إن من نعم الله تعالى على عباده أن يوالي مواسم الخيرات والطاعات عليهم ليوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله، فما كاد ينقضي موسم الحج المبارك إلا وتبعه شهر كريم هو شهر الله المحرم، و الذي يعتبر أول شهور السنّة الهجرية، ومن أعظمها وأفضلها، وأحد الأشهر الحُرُم التي ذكرها الله عز وجل في كتابه بقوله: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم" فالله حرم الأشهر الحرم الأربعة، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، رجب، والواضح أن هذا التحريم كان مع فرض الحج في أشهره المعلومات منذ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام . وقد ورد في شهر محرم نصوص تدل على فضله، وفضل الأعمال الصالحة فيه من صوم ونحوه. قوله تعالى: "ِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ"، وفي هذه الآية بيان أن الله سبحانه وضع هذه الشهور، وسماها بأسمائها على هذا الترتيب المعروف يوم خلق السموات والأرض، وأن هذا هو الذي جاءت به الأنبياء، ونزلت به الكتب، وأنه لا إعتبار بما عند العجم، والروم، والقبط من الشهور التي يصطلحون عليها، ويجعلون بعضها ثلاثين يوماً، وبعضها أكثر، وبعضها أقلّ."مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ"هي: "ذي القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب: ثلاثة سرد، وواحد فرد"، وشهر محرم من الأشهر الحرم التي ذُكرت في الآية.وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".ومن فضل شهر محرم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أضافه إلى الله عز وجل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ" ، وهذا الحديث فيه تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وأن أفضل أوقات صوم التطوع بعد رمضان هي أيام شهر محرم الذي أضافه الله تعالى إليه تشريفاً وتعظيماً، وهذا ظاهر من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فإن الصيام من أفضل الأعمال عند الله تعالى.ومن فضل شهر محرم أن فيه يوم عاشوراء الذي يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضله في حديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه فيقول:"وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَه"كما تحري صيام التاسع والعاشر منه فعَنْ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ"، وقال: "وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ": إضافة إلى ذلك ينبغي على المؤمن الإكثار من الدعاء، والتزود بالطاعات، واستغلال هذا الموسم الرباني لينال الخيرات ويعلو في الدرجات .
منقول