هل نكمل على هذا
لحن الفقر
....02-13 -1995 سمع بكائي في كل ارجاء المستشفى , لقد تلقيت اول ضربة في حياتي كانت من امراة شديدة بياض الثوب يقال لها قابلة. يا الهي لقد قبلتني بلطف وابتسمت في وجهي بعد تلك الضربة الموجعة، اااان لقد علمت الان لماذا يسمونها قابلة انها تقبل الاطفال بعد تنال منهم بالظرب كيف لم افكر في هذا من قبل . انها تسلمني الى امراة متئكة على سرير ابيض لون وجهها اشد صفرة من قرص الشمس تلتصق بها قنوات حمراء وبيضاء بايديها ومعلق على سريرها قوارير تحمل نفس اللون . لقد تسلمتني بكل رفق وهي تقول تعال ياصغيري وضمتني اليها ضمة احسست من خلالها ان هذه المراة تختلف عن كل نساء العالم لم اكن افهم الكلام ولكن نعومة اصابعها ودقات قلبها تعبر عن ما بداخاها ... انها امي ... لقد ترعرعت مع ذلك القلب 10 سنين لم احس فيهن يوما انني يتيم الاب او اننا عائلة فقيرة بلكاد تؤمن قوت يومها والفضل يعود لله ثم الى تلك المراة ، لقد كانت امي تقطع جزءا من جسدها الشريف حتى لا يجوع صغارها وان يناموا مرتاحين وبطونهم شبعانة مثلهم مثل الاغنياء . لقد نسيت ان اخبركم كنا 5 اخوة ثلاث بنات و ولدان ... الى ان بلغني في ذلك اليوم الذي اصبح فيه عمري 10 سنوات وبضع ايام ان القلب الزاهر والروح السامية البريئة و افضل انسانة ، نامت على سرير الموت .....
لم اوقن حينها معنى عبارة نامت على فراش الموت .حركة غريبة على غير العادة في المنزل اقارب بالكاد اعرفهم و غرباء يدخلون منزلنا و يخرجون كنت لا اسمع الا اصوات النواح لا ارى الا مشاهد الاحزان لا اتنفس الا الاهات و روائح الاختناق و لا اشعر الا بالفراغ
ثمً دخلت احدي غرف المنزل فوجدتها مكتظة بالناس لكنني حال دخولي صمت الجميع صمتا مخيفا و نظروا الي نظرة شفقة مختلطة بالحزن ولكن ما لفت انتباهي. ذلك الشي الممدد علي الارض و المغطي بقماش أبيض ناصع اقتربت ببطء شديد و الفضول يقتلني... لأعرف ما تحت الغطاء ، ثم جلست في المقدمة ورفعت الغطاء ببطء.. و اذا هي أمي الغالية نائمة هناك، لامست بشرتها بلطف كي اوقضها من نومها كي اخبرها بان هناك غرباء في منزلنا ولكنها لم ترد علي، كانت بشرتها جامدة وبيضاء كالثلج، تنام هناك مبتسمة ابتسامة خفيفة و كأنها في دنيا اخري،دنيا جميلة لا شر فيها و لا ظلم و لا فقر و لا حرمان ..فجاة اقتربت مني امرأة غريبة وقالت :
-بني لقد حان موعد الغسل لا يجوز ان تبقي هنا اكثر من اللازم لابد ان أمك الان سعيدة بفراق الدنيا وفراق مرضها الذي كان يأكل أحشائها شيئا فشيياً.
لم نلبث اياما الا و صار بيتنا اجوف فارغا عاريا من كل ما هو حسي من كل ما هو محسوس كنا نفترش الارض و نلتحف السماء و نبيت و بطوننا عل انطوائها ،لقد كانت امي فراشنا ..كانت امي غطاءنا ،مطعمنا و مشربنا دواءنا و ملبسنا ..كل شيء كان امي او انها كانت كل شيء.
كان كابوسا اراه في واقعي و لا يفارقني في منامي، بداية لم اعرف لها نهاية كانت الوحدة تحاصرني و الخوف يضمني و يأبى ان يسدل عني مرفقيه ,الالم يتلذذ بتقطيع اوردة قلبي المفقود، و المصير المجهول يفرش لي البساط الاحمر لاسير عليه ببصر دون بصيرة ارى كاني لا ارى...لا أرى سوى ذلك الدفئ تحسره جدران ذلك القلب الذي تنتآبه نبضآت الخوف علينــآ ..بالنصح ِ تآرة وبالأحضآن تارة أخرى ..بدقــآتهــآ احســآس غريب ألتقت ُيمنة ويُسرآ فأجدُ مــآ لم ترآه عيني ولم تُخبرني به أمي يومــآ سوى أن أُكمل طريقي ....لم أكن أعرف أن الغربة عالم أسود ، لا تنبعث منه خيوط أمل ، الكل يحتقرك دون أدنى شعور بالرأفة تجاهك ، أقنعة مكفهرة تحاصرك أينما ذهبت.
و مرت الأيام و السنين و ها أنا ذا كبير إخوتي أعمل يوما بعد يوم وأكثر من عمل في اليوم لأجعل إخوتي سعداء في مدارسهم و أؤمن لهم قوت العيش، قد لا أمتلك شهادة ولم أكمل دراستي و لكن لدي خبرة تكفيني عن ألف شهادة.
أذكر بعد أن ماتت أمي لا أحد من أقاربنا إتصل او سأل حتى أنني خلت أننا دون أقارب
حينها جاء إلينا أحد جيراننا و أخذنا لبيته.
كانت أختي الأصغر مني بسنة تعمل خادمة لدى جارتنا، و أنا كنت أتعلم الفلاحة مع جارنا في مزرعته و كان هذا مقابل تدريس إخواننا الصغار...
على الرغم من الشقاء والتعب الا انه كانت لدي طموحات وافكار مرسومة في مخيلتي لا تفارق نومي ولاصحوي ...ولكن اين انا واين ذلك الحلم، انا لا املك 3 دنانير في جيبي حتى اااه ماذا افعل...
طب طب طب ... من على الباب .. انا ياخي اختك الصغيرة لقد فرغ الحبر ولم انهي واجبي لقد امضيت الليل كله وانا اكتبه ولكن للاسف نفذ الحبر قبل ان انهي ...لا عليكي ياصغيرتي سوف احضر لكي غدا قلما عندي الكثير من النقود ... اممم لقد كذبت عليها حتى لا تشعر بالضعف والحزن انا اعرفها هي لا تحب ان يقال علينا فقراء او يتاما تتضاهر دائما بالقوة يالها من اخت رائعة .... هيا يا حبيبتي اذهبي الى فراشك ليلة سعيدة .
عندما أتذكر ،، حقا لقد تحملت مسؤولية فاقت عمري بسنين مسؤولية انشبت اظافرها في وجهي قبل ان ابلغ عمر الزهور و قبل ان يصل فصل الربيع و رغم هذا واصلت وكافحت من اجل اخوتي و تمسكت بالله فأمدني بقوة اعانني على مشاق الحياة كنت ارى وجه امي في كل مكان ،في السماء و في الارض، في التراب و المياه الصافية، همسات صوتها تداعب اذناي و نظرات عيناها لا تفارقني.
و في الصباح و بعد أن صليت الفجر عدت مسرعا الى البيت و بحثت في جميع أدراجي و بين ثيابي علي أجد مالا أشتري به لأختي حبرا.. ولحسن الحظ جمعت بضع دنانير من هنا وهناك وخرجت مسرعا واشتريت لها ثم عدت ووضعته بجانبها قبل أن تستفيق ...كان همي الوحيد أن يدرس إخوتي حتى يؤمنوا مستقبلهم ... ثم خرجت كالعادة أسعى وراء لقمة العيش..
وبينما انا سائر في طريقي، اذا بي التقي بشخص لم أعرفه، كان ينظر الي نظرة غريبة،، في بادئ الامر انتابتني حيرة، ثم تجاهلته و اكملت طريقي فإذا به ينادني، التفت اليه فرأيته يقترب مني ويردد:
" يا سبحانك يارب، تخلق من الشبه اربعين .يا سبحانك يارب، تخلق من الشبه اربعين."
فقلت له :"ماذا هناك ياسيدي؟ "،فقال:" انت تشبه صديق عمري الذي فقدته منذ داك الحادث". ثم أخرج محفظة من جيبه بها صورة تجمع هذا الشخص بصديقه ،لكن العجيب في هذا الامر ان هذا الشخص يكون والدي الذي توفي وانا صغير، فانهمرت الدموع من عيناي وقلت له :"هذا ابي الذي لم اتذكره ولم اعرفه الا بالصور ."
فقام هاذا الشخص وضمني اليه وقال:" اخيرا قدرني الله ان ابلغ امانتك يارفيق دربي."
ثم قال لي :"يجب ان تذهب معي الى البيت لاعطيك امانة تركها لك والدك." فقلت له:" كيف ..."فقاطعني صديق والدي وقال "لقد كان والدك رفيقا لي في الجيش وفي يوم من الايام تم الهجوم على كتيبتنا وتم قتل البعض والبعض الاخر تم اخذهم الى السجن وتعذيبهم من بين المجموعة الاخيرة انا وابوك فقد كنا معا تحملنا القسوة وسوء المعاملة هناك وقد حدثني ابوك عنكم عن امك وعن اول مولود له واظنه انت وكم كان متشوقا لرؤيتكم .حينها عزمنا مع بعض الاصدقاء القدامى هناك ان نخطط للهرب من ذاك المكان وفعلا تحقق ذلك لكن عند محاولة هروبنا اكتشف امرنا وتم تبادل اطلاق النار واصيب والدك في ساقه حينها علم انه لا يمكنه المواصلة كنا قد حملناه واردنا اخراجه لكنه أبى ان يكمل خوفا ان يكون عبئا علينا وامرني بالذهاب صارخا عليا .قبل ذهابي اخبرني بمكان كان يخبئ فيه صندوقا امرني ان اوصله لكم ، وقال اعطه لزوجتي ،لكن عندما ذهبت لعنوانكم القديم وجدت ان امك غيرت المسكن ومن ذلك الحين لم اسمع اي خبر عنكم." ثم اخذني الى بيته واعطاني ذلك الصندوق..............
تملكني فضول ممزوج بحيرة لم يسبق لها مثيل ، ماذا سأجد مثلا في هذا الصندوق ، أرسالة من أبي ، أم صورة تجمع كل عائلتنا ، أهو ذكرى منه و أي ذكرى ؟ تجمدت يداي و ضاق في التنفس ، أحسست لبرهة أن العالم توقف ، لكن استجمعت قواي و فتحته و اذا بي أجد أشياء قديمة جدا غطاها الغبار ،دبوس شعر،، لا بد انه لوالدتي، كتاب قديم كل اوراقه اصبحت صفراء، مفتاح ، لا أدري ما يستطيع فتحه ، قارورة زجاجية صغيرة بداخلها ورقة، لابد أنها رسالة من والدي العزيز ،،
أسرعت فأخرجت تلك الورقة من القارورة الزجاجية، فاذا بظني يصدق،، نعم انها رسالة من والدي فبدأت بقرائتها،
"الــى زوجتي الغالية، أطفالي الاعزاء،،
ها أنا ذا أكتب لكم هاته الرسالة،، لعله يأتي يوما ويقرأها أحدكم،ربما يشاء القدر ان لا استطيع رؤيتكم مجددا لكني اريدكم ان تعلمو انكم كنتم اهم شيء في حياتي كلها وقد عملت جاهدا لارضائكم واسعادكم لكن ماريدكم ان تعرفوه هو انني كنت احضر لعائلتي العزيزة مفاجاة لكن ربما لا استطيع اكمالها .......فاصبت بدهشة و امتلئت عيناي بالدموع ثم تمالكت نفسي و قررت اكمال رسالة والدي لاعلم ماهي هذه المفاجاة.......لقد كنت ابني منزلا منذ ان رزقت باول مولود لي لكن مصاعب الحياة وتكاليفها لم تمكنني من انهائه في الوقت المحدد فقد كنت اعمل عليه ببطء شديد والان قارب على المنزل الاكتمال وبما انني الان في سجن العدو لم استطيع تكملته وهذا المنزل متواجد بجانب المسجد الكبير بوسط المدينة والمفتاح المتوجد بالصنوق هو مفتاح البيت ومااريدكم ان تعرفوه هو ان في هذا البيت توجد حديقة صغيرة ماريده منكي زوجتي العزيزة هو ان تحفري بجانب شجرة التين ستجدين مبلغا من المال لعله يفيدك انت وابنائي في تكملة بناء هذا المنزل.... في تلك اللحظة، اقشعر بدني وسالت دموع حارة من عيني ،، انتابني شعور لم أعرف تفسيرا له،، حزن و اسى على والدي ، وأمل في حياة افضل لي ولإخوتي..وامل في ظهور أبي وخروجه من السجن مجددا ويلتم شمل العائلة ,ياله من شعور .. كنت أحن لصوت وصورة والدي الذي لم أتذكره فقد كنت صغيراا جدا عندما ذهب للجيش .. ولكن سرعان ما نهظت ومسحت عني دموع الحزن تلك..و حمدت الله سبحانه على هذه النعمة ، فرغم المأساة التي عرفتها منذ نعومة أظافري ، كان أملي في خالقي عز وجل كبيرا ، وها هو اليوم قد أجاب دعائي وأحسن بي و بإخوتي ..وربما بأبي أيضًا
ثم أعدت تلك الأغراض الى الصندوق وأغلقته و دعوت لوالدي بالنصرة والعودة إلينا سالما غانما . ثم شكرت ذلك الشخص الطيب الأمين و و عدني بالبحث عن والدي و إرجاعه إلينا ، وهممت بالخروج عائدا الى المنزل الذي أقطن فيه ،كان وقت الغروب، خبأت الصندوق في مكان آمن ثم خلدت للنوم..............................