عفوا أنا متأخرة بعض الشيء
------------------------------------
كانت الساعة الثالثة صباحا عندما رن الهاتف لأول مرة و لكنه توقف و ما ان وضعت رأسي لأنام من جديد حتى سمعت بعض الطرق على باب المنزل تملكني الخوف و أخذ جسمي يرتعش نهضت من مكاني لأتفقد سناء التي كانت غارقة في النوم,سناء تصغرني بخمس سنوات كانت مثل اختي الصغرى في هذا الميتم الموحش المظلم فهي مثلي لم تعرف اين اخذ المستعمر المستبد والداها و وجدتها في احدى الشوارع تبكي بينما كنت أبحث عن مكان اختبئ فيه, فعدت الى سريري و انكمشت في غطائي و قرأت آية الكرسي و استعددت للنوم مجددا ,أحلم مجددا بعودة والداي و رحيل الفرنسيين المستعمريين الذين اخذوا ابائنا و امهاتنا و شردونا و قتلوا بعضنا و البعض الاخر انحشر في هذا الميتم الذي اعتبرناه مأوى او كما سماه الأطفال هنا "بيت الأحلام" مع أن كل أحلامنا اغتصبت و لم يبقى لنا إلا الظلام الحالك و صوت الطلقات النارية التي تأخذ أرواح الجزائريين الواحد تلوى الأخر, غارقة أنا في تفكيري الا انني سرعان ما سمعت صوت زجاج يتحطم نهضت جريا من مكاني فاستيقظت سناء أخذتها من يدها التي كانت ترتعش ,مشينا في الرواق بحثا عن السيدة سعاد التي كانت احدى المشرفات في هذا الميتم كنت دائما أخبرها عن شغفي و رغبتي الشديدة في حمل السلاح ضد المستعمر و كانت دائما تخبرني أسرارها فقد كانت تساعد المجاهدين و ترسل لهم الأكل و المعدات الطبية و بعض الأفرشة و تخبرهم عما يجري في الضاحية,اتجهنا نحو غرفتها الا ان ريحا قوية جرتنا الى الخلف و باب غرفتها كان مفتوحا,دخلنا الغرفة و صوبت مصباحي نحو سريرها الا انها لم تكن هناك,لقد كان صوت زجاج نافذتها الذي تحطم,خفت عليها كثيرا ,شدتني سناء من يدي قائلة:
- لقد نسيت عقدي الذي فيه صورة أمي في سريري و علي ان احضره فانا اخاف أن يضيع
- انتظري ساتي معك
- لا داعي لذلك فالغرفة ليست بعيدة من هنا كما انني لست طفلة صغيرة حتى تاتي معي الى كل مكان
- سأكون في غرفة أمينة فلا شك أن الكل متجمع هناك مثل العادة ,عودي سريعا
اتجهت الى غرفة المشرفة أمينة كالعادة فقد كنا كلما خفنا أو سمعنا صوت طلقات نارية نذهب مسرعين الى غرفتها,وجدت كل الأولاد و البنات هناك الا السيدة سعاد سألت عنها الا ان لا أحد يعرف مكانها,قلت في قلق:
- ما قصة الهاتف و الجرس؟
المشرفة أمينة: عندما رفعت السماعة لم يتحدث أحد و أقفل الخط.
سامي: و لم يكن هناك أحد على الباب ايضا
كان كلام المشرفة امينة و محمد سببا كافيا لأقلق .كان سامي الأكبر بيننا .سنه 18 سنة و لم يستطع أن يذهب للجهاد لأنه لم يستطع أن يترك أخواته الصغيرات وحدهن في الميتم,
لم تمر الا بضع لحظات حتى سمعنا صوت صراخ امرأة و بكاء طفلة و طلقات نارية متتابعة و صوت محركات دبابات المستعمر و هي تدوي ,امسك الجميع ببعضهم لكن أنا لم يخطر ببالي سوى سناء و السيدة سعاد
نهضت جريا الى الرواق ,لحق بي سامي.
- ارجعي لن نسمح باختفاء شخص اخر
- ما الذي تقوله,صراخ بكاء السيدة سعاد سناء طلقات نار مستعمر,لن أسمح لمن أخذ والداي بأن يأخذ أشخاص أخرين من حياتي و لو على جثتي,ان اردت البقاء لك ذلك لكني لن ابقى هنا الان
- من دون شك انهم في الخارج و أظن أن احدهم هنا داخل الميتم و سيقتلونك ايضا
- ساخرج يعني ساخرج و ان كلفني ذلك حياتي
- اذا كان لابد من أن يخرج احد فينا فسيكون أنا, سأتسلل بعيدا و اجري ثم اظهر لهم فيلحقونني و يتركوكم .سأخلي لكم الطريق لتهربوا فان لم تخرجوا سيدخلون اليكم.اشارتي ستكون "تحيا الجزائر" عندما تسمعيها أخرجيهم, اعتني بإخوتي و هناك المصحف الشريف انه موجود تحت وسادتي أعطه لهم
- سوف اتي معك أنا أيضا
- لا ابقي هنا.
- لا .انا سأتي فهي بلادي مثلما هي بلادك و هم عائلتي مثلما هم عائلتك
خطف سامي المصباح من يدي و نزل الى الطابق السفلي بقيت اتحسس الجدران في الظلمة الحالكة محاولة ان اجد الدرج حتى اتمكن من العودة و اخبار المشرفة أمينة بالخطة ,و نحن في الغرفة سمعنا صوت الباب يغلق و الجري و صوت سامي كان بعيدا يقول:
- "تحيا الجزائر"
,,,,و طلقات نارية متتابعة.