـ ص156
(2) د/ علي عبد القادر القهوجي ـ المعاهدات الدولية أمام القاضي الجنائي ـ الدار الجامعية للطباعة والنشرـ بيروت ـ ص65

لفصل الثاني: السلطـة المختصـة بالتفسيـر

إن المحاولات قائمة دائما على الصعيد الدولي لإيجاد المسائل التي تكفل انتشار أسلوب التفسير المشترك لتطبيق التفسير المنفرد باعتبار أن وحدة التفسير ضامنة لوحدة تطبيق المعاهدة لدى كافة أطرافها ، والتفسير لن يصبح مشكلة داخلية إلا إذا غاب الحل الدولي فمهما كانت قدرات واضعي المعاهدة إلا أنها تستدعي ضرورة التدخل لتفسيرها ، هذه الحاجة للتفسير لا تقتصر فقط على الوضع في القانون الداخلي وإنما تشمل أيضا مجال القانون الدولي ،لان أهمية التفسير تلعب دورا كبيرا في المجال الدولي عن مجال القانون الداخلي ، وهذا بسبب ما يكشف القانون الدولي وقواعده من قصور لحداثة النسبية ومن غموض لتعدد أطراف واضعيه ، ناهيك عن دور الوقائع والأحداث الدولية وما تستدعيه من ضرورة البحث عن تفسير يحكمها.(1)
وتتعدد الجهات المختصة بالتفسير تعددا نوعيا ، فقد تكون الجهة المختصة بالتفسير جهة وطنية ، تتمثل إما في جهة قضائية وإما في جهة إدارية ، كما قد يكون التفسير من جهة دولية تتمثل إما في جهة قضائية دولية وأما تتمثل في منظمة دولية أو جهاز من أجهزتها، وما يهمنا نحن في هذا البحث هو مدى اختصاص القاضي الإداري .

المبحث الأول: اختصاص السلطة التنفيذية ( الاختصاص الحكومي)

إن حكومات الدول–السلطة التنفيذية- الأطراف في المعاهدات تملك صلاحية التفسير ، وذلك في غياب السلطة القضائيـة الدولية وينصب تفسـيرها على ما يكون غامضا أو مشكوكا في معناه من نصوص المعاهدات والتفسير هنا عادة يكون بالاتفاق بين هذه الحكومات الموقعة على المعاهدة (2)، وذلك بإجراء مفوضات تتبع عادة بالاتفاق أو تبادل خطابات أو تصريحات مشتركة لكليهما أو تحرير بروتوكول خاص، وان تعذر كل ذلك تكون حينئذ لكل دولة الحق في تفسير نصوص المعاهدات بنفسها ، لكن هذا التفسير لا يلزم بقية الدول الأطراف فيها ، غير أن هذا – أي عدم الاتفاق – يمكن إن يؤدي إلى نشوء نزاعات .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ محمد المجذوب ـ القانون الدولي العام ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ2003 ـ ص 567
(2) المادة 22 من المرسوم رقم 05/76 المؤرخ في 26/02/2005 المتضمن التصديق على الاتفاق البحري بين الجزائر وفرنسا الموقع بباريس في 27/01/2004 تنص " كل خلاف ينشأ حول تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق يتم تسويته من قبل اللجنة البحرية المشتركة ، فإذا تعذر ذلك فيسوى عبر القناة الدبلوماسية "


وكان هذا الاتجاه التقليدي السائد متركزا على أسس قانونية وسياسية في قضاء مجلس الدولة الفرنسي لأكثـر من نصف قـرن عكس مجلس الدولة المصري الذي لم يوجد أي صدى لهذا المبدأ في أحكامه إلا القليل جدا منها،ويتردد موقف القضاء في الأردن بين حقه في التفسير أو منحه للسلطة التنفيذية.(1)

المطلب الأول: تخلي القضاء عن مهمة التفسير

حيث تأكد من خلاله أن المحاكم الوطنية تختص بتطبيق المعاهدات دون أن تكون لها صلاحية تفسيرها حيث يجب على القاضي الوطني – ومنه القاضي الإداري – أن يوقف الفصل في الدعوى ثم يطلب من الحكومة –السلطة التنفيذية –تفسير المعاهدة ، ومن ثم عليه أن يلتزم باحترام التفسير الذي يصدر عن الحكومة بمفردها أو بناء على اتفاقها مع الدول الأخرى الأطراف في المعاهدة ،حيث أن القضاء الفرنسي كان يرفض فكرة التعرض للمعاهدات بالتفسير التزاما دقيقا منه بمبدأ الفصل بين السلطات بينما تمنح الولايات المتحدة الأمريكية للمحاكم هذا الحق رغم فصل دستورها لمبدأ فصل السلطات فصلا تاما أما المحاكم المصرية فقد درجت على تفسير المعاهدات غير السياسية أي التي تتصل بمسائل مالية أو بحقوق الأطراف(2)

ولذا نجد أن بعض المحاكم الفرنسية قد أيدت هذا الاتجاه الذي يعتبر تفسير المعاهدات خارجا عن اختصاص القضاء ، وذلك على أساس أن المعاهدة عمل حكومي أو بالأحرى عمل من أعمال السيادة التي تصدر عن السلطة التنفيذية بناء على ما تملك من سلطة تقديرية وان هذه الأعمال لا تخضع بطبيعتها للرقابة القضائية ، بالإضافة إلى كل هذا فإن هذا الاتجاه يستند إلى مبدأ الفصل بين السلطات (3).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) الدكتور رشيد عارف السيد ـ القانون الدولي العام في ثوبه الجديد ـ الطبعة الاولى2001 ـ دائرة المكتبة الوطنيةـ عمان ـالأردن ص 98
(2) الدكتور محمد إسماعيل علــي ـ مبادئ القانون الدولي العــام ــ توزيع دار الكتــاب الحديث 1983 ـ1984 الصفحة 288
(3) الدكتور محمد المجذوب ـ المرجـــع الســـابق ـ ص571.

وكمثال على ذلك سوف نتناول قضاء مجلس الدولة الفرنسي وذلك لنقارن بينه وبين القانون الجزائري.
حيث انه بعد مرحلة من التردد حول الاستبعاد الكامل لتفسير المعاهدات الدوليةمن طرف مجلس الدولة الفرنسي ويعود ذلك- كما قلنا سابقا- لطبيعة سياسية بحتة ، وظل التفسير مستبعدا من نطاقها إذ اعتمد على فكرتين أساسيتين وهما فكرة الأعمال المنفصلة والمسائل الأولية ، برزت الفكرة الأولى عند الأعمال المتصلة بالمعاهدة عن المنفصلة عنها حيث إن المعاهدات ذاتها وما يلحق بها من شروط صحتها وإجراءات إبرامها وكذا نفاذها من مفاوضات وتوقيع وتصديق، كل هذه الأعمال تعد من الأعمال الوظيفية السياسية للحكومة، أما من حيث القرارات والإجراءات التي يتخذ تطبيقها للمعاهدة، فما يتعلق بالمعاهدة مباشرة يكون له نفس حكمها أي يخرج عن ولاية القضاء و لا يتعلق مباشرة بعلاقة الدولة بغيرها من الدول بحيث يعتبر من أعمال الإدارة العادية أي تنفيذه داخلي فقط ، فيدخل في نطاق الاختصاص القضائي ، إذن نستخلص أن إجراءات تنفيذ المعاهدة تدخل في نطاق الاختصاص القضائي لا الحكومي إذا توفرت ثلاثة شروط وهي:(1)
ـ أن يكون الإجراء متعلقا بعلاقة الدولة بمواطنين وعلى إقليمها فقط .
ـ ألا ينعكس بأي حال على دولة أجنبية أو على رعاياها.
ـ ألا ينتج عنها تقرير مركز غير قانوني يمكن أن تسأل عنه هيئات أجنبية من وجهة نظر القانون الوطني. ولهذا نجد أن مجلس الدولة قد قسم ما يتصل بتطبيق المعاهدات من أعمال ذات الصفة الإدارية البحتة التي تقوم بها السلطات الإدارية الوطنية تحت ولاية أو اختصاص القاضي الإداري وبالتالي يكون قبول الدعوى من هذه الناحية صحيحا .
غير أن مسار مجلس الدولة الفرنسي- بناء على ما سبق - لم يكن ثابتا بل كان متغيرا وذلك راجع إلى قيام القاضي كل مرة بالبحث عما إذا كانت المنازعة المطروحة أمامه على اتصال مباشر بالعلاقة بين الدولة وغيرها من الدول أم هو من العمل الإداري العادي للسلطات الإدارية الامرالذي جعل مهمة القاضي صعبة خاصة في بداية تطبيقه وذلك لتداخلهما وعدم وضوح حدودهما ، فكانت أحكام المجلس متقلبة ومترددة بين قبول الاختصاص لولاية القضاء أو الحكومة .
وهذا ما جعل اللجوء إلى الفكرة الثابتة المتمثلة في فكرة المسائل الأولية التي ظهرت لإبقاء الدعاوى المتعلقة بالأعمال الإدارية المتصلة بتطبيق المعاهدة في ولاية المجلس وذلك بواسطة الإحالة إلى الجهة المختصة بالتفسير وإيقاف الفصل في الدعوى إلى حين فصلها في ذلك ، ويتطلب إعمال هذا النظام (فكرة المسائل الأولية ) اجتماع شروط هي :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
(1) الدكتور محمد فؤاد عبد الباسط ـ مدى اختصاص القاضي الإداري بتفسير المعاهدات الدولية ـ الدار الجامعية بيروت ـ لبنان ـ طبعة 1994 ـ ص26

1ـ أن تعترض القاضي صعوبة حقيقية من تحديد معنى النص وذلك لشك فيه أو غموض.
2ـ ألا يكون قاضي النزاع (الأصلي) مختصا بالفصل في المسألة الأولية وتثار المسألة الأولية إما عن طريق القاضي من تلقاء نفسه أي يقدر الإحالة من عدمها أو عن طريق الأطراف.
إلا أن الإحالة للتفسير وضعت لها قيود لا يجب على القاضي أن يتعداها ، أي يمنع على القاضي بحكم كونه قاضيا وطنيا وليس دوليا من طلب التفسير من السلطات الحكومية للدولة الأخرى وذلك بهدف مقارنته بالتفسير المقدم من حكومته كما يجب أن يكون الحكم بالإحالة وإيقاف الفصل غير موقف لتنفيذ القرار المطعون فيه.
أما شروط الإحالة فتمثلت فيما يلي(1):
1- أن يتعلق التفسير بمعاهدة دولية
2- عدم وضوح النص محل النزاع فإذا كان النص واضحا على نحو يجعله قابلا للتطبيق فورا وبذاته على وقائع النزاع يتعين على القاضي تطبيقه مباشرة بغير إحالة لآية جهة ، وبالتالي فإنه يجب أن يكون النص محل النظر غير واضح ولا يتسنى الوقوف على حقيقة معناه إلا بإزالة ما شابه من الغموض الذي يمتنع معه إمكانية تطبيقه مباشرة ، وتقدير وضوح النص من عدمه يعود إلى القاضي بناء على سلطته التقديرية .
3ـ أن يكون التفسير ضروريا لحسم النزاع : أي أن يكون تفسير نص المعاهدة الغامض مرتبطا بالضرورة بالفصل في النزاع وحاسما لتحديد الحق فيه ، أما إذا كان بإمكان القاضي الفصل في النزاع بأسانيد كافية وبدون اللجوء إلى التفسير فلا حاجة لهذا الأخير في هذه الحالة
4 ـ ألا يرضى التفسير إلى إدخال حكم جديد على الفقرة ولا يكون مقصورا إلا على استنباط غرض المعاهدة
وأهدافها من بين السطور ومعاني ألفاظها في حدود النصوص القانونية .

المطلب الثاني: الاختصاص الحكومي بالتفسيـــر

بعد تخلي مجلس الدولة كليا عن مهمة التفسير كما رأينا سابقا واعتباره من المهام المحجوزة للحكومة كان منطقيا أن يبقى الاختصاص لهذه الأخيرة مطلقا ، وأساس ذلك أن الحكومة هي صاحبة الاختصاص المطلق في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية ومن ذلك تفسير المعاهدات لأنها قريبة من الإرادة المشتركة للدولة المتعاهدة لآن الحكومة هي التي تولت مفاوضات هذه المعاهدة وبالتالي تعرف لأي غرض أبرمت ، وما هي الآثار التي أرادت ترتيبها ، فهي بذلك الأقدر بين سلطات الدولة علـى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور محـمد فــؤاد عبــد الباسط ـ المـرجــــع السابــــق ـ ص 58 وما يليها

تفسير المعاهدة ، وقد يكون المختص فيها وزير الخارجية أو وزير الدفاع أو لجنة وزارية مشتركة ، ولكن حرصت الحكومات على جعل وزير الخارجية هو المختص الوحيد بتفسير المعاهدات الدولية بكل موضوعاتها وليس فقط المتعلق بوزارته ، وذلك لضمان وحدة الرأي الحكومي ، لان وزير الخارجية –بطبيعة عمله –هو المختص بإجراء المشاورات مع الدول الموقعة على هذه المعاهدة ، وذلك للوصول إلى تفسير موحد لنصوصها ليكون معبرا عن إراداتها المشتركة .
كما أنه حلقة وصل بين دولته والدول الأخرى الأطراف في المعاهدة من مفاوضات الإبرام ومتابعة تنفيذها ، مما يجعله الأكثر علما وإحاطة بحقيقة المعاهدة
وأيضا قد يكون نص المعاهدة غامضا بالرغم من الإنفاق بين الدول على المبدأ العام ، تاركين للوقت والمستقبل وللإجراءات التكميلية التكفل بإنجاح وبلورة المعاني ، فيكون وزير الخارجية هو الأقدر على متابعة هذه المستجدات ، ويتمتع في هذه الحالة الوزير والحكومة بصفة عامة بسلطة تقديرية كاملة ومطلقة في تحديد المعنى الواجب إعماله ، ويكون هذا التفسير طواعية أو بناء على طلب .
وفيما يخص عمل وزارة الخارجية عندما يصلها طلب التفسير فإن الأقسام بالوزارة تبدأ أولا بالتحقق مما إذا كان النص يشوبه فعلا الغموض ، إذ قد يكون في حقيقة الأمر واضحا ويكون اللبس في فهمه مرده فقط إلى كون القاضي لا يألف اللغة الدبلوماسية التي اعتاد عليها الدبلوماسيون ومن ثمة تخفى مدلولاتها عليه وقد يكون الأمر فقط استشارة الخبراء والمختصين بشأن بعض المسائل الفنية ، فإذا كان بالنص غموض فعلي ، تقوم هذه الأقسام بالتكفل بالأمر بوسائل عدة منها .
ـ الرجوع إلى الأعمال التحضيرية أحكام القضاء الدولي الاتصال المباشر بالدول الأخرى أطراف المعاهدة ـتكليف الممثلين الدبلوماسيين لدى الدول بتقصي كيفية تطبيقها للنص.
ونجد أن التفسير الوزاري من حيث إطاره الإجرائي لا يخضع لأي إطار شكلي، وإنما المرونة في هذه الخصوصية كبيرة مادام معبرا بوضوح عن وجهة النظر الرسمية كما أن للتفسير الوزاري قيمة وحصانة مطلقة فهو :
- من ناحية ؛ يقيد القاضي تقيدا كاملا في كل النزاعات وبدون ترك مجال سلطته التقديرية وذلك لسلطة الحكومة المطلقة في مسائل العلاقات الدولية
- ومن ناحية أخرى ؛ يمنع الطعن عليه باعتباره والمعاهدة سواء أي متعلقتـان بعلاقات الدولة مع غيرها فهـو محجوز بالتالي لاختصاص السلطة التنفيذيــة فقط ، أي يكتسب حصانة أعمال السيادة التي ترفعه على نظم القضاء .





المطلب الثالث :مبررات المذهب التقليدي

لم يفصل أنصار هذا المذهب في مبررات استبعاد تفسير المعاهدات الدولية من ولاية القاضي الإداري ، بل اكتفوا بوضع صيغ عامة تربط التفسير بالطابع السياسي للمعاهدة واتصالها بعلاقات الدولة بغيرها من الدول أي من أعمال السيادة ، مما أدى بالفقهاء إلى الاجتهاد والبحث والتحليل في الأسانيد والمبررات المقدمة وتم تقسيمها إلى مجموعتين :اعتبارات قانونية ، وأخرى عملية .

أولا: الاعتبارات القانونية :

يتم الانطلاق من نظرية أعمال السيادة ، فإذا اعتبرنا أن المعاهدة من أعمال السيادة فهي تخرج من ولاية القضاء كاملة ، فإذا كان القاضي لا يستطيع النظر في التفسير الوزاري (الحكومي) والتعقيب عليه فالنتيجة التي نصل إليها هي أن القاضي يستطيع إعطاء تفسير قضائي .
فأهمية وحساسية مسائل العلاقات الدولية ، تتطلب العمل على عدم إعاقة النشاط الخارجي للدولة وعدم خلق الصعوبات نتيجة تفسير المعاهدة ، فالسلطة القضائية عندما تفسر الإرادة المشتركة لأطراف المعاهدة ، إنما تتدخل بذلك في علاقات الدولة بغيرها من الدول مما يجلب للدولة مشاكل في حالة المنازعة في التفسير ، بل يمكن أن تنشأ مسؤوليتها الدولية من جراء ذلك ، كل هذا عزز من مكانة الأعمال المتعلقة بالعلاقات الدولية في نظرية أعمال السيادة ، ومن ذلك تفسير المعاهدات .(1)
وأيضا إن استبعاد الاختصاص القضائي بالتفسير يرجع إلى النظام القانوني الداخلي نفسه ، فولاية القضاء ، إنما يتحدد نطاقها بالأعمال الصادرة عن السلطات الوطنية والمتعلقة بتطبيق القانون الوطني، وبالتالي يستبعد
من نطاق هذه الولاية تطبيق قواعد القانون الدولي العام، ومنها المعاهدات وتفسيرها، فالقاضي الداخلي ليس قاضيا دوليا حتى يمكنه تطبيق القواعد الدولية.
كما أنه من حيث طبيعة المعاهدة ، ومقتضيات تطبيقها فهي من إنشاء اتفاق مشترك بين حكومتين او أكثر وتطبيقها - كي يكون موحدا- من طرف هذه الحكومات يستلزم وحدة تفسير نصوصها ، وهذا لن يتأتى إلا عن طريق التفسير الحكومي ، أي أن واضع القاعدة هوالمختص بتفسيرها ، أما ترك التفسير للقاضي فقد يؤدي إلى تضارب وتناقض التفسيرات القضائية ، وأيضا إذا تضمنت المعاهدة شرط المعاملة بالمثل فإذا اختلفت التفسيرات من دولة لأخرى ، تباين بذلك التطبيق في كل منها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ محمد فـؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص95

ثانيا: الاعتبارات العملية:

تحول بين القاضي و تفسير المعاهدة بعض الاعتبارات العملية والفنية كعدم حيازته على الأعمال التحضيرية للمعاهدة على عكس الحكومة التي تحوز من خلال مراحل إجراء المفاوضات على هذه الأعمال وكل الظروف الواقعية والقانونية والدولية المحيطة بإبرام هذه المعاهدة ، ويرجع كل هذا إلى أن المفاوضات الدولية لا يعقبها في كثير من الأحيان نشر الوثائق الخاصة بها – سريتها مثلا – وبالمقابل فإن كافة المعلومات الأخرى المتعلقة بالمعاهدة تحوزها الحكومة التي شاركت في المفاوضات .

المبحث الثاني: اختصاص القضاء الإداري "مجلس الدولة الفرنسي"

ظهر هذا التحول على مستوى القضاء الفرنسي سنة 1990 بعدما سار المذهب التقليدي لفترة طويلة أين تم إقرار سمو المعاهدة على القانون التي نص عليها دستوريا، وقدأدى الفقه الناقد لهذا المذهب إلى تشجيع مجلس الدولة للتحول على هذا المذهب فيبسط سلطاته على تفسير نصوص المعاهدات مثلما هو قادر ومختص بتفسير القانون .
الاختصاص في قضاء مجلس الدولة الفرنسي
لقد عكف المجلس على توسيع اختصاصاته في مسائل المعاهدات الدولية بصفة عامة، وبالمقابل تطبيق
نظرية أعمال السيادة (1) حيث جاء هذا الانقلاب في حكم "nicolo" بعد أن اعتنق مجلس الدولة التفسير الذي قدمه مفوض الحكومة "frydman" ومبرره أن الدستور نفسههوالذي خول بموجب المادة 55 للقاضي في إطار تطبيقه للمعاهدة أنيبحثفي مدى تطابق القانون مع أحكـام المعاهدة لإعلائها على القانون
المخالف لها، فلم يعد النظر لمشروعية الأعمال الإدارية بالمطابقة لنصوص المعاهدة حاجزا، لأن أحكام المعاهدة ستسمو في كل الأحوال، وقد بدأ الهجوم على المذهب التقليدي ينشط على كافة المستويات وفي العديد من القضايا التي طرحت على مستوى القضاء الفرنسي
وقد كانت نتيجة لتطورات سابقة حدثت على مستوى القضاء والساحة السياسية الفرنسيين كون القضاء كان في واقع الحال وبالدرجة الأولى ينظر دائما إلى تجنيب الحكومة المشاكل والصعوبات السياسية مع بقية أطراف المعاهدة وعدم شل حركتها في ممارسة نشاطها السياسي وليس إلى أسباب قانونية وهذا ما يفسر أن هناك حالات متشابهة أخذت حلولا متناقضة لان الظروف كانت تحمل الخشية من حدوث مشاكل في بعضها دون البعض الأخر ، فنجد مثلا محكمة استئناف باريس قضت في 04 جانفي 1967 في إطار تطبيق اتفاقيات


إيفيان بإيقاف الفصل لحين ورود التفسير من وزير الخارجية على أساس انه ينتظر أن تجري الحكومة الفرنسية مفاوضات بهذا الشأن مع الحكومة الجزائرية .
وبعد أن تأكد أن الحكومة الفرنسية لن تجري هذه المفاوضات ، وان المحكمة تأكدت بتاريخ 09 أكتوبر 1971 ولمجرد أن هذه المفاوضات أصبحت مستبعدة أن الأمر لم يعد يتعلق بمسائل القانون الدولي العام وانه لم يعد هناك خشية من المساس بحرية الحكومة في مجال العمل السياسي ومن ثم استردت اختصاصها في إطار المبدأ العام الذي تسير عليه المحاكم العادية في هذا الخصوص وأيدتها في ذلك محكمة النقض في حكم (agent judiciaire du trésor consor humbert) بتاريخ 27 مارس 1973 ، وكان حكم nicolo قد لاح بمؤشرات تحمل الأمل في تحرك الأمور, وبدأ مجلس الدولة يتخلى عن إحالة التفسير إلى الحكومة وأصبح مستأثرا بهذا الاختصاص أصالة، وحتى بدون التفرقة بين منازعات المصالح العامة والمصالح الخاصة وتلت بعد ذلك الأحكام المهاجمة للمذهب التقليدي على كافة المستويات ، منها مطالبة المفوض الحكومة cenvois " في إحدى القضايا باستبعاد إحالة نصوص اتفاقية جنيف لعام1951 حول وضع اللاجئين إلى وزير الخارجية للتفسير على أساس أن تطبيقها وتفسيرها منوط بالقاضي نفسه، كما نادى بذلك العديد من الفقهـاء وأعضاء مجلس الدولة وشجعهم على ذلك صدور عـدة أحكام من مجلس الدستوري تؤكـد على مبدأ استقلال القضاء ولا تستطيع أية جهة سواء التشريعية أو الحكومية أو الإدارية المساس به .
و كان هذا التحول في الاختصاص من الحكومة إلى السلطة القضائية نتيجة حتمية لما يلـي :

المطلب الأول: الانتقـادات الموجهـة للمذهب التقليـدي .

01/ضعف الأسانيد:

فمن الناحية القانونية2) بالنسبة لمقتضى نظرية أعمال السيادة نجدها إنما تمنع فقط القاضي من النظر في إبرام وصحة المعاهدة لكنها لا تمنعه من النظر في تطبيقها وبالتالي لا تمنعه من تحديد معناها ليتسنى له إعمال أحكامها ، وأن فكرة أعمال السيادة تلحق التفسير الوزاري فإن لم يوجد هذا التفسير فلن يجد القاضي أمامه أي عمل من أعمال الحكومة يعيقه على القيام بالتفسير بنفسه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(1) دعوى مرفوعة من السيدnicoloلإلغاء انتخابات 1989 لاختيار النواب الفرنسيين من البرلمان الأوروبي حيث شارك فيها بالانتخاب أو ترشح المواطنين الفرنسيين في أقاليم ما وراء البحار تطبقا لقانون الانتخابات ، حيث رآه البعض مخالفا لمعاهدة السوق الأوروبية المشتركة في 25 مارس 1957 يكون الأقاليم لا تعتبر أراضي أوروبيةبالمعنى الدقيق
(2) د/ محمد فؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص119

أما بالنسبة للنظام القانوني لتحديد اختصاصات القاضي الوطنية ، فإن التفسير لا يتعارض أبدا مع القانون الدولي ما دامت المنازعة لا تضع دولته في المواجهة مع دول أخرى فكل الآثار التي ترتبها منحصرة في أن التفسير لن تكون له قوة ملزمة إلا في النظام الداخلي بغير احتجاج في مواجهة الدول الأخرى ، والقانون الدولي العام نفسه لا يرفض مطلقا اختصاص القاضي الوطني بتطبيق وتفسير القواعد الدولية بدليل أن معاهدة السوق الأوروبية المشتركة في مادتها (177) سمحت صراحة للمحكمة الداخلية بتفسير نصوص المعاهدة في نطاق معين.
وبالنسبة لمبدأ الفصل بين السلطات، نجد أن قيام القاضي بتفسير المعاهدات هو من صميم الوظيفة القضائية ذاتها وذلك أن المنطق القانوني يتطلب أن يكون النزاع هو الذي ثارت مشكلة التفسير بمناسبته، وهذا طبقا لمبدأ القضاء الكامل.
كما انه ومادامت المعاهدة لها نفس قوة القانون، بل وقد تعلوه، فإن اختصاص القاضي بتفسيرها واجب مثلما هو مختص بتفسير القانون ما دام نص المعاهدة بنفس قوة النص القانوني، رغم ما يطرح من مخاطرتتعلق بمسؤولية الدولة نتيجة تفسير خاطئ من قضائها الوطني ، فإن مثل هذه المخاطر لا تختفي مع التفسير الحكومي ، فلا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن التفسير القضائي أكثر قابلية للأخطاء من التفسير الحكومي ، فالقاضي قادر على التفسير متى قدمت له المعلومات الكافية ، ومنها حتى رأي وزير الخارجية على سبيل الاستشارة لا على سبيل الإلزام و كذا إعمال قواعد التفسير الواردة في اتفاقية فيينا الخاصة بقانون المعاهدات.
أما من الناحية العملية: فإن عدم نشر الأعمال التحضيرية للمعاهدة ، وبالتالي عدم إمكان القاضي حيازتها ، لا يبرر استبعاد اختصاصه بالتفسير فحتى اتفاقـية فيينا الخاصة بقانــون المعاهدات لم تعطى لهذه
الأعمال التحضيرية سوء دور تكميلي أو احتياطي فقط ، وذلك لتأكيد المعنى المتحصل عليه من سلسة الوسائل الأصلية ، خاصة المعاهدات التي تبرم في إطار المنظمات الدولية فهذه الأعمال التحضيرية وكل الوثائق يستأثر
بها وزير الخارجية مستطيعالقاضيالرجوع إليه لإعطائه رأيه حول معنى النص محل النظر ولا يكون رأيه ملزما للقاضي.
إضافة إلى ما سبق، فقد وجدت معطيات جديدة تمثلت في النمو المتسارع للمنازعات الإدارية المتصلة بتطبيق المعاهدات سوء كان الاتصال جزئيا أو كليا، وذلك راجع إلى التطور الكبير والمستمر لقواعد القانون الدولي العام واتصاله بالنظم القانونية الداخلية، وكذلك وجوب الفصل في المنازعة بواسطة جهة قضائية، فإحالة القاضي أمر التفسير للحكومة فإنما يفقره حياده واستقلاله، بل هو تنازل عن اختصاص أصيل له .
وإضافة إلى ما سبق كان لحكم g.i.s.i.t وبالتحديد بمناسبة معاهدة ثنائية - اتفاقات إيفيان - وتوابعها بين فرنسا والجزائر دلالة كبيرة ودور كبير في تعزيز ما تم التطرق إليه سابقا والذي سيتم التطرق إليه لاحقا كون التقرير الذي أعده المفوض الحكومي الفرنسي abraham آنذاك حول قضية g.i.s.t.i كان تأكيد للمراحل التي قطعها المجلس بالفعل).


المطلب الثاني: حكــــــــــم "g . I . S . T . I"

يعتبر هذا القرار خطوة أخرى في مسار استعادة القاضي الداخلي سلطته في التعامل مع المعاهدات الدولية، وتأتي بعد قرار nicolo كإحدى النتائج المترتبة عليه(1)
حيث تتمثل وقائعه(2) في أن جمعية توعية ومساندة العمال المهاجرين قد رفعت دعوى لإلغاء منشور أصدره وزير الداخلية وزير الشؤون الاجتماعية والتكافل الوطني في 14 مارس 1986يتعلق بأوضاع انتقال وتوظيف وإقامة الرعايا الجزائريين وعائلاتهم في فرنسا.
- وقد تم إبرام اتفاق بين الدولة الفرنسية والجزائرية في 27/ ديسمبر 1968 في إطار اتفاقيات إيفيان في 19 مارس 1962 وأكمل بعد ذلك باتفاقيات منعقدة في 26 ديسمبر 1978 و 20 ديسمبر 1979 وهذا لتنظيم دخول وإقامة الجزائريين في فرنسا وبمقتضاه يمكن للعمال الجزائريين وبشروط معينة الحصول على تصريح من المكتب الوطني الجزائري للقوى العاملة بالإقامة لمدة خمس سنوات يجدد تلقائيا وبدون أن يحتج قبلهم بأوضاع التوظيف في فرنسا في الأحوال المنصوص عليها في تقنين العمل ونظرا لآن القانون العام الواجب التطبيق على الأجانب في فرنسا قد تطور لصالحهم بقانون صادر في 14 جويلية 1984 على النحو الذي جعله من
بعض النواحي أفضل مما تنظمه النصوص الخاصة بوضع الجزائريين، بعد أن كان العكس هذا الوضع السائد قبل ذلك ، وقد اتفـق الجانبان على إعادة النظر في اتفاقيـة 27 ديسمبر 1968 بهدف تقريب أحكامـها مـن
النظام العام الذي يحكم وضع الأجانب في فرنسا، وقد تمخضت المباحثات على اتفاق جديد لهذا الغرض في 22 ديسمبر 1985 أين صدر منشوروزاري قيد الدخـول إلى فرنسا والإقامة بها خلافا للاتفـاقيـة وذلـك
فيما يلي:
1- الاحتجاج بحالة التوظيف في فرنسا قبل الموطنين الجزائريين الراغبين في العمل والمتقدمين بطلبات الحصول على شهادة إقامة
2- استلزام الحصول على ترخيص عمل مؤقت بالنسبة للطلاب الراغبين في العمل بجانب الدراسة
3- استبعاد الأطفال المتجاورة عمرهم 18 سنة في التمتع بنظام التجمع العائلي وبرغم كونهم لا يزالون قصرا طبقا للقانون الجزائري
4- إمكانية رفض منح تصريح الإقامة في حالة ما إذا كان تواجد الشخص المعني في فرنسا يهدد النظام العام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ احمـد لعـرابة ـ محاضرات في مادة "علاقة القاضي الداخلي بالقانون الدولي ـ ألقيت على طلبة المدرسة العليا للقضاء
(2) د/محمد فؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص129


وبعد صدور هذا الحكم المنشور هوجم بدعوى الإلغاء علىأساس انه قد وضع أحكاما لائحية جديدة مخالفة للاتفاقيات المنعقدة في 22 ديسمبر 1985 وكذلك إعلان المبادئ المتعلق بالتعاون الاقتصادي والمالي بين البلدين في 19 مارس 1962 ( وهو أحد أجزاء اتفاقيات ايفيان ) ولم يقتصر على المجرد تفسير هذه الاتفاقيات
وقد قضى المجلس بإلغاء النص الموجب لحصول الطلاب الراغبين العمل بجانب الدراسة على تصريح عمل مؤقت، لمخالفته الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في 19 مارس 1962 و 27 ديسمبر 1968 والتي لم تتعرض في هذا الشأن للتعديل بالاتفاقيات اللاحقة .
وبالنسبة للنص الخاص بحق الإدارة في رفض منح تصريح إقامة لمن كانت إقامته في فرنسا مهددة للنظام العام ، فقد قضى بأن نصوص اتفاق 27 ديسمبر 1968 والبروتوكول المعدل له في 22 ديسمبر 1985 لم يتضمنا أي حكم يحرم الإدارة الفرنسية من هذا الحق بالتطبيق للنظام العام لدخول وإقامة الأجانب في فرنسا ، أي لم يكن هناك أصلا مجال لتفسير أي نص في الاتفاقية بهذا الخصوص لأنه لا يوجد أصلا نص يتعرض لذلك .
وبعدم القبول جاء أيضا قضاء المجلس فيما يتعلق بإخضاع تسليم تصريح العمل لأحكام القواعد الخاصة بعمل الأجانب المنصوص عليها في تقنين العمل ، ومنها على وجه الخصوص إمكانية الاحتجاج قبلهم بحالة التوظيف في البلاد ، ومن ناحية أخرى باعتبار أن الأطفال القصر الذين ينطبق عليهم نظام التجمع العائلي هم دون 18 سنة طبقا للقانون الفرنسي وليس 19 للذكور و 21 للإناث بموجب القانون الجزائري وذلك على أساس أن أحكام هذا المنشور في هذا الصدد ليس له طبيعة لائحية ، ولم يضم أحكاما جديدة مقتصرة في ذلك على التفسير فقط وقد كان تفسيرا سليما ، ففي الحالتين يستفاد من أوراق الدعوى أن مصدري المنشور قد فسروا تفسيرا سليما نصوص الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في هذا الشأن .
وقد لاقى هذا الحكم ردود فعل صريحة وكان مؤشرا لتأكيد المجلس لاختصاصاته القضائية واستقلاليته في ممارستها في مواجهة الحكومة ، فالحكم عندما قرر أن مصدري المنشور المهاجم أمام المجلس قد قام بتفسير أحكام الاتفاقيات الجزائرية – الفرنسية في النقاط التي اشرنا إليها سابقا تفسيرا سليما وذلك كما يلي :
1- إن هناك مشكلة تفسير كانت قائمة في هذا الخصوص
2- إن المجلس قد سمح لنفسه بتقدير مدى صحة التفسير الوزاري ليستخلص بالتالي ما يراه هو نفسه من تفسير للنصوص محل النزاع ويبني قضاءه عليه .
3- وانه قد يكون بذلك استقر مبدأ اختصاص القاضي الإداري تفسير المعاهدات الدولية ونهاية الالتزام بإحالة مسألة التفسير إلى الحكومة وإيقاف الفصل في الدعوى لحين وروده.
4- وان مسألة تفسير المعاهدات قد خرجت من طائفة أعمال السيادة وفقدان حصانتها

وفي هذا الاتجاه الجديد تم تحديد حدود التحول الذي تمثل في أن المعاهدات التي تنظم طريقا خاصا لتفسيرها ، مثل معاهدة السوق الأوربية المشتركة حيث تختص بتفسيرها محكمة العدل الأوربية بنص المادة 177 منها فهي خارج نطاق الاتجاهات القضائية في الموضوع .
كما لا يجب النظر فيه بين طوائف المعاهدات، وفي كل الأحول فإن استشارة وزير الخارجية غير مستبعدة في ذاتها إلا أن القاضي لن يكون ملزما بإتباع تفسيره وإنما يخضعه لسلطته التقديرية وتبقى الاستشارة للتنوير وعلى سبيل الاستدلال.
فبالنتيجة وبناءا على ما سبق يجب أن يكون لهذا الحكم أهمية بالغة، فقد أخرج مسألة تفسير المعاهدات من دائرة أعمال السيادة، ولم يعد التفسير الحكومي واجب الطلب والإتباع، ولم يعد له حصانة تحميه ضد الطعن القضائي إن تجاوز حدود التفسير.(1)


المبحث الثالث:تطبيقات التفسير في القانون الجزائري:

المطـلب الأول: الدساتيـر الجـزائـرية:

هناك دساتير تجعل مهمة القاضي صعبة، حيث يجد نفسه محتارا أمام النزاعات التي ترفع إليه بخصوص الفصل بين المعاهدة والقانون، أي أنها لم تنظم العلاقة بين المعاهدة الدولية والقوانين الداخلية، كالدستور الجزائري لسنة 1963 الذي يتضمن نصين حول المعاهدات لكنه لم يتعرض في تلك النصوص إلى تحديد مكانة المعاهدات في علاقاتها مع القانون الداخلي .
فالمادة 42 تنص على أن: "يقوم رئيس الجمهورية بعد استشارة المجلس الوطني بإمضاء المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية وبالمصادقة عليها والعمل على تنفيذها".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(1) par l’arrêt d’assemblée gisti . Le conseil d’état se réserve cette fois d’interpréter les traités seul et
directement, sans plus les renvoyer au ministre des affaires étrangères.
cet arrêt a le double mérite d’offrir aux conventions internationales un traitement égal à celui des sources de droit interne et de leur garantir une interprétation uniforme. En effet, en élargissant sa compétence de l’application à l’interprétation des traités, le conseil d’état se dote sur ces actes de la pleine compétence qu’il détenait déjà sur les lois. (m.f buffet- tchakallof : L’interprétation des traités internationaux par le conseil d’etat.l’arrêt gisti r.g.d.i.p 1991 , n° 1 , p109 et 110.)

أما المادة 44 منه فتنص على أنه "يقوم رئيس الجمهورية بإعلان الحرب وإبرام السلم بموافقة المجلس الوطني
فما هي مكانة المعاهدة أمام القانون الوطني عند التفسير ؟
1- سمو المعاهدات على القانون الداخلي : بالنسبة للدستور الجزائري لسنة 1963 المؤرخ في 08 أكتوبر 1963 فإن قلة الأحكام المتعلقة بالمعاهدات الدولية تجعل دور القاضي صعبا وسلبيا في حالة تنازع المعاهدة مع القانون، لأن القاضي ليس أمامه أسانيد قانونية ينطلق منها في إصدار أحكامه، وبالتالي يرتبط عمله بالواقع أكثر من القانون .
ويرى بعض الفقهاءأن الجزائر وعلى الرغم من عدم احتواء الدستور على نصوص متعلقة بمكانة المعاهدات فإن حل النزاع كان يتم وفقا للقانون الفرنسي، وما خلفته التبعية التي انعكست أثارها على المحاكم الوطنية .
ففي قانون الجنسية لسنة 1963 أكد في مادته الأولى على أن الاتفاقات والمعاهدات الدولية المصادق عليها والمنشورة، تسمو على القانون.
وأيضا المادة 21 من القانون المدني التي تنص: "لا تسري أحكام المواد السابقة، إلا حيث لا يوجد نص
على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في الجزائر"،فهذان النصان يسدان الفراغ القانوني الوارد في دستور 1963.
ولعل سبب عدم إدراج نص في دستور 1963 يحدد المعاهدات، ربما يعود لتخوف السلطة الجزائرية من تأثير ذلك على المسلك الاشتراكي الذي أخذت به آنذاك وأن أغلب علاقاتها كانت مع الدول الاشتراكية وضيقة جدا مع الدول الرأسمالية .
بالإضافة إلى أن هناك من استند إلى عدة أحكام صادرة عن المجلس الأعلى بينت فيها سمو المعاهدات على القانون الداخلي كحكم الغرفة الجنائية للمجلس الأعلى بتاريخ 04 أكتوبر 1966 الذي صدر بطلب من الحكومة الفرنسية حول تسليم المجرمين .
إذن: هناك ثلاثة جوانب تم تجسيد سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية وهي على التوالي :
ـ قانون الجنسية لسنة 1963 القاضي بسمو أحكام المعاهدات الدولية على القانون الداخلي في مادته الأولى، الفقرة الثانية والتي تنص على أن: "المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة تسمو على القانون" .
ـ القانون المدني يقر صراحة بسمو أحكام المعاهدات الدولية في المادة 21 منه: "لا تسري أحكام المواد السابقة إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في الجزائر" .
ـ صدور عدة أحكام عن المجلس الأعلى للقضاء تجسد سمو المعاهدات الدولية .
2- تمتع المعاهدة بنفس قوة القانون : بالنسبة لدستور 1976: (المؤرخ في 22 نوفمبر 1976)

فإن المادة 159 منه تنص على أن: "المعاهدات الدولية التي صادق عليها رئيس الجمهورية... تكتسب قوة القانون" .(1)
لقد اعتبر الأستاذ "محمد بجاوي" أن هذه المادة تعني اعتبار المعاهدة الدولية جزء من القانون الداخلي، والمعاهدة الدولية لا تتمتع بقوة القانون إلا عن طريق موافقة البرلمان والسلطة التنفيذية عليها، وتجدر الإشارة هنا أنه تكون للمعاهدة قيمة تشريعية إذا مرت على البرلمان ووافق عليه، وتكون لها قيمة تنظيمية إذا اختصت بها السلطة التنفيذية دون تدخل البرلمان ؛ فعبارة المعاهدة لها قوة القانون تعني أن الدولة تظل تطبق المعاهدة طيلة الفترة التي تبقى فيها سارية داخليا
وهناك عدة أحكام للمجلس الأعلى للقضاء أكدت فيها على أن المعاهدات المصادق عليها من قبل الجزائر وفرنسا تعد قانونا للدولتين.

3- عودة سمو المعاهدات على القانون :

ـ دستور 1989 : (المؤرخ في 23 فيفري 1989)
لقد نص هذا الدستور على علو المعاهدة هنا على القوانين العادية، لكن لا تصل إلى مرتبة الدستور، حيث نص دستور 1989 في المادة 123 منه على أن للمعاهدة الدولية مكانة أعلى من القانون.
ـ دستور 1996: (المؤرخ في 28 نوفمبر 1996)
لم يأتي بشيء جديد عن دستور 1989، حيث أبقى على سمو المعاهدة الدولية المصادق عليها من رئيس الجمهورية على القانون، في مادته 132 (2)
إن الملاحظ مما سبق أن المشرع الجزائري خلت دساتيره الثلاثة السابقة من أية إشارة إلى تعديل المعاهدة أو الانسحاب منها أو إلغاءها أو توقيف العمل بها إلا أن طريق عمل دبلوماسي معلن.

المطلب الثاني:المراسيم الجزائرية (3)

إن تفسير المعاهدات يكون بواسطة عمل قانوني سواء كان في صورة أمر أو قانون أو مرسوم أو قرار، وعادة ما يتم هذا التفسير بصورة تلقائية، ولكن يجوز أن يتم بناء على طلب الدولة المتعاقدة بحيث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بالرغم من نص هذه المادة إلا انه بقي التعارض مع قانون الجنسية الصادر بموجب الأمر 70/86 المؤرخ 15/12/1970 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 18/12/1970 المعدل والمتمم بموجب الأمر 05/ 01 المؤرخ في 27/02/ 2005 الجريدة الرسمية رقم 15 الذي كرس مبدأ سمو المعاهدات الدولية في مادته 37 "
(2) تنص المادة 132: المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في الدستور تسمو على القانون
(3) د/احمد لعرابة ـ محاضرات في مادة "علاقة القاضي الداخلي بالقانون الدولي ـ ألقيت على طلبة المدرسة العليا للقضاء.

تقـوم الحكومة ممثلة في وزارة الشـؤون الخارجيـة باعتبارها المكلفة بالعلاقات الخارجية بتفسيـر المعاهدات كما هو الأمر بالنسبة للمراسيم التي صدرت في الجزائر من أجل تبيان اختصاص الوزارة المكلفـة بالشؤون الخـارجية في القيام بعملية التفسير هذا الأمر الذي عرف تطـورا تشريعيا وهو ما سنبيـنه على النحو التالي: (1)
*مرسوم 77/54 الصادر بتاريخ 01/ مارس 1977 .
*مرسوم 79/249 الصادر بتاريخ 01 ديسمبر 1979.
*مرسوم 84/165 الصادر بتاريخ 14 جويلية 1984 .
*المرسوم الرئاسي 90/359 الصادر بتاريخ 10 نوفمبر 1990 .
المرسوم الرئاسي 02/403 الصادر بتاريخ 26 نوفمبر2002.
أ-مرسوم 77/54 : (2) المتضمن تحديد اختصاصات وزير الشؤون الخارجية ؛ حيث نصت المادة 09 منه على " تختص وزارة الشؤون الخارجية بتأويل(3) المعاهدات والاتفاقات والبروتوكولات والتسويات الدولية ، كما انه من اختصاصاتها وحدها ، بعد أخذ رأي الوزارات المعنية ، أن تقترح وتؤيد هذا التأويل لدى الحكومات الأجنبية والمنظمات أو الجهات القضائية ، ويحق لها أن تدلي بتأويل هذه النصوص أمام المحاكم الوطنية "
إن القاعدة العامة تقر بأنه لا محل للتفسير إذا كانت نصوص المعاهدة واضحة ، لكن يثور الإشكال في مسألة التكييف التي يلجأ إليها القاضي في القيام بالتفسير أو بإحالة الأمر إلى الحكومة .
وقد كيف أيضا المجلس الأعلى للقضاء على أن المعاهدة الواضحة لا تحتاج إلى تفسير ، في حكم له بتاريخ 21 فيفري 1967 ، وأيضا في حكم أخر حول المادة 10 من إعلان المبادئ المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والمالي (اتفاقيات ايفيان) .
بالإضافة إلى قانون الجنسية الصادر بموجب الأمر 70/86 المؤرخ في 15 ديسمبر 1970 الذي نص في مادته 37 الفقرة 04، 05 على انه:"عندما يقتضي الأمر تفسير أحكام الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالجنسية بمناسبة نزاع، تطلب النيابة العامة هذا التفسير من وزارة الشؤون الخارجية... وتلتزم المحاكم بهذا التفسير "
فهذه المادة تجبر المحاكم بالالتزام الحرفي بالتفسير الصادر عن وزارة الخارجية المتعلق بالمعاهدات .



ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ جمال عبد الناصر مانع ـ المرجع السابق ـ ص 156 ، 157
(2) المرسوم 77/54 المؤرخ في 01/03/1977 ، الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 27/ربيع الثاني 1397 هجرية
(3) لم يبين هذا المرسوم بدقة اختصاص وزارة الخارجية في القيام بعملية التفسير، وإنما نص على فكرة التأويل والتي تختلف عن التفسير، لان النص بحاجة إلى تفسير وليس إلى تأويل.

ب-مرسوم 79/249: بتاريخ 01 ديسمبر 1979 [ الجريدة الرسمية الصادرة في 11/12/1979 ]
الذي أعاد تنظيم صلاحيات وزير الشؤون الخارجية بإلغائه للمرسوم السابق الذكر، حيث نصت المادة 07 منه
على "تختص وزارة الشؤون الخارجية بتفسير المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات والتسويات الدولية وتدعم، بعد استشارة الوزارات المعنية ،تفسير الدولة الجزائرية لدى الحكومات الأجنبية وكذلك لدى المنظمات أو المحاكم الدولية والوطنية .
ما يلاحظ على هذا النص أنه إذا كان اختصاص وزارة الخارجية في تفسير المعاهدات الدولية واضحا إلا انه يبقى غير ملزم للدول الأعضاء الأخرى ، فضلا عن السعي لدى المنظمات أو المحاكم الدولية لتفسير المعاهدات يجعل التفسير يخرج من اختصاص وزارة الخارجية لأنه طبقا للقواعد المتعارف عليها أن هذا النوع من التفسير يعد من اختصاص المنظمة ذاتها .
كما أن هذا النص يتعارض مع قانون الجنسية بشأن إلزامية التفسير الذي تقدمه وزارة الشؤون الخارجية ن فإذا كان ملزما للمحاكم بشأن نزاعات الجنسية ، فإن التساؤل يثور بشأن المعاهدات الدولية الأخرى ، أم أن أي تفسير يصدر عن الحكومة يعتبر ملزما لطالبه (1)
ج-مرسوم 84/165 :بتاريخ 14 جويلية 1984 :الذي يحدد صلاحيات وزير الشؤون الخارجية وصلاحيات نائب الوزير المكلف بالتعاون الذي ينص في المادة (11) منه :"يختص وزير الشؤون الخارجية بتفسير المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات واللوائح الدولية ويدافع بعد استشارة الوزارات المعنية عن تفسير الدولة الجزائرية لدى الحكومات الأجنبية ، وعند الاقتضاء لدى المنظمات أو المحاكم الدولية أو الوطنية ."
الملاحظ على هذا المرسوم انه أضاف اختصاصا جديدا لوزارة الخارجية يتمثل في تفسير اللوائح الدولية ، غير انه لم يؤكد على الصفة الإلزامية للتفسير الذي تصدره الوزارة عن طريق استبدال عبارة تدعم بعبارة "بدافع" والدفاع ليس معناه الإلزامية .
د-المرسوم الرئاسي 90/359 بتاريخ 10 نوفمبر 1990: المحـدد لصلاحيات وزير الشــؤون الخارجـية الذي يتضـمن تنـظيما جديـدا لوزير الشؤون الخارجية فـي المادة 11 منه.
ه – المرسوم الرئاسي رقم 02/403 المؤرخ في 21 رمضان 1423 الموافق ل26 نوفمبر 2002 المحدد لصلاحيات وزارة الشؤون الخارجية : حيث منح هذا المرسوم اختصاص تفسير المعاهدات لوزير الخارجية صراحة إذ نصت المادة 17 منه على مايلي :" يختص وزير الشؤون الخارجية بتفسير المعاهدات والاتفاقيات والاتفاقات والبروتوكولات والتنظيمات الدولية التي تكون الجزائر طرفا فيها ، ويدعم تفسير الدولة الجزائرية ويسانده لدى الحكومات الأجنبية ، وعند الاقتضاء لدى المنظمات أو المحاكم الدولية وكذا الجهات القضائية الدولية" .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ جمـال عبد الناصر مانـــع ـ المرجــع السابــق ـ ص158

الشيء الجوهري الملاحظ بالرجوع إلى مختلف المراسم الجزائرية الخاصة بتفسير المعاهدات ، لا نجد فيها ولو إشارة إلى القواعد التي تعتمدها وزارة الشؤون الخارجية في التفسير.
حالة تعارض المعاهدة الدولية مع القانون الوطني عند التفسير: في حالة التعارض بين المعاهدة والقانون يحاول القاضي الوطني إيجاد الحل ، إما عن طريق التوفيق ، إذا كان ذلك ممكنا ، وان كان ذلك غير ممكن فتغليب أحدهما عن الأخر وفي هذه الحالة لا يصرح القاضي بصفة واضحة أولية المعاهدات أو أولية القانون
بل يستبعد أحدهما فقط تبعا لقاعدة الأحداث كذلك الأمر في الأحوال التي لم تنظمها المعاهدة فتبقى هنا محكومة بالقانون كحكم محكمة الاستئناف بتاريخ 29 أكتوبر 1965 حول تسليم المجرمين الذي طبقت فيه القانون بالنظر لعدم وجود معاهدة دولية تحكم ذلك الموضوع بالإضافة إلى حكم مجلس الاستئناف وهران بتاريخ 19 جانفي 1964 الذي توصل لنفس النتيجة
إذن فالقاعدة العامة التي ينبغي أن تسود في حالة التعارض هي أن يسعى المشرع إلى التوفيق بين المعاهدة والقانون، وان لا يحاول تغليب احدهما إلا إذا استلزم عليه الأمر بالفصل لأحدهما، بمقتضى نصوص قانونية تبرز مسعاه.
كما أكد الدكتور "علي علي سليمان" انطلاقا من المادة 21 من القانون المدني الجزائري بأنه إذا تعارض أحكام المعاهدة مع أحكام المواد من 10 إلى 22 (باستثناء المادة 21) فإن المعاهدة هي التي تسود .
وقد لجأ القضاء الجزائري إلى تطبيق المعاهدة في بعض الأحيان على نفس الدرجة التي يتمتع بها القانون، منها الغرفة الجنائية للمجلس الأعلى حول اتفاقية "إيفيان" الذي جاء فيه : "أصبحت اتفاقيات إيفيان المصادق عليها من فرنسا والجزائر قانونا للدولتين .

المطلب الثالث: خلاصة التجربة الجزائرية في مجال تفسير المعاهدات الدولية :

يمكن القول أخيرا أن دساتير الجزائر لم تتضمن في ديباجتها أية إشارة إلى المعاهدات الدولية وتفسيرها ، لآن هذه الدساتير أساس علاقات دولية قائمة على احترام سيادة الدول وأنظمتها الداخلية والتي تكون قائمة على إبرام المعاهدات الدولية .
كما توصلنا إلى أنه يمكن للقضاء (القاضي الإداري) طلب تفسير معاهدة دولية من وزارة الشؤون الخارجية ممثلة بالوزير ، وبقيت هذه النظرة سائدة إلى حد الآن ، حيث أن التفسير الحكومي هو القاعدة الوحيدة التي تحكم التفسير في الجزائر منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا .




كما إن المشرع الجزائري تأثر بالتجربة الفرنسية في مجال تفسير المعاهدات ، وهذا التأثير نفسه كان نسبيا حيث لا يتعدى التفسير الحكومي فقط لآن الأنواع الأخرى من التفاسير لم يعترف بها المشرع الجزائري . حيث تجدر الإشارة إلى انه حسب الإحصائيات والدراسات القانونية ، ولا يوجد في ظل التجربة الجزائرية أية إحالة على وزارة الشؤون الخارجية لتفسير أية معاهدة دولية بل يكتفي القاضي الإداري الجزائري دائما بنظرية العمل الواضح .
بالإضافة إلى أن التجربة الفرنسية في مجال التفسير لم تأتي بين لحظة وضحاها بل جاءت في إطار عقود من الزمن مقارنة بالتجربة القصيرة جدا لمجلس الدولة للجرائر فمتابعة تطور اتجاهات مجلس الدولة الفرنسي في الموضوع تظهر أن الاختصاصات التي استبعدها من ولايته في البداية سلمت مجرد مرحلة من سياسة قضائية لا ترفض في النهاية استقبالها ، لكي لا يصطدم بالحكومة ، ويبدو بمظهر المتدخل في أعمالها فبدأ بالرفض التام للاختصاص ، وبعد فترة بدأ التحقيق من صرامة هذا الرفض بوسائل قانونية يتيحها لنفسه مثل نظرية الأعمال المنفصلة ونظرية العمل الواضح ، واندرجت خطواته في الطريق حسب ردود فعل الحكومة ، حتى إذا تحقق انه لا خشية من الصدام وأطمأن لانغلاق باب المشاكل مضى إلى إكمال الطريق فربما يبقى على مجلس الدولة الجزائري خطو إما خطوات نظيره مجلس الدولة الفرنسي او رسم خطواته الخاصة بنفسه .

الفصل الثالث: كيفــية التفســــــير


يعتمد التفسير وكيفيته على طبيعة العمل المفسر ، حيث أن المعاهدة تفسر مثلما تفسر العقود ، حيث تبحث عن النية المشتركة للأطراف ، وهذا إن كيفت عقدا كغيرها من العقود.
وكذلك تفسر مثلما تفسر القوانين، أي بوضعية بحتة وذلك من خلال الوسط الاجتماعي والقانوني المراد ترتيب آثارها فيه.
لكن حينما نجد أن المعاهدة ليست مطلقة لهذا أو ذاك ، بل لها من العقد ، وذلك باعتبارها توافق عدة إرادات، وأيضا من القانون حين تندرج فيه النظام القانوني الداخلي كأحد مصادره .
ومن ذلك وجب أن يكون لتفسير هذه المعاهدات قواعد تكون متناسبة وخصوصيات وضعها المزدوج فلا تنقطع صلتها بالعقد ، ولا تكون كلها من القانون ، حيث نجد أنها تمثل ناحية القانون غالبا ، وذلك لاكتساب هذه المعاهدات داخل النظام القانوني مكانة أدت في نهاية الأمر إلى التشبه بالقانون ، حيث نجد أن المعاهدة لا ينظر إليها مجردة وفارغة من المعنى والهدف، بل مجسدة بآثارها وأهدافها في وسط اجتماعي وقانوني معين . كذلك القانون، حيث انه عند تفسيره والبحث عن إرادة المشرع يكون ضوء وسط اجتماعي وقانوني، معين والآثار والأهداف التي يحققها.
لكن نجد أن تعدد السيادات في المعاهدة – وبالتالي تعدد الإرادات- يكون صعبا للغاية عكس السيادة والإرادة الواحدة التي يعبر عنها القانون ، كذلك نجد هناك عناصر أخرى لها الغلبة في تفسير المعاهدات وذلك بالنظر إلى طبيعتها وظروفها .
إذن: فتفسير المعاهدة هو عملية استجلاء للإرادة المشتركة لأطرافها ، والإرادة هنا هي المعلنة والظاهرة للأطراف ، ولا البواعث الشخصية التي دفعت كل واحد منها لإبرام هذه المعاهدات (قد نضع هذه البواعث الشخصية من بين الوسائل الاحتياطية للتفسيـر) ، كما هذه الإرادة هي إرادة الأطراف وقت إبرام المعاهدة .
والمبـدأ الـعـام المسلـم بـه مـن مبـادئ وقـواعـد التفسيـر ، وذلـك باستبعاد النـص الـواضـح البيـن مـن النـصـوص ، أي لا مـجـال لتفسـيـر لـمـا لا يـحـتـاج إلى تـفـسـيـر(1) (n'est par permis d'interpréter ce qui n'a pas besoin d'interprétation)ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قول الفقيه "vattel" وهو من أوائل رواد القانون الدولي العام.

حيث انه قد يكون التفسير ميسرا بظاهر الألفاظ والعبارات ، وقد تأخذ بمعانيها العادية والمألوفة ، ونقف عند هذا الحد من التفسير وقد يكون معسرا لغموض في النص فيتطلب جهدا لذلك تنص اتفاقية "فينا" لقانون المعاهدات على انه:"تفسر المعاهدة طبقا للمعنى العادي لألفاظ المعاهدة ..."
إذن فاتفاقية "فينا" لقانون المعاهدات في موادها من 31 الى 33 توجب وضع وصب مبادئ التفسير في صيغة شهد لها جانب كبير من الفقه بسلامة التحليل القانوني ، فجوهر هذه المبادئ والقواعد التي استوحتها من أفكار القانوني والفقيه "جروسيوس" مؤسس القانون الدولي العام ، ثم وجدت تطبيقها العملي في أحكام القضاء الدولي .
إن مدى قابلية قواعد التفسير الدولية للتطبيق داخل الدولة ذاتها أمر خاضع للنظام القانوني الداخلي لها ، فهو يحدد ما إذا كان التفسير من اختصاص حكومي أو قضائي وكذا قابلية هذه القواعد للتطبيق .
إن تفسير أية معاهدة بواسطة سلطات الدولة سواء الحكومة أو القضاء يستجيب لحاجات هذه الدولة ، بالإضافة إلى اتصالها بحاجات جميع الأطراف الموقعة عليها ، وان يكون هذا التفسير مقنعا ، فيترسخ في القواعد العرفية والدولية .
إن وحدة قواعد التفسير لدى أطراف المعاهدة يؤدي الى وحدة التفسير وعدم اختلافها ، وبالتالي عدم اختلاف تطبيقها .
وبالنسبة لقواعد اتفاقية "فيينا" على وجه الخصوص فإن الدول الموقعة عليها يجب ان تلتزم بما جاء فيها خاصة وأن الاتفاقيات لم تفعل سواء تقنين القواعد العرفية المعمول بها من قبل وفي المجال الذي سمح فيه القضاء الوطني بالرجوع إلى المبادئ العامة للقانون الدولي العام كما ان قواعدها المستوحاة من قواعد تفسير قواعد القانون الداخلي .

المبحث الأول: وسائل التفسير


وهي تلك المبادئ التي تحكم عملية التفسير في مجموع مراحلها ، وأيا كانت أدواتها ولا تجعلها تختلط سواء على مستوى النصوص العاكسة مباشرة لنوايا الأطراف ، أو على مستوى الموضوع والغاية ، فهنالك عناصر شخصية وهي وسائل نقل نوايا الأطراف وعبارات وألفاظ النصوص والأعمال التحضيرية والاتفاقيات التفسيرية ، وكذا الوثائق وسلوك الأطراف في تطبيق الاتفاقية .
أما العناصر الموضوعية فهي مادة المعاهدة وطبيعتها والغاية منها وظروف الإبرام وتطبيق .
فالطريقة الشخصية يأخذ بها أنصار الطبيعه العقدية للمعاهدة ، أما الموضوعية فيأخذ بها من يرى بان المعاهدة مستقلة عن نوايا الأطراف .

المطلب الأول : الطريقة الشخصية (حسن النية)la methode subjective

أثبتتها المادة 31 من اتفاقية "فينا" "تفسر المعاهدة بحسن النية ..."
تركز هذه الطريقة على اعتبار أن البحث عن النية الحقيقية أو المفترضة لأطراف المعاهدة يعتبر الأساس الجوهري للتفسير ، غير ان هذه الطريقة لم تلقى رواجا في الفقه والعمل الدوليين ، لما ينجر عنه من صعوبة في الوصول الى النية المشتركة للأطراف حول نص معين(1)
لكن رغم ذلك فإنها تساهم بل توجه تفسير القواعد القانونية بصفة عامة وسواء كانت قواعد داخلية أو دولية ، فهو بهذا يمتلك قيمة قانونية ، أي يقضي الالتزام بما اتفق عليه ، وعبر عنه فعلا بكل أمانة وإخلاص ، حيث انه يفترض من خلاله أن ذلك كان منطق الأطراف ونيته ، حيث قبلوا وقرروا إبرام المعاهدة ، وبغير اللجوء لمحاولة تفسيرها كل على حسب هواه ، فلا يمكن إبرام معاهدة يكون فيها للأطراف سوء نية (2).
إن لحسن النية من عدمها علامات خارجية تترجم حقيقتها كمواقف الأطراف عند إبرام المعاهدة وأثناء تطبيقها ، وحتى عند المنازعة واقتراح الحلول فالمهم إذن من الناحية القانونية هو السلوك الموضوعي المترجم بعلامات خارجية .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور إبراهيم محمد العناني ـ القانون الدولي العام ـ دار الفكر العربي ـ1990 ـ ص 83
(2) الدكتور محمد فؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص 183



تقتضي هذه الطريقة تفسير المعاهدات حسب نية الأطراف المتعاقدة فيها ، ونلاحظ ان هذا الطريق يتفق مع مبدأ سيادة الدولة .
ومعرفة النية تكون بالرجوع إلى الأعمال التحضيرية لإبرام المعاهدة والتصرفات الأطراف عقب إبرامها وكيفية تطبيقها .

المطلب الثاني:الطريقة الوظيفية (الغرض) la methode fonctionnelle

تقوم هذه الطريقةعلى التحري عن الغرض الأساسي للمعاهدة ، وتفسير نصوصها في ضوء هذا الغرضوهو الأثر النافع للمعنى المرجح الذي استهدف من إبرام المعاهدة، حيث أنه من المسلم به أن أية قاعدة قانونية يرتكز أساسها على تطبيقها على النحو الذي يحقق غاياتها وأهدافها .
فمن المفترض أن أطراف المعاهدة قد عبّروا عن إرادتهم بعبارة تعني ما يصبون إليه من إبرام المعاهدة ووضع النصوص، لكي تطبق وبالفعالية اللازمة، فيجب أن يكون التفسير والمعنى الذي يسمح بالتطبيق الفعلي للنصوص على نحو يكفل الترتيب الآثار التي قصدها الأطراف، وبالفعالية التي قدّروها .
إذن فإن أخفق المعنى الظاهر للنص في التعبير عن إرادة الأطراف فإن البحث بوسائل التفسير المختلفة يتجه إلى المعنى الذي أراده الأطراف.
فالأثر النافع لا يعني تجاوز إرادة الأطراف، أو الخروج عن إطار عبارات النص لأن ذلك يؤدي إلى تعدي الأمر من تفسير النص إلى مراجعته، كما جاء في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بتاريخ 18 جويلية 1950 .
إن الملاحظ غياب مبدأ الأثر النافع في نصوص اتفاقية "فيينا"، وذلك لأنها لا تكرسه بصورة مباشرة، لكن هذا المبدأ يفرض نفسه في الواقع بالنص عليه أو بدون ذلك.
عموما تقتضي هذه الطريقة تفسير المعاهدة حسب الغرض المراد منها، أو حسب ما يتطلبها موضوعها
وعلى الرغم مما قيل من المفاضلة والمقاربة بين طرق التفسير هذه إلا أن العمل الدولي جرى على اعتبار هذه الطرق مكملة لبعضها البعض وعلى مراعاتها جميعا بقدر أو آخر في عملية التفسير ، ولهذه الطريقة أهميتها في تفسير المواثيق الدولية لتحديد اختصاصات أجهزتها حسب الغرض الذي أنشئت من أجله(1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور جعفر عبد السلام ـ التفسير الوظيفي للمعاهدات ـ المجلة المصرية للقانون الدولي ـ المجلد26 ـ 1970 ـ القاهرة ـ ص 159 وما يليها




المبحث الثاني: قواعـــد التفـــــسير

لا يوجد في القانون الدولي أسلوب ملزم لتفسير المعاهدات ولكن الفقه والقضاء الدوليين استخلصا من القانون الداخلي مجموعة من القواعد التي يجوز أن يسترشد بها المفسر في عملية التفسير، غير انه على مستوى اتفاقيتي فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 و 1986 فقد نصت المواد 31، 32 ،33 على القواعد الخاصة بتفسير المعاهدات لذلك سوف نتطرق إلى هذه القواعد كمايلي (1)

المطلب الأول : القاعـــدة العامــة

لقد نصت المادة 31 من اتفاقية " فيينا" على يلي :
1ـ"تفسر المعاهدة بحسن نية طبقا للمعنى العادي لألفاظ المعاهدة في الإطار الخاص بها وفي ضوء موضوعها والغرض منها".
2ـ الإطار خاص بالمعاهدة لغرض التفسير يشمل ما يلي :
أ/ أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين الأطراف جميعا بمناسبة عقد هذه المعاهدة.
ب/ أي وثيقة صدرت عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة ، وقبلتها الأطراف الأخرى كوثيقة لها صلة بالمعاهدة .
3ـ يؤخذ في الاعتبار إلى جانب الإطار الخاص بالمعاهدة :
أ/ أي اتفاق لاحق بين الأطراف بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيق أحكامها.
ب/ أي مسلك لاحق في تطبيق المعاهدة يتفق عليه الأطراف بشأن تفسيرها.
ج/ أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع، ويمكن تطبيقها على الأطراف .
4ـ يعطي معنى خاص للفظ إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك .
فكل ما سبق عناصر لعملية تفسير واحدة ومتكاملة، وذلك للوصول إلى تحديد المعنى العادي للنص محل التفسير، وذلك إن كان المعنى عاديا أو معنا خاصا:


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور جمال عبد الناصر مانع ـ المرجع السابق ـ ص172


أولا : المعنى العادي :
هو ذلك المعنى الطبيعي للعبارات، أي الأكثر شيوعا واستعمالا في مجالاتها، خصوصا المصطلحات الفنية، ويفترض أن نية الأطراف كانت متجهة إليها، وأن لا يؤدي إلى نتائج غير منطقية وغير معقولة (و إلا استعملنا وسائل التفسير الأخرى) .
وتحديد المعنى تكون عبرته بوقت إبرام المعاهدة، لأن معاني العبارات تتغير وتتطور عبر الزمن .
وبالنسبة للعبارات النسبية كلفظ "ملائم"، فيجب البحث عن إرادة الأطراف وقت إبرام المعاهدة أو وقت تطبيقها.
والبحث عن المعنى العادي للألفاظ يكون في :
1-في الإطار الخاص بالمعاهدة وما في مستواه : يتكون الإطار الخاص عموما من نص المعاهدة والديباجة والملحقات .
فالنص يكون الأول، لأنه التعبير الظاهر لإرادة الأطراف، ثم تأتي العناصر الأخرى لإيضاح ما بقى غامضا منه ، ويراعي في التعامل مع النص :
ـ صياغته العامة حرفيا، والمدلولات اللغوية البحتة للألفاظ، على أن تكون غير متناقضة مع اعتبارات العدالة .
ـ كما ينظر للنصوص كاملة ومتكاملة في مجموعها، بدون عزلها عن بعضها، وذلك للأخذ بالتناسق وسياق النص وتوافق أحكامه .
ـ كما يقيد النص العام بالنص الخاص .
ـ الديباجة فهي التي توضح موضوع المعاهدة وغايتها ووضعها في النظام القانوني الدولي .
وقد استقر القضاء الدولي على اعتبارها جزء من المعاهدة ويتبعها في الإلزامية .
ـ الملحقات هي التي تفصل الأحكام والتنفيذ والمسائل الفنية، وتتمتع أيضا بنفس القوة الإلزامية للمعاهدة نفسها .
ـ أي اتفاق متعلق بالمعاهدة عقد بين الأطراف عند إبرامها .
ـ أي وثيقة صادرة عن طرف أو عدة أطراف بمناسبة عقد المعاهدة مع قبول باقي الأطراف بها .
2 -ما استوى بالإطار الخاص :
ويتكون من :
أي اتفاق لاحق بين الأطراف خاص بتفسير المعاهدة أو تطبيقها :
فالاتفاق التفسيري ينعقد مع إبرام المعاهدة أو لاحق عليها، هو جزء من المعاهدة وله قوة الإلزامية، ويطبق على المنازعات التي تثيرها النصوص محل التفسير .
أي مسلك لاحق بتطبيق المعاهدة يتفق عليها الأطراف بشأن تفسيرها :
حيث تتوافق إرادات الأطراف على تفسير معين للنص، يكون مهيمنا على التطبيق المتماثل وكانت النية متجهة إليه لحظة إبرام المعاهدة، فالتفسير في ضوء ظروف التطبيق يحقق مسايرته للتطور المستمر، ويستجيب للمتغيرات التي قد تطرأ بعد إبرام المعاهدة .
أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع يمكن تطبيقها على العلاقة بين الأطراف :
وهي المراكز القانونية والمصالح العامة المتمثلة في قواعد القانون الدولي ومبادئه العامة، فبالرجوع إلى هذه القواعد ذات الصلة بالمعاهدة لإلقاء الضوء على معنى ونطاق تطبيق نصوص هذه المعاهدة، نتيجة منطقية لأن الفرض أن أطراف المعاهدة لا يريدون الخروج على القواعد العامة للقانون الدولي، وإن أرادوا ذلك بنص صريح به، فإن لم يوجد هذا النص فيعتمد في التفسير على الحل أكثر توفقا من القانون الدولي(1) .
وأيضا لكون المعاهدة نفسها أحد عناصر القانون الدولي العام، والذي عبر الأطراف على إرادتهم في إطاره .
وتتجلى العلاقة بين نص المعاهدة وقواعد القانون الدولي العام أكثر في :
تضمن المعاهدة قواعد ومبادئ معينة في القانون الدولي العام، فبالتالي يقوم تفسيرها بحسب المعنى الذي تأخذه في هذا القانون .
بالإضافة إلى سكوت المعاهدة بشأن مسألة من المسائل، فيعتبر هذا السكوت إحالة ضمنية إلى قواعد القانون الدولي العام .
كذلك إذا كان النص محل التفسير معنيين معتمدين، أحدهما مستثنى من قاعدة دولية عامة، والأخر متطابق معها، فيرجح هذا الأخير عن الأول .
كما تجدر الإشارة فيما يتعلق بالنطاق الزمني لقواعد القانون الدولي العام التي نرجع إليها في التفسير .
- هل هي السائدة وقت إبرام المعاهدة أم وقت التفسير ؟ .
ظهر اتجاه بهذا وأخر بذاك، ولم تتعرض اتفاقية "فينا" لذلك، وعليه نرجع الأمر للقواعد العامة التي تتضمن على القاعدة الآمرة، أي إعمال آثارها حتى وقت التفسير، كذلك احترام النطاق الزمني إن حدده الأطراف، فإن
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ محمد فؤاد عبد الباسط ـ المرجع السابق ـ ص200

لم يتوفر ما سبق (أي قواعد أمرة وإرادة الأطراف)، يحسم الأمر حسب ظروف كل حالة وطبيعة كل معاهدة وأهدافها .
3-في ضوء موضوع المعاهدة وغايتها :
إن موضوع المعاهدة والأهداف والآثار المنتظرة من إبرام المعاهدة الدولية، وأيضا المجالات والمحيط الذي أبرمت فيه ـ يظهر ذلك عادة في الديباجة ومجموع نصوصها ـ ، من شأنه أن يوضح نوايا وإرادة الأطراف واتجاهاتهم، لأن المعنى العادي لألفاظ النص ليس هو ذلك المعنى المجرد في ذاته بل ذلك يتحدد مضمونه وفق أهداف المعاهدة وموضوعها .
ثانيا : المعنى الخاص :
يكون للنص معنى خاصا إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك .
ويكون هذا المعنى الخاص إذا تعلق الأمر باستثناء على القاعدة العامة (أي المعنى للفظ المألوف)
وقد يكون هذا المعنى فني له استعمال في نطاق معين لا يفهمه إلا المختصون ويستلزم معنا خاص للنص بأن يكون التعبير عنه صريحا وحاسما لا غموض فيه .

المطلـب الثانــي: الوســائل المكــــملة

نصت على ذلك المادة 33 من اتفاقية "فينا" :
"يجوز الالتجاء إلى وسائل مكملة في التفسير بما في ذلك الأعمال التحضيرية للمعاهدة والظروف الملابسة لعقدها ، وذلك لتأكيد المعنى الناتج عن تطبيق المادة 31 ، أو تحديد المعنى إذا أدى التفسير وفقا للمادة 31 الى
بقاء المعنى غامضا أو غير صحيح ، أو أدى إلى نتيجة غير منطقية أو غير معقولة .
ويطبق هذا النص بعد تطبيق القاعدة العامة أولا واستنفاذ كل وسائلها ، ثم استعمال كل الحجج والإقناع لإكمال عملية التفسير
وقد نصت اتفاقية "فيينا" على طائفتين(1) من الوسائل التكميلية هما الأعمال التحضيرية ، والظروف الملابسة لعقد المعاهدة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد ذكر هاتين الطائفتين على سبيل المثال في أحد قرارات التفسير التي أصدرتها المحكمة الدستورية العليا في مصر وجاء فيها أن المحكمة وفي مجال ممارستها لاختصاصها بالنسبة للتفسير التشريعي ، إنما يقتصر ولايتها على تحديد مضمون النص القانوني محل التفسير على ضوء إرادة المشرع ، تحريا لمقاصده وهي في سبيل استلهام هذه الإرادة وكشفها لا تعزل نفسها عن التطور التاريخي للنصوص القانونية التي تفسرها تفسيرا تشريعيا ولا عن الأعمال التحضيرية الممهدة لها ، سواء كانت هذه الأعمال قد سبقتها أو عاصرتها.

أولا : الأعمال التحضيرية :
إن الأعمال التحضيرية من مفاوضات واتصالات ومذكرات وأعمال ومحاضر جلسات ومقترحات وصياغة مشاريع هامة للتعرف على النية المشتركة لأطراف المعاهدة ، إلا أنها عدت من الوسائل التكميلية وذلك لأنها تحمل بين طيّاتها نوايا متعارضة وخلافات أطراف المعاهدة ، وأيضا يشوبها التناقض والفوضى
وعدم الحسم ، بل هي التي تؤدي إلى عدم صياغة النص بطريقة واضحة ومحددة ، بل وقد تكون هذه الأعمال غامضة ومعتمدة من الأطراف وذلك بغية تحقيق نجاح ظاهري والهروب من بعض الالتزامات إلى وقت لاحق ، مما يفتح باب أمام التفسيرات والتأويلات التي قد تكون خاطئة .
بالإضافة إلى أن الوصول إلى هذه الأعمال التحضيرية صعب كليا أو جزئيا للسرية مثلا، أو انضمام دول بعد إبرام المعاهدة ودون الاشتراك في أعمالها التحضيرية.
لكل ما سبق يجب ، عند الالتجاء إلى الإعمال التحضيرية الحرص الشديد حتى ينحصر البحث في عملية تفسير ما جاء بالنص بذاته بغير تعديل أو تأويل خاطئ و بما يعكس إرادة الأطراف الحقيقية ، واستبعادها إن لزم الأمر عند تعارضها مع النص تكون صالحة لاستخلاص معنى محدد وواضح وذلك بأن تتسم بالجدية والانتظام وتناسق الأفكار .
ثانيا :الظروف الملابسة لعقد المعاهدة :
وذلك لان المعاهدة تتصل اتصالا وثيقا بالحياة الدولية، كما انه لا تنفصل عن الظروف الواقعية والتاريخية والسياسية و الإيديولوجية والاقتصادية التي أحاطت و لازمت إبرامها.
لكن هذه العناصر التكميلية السابقة للتفسير غير مذكورة على سبيل الحصر، بل يمكن اللجوء إلى عناصر مختلفة أخرى منها:
ـ القياس (1).
ـ مفهوم المخالفة .
ـ قاعدة من باب أولى.
ـ إعمال النص خير من إهماله .
ـ ما جرى عليه تطبيق المعاهدات الأخرى ، وما استقر من عرف دولي في مجال هذه المعاهدة .
ـ تفسير النص على النحو الذي يكون أكثر تحقيقا لحقوق والتزامات الأطراف أو لصالح الطرف الواقععليه الالتزام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من تطبيقات إعمال القياس كوسيلة لتفسير المعاهدات قضية السفينة wimbledon التي عرضت على محكمة العدل الدولية ففي هذه القضية دفع وكيل الحكومة الفرنسية بأن المادة 3380 من معاهدة فرساي المتعلقة بقناة كيل لا تقيم ميزة لصالح الحلفاء فحسب ، بل ما تنص عليه يعتبر قاعدة موضوعية تقرر حرية المرور لصالح كل الدول ، لكن أثناء التفسير ثبت للمحكمة أن الدفع الذي أبدته فرنسا يقوم على أساس المركز القانوني لقناة السويس وقناة بنما

وقد أخذ المحتوى السياسي لنصوص المعاهدة في الاعتبار:
ـ أحكام القضاء
ـ تفسير الفقه
ـ قواعد العدالة
ثم يأتي التفسير الموسع أو الضيق للنص ، وهذا بعد إعمال كل وسائل التفسير السابق ذكرها ، ولم تظهر إرادة الأطراف .
وقد اعتبر القضاء الدولي قاعدة التفسير الموسع والمضيق بمثابة قاعدة إضافية ، لا يلجأ إليها إلا إذا بقيت الشكوك قائمة حول معنى النص ويجب أن يكون في إطار إرادة الأطراف وموضوع المعاهدة وغايتها .
عمليا نجد أن التفسير الموسع أقل تطبيقا من التفسير الضيق وذلك مخافة الانحراف عن الأغراض الحقيقية للمعاهدة .
إن التفسير الموسع يلجأ إليه عادة في المسائل الاقتصادية والتجارية بما يفيد الأطراف ، ويكفل تطبيق النص بطريقة عادلة ، أما التفسير المضيق فيكون بعد استنفاذ كل طرق التفسير المتاحة بما فيها التفسير الموسّع ، ويتعين في التفسير الضيق ترجيح المعنى الذي يحمّل الأطراف أقل الالتزامات .

قيود التفسير الضيق : لا يلجأ إليه لمجرد تأكيد المعنى، ولا يستعمل إذا كان من شأنه تجريد المعاهدة من كل اثر ، أو ترتيب عكس ما اتجهت إليه إرادة الأطراف .
الخــاتمــــة


بعد دراستنا المتواضعة للمراحل التي مر بها التفسير ، بدءا بالاتجاه التقليدي الذي أعطى الاختصاص للحكومة متبوعا بالاتجاه الحديث والذي تمكنت فيه السلطة القضائية من انتزاع هذا الاختصاص ،ثم دراسة كيفية التفسير للمعاهدات الدولية، بمبادئه ووسائله، توصلنا إلى ان تفسير المعاهدة الدولية يثور خصوصا بمناسبة التطبيق ، بسبب إرادة الأطراف التي تتغير مع الزمن فيكون التفسير هذا للسلطة التنفيذية اذا رأت الدولة أن إسناده لغيرها يحملها مسؤولية دولية هي في غنى عنها ، وتأكيدا للنص الدستوري : سمو المعاهدة عن القانون ، وفرض مبدأ سيادة الدولة ووجودها .
غير ان تطور العلاقات الدولية وتشعبها إلى ميادين أخرى ، كالتجارة والإقتصاد جعل هذا الإسناد يتحول إلى السلطة القضائية ، أي القاضي الوطني ، وذلك لكي لا تتعطل هذه المصالح المتسمة بالسرعة في التطبيق ، بالإضافة الى مؤهلات القاضي في ميدان التفسير عن غيره في الحكومة ، بحيث انه يطبق المبادئ والوسائل الصحيحة للوصول إلى التفسير السليم للمعاهدة الدولية .
إذن :
بتطور العلاقات الدولية ، وضرورة تعاون الدول فيما بينها لتعايش سلمي وحياة أفضل ، حيث يتجلى ذلك في إبرام المعاهدات الدولية لتكون هذه العلاقات أكثر تنظيما وتترسخ بها قواعد القانون الدولي .
غير إن قصور هذه المعاهدات يؤدي الى تدخل التفسير لإكماله ، ويكون المختص به هي الحكومة او القضاء ، وكل على حسب مصالح الدولة ، فإذا كانت عامة تمس الدولة بذاتها فيجب ان تتدخل الحكومة هنا لوضع هذا التفسير ، أمام إذا كانت المصالح العائدة من المعاهدة خاصة ، تمس الأفراد لا تحمل الدولة أية مسؤولية دولية فتسند هذه المعاهدة للقاضي الوطني لتفسيرها .

وفي النهاية لا نملك سوى التسليم بسلامة وقوة الحجج المعارضة لاستبعاد التفسير الحكومي السلف بيانها ، وانه لم يبقى للتفسير القضائي سند سوى مواجهة صدمة إنكار العدالة الفعلي ، عندما تصير الحكومة عن طريق التفسير الحكومي خصما وحكما في ذات الوقت وتتحكم بذلك في وجه الفصل في الدعوى بكل المخاطر التي يتحملها هذا الوضع بالنسبة لحقوق وحريات الأفراد؛ والقضاء من ناحية لن يجد المصاعب كثيرة في عملية التفسير بحكم الأعداد المتزايدة من المعاهدات في غير الطابع السياسي مثل مجلات التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي كما إن طابع السرية الذي يميز إعمال العاهدات السياسية البحتة سيضيق نطاقه تبعا لنوعية المعاهدات، إضافة إلى وضع قواعد موحدة للتفسير باتفاقية "فيينا" لقانون المعاهدات وإذا استعصى الأم ر على القاضي فاستشارة وزير الخارجية لم يغلق بابها.
شكرا اخي محمد و الله موضوع قيم جدا وجزاك الله خير و ربي ينجحك انشاءالله
والله ذكرني بماجيستير العام المضي في بلعباس و كان السؤال في الاداري عن حدود اختصاص القاضي الاداري اما في الدولي كان خول المعاهدات الدولية وطرق ابرامها واثارها قبل التصديق و نوعا ما كانت نفس االمواضيع كنت في القائمة الاحتياطية و لو كنت مطلع على هذا الموضوع من قبل لاكانت اجابتي اوفي و اشمل و لكن قدر الله و ما شاء فعل
شكرا اخي محمد900 اظن ان لك حدس فى الاسئلة
طيب الله اوقاتكم









قديم 2011-07-31, 15:42   رقم المشاركة : 223
معلومات العضو
walid autre mon
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
اخواني اخواتي
نحن الان بصدد التحضير للمماجستير الخاصة بتجريم الصفقات بجامعة سيدي بلعباس
الاحرى بنا ان نتكلم عن الصفقات الادارية و كفية ابرامها و الجرائم المتعلقة بها لان موضوع الصفقات العمومية نادرا ما يتطرق اليه في كتب القانون لانه موضوع فيه تعديلات جديدة عكس المواضيع الاخرى كالمركزية و اللامركزية التي نكاد نجدها حتى في الجرائد
شكرااااا
ارجو ان تتقبلوا رأيي
رمضان كريم










قديم 2011-07-31, 21:26   رقم المشاركة : 224
معلومات العضو
maouia
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

رمضان كريم للجميع و نتواصاو بالدعاء للنجاح لكل اعضاء المنتدي الكرام

وانا وعد مني انني لن انساكم في دعائي و عشمي ان لا تنسوني انتم ايضا و الله العظيم التوفيق و النجاخ بيد الله عز وجل

وطيب الله اوقاتكم










قديم 2011-08-01, 19:35   رقم المشاركة : 225
معلومات العضو
امين83
عضو فريق رفع إعلانات التوظيف
 
الأوسمة
الموضوع المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










B2 رمضان كريم

............. رمضان كريم لكل الاخوة و الاخوات ............










 

الكلمات الدلالية (Tags)
..لمن, مهتم, أقتراح, الماجستير


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:35

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc