التاريخ الاسلامي - الصفحة 5 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التاريخ الاسلامي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-03-18, 15:34   رقم المشاركة : 61
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع

الحاكم بأمر الله

أحمد بن الحسن

(661 - 701 هـ)



هو الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن الحسن بن علي الضبي ابن الخليفة المسترشد بالله ابن الخليفة المستظهر بالله. كان قد اختفى عندما سقطت بغداد بيد التتار فلما خفّ الطلب وانخفضت موجة التدمير التتاري هرب مع جماعة من أنصاره، وسار إلى عرب بني خفاجة فأقام عندهم مدةً، ثم سار إلى دمشق وأقام عند عيسى بن مهنا زمناً فطلبه الملك الناصر صاحب دمشق غير أن هجوم التتار قد كف عنه الطلب فلما جاء الملك المظفر إلى دمشق أرسل في طلبه الأمير قلج البغدادي فالتقى به وبايعه بالخلافة، ودعاه الظاهر بيبرس للسير إلى القاهرة وقد همّ بذلك غير أن أحمد أبا القاسم ابن الخليفة قد سبقه مما اضطره أن يعدل الرأي في السير إلى القاهرة وأن يتوجه إلى حلب حيث بويع هناك بالخلافة، وقد جهّزه صاحب حلب، وأرسل معه فرقة لقتال التتار وانقاذ بغداد منهم، وتلقّب بالحاكم بأمر الله وسار إلى عانة والحديثة والتقى بالخليفة المنتصر الذي بويع في القاهرة ، وتنازل له لأنه أصغر منه سناً، وقاتل تحت رايته والتقيا مع التتار في معركةٍ قتل فيها الخليفة المستنصر أحمد أبو القاسم، ونجا أحمد أبو العباس هذا مع عددٍ قليلٍ فاتجه إلى الرحبة، ومنها إلى عيسى بن مهنا فراسل الظاهر بيبرس فيه فطلبه فسار إلى القاهرة، ومعه ولده، ومجموعة من أتباعه، فأكرمه الظاهر بيبرس، وأنزله بالبرج الكبير بالقلعة وخطب بمسجدها عدة مرات. وبعد أن أثبت نسبه بايعه السلطان وقاضي القضاة والعلماء وبقية الناس، وذلك في مطلع عام واحد وستين وستمائة (الثامن من محرم)، فبقي المسلمون سنةً بلا خلافة من عام (660 - 661)، كما مرت عليهم مدة ثلاث سنوات بلا خلافة (656 - 659) أي منذ سقوط بغداد بيد التتار إلى قيام خلافة المستنصر بن الظاهر بالقاهرة.

بقي اللقب الذي اختاره الخليفة لنفسه وهو "المتوكل على الله" كما هو لم يغيره، واستبقى الملك الظاهر بيبرس الخليفة في القاهرة، ولم يعد يفكر بإرساله إلى بغداد لقتال التتار واسترجاع بغداد كحاضرة للعباسيين، وإنما أراد تقوية مركز الخلافة بالقاهرة بوجود الخليفة فيها، وليس هو إلا رمز تقوى به السلطة، ويدعمه السلطان، ويقوى به أهل السنة أيضاً، وتعود إلى المسلمين خلافتهم ويقوى سلطانهم بالتفافهم حول الخليفة الذي هو رمز السلطة الإسلامية، وتكتسب الدولة المملوكية الصفة الشرعية، ويعظم نفوذها، وتزاد أهميتها لدى الدول الإسلامية الأخرى، وبالفعل فقد أصبح المماليك محط أنظار المسلمين وأقوى دولة لهم في تلك الحقبة من التاريخ.

وإلى جانب الخلافة العباسية في القاهرة أعلنت الدولة الحفصية في تونس وتنتسب هذه الدولة إلى أبي حفص يحيى بن عمر الهنتاني شيخ قبيلة هنتانة أحد بطون مصمودة التي قامت دولة الموحدين على جهودها، وكان أبو حفص أحد دعاة المهدي بن تومرت، وقد عين والياً على تونس، وخلفه في الولاية ابنه عبد الواحد عام 602 الذي تزوج أخت الأمير الموحدي المنصور، وقام من بعده ابنه أبو زكريا، فلما هزم الموحدون أمام نصارى الأندلس في معركة العقاب عام 609، وضعف نفوذهم في المغرب والأندلس أعلن أبو زكريا بن عبد الواحد الحفصي استقلاله بتونس عام 626، وخلفه ابنه أبو عبدالله عام 647 فأعلن نفسه خليفةً للمسلمين عندما سقطت بغداد بيد التتار عام 656، وبايعه على ذلك شريف مكة ادريس، وتلقّب الخليفة الحفصي باللقب نفسه الذي تلقّب به الخليفة العباسي بالقاهرة.

إن مركز الخليفة بالقاهرة قد قوّى دولة المماليك، أو أن الملك الظاهر بيبرس قد دعّم دولته بشكلٍ قويٍ ورسّخ أركانها، وفي عام 667 حج الظاهر بيبرس وأزال أنصار الحفصيين في مكة، وبسط نفوذه في الحجاز، وتقرّب من العلماء، وبنى المدارس والمكتبات وتزعم العالم الإسلامي.

وإذا كان صاحب حمص الملك الأشرف موسى الأيوبي وصاحب حماه الملك المنصور الأيوبي قد أعلنا ولاءهما للظاهر بيبرس إلا أن المغيث عمر بن الملك العادل بن الملك الكامل صاحب الكرك كان يرى نفسه أحق بالسلطنة وبحكم مصر من المماليك، وبقي يعمل لذلك، واستطاع بيبرس دعوته إلى معسكره في بيسان فاستجاب له وسار إليه فقبض عليه، ودخل الكرك وعيّن عليها والياً من قبله عام 661، وبذا صفا له الوضع في بلاد الشام.

وإذا كان الصليبيون قد خفّ أثرهم، ولم يعد بإمكانهم إرسال حملات جديدة إلى ديار المسلمين لأنهم يئسوا من إحراز النصر، وانقطع أملهم في تحقيق أي هدف لهم بعد أن وجدوا كلمة المسلمين تميل إلى الوحدة، ولم يكن لدعم النصارى في المشرق والذين يعيشون في كنف المسلمين منذ مدة ليست قصيرة كبير فائدة، غير أن الظاهر بيبرس كان يخافهم لوجودهم في بلاد المسلمين، ولم يأمن مكرهم في أي وقتٍ من الأوقات، كما لم يأمن مكر التتار الذين خفّت هجمتهم الشرسة عما كانت عليه أيام جنكيزخان وهولاكو غير أن شرّهم لا يزال قريباً، ومتوقعاً في كل وقت لذا فقد عمل السلطان الظاهر بيبرس مع الجهات الثانية وإن كانت ذات ضررٍ لكنه أقل من شرّ التتار والصليبيين، لقد تحالف مع امبراطور الدولة البيزنطية ميخائيل الثامن باليولوج وأرسل له وفداً وهدايا وذلك عام 660، كما حالف امبراطور الدولة الرومانية الغريبة، وملك صقلية ونابولي منفرد بن فريدريك الثاني، وهو هنشتافن، وأرسل له وفداً برئاسة جمال الدين بن واصل، وكانت لا تزال في صقلية آنذاك بعض المدن الإسلامية، ويبدو من هذه التحالفات أن القصد منها عدم دعم الصليبيين وعدم العمل لإرسال حملاتٍ صليبيةٍ جديدةٍ.

كما تحالف السلطان الظاهر بيبرس مع بركة خان أمير التتار في شمال بلاد القفجاق والسهولة الشمالية وهو أول التتار الذين أسلموا من القبيلة الذهبية(1)، وكانت حاضرتها مدينة سراي(2) على نهر الفولغا مكان ستالينغراد اليوم، وتزوج الظاهر بيبرس ابنه بركة خان، وشجّعه للعمل ضد ابن عمه هولاكو، وكانت خصومات بينهما، ويبدو أن القصد من هذا التحالف إنما هو ضد هولاكو.

وتوفي الخليفة الحاكم بأمر الله في مطلع جمادى الآخرة عام 701 وبويع من يعده لابنه سليمان أبي الربيع، ولُقّب بالمستكفي بالله. وكانت مدة خلافة المتوكل على الله أربعين سنة.

___________________

(1) أسسها أباتو بن جوجي بن جنكيزخان، وتسلّم أمرها بركة خان 654 - 665.

(2) سراي : تقع شرق ستالينغراد على الضفة اليسرى لنهر الغولفا
المستكفي بالله

سليمان بن أحمد الحاكم بأمر الله

(701 - 736 هـ)



هو أبو الربيع سليمان بن أحمد الحاكم بأمر الله، ولد في الخامس عشر من شهر المحرم عام أربعة وثمانين وستمائة، وبويع بالخلافة بعهد من أبيه في الثامن عشر من جمادى الأولى من عام واحد وسبعمائة، في اليوم الثاني من وفاة أبيه.

وفي عهده فتحت جزيرة أرواد على ساحل بلاد الشام مقابل مدينة انطرطوس (طرطوس اليوم)، وأنقذت من أيدي الصليبيين، وهي آخر مواقعهم في بلاد الشام.

وجاءت الأخبار في شهر رجب بعزم التتار على دخول بلاد الشام، فاستعد السلطان الناصر محمد بن قلاوون للخروج من مصر والتوجّه إلى الشام لحرب التتار، وفي النصف الثاني من شهر شعبان من العام نفسه (702) بدأت الأمراء تصل من مصر، وبدأت أفواج التتار تتدفق نحو بلاد الشام، وفر الجيش من حلب ومن حماه نحو دمشق، ووصل التتار إلى حمص وبعلبك، والتقى شيخ الإسلام ابن تيمية مع جند حماه الفارين في القطيفة.

وخرجت العساكر الشامية من دمشق في 24 شعبان، وعسكرت بناحية الكسوة، وذلك ليجنبوا مدينة دمشق الخراب والاعتداء على الأطفال والعجزة من الرجال وسبي النساء، ولأن المرج كان كثير المياه يومذاك لا يصلح للقتال. وجاءت الجيوش من مصر والتقت مع أهل الشام بناحية الكسوة، وعلى رأس هذه الجيوش الخليفة المستكفي والسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وفي يوم السبت الثاني من شهر رمضان التقت هذه الجيوش مجتمعة في مرج الصُّفُّر، وطُلب من أهل دمشق حماية الأسوار وحفظ الأمن، والتشبُّث بالقلعة.

أما التتار فقد وصلوا إلى قارة ومنها انتقلوا إلى القطيفة، وعندما اقتربوا من دمشق تركوها من يمينهم وتحركوا نحو الكسوة حيث الجيش المملوكي بانتظارهم، ولم يتعرضوا للمدينة أبداً وإنما رغبوا في قتال الجند فقد رأوا أنهم إن أحرزوا النصر فإن المدينة في قبضتهم ويفعلون بها وبأهلها ما يشاءون، وإن هزموا فلا حاجة لهم بالمدينة وليس من الضرورة ترك جنودهم يمرحون في المدينة ويفقدون عزيمة القتال، وربما إذا اتجهوا إلى دمشق تبعهم الجند الذين هم في مرج الصفر وجعلوهم بين نارين نار أهل البلد من الداخل ونار الجند من الخلف.

واحتدمت المعركة بعد ظهر السبت وثبت الخليفة كما ثبت السلطان، وانتهت بهزيمة التتار الذين فروا إلى أعالي التلال، ثم فروا، ورجع الناس من القتال إلى دمشق يوم الاثنين في الرابع من شهر رمضان، وفي اليوم الثاني (الثلاثاء) دخل السلطان دمشق، وعرفت تلك المعركة باسم معركة "شقحب" حيث دار القتال، وهي في الطرف الشمالي من مرج الصُّفَّر، ولا يزال الاسم معروفاً إلى الآن، وتقوم مزرعة اليوم هناك تحمل هذا الاسم.

وسارت حملة إلى بلاد النوبة عام 704، وانتصرت على النوبيين الذين نقضوا العهد مع المسلمين، وبدؤوا في اعتداءاتهم، وكرروا ما قاموا به عام 670 عندما أغار الملك داود ملك النوبة على أسوان، وهذا ما أجبر المسلمين إلى حربهم واحتلال جزءٍ من أرضهم أيام الظاهر بيبرس عام (674)، وعُقدت معاهدة جديدة بين الطرفين.

وفي عام 708 خرج السلطان الناصر محمد بن قلاوون قاصداً الحج فمرّ على الكرك، ونصب له جسر على وادٍ فانكسر به، ولكنه نجا، فأقام بالكرك، واعتزل السلطة، وكتب إلى القضاة بمصر يعلمهم اعتزاله وكذا قضاة الشام، فبويع الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالسلطنة في الثالث والعشرين من شهر شوال، ولقب بالملك المظفّر، غير أن الناصر محمد رجع يطلب العودة إلى الملك في رجب عام 709، ووافقه جماعة من الأمراء فدخل دمشق في شهر شعبان، وسار بعدها إلى مصر فدخلها في شهر رمضان وفرّ المظفر ركن الدين بيبرس من قلعة الجبل في أواخر شهر رمضان فدخلها الناصر في عيد الفطر، وقُبض على المظفر وقتل، وهكذا عاد الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطنة للمرة الثالثة.
الواثق بالله

إبراهيم بن محمد أحمد الحاكم بأمر الله

736 -741



هو إبراهيم بن محمد المستمسك بأمر الله بن الحاكم بأمر الله .

كان الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن أبي على الحسن قد عهد بالخلافة لابنه محمد، ولقبه بالمستمسك بأمر الله غير أنه قد مات في حياة أبيه وعطفاً من الجد على ولد ولده فقد عهد إليه بالخلافة ظناً منه أ،ه يصلح لها، ولكنه لم يلبث أن وجده منهمكاً في اللعب، منصرفاً إلى صداقة الأرذال لذا فقد عدل عنه، وعهد إلى ابنه أبي ربيع سليمان الذي تكلمت عنه، وتولى الأمر أبو ربيع سليمان وتلقب باسم المستكفي، غير أن إبراهيم هذا لسوء في طباعه كان يمشي بالنميمة بين عمه المستكفي وبن السلطان الناصر محمد بن قلاوون وهذا ما أدى إلى الوقيعة بين الاثنين بعد أن كانا كالأخوين وقبض السلطان على الخليفة المستكفي ونفاه وأهله إلى قوص، وقد بقي فيها حتى توفي عام 740 وقد عهد قبل وفاته إلى ابنه أحمد.

أما السلطان الناصر أحمد بن قلاوون فمذ نفى الخليفة بايع إبراهيم هذا باسم الواثق بالله، ولم ينظر إلى عهد المستكفي، ولما حضرت الوفاة ندم على ما فعل لان الواثق بالله لم يكن أهلاً للخلافة فأوصى بعزله، ومبايعة أحمد بن سليمان المستكفي وتم ذلك في غرة شهر المحرم من عام اثنين وأربعين وسبعمائة، ولقب أحمد هذا باسم جده الحاكم بأمر الله كما كني بكنيته أبي العباس.

توفي الناصر محمد بن قلاوون في ذي الحجة من عام 741 بعد أن أوصى بخلع الخليفة إبراهيم وبيعة أحمد بن المستكفي.









 


رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:39   رقم المشاركة : 62
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع

الحاكم بأمر الله

أحمد بن سليمان المستكفي

(742 - 753 هـ)



هو أحمد بن الخليفة المستكفي سليمان، ويُكنّى بأبي العباس، ويُلقّب بالحاكم بأمر الله على كنية ولقب جده. وقد تولّى الخلافة في مطلع شهر المحرم من عام 742، إذ أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون قد أوصى بذلك، وكان الخليفة المستكفي قد عهد بالخلافة من بعده لابنه أحمد هذا إذ لم يعترف بخلعه وبيعة ابن اخيه إبراهيم.

ولما تولى أمر السلطنة المنصور سيف الدين أبو بكر بن السلطان الناصر عقد مجلساً يوم الخميس الحادي عشر من شهر ذي الحجة سنة 741، وطلب الخليفة إبراهيم وولي عهد المستكفي أحمد والقضاة، وقال : من يستحق الخلافة شرعاً ؟ فقال ابن جماعة : إن الخليفة المستكفي المتوفى بمدينة قوص أوصى من بعده بالخلافة لولده أحمد، وأشهد عليه أربعين عدلاً بمدينة قوص، وثبت ذلك عندي بعد ثبوته عند نائبي بمدينة قوص، فخلع السلطان حينئذٍ إبراهيم، وبايع أحمد، وبايعه القضاة. وكان لقبه "المستنصر" ثم لقب "الحاكم".

ومات الخليفة الحاكم بأمر الله في منتصف عام 753 بمرض الطاعون.
المعتضد بالله

أبو بكر بن سليمان المستكفي

(753 - 763 هـ)



هو أبو بكر بن الخليفة سليمان المستكفي، يُكنّى بأبي الفتح، ويُلقّب بالمعتضد بالله، بويع بالخلافة بعد موت أخيه الحاكم بأمر الله سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، وبقي في الخلافة مدة عشر سنوات إذ توفي عام ثلاثة وستين وسبعمائة في شهر جمادى الأولى، وكان خيّراً، متواضعاً، محباً لأهل العلم.

وقد خلع السلطان الصالح صلاح الدين صالح عام 755 وأعيد الناصر حسن، وبقي في السلطنة مدة سبع سنوات ثم قتل عام 762، وأعطي السلطنة ابن أخيه المنصور محمد بن المظفر أمير حاج، ولم تمر عليه سوى سنتين حتى خلع.

المتوكل على الله

محمد بن أبي بكر المعتضد بالله

(763 - 785 هـ)



هو محمد بن أبي بكر المعتضد بالله، يُكنّى بأبي عبدالله، ولي الخلافة بعهد من أبيه بعد موته في جمادى الأولى من عام 763، واستمرت أيامه مدة اثنتين وعشرين سنة خلع بعدها وتولى الخلافة اثنان من ابناء عمومته، وهما الواثق بالله بن الواثق بالله ابراهيم، وأخوه المستعصم بن الواثق بالله ابراهيم، ثم أعيد المتوكل على الله عام 791 وتولى أمر الخلافة مدة سبعة عشر عاماً أي كانت السنوات التي تولى فيها الخلافة تسعاً وثلاثين سنة.

وقد حدث في عهده خلع المنصور محمد عام 764 وتولية السلطنة إلى ابن عمه الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون. وفي عام 767 استولى الفرنجة ومعهم ملك قبرص على الاسكندرية، وذلك أن الحروب الصليبية لم تنته بطرد الصليبيين من عكا عام 690 والانتهاء منهم من كل بلاد الشام أيام الأشرف صلاح الدين خليل بن المنصور قلاوون، ثم طردهم من جزيرة ارواد عام 702 أيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وإنما استمرت الحروب الصليبية لأن كثيراً من الصليبيين قد لجؤوا إلى جزيرة قبرص بعد طردهم من بلاد الشام، واتخذوا هذه الجزيرة مستقراً لهم، وأخذوا يقومون بالإغارة على بلاد المسلمين كلما وجدوا الفرصة سانحةً لهم، وكانت أسرة لوزجنان التي حكمت الجزيرة في تلك الآونة تقوم بهذه المهمة، وقد تولى أمر هذه الأسرة وحكم الجزيرة عام 760 بطرس الأول، وقد زار غربي أوروبا، ودعا البابا وملوك أوروبا لمساعدته للقيام بحربٍ ضد المسلمين، فحصل على بعض التأييد وسار مع من جاءه من الصليبيين واحتلوا الاسكندرية.

وفي عام 778 قتل الأشرف شعبان، وسُلّمت السلطنة إلى ابنه المنصور علي فبقي في أمره حتى توفي عام 783، وتسلّم الأمر من بعده أخوه الصالح حاجي لمدة سنة فخلع بعدها، وأخذ الأمر السلطان الظاهر برقوق، وهو أول المماليك الجراكسة.

أما الخليفة المتوكل فقد أُمر بالخروج إلى مدينة قوص من قبل أمير العساكر أيبك البدري الذي جاء بزكريا بن الخليفة الواثق وأعطاه الخلافة دون بيعة ولا إجماع، فسافر الخليفة إلى قوص ثم رجع إلى بيته وبعد خمسة عشر يوماً عاد إلى الخلافة وازيح زكريا، ولم يستقر في مركز الخلافة سوى خمسة عشر يوماً وذلك في عشرين من شهر ربيع الأول من عام 779.

وفي عام 785 قبض السلطان برقوق على الخليفة المتوكل على الله وسجنه في قلعة الجبل، وخلعه من الخلافة، وبايع الخليفة محمد بن الواثق بالله ابراهيم، ولقّبه بلقب أبيه الواثق بالله، وبقي في الخلافة مدة ثلاث سنوات حيث توفي عام 788، وطلب الناس من السلطان برقوق إعادة المتوكل على الله فلم يقبل، وإنما طلب زكريا أخا الواثق والذي جلس على كرسي الخلافة مدة خمسة عشر يوماً بلا بيعة عام 779، وولاه الخلافة وأُطلق عليه اسم المستعصم بالله، وبقي بالخلافة حتى عام 791 حيث ندم السلطان برقوق على ما فعل، فأخرج المتوكل على الله من السجن، وأعاد إليه الخلافة، وخلع المستعصم بالله الذي لزم بيته حتى مات. واستمر المتوكل على الله في الخلافة حتى عام 808 .

وفي شهر جمادى الآخرة من العام نفسه (791) قُبض على السلطان برقوق، وسُجن في الكرك، وأعيد السلطان الصالح حاجي إلى السلطنة فغيّر لقبه من الصالح إلى المنصور، ولكنه لم يمكث في السلطنة سوى ثمانية أشهر حيث أخرج السلطان الظاهر برقوق من السجن وأعيد إلى السلطنة وخلع المنصور حاجي في شهر صفر من عام 792، وانتهى عهد الأسرة القلاوونية بل انقضى حكم المماليك البحرية وجاء عهد المماليك الجراكسة.
الممَاليك الجَراكِسَة "البرجية"

(792 - 923 هـ)



1- الظاهر برقوق : 9 سنوات 792-801 للمرة الثانية توفي

2- الناصر فرج : 7 سنوات 801-808 ابن برقوق خلع

3- المنصور عبد العزيز : ثلاثة أشهر 808-808 ابن برقوق خلع

أعيد 4- الناصر فرج : 7 سنوات 808-815 للمرة الثانية ابن برقوق قتل

الخليفة خمسة أشهر

5- المؤيد : 9 سنوات 815-824 شيخ الاصطبل توفي

6- المظفر أحمد : عدة أشهر 824-824 ابن المؤيد خلع

7- الظاهر ططر : عدة أشهر 824-824 توفي

8- الصالح محمد : عدة أشهر 824-825 ابن الظاهر ططر خلع

9- الأشرف برسباي : 16سنة 825-841 توفي

10- العزيز يوسف : عدة أشهر 841-842 ابن برسباي خلع

11-الظاهر جقمق : 15 سنة 842-857 توفي

12- المنصور عثمان : أقل من 857-857 ابن الظاهر خلع

شهر ونصف جقمق

13- الأشرف اينال : 7 سنوات 857-865 توفي

14- المؤيد أحمد : أقل من سنة 865-865 ابن الأشرف اينال خلع

15- الظاهر خشقدم : 7 سنوات 865-872 توفي

16- الظاهر بلباي : شهرين 872-872 خلع

17- الظاهر تمربغا : شهرين 872-872 خلع

18- خير بك : ليلة واحدة 872-872 خلع

19- الأشرف قايتباي : 29 سنة 872-901 توفي

20- الناصر محمد : سنة واحدة 901-902 ابن الأشرف قايتباي خلع

21-قانصوه : 902-903 قتل

أعيد22- الناصر محمد : 903-904 للمرة الثانية ابن الأشرف قيتباي قتل

23- الظاهر قانصوه : 904-905 خلع

24- جانبلاط : 905-906 قتل

25- العادل طومان باي : عدة أشهر 906-906 قتل

26- الأشرف قانصوه الغوري : 17 سنة 906-922 قتل

27- طومان باي : أقل من سنة 922-923 قتل



لقد حكم المماليك الجراكسة مصر والشام والحجاز مدة تزيد على إحدى وثلاثين ومائة سنة (792-923)، وتعاقب في هذه المدة أكثر من سبعة وعشرين سلطاناً.

وفي عام 795 دخل تيمورلنك بغداد وهدد المنطقة، فتشكّل حلف من سلطان المماليك الظاهر برقوق، وأمير سيواس، ومغول القفجاق، والعثمانيين ضد تيمورلنك زعيم التتار، وخرج الظاهر برقوق على رأس حملة عام 797 باتجاه بغداد، ومعه أحمد بن أويس صاحب بغداد والذي فرّ منها عند دخول تيمورلنك إليها والتجأ إلى القاهرة، فسار برقوق لإعادته إلى عاصمة ملكة، إلا أنه لم يحدث قتال لأن تيمورلنك كان قد ترك بغداد وعاد إلى الشرف فما كان من الظاهر إلا أن رجع هو الآخر.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:41   رقم المشاركة : 63
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع1

المستعين بالله

العباس بن محمد المتوكل على الله

(808 - 815 هـ)



هو العباس بن محمد المتوكل على الله، أبو الفضل، أمه أم ولد تركية اسمها "باي خاتون" بويع بالخلافة بعهد من أبيه، وتولّى، الأمر بعد أن توفي في رجب عام 808.

ولما قتل الناصر فرج عام 815 في أثناء قتاله للمحمودي أضيفت إلى الخليفة السلطنة وذلك في مطلع عام 815 بعد إصرار الأمراء على ذلك، وفوّض الخليفة إلى شيخ تدبير شؤون المملكة، ولقّبه "نظام الملك" ثم سأل شيخ الخليفة أن يفوّض إليه السلطنة فلم يقبل لأن شيخ رفض شرط الخليفة وهو عدم السكن بالقلعة، فأخذ شيخ السلطنة بالقوة وتلقّب باسم "المؤيد" وأعلن خلع الخليفة المستعين، وبايع أخاه داود بن المتوكل على الله.

ولما بلغ نائب الشام "نوروز" بخلع الخليفة جمع القضاة والعلماء وسألهم بما جرى فأجابوا بان هذا الخلع لا يصح، وهذا ما جعل النائب يخلع الطاعة، وأجمع على قتال السلطان المؤيد الذي انتزع السلطنة بالقوة وخلع الخليفة دون ضرورة شرعية. فجمع المؤيد جيشاً وسار إلى الشام لقتاله نائبها، ونقل المستعين إلى الاسكندرية ليسجن هناك، وبقي في السجن حتى عام 824 حيث أخرجه السلطان ططر لكنه فضل بقاء إقامته في الاسكندرية وتوفي عام 833.
المعتضد بالله

داود بن محمد المتوكل على الله

(815 - 845 هـ)



هو داود بن محمد المتوكل على الله، أبو الفتح، أمه أم ولد تركية تدعى "كزل" أعطي الخلافة حين خلع المؤيد أخاه المستعين عام 815.

وفي عهده انطلق السلطان المؤيد إلى الشام لإخضاع نائبها "نوروز" وذلك عام 817، وتمكّن من الانتصار عليه، وبعد تحقيق هدف الحملة تابع إلى أطراف بلاد الشام الشمالية لإعادة تبعية الإمارات التركمانية إلى الدولة المملوكية.

وتوفي السلطان المؤيد عام 824 في شهر المحرم فقلّد السلطنة ابنه أحمد ولُقّب بالمظفر، وأعطي الأمير "ططر" تدبير شؤون المملكة، وبعد مرور سبعة أشهر أي في شهر شعبان قبض "ططر" على السلطان المظفر وخلع، وتسلّم هو مقاليد السلطة، فقلّده الخليفة السلطنة، وتلقّب باسم الظاهر، وكان عمله أن أخرج الخليفة السابق "المستعين بالله" من سجن الاسكندرية، وسمح له بالعودة إلى القاهرة، ولكن المستعين فضل الإقامة في الاسكندرية، وبدأ يعمل في التجارة حتى توفي عام 833.

ولم تمض سوى أربعة أشهر حتى توفي الظاهر ططر في شهر ذي الحجة من العام نفسه (824)، فقلّد الخليفة أمر السلطنة لابن ططر محمد، وقد اختار لنفسه لقب "الصالح"، وجعل شؤون المملكة للأمير "برسباي".

وبعد أربعة أشهر أي من شهر ربيع الثاني من عام 825 خلع الأمير برسباي من السلطنة الصالح ابن ططر، وتسلّم شؤونها، وقلّده الخليفة أمرها، فاتخذ لقب الأشرف.

أرسل الأشرف برسباي حملةً استطلاعيةً إلى جزيرة قبرص وقد اتجهت إلى ميناء "ليماسول" وذلك عام 827 كردٍ على الحملات التي قام بها ملوك تلك الجزيرة على الاسكندرية ودمياط في أثناء اشتداد حملات تيمورلنك على بلاد الشام، فلما تصدعت دولة تيمورلنك بعد وفاته، قام السلطان الأشرف برسباي بهذا الردّ، وفي العام التالي 828 أرسل حملةً ثانيةً وكانت جهتها في هذه المرة إلى مدينة "فاما غوستا"، وقد أحرزت النصر، ومكثت أربعة أيام ثم اتجهت إلى مدينة "ليماسول" وتمكنت من فتحها بعد جهد، ثم رجعت الحملة إلى مصر.

وبعد عام خرجت حملة جديدة سارت نحو "ليماسول" ففتحها، ثم اتجهت نحو الداخل فالتقت بجيشٍ كبيرٍ يقوده ملك قبرص "جانوس" بنفسه فجرت معركة طاحنة بين الفريقين انتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً، وأسروا الملك، وحملوه معهم، وساروا نحو نيقوسيا ... ثم رجعوا إلى مصر والملك معهم أسير، وفي القاهرة فدى الملك نفسه ووافق على أن تكون قبرص تابعة لدولة المماليك، وبقيت بعدها كذلك مدة بقاء الدولة المملوكية وبذا انتهى الأثر الصليبي نهائياً إذ بقي في قبرص بعد طرده من بلاد الشام.

كان تيمورلنك قد توفي عام 808 فتصدّعت امبراطوريته الواسعة التي أسسها، وقام بعده أبنه "شاه رخ"، واستطاع أن يستعيد مدينة سمرقند، ورغب أن يُحسّن علاقته مع دولة المماليك فأرسل إلى برسباي عام 832 وفداً يطلب منه السماح له بكسوة الكعبة، وإرسال بعض الكتب إليه ومنها كتب ابن حجر العسقلاني. ولم يعط الأشرف برسباي جواباً، فأعاد "شاه رخ" الطلب في العام نفسه، ولم يحظ بجواب. وفي عام 839 طلب "شاه رخ" السماح له بزيارة القدس، وجدد الطلب في العام التالي (840) ولم يتلق في الطلبين أي ردّ فاتجه عندها "شاه رخ" لتأليف حلف ضد المماليك من العثمانيين وأمراء التركمان.

وبالنسبة إلى إمارات التركمان على أطراف بلاد الشام، فقد أرسل الأشرف برسباي حملةً إلى إمارة "الشاه البيضاء" عام 833 استطاعت تهديم مدينة الرها، وبدأ بعدها النفوذ العثماني يقوي في تلك الإمارات.

أما بالنسبة إلى جزيرة رودوس القريبة من السواحل التركية فقد غدت عام 710 قاعدةً لفرسان الاستبارية، فعندما انسحب الصليبيون من بلاد الشام أو طردوا عام 690 انتقل هؤلاء الفرسان إلى جزيرة قبرص، وقد لعبوا دوراً مهماً في الحرب الصليبية، ثم انتقلوا إلى جزيرة قبرص، وقد لعبوا دوراً مهماً في الحرب الصليبية، ثم انتقلوا إلى جزيرة رودوس إتخذوها قاعدةً لهم، وعندما غزا الأشرف برسباي قبرص، وأخضعها لنفوذ المماليك خشي الاسبتاريون من ذلك، فأسرع فلوفيان أمير الاسبتاريين وأرسل الهدايا للسلطان برسباي الذي كان في نيته غزو رودوس لكن عهده لم يطل إذ توفي في شهر ذي الحجة من عام 841. فقلد الخليفة السلطنة إلى يوسف بن برسباي الذي لُقِّب بالعزيز، وجعل شؤون المملكة إلى الأمير جقمق، وبعد ثلاثة أشهر (ربيع الأول 842) خلع جقمق من السلطنة العزير يوسف بن برسباي، وتسلّم هو أمرها، وتلقّب باسم الظاهر، وقلّده الخليفة. وكان عهد برسباي عهد استقرار، وقوة، وغزو ولكن الحالة الاقتصادية كانت متأخرة.

وفي عام 843 أغارت أربع سفن لقراصنة النصارى على مدينة رشيد على الساحل المصري، فاتجهت الشبهة نحو أمراء الاستباريين في رودوس، فجهز الظاهر جقمق حملةً عام 844 وغزا رودوس، وخاصةً أن السلطان العثماني مراد الثاني قد حرّض الظاهر جقمق للقيام بهذا الغزو، وأسرع أمراء الاستباريين إلى أوروبا يطلبون النجدات الصليبية منها.

وفي عام 845 توفي الخليفة المعتضد بالله داود، وكان من سروات الخلفاء، نبيلاً، ذكياً، فطناً، يجالس العلماء والفضلاء ويستفيد منهم، ويشاركهم فيما هم فيه، جواداً، سمحاً للغاية.
المستكفي بالله

سليمان بن محمد المتوكل على الله

(845 - 854 هـ)



هو سليمان بن محمد المتوكل على الله، أبو الربيع، بويع بالخلافة بعهد من شقيقه المعتضد بالله. وكان الظاهر جقمق يعرف حق المستكفي بالله.

وفي عهده سمح الظاهر جقمق لملك التتار "شاه رخ" بكسوة الكعبة عام 847 ثم عاد فنزعها لأن المسلمين وخاصة العوام منهم لم يقبلوا ذلك، وكذلك بعض المماليك لما في تاريخ التتار من سوء وقتال للمسلمين وتهديم لديارهم وهتك أعراضهم، ولم ينس بعد ذلك التاريخ.

وغزا الظاهر جقمق جزيرة رودوس مرتين أيضاً في عهد المستكفي مرةً سنة 847، ومرةً في العام الذي تلا (848)، هذا بالإضافة إلى الغزوة التي تمت في عهد المعتضد عام 844 ولكنه لم يوفق في فتحها وذلك بسبب الدعم الصليبي لهذه الجزيرة بعد استنجاد أمرائها بالبابا وملوك أوروبا.

وثار على الظاهر جقمق أتابك مصر قرقماس الشعباني، ونائب الشام، وقام العبيد بفتنة في منطقة الجيزة، غير أنه تمكّن من القضاء عليها جميعها.

وتوفي الخليفة يوم الجمعة الثالث من شهر ذي الحجة عام 854، وتولّى بعده أخوه القائم بأمر الله.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:42   رقم المشاركة : 64
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع 2

القائم بأمر الله

حمزة بن محمد المتوكل على الله

(854 - 859)



هو حمزة بن محمد المتوكل على الله، أبو البقاء، القائم بأمر الله، بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه الذي لم يعهد بالخلافة إلى أحد من بعده، وهو شقيق المستعين بن المتوكل على الله.

كان شهماً صارماً، أقام أبهة الخلافة مدة حكمه.

توفي الظاهر جقمق في مطلع عام 857، فقلد الخليفة ابنه "عثمان" أمر السلطنة، وحمل لقب المنصور، وكان مدبر شؤون الدولة الأمير "اينال"، وبعد شهر ونصف من تسلّم المنصور السلطنة خلعه الأمير "اينال" وتسلّم مكانه، فما كان من الخليفة إلا أن قلّد "اينال" السلطنة في شهر ربيع الأول من عام 857، وأخذ لقب "الأشرف".

اختلف السلطان "اينال" مع الخليفة "القائم بأمر الله" فقبض السلطان على الخليفة في شهر جمادي الأولى وسجنه في الاسكندرية وبقي فيها حتى مات عام 863، ودفن هناك. ثم بايع السلطان أخا الخليفة الآخر وهو المستنجد بالله.
المستنجد بالله

يوسف بن محمد المتوكل على الله

(889 - 884 هـ)



هو يوسف بن محمد المتوكل على الله، أبو المحاسن، المستنجد بالله، وهو الخليفة الخامس من أبناء المتوكل على الله، ولي أمر الخلافة بعد خلع أخيه القائم بأمر الله.

كان السلطان هو الأشرف اينال إلا أن الاضطرابات قد استمرت عليه طيلة حكمه، وقد توفي عام 865، فقلّد الخليفة من بعده ابنه احمد والذي أخذ لقب "المؤيد"، ولم تمض مدة حتى وثب على المؤيد الأمير خشقدم وخلعه واستبد بالأمر، فقلّده اسم السلطنة في شهر رمضان من العام نفسه، وأخذ لقب الظاهر سيف الدين خشقدم.

استمر السلطان الظاهر خشقدم في السلطنة مدة سبع سنوات وتوفي في شهر ربيع الأول من عام 872، فقلّد الخليفة الأمير "بلباي" الذي أخذ لقب سلفه الظاهر سيف الدين، ولكن لم يلبث سوى شهرين حتى وثب عليه الجند وخلعوه، فقلد الخليفة الأمير "تمربغا" فحمل لقب "الظاهر" أيضاً، وبعد شهرين من تسلّمه السلطنة وثب عليه الجند أيضاً وخلعوه. وأعطيت السلطنة للأمير خير بك مساءً وفي الصباح خلعه الجند. ثم تقلدّ السلطنة الأمير "قايتباي" فأخذ لقب الأشرف فاستقر له الأمر مدة تسعة وعشرين عاماً، وأخذ الأمور بحزم فدانت له، ونتيجة الاستقرار الذي عمّ أيامه فقد انصرف إلى انشاء الطرق، والجسور، والمدارس، والمساجد، كما انصرف إلى الشؤون الخارجية فقد أرسل عدة حملات ضد إمارة (ذو القادر) التركمانية التي تقع على أطراف بلاد الشام بين البلاد التي تدين للعثمانيين والبلاد التي تخضع للمماليك فقد أرسل حملة عام 876 ضد (شاه سوار) زعيم هذه الإمارة، كان السلطان العثماني محمد الفاتح يدعم أمير التركمان هذا ويؤيده، واستطاعت هذه الحملة أن تستولي على "عينتاب" و "أضنه" و "طرسوس"، وأن تأسر (شاه سوار) نفسه وحمل إلى القاهرة، وقد شنق على باب زويله عام 877. وكان قائد الحملة الأمير "يشبك"، قد عيّن الأمير "بوداق" أميراً على دولة (ذو القادر) وهو من الذين يعتمد عليه المماليك ويؤيدونه.

وفي عام 877 قاد الأمير يشبك أيضاً حملة ضد الدولة التركمانية الثانية (الشاه البيضاء) التي كان أميرها آنذاك حسن الطويل وكان قد أغار على ضواحي حلب، وقد تمكن الأمير يشبك من احراز النصر في معركة البيرة على نهر الفرات. وتوفي الأمير حسن الطويل عام 883، وخلفه ابنه يعقوب أمير الرها.

وفي عام 884 توفي الخليفة المستنجد بالله في الرابع عشر من شهر المحرم، بعد أن أصابه الفالج وبقي مريضاً بسببه مدة شهرين، وخلفه ابن أخيه عبد العزيز بن يعقوب.
المتوكل على الله "الثاني"

عبد العزيز بن يعقوب

(884 - 893 هـ)



هو عبد العزيز بن يعقوب بن محمد المتوكل، أبو العز، المتوكل على الله. ولد سنة تسع عشرة وثمانمائة، وأمه تدعى "حاج ملك" بنت أحد الجنود. كان محبوباً بين الخاصة والعامة لما امتاز به من أدبٍ وأخلاقٍ وتواضعٍ، وبشاشة لكل واحد.

تولى خمسة من أبناء المتوكل على الله محمد الخلافة، ولم يليها ابنه السادس يعقوب والد هذا الخليفة، ولما مرض عمه بالفالج، وطال مرضه عهد إليه بالخلافة من بعده، فلما توفي المستنجد بويع بها في يوم الاثنين السادس عشر من شهر محرم من عام 884.

وفي عام 885 قاد الأمير "يشبك" حملة إلى جهات التركمان، فالتقى مع أمير دولة (الشاه البيضاء) فهُزم المماليك، وأُسر "يشبك" وقُتل على شاطئ نهر الفرات. ثم عقد السلطان "قايتباي" صلحاً مع إمارة (الشاه البيضاء).

وتوفي الخليفة عام 893، وعهد لابنه المستمسك بالله.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:44   رقم المشاركة : 65
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 تابع 2

المتوكل على الله "الثاني"

عبد العزيز بن يعقوب

(884 - 893 هـ)



هو عبد العزيز بن يعقوب بن محمد المتوكل، أبو العز، المتوكل على الله. ولد سنة تسع عشرة وثمانمائة، وأمه تدعى "حاج ملك" بنت أحد الجنود. كان محبوباً بين الخاصة والعامة لما امتاز به من أدبٍ وأخلاقٍ وتواضعٍ، وبشاشة لكل واحد.

تولى خمسة من أبناء المتوكل على الله محمد الخلافة، ولم يليها ابنه السادس يعقوب والد هذا الخليفة، ولما مرض عمه بالفالج، وطال مرضه عهد إليه بالخلافة من بعده، فلما توفي المستنجد بويع بها في يوم الاثنين السادس عشر من شهر محرم من عام 884.

وفي عام 885 قاد الأمير "يشبك" حملة إلى جهات التركمان، فالتقى مع أمير دولة (الشاه البيضاء) فهُزم المماليك، وأُسر "يشبك" وقُتل على شاطئ نهر الفرات. ثم عقد السلطان "قايتباي" صلحاً مع إمارة (الشاه البيضاء).

وتوفي الخليفة عام 893، وعهد لابنه المستمسك بالله.
المستمسك بالله

يعقوب بن عبد العزيز المتوكل على الله

(893 - 914 هـ)



هو يعقوب بن عبد العزيز المتوكل على الله، بويع بالخلافة بعهد من أبيه عام 893، وفي عهده توفي الأشرف قايتباي عام 901 وكان قد تنازل لابنه محمد قبل موته بيوم واحد، فقلّد ابنه محمد السلطنة، فتقلّب باسم الناصر، غير أنه لم يلبث أن عزل بعد عدة أشهر إذ كان صغيراً لم يزد عمره على الأربع سنوات، فقلّد الخليفة الأمير قانصوه، غير أن الجند قد وثبوا عليه وقتلوه بعد مرور سنة على تسلمه السلطنة، وأعيد الناصر محمد بن قايتباي ثم لم يلبث أن قتل بعد أشهر من إعطائه السلطنة، وقام الظاهر قانصوه خال السلطان قانصوه الذي قتل قبل إعادة الناصر محمد بن قايتباي، لكنه عزل بعد اشهر أيضاً، وقام بأمور الدولة الأمير "جان بلاط" فقلّده الخليفة وأخذ لقب الأشرف.

أعلن نائب الشام الأمير "قوصروه" العصيان فأرسل له الأشرف "جان بلاط" حملة بقيادة الأمير "طومان باي" ومعه الأمير "قانصوه الغوري"، ولما وصل "طومان باي" إلى الشام اتفق مع الأمير "قوصروه" على الغدر بالأشرف "جان بلاط" والسير إلى مصر معاً، وقتال "جان بلاط"، وتعيين "طومان باي" سلطاناً، وزحفوا فعلاً على مصر، وقبضوا على "جان بلاط"، وخنقوه بالاسكندرية، وأعلنوا تعيين "طومان باي" سلطاناً باسم الملك العادل، كما عينوا الأمير "قوصره" أتباكاً للجند. لكن العادل "طومان باي" لم يلبث أن غدر بصديقه "قوصروه" وقتله. وبدأت مرحلة من الظلم، فنفر الجند من العادل وبدؤوا يتآمرون عليه فهرب واختفى عن الأنظار.

اتجهت الأنظار إلى الأمير "قانصوه الغوري" لتعيينه سلطاناً، فهو كبير السن إذ يقال : إنه من مواليد 850، وكان مملوكاً للأشرف قايتباي ثم اعتقه بعد أن أظهر شجاعةً فائقةً، وجعله من خاصة أتباعه، وعيّنه عام 886 حاكماً للوجه القبلي، ونائباً على طرسوس، وحاجب الحجاب في حلب عام 894، فلما عرضت عليه الإمارة رفض ذلك وبكى، إذ لاحظ ما آل إليه أمر المماليك وقتل بعضهم لبعض، غير أنهم أصروا على تعينه فاشترط دعمه وعدم التآمر عليه فوافقوا على ذلك. وقلّده الخليفة السلطنة في شوال عام 906، وكان قد قارب الستين من العمر، وتلقّب باسم الأشرف، وكانت كنيته أبا النصر.

تابع الأشرف قانصوه الغوري السلطان العادل طومان باي حتى قبض عليه حيلة‌ً وقتله، وعين في الدولة المراء الذين يثق بهم، وحصّن الاسكندرية ورشيد، وأصلح القلعة، وحفر الترع، وأكثر من المماليك واعتنى بهم. ووطد الأمن والاستقرار.

وفي عهده أغار الاسبتاريون من رودوس على مصر عام 914، فردّهم.

ووصل البرتغاليون الصليبيون إلى سواحل بلاد العرب، ودخلوا إلى البحر الأحمر، فجهز السلطان الأشرف قانصوه الغوري حملةً جعل قيادتها لحسين الكردي وسلّمه نيابة جده، فأبحرت من السويس عام 911، واستطاعت أن تهزم البترغاليين على الشواطئ الهندية عام 914، وأن تغنم غنائم كثيرة.

وفي عام 914 شعر الخليفة بالتعب فتنازل لابنه محمد، وبقي حتى دخل العثمانيون مصر عام 923، وقد نقل ابنه إلى حاضرة العثمانيين. أما هو فلم ينقل لكبر سنه، وبقي حتى توفي عام 927.
المتوكل على الله "الثالث"

محمد بن يعقوب المستمسك بالله

(914 - 923 هـ)



هو محمد بن يعقوب المستمسك بالله، تنازل له أبوه عن الخلافة عام 914، وبقي حتى تنازل للسلطان العثماني سليم الأول، وبذا يكون آخر خلفاء بني العباس، وانتقل إلى استانبول مع السلطان العثماني بناءً على رأي الخليفة الجديد سليم الأول، وبعد مدة سمح له بالعودة إلى مصر، وبقي فيها حتى توفي عام 950.

وفي عهد الخليفة المتوكل على الله "الثالث"، كان السلطان المملوكي الأشرف قانصوه الغوري. وقد حدث أن أغار الصليبيون الاسبتاريون على مصر عام 915 ولكنهم هزموا، وأعادوا الغارة عام 916، وقتلوا "محمد بيك"، فكان لذلك الأثر الكبير على نفسية الغوري حتى أنه قبض على رهبان كنيسة القيامة في القدس ووبخهم. وفي عام 917 أغاروا على سواحل البرلس فداهمه حامد المغربي، وهزمهم، وأسر مائتين منهم وساقهم إلى القاهرة.

أما بالنسبة إلى البرتغاليين فقد هزم الاسطول المملوكي في معركة "ديو" قرب السواحل الهندية بعد الانتصار الذي أحرزه في العام السابق 914، وعاد حسين الكردي إلى مصر بعد غياب سبع سنوات فوصل إلى السويس عام 918، واستطاع البرتغاليون الاستيلاء على شبه جزيرة كوجرات في الهند، ودخلوا إلى البحر الأحمر، وحاصروا ميناء سواكن. فأبحرت حملة من السويس بقيادة حسين الكردي أيضاً عام 921، وفيها سلمان العثماني معاوناً لحسين الكردي وفي رجب من عام 922 اختلف سلمان العثماني وحسين الكردي فقتل الأول الثاني منهما. وفي هذه الأثناء بدأ العثمانيون يتحركون في الشمال.

أما بالنسبة إلى الدولة الصفوية التي قامت في تبريز في اذربيجان فقد كانت علاقتها سيئة مع المماليك إذ قامت على فكر شيعي معاد للإسلام من أهل السنة الأقل، وقد استطاع اسماعيل شاه الصفوي عام 916 أن يدخل بغداد، ويخلصها من ملكها مراد خان بن يعقوب بن حسن الطويل التركماني، ففر مراد خان والتجأ إلى مصر.

وفي العام نفسه (916) أرسل اسماعيل الصفوي رسلاً من قبله إلى بعض ملوك الفرنجة يحرّضهم على غزو مصر، وقتال الغوري، وخاصة أن صلةً كانت بين الصفويين والبرتغاليين والمماليك يومذاك ألد أعداء البرتغاليين، وهم الذين وقفوا في وجههم ودخلوا معهم في حروب طاحنةٍ. وأراد البرتغاليون يومذاك الإفادة من الخلاف القائم بين الصفويين لتشيّعهم وبقية المسلمين في المنطقة، وقد وجدوا ضالتهم في الصفويين الذين استجابوا لهذه الرغبة وعملوا على التحرك باتجاه الغرب.

وفي العام نفسه (916) انتصر الصفويون على التتار وقتلوا ملكهم "أوزبك خان" وابنه، وفي سبيل تهديد المماليك أرسل الشاه اسماعيل الصفوي رأس "اوزبك خان" ورأس ابنه ضمن علبة إلى السلطان الأشرف قانصوه الغوري، وبدأ الصفويون يتحركون نحو الغرب، ووصلت طلائع جيوشهم عام 918 إلى "البيرة" على نهر الفرات، شمال بلاد الشام (ضمن الحدود التركية اليوم)، ومع أن القتال أو الحرب الباردة التي كانت دائرةً يومذاك كانت فكريةً بل دينيةً سواء أكانت من ناحية البرتغاليين أم من ناحية الشيعة أصدقاء أو حلفاء البرتغاليين فإن سادة مصر يومذاك لم يحسنوا التصرف وخاصة السلطان الأشرف قانصوه الغوري سيد الموقف في مصر والشام إذ أراد الوقوف على الحياد فكانت النتيجة أن قضي عليه ودالت دولته، وزالت الخلافة العباسية من مصر، وانتقلت أنظار المسلمين من القاهرة إلى استانبول التي أصبحت مركز الخلافة وحاضرة المسلمين وبذا فقد ورثت القاهرة.

وأما بالنسبة إلى الدولة العثمانية فقد كانت العلاقة حسنة بينها وبين دولة المماليك في مصر والشام، وقد ازينت القاهرة عام 857 بأمر من السلطان اينال بمناسبة فتح العثمانيين للقسطنطينية، وكانت القاهرة ترسل وفداً إلى استانبول بعد كل نصر أو عند تولية سلطان. وتعكرت العلاقات بين الدولتين عام 865 عندما وصل السلطان الظاهر سيف الدين خشقدم إلى السلطنة، وفي عام 869 مات أميرا دولتي (ذو القادر) و (قرمان) التركمانيتين فعيّن العثمانيون عليهما أميرين من غير أنصار المماليك. ومع هذا الخلاف الذي بدأ يظهر بين العثمانيين والمماليك فقد فرّ إلى القاهرة الأمير "جم" أخو السلطان العثماني بايزيد الثاني، وفي الوقت نفسه فقد آوت استانبول بعض الأمراء الفارين من مصر والشام.

لقد أرسل السلطان قايتباي حملة ضد إمارة (ذو القادر) عام 876 استطاعت أن تستولي على هذه الإمارة، وأن تأسر أميرها (شاه سوار)، الذي نقل إلى القاهرة حيث أعدم على باب زويلة، وأن تعيّن الأمير بوداق مكانه وهو من الذين يناصرون المماليك. وفي العام التالي انتصر المماليك على حسن الطويل أمير دولة (الشاه البيضاء) في معركة البيرة على نهر الفرات.

لقد ثار ابن (شاه سوار) على عمه (علي دولات) الذي يؤيده المماليك، ودعم السلطان سليم العثماني ابن (شاه سوار) وهاجم علي دولات وهذا ما وطد الصلة بين المماليك وعلي دولات. وعندما دخل الصفويون بغداد فرّ ملكها من التركمان إلى القاهرة مقر دولة المماليك رغم أن جده حسن الطويل كان قد قاتل المماليك.

لقد اثارت تصرفات الصفويين السلطان سليم الأل العثماني فآثر ترك أوروبا والتوجه نحو الصفويين لقتالهم. ويمكن أن أقول : إن أوروبا كانت تدعم الاسبان والبرتغاليين منذ مدة حتى استطاعوا طرد المسلمين من الأندلس عام 497 وبقيت تدعمهم بعد ذلك، وعندما قام العثمانيون يقاتلون الأوروبيين ويتقدمون من جهة الشرق رأت أوروبا الوقوف في وجه العثمانيين بقوة وقطع المساعدة عن الاسبان والبرتغاليين الذين يقاتلون المسلمين في الأندلس، وعندما وصل البرتغاليون إلى جنوب بلاد العرب ودخلوا الخليج العربي رأوا أن يحركوا الصفويين ضد العثمانيين من الشرق ليخفّ ضغط العثمانيين في أوروبا. فلما اشتد ضغط الصفويين على الشرق العثماني، وتحريض ملوك أوروبا ضد المماليك، ومحاولة نشر الشيعة فضّل السلطان العثماني ترك أوروبا والتوجه نحو الشرق لتاديب الصفويين. واعتقد أن المماليك سيكونون عوناً له في مهمته هذه لأن العثمانيين يقاتلون الصفويين الشيعة أعداء العثمانيين والمماليك معاً. وأن العثمانيين إنما يقاتلون الأوروبيين النصارى الذين يدعمون البرتغاليين الذين يقاتلون المسلمين في الغرب ويريدون دخول البحر الأحمر وتهديد المدينة المنورة ونبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كي يتسلموا القدس. والمماليك يقاتلون البرتغاليين ويدافعون عن بلاد المسلمين فالمصلحة الإسلامية العثمانية والمملوكية واحدة، غير أن العثمانيين عندما عرضوا مشروعهم لقتال الصفويين على المماليك، وقف المماليك على الحياد حسب رأيهم إلا ان الحياد ذاك معناه تقوية الخصوم وهم الصفويون بل والبرتغاليون الذين وراءهم وحلفاؤهم وعندما رأى العثمانيون هزيمة المماليك أمام البرتغاليين كان عليهم أن يقوموا بواجبهم فيقفوا أمام البرتغاليين ولكن المماليك لم يسمحوا لهم بدخول بلادهم للوقوف في وجه البرتغاليين، فأضمر السلطان سليم في نفسه رغبته بالقضاء على المماليك إذ استطاع احراز النصر على الصفويين.

تحرك السلطان سليم العثماني من أوروبا واتجه نحو الشرق لقتال الصفويين غير أن علي دولات أمير دولة (ذو القادر) قد تصدّى لطلائعع الجيش العثماني، ولما كان هذا الأمير من أنصار المماليك لذا اقتنع السلطان العثماني بأن هذا العمل إن هو إلا من تحريض المماليك، فما كان من السلطان العثماني إلا أن داهم التركمان وقتل علي دولات وولي مكانه ابن (شاه سوار)، وتابع نحو الصفويين فانتصر عليهم ودخل عاصمتهم مدينة تبريز عام 920 بعد معركة (جالديران) المشهورة، وبعد هذا النصر بدأ يستعد لقتال المماليك، ولقد ضم السلطان العثماني إليه الجزيرة وإمارة (ذو القادر) إلى الدولة العثمانية عام 921، وبدأ يتصل بنواب المماليك في بلاد الشام.

أحسّ السلطان الغوري بمشروع السلطان سليم فجهّز حملةً وقادها بنفسه وانطلق إلى بلاد الشام، وتوجه شمالاً، وانطلق من حلب إلى مرج دابق في الشمال الغربي من حلب حيث التقى مع السلطان سليم، ورتب السلطان الغوري جيشه فكان في القلب وعلى ميمنته نائب دمشق جان بردي الغزالي وعلى ميسرته نائب حلب خايربيك، وتقدّم للقتال، وأحرز النصر في الجولة الأولى، وحمل العثمانيون ثانيةً، وانضم إليهم نائب حلب خايربيك وبعض الأمراء فنالوا النصر، وقتل الغوري في ميدان المعركة، وتقدم العثمانيون فدخلوا حلب وبقية مدن بلاد الشام دون مقاومة بل أحياناً كثيرة كانوا يستقبلون استقبالاً حاراً حيث ينظر إليهم نظرة احترام على أنهم توغلوا في أوروبا، وضربوا الدولة الصفوية الشيعية، ويرغبون منازلة البرتغاليين الذين يهددون المسلمين بل مقدسات المسلمين أيضاً، وربما كانت هذه من دعايات العثمانيين التي روّجوها وأطلقها أنصارهم لأننا لا نستطيع أن نعد الشعب كان يومذاك يعرف هذه الحقائق، ويدركها تماماً وإن كانت صحيحة، وتابع السلطان سليم العثماني تقدمه حتى مصر فوقف في وجه نائب السلطان الغوري الأشرف طومان باي، وجرت معركة بين الطرفين على أبواب القاهرة هي معركة الريدانية التي قتل بها الأشرف طومان باي ودخل إثرها السلطان سليم القاهرة فبايعه أهلها، وتنازل له آخر خليفة عباسي وهو المتوكل على الله، كما جاء إليه أشرف الحجاز فبايعوه فتسمى باسم خليفة المسلمين وخادم الحرمين الشريفين، وعاد بعدها إلى حاضرة ملكة استانبول بعد أن أخذ معه الخليفة العباسي المتوكل على الله، والصناع المهرة، والتجار. بينما ترك والد الخليفة في القاهرة نتيجة كبر سنة، وفقد بصر. وبذا زالت دولة المماليك، وانتهت الخلافة العباسية من مصر بعد أن دامت 264 سنة (659-923)، وكانت قد انقضت أيامها من بغداد قبل ذلك بأربع سنوات. وهكذا انطوت صفحة من تاريخ الخلافة في القاهرة لتفتح صفحة جديدة من تاريخ الخلافة في استانبول.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:47   رقم المشاركة : 66
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 الدولة العثمانية

منشأ آل عثمان وظهور دولتهم

ظهور آل عثمان.

اعلم أنه لما أغار جنكيز خان سلطان المغول سنة هـ م على بلاد آسيا الغربية آتياً من الشمال خرج سليمان شاه بن قيا ألب من سبط قايي خان وكان نازلا في أواسط آسيا بصحراء ماهان بجهات مرومها جرامع نحو 50 ألفاً من قبيلته وماز زالوا يسيرون يتخيرون المنازل والأعشاب حتى استقروا بجهات أذربيجان وبعد أن أقاموا تلك الجهات نحو ست سنوات هاجم السلاجقة خراسان وخوارزم وفتحوهما فقفل سليمان شاه راجعاً إلى وطنه ولما وصلوا إلى نهر الفرات وأرادوا عبوره غرق سليمان شاه بالنهر المذكور قضاء وقدراً هـ م فأخرجوه ودفنوههـناك عند قلعة جعبر ولا يزال قبره يوجد للآن ويدعى (ترك مزارى) .

وكان لسليمان شاه المذكور أربعة أولاد وهم سنقور زنكي وكون طوغدي وأرطغرل وكوندوز وقع بينهم الاختلاف في الرحلة أو المقام بعد موت والدهم فمنهم من اختار متابعة المسير إلى بلاده ومنهم من فضل البقاء مع أرطغرل الذي قصد بلاد الأناضول مع أربعمائة بيت من قومه منهم نحو 440 فارساً فساروا حتى نزلوا غرباً بجهة سرمهلووياسين وضربوا بها خيامهم ولما كانت تلك الجهات غير موافقة لسكناهم بالمرة أرسل أرطغرل سنة 630 هـ ولده صاروباتي بك إلى سلطان الروم علاء الدين السلجوقي يطلب منه الحماية ويستعطفه في أن يمنح عشيرته بعض الأراضي الخصبة فدله السلطان جناح الرأفة وأقطعهم أراضي قرهجهطاغ قرب أنقرة وكان بها ما يلزمهم من الدفء شتاء والمراعي صيفاً فأقاموا هناك قريري العين.

وبينما كان أرطغرل يرود بعض الجهات يوماً مع فرسان من قبيلته إذ صادفوا جيشين في حومة الميدان يستعدان للقتال وكان أحدهما أقل عدداً من الآخر فانضم أرطغرل بقومه إلى الجانب الضعيف لأنه كان يميل دائماً لمساعدة الضعفاء ويقال إنه وجدهما يتقاتلان وكان أقلهما عدداً أشرف على الهرب فحركته حينئذ الغيرة على الضعيف فانضم إليه مساعداً له وكان أحد هذين الجيشين وهو الضعيف للسلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو السلجوقي، والثاني لهولاكوخان من أعقاب جنكيز خان ملك المغول، فلما قامت الحرب بينهما ويسّر الله الظفر للسلجوقيين بمساعدة أرطغرل وعشيرته وانقضى القتال وعلم السلطان السلجوقي بذلك استدعى إليه أرطغرل رئيس أولئك الغرباء وبعد أن وقف منه على حالته وحالة عشيرته أظهر له عظيم ارتياحه ومزيد شكره وخلع عليه وعلى أخيه وأقطعهم الأراضي الواقعة بجهتي طومانيج واسكيشهر 663 هـ 264م .

وبعد ذلك أخذ أرطغرل في مساعدة علاء الدين السلجوقي في أكثر وقائعه الحربية ضد المغول ودولة بوزنطية فكان له أثر مشهور ولهذا زاد السلطان علاء الدين في الاقطاعات لأرطغرل وتنازل له عن قطعة من بلاده الأصلية وقطعة مما فتحه من دولة القسطنطينية وهي الجهة المسماة الآن سلطانية أو (صيراجق) من ولاية قونية فكانت تلك الأراضي بما فيها جهة سكود مهّد الدولة العثمانية، ولما وقعت الحرب بعد ذلك بين السلطان علاء الدين والمغول لتعرضهم لبلاده فوض أمر المحافظة على قلعة كوتاهية التي استولى عليها المغول للأمير أرطغرل فاستردها بعد قتال شديد فَعَلتْ منزلة أرطغرل عند السلطان علاء الدين ولم يزل أرطغرل يقارع أعداء علاء الدين مؤيداً منصوراً حتى توفي سنة680هـ بسكود وسنّه يتجاوز 90 سنة.

