الجبار
الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (الجَبَّارِ)
] أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 17، 18).
الجَبَّارُ فِي اللُّغةِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنِ اسْمِ الفَاعِلِ الجَابِرِ، وَهُوَ المَوْصُوفُ بالجَبْرِ، فِعْلُهُ جَبرَ يَجبُرُ جَبرًا، وَأَصلُ الجَبرِ إصلَاحُ الشَّيْءِ بِضَربٍ مِنَ القَهرِ
وَمِنْهُ جَبَر العَظْمَ أَيْ: أَصلَحَ كَسرَهُ، وَجَبَرَ الفَقِيرَ أَغنَاهُ ن وَجَبَرَ الخَاسِرَ عَوَّضَهُ، وَجَبرَ المَرِيضَ عَالَجَهُ، وَيُستَعْمَلُ الجَبرُ بِمعْنَى الإِكْرَاهِ عَلَى الفِعْلِ والإلزَامِ بِلَا تَخيرٍ
لمفردات (ص: 183)
والفائق في غريب الحديث للزمخشري (1/ 416)
ولسان العرب (4/ 113).
وَالجَبَّارُ سُبْحَانَهُ هُوَ الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ
المقصد الأسنى (ص: 71)
وتفسير أسماء الله للزجاج (ص: 34).
وَهُوَ الجَبَّارُ أَيضًا لِعُلُوِّهِ عَلَى خَلقِهِ، وَنَفَاذِ مَشِيئَتِهِ فِي مُلِكهِ فَلَا غَالِبَ لأَِمرِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكمِهِ، فَمَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ
قَالَ أَبُو حَامِدٍ الغَزَّالِي:
«الجَبَّارُ هُوَ الذِي يُنفِذُ مَشِيئَتَهُ عَلَى سَبِيلِ الإِجْبَارِ فِي كُلِّ واحِدٍ، وَلَا تَنفُذُ فِيهِ مَشِيئَةُ أَحدٍ، الذِي لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ قَبضَتِهِ، وَتقصُرُ الأَيدِي دُونَ حِمَى حَضْرَتِهِ، فَالجَبَّارُ المُطلَقُ
هُوَ الله سبحانه وتعالى؛ فَإِنَّهُ يَجبُرُ كُلَّ أَحَدٍ وَلَا يَجْبُرُهُ أحَدٌ، وَلَا مَثْنَوِيَّةَ فِي حَقِّهِ فِي الطَرَفَينِ»
المقصد الأسنى (74).
وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ:
«وَأَمَّا الجَبَّارُ مِنْ أَسمَاءِ الرَبِّ تَعَالَى، هُوَ الجَبَرُوتُ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «سُبْحَانَ ذِي الجَبَروُتِ والمَلَكُوتِ والكِبْرِيَاءِ وَالعَظَمَةِ»
فَالجَبَّارُ اسمٌ مِنْ أَسمَاءِ التَّعْظِيمِ كَالمُتَكَبِّرِ وَالمَلِكِ وَالعَظِيمِ وَالقَهَّارِ»
شفاء العليل (121).
وَالجَبَّارُ عِندَ الجَبْرِيَّةِ هُوَ الذِي يُكرِهُ العِبَادَ عَلَى الفِعلِ فَلَا اختِيَارَ لَهُم وَلَا حُرِّيَّةَ، وَهُوَ مَردُودٌ
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]
وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الجَبَّارِ فِي الإِجبَارِ عَنْ إِسقاطِ الاختِيَارِ وَرفْعِ التَّكْلِيفِ وَالمسؤُولِيةِ كَالسُّنَنِ الكَوْنِيَّةِ التِي لَا تَحوِيلَ فِيهَا وَلَا تَبدِيلَ، وَكَالحَرَكَاتِ اللَّاإِرَادِيَّةِ فِي الإنسَانِ كَحَرَكَةِ القَلبِ وَسَرَيَانِ الرُّوحِ فِي الأبدَانِ.
وَالجَبَّارُ اسمٌ دَلَّ عَلَى مَعنًى مِنْ مَعَانِي العَظَمَةِ والكبرِيَاءِ، وَهُوَ فِي حَقِّ الله وَصفٌ مَحمُودٌ مِنْ مَعَانِي الكَمَالِ والجَمَالِ، وَفِي حَقِّ العِبَادِ وَصفٌ مَذمُومٌ مِنْ مَعَانِي النَقْصِ
لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].
وُرُودُهُ فِي القُرآنِ الكريمِ:
وَرَدَ هَذَا الاسْمُ فِي القُرآنِ مَرةً واحِدَةً فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ﴾ [الحشر: 23].
مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ الله تَعَالَى:
قَالَ الطبَرِيُّ:
«(الجَبَّارُ): يَعْنِي المُصْلِحُ أُمُورَ خَلْقِهِ المُصَرِّفُهُم فِيمَا فِيهِ صَلاَحُهُم»
الطبري (28/ 36)
وابن كثير (4/ 343).
وَقَالَ قَتَادَةُ: «جَبَرَ خَلْقَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ مِنْ أَمرِهِ»
رواه ابن جرير عنه بإسناد صحيح.
وَقَالَ الخَطَّابِيُّ:
«(الجَبَّارُ) هُوَ الذَِّي جَبَرَ الخَلْقَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ أَمرِهِ وَنَهيِهِ، يُقَالُ: جَبَرَهُ السُلطَانُ وَأَجبَرَهُ بالأَلِفِ.
وَيُقَالُ: هُوَ الذِي جَبَرَ مَفَاقِرَ الخَلْقِ وَكَفَاهُم أَسبَابَ المَعَاشِ وَالرِّزْقِ.
وَيُقَالُ: بَلِ الجَبَّارُ العَالِي فَوقَ خَلقِهِ؛ مِنْ قَولِهم: تَجَبَّرَ النَّبَاتُ إِذَا عَلاَ واكتَهَلَ، يُقَالُ للنَّخْلَةِ التِي لَا تَنَالُهَا اليَدُ طُولًا: الجَبَّارَةُ»
شأن الدعاء (ص: 48)، وراجع تفسير الأسماء للزجاج (ص: 34 - 35)
والاعتقاد للبيهقي (ص: 55)
والقرطبي (18/ 47)
وروح المعاني (28/ 63).
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: «(الجَبَّارُ):
جَبَرُوتُ اللهِ عَظَمَتُهُ، وَالعَرَبُ تُسَمِّي المَلِكَ: الجَبَّارَ»
فتح القدير (5/ 208).
وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(الجَبَّارُ):
هُوَ بمَعْنَى العَلِيِّ الأعْلَى، وَبِمَعْنَى القَهَّارِ، وبمعنَى الرؤُوفِ الجَابِرِ للِقُلُوبِ المُنكَسِرَةِ، وللضَعِيفِ العَاجِزِ، وَلِمَنْ لَاذَ بِهِ وَلَجَأَ إِليهِ»
تفسير الكريم (5/ 301).