تذكري أختاه ، تذكري ملك الموت.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبة وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد:
إن هذه وصية إليك، من مشفق متودد، فاسمعي بفهم حاضر يقظان .
يقول الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.وقال تعالى﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾
﴿الموت باب وكل الناس داخله﴾ ﴿الموت كأس كل الناس شاربه﴾
أختاه:كم ستعيشين في هذه الدنيا ؟ سنة سنتين ؟ ثمانين سنة ... مائة سنة ...ألف سنة ...ثم ماذا ؟!
ثم موت ... ثم بعث الى جنان النعيم أو في نار الجحيم .
أختاه: تيقني حق اليقين أن ملك الموت كما تعداك إلى غيرك فهو في طريقه إليك، فوالله ثم والله كما قبض روح غيرك سيقبض روحك وأعلمي أن الحياة مهما امتدت وطالت فإن مصيرها الزوال، وما هي إلا أعوام ولربما أيام أو سويعات وتصبحين وحيدة فريدة لا حبيبات ولا أموال ولا صاحبات . وفي الليلة التي ستدفنين فيها تسمعين نداء يقول: أمَتي ...أمَتي ذهبوا وتركوكِ، وتحت التراب وضعوكِ، ولو بقوا معكِ مانفعوكِ.
تخيلي نفسك وقد نزل بك الموت وجاء الملك فجذب روحك من قدميك ، تذكري ظلمة القبر ووحدته وضيقه ووحشته وهول مطلعه !! تذكري هيئة الملكين وهما يقعدانك ويسألانك ، تذكري كيف يكون جسمك بعد الموت ؟ تقطعت أوصالك وتفتت عظامك وبلى جسدك وأصبحت قوتا للديدان !! فانتقلت من القصور إلى القبور، ومن البنيان إلى بيت الديدان .
ثم ينفخ في الصور، إنها صيحة العرض على الله فتسمعين ذلك الصوت فيطير فؤادك ويشيب رأسك فتخرجين مغبرة حافية عارية، لا كلام، تنظرين إلى الناس حولك في ذهول هل هذه الأرض التي عشت عليها ؟ قد رجت الأرض رجا، وبست الجبال بسا، البحار اشتعلت، الأنهار جفت، الجبال دكت، الأرض غير الأرض، السماء غير السماء، وشخصت الأبصار لتلك الأهوال وطارت الصحائف وقلق الخائف، فتصمتين مشغولة بنفسك مفكرة في مصيبتك ألآن اكتمل العدد من الإنس والجن والشياطين والوحوش، واقفةً معهم في أرض واحدة، متعلقة بعينك في السماء، وإذا بصوت رهيب، يزيد رعبك رعبا، وفزعك فزعا، تتساءلين ماذا يحدث، وأنت على هذا الحال، فإذا بالسماء تنشق!!نعم إنها تنشق، تنزل من السماء ملائكة أشكالهم رهيبة يقفون صفا واحدا في خشوع وذل، الناس أبصارهم زائغة والشمس تدنو من الرؤس من فوقهم لا يفصل بينهم وبينها إلا ميل واحد، ولكنها في هذا اليوم حرها مضاعف، وأنت واقفة معهم تبكي، دموعك تنهمر من الفزع والخوف، الكل ينتظر ويطول الانتظار خمسـين ألف سنة مادريت إلى أين تمضي إلى الجنة أو إلى النار - خمسون الف سنة - لا شربة ماء، تلتهب الافواه والأمعاء، الكل ينتظر البعض يطلب الرحمة ولو بالذهاب الى النارمن هول الموقف وطول الانتظار- لهذه الدرجة؟ - نعم ماذا ستفعلين هل من ملجأ يومئذ من كل هذا، لا والذي برأ الورى وبرأني، لكن إذا كنت أخية عفيفة ملتزمة نشأت في طاعة الله، قلبك معلق بالصلاة تحافظين عليها وتداومين، و في الخيرات تسارعين وإذا ذكر الله وجل قلبك وفاضت عيناك من خشيته فستستظلين بظله، يوم لا ظل إلا ظله، فاعملي رحمك الله لهذا اليوم الرهيب، لكن ما حال بقية الناس ؟ وماذا لوكنت منهم، واقعين على ركبهم خائفين ، أليس هذا هو آدم أبو البشر ؟أليس هذا من أسجد الله له الملائكة ؟الكل يجري إليه وأنتِ معهم ، اشفع لنا عند الله، اسأله أن يصرفنا من هذا الموقف ، فيقول : إن ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله من قبل ، نفسي نفسي.، يجرون إلى موسى وأنتِ معهم فيقول : نفسي نفسي، يجرون إلى عيسي وأنتِ معهم يقول : نفسي نفسي. وأنتِ معهم تهتفين نفسي نفسي، فاذا بهم يرون محمدا صلى الله عليه وسلم فيسرعون إليه وأنتِ معهم، فينطلق إلى ربه ويستأذن عليه فيؤذن له ويقال سل تعطه واشفع تشفع ..والناس كلهم يرتقبون فإذا بنور باهر، يتوالى نزول الملائكة حتى ينزل حملة العرش ينطلق منهم صوت التسبيح عاليا في صمت الخلائق، ثم ينزل الله تبارك وتعالى في جلاله وملكه ويضع كرسيه حيث يشاء من أرضه، ويقول سبحانه، يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت إليكم منذ أن خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع قولكم وأبصر أعمالكم فانصتوا إليّ فانما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. إنه نور عرش الرحمن وأشرقت الأرض بنور ربها سيبدأ الحساب.. ...
تصوري يوم يناديك باسمك بين الخلائق , يا فلانة بنت فلان : هيا إلى العرض أمام الله فتأبين الخروج من شدة الخوف، إنه اسمك، أنت تفزعين من مكانك،تأتي عليك الملائكة تمسك بك من كتفيك تمشي بك في وسط الخلائق الراكعة على أرجلها وكلهم ينظرون اليك،- تصوري- صوت جهنم يزأر في أذنك،وأيدي الملائكة على كتفك، وتذهب بك لتقفي أمام الله للسؤال، تذكري مذلتك في ذلك اليوم وانفرادك بخوفك وأحزانك , وهمومك وغمومك وذنوبك , وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمعين إلا همسا، وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى , قد ملئت القلوب رعبا، فتتبرئين حينها من بنيك وأمك وأبيك وزوجك وأخيك.تذكري تلك المواقف والأهوال يوم ينسى المرء كل عزيز وحبيب ، تذكري يوم توضع الموازين وتتطاير الصحف، كم في كتابك من زلل وكم في عملك من خلل!! يقول الله تعالى﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ﴾ تصوري حينئذ ضعفك وشدة خوفك وأنهيار أعصابك وخفقان قلبك وقفت بين يدي الملك الحق المبين، الذي كنت تهربين منه ويدعوك فتصدين عنه وقفت وبيدك صحيفة، لا تغادر صغيرة ولا كبيرة، إلا أحصتها فتقرئينها بلسان كليل وقلب كسير , قد عمك الحياء والخوف من الله فبأي لسان تجبينه حين يسألك عن صلاتك وعمرك وشبابك وعلمك ومالك، بأي قدم تقفين غدا بين يديه، وبأي قلب، بماذا يكون جوابك عندما يقول الملك: يا أمتي، لماذا لم تجليني؟لمذا لم تستحي مني؟ لماذا لم تراقبيني؟ أمتي، استخففت بنظري إليكِ ألم أحسن إليكِ ألم أنعم عليكِ ؟!فكم من عجوز تقول : واشيبتاه !! وكم من كبيرة تنادي واخيبتاه وكم من شابة تصيح واشباباه! برزت النار فأحرقت، وزفرت النار غضبا فمزقت وتقطعت الأفئدة وتفرقت، والأحداق قد سالت والأعناق قد مالت, والمحن قد توالت، فتعرض الأعمال، ويبدأ مشهد جديد... هذا المشهد سأدعه لك أختي فكل واحد منا يعرف ماذا عمل في حياته هل أطعت الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم؟هل قرأت القرآن الكريم وعملت بأحكامه؟ هل عملت بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟ هل أديت الصلاة في وقتها ؟ هل صمت رمضان إيمانا واحتسابا ؟هل تجنبت النفاق أمام الناس بحثا عن الشهرة ؟ هل تحجبت وتركت السفور والتبرج؟ هل ألزمت بيتك وتركت التجوال في الطرقات والمحلات؟ هل أمسكت نفسك عن الشهوات والتفرج على الأفلام والمسلسلات؟ هل بررت أمك وأباك ؟هل كنت صادقة مع نفسك ومع الناس أم كنت تكذبين وتكذبين وتكذبين ؟هل كنت حسنة الخلق أم عديمة الأخلاق هل ..وهل ...وهل ؟؟.
أختاه:أما آن أن تتوبي إلى الله، قبرك يبنى وأنت ماتبت فياليتك تبت من قبل أن يبنى، ألا تصبرين على طاعة الله في هذه الأيام القليلة وهذه اللحظات السريعة، لتفوزي الفوز العظيم، وتتمتعي بالنعيم المقيم. وفقك الله يا أمة الله وأعانك على ذكره وحسن عبادته، أسعدك الله في دنياك وأخراك ورفع درجتك وهداك الى سبيل الرشاد .
اللهم اجعل قبورنا رياضا من رياض الجنة، ولاتجعلها حفرة من حفر النيران، وقنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، يا كريم يا غفار. وصلِ اللهم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
• خطوات الشيطان تبدأ بالتدرج، مرورا بالسفور والتبرج، وتنتهي بالهاوية والنار الكاوية .
• ملاحظة:"الأمَة بفتح الألف والميم وهي العبدة " .
• تنويه :" »نضّر الله عبداً قرأ هذه المقالة فوعاها، ثم أدّاها إلى من لم يسمعها، فرُبَّ حامل فقهٍ لا فقه له، وَرُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه« . ساهم في نشر الوعي الإسلامي واحتسب أجرك على الله .
• نلتمس منكم الدعاء بظهر الغيب لكل من ساهم في هذا العمل المتواضع ﴿تم بحمد الله وتوفيقه﴾