ولما بلغ السلطان علاء الدين خبر وفاته جزع لذلك جدّاً وعين ولده الغازي عثمان مكانه ولما رآه السلطان علاء الدين من حزمه واجتهاده واتباعه خطة أبيه في الغزو والجهاد مدّة بالإعانة والإمداد وأرسل إليه شارات السلاجقة وهي الراية البيضاء والخلعة والطبل وكتاباً تركي العبارة معلناً باستقلال عثمان بك وبأن يكون له فيما بعد كل ما فتحه من الأراضي 688 هـ ولما ضرب الطبل بين يدي الأمير عثمان نهض قائماً على قدميه تعظيماً للسلطان علاء الدين وقد جرت العادة بعد ذلك بأن يقوم السلطان عند سماعه الطبلة تعظيماً وتذكاراً ولقبه علاء الدين بلقب بك وسمح له بأن يضرب السكة باسمه وبذكر اسمه على المنابر بعد ذكر السلطان.

ولقد كانت عوامل الفساد والضعف دبت إذ ذاك في جسم المملكة الرومية وكانت أحوال ولاياتها غير منتظمة فكان كل حاكم من حكامها المسمى بالتكفور يستبد في ولايته حسب رغبته ومشتهاه ولما شاهد الغازي عثمان ذلك أخذ في التضريب بينهم وإلقاء بذور العداوة والشحناء بين مجموعهم لأن الحرب خدعة ولما تمكن من مراده أخذ في الاستيلاء على ولاياتهم حتى أن حاكم (خرمن قيا) المدعو كوسه ميخال وأمثاله من المتفقين شرعوا في إلقاء المفاسد بين الحكام وكوسه ميخال هذا هو الذي أطلع الغازي عثمان على ما دبره له بقية الحكام من الايقاع به لما بينهما من الصداقة في يوم عرس حصل عند بعضهم وقد تدارك الأمير عثمان هذا الخطر بحيلة حربية.

وبينما كان كوكب العثمانيين في صعود وأمرهم في ارتقاء إذ أغار غازان خان سنة 699هـ على مدينة قونية وأزال دولة السلاجقة.



السلطان الغازي عثمان خان (699-726) هـ:

لما أعلن السلطان عثمان الغازي استقلاله أتاه كثير من علماء وأعيان وأمراء الدولة السلجوقية المنقرضة ودخلوا تحت حمايته واستمر يجاهد بعد الاستقلال نحو سبع سنوات واستولى من دولة الروم على كثير من الجهات ولما رأى من نفسه عدم القدرة على تحمل مشاق الأسفار لتقدمه في السن نصب ابنه أورخان بك قائداً للجنود وكان القسم الذي خص الأمير الغازي عثمان يتركب من جزء من إقليم بروسه ومن كافة البلاد الواقعة حوالي جبل أولمبة بالأناضول ولاذ أيضاً كثير من أعيان الروم بعدالة الغازي عثمان معترفين بسيادته وبذلك تأسست الدولة العلية العثمانية في التاريخ المذكور وقت الحادثة المذكورة وكانت في مبدأ أمرها حكومة صغيرة كما علمت، ثم أخذت تنمو شيئاً فشيئاً بمساعي هذا السلطان وشجاعته وعدالته حتى صارت قبلة الإسلام ونقطة آمال الموحدين ولما كانت هذه المملكة الصغيرة متاخمة لمملكة القسطنطينية الآخذة في الاضمحلال كانت الحروب لا تنقطع تقريباً بين البلدين فكانت هذه المملكة الحديثة العهد الممتلئة قوّة وحماساً تريد محو جارتها الهرمة التي كان يعز عليها أن ترى مملكة صغيرة حديثة النشأة تخالفها في المعتقد والعوائد تجاريها في مضمار الفتوحات.

ثم إن السلطان عثمان وجه التفاته لتوسيع دائرة أملاكه فحاصر مدينة كبري حصار عدّة مرات حتى اضطر عاملها للتسليم، ثم حاصر قلعة أزنيق الشهيرة وأنشأ في جانب قلعتها على الجبل من جهة يكيشهر القلعة المسماة سردار طارطغان وفي أثناء ذلك اتفق عامل بروسه مع حكام أطره نوس أوادربانوس وكستل وكته على مهاجمة مدينة يكيشهر مقام العثمانيين فقابلهم السلطان عثمان على رأس جيشه بجوار قلعة قيون حصار وهزمهم ثم اقتفى أثرهم حتى المكان المدعو ديمبوز وأوقع بهم فيه وقتل في هذه الواقعة أمير مدينة كستل وآي طوغدي ابن أخي السلطان ثم أركن أمير أطره نوس وبروسه إلى الفرار أما تكفوركته فإنه بعد التجائه إلى تكفور مدينة أولوباد أصر السلطان الغازي عثمان على تسليمه إليه فامتثل أمير أولو باد للأمر.

وفي سنة717 هـ شيد السلطان عثمان بالقرب من مدينة بروسه على مسافة ربع ساعة منها عند ينبوع الماء المعدني الحار قلعتين جعل في إحداهما ابن أخيه آق تيمور وفي الأخرى البطل بلبانحبق أحد مماليكه وبعد أن تمكن من حصار بروسه بهذه الكيفية وأسلم القائد كوسه ميخال الشهير ترك ولده السلطان أورخان وكوسه ميخال وصالتق ألب للمحافظة على البلاد وأنزلهم بقلعة قره حصار ثم سار هو بنفسه يقصد قلعة لبلبنجي ولفكه جادرلق فاستولى عليها بلا حرب وأخضع بعد ذلك يكيجه حصار وآق حصار وتكفور بكاري بلا حرب أيضاً وضم الجميع لأملاكه ثم أرسل الغازي أورخان والغازي عبد الرحمن وغيرهما إلى قلعة قره جيش الشهيرة وبعد حصارها أسروا حاكمها واستولوا عليها مع الجهات المجاورة لها ثم استمرت الفتوحات واستولى على مدينة طوز بازاري بعد أن أخضع قلعة قره تكبه ثم أن فرقة أقجه قوجه فتحت جملة جهات في أطراف أزميد ولهذا السبب كان يطلق على سنجق أزميد في ذلك الوقت قوجه ايلي وفي خلال ذلك فتح الغازي عبد الرحمن مدينة أزنيق.

ولما عزم السلطان عثمان الغازي على فتح بروسه أنشأ لذلك قلعتين حولها كما سبق وعين لهذه المهمة الغازي أورخان 726هـ وبعد خروجه من مدينة يكيشهر مر بأطره نوس ولما تقابل مع حاكمها أراد القبض عليه ففر من وجهه إلى أن وقع من صخرة فمات وأرسل الغازي أورخان خبر ذلك إلى السلطان مع كوسه ميخال وبذلك أمكن الاستيلاء على مدينة بروسه بلا كبير مشقة وفي أثناء تلك الفتوحات المتعاقبة بلغ الغازي أورخان مرض والده فسافر إليه مسرعاً ولما صار بين يديه نصحه بنصائح عظيمة منها حسن المحافظة على الرعية وسياستهم بالعدل والإنصاف.

وفاته:

ثم توفي يوم 17رمضان سنة 726هـ وكان سنه 70سنة ونقلت جثته من داخل قلعة بروسه إلى تربته المخصوصة وكانت ولادة هذا السلطان بمدينة يكيشهر سنة 656 هـ ومدّة سلطنته 20 سنة ولم يقع بينه وبين دولة من الدول الأجنبية حروب خلاف دولة القسطنطينية أو بينه وبين الأمراء التابعين لها وترك من الذكور اثنين وهما الأمير أورخان والأمير علاء الدين.

السلطان الغازي أورخان ابن السلطان الغازي عثمان خان 726-761هـ:

اعلم أنه عند جلوس السلطان الغازي أورخان على سرير السلطنة كانت شبه جزيرة الأناضول منقسمة بين ملوك الطوائف الذين قاموا بعد انقراض دولة السلاجقة فكان بخشى بك بن محمد بك من أولاد قرمان متغلباً على مدينة قونية وتوابعها أي جالساً مكان الدولة السلجوقية وكان آيدين بك وصاروخان بك ومنتشا بك وكرميان بك وحميد بك وتكه بك وقره سى بك وهم من أولاد أمراء السلاجقة حكاماً على ممالك صغيرة أخرى إلا أنهم لم يكونوا تحت طاعة أمير قونية المذكور وكان أولاد أسفنديار حكاماً مستقلين بجهات قسطموني.

وكانت بقية الممالك الأخرى تحت تسلط بعض عشائر التركمان فكان بمرعش أولاد ذو القدرية وباطنة أولاد رمضان وكان من بين هؤلاء حكومة السلطان أورخان التي ورثها من أبيه ولما لم تكن قوية في أول استقلالها كما مر ولم يكن في إمكانها الدخول في المنازعات التي كان يثيرها أولاد قرمان للمطالبة بميراث الدولة السلجوقية أمكنها فيما بعد بما أظهره السلطان عثمان الغازي من الإقدام والجسارة أن تكتسب قدرة ومكانة خصوصاً بعد استيلائها على مدينة بروسه لأن السلطان أورخان بعد أن اتخذ تلك المدينة مقر السلطنة التي كانت عديمة القرار قبل ذلك تمكن بمساعيه من إظهار شوكة الدولة وسطوتها بالفتوحات الآتية.

ولما جلس هذا السلطان على سرير الملك كان سنه يبلغ أربعين سنة وبعد أن نقل تخت المملكة إلى مدينة بروسه بعد أن كان بمدينة يكيشهر مدّة خمس وثلاثين سنة التفت إلى التنظيمات الضرورية وسن القوانين والنظامات بمساعدة رجال حكومته الذين نخص بالذكر منهم قاضي بروسه جندره لوقره خليل فكان أول شيء بدأ به أن ضرب السكة العثمانية وجعل للمأمورين والأمراء وأصناف العساكر وطبقات الأهالي ملابس مخصوصة.

ولما رأى أن جيوشه المؤلفة من فرسان التركمان وممن قدر من الرعية على الحرب لا نظام لهم ولا معرفة بقوانين الضبط والربط ولا هم مجمكون أخذ يرتب عساكر نظامية ووضع لهم قانوناً للتربية فأنشأ لذلك طائفة اليكجرية الانكشارية وصار حسب ما رآه وزيره يأخذ كل سنة العدد الممكن من أولاد النصارى ويجمعونهم ثم يعلمونهم آداب الإسلام ويعتنون بتربيتهم ومتى بلغوا السن اللائق للعسكرية أدخلوهم ضمن أوجاق اليكجرية.

وكان لكل واحد منهم يومياً وظيفة مقدرة وقد استمر هذا النظام أي ادخال مثل هؤلاء الأولاد في الجيش العثماني لسنة 1050هـ وقد نبغ من هؤلاء كثير من الرجال تولوا الوزارة والإمارة والأعمال الجليلة حتى صار النصارى فيما بعد يطلبون من تلقاء نفسهم إدخال أولادهم ضمن اليكجرية ومن النظامات التي أوجدها هذا السلطان منصب الوزارة عين له أخاه علاء الدين باشا فكان أول وزير في الدولة العثمانية.

ولما أتمّ التنظيمات السابقة التفت إلى أراضي البلاد المفتتحة فقسمها إلى قسمين وهما خاص وتيمار فكانت إيرادات الخاص للخزينة السلطانية ولأمراء العائلة الملوكية ولأعيان الحكومة وإيرادات التيمار لرجال الحرب.

ولما استقرت قواعد الدولة بهذه النظامات الحديثة التفت إلى الفتوحات فأشهر في سنة 727هـ حرباً على بلاد الروم وفي خلالها صادف وفاة حاكم أزميد مركز إقليم قوجه ايلي فآلت إدارة المدينة إلى ابنته وكانت ترد لها الإمدادات من القسطنطينية ولما حاصر تلك المدينة الغازي عبد الرحمن كاتبته البنت المذكورة سراً فاستولى على قلعتها وأرسل البنت المذكورة مع الغنائم إلى السلطان الذي عقد نكاحها على الغازي عبد الرحمن لكونها خدمت وأعانت الدولة وكانت النساء اللاتي يتظلمن للسلطان أورخان يلاطفهن بالكلام وينعم عليهن بما يسر خواطرهن فمالت إليه قلوب الناس.

وما زال يتقدّم في فتوحاته حتى حضر بنفسه في سنة 728هـ 1327 م وحاصر أزميد وأرسل القائدين قره على وايغور ألب مع جنود إلى فتح قيون حصار وفي أثناء المحاربة أصيب قلايون حاكم قيون حصار برصاصة فسقط ميتاً من سور القلعة وبذلك استولت الجيوش العثمانية على القلعة المذكورة وفي خلالها سلمت بلا قونية حاكمة أزميد نيقوميديا المدينة إلى السلطان أورخان فأركبها هي وجنودها ومن يريد من أهالي المدينة السفن وأرسل الكل إلى القسطنطينية وذلك بناء على رغبتها وبذلك صارت حدود الدولة قريبة من خليج القسطنطينية.

وفي سنة 731هـ فتحت مدينة أزنيق أو أزنيك وغنم العثمانيون منها مغانم وافرة جداً بعد أن اجتهد قيصر القسطنطينية في خلاصها وكان فتحها على يد الأمير سليمان ابن السلطان ولما تم فتحها وأصلح ما تهدم من مبانيها حول السلطان بعض كنائسها إلى مدارس ومساجد وعين للتدريس بإحدى تلك المدارس العالم الشهير داود القيصري وجعل على قضائها العالم العامل خليل جندارلي ولما كانت هذه المدينة في الوقت المذكور من أعظم مدائن تلك الجهات اتخذها السلطان أورخان عاصمة له.

ولما توفي الوزير علاء الدين سنة 732 صار الأمير سليمان باشا وزيراً للدولة وفتحت بلاد مدرني وكمليك وفي خلالها أرسل قيصر الروم جملة هدايا للسلطان أورخان وعقد بين الطرفين مهادنة في السنة نفسها لمدّة عشرين سنة وبموجبها صارت جهات مايناس وأيدنجق وباليكسري وبرغمه وقره سي وميخاليج وكرماستي من أملاك الدولة العثمانية ولم يبق بعد ذلك لقياصرة بالأناضول غير مدينة آلاشهر وقلعة بيغا وضم العثمانيون أيضاً إلى ممالكهم سنة 737هـ مملكة قره سي وهي أول مملكة إسلامية من الأناضول عند وقوع الاختلافات بين أولاد عجلان بك حاكمها بعد وفاته وفي مدّة المهادنة المذكورة تفرّغت الدولة للإصلاحات الداخلية وسنة 746 هـ جدّدت المعاهدة السلمية مع قيصر الروم وفي التي بعدها ذهب السلطان مع حاشيته إلى مدينة اسكدار وتقابل هناك مع قيصر الروم وتأيدت بذلك المصافاة بين المملكتين.

إلا أن دولة الروم لما كانت تبطن العداوة للعثمانيين كانت تنتهز الفرص للإيقاع بهم فخالفت شروط المعاهدة بعض مضي عشر سنوات من امضائها واتحد القيصر مع البنادقة الذين كانوا في أغلب الأوقات يهاجمون حدود المملكة العثمانية من جهة البحر فلذلك أصدر السلطان أورخان أمراً إلى ولده الأمير الغازي سليمان باشا بالاستعداد والزحف على بلاد الرومللي فجهز الجيوش وتقدّم بها في سنة 757هـ 1356 م حتى وصل إلى مدينة جناق قلعة بساحل غربي آسيا على مضيق الدردنيل ثم عقد هناك مجلساً مع أشهر قوّاده وهم حاجي إيل وآجه وغازي فاضل وأرنوس وكان حاكماً قبل لمدينة بروسه ثم اعتنق الإسلام فاتفقوا على عمل صالات (أكلاك) للعبور بها وبعد انشائها ركبوا عليها ليلاً من بلدة أيد نجق أبيدوس وعبروا بها الدردنيل إلى ساحل الرومللي وعقب عبورهم بقليل استولى الأمير سليمان باشا على قلعة جنك Tzympe سنة 758هـ 1357 م .

وهذا العبور هو مبدأ التاريخ البحري للدولة العثمانية وبعد أن عبر سليمان وجنوده بالكيفية المذكورة أخذ في إخضاع البلاد التي تقرب من كليبولي وفي تلك الأثناء ظهرت اضطرابات ومنازعات ومناقشات بين أعضاء العائلة الإمبراطورية بالقسطنطينية لأنه بعد وفاة اندرو نيقوس الثالث إمبراطور الروم 741هـ كان الوارث لسرير السلطنة يوانيس أو يوحنا اليولوغوس ولكونه كان حديث السن قام ناظر سراي الإمبراطور المدعو قانتا قوزينوس وأمثاله يطلبون لأنفسهم الاستبداد بالملك حتى أن قانتاقوز ينوس المذكور طلب من السلطان الغازي أورخان المساعدة وزوّجه بابنته تيودورا وعلى ذلك أرسل السلطان الجيوش عدّة مرات لمساعدة المستجير به وإسعافه ليتمكن من قهر أخصامه.

ولما شرع الأمير سليمان باشا في إجراء ما عهد إليه به السلطان قام الروم واتفقوا مع أهالي المجر والصرب والبلغار والأفلاق والبغدان بقصد قتال سليمان باشا لفتوحاته بأوروبة ومداخلته في أحوال الدولة الرومية فاستعد سليمان باشا لملاقاة قوّتهم المتحدّة ثم انقض عليهم من جبال البلقان وأوقع بجمعهم ثم تجوّل في جهات بلاد البلغار مسكناً اضطراباتها وفي خلال ذلك حصلت منافسات كبيرة بين ملوك المجر والصرب والبلغار والأفلاق والبغدان أدّت إلى منازعات التزم فيها امبراطور القسطنطينية أن يطلب من آل عثمان الإعانة ثانية فأمدّوه وتقدّم الأمير سليمان باشا حتى عسكر تحت أسوار القسطنطينية وسكن ذلك الاضطراب ثم حصلت زلازل جسيمة 759هـ دمرت جملة بلاد وقلاع من تلك الجهات.

وفي سنة 760 هـ 1358 م نهض الأمير الغازي سليمان باشا بجيش يبلغ عدده 700من شجعان العثمانيين إلى قلعة كليبولي المعتبرة مفتاحاً للبحر المتوسط الأبيض فحاصرها مدّة أيام حتى تمكن من فتحها ثم استولى بعدها على بولاير وخيره بولي وتكفور طاغ بكل سهولة وبهذا الفتح أظهر الأمير المذكور لجميع الدول الأخرى ما للدولة العثمانية الحديثة العهد من السطوة والاقتدار وبينما كان الروم يطلبون من العثمانيين أن يعيدوا لهم هذه الأماكن في مقابلة مال يدفعونه لهم كانت عساكرهم مهتمة بالفتوحات المتواصلة بأراضي الرومللي لاشتغال الروم بالمنازعات الداخلية إذ ذاك ففتحت إبصاله ومعلقرة وما جاورهما بكل سهولة وبينما كان الأمير سليمان في القنص يوماً 761هـ جمح به جواده وصدمه بقوّة في بعض الأشجار فكان في ذلك حتفه ومات وهو في ريعان الشباب مأسوفاً عليه من جنوده الذين كانوا يحبونه جدّا لما اتصف به من حميد الخصال ودفن بالجامع الذي شيده بمدينة بولاير.

ولما بلغ هذا الخبر المؤلم والده السلطان أورخان الغازي حزن عليه حزناً مفرطاً ولم يمكث بعده إلا زمناً يسيراً وتوفي من كدره في السنة المذكورة ودفن بمدينة بروسه وخلف ولدين الأمير مراد والأمير سليمان.

وكان هذا السلطان كوالده محباً للعلماء والفضلاء شديد الاعتناء والميل إلى أصحاب الاستحقاق من الأمراء عظيم الشغف في عمارية واصلاح الممالك التي استولى عليها ولما كانت خزائن الدولة ملأى بالأموال التي اكتسبتها من الغنائم اهتم في تشييد المدارس والمساجد والقناطر والآبار وغير ذلك من أنواع المبرات وقد قوي رحمه الله بنيان الدولة التي شرع في تأسيسها السلطان عثمان وتمكن من تحويل أمتها التي كانت قبل ذلك تسكن الخيام وادخالها ضمن الممالك العظيمة.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:49   رقم المشاركة : 67
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 السلطان مراد الأول

السلطان مراد الأول ابن السلطان أورخان 761-791هـ:

لما جلس هذا السلطان على كرسي الدولة اتبع خطة والده في الفتوحات ففتح سنة 672 هـ قلعة أنقرة المعرفة بقلعة السلسلة وفي تلك المدّة سير أهل البنادقة على العثمانيين عمارة مؤلفة من ستين سفينة افترقت فرقتين تقدّمت إحداهما إلى قلعة كليبولي والأخرى دخلت جون المعارض وأخرجت كل منهما 10000جندي والتحق بهذا العدد بعض الأهالي ثم تقدّم الجميع وهاجموا العثمانيين الموجودين في الرومللي فتلقاهم الجيش العثماني بجنان ثابت وحمل عليهم حملة منكرة لم يمكنهم بها الثبات أمامه فارتدوا على أعقابهم عند الصدمة الأولى طالبين النجاة تاركين بميدان القتال عدداً عظيماً من القتلى والجرحى وقدراً وافراً من الذخائر.

وبعيد ذلك وسع السلطان دائرة أوجاق الانكشارية وبذلك تقوّت عسكريته ولم يكن للعثمانيين في هذا الوقت سفن حربية بل كان لهم بعض زوارق يستعملونها بداخل بحر مرمرا فزاد السلطان عدد تلك الزوارق 673هـ 1361 م لتساعد على نقل الجيش ومهماته ولما تم له ما أراد منها عبر بجيش إلى الرومللي وفتح جملة بلاد وقلاع منها بيطور و جورلي ومسللي وبرغوس وبرغاز وديمتوقه ثم فتح مدينة أدرنة العظيمة في هذه السنة أيضاً وعين عليها لالا شاهين باشا محافظاً وأرسل أورنوس بك لغزو كوملجنة وما يجاورها من البلاد الكائنة بالجهات الجنوبية من الرومللي.

ثم أخذ هذان القائدان في الغزو والفتوحات ففتح لالا شاهين باشا 765 هـ فلبه وزغره وما جاورها من البلاد وفتح أورنوس بك سيروزو مناستر وبهشتنة وكوملجنة وموشتة ولما تم فتحها جعلها السلطان صنجقية 788هـ وعين عليها أورنوس بك المذكور واليابرتبة أمير الأمراء ووقعت قبل ذلك مدينة صوفية أيضاً في يد العثمانيين بعد أن حاصروها مدّة ثلاث سنوات 1381-1383 م وعقب ذلك فتح الصدر الأعظم خير الدين باشا مدينة سلانيك الشهيرة وفي سنة 788 هـ 1386م أخضع السلطان بلاد مقدونيا و البانيا ولما مات في تلك الأثناء الوزير خير الدين باشا وجه مسند الوزارة لولده علي باشا قاضي العسكر.

واقعة قصوة

وبينما كان السلطان يشتغل بهذه المسائل وغيرها من الأمور الداخلية عقد لازار ملك الصرب 790هـ 1389 م اتفاقية مع ملوك الأفلاق وأمراء دلماسيا وملك المجر وملك البلغار وتحزبوا جميعاً لمحاربة السلطان وطلبوا من البابا أوربانوس الخامس أن يحرض أوروبا النصرانية لمساعدتهم ثم تقابلت جيوشهم المتفقة في سنة ه م مع جيوش العثمانيين في سهول قوصوة (Cossova) وحصلت بين الطرفين معركة من أشهر معارك التاريخ انهزمت فيها جيوش المتحدين هزيمة كلية ومات في الواقعة لازار المذكور وكثير من أمراء وأعيان أوروبا، وبينما كان السلطان مراد يتجوّل بعد الواقعة مع حاشيته في ساحة الحرب قام من بين الموتى رجل بلغاري كان مستتراً وأظهر التضرع للسلطان وتقدّم نحوه كمن يريد تقبيل يده وفي أقل من لمح البصر أخرج خنجراً كان ستره بين ألبسته وطعن به السلطان مراد الأوّل في أحشائه فاستشهد لوقته وقبض الحاشية على ذلك الغدّار فقطعوه إرباً إرباً.

وقد كان هذا السلطان رحمه الله من أعظم الملوك همة وشجاعة محباً للفتوحات تمكن بمساعيه من مد حدود المملكة العثمانية إلى شواطئ نهر الطونة وجهات بوسنة ويقال إنه اشترى في سنة 783هـ من صاحب بلاد حميد خمس قلاع وهي بلواج ويكي شهر وآق شهر وقره أغاج وسيدي شهر.

السلطان يلديرم بايزيد الأول ابن السلطان مراد 791-805هـ:

بويع له في ميدان حرب قوصوة يوم موت أبيه 791هـ وكان عمره 30 سنة وكان على جانب عظيم من الشجاعة والإقدام ولهذا لقبوه بيلديرم أي الصاعقة فتتبع خطوات أبيه في الغزو والجهاد وبعد أن بايعه الجنود والوزراء عاد إلى بروسه ونقل معه جثة والده فدفنت هناك ثم أرسل قائده الشهير تيمور طاش باشا إلى حدود الصرب فاستولى على قره طوه وما حولها من البلاد وأدخل استفان ملك الصرب تحت طاعة الدولة وكان السلطان انتخبه ملكاً لبلاده بعد واقعة قوصوه المذكورة وترك له استقلاله بشرط دفع جزية معينة وتقديم عدد معلوم من الجنود وقت الحرب وطلب من السلطان على لسان قائده أن يتنازل بقبول أخته الأميرة مليجه لتكون زوجة للسلطان فقبل السلطان منه مطلبه وتزوّج بها وفي تلك التجريدة استولى القائد المذكور على يكيد وبوسنة ودخل فيروز بك مملكة الأفلاق غازياً ففتح وغنم ثم عاد إلى بروسه ظافراً غانماً.

وفي سنة 792هـ استولى السلطان بنفسه على قلعة آلاشهر بآسيا المسماة فيلاد لفيا لدى الفرنج وكانت آخر مدينة مهمة بقيت للقسطنطينية بآسيا ثم استولى على مملكة آيدين صلحاً وأحال إدارتها على الأمير أرطغرل ولما استولى على سنجق صاروخان ألحقه بمقاطعة الأمير سليمان وهي قره سي ثم أخضع جهات آمد شهر وآق سراي وأضافها إلى حكومته وبعد أن أخضع جميع البلاد المستقلة من جهات الأناضول زحف بجيش عظيم على نواحي الزومللي واستولى على مدينة سلانيك ثانية وكانت لملوك الروم ثم اتفقت البنادقة وفرانسا وجنوة وإسبانيا 796هـ وأرسلت أساطيلها لإخراج العثمانيين من سلانيك فقاومتهم الجيوش العثمانية وألزمتهم الرجوع عنها خاسرين.

ثم استولى العثمانيون على قلعة يكيشهر ولما عاد السلطان إلى بروسه بلغه أن الإمبراطور باليولوغوس اتفق مع ملوك المجر والصرب وفرنسا عليه وإنهم سيهاجمون بلاده قريباً ولهذا استعد سريعاً وعبر بحر مرمرا قاصداً أدرنة ثم تقدم بجيشه وحاصر القسطنطينية وركب عليها المنجنيقات وفي خلالها ساق ملك المجر جيشاً على صوفية وودين ونيكويولي فالتزم السلطان أن يرجع عن القسطنطينية ليقابل جيش المتحدين ولما التقى الجمعان هزمهم شر هزيمة وهرب ملك المجر في زورق بنهر الطونة وأخذ العثمانيون عدّة آلاف من الأسرى وغنموا غنائم وافرة ويقال إن قتلى جيش المتفقين بلغوا 80 ألفاً.

وفي سنة 798 هـ أرسل السلطان يلديرم بايزيد تحسين بك ابن تيمور طاش باشا إلى ضواحي الإستانة فاستولى على حصار شبلة وتقدّم داخل سنجق قوجه ايلي حتى وصل إلى مضيق البحر الأسود وهناك أنشأ قلعة أناضول حصار الشهيرة ولما خاف إمبراطور القسطنطينية من تقدّم السلطان بايزيد مع عدم مقدرة من يتصدى له من ملوك أوروبا الذين استجار بهم أرسل جملة هدايا يستجلب بها رضا السلطان متعهداً ليدفع جزية سنوية معينة وعجل بدفع جزية سنة ورضي بأن يسكن المسلمون القسطنطينية وأن يكون لهم بها مسجد وقاض يحكم في نوازلهم وكان ذلك على يد علي باشا الصدر الأعظم.

ولما علم ملك بخارى بما حازه العثمانيون من الانتصارات بعث يهنئ السلطان وأرسل له سيفاً مرصعاً نفيساً سنة 800هـ لما أوتيه من الفتوحات الباهرة إذ كانت العادة جارية إذ ذاك بأنه متى انتصر السلطان على أعدائه أخبر ملوك الإسلام المعلومين بتلك الانتصارات بمكاتيب يرسلها لهم ولقبه أيضاً الخليفة العباسي بمصر المتوكل بن المعتضد بلقب سلطان أقاليم الروم وفي تلك الأثناء غزا أطراف البلغار ومقدونيا وبحيثجزيرة مورة ومدينة أثينا وجهات ترحاله واستولى على معظم تلك الجهات.

ثم تفرغ بعد ذلك للاستعداد لحصار القسطنطينية مرة ثانية وبينما هو يهتم في ذلك إذ أغار تيمورلنك على المملكة العثمانية فاستعد السلطان لملاقاته وجمع جنوده وذهب فعسكر قريباً من مدينة أنقرة ولما استعد الطرفان للقتال ووقعت العين على العين انفصل جنود آيدين ومنتشا وصاروخان الذين بجيش العثمانيين وعددهم خمسون ألفاً وانضموا إلى تيمورلنك لوجود أمرائهم الأصليين الذين استولى العثمانيون على بلادهم معه وكانوا التجؤا إليه لما شاهدوه من بأسه فضعفت بذلك قوّة العثمانيين جداً وداخلهم الخوف ووقع الخلل في صفوفهم ولم يبق لهم إلا الانكشارية وعددهم عشرة آلاف وعساكر الرومللي.

ولما اشتعلت نيران الحرب انهزم العثمانيون هزيمة منكرة ووقع السلطان بايزيد مع ابنه أسيراً في يد تيمورلنك فلم يقتله وأكرم مثواه وفي رواية أنه أهانه وأبقاه بطرفه ثم انتشر التتار في داخل المملكة العثمانية يخربون وينهبون ما أرادوا وقد كانت هذه الهزيمة سبباً في تراكم الهموم على السلطان فأصابه مرض توفي به سنة 805 هـ .

وصرح تيمورلنك للأمير موسى جلبي ابنه بأن يدفن أباه في مقابر سلاطين العثمانيين فنقله إلى بروسة ودفنه بالجامع الذي شيده فيها وهذا دليل على احترام تيمورلنك للسلطان بايزيد وترك المرحوم المشار إليه من الأولاد سبعة وهم أرطغرل وموسى جلبي وسليمان وعيسى ومحمد ومصطفى وقاسم.

وكان السلطان بايزيد رحمه الله من خيار الملوك وبطلاً من أشجع الأبطال وكان عليّ الهمة قوي النفس وساد الأمن في أيامه حتى كان الرجل يصادف الحمل من البضاعة مطروحاً في الطريق فلا يتعرض له وكان شديد البطش محباً للفتوحات فتح عدّة مدن لم تصلها جيوش العثمانيين من قبله.

فاصلة السلطنة

وقائع الدولة بعد واقعة أنقرة 805-816 هـ:

قد كان تيمورلنك بعد غلبته على العثمانيين يقصد تمزيق دولتهم وتفريق جامعتهم وأن لا تقوم لهم بعد ذلك قائمة ولهذا ساعد أمراء بلاد الأناضول على استرجاع البلاد التي كانت لهم سابقاً وافتتحها العثمانيون ثم قامت المنازعات في السنة التي مات فيها بايزيد بين أولاده بخصوص الجلوس على كرسي السلطنة وانضم إلى كل شيعته فذهب سليمان إلى بروسه ووضع يده على بيت مالها ثم توجه إلى أدرنة وجلس على تخت السلطنة المضطربة الأركان بمساعدة الجنود ووقعت الفوضى في بر الأناضول ونازل أولاد السلطان فيها بعضهم بعضاً ووقع الأمير موسى في يدل المغول واختفى الأمير عيسى بمكان ببروسة ثم أعلن سلطنته بمساعدة الوزير تيمور طاش وذهب الأمير محمد إلى أماسيا منتظراً سنوح الفرصة وكان تغلب على عسكر المغول في بعض الوقائع واسترد منهم بعض المدن.

ثم إن الأمير سليمان التجأ إلى أمبراطور القسطنطينية أمانويل الثاني خوفاً من المغول واتفق معه على أن يمدّه بالجنود والأموال ليقبض على زمام السلطنة وتنازل له في مقابلة ذلك عن بعض جهات منها سالونيك وتزوج إحدى قريبات الإمبراطور ولما بلغ موسى جلبي انتصار السلطان محمد بالأناضول واشتباكه في الحروب مع التتار وغيرهم تقدم هو نحو بروسه يريد الجلوس على تختها ومما زاد الحالة ارتباكاً والأمور صعوبة أن أولاد السلطان بايزيد كانوا يستعينون بتيمورلنك على بعضهم فكان يحرضهم على مقاتلة بعضهم ليخربوا بيوتهم بأيديهم وبعد أن تمكن تيمورلنك من تمزيق شمل المملكة العثمانية ورد غالب الأمراء الذين انتزع منهم العثمانيون بلادهم إلى ممالكهم وأطاعته آسيا الصغرى بأكملها داخلة الطمع لحب الاستكثار من الدنيا فسار يقصد بلاد الصين الغنية ليخضعها لسلطنته إلا أن المنية لم تمهله إذ مات في سن متقدم بإحدى مدن إقليم خوقند 807هـ1404 م .

وبعد أن ترك تيمورلنك بلاد الأناضول استمرت المقاتلات بين من بقي من أولاد السلطان وقتل الأمير محمد أخاه الأمير عيسى بعد أن حاربه عدة مرات وبذلك خلصت جميع آسيا الصغرى للأمير محمد بلا منازع ثم تمكن بعد ذلك من استخلاص أخيه موسى وكان عند أمير كرميان سلمه إليه تيمورلنك قبل سفره وأوصاه بالمحافظة عليه ثم إن الأمير محمد جهز لأخيه عيسى جيشاً عظيماً وأرسله إلى أوروبا لمحاربة أخيه الأمير سليمن الذي كان استقل بها إلا أنه لم يتمكن من قهره بل عاد مهزوماً إلى آسيا ثم جمع جيشاً آخر ودعا به إلى أوروبا واقتتل مع أخيه سليمان خارج مدينة أدرنة وقتله 813هـ ثم أغار موسى على بلاد الصرب معاقباً لأهلها في خروجهم عن الطاعة وقهر ملك المجر سجسموند لأنه أراد صده عن الدخول إلى بلاد الصرب ثم إن الأمير موسى داخله الطمع والكبرياء لما أوتيه من النصر فعصى أخاه محمداً وأراد الاستقلال ببلاد الدولة التي بأوروبا وحاصر القسطنطينية يريد فتحها لنفسه فاستنجد ملكها بالأمير محمد فأتى إليه مسرعاً وقاتل أخاه حتى ألزمه برفع الحصار عنها ثم تحالف الأمير محمد وملك القسطنطينية وملك الصرب وأخذوا في نصب المكايد والحيل للأمير موسى حتى تفرق عنه جيشه وغالب قواده ثم قبض عليه أخوه وقتله 826 هـ وبذلك انفرد الأمير محمد بالسلطنة العثمانية بلا منازع.

السلطان محمد الأول الملقب بجلبي بن بايزيد الأول 816-824هـ:

لما استقل بالملك بعد النزاع الطويل الذي حدث بينه وبين إخوته وجلس على تخت آبائه بلا منازع أتته رسل ملوك أوروبا والروم مقدّمين له التهاني بالنيابة عن ملوكهم فرحب بهم وأكرمهم ثم شرع في إصلاح الأمور وكان الخلل تطرق إلى جميع الإدارات ولذلك عقد الصلح مع الدول الأوروبية المجاورة له وقوّى معهم روابط المحبة والمصافاة وردّ إلى الإمبراطور أمانويل بعض الحصون والولايات التي أخذها منه الأمير موسى وغير ذلك ليتفرغ إلى ما عزم عليه ولولا ذلك لخيف على وحدة الدولة العثمانية ولما كان سعيد الطالع عادلًا كريماً شفوقاً على الرعية لا يسعى إلا لما فيه خير أمته تكللت مساعيه بالنجاح وكذا كل أمر أخلصت فيه النية وهو أوّل من شرع في ترتيب العساكر البحرية وبناء السفن في أزميد وكليبولي وبعض السواحل ونقل كرسي السلطنة إلى أدرنة وإعادة رونق السلطنة بعد أن تداعت جوانبها إلى السقوط.

ولما خرج حاكم الأفلاق عن دائرة الطاعة العثمانية 819هـ تقدم السلطان بجيشه وعبر نهر الطونة وأنشأ قلعة يركوى على ساحل الأفلاق وعمر قلعتي إيساقجي ويكي ساله ثم توسط بعض حاشية السلطان لملك الأفلاق فعفا عنه ورده إلى ملكه ثم تقدم الجيش العثماني إلى داخل بلاد المجر لتعرض سجسموند لامور بلاد الأفلاق وفتح قلعة سورين ولما كان ملك المجر غير قادر على المقاومة قدم للسلطان هدية مفتخرة أرسلها مع ثلاثة سفراء من أعيان المجر وبعد عقد معاهدة الصلح معهم عاد السلطان إلى أدرنة منصوراً غانماً ثم سكن بعض الاضطرابات الداخلية وكانت كثيرة من أهمها ظهور رجل يدعى بدر الدين وكان من مشاهير العلماء وكان عند الأمير موسى بوظيفة قاضي عسكر.

وكانت أركان مذهب هذا الرجل المساواة بين الناس في الأموال وسائر المقتنيات بلا فرق بين مسلم وغيره لاعتباره الكل سواء فتبعه خلق كثير من أرباب البطالة والكسل من جميع الملل والنحل حتى خيف على البلاد منه فأرسل عليه السلطان محمد الجيوش وبعد أن دارت رحى الحرب زمناً بين الطرفين وكانت سجالاً تمكن الوزير بايزيد باشا من قهر جيش بدر الدين المذكور وكان تحت قيادة رجل من اتباعه يدعى مصطفى وذلك بضواحي أزمير بمكان يقال له قره برون وقتل كثيراً من أتباعه ثم إن السلطان تعقب بدر الدين إلى أن تمكن من القبض عليه ببلاد مقدونية بعد أن أظهر شدة ومقاومة وأمر به فقتل 820هـ بفتوى قاضي العسكر.

ولم يكد السلطان محمد يستريح من عناء هذه الفتن حتى ظهر أخوه الأمير مصطفى وكان اختفى يوم هزيمة أنقرة ولم يوقف له على خبر ولما ظهر وطالب أخاه بسرير الملك انضم إلى حزبه قره جنيد أمير أزمير السابق وغيره من القواد والجنود وأمده أمير بلاد الأفلاق بجيش لتستمر القلاقل والاضطرابات في المملكة العثمانية ويتمكن بذلك أميرا الأفلاق المذكور وغيره من أمراء شبه جزيرة البلقان من الخروج عن دائرة التبعية العثمانية ثم إن الأمير مصطفى أخذ يشن الغارة على بلاد مقدونيا وتساليا ولما أدركته جنود السلطان انهزم والتجأ إلى مدينة سلانيك وكانت عادت إلى مملكة الروم كما سبق ولما طلب السلطان تسليمه إليه أبى عليه ملك الروم وتعهد بعدم التصريح له بمفارقة سلانيك ما دام السلطان على قيد الحياة فقبل السلطان ذلك ورتب لأخيه راتباً سنوياً يعيش منه 822هـ .

وفاته:

ولقد كانت هذه الفتنة آخر الفتن الداخلية التي حدثت بالمملكة بعد تيمورلنك وبعد ذلك تفرغ السلطان لإصلاح المملكة وتنظيم الجنود والنظر فيما يعود على الدولة بالترقي وبينما هو يجد في ذلك إذ فاجاءته المنية بمدينة أدرنة 824هـ وأوصى بالملك من بعده لابنه مراد.

ولقد كان رحمه الله عالي الهمة فاضلاً تقياً ذا عفة وورع وشفقة على الرعية يعفو عن المسيء ويحسن إلى البائس وقد اشتهر بمحبته للعلوم والفنون وهو أوّل سلطان عثماني رتب الهدية السنوية التي ترسل للآن إلى الحرمين الشريفين باسم الصرة وقال بعضهم إن أول من أرسل الصرة هو السلطان الغازي سليم الأول بعد فتحه مصر 923هـ إلا أن رواية المؤرخين الذين يوثق بكلامهم تؤيد أن السلطان محمد جلبي هو أوّل من رتب ذلك وترك خمسة أولاد وهم الأمير مراد والأمير مصطفى والأمير أحمد والأمير يوسف والأمير محمود.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:51   رقم المشاركة : 68
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B8 السلطان مراد خان الثاني

السلطان مراد خان الثاني ابن السلطان محمد الأول824-855هـ

لما جلس هذا السلطان على كرسي السلطنة كان عمره ثمان عشرة سنة وبعد أيام من جلوسه أرسل له أمير بخارى سيفاً نفيساً فتقلده في بروسة ثم التفت إلى بلاده مهتماً بإصلاح شؤونها وكان محباً للغزو والفتوحات وتوسيع أطراف سلطنته إلا أنه كان له من أحوال مملكته ما يشغله عن مراده ولذلك سعى حتى أبرم صلحاً مع أمير القرمان وهدنة مع ملك المجار لمدة خمس سنوات وبينما هو يسعى في هذا الطريق السلمي إذ طلب منه أمانويل ملك القسطنطينية التعهد له بأن لا يحاربه مطلقاً وأن يعطيه اثنين من إخوته تأميناً على هذا العهد رهناً على قيامه بهذا الشرط وإلا أطلق سراح عمه مصطفى بن بايزيد من سلانيك وتركه يعيث في أنحاء السلطنة فلم يقبل السلطان مراد بدلك أصلاً ورد طلبه.

فأطلق عند ذلك أمانويل الأمير مصطفى وجهزه بما يلزم من الذخيرة والجنود وأعطاه عشر سفن حربية جعل على قيادتها أحد رجاله المدعو دمتريوس لاسكاريس فأتت هذه العمارة وحاصرت مدينة غليبولي وشددت عليها الحصار حتى سلمت بعد أيام إلا قلعتها ثم تركها الأمير مصطفى وحولها من الجنود من يضيق عليها الحصار ويمنع وصول المدد إليها وقصد مدينة أدرنة تخت السلطنة بأوروبا فلاقاه في الطريق الوزير بايزيد باشا وعند ذلك نادى الأمير مصطفى في جنود السلطان بأنه هو الأحق بالسلطنة واعداً من ساعده منهم بالمكافأة العظيمة فأثر كلامه في الجنود حتى أنهم قتلوا الوزير بايزيد باشا وانضم إليه بعضهم.

ثم تقدّم وتلاقى مع ابن أخيه السلطان مراد فرحاً ظاناً أن الدهر ساعده على مطلوبه إلا أن الجنود لم تطاوعه هذه المرة بل حملت عليه حملة منكرة فبددت شمل جيشه وتخلص هو ناجياً إلى مدينة غليبولي فقبض عليه هناك وسلم إلى السلطان مراد الذي أمر بشنقه ولما كان امبراطور القسطنطينية هو السبب في هذه المشاكل والمذابح عزم السلطان على معاقبته فاستعد لحصار مدينته وجرد عليه جيشاً يبلغ مائتي ألف مقاتل ثم تقدم وحاصر هو المدينة بنفسه سنة 825هـ 1422م حصاراً شديداً وهذا هو الحصار الرابع للعثمانيين إلا أنها لما كانت حصينة امتنعت عليه ولم يتمكن من التفرغ لها لأن الثورات كانت قامت بجهات الأناضول بتحريضات أخيه الأمير مصطفى جلبي الذي شق عليه عصا الطاعة وقد تمكن السلطان من قهره وقتله.

وكان الأمير مصطفى هذا استعان على أخيه السلطان مراد ببعض أمراء آسيا الذين كان تيمورلنك ردّ إليهم أملاكهم التي انتزعها العثمانيون منهم ولما كانت مساعدتهم لأخيه الثائر عليه منافية لحق الجوار أغار السلطان على بلادهم وانتزعها منهم وأضافها ثانية إلى مملكته وكان منهم أمير قسطموني وأمير صاروخان ومنتشا وأمير بلاد القرمان ولما استراح السلطان من شرورهم أمكنه التفرغ للنظر في الفتوحات الخارجية التي كان يستعدلها من زمن فجرد على ملك المجر أشد معانديه وبعد أن قهره ونكل به ألزمه بالتوقيع على معاهدة تقضي بأن يكون نهر الدانوب فاصلاً طبيعياً للأملاك العثمانية عن أملاك المجر وقبل أيضاً ملك الصرب جورج برانكوفيتش دفع جزية سنوية قدرها 5000من الذهب وأن يمد السلطان بفرقة من جنوده في زمن الحرب وأن يقطع كل صلة بينه وبين ملك المجر وأن يتنازل أيضاً عن مدينة الآجه حصار (كروشيفتس) الكائنة في وسط بلاد الصرب ليجعلها السلطان حصناً تقيم به جنوده.

ثم إنه جرد على مدينة سلانيك قصد افتتاحها ولما توفي امبراطور القسطنطينية أمانويل 1425م وخلفه يوحنا باليولوغوس واعترف السلطان مراد رسمياً بجلوسه على تخت القسطنطينية فرض عليه جزية معلومة يدفعها لخزينته في كل سنة وشرط عليه أن يتنازل له عن جميع البلاد خلا القسطنطينية وضواحيها وقد التزم الإمبراطور الجديد بهذا الاقتراح وبذلك استولى السلطان مراد على جميع القلاع والحصون الباقية تحت تصرف الروم على شواطئ البحر الأسود وسواحل الرومللي.

استرداد سلانيك 832 هـ:

لما كان السلطان مراد استرد كل المدائن والبلاد التي كانت للعثمانيين مدّة السلطان بايزيد بل زاد عليها وكانت مدينة سلانيك من المدن التي وقعت في قبضتهم واستولى عليها الروم ثانية أراد إخضاعها أيضاً فجرد عليها يريد حصارها وكان المتولي على هذه المدينة وما يتبعها اندرونيك ثالث أولاد القيصر المتوفى وكان أهلها لما رأوا أنهم لا يقوون على صد مهاجمة العثمانيين عنها سلموها بالرغم عنه للبنادقة 1425م لما عهدوه فيهم من المهارة بأساليب الحروب وفنون القتال.

ولما تسلط البنادقة على سلانيك أظهروا لأهلها في أول الأمر العدل ورقة الجانب وأطلقوا لهم الحرية في أن يحكموا أنفسهم حسب قوانينهم إلا أن ذلك لم يدم زمناً طويلاً لأنهم أخذوا يوجدون أسباباً متنوعة لإذلالهم ونفوا منهم خلقاً كثيراً وشردوهم في جزائر الأرخبيل التي كانت يومئذ في حوزتهم ولو أمهلهم السلطان مراد لكانوا بدلوا جميع سكان سلانيك بغيرهم.

ولما كان هذا السلطان العظيم لا ينظر بعين الرضا إلى استيلاء البنادقة على هذه المدينة المهمة لأنهم من ألد أعدائه مظهراً رغبته في افتتاحها نهائياً اجتهد البنادقة في إحباط مسعاه واستغاثوا بالقيصر يوحنا ليتوسط بينهم وبينه فأرسل يوحنا إلى السلطان مراد سفيراً يذكره بأن هذه المدينة التي عزم على افتتاحها ليست من مدن الأعداء بل هي من المدن التابعة للقسطنطينية فقال السلطان لو كانت هذه المدينة باقية بيد اندرونيك أخي يوحنا لما كان قصدها بالشر.

ولما أخفق سعي القيصر وعلم البنادقة إصرار السلطان على قصده حصنوا تلك المدينة تحصيناً قوياً وأرسلوا عمارتهم لإحراق السفن العثمانية الراسية في مينا غليبولي قصد عرقلة مساعي السلطان فيما يقصد وكانت تلك العمارة تحت قيادة اندراوس موكينكو أميرال خليج البنادقة وبعد أن هاجم العمارة العثمانية في خليج غليبولي ولم يقو على نيرانها ارتد مقهوراً ولقد كانت هذه النصرة البحرية من الأسباب التي أعانت العثمانيين على فتح سلانيك ثم شدد العثمانيون الحصار على المدينة ففتحوها عنوة وهربت منها حامية البنادقة إلى سفنهم 1429م 832هـ .

ولما وقعت سلانيك في أيدي العثمانيين تزعزعت أركان سلطنة الروم وانخلعت لها قلوب أهل القسطنطينية وصاروا من ذلك الوقت يتوقعون أن يصيب مدينتهم ما أصاب تلك المدينة العظيمة وبعد أن ملكوا سلانيك أخذوا في مد سطوتهم في تلك الأطراف فاستولوا على اخائية وابيرة ويانية وغيرها وكانت الدائرة فيها طوراً على الروم وطوراً على العثمانيين إلا أنهم كلما أرادوا الدخول إلى بلاد البانيا صدهم أهلها فرجعوا منتظرين الوقت المناسب.

محاربة الصرب والمجر وواقعة وارنة الشهيرة:

إنه بعد أن نكل السلطان بابن قرمان رأى من الضرورة تأديب ملك المجر وجورج برانكو تش أمير الصرب لاتفاقهما على الإضرار بالعثمانيين.

ولما سار الجيش العثماني وعبر نهر الطونة دخل بلاد المجر وعاث فيها حتى بلغ بلاد طمشوار وهرمانشتاد وذهبت فرقة منه إلى بلاد الصرب فاستولت على مدينة سمندرة عاصمة تلك البلاد ثم شرع الجيش العثماني في حصار مدينة بلغراد إلا أنه لم يتمكن من فتحها وبعد ذلك طلب أمير الصرب أن يزوّج ابنته للسلطان ويعقد معه صلحاً فقبل السلطان منه ذلك إلا أنه لما علم أن أعماله كانت ولا تزال مجلبة عليه غضب السلطان فر ملتجئاً إلى ملك المجر لادسلاس ولهذا رأى السلطان من الضرورة سوق الجيش مرة ثانية على بلاد المجر.

ولما دخلها الجيش العثماني أخذ في شن الغارة عليها حتى بلغ مدينة هرمانشتاد وشرع في محاصرتها وفي هذه الأثناء كان ظهورجان هونياد المشهور أمير الأردل وفي خلال ذلك نهض البابا أوجيلينيوس وشرع في عقد تحالف بين دول الفرنج وعصبهم على محاربة العثمانيين فتصدى لادلاس ملك المجر وبولونيا وتقدم بعساكر تحت قيادة جان هونيار القائد المجري الشهير بعدما انضم إلى جيشه جمهور من الفرنساويين والجرمانيين وقصدوا جيوشفي جوار هرمانشتاد سنة 845هـ .

وكان حاكم بلاد ترانسل فانيا التي منها مدينة هرمانشتاد المذكورة تابعاً الملك المجر وكان على هذا الإقليم جان هونياد المذكور الذي أتى مسرعاً للدفاع عن هذه المدينة فانتصر على العثمانيين وقتل منهم قدراً عظيماً حتى ألزم من بقي منهم إلى القهقرى.

ولما علم السلطان بذلك أرسل جيشاً آخر تحت قيادة شاهين باشا فأصابه ما أصاب الأوّل من هونياد وجنوده ووقع شاهين باشا أسيراً في موقعة قرب بلدة يقال لها وازاج 845هـ .

وكان السلطان في خلالها مشتغلاً بمحاربة إبراهيم أمير بلاد قرمان وبعد أن قهره السلطان كان المجريون تقدموا واتفقوا مع الصربيين على محاربة العثمانيين ولما تلاقوا معهم جهة بلغراد صدتهم العساكر العثمانية فانقلبوا على أعقابهم وكانت هذه الفعلة خدعة منهم لأنه بينما كانت جيوشهم آخذة في التقهقر والعثمانيون في تعقبهم إذ بهم ارتدوا على العثمانيين بينما كانوا يسيرون خلفهم في مضيق نيش وأحاطوا بهم من كل جهة في المضيق المذكور وحصلت بين الطرفين واقعة دموية انجلت عن انتصار هونياد وهزيمة العثمانيين هزيمة شنعاء وقتل منهم عدد وافر بين أمراء وجنود وأسر منهم كذلك 846هـ ومال زال فلهم يفر حتى وصل إلى أدرنة.

ثم توسط جورج برنكو فتش ملك الصرب في الصلح فقبله السلطان واشترط فيه بقاء الصرب وبوسنة يدفعان خراجاً للدولة العلية واستقلال الأفلاق عن السلطنة العثمانية تماماً وأن ترد قلعة سمندرة إلى الصرب وإخلاء سبيل بعض أسرى من الجانبين وغير ذلك وتقرر أن تكون الهدنة لمدة عشر سنوات ولما انتهى الأمر على ما تقدّم بعد هذه الحروب والمخاصمات وسكنت الفتن والقلاقل توفي الأمير علاء الدين وكان والده يحبه كثيراً فساورته الهموم حتى إنه عزم على تمضية بقية حياته في راحة معتزلاً عناء الملك فتنازل عن كرسي السلطنة إلى ولده محمد الثاني الملقب بالفاتح ثم ضم إليه بعض خواصه وقصد مدينة مغنيسيا متفرغاً للعبادة.

ولما علم بذلك لادسلاس ملك المجر ظن أن الجو خلا له لنوال مقاصده فتقدّم بجيش عطيم ولم يراعِ الهدنة التي عقدت بينه وبين السلطان وأغار على أملاك السلطنة وكان ذلك بتحريضات البابا ولما رأى السلطان مراد هذه الأحوال خاف من عواقب الأمور فاضطرأن يعود إلى الملك ثانياً وأمر بسرعة التجهيزات الحربية ولما قصد العبور من جهة كليبولي وجد أن سفن الأعداء سدت ذلك المعبر فالتزم العبور من مضيق البحر الأسود وكان بصحبته خليل باشا الوزير الأعظم وشهاب الدين باشا ولما وصل إلى أدرنة ووجد الجيش الهمايوني على قدم الاستعداد تقدم وتلاقى مع جيش المجر المشكل من 80 ألف مقاتل وكان لادسلاس من قبل ذلك دخل بلاد البلغار وبغدان وهرسك وبوسنة واتفق مع أمرائها على أن يكونوا يداً واحدة وكانت ملاقاة الجيشين أمام مدينة وارنة على سواحل البحر الأسود 1444م 28رجب 848 هـ .

ولما اشتعلت بينهما نيران القتال وحمى وطيسها تقدّم لادسلاس ملك بولونيا والمجر ومعه فرقة منتخبة من جنده واقتحم الميدان قاصداً الهجوم بنفسه على السلطان مراد الذي كان واقفاً على تل مرتفع يعطي الأوامر لجيشه وعند ذلك أطبقت الجيوش العثمانية على لادسلاس وقتلوه وبموته انهزمت جيوش المجر ومحالفيهم وتفرق شملهم وأخذتهم سيوف العثمانيين في كل مكان وصار هونياد قائدهم يجمع شتيت العساكر ويحرضهم على الرجوع والثبات فلم ينجح لأن الرعب كان قد استولى عليهم وقتل من جيش الأعداء في ذلك اليوم ما يزيد عن عشرة آلاف نفر واغتنمت الجيوش العثمانية في هذه الواقعة غنائم لا تحصى ثم عادت إلى أدرنة غانمة ظافرة وكان من بين القتلى القونت سيزار يني رسول البابا.

ثم إن السلطان بعد أن رد كيد أعدائه في نحورهم ومهد أمور المملكة تنازل عن الملك ثانية إلى ابنه السلطان محمد الثاني وعاد إلى عزلته كالأوّل ولكن لم ترض الانكشارية بذلك وتذمروا واضطربوا فاضطر أن يعود إلى السلطنة ولما كسر شوكتهم خاف من قيامهم مرة أخرى فأراد إشغالهم بالحرب ولذلك تقدّم وأغار على بلاد اليونان وساعده على مقصوده هذا أن أمانويل ملك القسطنطينية كان قسم مملكته في حال حياته بين أولاده بأن أعطى مدينة القسطنطينية وما حولها من البلاد القريبة إلى ابنه حنا وبلاد مورا وقسماً من تساليا لابنه قسطنطين وهو آخر ملوك الروم.

ولما علم قسطنطين بعزم السلطان مراد على فتح بلاده ابتنى ببرزخ كورنثة حصوناً ومعاقل جعلته لا يرام ومع ذلك فإن هذه القلاع لم تغن شيئاً أمام عساكر العثمانيين الأبطال لأنهم سلطوا مدافعهم على أسوار تلك الحصون حتى أحدثوا بها ثلمة ودخلوا منها قاصدين مدينة كورنثة ففتحوها وقد كان في نية السلطان الاستمرار على فتح هذه البلاد لولا ظهور اسكندر بك الشهير وإثارته القلاقل بالبانيا فاكتفى بضرب الجزية عليها.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:52   رقم المشاركة : 69
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 واقعة قوصوة الثانية

واقعة قوصوة الثانية

وبينما كان السلطان يشتغل بمحاربة اسكندر بك المذكور قام جان هونياد وكيل ملك المجر وجمع في دائرة اتفاقه عدة أمراء من أوروبا وهاجمت جنوده الرومللي تحت قيادته فعاد السلطان إلى صوفية وجمع الجنود العثمانية فيها ثم تقدم والتقى مع جيوش هونياد في وادي قوْصَوة 852هـ حيث انتصر السلطان مراد الأول قبل ذلك بستين سنة وحصلت بينهما حروب شديدة امتدت ثلاثة أيام قتل فيها من الطرفين ما يقرب من 60 ألف مقاتل ثم انهزم هونياد وفر من ميدان القتال بعدما لحقه من الخسائر ما لا يحصى ثم عاد السلطان إلى أدرنة واهتم ببناء جامعه الشهير فيها وفي سنة 853هـ عقد السلطان لابنه محمد على ابنه اسكندر بك وبعد عودة السلطان من هذه المحاربة إلى أدرنة زوّج ابنة أمير بلاد ذي القدرية إلى ولده السلطان محمد سنة853هـ .

وفاته:

ثم اعتراه مرض بعد ذلك بسنتين مكث به اثنى عشر يوماً ثم ارتحل إلى الدار الآخرة 855 هـ فكتم أمراء الدولة خبر موته مدّة اثنى عشر يوماً حتى حضر ابنه السلطان محمد ثم نقل نعشه ودفن في مدينة بروسة في تربته المخصوصة.

وكان رحمه الله ملكاً جليلاً صالحاً يعتني بالعلم والعلماء والصلحاء مقداماً فاتكاً شجاعاً كريماً واسع العطايا عين للحرمين الشريفين من خاصة صدقاته في كل عام 3500 دنيار وهو وإن لم يصل إلى ما وصل إليه أسلافه من الفتوحات إلا أنه جدير بأن يشترك مع والده في لقب الباني الثاني للدولة العثمانية وذلك لأن هذين السلطانين توصلا بمساعيهما العظيمة لجبر وملافاة الخسائر والتخريبات التي أحدثها تيمورلنك ولما عزم على الاستراحة من عناء الملك وتفرغ للعبادة ورأى ما كاد يصل إلى جسم الدولة من الأذى استلم زمام السلطنة بيده القوية فكبح أعداءه وسارت جيوشه منصورة حتى بلغت جهات مورة واشقودرة.

السلطان الفاتح محمد خان الثاني 855-886هـ

جلس هذا السلطان الشهير والبطل الكبير وهو السابع من سلالة ملوك آل عثمان على سرير السلطنة بعد وفاة أبيه وكان سنة إذ ذاك 22 سنة وعقب جلوسه قام عليه كثير من أمراء بلاد الأناضول الذين كان فتح العثمانيون بلادهم بدعوى استرداد تلك البلاد فتمكن في آخر الأمر من إدخالهم جميعاً تحت لواء الطاعة ولما استلم زمام السلطنة كانت جميع بلاد آسيا الصغرى خاضعة للسلطنة العثمانية ما عدا بلاد ابن كرمان ومدينة سينوب ودولة طرابزون.

أما بأوروبا فكانت دولة القسطنطينية لا تزال على استقلالها وبلاد بيلوبونيز (موره) منقسمة بين عدّة أمراء من اليونان واللاطينيين وبلاد البانيا خاضعة لاسكندر بك وبوسنة مستقلة تمام الاستقلال وبلاد الصرب تدفع جزية للعثمانيين وما عدا ذلك من الجهات فكان في قبضة العثمانيين.

فتح القسطنطينية :

كان ملوك القسطنطينية يجتهدون على الدوام في بث الدسائس ونفخ روح العصيان في جسم مملكة العثمانيين منذ عظم أمرهم وضخم ملكهم ليأمنوا على ما بأيديهم من بقايا الدولة اليونانية العظيمة وكان الإمبراطور قسطنطين من يوم تبوئه عرش المملكة وهو عامل على طريقة أسلافه من إحداث الثورات وتنشيط عوامل الاضطرابات الداخلية بالمملكة العثمانية فانتهز السلطان المشار إليه ذلك فرصة لاتمام مقصوده ونيل مرغوبه من فتح القسطنطينية سيما وأن أحوال تلك المدينة الداخلية كانت مختلة بسبب التعصبات المذهبية والقلاقل الدينية.

وبعد أن صمم السلطان على إنقاذ غرضه واحتاط لأمره وأعد جيوشه خرج من أدرنة عاصمة بلاده بعد أن وطد الأمن في أنحاء المملكة وأدخل تحت لواء طاعته من ثار عليه من الأمراء المار ذكرهم على رأس جيش كثيف يبلغ مائتي ألف جندي ومعه أسطول مؤلف من ثلاثمائة غراب حربي وكثير من سفن النقل وكان أمر بتجهيزها بمدينة كليبولي قبل خروجه وكانت هذه الأساطيل تحت قيادة بلطه أوغلى سليمان بك المعتبر لدى الملاحين أوّل قبودان للأساطيل العثمانية ومعه أيضاً كثير من آلات الحصار وأدوات الحرب والنزال وحاصر مدينة القسطنطينية براً وبحراً.

ولما شرع السلطان في تهيئة الأسباب لفتح القسطنطينية وأخذ في بناء الحصون على ساحل البحر الأسود أرسل إمبراطور القسطنطينية قسطنطين باليولوغ يتضرع إليه ويسأله العدول عن مشروعه هذا وفي مقابلة ذلك يتعهد بدفع الجزية التي كان يدفعها سلفه فلم يقبل السلطان ذلك من رسله ونقل بعض المؤرخين أنه أرسل للسلطان ثانية رسولاً يقول له أن بناء هذه الحصون والقلاع ما وراءها إلا القتال وتجريد جيوش الشر والحرب فإن لم تحملك المواثيق على عقد الصلح بيننا فذاك إليك وقد فوضت أمري إلى الله تعالى فإن هداك وعطف قلبك كان ذلك غاية المراد وإن كان قدر لك بفتح القسطنطينية فلا مرد لقضائه ولا مانع لحكمه وإلا فلا أزال أدافع عنها إلى آخر رمق من حياتي.

وقد بذل هذا السلطان في أمر حصار القسطنطينية من السعي والإقدام ما جعله يعد من أعظم الفاتحين ولم يترك أية وسيلة ممكنة لنجاح مرغوبه ونيل مطلوبه فصنع من خوارق العادات ما لم يسمع بمثله.

منها أنه سبك مدفعاً جسيماً من البرونز قطره اثنا عشر شبراً يقذف كرة من الحجر يبلغ وزنها اثنى عشر قنطار لمسافة ميل وكان خدامه يبلغون سبعمائة شخص ويحتاج حشوه لساعة من الزمان ولما أرادوا نقله من مدينة أدرنة حيث صبوه لوضعه على حصار القسطنطينية خصصوا له خمسمائة زوج من الثيران القوية وثلاثة آلاف جندي.

ومنها وهو أغربها تسيير السفن الحربية على اليبس مسافة فرسخ من عند المكان المسمى الآن طولمة باقجه إلى المكان المدعو قاسم باشا وكيفية ذلك أنه أمر بناء على إشارة المهندسين بتغطية الأرض التي يراد سحب السفن عليها بألواح الصنوبر المدهون بالشحم حتى صارت كالمزلقان ثم سحبوها عليها وكانت عبارة عن ثمانين غراباً وسبعين سفينة خفيفة بقوة الأيدي والآلات المستعملة إذ ذاك لأنه رأى تعذر إدخال السفن إلى مينا المدينة لأنها كانت مقفلة بأضخم السلاسل الحديدية ومحصنة بأقوى الآلات الدفاعية وأجودها فتمت جميع هذه الأعمال في ليلة واحدة فقط وعند الصباح اندهش المحصورون تمام الاندهاش حينما شاهدوا أسطولاً حربياً تام المعدات انحدر من الشاطئ إلى ميناهم ثم أنشأ العثمانيون في نفس ذلك اليوم جسراً عظيماً من السفن المذكورة ونصبوا عليه إحدى بطارياتهم الأربعة عشر كل ذلك على مرأى من المحصورين.

ونقل هامير المؤرخ أن السفن أثناء سحبها كانت ناشرة شراعاتها وربابينها على مقدّمتها وكانت الأبواق تضرب والطبول تعزف ولما طلع الفجر شاهد المحصورون أزيد من سبعين سفينة حربية راسية بميناهم .

ولما علم الإمبراطور ضعف عساكره أمام عسكر العثمانيين المنتظمة المدربة على القتال العارفة بأساليبه أرسل يستغيث بأوروبا النصرانية فأعارته أُذناً صماء وأرسل البابا إليه رسولاً يحرضه على مداومة القتال وشد العزيمة ويعده بأنه سينادي بالحرب المقدسة بين أمم النصارى ومع ذلك فإنه لم يكن بأوروبا إذ ذاك من ملوك النصارى من له قدرة على مساعدة القسطنطينية ومقاومة جيوش العثمانيين القوية غير أميرين وهما هونياد أمير تراسل فانيا إلا أنه لم يكن في مقدرته غير حفظ نفسه والآخر هو اسكندر بك الشهير الذي كان يهتم في حفظ مركزه بجبال بلاد ايبير كما كان يفعل الدون بيلاج بجبال استورى حين إغارة المسلمين على بلاد إسبانيا ولما كان لمدينة جنوة منافع تجارية ومواصلات مستمرة مع القسطنطينية ولها عدة مخازن تجارية بجهة غلطة أرسلت إلى الإمبراطور دوننمه مؤلفة من خمس سفن حربية تحت إمرة رجل شجاع يدعى جوستنياني ومعه ستة آلاف جندي فتمكن هذا القائد بمهارته من إنزال جيشه إلى البر على مرأى من العثمانيين وعند ذلك انتعشت قلوب المحصورين وقويت نفوسهم واجتهد ذلك القائد الجنويزي مراراً في إحراق السفن العثمانية فلم ينجح أصلاً لتيقظ جنودها حتى إنه أتى ذات ليلة تحت دجى الظلام لهذا القصد فوجد جند العثمانيين متيقظاً فلمحوه ولما همَّ بالرجوع أطلقوا عليه نيراناً قوية فأغرقوا سفينته وكان بها أزيد من مائتي شاب من متطوّعة الطليانيين ومن أولاد أشرافهم ولم ينج ذلك القائد بنفسه إلا بعد جهد جهيد وعناء شديد.

ولما تيقن العثمانيون من نجاح مشروعهم وأنهم سيستولون على المدينة لا محالة أرسل السلطان قبل الهجوم العام بيوم واحد رسولاً إلى الإمبراطور يخبره بأنه إن سلم المدينة من غير قتال فإن السلطان يمنح جميع الرعايا الحرية التامّة ولا يتعرض لهم في شيء أصلاً ويهب الإمبراطور بلاد مورة في مقابلة ذلك فلم يقبل من الرسول قولاً وردّه بعد أن وبخّه ومما قال له: إن السلاطين الذين أنوا قبل محمد هذا سعوا في افتتاح القسطنطينية فلم يقدروا مع ما بذلوه من القوّة والسعي فالأصلح للسلطان أن يرجع بعساكره وهو يتعهد بدفع الجزية كالأول ولما شكل الإمبراطور مجلسه الخاص وعرضه عليه ما قاله رسول السلطان أطرقت الأعضاء برؤوسهم ولم يعارض واحد منهم دلالة على القبول ما عدا رسول البابا ومندوب إسبانيا وغيرهما فإنهما أشارا على الإمبراطور بمداومة القتال وانتظار أمداد أوروبا.

لما شرع السلطان في الهجوم العام رتب عساكره وقسمهم إلى فرق تحت قيادة أمهر ضباطه ونادى مناديه في المعسكر بأن أوّل من يتسلق سور المدينة من العسكر يوليه السلطان ولاية من أغنى الولايات وينعم عليه بالعطايا الوافرة والإنعامات الجزيلة وأخذ هو يجول بين الصفوف على ظهر جواد يحرض الجند ويستحثهم وأمر فسار المتطوّعون أمام العسكر وبيد بعضهم أحجار وبيد البعض الآخر أخشاب أو أكياس ملئت بالطين والرمل ليلقوها بالخندق لتكون كالجسر يعبرون عليه لامتلاك المدينة.

ولما صدر لهم الأمر بالسير اندفعوا كالسيل المنهمر وانقضوا كالأسود وصاروا يلقون ما بأيديهم بالخنادق فأنصبت عليهم من أعلى السور نيران الأعداء وقتلت منهم كثيراً وأظلم الجو من دخان المدافع وحجبت الشمس حتى صار النهار ليلاً وقابلتهم سهام الهاجمين كل ذلك والجيوش المنتظمة لم تبد أقل حركة مدة ساعتين حتى تعب عسكر الإمبراطور وضعفت نيرانهم فعند ذلك تحركت تلك الفرق وزحفت على الأسوار بقلوب لا تخاف الموت وأمامهم أبراج من الخشب على عجل يجرها الجند مكسوة من الخارج بجلود يبلونها بالماء على الدوام لتمنع تأثير النيران التييقذفها المحاصرون وبداخلها عدد من أبطال الجند معهم آلات الدفاع.

وشرع النقابون من أهالي توقات في نقب الأسوار ورميت سلالم التسلق على الأبراج واشتبك القتال وقويت نيران الأعداء بعد ضعفها وفتحت مدافع العثمانيين أفواهها الشبيهة بالبراكين حين ثورانها وقذفت عليهم مقذوفاتها الهائلة وصار الإمبراطور يطوف بنفسه على العسكر ليبعث فيهم روح القوّة الخامدة ثم اقترب العثمانيون من الأسوار جدّاً وضربت مدافعهم أغلب الحصون والأبراج وعبروا الخندق على الجثث الملقاة به ودخلوا المدينة فاستولوا عليها عنوة.

ويقال إن الإمبراطور قتل أثناء مقاومته الهاجمين خلف الباب ويقال إنه أصابه سهم وهو فوق السور يحرض عسكره فخر قتيلاً وسمعه أحد عسكره المنهزمين يتضرع إليه بأن يحتز رأسه لكي لا تعلم جثته بين القتلى فيمثل بها المتغلبون.

وكانت القسطنطينية في غاية المنعة متينة الأسوار والحصون والأبراج وقد حوصرت تسعاً وعشرين مرة وكانت هي المنصورة وكان بها من السكان إذ ذاك أزيد من 300 ألف نسمة.

ولما استولى السلطان المشار إليه على تلك المدينة الجسيمة وامتلكها بحق الافتتاح أبقى للنصارى عدّة كنائس خصوصاً الكنائس الموجودة بالقسم المنخفض من المدينة فإنها لم تُمس أصلاً ووجد الفاتحون بالمدينة من الأموال والنفائس والأمتعة الثمينة شيئاً كثيراً جداً خصوصا ما كان للقياصرة بقصورهم.

ومما يدل على مكارم أخلاق هذا السلطان أنه أبقى للنصارى خلاف ما أبقاه لهم من الكنائس والصوامع كنيسة وحارة بتمامها مراعاة لمهندس معماري يدعى كريستبول كان استعمله السلطان محمد في بناء بعض المباني وأعطاه تلك الحارة بتمامها لتكون ملكاً له ولذريته من بعده.

قال فولتير بعد روايته هذه الحادثة: ليست هذه الحادثة من الحوادث التي تستحق الذكر في التاريخ أي أن مهندساً كان يمتلك حارة بتمامها بل القصد أن نبين أن الأتراك لم يعاملوا النصارى بقسوة كما نعتقده نحن ولا تجيز أمة من أمم النصارى أن يكون للمسلمين مسجد ببلادها أصلاً بخلاف الأتراك فإنهم يسمحون لليونان المقهورين بأن تكون لهم كنائس وكثير من هذه بجزائر الأرخبيل تحت مراقبة أحكامهم .

وكان استيلاء العثمانيين على هذه المدينة العظيمة في يوم الثلاثاء عشرى شهر جمادى الآخر سنة 857هـ 29ماية 1453م بعد حصار دام ثلاثة وخمسين يوماً حسب رواية غالب المؤرخين، وقد أرخ بعضهم سنة افتتاحها بقوله: بلدة طيبة ولما دخلوا المدينة بحثوا عن جثة الأمبراطور بين القتلى ولما وجدوها حسب دلالة من يعرفه دفنوها بما يليق بها من التعظيم في مقابر الملوك وافتدى السلطان كثيراً من أمراء اليونان ممن كان وقع في يد العسكر أسيراً.

وقد أوقع هذا الظفر جميع أوروبا في الحيرة والاندهاش فهاجت ملوكها وماجت وأظهر السلطان مزيد التفاتة لراحة الرعايا وأمر للنازحين منهم بالعودة إلى أوطانهم وبحريتهم في معتقداتهم وأصولهم الدينية وبحسن تدبيره جعل شعلة هذا الهيجان تخمد نوعاً.

قال بعض المؤرخين: لما سقطت القسطنطينية في يد الفاتحين وقع الرعب في قلوب جميع سكان ممالك اليونان حتى كأنهم أصيبوا بمصيبة عظيمة فهاجت سكان مورة والجزائر المجاورة لها وتركوا مواطنهم هائمين على وجودهم لا يدرون أي جهة يقصدون.

ثم أمر السلطان بانتخاب بطريق لليونان حسب عادتهم فانتخب جورج جيناد يوس وألبسه التاج بيده وسلمه عصا البطارقة وقال له إذ ذاك: كن بطريرقاً لأمتك وليحفظك المولى ويجب عليك في جميع الأحوال أن تتأكد من محبتي وخلوص طويتي إليك وتتمتع بالمزايا التي كان يتمتع بها أسلافك من قبل ولما أمن اليونان على أنفسهم وأموالهم وحرية عبادتهم أصدر السلطان المشار إليه فرمانا يصرح لهم فيه بحكم أنفسهم بأنفسهم فشكلوا طائفة منفصلة تمام الانفصال عن الأمة الفاتحة وكان بطريرقهم جائزاً لرتبة وزير ودرجة شرف بين ضباط الانكشارية.

وبعد أن أتّم السلطان تنظيم أحوال هذه المدينة العظيمة وإصلاح ما تخرب من حصونها سافر في سنة 858هـ بالجيوش الكثيرة العَدَد والعُدَد لفتح بلاد جديدة فغزا مقاطعة بوسنة واستولى على أكثر بلادها وأضافها إلى أملاكه ثم قصد بلاد موره فأسرع أميراها هادمتر يوس وتوماس قسطنطين وطلبا من السلطان أن يقبل منهما دفع جزية سنوية قدرها 1200من الذهب فقبل منها وكان أرسل قبل ذلك أسطولاً تحت قيادة الرئيس خاص يونس ففتح قلعة أينوز وجزيرتي سمايرك وطاشيوز،وكانتا للبنادقة.

ولما عاد السلطان إلى أدرنه قتل وزيره جندره سي قرة خليل باشا بتهمة أخذ الرشوة من إمبراطور القسطنطينية وقت الفتح وقد كان الوزير المذكور يجتهد ويبذل المساعي في تحويل فكر السلطان وصرف عزمه عن فتح القسطنطينية وقد كان قبل ذلك أيضاً اجتهد في تثبيط همة السلطان بايزيد عندما أراد مقابلة جيش المتفقين في الواقعة الشهيرة التي انتصر فيها بورنة وقد عزل السلطان أيضاً كلا من الوزيرين يعقوب باشا ومحمد باشا لسوء طنه في سلوكهما نفيا إلى بعض البلاد البعيدة وبعد قتل خليل باشا بقي مسند الصدارة خالياً مدّة سنتين إلى أن وجهت إلى محمود باشا الشهير.

ولما كان فتح القسطنطينية قد أثار عوامل الغضب والحقد عند ممالك أوروبا خصوصاً بابا رومية كالكستوس الثالث منهم لما كان يرجونوا له من ضم الكنيستين الشرقية والغربية إلى بعضهما سعى في تأليف حملة صليبية فتم له ذلك وأغار جيش أوربى مختلط على حدود المملكة العثمانية بأوروبا سنة860 هـ 1456 م فلما بلغ السلطان محمد الفاتح نهض بجيش يبلغ 150ألف مقاتل وأسطول مركب من 200سفينة وذلك بعد أن رتب إدارة الأمور بالقسطنطينية وحاصر مدينة بلغراد عاصمة بلاد الصرب براً وبحراً وكاد يفتحها إلا أنه في خلال ذلك هاجم جان هونياد قائد المجر أساطيل العثمانيين وأتلف منها قسماً عظيماً وكان دخل المدينة قبل حصارها ودافع عنها دفاع الأبطال فالتزم السلطان بترك حصار بلغراد بعد أن قتل من جيشه عدد كبير وقد جرح هونياد في هذه الحرب جرحاً بليغا مات به بعد عشرين يوماً من رفع الحصار ولما علم السلطان بموته أرسل محمود باشا الصدر الأعظم فأتم فتح بلاد الصرب 860هـ .

وبذلك فقدت هذه البلاد استقلالها تماماً ثم توجه إلى مورة عن طريق سيروزو يكيشهر واستولى على مدينة كورنثة وما جاورها من البلاد وبذلك لم يبق لتوماس بالبولوغ أخي قسطنطين شيء من البلاد التي كانت له ثم أراد التقدّم لفتح بلاد مورة تماماً إلا أن ديمتر يوس تعهد بدفع الجزية فقبل السلطان ورجع عنه في هذه المرة ومع ذلك فإنه لما أظهر الطغيان بعد بقليل دخل السلطان بلاده في هذه السنة فأخضعها تماماً وفر توماس إلى إيطاليا وتوفي ديمتر يوس في إحدى جزائر الأرخبيل.

فتح أماصرة وسينوب وطرابزون:

لما نال السلطان مراده من الاستيلاء على بلاد الصرب واليونان حول عزيمته لتسخير الممالك الباقية في حالة استقلال على سواحل البحر الأسود وهي أماصره وطرابزون وسينوب وكانت الأولى تابعة للجنويزيين والثانية وهي طرابزون تابعة لأمراء من بيت قياصرة القسطنطينية وكانت تشكلت حين إغارة الحملة الصليبية الرابعة سنة 600هـ على مدينة القسطنطينية واستيلائهم عليها فتم له فتح أماصرة سنة 865 هـ وأخضع أيضاً مملكة طرابزون ولم ينفعها تصدي الأمير أوزون حسن لحمايتها من مخالب العثمانيين سنة 865 ثم نقل ملكها داود كومنين هو وعائلته إلى القسطنطينية ورتب السلطان لهم ما يكفيهم من المرتبات.

أما مدينة سينوب فقد استولى عليها من يد صاحبها إسماعيل بك من عائلة اسفنديار وهم بقية من طوائف ملوك الإسلام كانوا يحكمون قسطموني وسينوب وهم وإن كانوا يدفعون للدولة أتاوة سنوية معينة إلا أنهم كانوا لا يفترون عن بث الدسائس وإقلاق الراحة بجهات الدولة العثمانية كلما تمكنوا من ذلك ولما رأى السلطان أن بقاء هذه الإمارة وإن كانت خاضعة له عرقلة لمساعيه، أراد محو استقلالها وضم الممالك الإسلامية المتفرقة إلى بعضها ولذلك أصدر أمره إلى وزيره الأعظم محمود باشا بمداركة ما يلزم لفتح تلك الإمارة، فساق عليها جيشاً برياً واسطولاً مؤلفاً من مائة غراب حربي .










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:53   رقم المشاركة : 70
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 فتح مديللي

فتح مديللي:

بعد عودة السلطان من غزواته المذكورة اهتم بتقوية البحرية فأنشأ كثيراً من السفن الحربية على أشكال أساطيل البنادقة وسارت الدوننمة العثمانية تخرج سنوياً للغزو في بحر الأرخبيل لإظهار آثاراً البسالة العثمانية لكسان جزائره ولما كانت جزيرة مديللي واقعة على طريق بوغاز الدردنيل صمم السلطان على ضمها لأملاكه تأمينا لهذا الطريق فأرسل وهو في كليبولي سنة 866 هـ1462 م الوزير محمود باشا مع الجيوش براً وساق أساطيل الاستانة وغليبولي بحراً فلما وصلت الأساطيل إليها نقلت الجيوش من ساحل الأناضول إلى الجزيرة وشرع في حصارها فحضر حاكمها وأظهر الخضوع فاستولى الباشا على قلعتها وباقي البلاد الموجودة بالجزيرة وعين لها محافظاً وقاضياً وحامية ثم عاد ظافراً ومن وقتئذ أخذ السلطان يشيد الحصون والقلاع في بوغاز الدردنيل وجزيرة بوزجه أطه لحماية طريق القسطنطينية.

فتح بلاد بوسنة:

أنه لما يئس ملك بوسنة من المداخلة في أمور بلاد الصرب كما قلناه فيما سبق أظهر التمنع عن دفع الجزية السنوية المضروبة عليه سيما أنه كان رأى قرب وقوع الحرب بين العثمانيين والبنادقة، لهذا رأى السلطان ووزراؤه أن من الوجوب الاستيلاء على بلاد بوسنة ليتمكنوا من تهديد بلاد البنادقة فلهذا أمر وزيره الأعظم محمود باشا سنة 867هـ بالخروج من مدينة أسكوب لمحاربة ملك بوسنة ولما وصلت الجنود العثمانية إلى بوسنة أخذت في مطاردة ملكها الذي كان يفر أمامها من نقطة إلى أخرى إلى أن حاصروه ببلدة كلوجي ولما رأى عدم مقدرته على المدافعة سلم نفسه وخضع أيضاً جميع من بالقلاع والمدن من الحكام.

فتح بلاد القريم:

قد كانت بلاد روسيا الشرقية وشبه جزيرة القريم وجميع الجهات الواقعة شمالي البحر الأسود يحكمها من زمن جنكيزخان أمراء من التتار وكانت الطوائف المذكورة اعتنقت الدين الإسلامي من عهد تيمور لنك وقد كان تيمور جمع الطوائف النازلة ببلاد قازان وأزدرهان والقريم وقبجاق من التتار وشكل منها مملكة القبجان وقد استمرت هاته الحكومات زمنا طويلاً فاتحة قوية إلا أنه بعد مدة اعتراها الوهن والاختلال فانتهز الجنويزيون فرصة ضعفهم واستولوا على ثغو آزاق وكفه ومنكوب وغيرها واتخذوها محطات للتجارة وكانوا ينتفعون كثيراً من وقوع الاضطرابات بين الممالك المذكورة وفي سنة 880هـ أمر السلطان وزيره الأعظم كديك أحمد باشا بالذهاب إلى تلك الجهات وفتحها وطرد الجنويزيين منها وكان تولى الصدارة بعد عزل محمود باشا ثم خرج إليها يقود 300سفينة بين حربية ونقلية وأخضع البلاد التي كانت في قبضة الجنويزيين بأكملها وطردهم من تلك الأطراف واتفق في تلك الأثناء أن الحاج كراى آخر ملوك القبجاق كان توفي وترك اثنى عشر ولداً ذكراً فقام هؤلاء الأولاد على بعضهم كلٌّ يدعى حق الملك واستمرت المحاربات بينهم زمناً وطويلاً حتى ضعف حالهم وانقسمت مملكتهم فقام عند ذلك علماء القريم وأشرافها وعرضوا للسلطنة العثمانية بمحضر قدموه يلتمسون إصلاح ذات البين وتقرير قواعد النظام والسكينة ببلادهم وقد كان العثمانيون وجدوا من ضمن الأسرى الذين قبضوا عليهم بمراكب الجنويزيين منكلى كراى أحد أولاد الحاج كراى ولما عرفوه أظهر له السلطان الاحترام وعامله بما يليق وأطلعه على المحضر المقدم من أهل بلاده ثم نصبه خاناً على بلاد القريم بالنيابة عنه وأنعم عليه بالخلع السنية والتشريفات المخصوصة وأرسله إلى بلاده وقعد ذلك صارت بلاد القريم ولاية ممتازة تابعة للدولة العثمانية 880هـ وانتقلت جميع المنافع التجارية التي كانت للجنويزيين بتلك الجهات إلى يد العثمانيين.

الحملة الأولى على رودس:

لما بلغ السلطان سنة885 هـ 1480 م أن سفن قرصان أسير جزيرة رودس وهو من نسل أمراء الصليبيين الذين بعد أن طردوا من الديار الشامية تمكنوا من الاستيلاء على جزيرة رودس وجعلها داراً إقامة لهم وكانوا أخذوا يهتمون في بناء السفن الحربية وإرسالها للصيال والفتك بسفن التجارة العثمانية وكانت أضرت بها كثيراً صمم السلطان على تسخير هذه الجزيرة المهمة لتأمين طريق التجارة فأرسل عمارة بحرية مؤلفة من 160سفينة حربية وجيشاً برياً يبلغ مائة ألف مقاتل تحت قيادة مسيح باشا ولما وصلت هذه القوّة إلى الجزية حاصرت المدينة وبعد مدّة استولت على بعض الحصون لكن لما أصدر هذا القائد لجنوده الأمر بعدم التعرض للغنائم وقع منهم هذا الأمر أسوأ موقع لمنعهم عن التمتع بالفوائد المطلوبة والثمرة المرغوبة ونتج عنه تكاسلهم وتراخيهم عن الهجوم وبعد حصار ثلاثة شهور التزم مسيح باشا بالرجوع عنها وتأخر فتحها نحو خمسين سنة ومع ذلك لم تفترهمة هذا السلطان العظيم عن الفتوحات بل جهز في سنة 886هـ 1481 م جيشين عظيمين أحدهما لفتح جزيرة قبرس وقاد الثاني بنفسه لغزو بلاد العجم وبينما هو في الطريق أدركته الوفاة.

ولما كانت البحرية العثمانية في أيامه تقدمت كثيراً عده المؤرخون مؤسساً للبحرية العثمانية وقد فتح العثمانيون في زمنه فتوحات كثيرة وتمهدت أركان السلطنة عن ذي قبل بحيث أصبحت حاكمة على جميع جهات البحر الأسود تقريباً وبحر مرمراً كله والقسم الأهم من جزر الأرخبيل ولو لم يكن له إلا فتح القسطنطينية لكفاه فخراً ومجداً.

وترك من الأولاد الذكور اثنين الأمير بايزيد والأمير جم.

وكان ملكاً جليلاً يعجز الواصفون عن مقدار فضائلة ومحاسنه وكان رحمه الله محباً للعلم والعلماء شجاعاً كريماً عاقلاً له الفتوحات العظيمة والمآثر الجسيمة معدوداً من أعظم الفاتحين وأسمى المتغلبين وهو الذي افتتح مدينة أتينا وكسر أساطيل البنادقة مراراً حتى جبرهم على دفع الجزية له ونزع من بلاد إيطاليا عدة مدائن وافتتح دولة طرابزون وغير ذلك، ثم في أثناء مشروعاته الجسيمة اعتراه مرض أوقف أخراجها من القوّة إلى الفعل فانتقل إلى رحمة ربه في سنة 886 هـ 1481 م بمدينة ككبوزه بعد أن حكم اثنتين وثلاثين سنة حكماً مكللاً بالنصر والمجد ودفن بجامعه الذي شيده بالقسطنطينية المعروف باسمه وكان قبل وفاته يستعد للتغلب على جزيرة رودس ونزعها من يد طائفة الفرسان لكثرة شرورهم ونهبهم سفن المسلمين ويقود بنفسه جيشاً لافتتاح مدينة رومة.

ولقد كان الاستيلاء على مدينة القسطنطينية في مدّة هذا السلطان من أعظم الدواعي لتقدم المملكة العثمانية وضم أجزائها إلى بعضها لأنه لم يكن من المناسب بقاء دولة مستقلة وسط دولة أخرى واسعة الأطراف خصوصاً إذا كانت هذه الدولة الثانية عاملة على بث عوامل الشرور في جسم المملكة الأولى كما كانت تفعله دولة القسطنطينية الضعيفة. زيادة عن أن وقوع القسطنطينية في وسط المملكة العثمانية يكون بعد فتحها العاصمة التي منها يمكن لسلاطين آل عثمان مراقبة أطراف مملكتهم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ولذلك فإنهم بعد فتحها نقلوا إليها عاصمتهم لوقوعها في المكان المتوسط من أملاكهم.

وكان هذا السلطان من أعظم ملوك زمانه تهذيباً وعلماً فكان يحسن العربية والفارسية والتركية واليونانية واللاطينية وغيرها وله ميل شديد لفن التصوير ويعرف ما يمكن معرفته إذ ذاك من الجغرافيا والتاريخ والرياضة وكان يقرأ القصائد اللاطينية التي كانت الشعراء من أهل البنادقة والجنويزيين يمدحونه بها وكان يطالع مؤلفات بلوتارك بمواظبة ويهتم في تقليد اسكندر الأكبر وقيصر والفاتحين الشهيرين الذين ذكرهم هذا المؤلف وقد اتفقت أقوال مؤرخي اليونان والبنادقة والجنويزيين على محبة السلطان محمد للعلوم وانكبابة على دراستها ولما سمع بشهرة المصور البندقي جنتيلي بيللينوا حضره لديه فلما قدم أحسن وفادته وغمره بالهدايا وأنعم علهي بتاج وقلادة من الذهب وغير ذلك ورده إلى بلاده مع الاحترام اللائق بأمثاله وكان يحضر بنفسه امتحان العلماء والفقهاء المستعدين للترقي في الدرجات العلمية السامية وأعلى شأن العلم كثيراً وعضده.

السلطان الغازي بايزيد خان الثاني 886-918هـ:

لما توفى السلطان محمد الفاتح كان ابنه السلطان بايزيد في جهات أماسية حيث كان والياً فطار إليه الخبر ولما وصل إلى القسطنطينية وجد اليكجرية شقوا عصا الطاعة ونهبوا كثيراً من منازل الأغنياء وقتلوا الصدر الأعظم قرمانلي محمد باشا لأنه كان أخفى موت السلطان حتى يحضر ولي عهده ويجلس مكانه إلا أنه لم يحسن التدبير في ذلك، ويقال إنه كان أرسل أيضاً للأمير جم يعلمه سراً بموت أبيه لأنه كان يميل إليه فلما علم اليكجرية بذلك فعلوا ما فعلوا.

ومن حسن الطالع أن تمكن إسحاق باشا محافظ استانبول من تهدئة الخواطر بمبايعته الأمير قورقود من أولاد السلطان مبايعة وقتية حتى يحضر السلطان بايزيد ولما حضر السلطان بعد ثمانية أيام وجد الأحوال مضطربة فاجتهد في تسكينها ووعد اليكجرية بالعطايا والهبات ومن هذا الوقت وجدت عادة إعطاء الهبات والعطايا للجنود وضباطهم كلٌّ حسب مرتبته كلما جلس سلطان جديد وكانت هذه العادة سبباً لفتن كثيرة جلبت على الدولة مشاكل جمة ولقد كانت هذه الفعلة أوّل ظهور تمرد وطغيان الانكشارية.

وقائع الأمير جم:

أما الأمير جم وكان والي قونية فكان يطمع في السلطنة على انفراد أو يشارك أخاه فيها وكان كثير من أمراء الدولة وجنودها يميلون إليه ويرغبون له ذلك ولما عظمت عنده هذه الآمال شق عصا الطاعة على أخيه ثم التف عليه كثير من شيعته حتى صار له جيش عظيم وأخذ في شن الغارات وفتح القلاع فجهز السلطان عليه جيشاً تحت قيادة إياس باشا إلا أنه هزم هذه الجيش وأسر قائده وكثيراً من ضباطه ثم تقدم جم بجيشه وفتح بروسة واستقبلته سكانها بالترحاب وسلموه المدينة وبعد أن رتب أمورها استولى على البلاد المجاورة لها وكوّن من ذلك مملكة خطب له فيها على المنابر ورتب له وزراء وقواداً ولما علم السلطان بذلك خاف سوء العقبى واحتال وزراؤه لذلك بحيلة وهي أنهم اجتهدوا في استمالة مدير الأمير جم المدعو لالايعقوب ووعدوه ومنوه فنجحوا في قصدهم وبانحياز المدير المذكور ضعفت عساكر السلطان جم واستظهرت عليه جيوش السلطان بايزيد ثم هرب جم جريحاً إلى قونية ملتجئاً عند أولاد قرمان.

ولما علم أن الجيوش العثمانية تتعقبه أخذ اتباعه والتجأ إلى قايتباي ملك مصر إذ ذاك أما السلطان بايزيد فإن توجه إلى ديار القرمان واستولى عليها عقاباً لأمرائها على ما فعلوه من نصرة جم ثم عين ولده الأمير عبد لله والياً عليها ولما عاد إلى الإستانة عزل وزيره إسحاق باشا ونفاه إلى سلانيك وعين مكانه داود باشا صدراً أعظم وأخذ في ترتيب إدارة الدولة فنظم الباب العالي وعين للدولة أربعة وزراء.

وفي تلك الأثناء هاجم قاسم بك أمير قرمان السابق الأمير عبد الله الذي ولاه السلطان بلاده فأرسل السلطان عليه هرسك زاده أحمد باشا بجيش عظيم فاستظهر على قاسم بك المذكور وشتت شمله ولما عدم قاسم بك شيعته هرب إلى طرسوس وكان الأمير جم بعد التجائه إلى قايتباي ذهب إلى الحج وبعد عدوته سعى قايتباي في الصلح بينه وبين أخيه فلم يجد سعيه نفعاً ثم إن الأمير جم راسل قاسم بك المذكور واتفق معه على محاربة السلطان وتحزب معهما عدة أمراء فهزمهم السلطان بايزيد بقرب جبل طوروس بالجيش الذي أرسله صحبة كديك علي باشا ولما ضاقت الأرض في وجه الأمير جم أخذ يضرب في الأرض.

ثم ذهب أخيرأ إلى جزية رودس 1482م فتلقاه فرسانها بالترحاب وأنزلوه خير منزل وكان قبل ذلك سعى كثيراً في الصلح مع أخيه بشرط أن يمنحه بعض الاقطاعات فرفض هذا الطلب خوفاً من أن ذلك يؤدي إلى مالاً تحمد عاقبته ولما علم السلطان بالتجاء أخيه إلى فرسان رودس أرسل لهم رسولاً يطلب منهم إبقاء الأمير جم عندهم وعدم التصريح له بمبارحة الجزيرة المذكورة وفي مقابلة ذلك يتعهد لهم السلطان بعدم مس استقلالهم وأن يعطيهم سنوياً 45000 من الذهب فقبل رئيس الفرسان ذلك وقد وفى الفرسان بهذه الشروط ولم يصرحوا اللأمير جم بمبارحة الجزيرة وكذا لم يسلموا فيه حتى حينما طلبه ملك الجرو إمبراطور ألمانيا اللذان طلبا إطلاق سراحه للتشغيب به على الدولة العثمانية ولما خاف رئيس الفرسان من فراره أو أخذه منه بالقوة أرسله تحت الحفظ إلى مدينة نيس فأقام بها زمناً ثم نقل منها إلى مدينة سجري ومنها إلى غيرها مدّة سبع سنوات ثم إن رئيس الفرسان سلمه أخيراً 1489م إلى البابا أينوسان الثامن الذي خابر السلطان في ذلك وطلب منه أن يدفع إليه ما كان يدفعه لفرسان رودس بشرط أن يحافظ على الأمير جم فقبل السلطان منه ذلك وبقي الأمير جم عند هذا البابا حتى مات.

ومازال هذا الأمير جم مصاحباً الجيوش الفرنساوية حتى توفي في 21جمادى الآخرة سنة900 هـ 1495 م بمدينة نابولي ودفن ببلدة جابيت من أعمال إيطاليا وبعد ذلك نقلت جثته إلى بروسة ودفن في مقابر أجداده وكان سنة لما توفي36 سنة قضى منها نحو 13 في حالة تشبه الأسر وكان شاعراً لبيبا شهما ويقال إنه أصيب بالجنون في آخر حياته.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:54   رقم المشاركة : 71
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 الوقائع البحرية في العهد المذكور

الوقائع البحرية في العهد المذكور:

لما حدثت الثورات والاضطرابات المتقدّمة بين مصر والاستانة انتهز البنادقة فرصة ذلك وأرسلوا أساطيلهم لمهاجمة سواحل الدولة العثمانية ولما تخلص السلطان من تلك المشاكل أصدر أمراً باستعداد العمارة وتجديد سفينتين طول كل واحدة منهما 180 قدماً وأن ينزل فيهما ألفا محارب خلاف ما بهما من الجنود البحرية لصدّ البنادقة عن تعدّياتهم ولما تمت المعدّات أقلعت الدوننمه 904هـ 1488م تحت قيادة القبودان داود باشا وكانت منقسمة إلى قسمين أحدهما تحت قيادة كمال رئيس والآخر تحت قيادة براق رئيس لطرد البنادقة من القلاع الباقية في يدهم بشبه جزيرة مورة ثم وصل المدد إلى قسم كمال رئيس حتى بلغت سفنه 300 سفينة مختلفة النوع والقدر وكانت عمارة البنادقة تحت إمارة أنطوني فريماني وكانت مركبة من 36 سفينة من نوع الغالي و 50 من نوع الغليون و 40 سفينة نقلية وبهذا كانت تفوق العمارة العثمانية قوّة وضخامة وعلى الأخص عندما انضم إليها أساطيل بعض الدول الأوروباوية البحرية التي صيرتها أعظم ما كانت عليه قبلا وكان رسوها أمام قلعة متون Modon الكائنة في شمال جزيرة سابيانجة بالجنوب الغربي من مورة وبقيت تلك العمارة في انتظار العمارة العثمانية حتى وصلت إلى تلك الجهة بعد مضي ثلاثة شهور من خروجها وعليها نيف و 2000 ألف مقاتل جميعهم قد تأهبوا للقتال وفاضت صدورهم بحب التشفي والانتقام من عدوّهم كما هو شأنهم وبعد وصولها بقيت عشرين يوماً بلا قتال ريثما أخذت كفايتها من المياه والذخائر ثم شكل كمال رئيس مجلساً حربياً من الأمراء للاتفاق على أحسن طريقة يمكن إتخاذها للقتال فتقرر بعد المداولة أن يحاربوا دوننما العدو قبل الدخول في جون أينه بختى L'epantes المدعو الآن بجون بتراس وبناء على ذلك تقدّمت الدوننما العثمانية وأخذت في إطلاق مدافعها على أساطيل البنادقة التي قابلتها بنيران قوية ثم حملت عليها والتحمت السفن ببعضها وكانت جيوش العثمانيين متشوقة للكفاح رغما عن التعب الذي صادفوه أثناء الطريق فما صدّقوا أن يروا رحى الحرب دائرة حتى انقضوا على عدوّهم انقضاضاً آذنه بالويل والدمار وبشره بسرعة الهزيمة والإنكسار.

وقد حدث أن بعض العثمانيين لم يستطع صبراً دون أن وثب داخلاً في سفن عمارة البنادقة والتصق بعساكرها وفتك فيهم فتكا شديداً فلم يكن إلا القليل من الزمن حتى لحق البنادقة ومساعديهم من العثمانيين ما لحقهم من الهزيمة وتمّ الانتصار لكمال رئيس واستولى على بعض سفنهم وأحرق البعض وأغرق البعض وانسحب الأميرال أنطوني فريماني بباقي سفن عمارته ورسا بها في فم جون أينه بختى فملم يشعر إلا والعمارة العثمانية مستعدة للحملة عليه ثانية ودخول الجون المذكور فلما رأى ذلك استعد لمقاومتها ولكن استعداده كان كحركة المذبوح فلم يجده نفعاً بل دخلت العمارة العثمانية الجون رغماً عنه وقام هو بمراكبه عائداً إلى عاصمة البنادقة خوفاً من ضياعها هي الأخرى فلما وصل العاصمة المذكورة وعرض لحكومته تقرير الواقعة عقدت له مجلساً حربياً لمحاكمته فحكم عليه بتجريده من رتبه ونزع العمارة من تحت قيادته وتسليمها لأميرال آخر يسمى تراويسانو.

وفي تلك الأثناء كان السلطان بايزيد تقدم بجيوشه براً إلى قلعة ابنه بختى فحاصرها وأمر العمارة بالحصار بحراً وبذلك سلمت القلعة ثم عادت الدوننما العثمانية بعد ذلك للاستانة لتمضية فصل الشتاء بها كالعادة السنوية وكان هرسك زاده أحمد باشا قائداً على الجيوش البرية ومعه مصطفى باشا وسنان باشا فعادوا بمعية السلطان إلى أدرنة وفي شتاء سنة905 هـ استوالت سفن البنادقة على جزيرة كفالونيا وهاجموا مينا برويزة واحرقوا بعض السفن العثمانية التي كانت راسية فيها.

ولما وصلت هذه الأخبار إلى الاستانة سير السلطان في سنة 906 هـ العمارة بحراً وأمرها بحصار قلعة متون السابق ذكرها ونهض هو بجيش عظيم براً من أدرنة إلى هذه القلعة وعند وصول العمارة إليها تلقاها الأميرال تراويسانو بأساطيل البنادقة فالتحم بينهما قتال عظيم جدّاً وأخيراً دارت الدائرة على الأميرال المذكور فعاد بالخيبة بعد أن خسر كثيراً من سفنه واستولت الدوننما العثمانية على سفينتين عظيمتين من سفن البنادقة أضافتهما إلى العمارة العثمانية واستولى العثمانيون أيضاً على قلعتي متون وقرون Coron ثم دخل السلطان مورة بجيوشه ولما رأى الأميرال تراويسانو ذلك قام فهجم على ميناناوارين واستولى عليها ومع ذلك فلم يمهله البطل كمال رئيس الشهير في الحروب الأندلسية بل تعقبه بثلاثين سفينة وحمل بها على أساطيله في ميناناوارين المذكورة وبعد فترة قصير من الزمن استولى على ثمان مراكب من أسطول البنادقة المذكور واسترد منها قلعة ناوارين فعاد الأميرال تراويسانو بعمارته منهزماً ومن شدة تأثره مما ناله من الخسران والانهزام أصيب بمرض شديد مات بسببه سيماو أن مثل هذا الانهزام كان السبب الوحيد في محاكمة سابقه وتجريده من رتبة وأن جمهورية البنادقة قد جعلته محل ثقتها وموضع الأمل بفوز عمارتها ونجاحها فلم يكن منه إلا خيبة المسعى وعكس ما كانت تأمله فيه.

وقد استمرت الدولة العثمانية في أيام بايزيد الثاني ملتزمة جانب السلم مع المالك المجاورة لها إلا أنها كانت لا تخلو عن فتن ومشاجرات داخلية لتعدد أجناس سكانها واختلاف نحلهم ومشاربهم ووجهتهم ولما كان هذا السلطان يميل إلى السلم والملاينة وديعاً يكره سفك الدماء بلا سبب استخف به جنوده وأولاده فكدرواصفو أيامه في آخر حياته وذلك أنه لما خاف منهم فرقهم في الولايات فعين الأمير قرقود بإحدى الولايات البعيدة والأمير أحمد على أماسيه والأمير سليمان وهو أصغرهم سناً على طرابزون وعين سليمان ابن ابنه سليم على كفة من بلاد القريم إلا أن سليمان لم يقبل بهذا المنصب لبعده عن مقر السلطنة وطلب من جدّه ولاية قريبة وبعد أخذ ورد عينه على مدينتي سمندرة وودين حقنا للدماء سنة 917هـ 1511 م .

ولما وصل خبر نجاح سليم لإخوته قاموا جهاراً على أبيهم فأرسل السلطان عليهم الجيوش فقمعتهم ولما كان الأمير سليم لم يكتف بمنصبه الجديد أيضاً سيما وأن اليكجرية كانوا يميلون إليه كثيراً قصد أردنة فاحتلها ونادوا به سلطاناً إلا أن والده لم يمهله بل جرد عليه حتى ألجأه إلى الفرار إلى بلاد القريم ثم سعى اليكجرية لدى السلطان حتى عفا عنه رضي برجوعه إلى سمندرة وبينما هو عائد إليها قابله اليكجرية وهونوا عليه الجلوس على تخت السلطانة فقبل منهم وساروا به إلى والده الذي لم يقدر في هذه المرة على المقاومة لتقدمه في السن وميل وكلاء الدولة عموماً إلى ولده بل التزم أن يتنازل له عن الملك وخلع نفسه وطلب أن يذهب إلى ديمتوقة ليمضي بها بقية أيامه وقد شيعه ابنه وسار بجانب عربته ماشياً مسافة طويلة إلا أنه لم يطل إليها بل مات في الطريق سنة 918هـ 1512م ويقال أنه مات مسموماً وسنهُ 67 سنة فنقلت جثته إلى الإستانة ودفن في تربته المخصوصة داخل جامعه وكان السلطان بايزيد لما ألح عليه وكلاء الدولة بانتخاب أحد أولاده للسلطنة لعدم مقدرته على تحمل مشاق الحروب ولتفاقم أخطار الشاه إسماعيل الصفوي الذي كان يهدد الدولة بالهجوم وقع اختياره على ولده الأمير أحمد ووافقه بعض الوكلاء على ذلك إلا أن اليكجرية هاجوا وماجوا وطلبوا تعيين السلطان سليم لاتصافه بعلو الهمة والجسارة وهجموا بعض بيوت الوزراء ونهبوها وعتد ذلك ألح الوكلاء على السلطان حتى قبل بتعيين ولده السلطان سليم.

السلطان سليم الأول الملقب بياوز 918هـ926هـ:

قبض على زمام الملك وسنه 46 سنة وكانت الأحوال الداخلية في ارتباك لأن السلطان أحمد كان يدعى الحق في السلطنة لأنه أكبر سناً ولأن والده كان انتخبه قبل تنازله عن السلطنة وصادق على ذلك كبراء الدولة فساق جيشاً تحت قيادة ولده الأمير علاء الدين، وفي تلك الأثناء وفد من كان ببروسة من أولاد السلاطين إلى استانبول وبايعوا السلطان سليم وأخذوا منه الإذن فأذن لهم بالعودة والإقامة ببروسة ثم بعد ذلك تزايدت أدعاءات أخيه السلطان أحمد وأخذت أفكار كبار الأناضول تتغير وتميل إلى جهته فخاف السلطان نتيجة ذلك ودبر حيلة لإطفاء نار هذه الثورة الداخلية فأمر بقتل جميع إخوته وأولاد إخوته وأقاربه الذين صرح لهم قبلاً بالإقامة في بروسة وكانوا كثيرين وبعد قتلهم خاف أخوه قور قود وأرسل للسلطان تنازلاً عن جميع حقوقه ومدعياته ولكنه مع ذلك قتل بإغراء بعض أصحاب الغايات ولما وصل للسلطان أحمد خبر هذه الحوادث خاف على نفسه ولم يجد طريقة للتخلص سوى كونه توجه بنفسه إلى الاستانة والتجأ لمرحمة أخيه ومع ذلك قتله السلطان خوفاً منه في المستقبل وكان للأمير أحمد هذا ولدان التجأ أحدهما بعد قتل أبيهما وهو الأمير مراد إلى بلاد العجم عند الشاه إسماعيل الصفوى مؤسس الدولة الصفوية والتجأ الآخر وهو الأمير علاء الدين إلى الملك الأشرف قانصوه الغوري ملك مصر ولما طلبهما منهما امتنعا عن تسليمهما فكان ذلك داعية لوقوع الحرب بينه وبين هذين الملكين.

حرب إيران 920هـ:

قد كان الشاه إسماعيل الصفوي يجتهد كثيراً في إيجاد القلاقل والاضطرابات في داخلية الدولة العثمانية فبث لذلك بذور الفساد في جميع الجهات المتاخمة له منها ولهذا رأى السلطان سليم أن من الضروري جداً استئصال بذور هذا الفساد ولما بلغه أن كثيراً من رعايا الحومة العثمانية تمذهب بمذهب الشيعة على أيدي دراويش القزل باش الذي بثهم الشاه إسماعيل بالجهات أمر بحصرهم وتعدادهم في السر فبلغوا أربعين ألفا أو نحوها وقصده في ذلك أخذ الاحتياطات اللازمة ليمكنه تجنب ما عساه أن يحدثوه بداخليه البلاد إذا اشتبكت الدولة في حرب أجنبية.

ثم عقد السلطان بمدينة أدرنة مجلساً جمع إليه جميع الوزراء والقوّاد وبعد مداولات استمرت طويلاً أقروا جميعاً على إعلان الحرب على الشاه إسماعيل ثم خرج السلطان من أدرنة 920هـ قاصداً استانبول فأقام بها أياماً ثم ترك ابنه الأمير سليمان نائباً عنه بتلك المدينة وانتقل إلى مدينة إسكدار وبعد أن تمت لديه الاستعدادات خرج من إسكدار قاصداً بلاد العجم وبينما هو يسير في الطريق إذ قبضت جنودهعلى جاسوس إيراني ولما أتوا به في حضرة السلطان أمر بإطلاق سراحه وأعطاه مكتوباً يتضمن إعلان الحرب إلى الشاه إسماعيل وما زال الجيش العثماني يتقدم من مدينة إلى مدينة حتى وصل إلى سيواس وهناك استعرضه السلطان وأمر بإحصائه فبلغ 140000. جندي ترك منه40000. للمحافظة بين سيواس وقيصرية.

وتقدّم هو بالباقي، عند ذلك أخذ محمد خان حاكم جهات دياربكر في تخريب المزارع وهدم القرى ببلاد كردستان ثم انكمش بجيوشه داخل بلاد العجم وكذا الشاه إسماعيل لم يتجاسر على الظهور أمام العثمانيين ولم يجاوب أيضاً على الكتابين اللذين أرسلهما له السلطان تباعاً ثم لما تقدمت الجيوش العثمانية في صحارى بلاد الفرس اعتراهم الضجر واستولى عليهم الملل وأخذوا يتكلمون فيما بينهم بأن هذه المحاربة لا نتيجة منها ولما بلغ السلطان تذمر الجنود خاف سوء العاقبة فقبض على بعض أصحاب الجراءة منهم وقتلهم إرهاباً للغير وأمر بالتقدم إلى مدينة تبريز وعندما وصلوا إلى مدينة طراجان إذ باليكجرية فوضوا خيامهم بغتة وأخذوا في إطلاق بنادقهم على خيمة السلطان عند ذلك ركب السلطان وخلفه وزراؤه ونادى في الجنود قائلاً من أراد النوم على بساط الراحة في بيته فليرجع ومن أراد ملاقاة الأعداء في ساحة الوغي فليأت معي وإن أحببتم جميعكم العودة فلكم ذلك وأنا أتقدّم بمفردي ولم يكد يتم كلامه حتى أشار الجنود بأجمعهم بعلامة الطاعة والانقياد.

وبعد ذلك بأيام أتى جواب الشاه إسماعيل رداً لمكاتيب السلطان الثلاثة ومعه كأس به نوع معجون فأجابه السلطان في مقابلة تعريفه هذا بأن أرسل له كسوة من لباس النساء يحرضه بذلك على الخروج إلى حربه وفي آخر الأمر خرج الشاه إسماعيل بجنوده حتى أشرف على طليعة العثمانيين التي كان على قيادتها شهسوار زاده علي بك وعلي بك ابن ميخال وغيرهما ثم تلاقى الجيشان بصحراء جالديران عند ذلك أخذ العثمانيون في تعبية جنودهم على الطريقة المتبعة إذ ذاك في جيوشهم ووقف السلطان خلف الجنود في مكان يشرف منه على ميدان القتال ومعه وزراؤه وهم هرسك زاده أحمد باشا وأحمد باشا ابن دوقه كين ومصطفى باشا وجعل الجنود المدافع خلف ظهورهم ليخفوها عن أعين الفرس ووضعوا أمامهم عربات النقل والجمال وقد كان الجيشان في العدد سواء إلا إننا لوا اعتبرنا ما أصاب العثمانيين من الضعف الذي استولى عليهم من السير مدّة أشهر وسط بلاد قاحلة وصحار مقفرة لقلنا أنهم أضغف حسا ومعنى من أعدائهم.

وقد كان جيش الإيرانيين مؤلفاً جميعه من الخيالة ومنهم فرق تلبس الزرد وفرق من طوائف الفداوية المشهورين وكان بمعية الشاه كثير من الأمراء والأعيان والمشايخ وغيرهم ولم يكن بجيشهم أسلحة نارية ولما استعد الشاه للمحاربة قسم جيشه إلى فرقتين جعل إحداهما تحت رياسته والأخرى تحت رياسة أشهر قوّاده ثم أغار بفرقته على الجناح الأيسر لجيش العثمانيين المؤلف من عساكر الرومللي فهزمهم وقتل منهم كثيراً من ضمنهم رئيسهم حسن باش ولما أرادت الفرقة الأخرى الهجوم على الجناح الأيمن قابلها العثمانيون بجنان ثابت وأعملوا مدافعهم قصدوها بعد أن ألحقوا بها خسائر جمة ثم تقدّموا إلى قلب الجيش فبددوا شمله وقتلوا منه مقتلة عظيمة عند ذلك ولى الفرس الأدبار واستولى العثمانيون على مضاربهم وما كان معهم من الذخائر والأدوات وجرح الشاه إسماعيل فسقط عن جواده وكاد يقع في قبضة العثمانيين لولا أن أغاثه اثنان من مماليكه ووقعت خيمته وحرمه وخزائن أمواله في قبضة العثمانيين وقتل في ذلك اليوم من الفرس أربعة عشر أميراً ومن العثمانيين أربعة عشر من أمراء السناجق غير ما قتل من جنود الطرفين.

وفي اليوم الثاني من هذا الانتصار تقدّم الجيش العثماني يقصد تبرير فدخلها ظافراً ولما كان في نية السلطان تمضية فصل الشتاء بمدينة أذربيجان والعودة في السنة المقبلة لتعقب الشاه وإزالة بناء الدولة الصفوية من الأساس لم يمكث بتبرير غير ثمانية أيام تفرّج في أثنائها على آثار تلك المدينة وصلى الجمعة بجامعها الأعظم وخطب له باسمه على منبره وعند وصول السلطان إلى مشتاقره باغ أخذ في محاسبة جنوده وقوّاده فقتل منهم من استحق القتل عقاباً وكافأ من استحق المكافأة جزاء وكانت هذه المحاربة سبباً في أفول نجم الشاه إسماعيل بالمرة.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:55   رقم المشاركة : 72
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 استيلاء العثمانيين على مصر

استيلاء العثمانيين على مصر 922هـ 923هـ:

قد سبق ذكر الفتور في العلاقات الذي حدث بين ملوك الجراكسة حكام الديار المصرية والشامية وبين السلطان محمد خان الفاتح وما تسبب عن ذلك من الحروب التي قامت بينهم وبين السلطان بايزيد خان وتوسط فيها العلماء وملك تونس حقناً للدماء حتى أصلحوا ذات البين إلا أنه لما كانت حكومة ذي القدرية هي الحد الفاصل بين مصر والدولة العثمانية وكانت مركزاً للفتن والدسائس اهتم السلطان بإزالة حكومتها وقتل أمرائها فوقع هذا العمل عند الملك الأشرف قانصوه الغوري موقعاً سيئاً وطلب من السلطان الترضية عن ذلك بأن تستمر الخطبة في الأقليم المذكور باسم قانصور فجاوبه السلطان على مكتوبه بألفاظ التهديد والوعيد وبعث له برأس الأمير علاء الدولة آخر أمراء بلاد ذي القدرية.

فقام الغوري لذلك وقعد وعزم على الأخذ بالثأر وأخبر بذلك محالفة الشاه إسماعيل الذي أخذ في إضرام نار التحريض في قلبه مشجعاً له على محاربة آل عثمان وأعدا إياه بالمساعدات فأخذ السلطان الغوري في جمع الجنود والإكثار من العدة والسلاح على حد قول المثل: استعد بالسلاح إن أردت الصلح والصلاح.

وفي سنة922 هـ جهز السلطان جيوشه مظهراً أنه يريد الحملة على بلاد إيران مع أنه في الحقيقة مصمم على فتح بلاد مصر ثم خرج الوزير الأعظم خادم سنان باشا طليعة بجيش مؤلف من أربعين ألف مقاتل واتجه إلى قيصرية ومنها إلى ديار بكر ثم قام السلطان بعده بجيش عظيم يبلغ مائة ألف وخمسين ألف مقاتل ومعه المدافع الكثيرة والعدد الوافرة وأرسل المولى ركن الدين قاضي عسكر الرومللي مع قره جه باشا من طرفه إلى سلطان مصر ليقفوا على حالته ونواياه وكان قبل خروجه ترك على مدينة أدرنة ولده الأمير سليمان وعلى إستانبول الوزير بري باشا وعلى بروسة هرسك زاده أحمد باشا وأوصاهم بالمحافظة على الأمن وسير أيضاً اسطولاً عظيماً للذهب إلى مدينة الإسكندرية تحت قيادة القبودان جعفر بك.

وكان السلطان الغوري يتوجس شراً من استعدادات السلطان وقد قوى عنده هذا الفكر خصوصاً حينما وصلت الأساطيل العثمانية إلى مياه الإسكندرية عند ذلك اهتم بالاستعدادات الحربية وخرج بجيش عظيم إلى مدينة حلب مترقباً ما سيحصل ثم بث العيون في كل مكان ليأتوه بالأخبار وأخذ أيضاً في مخابرة أوزون حسن والشاه وإسماعيل المقهورين ليتفقوا جميعاً على الإغارة على البلاد العثمانية وغير ذلك وبينما الغوري بحلب إذ قدم عليه سفير السلطان فأمر بالقبض عليهما وكبلهما بالقيود وألقاهما في السجن وبعد أيام أخلى سبيلهما وطيب خاطرهما وردهما إلى بلادهما.

وبينما هما في الطريق قابلا الجيش العثماني بمكان يقال له بوجاق دره ولما أخبرا السلطان بما حصل لهما وما شاهداه أمر جيشه بالاتجاه نحو الجنوب لأنه كان يروي يقصد في أول الأمر التنكيل بالشاه إسماعيل ثم يقصد مصر بعد ذلك فانحدرت جيوش نحو مصر ولما وصل إلى مدينة عينتاب أتاه واليها المصري المدعو يونس بك طالباً الأمان فأمنه وجعله دليلاً وما زال يقطع الفيافي والقفار حتى وصل إلى مرج دابق القريب من حلب في 26رجب سنة 922 أغسطس 1516م وتلاقت عساكره مع عساكر الغوري وبعد مناوشات بقيت أياماً حصلت بين الطرفين محاربة عظيمة انجلت عن هزيمة المصريين هزيمة منكرة وقتل قانصوه وكثير من أمرائه واغتنم السلطان سليم جميع أمواله وذخائره ثم دخلت الجنود العثمانية مدينة حلب فاغتنمت جميع ما بها من النقود والأشياء النفيسة ثم بعدها استولى السلطان على حماة وحمص ودخل دمشق الشام بكل سهولة وانقادت لسلطانه جميع مشايخ العرب والدروز.

وبعد أن مكث ببلاد الشام نحو أربعة شهور للنظر في أحوالها استمر سائراً نحو الجنوب وفتح في طريقه قلعة القدس الشريفة وغزة واستصحب معه وإليها جانبرك الغزالي ثم عقد مجلساً من القواد والأمراء فاستقر رأيهم على التقدم لفتح بلاد مصر ولما وصل إلى صحراء السويس بلغه أن طومان باي الذي تبوّأ تخت مصر بعد قانصوه الغوري وكان ولاه عليها قبل سفره يهتم بتجهيز الجيوش وإعداد العدد لصده عن دخول مصر فأرسل له السلطان بأن يكف عن ذلك وهو يبقيه على الديار المصرية بشروط منها الإقرار بالتابعية العثمانية وضرب السكة باسم السلطان وكذا تكون الخطبة فلم يقبل وفي يوم 29 ذي الحجة من السنة المذكورة تقابل مع جنود طومان باي قريباً من الخانقاه بمكان يدعي الريدانية وحصلت معركة شديدة انهزم فيها عساكر طومان باي بعد أن أظهروا من الفروسية والشجاعة ما لا يوصف مع عدم حيازتهم للأسلحة النارية وأسر المصريون سنان باشا فقتله طومان باي ببركة الحج وكذا قتل من أمراء العثمانيين في هذه الواقعة محمود بك ابن رمضان ويونس بك والي عينتان المتقدم وغيرهما.

وبعد قتل طومان باي دخل السلطان سليم القاهرة عاصمة الديار المصرية وكان قبل ذلك يقيم هو وجنوده بجزيرة الروضة 923هـ ثم أنه رحل إلى الإسكندرية في طائفة من جنوده وأبقى بها حامية تحت قيادة جعفر بك وأسطولاً لحماية البلاد من تلك الجهات ثم عاد إلى القاهرة مهتماً بتنظيم أمورها والنظر فيما تحتاجه.

انتقال الخلافة الإسلامية لسلاطين آل عثمان 922هـ:

لقد كان فتح الدولة العلية لبلاد مصر ودخول هذه البلاد المشهورة من القديم بالثروة وحسن الموقع في عداد الولايات العثمانية موجباً للفوائد العظيمة مالية كانت أو سياسية ومن حسن حظ السلطان سليم أنه في أثناء إقامته بمصر حضر ابن أبي البركات شريف مكة المكرمة وقدم له بيده مفاتيح الحرمين الشريفين طائعاً مختاراً وهنأه بالفتح بالنيابة عن والده وصارت الخطب التي تتلى بالمساجد في أيام الجمع والأعياد بعد فتح حلب يذكر فيها السلطان بعنوان خادم الحرمين الشريفين وأنه عند عودته إلى القسطنطينية أخذ معه المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين بمصر وتنازل له المتوكل عن الخلافة الإسلامية فانضمت من وقتئذ الخلافة الإسلامية الكبرى للسلطنة العظيمة العثمانية وأنه في أثناء إقامة السلطان بمصر قدم له الرئيس بارباروس خير الدين الطاعة وبذلك صارت بلاد البر بر معدودة ضمن إلا يالات العثمانية.

وفاته:

وفي سنة 926 هـ خرج بجيش عظيم كامل العدد والعدد يقصد مدينة أدرنة فمات بالطريق.

ولقد كان رحمه الله من أكبر السلاطين وأعظمهم همة وأوفرهم عقلاً وأسدهم رأيا وأثبتهم جناناً وأعلمهم وأقدرهم وأمضاهم عزيمة شديد الشكيمة وكان يستدل من أطواره وحركاته تحقيق أقصى أمانى موسى بن نصير وعبد الرحمن الغافقي من المجاهدين السابقين من إدخال البحر المتوسط الأبيض في دائرة الإسلام وضم الممالك الإسلامية المتفرقة إلى رأي واحد ووجهة متحدة ولو أمد الله في أجله لكان حقق هذه الأماني الشريفة وكان يقول الشعر بالبحر الأحمر بواسطة ترعة تمر من برزخ السويس كالتي فتحت حديثاً لولا أن وزراءه ثنوا عزمه عن هذا الأمر وكان قصده منه إرسال الأساطيل بحراً لقتال سلطان المغول ببلاد الهند وهو من سلالة تيمور لنك مقابلة لما فعله بالعثمانيين.

السلطان الغازي سليمان خان القانوني 929-974هـ:

كانت ولادة هذا السلطان العظيم والملك الجليل الذي بلغت الدولة العثمانية في حكمة أعلى درجات الشرف والكمال سنة900 هـ ولما وصله خبر موت أبيه سراً لأن الوزراء وأرباب الدولة كانوا أخفوا موته لئلا يثور اليكجرية قام مسرعاً من إقليم صاروخان إلى أن دخل استانبول وقابله أرباب الدولة والجنود على اختلاف طبقاتها بالتهليل والترحيب وطلبوا منه الانعام بالهدايا المعتاد توزيعها عند جلوس السلاطين، ولما جرت رسوم المقابلات وفد عليه جميع الأمراء والوزراء والقواد والأعيان وكانوا يعزونه بموت والده ويسلمون عليه بالسلطنة والخلافة وبعد أيام من جلوسه أتت جثة أبيه فاحتفل بدفنها احتفالاً عظيماً وأمر بأن يشيد عليها الجامع الشهير اللآن وهو من أعظم جوامع إستانبول ولما صعد على تخت الخلافة أخذ في سَنِّ القوانين والنظامات الكافلة بتمكين بنيان الدولة والتفت أيضاً إلى تنظيم الجيوش وتقوية أساطيل البحر الأسود والبحر المتوسط الأبيض.

ولما علم والي الشام جانبرد الغزالي بموت السلطان ظنّ أن ذلك فرصة مناسبة لتحقيق أمانيه فأثار فتنة واستولى على قلعة دمشق وغيرها وراسل خير بك عامل مصر على الانضمام معه مسهلاً عليه أمر الفوز لارتباك السلطنة كدعواه وبُعْد دار الخلافة عنهما فجاوبه خير بك بالمراوغة وأرسل مكاتيب الغزالي إلى السلطان فعّين السلطان الوزير فرهاد باشا بجيش وحاربه حتى تمكن من ردعه ثم قبض عليه وقتله 927هـ وأرسل رأسه إلى الاستانة وتعين مكانه إياس باشا والياً على بلاد الشام ثم أمر السلطان فردها باشا بالذهاب إلى الحدود الشرقية لمقابلة جيوش الشاه إسماعيل وصدهم عن شنّ الغارات.

وفي تلك الأثناء أرسل السلطان سليمان مأموراً مخصوصاً من طرفه لمقابلة ملك المجر لتسوية بعض المسائل الموقوفة بين المملكتين ولإخباره بارتقاء السلطان على كرسي السلطنة، فلما وصل هذا المأمور قتله ملك المجر فساء هذا الأمر السلطان وأمر جيوش الرومللي بالاستعداد ثم شكل منهم جيشاً تحت قيادة الوزير أحمد باشا ثم خرج السلطان مع معظم الجيش من مدينة أدرنة وأمر يالي بك بغزو بلاد كرواسيا أو الحزوات وخسرو بك محافظ سمندرة بحصار بلغراد ومحمد بك بن ميخال بغزو جهات ترانسل فانيا ثم فتح أحمد باشا قلعة بكوردلن واستولى بيرى باشا الصدر الأعظم على قلعة زميني وضم جهات سرم بالقوّة إلى الممالك العثمانية وألقى السلطان بنفسه الحصار على بلغراد وبعد أن حاصرها نحو شهرين ونصف وخرب أسوارها بالألغام استولى عليها عنوة 927 هـ .

ولما دخلها صلى الجمعة بإحدى كنائسها التي حوّلت فيما بعد إلى مسجد وقد كانت هذه المدينة أقوى حصن للمجر مانع لتقدم العثمانيين إلى ما وراء نهر الدانوب ثم أعلن السلطان ملوك أوروبا بهذا الفتح ولما تم فتحها ألحق بسنجقية سمندرة وصارت فيما بعد تابعة لولاية بوسنة وفي تلك الأثناء استولى العثمانيون أيضاً على قلاع (اسلانقمش وقونك وأيق وأبرشوه) من بلاد المجر ثم عاد السلطان إلى دار الخلافة غانماً ظافراً.

وبعد عودته إلى استانبول أرسل إليه رؤساء جمهوريتي النبادقة وراغوزة يهنئانه بالفتح وأرسل إليه أيضاً وسيلى قيصر الروس يهنئه ويعرض عليه عقد معاهدة دفاعية وهجومية بين المملكتين وذلك على يد مدير قصره المدعو جان موزوروف وكان يحمل صورة تلك المعادهة فلم يقبل السلطان ذلك.

وفي سنة 928 هـ أمضيت بين الدولة العثمانية وجمهورية البنادقة معاهدة تجارية تؤيد المعاهدات السابقة على يد سفيرها المدعو مارقو ممون وزيد عليها أن قنصل الجمهورية أي وكيلها بإستانبول يغير كل ثلاث سنوات وأن يكون له الحق في نظر أمر تركات رعيته وأن يرسل من طرفه ترجماناً لحضور المرافعة التي تقام ضدّ رعايا حكومته أمام المحاكم العثمانية وأن يكون المبلغ الذي تدفعه إلى الدولة نظير احتلالها جزيرتي قبرس وزنظة عشرة آلاف دوكا عن الأولى وخمسمائة عن الثانية ولهذه والمعاهد أهمية عظمى لأنها أس الامتيازات الأجنبية ببلاد الدولة العثمانية.

فتح جزيرة رودس 929هـ:

لما انتشر خير التجهيزات المذكورة وما عزم عليه السلطان خافت فرسان ردوس سوء العاقبة فأسرع رئيسهم المدعو ويليه دوليل أدم De Villiers de l'lle-Adam وأرسل سفراء من قبل إلى الباب العالي بأنه مستعد لدفع جزية سنوية للدولة قاصداً بذلك تحويل السلطان عن نيته حتى يتيسر لأوروباً إمداده إلا أن السلطان طلب منه إخلاء الجزيرة وأن يأخذ معه كافة أمواله وكل من يريد الهجرة ولما لم يقبل أقعلت الأساطيل تحمل الجنود ومدافع الحصار الضخمة 928هـ وكانت الدوننما مركبة من 300 سفينة حربية و 400 سفينة نقلية تحت قيادة القبودان ييلان مصطفى باشا وبها 1000مقاتل تحت قيادة الوزير الثاني داماد مصطفى باشا ثم خرج السلطان بجيش عظيم براً قاصداً قرضة مرمريس الواقعة بساحل الأناضول تجاه جزيرة رودس للإمداد والوقوف على حركات التجريدة.

وفي اليوم الرابع من شهر شعبان من السنة المذكورة وصلت الأساطيل إلى ساحل الجزيرة المذكورة أمام المكان المسمى الآن جم باغجه ولأجل إشغال أهالي رودس حتى تخرج العساكر بالسهولة أخذت السفن تمر أمام قلعتها الحصينة ذهاباً وجيئة فأطلق عليها المحافظون قنابل كالأمطار ولكن لم تصب السفن بشيء منها القربها من الساحل ثم رست مع باقي السفن في فرضة أو كوزبورنو الواقعة غربي الجزيرة وأخرجت المهمات والذخائر ومدافع الحصار ثم شرع القائد عند ذلك في ترتيب نظام الحصار حول مدينة رودس وبينما كان مصطفى باشا يحاصر المدينة وصل السلطان براً مع الجيش إلى فرضة مرمريس وذهبت السفن إليه فنقلته مع الجيش إلى الجزيرة وبعد أن شاهد حصونها شرع في ترتيب أمر الحصار بنفسه.

ولما رأى متانة القلاع التي شيدها فرسان الجزيرة حول مدينتهم وما أظهروه من الشجاعة والإقدام في أمر الدفاع أصدر الأوامر المحتمة بتشديد الحصار براً وبحراً ومداومة الهجوم واستعمال المدافع الجسمية وغير ذلك من الترتيبات ومع هذا فقد استمر الحصان مدة سبعة شهور متوالية ولما رأى الفرسان أن التضييق عليهم وتخريب قلاعهم أضرا بهم وعلموا أن السلطان لا يرجع عن منازلتهم إلا بالاستيلاء على المدينة، سيّما وأنه هو القائم بنفسه على قيادة جيوشه وأن ليس في إمكان أوروبا إمدادهم بادروا بالخضوح وطلبوا تسليم المدينة للسلطان فعند ذلك أصدر الأوامر للأساطيل والجيوش بالكف عن الحرب وأرسل إليهم زغرجي باشا رئيس اليكجرية لعقد شروط التسليم.

وفي تلك الأثناء وصلت سفن من أوروبا لمساعدة الفرسان فلما رأوها ظنوا أنهم تقووا بها وصار في إمكانهم صد أبطال العثمانيين فعادوا للمدافعة والمقاومة فأمر السلطان بزيادة التضييق والأكثار من الهجوم عليهم فلم يفلحوا فيما ظنوه بل صار لهم ضغثا على إبالة لأنهم بعد أن خسروا خسائر عظيمة عادوا وطلبوا الأمان من السلطان فأمنهم وأتى رئيسهم فلاري آدام بنفسه إلى خيمة السلطان لعقد شروط التسليم التي كان من ضمنها التصريح لكافة أمراء الفرسان المذكورين ومن تبعهم بمبارحة الجزيرة وأن يأخذوا أمتعتهم وأسلحتهم الخصوصية فقط وغير ذلك ولما تمّ عقد الشروط استولى السلطان على قلاع المدينة المذكورة في يوم 7 صفر سنة 929هـ 1522 م واحتلتها جنوده أما فرسان القديس يوحنا فإنهم ذهبوا إلى جزيرة مالطة وأمن السلطان الأهالي وصرح لهم بمعاطاة أعمالهم وإجراء رسوم دينهم بكمال الحرية.

ولما كان السلطان مشتغلاً بفتح رودس اتخذ لويس الثاني ملك المجر ذلك فرصة وتعدي على حدود الدولة بالروسللي فقاومته جنود نكيولي وسمندرة فلما عاد السلطان وبلغه هذا الخبر صمم على محاربة المجر فأرسل جيشاً مركباً من 300 ألف مقاتل تحت قيادة الصدر الأعظم إبراهيم باشا 932هـ 1526م وأسطولاً مركباً من 800 سفينة مشحونة بالذخائر والعدد إلى نهر الطونة ثم خرج السلطان بنفسه حتى وصل إلى جهة سرم بعد أن عبر نهر صاوه على جسر ودخل الصدر بجيشه بلاد المجر وفتح جملة بلاد منها راجه و أرادين و أبلوق و أرك و غراغوريجه و جرويك و برقاص و ديمتروقجه و توكاى و يوادخ و برا جه و دوكن و صوتين و بقوار و أرداد وغيرها ثم تقابل مع جيش مجري مؤلف من 150 ألف مقاتل يقوده لويز الثاني ملك المجر بنفسه في صحراء مهاج Mohacs وانتشب بينهما القتال وفي أثنائه وصل السلطان الغازي مع جموعه فأخذ قيادة الجيش بنفسه فتقوّت بذلك قلوب العثمانيين وتضاعفت شجاعتهم الفطرية خصوصاً لما نادى السلطان فيهم مشجعاً حاثاً محرضاً واعداً متوعداً فلم يمض على ذلك غير القليل حتى انهزم المجريون مع من كان انضم إليهم من جيوش الكرواسيين مساعديهم.

وبينما كان لويز الثاني يولي الأدبار ساخت قوائم فرسه في غدير فوقع وقعة شديدة كان فيها حتفه ومات من جنوده في هذه الواقعة أكثر من عشرين ألف جندي وبعد قليل استولى السلطان على مدينة بودين (بوده) تخت مملكة المجر بلا حرب وأمر فنقل منها جملة آثار قديمة إلى الإستانة العلية ثم بعد ذلك استولى على مدينة واردين وفتح قلاع بشته بست وزجدين وباجقه وتتل وباج وسيتا وبانقه و ببرلك و قميني و فلك حاجي وعدة جهات من جنوبي تلك المملكة ثم قفل راجعاً إلى استانبول منصوراً ظاهراً.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:56   رقم المشاركة : 73
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 محاصرة ويانة

محاصرة ويانة:

لما لم يكتف السلطان باسترداد بودين واقعاً دجان زابولي على تختها أراد أن يظهر لفريدينند وشرلكان ما عليه العثمانيون من القوّة والاقتدار فصمم على محاصرة مدينة ويانة المسماة في التواريخ القديمة العثمانية باسم بج ولما سمع فردينند بعزم السلطان أخذ في جمع الجنود واستمد شرلكان واستعد لصد العثمانيين الذين لما وصلوا إلى جهات استرغون بلغهم أنّ فردبنند لما لم يتمكن من جمع القوّة الكافية للمدافعة ترك عاصمته وانسحب إلى الجهة الأخرى من مملكته فتفرق العثمانيون فرقاً عديدة أخذت في النهب والتخريب والإغارة حتى وصلت في العشرين من شهر محرم من السنة المذكورة إلى مدينة ويانة وهناك نصبوا خيامهم وحطوا رحالهم واستعدوا لإلقاء الحصار عليها.

ولم يكن بتلك المدينة للنمساويين سنة 20 ألف جندي 72معهم مدفعاً أما جيش العثمانيين فكان يتألف من 120ألف مقاتل معهم 400 مدفع ثم حصل بين العثمانيين والنمساويين نحو عشر وقائع كان النصر فيها جميعها للعثمانيين ولما رأى السلطان أن العدوّ كف عن القتال وما عاد يخرج من المدينة كالسابق وأن فصل الشتاء قد أقبل وأنه لم يجلب معه مدافع الحصار العظيمة لأن مجيئه لم يكن القصد منه الاستيلاء على ويانة التي لا يمكن فتحها إلا بالمدافع الضخمة قرر العودة إلى استانبول للأسباب المذكورة وفي تلك الأثناء أتى مأمور من عند النمساويين للمكالمة في الصلح مخبراً بأن دولة النمسا تتعهد بالامتناع بعد ذلك عن المداخلة في أحوال المجر ثم أطلق سراح الأسرى من الجانبين وعاد السلطان إلى الاستانة وقد تحمل الجيش مشقة عظيمة عند الرجوع لحلول فصل الشتاء 936هـ .

آل خير الدين وأصلهم وحوادثهم:

أعلم أن أصل هذه العائلة من صحراء آجه بالأناضول كان والدهم من عساكر السياهي انتقل إلى جزيرة مديللي بعد فتحها صحبة الجيش المحافظ واتخذها موطنا له ورزق هناك بأربعة أولاد وهم إسحاق وأورج وخضر وإلياس ولما وصلوا إلى سن الرشد اشتغل أحدهم وهو إسحاق بالتجارة واشتغل الثلاثة الباقون بالأسفار البحرية للكسب والغنيمة فكان خضر يتردد بالأسفار زمن السلطان بايزيد على سواحل مروة وسلانيك وكان أوروج وأخوه إلياس يتردد أن على السفر إلى مصر وبر الشام فصادفا مرة في بعض أسفارهما سفنا لقرصان رودس قبل فتحها فحصل بينهما وبين هذه السفن محاربات دموية قتل فيها إلياس وأسر اوروج .

فلما بلغ الأمير قورقود ابن السلطان بايزيد وهو حاكم القرمان تلك الحادثة تداخل في الأمر حتى تمكن من إطلاق أوروج الذي صمم على الأخذ بالثار من أعدائه واستأذن الأمير المشار إليه في الخروج فأمده بسفينة ذات ستة وثلاثين مقذافاً وكان السير بالبحر الأبيض المتوسط في الوقت المذكور محفوفاً بالأخطار لتعرض سفن القرصان للمراكب التجارية ولعدم الأمنية كانت السفن التجارية مضطرة لأن تكون دائماً مجهزة بالآلات الحربية.

ثم تقابل مع أخيه خضر بالقرب من جزيرة جربة واتفقا مع الأمير محمد الحفصى سلطان تونس على أن يتنازل لهما عن قلعة حلق الوادي ليجعلاها مركزاً لها ويكفيانه بذلك شر أعدائه ويقاسمانه في كافة الغنائم التي يستوليان عليها ولما قبل منهما ذلك أخذا يتجولان بسواحل أوروبا للغزو والغنيمة ولما انضم إليهما بعد ذلك أخوهما إسحاق الذي كان يشتغل بالتجارة كثرت مراكبهم وطار ذكرهم وعلا اسمهم في البحار وقد امتلك المذكورون بمشال أفريقية مدن جيجلي والجزائر وشرشيل وتنس وتلمسان وبجاية وصاروا حكاماً عليها ثم اتحد الاسبانيول مع التلمسانيين بقصد الإيقاع بالبارباروسيين المذكورين وبعد أن حاصروهم ستة شهور بتلمسان حصاراً شديداً استشهداً الأخوان المذكوران فبقى أخوهم خضر بعد ذلك صاحب المدن التي بقيت لهم من المدن المذكورة يحكمها مستقلاً فحاز هناك وبسواحل أوروبا شهرة عظيمة وذكراً مهيباً حتى كان الافرنج يخوفون بذكره أطفالهم.

محاربة كورفز البحرية الشهيرة:

لما أقلعت الدوننما السلطانية من استانكوي ووصلت إلى اغريبوزلحق بها أسطول صالح بك المذكور وبعد أن أخذت ما يلزمها من الماء والذخيرة وتركت ما معها من السفن الضخمة أقلعت قاصدة الجزائر السبعة وبوصولها إلى متون رست بها وهناك علم خير الدين باشا أن أساطيل الدول المتحدة مجتمعة أمام بره ويزه تحاصرها وكانوا شددوا عليها لحصار فأرسل صالح بك بإسطوله إلى تلك الجهة للاكتشاف ولما وصل الأسطول المذكور إلى جزيرة زانطة شاهد فرقة بحرية من سفن الأعداء آخذة في التقديم نحو الشاطئ ولما وصل إلى جزيرة باكسو وشاهد الأعداء تموج العلم العثماني تركوا يره ويز ورجعوا إلى جزيرة كورفو.

أما خير الدين باشا فإنه بعد أن أخذ ما يكفيه من المياه من بلدة حلوميج قصد كفالونيا وأنزل فيها بعض جنوده وتقدم نحو ميناء يره ويرة مظهراً للأعداء سطوة العثمانيين وتلاقى بأسطول صالح بك ثم قوى قلعة يره ويزه ووضع فيها ذخائر حربية كثيرة وزاد في حاميتها من عساكر الدوننما ثم أخذ يراقب أحوال دوننما الأعداء المجتمعة بخليج كورفو مقدراً قوتها ثم عرض ما رآه من ذلك على السلطان.

وفي غرة جمادى الأولى من سنة945هـ 1538 م أقبلت دوننما الأعداء تحت قيادة أندريا دور باتجاه ره ويزه وألقت مراسيها أمام جزيرة سنتماورو البعيدة عن موقع دوننما العثمانيين بأربعة أميال وكانت هذه الدوننما الجسيمة مركبة من 52 سفينة للأمبراطور شارلكان و70سفينة للبنادقة وكانت تحت قيادة الأميرال كا يلوو 30 سفينة للباباو 10 سفن لقرصان مالطة و 80 سفينة لاسبانيا وبعض سفن أخرى للحكومات الأخرى البحرية أما الدوننما العثمانية فكانت مركبة من 140سفينة ما بين صغيرة وكبيرة فقط.

وبعد أن تداول خير الدين باشا مع جميع رؤساء سفنه وفرقه طويلا وكان من أشهرهم مراد رئيس وطورغود وكوزلجه وصالح رئيس أجمعوا على قتال الأعداء بلا توان ولما أقبل الليل قصد العدو أن يخرج إلى البر قسما من العساكر ولذلك أراد إشغال العثمانيين عن التصدي له بمحاولة إحراق أساطيلهم أو بعضها إلا أنه لتيقظ العثمانيين لم يتمكن الأعداء من نوال مقصدهم ثم بعد يومين أرسل العدو جملة من سفنه من نوع الغالي فأتت ووقفت أمام مضيق يره ويزه ناشرة قلوعها وأخذت في إطلاق المدافع على الدوننما العثمانية فغضب العثمانيون من هذه التعديات وفارت دماؤهم.

وأمر خير الدين باشا قائدهم بدق طبول الحرب ثم خرج بالدوننما خارج المينا بعد أن رفعت أعلامها واصطفت على بعد ثمانية أميال منها على هيئة حربية ثم أمر خير الدين باشا السفن التي صارت على مرمى نيران المدافع أن تهجم على العدو بعد أن تطلق عليه الثلاثة مدافع الموجودة في مقدم كل منها وكانت نيران الأعداء شديدة ثم تمكنت فرقة من السفن الأربعين التي كان عينها خير الدين باشا للهجوم ودخلت وسط دوننما العدو قبل الغروب بعد أن تمكنت بقوّة مدافعها من تفريق سفنه إلى قسمين ثم بعد قليل تشتت السفن التي قدرت على التحرك من سفن الأعداء شذر مذر بحالة سيئة وكان دخول الليل فرصة عظيمة للعدو حيث تمكن بعض سفنه من الهرب إلا أن العثمانيين اقتفوا أثرهم.

وفي اليوم التالي صاحباً دارت الدوننما العثمانية خلف جزيرة أياماورو وتقابلت مع سفن العدو ثانية بميناء اينجيرفها جمتها ولما لم يتمكن العدو من الفرار لسكون الريح صف سفنه على هيئة حربية وانتشب القتال باطلاق المدافع وكانت السفن الجسمية الحربية التي من نوع الغالون هي والتي من نوع القارك في المقدمة أما باقي السفن الصغيرة فكانت في الخلف تتربص هناك حتى متى وجدت فرضه هجمت على الجهة المراد مهاجمتها كل ذلك بمقتضى فن الحرب البحري في العصر المذكور وبهذه التشكيلات تمكن الأمير اندريادوريا من مقاومة العثمانيين زمناً طويلاً ولكون سرعة سفن الغالون والقارك بطيئة كحركتها كانت مقذوفات مدافعها الضخمة لا تذهب إلى مسافة طويلة وبذلك كانت أقل سرعة وحركة من أغربة العثمانيين التي كانت مقذوفات مدافعهم ترمي إلى مسافات أبعد بكثير من مدافع العدو ولهذا استولت الحيرة على الأميرال المذكور ولم يدر ما يصنع.

فاتفق عند ذلك الأميرال أندريادوريا مع أميرال البنادقة وصنعا حركة حربية قدماً بها سفن الغالي إلى الإمام لتنجو سفنهم الجسيمة المذكورة ولما شاهد خير الدين باشا هذه الحركة قابلهما بفرقة من أساطيله فخافا سوء العقابة والتزما الرجوع خلف غلايينهم وأغربتهم وصمم في هذه الحالة اندريادوريا على الهجوم على العثمانيين من الخلف ليحصرهم بين الغلابين والأغربة وسفنه الخفيفة إلا أن خير الدين لم يترك له وقتاً لانفاذ هذا التربير حيث انقض عليه سريعاً بأساطيل الجناحين ثم هجم عليه حتى اضطره للقهقرى وهجم أيضاً على السفن الخفيفة المحمية خلف الغالونات فتحير الأميرال أندريادوريا من هذه الحركة التي لم تكن تخطر بباله أصلاً ولذلك التزم الفرار من ميدان الحرب بما لدية من الأغربة السريعة تاركاً كافة السفن الجسيمة فاستولى العثمانيون على أغلبها وغرق الكثير منها وأحرق خير الدين باشا ما لا يصلح من بينها.

ولما كانت مناورة خير الدين هذه كدرس مفيد في علم الحرب البحري استعملها أمير الات الدولة الإنكليزية في محارباتهم البحرية كالأميرال رودني والأميرال جرفس سنت وينسنت والأميرال نيلسون وغيرهم فكانت كافلة لهم بالانتصارات العديدة والظفر في كل حروبهم البحرية وعقب هذا الانتصار أنعم السلطان سليمان على خير الدين باشا بلقب غازي.

ولما ارتدت باقي الأساطيل بالخيبة أراد قوادها أن لا يرجعوا إلى بلادهم إلا باكتساب نصر ولو جزئي يحط عنهم بعض ما لصق بهم من أدران العار فعرجوا على قلعة نوه الواقعة في ساحل ولاية هرسك وحاصروها براً وبحراً ولم يتمكن أمير تلك الولاية المسمى يالي بك من تخليصها من الحصار فسلمت إليهم عنوة وقتلوا جميع حاميتها من المسلمين ولما بلغ السلطان خبر ذلك أصدر الأوامر بالتجريد عليهم لردها من يدهم فأسرع خسرو باشا والي الرومللي بجيشه وحاصرها في فصل الربيع ولما وصلت الدوننما مع القبودان باشا بحراً تمكنوا من استخلاصها 946 هـ ثم فتح قلعة تيرة من يد البنادقة واهتم جنرال البنادقة الذي بقلعة زاره من ردها فعاد خائباً.

وقبل وفاة جان زابولي ملك المجرالذي كان تحت حماية الدولة العثمانية المتزوج بالأميرة إيزابيلة بنت ملك بولونيا كان جعل ولده الذي له منها المدعو استيفان ولي عهده إلا أن فردينند ملك بوهيميا طلب من الملكة إيزابيلة تسليم المملكة إليه حسب المعادهدلا التي اتفق عليها مع زوجها قبل وفاته وعرض على إيزابيله إقليم ترانسل انيا وهو الأردل تحكمه مع ابنها المذكور فلم تقبل وعدت ذلك منه تعدباً على حقها فأرسل فردينند عند ذلك جيشاً المحاربة المجر.

ولما رأت إيزابيلة أنها غير قادرة على مقاومته أرسلت رسولًا إلى السلطان سليمان ومعهم جزية سنتين تلتمس منه المساعدة والإمداد فأرسل جيشاً تحت قيادة الوزير صقوللي محمد باشا وخسر وباشا بكلر بك الرومللي ثم أرسل الأساطيل العثمانية تحت قيادة خير الدين باشا للمحافظة على جزائر بحر سفيد ثم خرج السلطان بنفسه إلى بلغراد ليدرك جيشه عند اللزوم وليكون أقرب إلى ميدان القتال ه ولما اقترب السلطان من مدينة بودين أرسل له الوزير يخبره بظفره على الإعداد نصراً مبيناً ثم تقدم السلطان فرحا حتى وصل بودين.

وفي سنة ه م لما تعدى شارلكان على فرنسيس الأوّل ملك فرانسا طلب هذا نجدة من السلطنة العثمانية فأرسل له السلطان دوننما مشكلة من مائة سفينة حربية تحت قيادة خير الدين بالشا لمساعدة العمارة الفرنساوية التي كانت تحت قيادة دون انغيان وكانت مركبة من أربعين سفينة حربية في محاربات نيس وسواحل إسبانيا وفتحت للفرنساويين جملة حصون وسلمتها لهم ولما حل زمن الشتاء عادت العمارتان الفرنساوية والعثمانية إلى ميناطولون لتمضية فصل الشتاء بها حسب العادة.

وفي أثناء إقامتهما بتلك المدينة كان خير الدين باشا كلما زار أوقابل ضباط البحرية لا مهم على إهمالهم أمر سفنهم وكان الأميرال الفرنساوي دوق انغيان يسمع هذه الاعتراضات بأذن صاغية من هذا البطل الشهير ويحلها محلها من الاعتبار وقد قد أرشد الفرنساويين بذلك إلى جملة تحسينات بحرية.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:57   رقم المشاركة : 74
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 محاربات العثمانيين ببحر الهند

محاربات العثمانيين ببحر الهند

اعلم أنه بينما كانت الدولة العثمانية مشتغلة بالمحاربات البحرية والبرية المستمرة مع البنادقة وإسبانيا والدول المتفقة معهما في البحر الأبيض المتوسط كان البرتغاليون يمدون فتوحاتهم بسواحل الهند ذاهبين إليها من طريق رأس عشم الخير بجنوبي أفريقية وكانوا استولوا على كثير من البلاد الكائنة على السواحل المذكورة وصاروا ينقلون منها بسفنهم تجارة هذه البلاد إلى بلادهم بولاد أوروبا مارين بالطريق المذكور وبعد أن كانت التجارة الهندية والصينية تنقل من هاته البلاد إلى ثغر السويس ومنه إلى الإسكندرية ومنها إلى أوروبا في البحر المتوسط الأبيض بواسطة السفن التجارية العثمانية وغيرها من سفن الدول المتحابة.

كانت أعمال البرتغاليين التي ذكرناها سبباً لتعطيل المنافع والتجارة العثمانية فأصدر السلطان الأوامر المشدّدة إلى وزيره الذي اشتهر وقتئذ بالشجاعة وحسن التدبير وهو الخادم سليمان باشا والى مصر بتجهيز الأساطيل اللازمة في البحر الأحمر لإرسال الحملة التي صمم السلطان على إرسالها لمحاربة البرتغال بجهات الهند وتأمين طرق التجارة وأرسل لذلك من الاستانة سليمان رئيس وكان أشهر رجال عصره معرفة بالملاحة والبحرية لمساعدة سليمان باشا في هذه المأمورية فتمكن الاثنان بما بذلاه من النشاط من تجهيز وتشييد جملة سفائن في فرضة السويس 944هـ 1537م .

وفي خلال ذلك قام هما يون شاه ملك الهند يقصد محوملوك الطوائف الذين بأطراف بلاده ولما هدد بها درشاه ملك كجرات سنة 943هـ أرسل هذا من طرفه سفيراً إلى السلطان سليمان يطلب نجدته فكانت هذهالمسألة وسيلة أخرى لتنقيذ ما صمم عليه السلطان من إرسال الجيوش والأساطيل إلى بلاد الهند.

ولما تمت التجهيزات أقلع سليمان باشا من السويس بعمارة مؤلفة من ثمانين سفينة تحت قيادة سليمان رئيس بها عشرين ألف جندي ولما وصلت هذه السفن إلى عدن سنة 945هـ استدعى سليمان باشا أميرها المدعو عامر بن داود فقبض عليه وصلبه في سارية من سواري السفن بعد أن كان وعده بالأمان وبذلك استولى على إمارة عدن بلا حرب وأبقى فيها بعض الجنود ونصب عليها بهرام بك أحد أمراء الجنود العثمانية محافظاً.

ثم أقلع منها قاصداً سواحل الهند فوصلها بعد أيام ولما أرسى على ساحل كجرات بلغه أن بهادرشاه الذي كان طلب مساعدة الدولة تصالح مع خصمه بعد أن تحاربا مراراً وكانت الأساطيل البرتغالية تسلطت على ثغور كجرات واستولت على فرضة ديووما جاورها من البلاد ومات في الحرب بهادرشاه وخلفه الملك محمود في مملكته وكان هادن البورتغاليين.

ثم إن سليمان باشا الخادم أخرج الجيوش إلى البر بعد أن اتحد مع الملك محمود وأخذ يقاتل البرتغاليين حتى استولى منهم على قلعتي كوله وكات وقتل منهم أكثر من ألف محارب ثم شرع يحاصر فرضة ديو براً وبحراً وتمكن بعد زمن من الاستيلاء على قلاعها الأمامية إلا أن مقاومة محافظها البرتقالي المدعوا أنطوان وما أظهره من الجسارة والإقدام في المدافعة عن القلاع الداخلية أعلمه أن الاستيلاء عليها لا يمكن نواله بسهولة سيما وأنه لما رأى أن ذخيرة العساكر قاربت الفراغ طلب من الملك محمود إمداده بالذخيرة غير أن الملك محمود كان يخاف أن يصيبه منه ما أصاب أمير عدن فلم يلتفت إليه بل صالح البرتغاليين فالتزم سليمان باشا عند ذلك برفع الحصار عن الفرضة المذكورة والعودة إلى السويس.

وقد لام صاحب تاريخ الخبر الصحيح سليمان باشا الخادم على فعلته بأمير عدن لأنها كانت سبباً في ضياع الفوائد التي اكتسبها في سفرته هذه بالبلاد الهندية وبعد عودة الأساطيل والجيوش إلى عدن حضر أمير بلاد الشحر وقدم خضوعه للسلطنة فقبل الباشا منه ذلك وأمنه وذخلت تلك الجهات ضمن الأملاك العثمانية ثم مر على سواحل اليمن وأخضعها وولى عليها مصطفى باشا ابن بيقلي محمد باشا.

التجريدة الثانية البحرية ببحر الهند:

قد علمت مما سبق أن الخادم سليمان باشا استولى على مدينة عدن أثناء ذهابه بالحملة الأولى ولما كان هذا الاستيلاء لم يحصل بوجهه الشرعي لقتل أميرها المدعو عامر بن داود ظلماً وعدواناً ثارت الأهالي خصوصاً أقاربه على الحاكم الذي تعين لمحافظتها واتفقوا مع البرتقاليين وساعدوهم على تسليم المدينة لهم ولما علمت الدولة بذلك سيما وأن نجاحها في التجريدة الأولى لم يأت بالفائدة المطلوبة أرسلت في سنة 959هـ 1551 م عمارة أخرى من البحر الأحمر تحت قيادة المدعو بيري رئيس مؤلفة من ثلاثين سفينة بين أغربة وشواني وغلايين.

وقد تمكن هذا القبودان من استرداد عدن والاستيلاء بعد ذلك على مدينة مسقط وجزيرة هرمز ودراخت الواقعتين عند مدخل الخليج الفارسي ليجعلهما نقطتين يلتجأ إليهما عند الحاجة ثم أقلع يريد البصرة وهناك بلغه أن اسطول البرتغال آت لمحاربته ولما كانت أساطيله ينقص منها بعض الأدوات والآلات تركها بالبصرة وعاد بغرابين إلى مصر.

ثم عين السلطان مراد بك قبودانا على إسطول مصر فقصد البصرة بعمارة عظيمة وبعد أن ترك بها سبعين سفينة خرج بإسطول مؤلف من 17 سفينة وبوصوله إلى مضيق هرمز تقابل مع البرتقاليين ولما انتشب القتال بينهما انتصر البرتقاليون وقتل من أساطيل العثمانيين كثير من قوادها عند ذلك اضطر مراد بك إلى الرجوع إلى مدينة البصرة ثم عين السلطان البحري الشهير والفلكي الخبير سيد علي رئيس قائداً للأساطيل المصرية 960هـ .

وكان لهذا الرئيس اطلاع تام على بحار الهند وخواصها وله في ذلك تأليف معتبر منها كتابه الذي سماه "بالمحيط" وصف فيه بحار الهند وصفاً مدققاً وقد تمرن على الغزوات البحرية مع خير الدين باشا الشهير ولما وصل إلى البصرة ورتب أساطيله ووضع فيها ما يلزم من القواد والبحارة أقلع حتى وصل إلى جهات هرمز لمنازلة البورتغاليين هناك وكانت سفنهم ثلاثة أمثال سفنه ومع ذلك فقد انتصر عليهم نصراً مبيناً وأغرق من سفنهم عدداً كثيراً ثم خرجت عليه أنواء عظيمة أتلفت بعض سفنه وألقت بالبعض الآخر على سواحل بلاد الهند فساءت حالته وضعف أمره وخاف قواد السفن الباقية من زوابع البحر المحيط الهندي فأرسى بها على سواحل كجيرات وخرج من بقي بها من الجنود إلى البر وسلم السفن وأدواتها إلى الملك أحمد ملك كجيرات ثم عاد بنحو الخمسين فقط من أتباعه بين رئيس ومرؤس مارين بالبلاد الهندية وبلاد العجم حتى وصلوا إلى الأراضي العثمانية بعد أن صادفوا من الأهوال والمشقات مالا يوصف ذكرها في رحلته المسماة بمرآة الممالك التي كتبها بعد عودته وبعد ذلك صارت الأساطيل العثمانية تتردد على بحار الهند وتنازل البرتغاليين حتى أضعفت سلطتهم وكان لها في ذلك الوقت القدح المعلى في سلوك البحار.

المحاربة مع مملكة إيران:

أعلم أنه في سنة 955هـ التجأ أخو الشاه طهما سب المدعو القاص ميرز إلي السلطان مستجيراً به من ظلم أخيه وتعديه على حقوقه الشرعية فتأثر السلطان من ذلك وكان ينتظر سبباً مسوغاً لقتال العجم وبعد أن جهز الجيش خرج به قاصداً تلك البلاد وما زال سائراً منصوراً حتى وصل إلى مدينة تبريز وعند عودته استرد مدينة وان التي كان الأعجام استولوا عليها ولما كان أهل الكرج يظهرون الخصومة للدولة العثمانية انتهز السلطان أيضاً فرصة وجوده بتلك الجهات وأرسل وزيره الثاني قره أحمد باشا بالقوّة الكافية فأخضع بلادهم وأدخلها ضمن الأملاك العثمانية وبعد خروج العثمانيين من بلاد العجم تقدم ملكهم طهماسب الذي لم يتجاسر على الوقوف أمام العثمانيين في المرة الأولى وأخذ في شن الغارة على جهات موش وعاد لجواز وأخلاط وغيرها فجرد السلطان لذلك جيشاً كثيفاً جعل عليه وزيره الأعظم رستم باشا.

مساعدة السلطان الملك فرنسا:

لما وقعت العداوة والشحناء بين فرنسيس الأول ملك فرنسا وشرلكان امبراطور ألمانيا وملك إسبانبا استنجد ملك فرنسا ثانية بالسلطان سليمان طالباً إمداده لردع خصمه القوي فأمر السلطان وهو يحارب العجم طورغودبك المعروف عند الفرنج باسم (Dragut) بالسفر صحبة العمارة البحرية لمساعدة فرنسا فتوجه هذا القائد الشهير بالإسطول العثماني ومعه العدد الكافي من الجنود 960هـ 1553م واتحد مع القبودان بولان المتقدم الذكر رئيس أساطيل فرنسا وحاربا الإسبانيول وانتصرا على كثير من سفنهم وفتحا عدة قلاع ومدن ساحلية أضيفت إلى أملاك فرانسا ثم خلّص طورغود نحو سبعة آلاف أسير من المسلمين كانوا لدى الإسبانيول في قلعة بشتيا (Bestia) من أعمال قورسقه وغير ذلك ثم حصل بينه وبين قائد أساطيل الفرنسويين خلاف فعاد إلى استانبول وأحسن السلطان عليه برتبة بكلر بك الجزائر مكافأة له.

محاربة جربة الشهيرة:

خرج بياله باشا 966سنة بعمارة حربية مؤلفة من 88 سفينة وتقابل في مياه سبيانجه بسفينة طليانية فقبض عليها ولما استنطق طائفتها علم منهم أنه لما زادت الدولة العثمانية قوّتها البحرية في سواحل بلاد الجزائر ومالطة خافت طائفة فرسان مالطة واستغاثت بأوروبا والتمست من حكومتها البحرية إمدادهم بالأساطيل فتداولت تلك الحكومات في الأمر ثم أقروا وأعموماً على مهاجمة العثمانيين فنقل بياله باشا هذا الخبر إلى السلطان الذي اهتم بالأمر غاية الاهتمام وأرسل من إستانبول اثنتي عشرة سفينة لتقوية العمارة العثمانية على أعدائها وأمره السلطان بالتربص في سواحل الأرنؤد لاستطلاع أحوال العدوّ وتقوية حصون تلك البلاد فقام بباله باشا بتنفيذ هذا الأمر كما يجب ثم عاد بالعمارة في الشتاء إلى خليج إستانبول.

وبعد وصوله بقليل ورد خبر من بكلر بك طرابلس الغرب طورغود باشا ينبئ بأنه بعد عودة الدوننما العثمانية من البحر المتوسط الأبيض حضرت أساطيل الدول المتحدة إلى جزيرة جربة وأخذت في إقامة الاستحكامات بقصد الاستعداد للهجوم على طرابلس الغرب في أول الربيع وبناء على ذلك صدرت أوامر السلطان ببناء وتجهيز السفن للسفر وقام بياله باشا بمباشرة وتنفيذ هذه الأوامر وصار يراقب دار الصناعة باستانبول وكليبولي بنفسه حتى تمكن بعد قليل من بناء 120 سفينة.

وفي اليوم الثامن من شهر رجب سنة 967هـ 1560 م أبحر بياله بالأساطيل المذكورة وما زال يجد في السير حتى وصل إلى جزائر قيون حيث تلاقى مع السفينة التي أرسلها طورغود باشا حاملة أخباره وبعد أن اطلع على ما تحمله من المكاتيب أخذ في السير وفي تلك الأثناء قبضت فرقة العمارة التي تحت قيادة أولوج على رئيس وكانت في المقدمة على سفينة حربية للأعداء بقرب متون وعلم من طائفتها التي وقعت بيد العثمانيين أقوال مطابقة تماماً لما كان أخبر به طورغود باشا أي أن دوننمات الدول المتفقة تقصد الهجوم أولاً على طرابلس الغرب ثم اجتمع بياله باشا بفرقتي مصطفى بك حاكم مديللي وقورداوغلي أحمد بك بك رودس بمياه متون المذكورة وسار الجميع يقصدون طرابلس الغرب.

وفي يوم 18شعبان سنة 967هـ 1560 م تحركت الأساطيل العثمانية عند الفجر وما زالت تتقدم نحو الجزيرة حتى شاهد الاسطولان بعضهما عند ذلك أخذ الطرفان في التعبية والتصفيف ثم ابتدأت السفن العثمانية بإطلاق مدافعها المشهورة بسرعتها حتى دمرت للأعداء جملة سفن وتعطلت جملة غالونات عن الحركة فتوقفت عن إطلاق نيرانها فانتهز العثمانيون هذه الفرصة وتقدمت فرقة من أسطولهم حتى دخلت وسط صفوف سفائن العدوّ وفرقتهم إلى شطرين وبذلك التجأ من الجناح الأيمن14 سفينة إلى مينا جربة وخرجت السفن التي كانت تحت قيادة اندريادوريا إلى عرض البحر فترك بياله باشا عند ذلك فرقة من أساطيله في جربة وخرج هو بباقي السفن لتعقب العدو وما زال يطارده حتى استولى منه على سبع وعشرين غليونا وعشرين شانية إلا أن غالبها غرق مما أصابه من المقذوفات وفر الأميرال إندريادوريا تاركاً في قبضة العثمانيين كثيراً من أمراء أوروبا وبرنساتها.

وفي يوم دخول الأساطيل العثمانية الاستانة أشرف عليها السلطان من قصر مطل على البحر وكان دعا الأمراء العظماء والسفراء لهذا الاحتفال فدخلت الأساطيل رافعة أعلام النصر تلوح على وجوه قوادها علامات الشجاعة والفوز تجرّ خلفها ما استولت عليه من سفن الأعداء حاملة ما غنمته من الغنائم النفيسة فكان لذلك منظر من أحسن المناظر وأبهجها وكان قبودان الأساطيل العثمانية علق العلم الإسبانيولي في وسط السارية كما يكون ذلك في حالة الحزن دلالة على ما لحق الإسبانيول ومحالفيهم من القهر والنكال وأصعد الدون الوارو وغيره من القواد والأسرى إلى أعلى مكان بمؤخر السفينة (كمبانا) ومرت الأساطيل على هذه الحالة عند ذلك قام سفير فردينند إمبراطور ألمانيا وهنأ السلطان على الانتصار العظيم فأجابه السلطان بقوله: إذا افتكر الإنسان في أن هذا التوفيق العظيم قد ساقه إلينا الباري جل وعلا بألطافه الإلهية فلا داعي إذن للغرور أو التفاخر .

محاصرة جزيرة مالطة:

لما رأت الدولة العثمانية أن فرسان مالطة أو طائفة القديس يوحنا الذين توطنوا بهذه الجزيرة لا زالوا يظهرون التعدي والعداوة على سفنها ورعاياها وكثيراً ما كانوا يساعدون إسبانيا وباقي الحكومات البحرية الأوروباوية في جميع محارباتها مع الدولة العثمانية، وجه السلطان سليمان القانوني عليهم في شتاء سنة 971هـ 1564 م الأساطيل بعد أن شحنها بما يلزم من العدد والعدد وعين الوزير الرابع مصطفى باشا سردارا على الجيش وبياله باشا فاتح جربة قائداً عاماً للأساطيل وأمر أيضاً طورغود باشا بمرافقة الحملة بما معه من الجنود البرية.

وفي أواخر شعبان سنة 972هـ 1565 م وصلت الأساطيل إلى الجزيرة المذكورة وأخرجت العساكر والمهمات في جزيرة سريغو وعسكرالجيش بجوار نهير بالمكان المدعو بستان بك كل ذلك ولم يبد فرسان الطائفة مقاومة ثم هجمت فرقة من خيالة تلك الطائفة يبلغ عددها ثمانمائة جندي على العساكر العثمانية وانتشب بينهما القتال وبعد قليل ولت تلك الفرقة الأدبار بعد أن تركت كثيراً من قتلاها وجرحاها.

ثم حاصر العثمانيون المدينة من ناحية سنت ألمو جاعلين أعمالهم على قلعتي سان ميشيل وسان أنجلو وكانتا على غاية من المنعة ولما كانت مقذوفات مدافعهما قوية سريعة التزمت العساكر العثمانية بالقهقري وفي تلك الأثناء أصيب القائد الشهير طورغود باشا بجرح بليغ ثم عاود العثمانيون الهجوم مراراً من جهة سنت التي كانت اتخذتها العساكر العثمانية موقعاً مستحكماً لها بناء على إشارة سردارها المذكور وكانت من رأي بياله باشا وطورغود باشا الاستيلاء على المدينة قبل مهاجمة القلاع فلم يوافقهما السردار على هذا الرأي وقد نجم عن الاختلاف في الرأي عدم النجاح وضياع فائدة المهاجمات والمحاصرات ولما توفي طورغود باشا من جرحه ورجح القواد عدم النجاح استقر رأيهم على مبارحة الجزيرة وتركها لوقت آخر ثم عادت الأساطيل العثمانية إلى استانبول بعد أن فقدت كثيراً من الجنود وبعد عودة الأساطيل بمدّة قليلة توفي الوزير الأعظم علي باشا ووجه مسند الوزارة إلى الوزير الثاني صوقللي محمد باشا الشهير.

وفاته:

كان اعترى السلطان الضعف والهزال لتقدّمه في السن حتى أنه أوصى بالسلطنة من بعده لابنه سليم وكانت وفاته بداء النقرس وله من العمر 76 سنة وأخفى الوزير الأعظم صوقللي محمد باشا وفاته شفقة على الجيوش لئلا يفشلوا ويذهب ريحهم وأمر رئيس الأطباء بتحنيط جثته وبعد تمام الفتح أخذت العساكر في ترميم القلعة وإصلاحها وبعث الوزير الأعظم المذكور كور إلي السلطان سليم يدعوه إلى سكدوار وكان يومئذ على إمارة كوتاهية فلما وصله الخبر قام مسرعاً حتى وصل إلى دار الخلافة على حين غفلة من أهلها وجلس على سرير الملك وبعد أن تمت له البيعة واطمأن الناس قصد سكدوار مكان الجنود فأقام ببلغراد حتى وافته هناك ثم حل نعش والده على عجلة إلى الاستانة حيث واروه التراب.

وكان سلطاناً رفيع القدر حازماً موصوفاً بالحكمة والإقدام وقد سنّ عدّة قوانين جديدة نظم بها السلطنة فقوى شأنها وسياستها ولهذا لقب بالقانوني وقسم الدولة إلى عدّة أيالات جعل في كل أيالة منها فرقة من الجنود للمحافظة عليها ورتب نظامات وتنسيقات جديدة لضبط العسكرية ووضع منوالاً جديداً لإيراد الدولة ومصروفها فتحسنت أحوالها حتى بلغت درجة لم تنلها من قبل ولا من بعد.

وكان رحمه الله تعالى محباً للعمارة والمباني جدّد المساجد وشيد المدارس والقلاع وأوقف أوقافاً كثيرة في أكثر جهات المملكة وخصص وظائف للمدرسين والطلبة: ورتب لهم المرتبات من الأوقاف وجدّد عمارة الحجرة النبوية 935هـ وأرسل منبراً من الرخام النقي إلى مكة 996هـ لا يزال بها للآن وله مآثر يعجز عن حصرها القلم وهو بالاختصار من أعظم وأشهر ملوك آل عثمان.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 15:58   رقم المشاركة : 75
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 السلطان سليم الثاني

السلطان سليم الثاني ابن السلطان سليمان خان 974-982هـ

لما توفي السلطان سليمان القانوني أمام قلعة سكدوار كما ذكرنا أخفى صوقللي محمد باشا الوزير الأعظم خبر وفاته مخافة حدوث ما يكدّر الأمن العام بالمملكة وأرسل مكتوباً خاصاً إلى السلطان سليم الثاني بكوتاهيه يخبره بذلك عن يد رجل من أمنائه يدعى حسن جاويش ولما وصله المكتوب بعد ثمانية أيام أقبل مسرعاً صحبة حاشيته حتى وصل إلى دار الخلافة يوم 9 ربيع أوّل سنة 974هـ وجلس على تخت أجداده وكان سنه إذ ذاك 45سنة وبعد أن بايعه شيخ الإسلام أبو السعود أفندي واسكندر باشا وكان نائباً عن السلطان سليمان في غيبته والعلماء والوزراء والأمراء والأعيان زار أضرحة أجداده ثم توجه إلى بلغراد فقابل الوزير الأعظم وكانت الأعمال الحربية متوقفة بسبب دخول فصل الشتاء وهناك بايعه الجيش وباقي الأمراء.

ولما طلبت اليكجرية منه العطايا المعتادة عند الجلوس أبى ذلك عليهم وردعهم فأظهروا عند عودتهم التذمر وأتوا كثيراً من قبائح الأعمال حتى التزم الوزراء بأن يتوسطوا لدى السلطان فأمر بأن يصرف لهم بعض تلك العطايا وعدهم بما بقي إلى عودته إلى إستانبول فلم يزدهم ذلك إلا عتوّا وإفساداً ووقاحةً حتى أن الوزير الثاني برتو باشا لما أراد نصيحتهم قبضوا عليه وقتلوه وأهانوا أيضاً فرهاد باشا وأخيراً أشار الوزير الأعظم وباقي الأمراء على السلطان بأن يُمنيهم هو بنفسه فسكن اضطرابهم نوعاً وبعد أن صرف لهم المقدار الباقي بعد العودة تمكن الصدر الأعظم من معاقبة من تمرّد منهم وبذلك ارتدع الباقون عن غواياتهم وكان سبب تأخير الصرف فراغ خزينة الدولة وعدم ورود الإيرادات من النواحي وقد راجت بعد ذلك وتحسنت حالتها بعد وصول القبودان بياله باشا بالأساطيل من سواحل إيطاليا.

وفي أوائل جلوس هذا السلطان عصته عرب البصرة وخرجوا تحت قيادة أحد مشايخهم المدعو ابن عليان فجهز عليهم العساكر الكافية وأرسلها تحت قيادة سكندر باشا بكلر بك ديار بكر وخرج لحربهم أيضاً جانبولادبك بعساكر حلب وأورفا بحرافي في خمسمائة وخمسين سفينة في نهر الفرات وبعد وقائع عديدة تمكن العثمانيون من إخضاع تلك القبائل وأذعن ابن عليان المذكور لدفع فريضة سنوية إلى خزانة البصرة قدرها 15000من الذهب 975هـ .

وفي السنة التالية سارت الجيوش تحت قيادة سنان باشا والي مصر لإتمام فتح بلاد اليمن وقهر ثوارها وطرد المتغلبين من البرتغال عليها وبعد عدّة وقائع انتصروا على المتغلبين والمتمردين وأخرجوا البرتقاليين منها وملكوا صنعاء واعترف سلطانها الشريف مطهر بن شرف الدين يحيى بالحكومة العثمانية ثم عين سنان باشا عليها أحد القوّاد المسمى عثمان باشا والياً ثم عاد سنان باشا ظافراً.

فتح جزيرة قبرس:

كانت جزيرة قبرس تابعة للبنادقة وكثيراً ما حدث من أهلها ما يخالف المعاهدات كتعرّض سفنها للسفينة التي كانت تقل دفتر دار مصر غير تعدّيات سفن قرصانها على السفن التجارية العثمانية في سواحل مصر وسورية وفينيقية وما سبق منها مدّة ولاية هذا السلطان على كوتاهية عندما كان ولي عهد واغتصابها خيوله والأشياء التي كان ابتاعها لنفسه من مصر ولم يتمكن من استردادها منهم إلا بعد مشاق جمة فلما صعد على كرسي السلطنة وحدث من سكان هذه الجزيرة ما حدث صمم على إخضاعها خصوصاً وأنها كانت من قبل للمسلمين من عهد خلفاء بني أمية فجرد عليها الجنود وأفتى بجواز ذلك شيخ الإسلام أبو السعود أفندي.

وفي 15 ذي الحجة من سنة 977هـ 1570 م أقلعت الأساطيل العثمانية وكانت مركبة من 360 سفينة تحت قيادة القبودان الأعظم مؤذن زاده علي باشا وكان بها عساكر الأناضول والرومللي وأكثر بكوات الصناجق ونحو 5000 من الانكشارية تحت قيادة السردار الوزير لالا مصطفى باشا وأمر السلطان وزيره الثالث بياله باشا بمحاصرة الجزيرة بالسفن الحربية لقطع الإمدادات الخارجية عنها ثم وصلت الأساطيل والعساكر إلى ليمان طوزلة من الجزيرة المذكورة واستقرت آراء القوّاد على حصار قلعة لفقوشه (Nicosie) أوّلاً أذهى قاعدة الجزيرة بعد حصارها أياماً دخلوها عنوة وقتلوا كثيراً من سكانها ولما شاهد أهل كرينه (Gtrima) ذلك خافوا وسلموا بدون قتال.

ثم حاصروا قلعة ماغوسه (Famagoustie) وكانت من أمنع الحصون وأصعب المعاقل ولما اشتدّ الحال بالمحصورين أرسلوا يستنجدون ملوك أوروبا فلما لم يغثهم أحد سلموا بالأمان ودخل العثمانيون ماغوسه وغنموا منها غنائم كثيرة ورحل كثير من أهل الجزيرة عنها ثم إن بياله باشا ترك قسماً من العمارة للمحافظة على السفن الثقيلة الراسية في المينا السابق ذكرها وأقلع بالباقي إلى سواحل الشام لنقل العساكر الآتية من حلب مدداً للعساكر العثمانية وبعد تمام الفتح عاد بياله باشا بالغنائم إلى إستانبول لدخول فصل الشتاء ولإصلاح بعد السفن وتجهيزها وبصحبته القبودان علي باشا وترك بالجزيرة أربعين سفينة تحت قيادة عرب أحمد بك بك رودس.

وبقي بالجزيرة أيضاً السردار مصطفى باشا لفتح ما بقي من قلاعها وفي خلال محاصرة باقي المدن خرج براغادينو البندقي صاحب قبرس بملابسه الارجوانية وأتى إلى العسكر وقابل السردار وتطاول عليه بألفاظ خشنة ولما كان أمر بقتل أسرى العثمانيين قبل أن يسلم، أمر السردار أيضاً بإخراج من بالسفن من أسرى الإفرنج وقتلهم بحضوره ثم أمر به فقتل هو أيضاً.

محاربة أينة بختي المشهورة بواقعة لابانتو:

لما دخل فصل الربيع من سنة 9هـ خرجت العمارة العثمانية من خليج إستانبول وكانت مركبة من سفينة حربية تحت قيادة القبودان علي باشا وبها السردار الثاني برتو باشا حاملة مأكولات وذخائر حربية لعساكر قبرس وبعد أن أخرجتها عادت إلى مينا مرمريس المقابلة لجزيرة رودس لمراقبة مراكب العدوّ التي أشيع أنها ستحضر للجهات المذكورة ولما تم افتتاح جزيرة قبرس سافرت الأساطيل إلى كريد والتحق بها أثناء سفرها أسطول باي الجزائر أولوج علي باشا وكان مؤلفاً من عشرين سفينة حربية ثم ذهب الجميع إلى سواحل ألبانيا ثم هاجمت العمارة جزيرتي كورفووكفالونيا (Cphalonie) وكانتا للبنادقة وأخربتهما واستولت على مدينتي أولكون (Dulcigno) وباد (Antivari) وبعد أن أقامت العمارة بتلك الجهات زمناً لتوطيد الأمن وتقوية دعائم السكينة ولم تصادف للأعداء سفناً عادت فدخلت جون اينة بختي ولحلول زمن الشتاء تفرّق بعض ملاحي السفن وكثير من الانكشارية التي بها فحدث من ذلك نقص في عساكر وطوائف السفن.

وقد كانت أساطيل الدول المتحدة في ذلك الوقت الآتية لمساعدة البنادقة مجتمعة بمينا مسيني وكانت مؤلفة كما يأتي فكانت أساطيل إسبانيا وعددها70 تحت قيادة الأميرال دون جوان وأساطيل البابا تحت قيادة الأميرال مارك إنطوان مركبة من 12سفينة وأسطول صقلية تحت قيادة الأميرال جاندوكورد مركب من ثمان سفن وعمارة البنادقة تحت قيادة الأميرال ونبيرو مركبة من 108سفن وأسطول نابولي مركب من 32سفينة وأسطول مالطة مركب من ست سفائن وأسطول فرنسا مركب من ثلاث سفائن فيكون عدد الجميع سفينة وكانت القيادة العامة لأكبر الأميرالات وهو دونجوان أميرال إسبانيا المتقدّم وكان من سفن البنادقة ست سفائن من نوع الغالي مدافعها كبيرة بالنسبة لحجمها ذات عيار كبير وأما سفن الاسبانيول فهي وإن كانت جسيمة قوية جيدة الآلات والأسلحة إلا أنه لم يكن معها ماعونات كالبنادقة.

وفي 7جمادي الأولى من سنة 979هـ لما ظهرت عمارة العدوّ المذكور أمام خليج أينه بختي عقد القبودان الأكبر مؤذن زاده علي باشا مجلساً مؤلفاً من كل من برتو باشا السردار وباي الجزائر أولوج علي باشا وباي طرابلس الغرب جعفر باشا وخير الدين باشا زاده حسن باشا ومن نحو خمسة عشر من بكوات صناجق السواحل وبعد أن تداولوا اتفق الجميع على وجوب المدافعة والمحاربة وهم داخل الخليج لتساعدهم القلاع بنيرانها للنقص الموجود بين عساكر السفن ولقلة الأدوات اللازمة لها فلم يقبل القبودان منهم ذلك الرأي بل خالفهم فيه مخالفة كلية ليظهر جسارته مع أنه لم يسبق له رئاسة وقائع بحرية مهمة.

ولما كان هو صاحب الرئاسة العمومية التزم أعضاء المجلس موافقته ظاهراً ثم تقدم إليه أولوج علي باشا وكان أرسخ منه قدما في الفنون الحربية البحرية وقال له: إننا إذا خرجنا بالعمارة لمحاربة الأعداء يلزمنا أن نقابلها على بعد من البر لتتمكن السفن من إجراء حركاتها بالسهولة وهو رأى صائب خصوصاً لسفن الشراع التي يلزمها ميدان واسع للدوران فلم يقبل القبودان منه هذا الرأي أيضاً.

وفي اليوم العاشر من الشهر المذكور أصدر القبودان باشا أوامره لعموم أساطيل العمارة فخرجت قبل الزوال من داخل الخليج المذكور وكانت عمارة الدول المتحدة راسية بجوار جزيرة كارزولاري الكائنة في مدخل جون باتراس الواقع شمالي بلاد مورة وبعد أن عبى العثمانيون أساطيلهم على الشكل الحربي المعلوم إذ ذاك واصطفت أيضاً أساطيل المتحدين وأخذ كل من الفريقين في تشجيع جنوده وقوّاده تقدمت العمارتان نحو بعضهما ولما تقاربتا خرحج من وسط العمارة المتحدة من جانبي سفينة الأميرال جوان السفينتان الراكب فيهما ونبيرو وكولونه وكانا رئيسين لفرقة العمارة وعرضا أنفسهما على أمراء العمارة العثمانية فقابلتهم العمارة العثمانية بالمثل وخرج كل من سفينتي برتو باشا القبودان علي باشا من وسط العمارة العثمانية ليظهر للعدوّ ومكانهما.

وكانت هذه الحركة غير صائبة لأن دون جوان لما رأى جسارة قومندان العمارة العثمانية اتخذ مناورة أخرى للاحتراس من حركتها وكان القبودان العثماني غافلاً عن هذه المناورة لأن دون جوان قدّم الست ماعونات التي كانت في قلب عمارته وهي المجعولة كقلاع عوامة إلى المقدمة وأخر باقي سفائن الفرق خلف الست ماعونات التي ذكرت فابتدأ القبودان باشا بالحملة عليها ولما كان أولوج علي باشا مشاهداً حركة العدوّ نادى على القبودان باشا بترك المواعين وأن يأمر بالحملة على سفن الجناحين فلم يقبل منه ذلك قائلاً لا أقبل على نفسي إن يقال أن العمارة العثمانية هربت من أمام سفن الأعداء فكان هذا الخطأ سبباً في ضياع كثير من السفن العثمانية لأن المواعين المذكورة قامت بخدمة عظيمة لعمارة العدوّ فكانت كمتراس لها أمام سفائن العثمانيين.

ومع ذلك فإن السفن العثمانية لم تتأخر لشدّة النيران بل تمكنت من مضايقة العدوّ من الجناحين وحملت على خط حربه وتغلبت إلى أن دخلت وسط سفنه ثم حملت سفينة قبودان باشا على سفينة دون جوان المذكور فحضرت سفائن بعض الأمراء لمساعدة أميرالهم فتقدمت سفينتان من فرقة القبودان باشا وحملتا على سفائن الأمراء التي تقدمت فكان لهذه السفن في القتال منظر يهول من يراه وقد امتد الحرب ساعتين أصيب في خلالهما علي باشا القبودان عندما كان يبحث عن دون جوان وفي الأثناء تقدم المركيز زانطة كروس بفرقته الاحتياطية واستولى على سفينة قبودان باشا وكان مطرحاً على ظهرها فقطع رأسه من جسده وعلقها على (السران الخسبة الموضوعة عرضاً بالسارية) ولما رأت السفن العثمانية القريبة رأس قبودانها حصل عندها اضطراب شديد تسبب منه انهزام الجناح الأيمن.

أما الجناح الآخر فكان فيه أولوج علي باشا منصوراً بفرقته على فرقة جان أندريا وكان تمكن من تشتيت مراكبه واستولى على 15 سفينة من سفن البنادقة ومالطة وقطع بنفسه رأس جاندو كوردو أميرال مسيني ومزق شمل الفرقة التي كانت معه أيضاً أما فرقة البنادقة التي كانت أمام الجناح الأيمن للعثمانيين رئاسة الأميرال بارياريغو خسرت خسائر جسيمة ومات فيها الأميرال بارياريغو المذكور وخسرت مراكب العثمانيين التي كانت في قلب الفرقة في الجناح الأيمن خسائر بليغة أيضاً.

ولما شاهد أولوج علي باشا قمندان الجناح الآخر قتل القبودان باشا وأن الدوننما العثمانية قد لحقتها الخسائر العظيمة أخذ الأربعين سفينة التي كانت بمعيته وسحب السفن التي استولى عليها من سفن العدوّ وخرج بها إلى وسط البحر بعدما كسر خط حرب الفرقة التي كانت تحاول منعه عن الخروج أما باقي السفن التي خلصت من الجناح الأيمن ومن فرقة الوسط فاقتربت من الساحل وهناك غرزها قوّادها في الرمال لا يتمكن العدوّ من الاستيلاء عليها وقد ضاع للعثمانيين في هذه المحاربة مائتا سفينة حربية منها 92 غرقت والباقي غنمه العدوّ وتقاسمته الأساطيل المتحدة وقتل بهذه الواقعة من الجنود العثمانية نحو 20000بين جنود وقوّاد.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسلامي, التاريخ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:09

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc