هذا ماعندي يا أخت إيمان
الأزمة المالية الحالية وأثرها على الاقتصاد الرأسمالي
ان ازمة اليوم لم تكن مفاجئة فمنذ اواخر سبعينيات القرن الماضي إثر سلسلة من التغييرات القانونية والتكنولوجية وفق فلسفة الاقتصاد الرأسمالي التي تؤمن بالحرية الكاملة والمطلقة للاسواق ومنع تدخل الدولة وغياب الرقابة على السوق
ما أدت تلك التغييرات الى رفع القيود على النمو وعلى امكانية جني الارباح التي كانت مفروضة على المؤسسات المالية فقد سمح لصناديق التقاعد بالاستثمار في اسواق الاوراق المالية واصبح بامكان السماسرة عرض بيع اسهم في الصناديق الاستثمارية المشتركة وسمح لانواع مختلفة من المصارف الاندماج ودخول مجالات تجارية جديدة وأدى استعمال الات الصرف الالية وبرمجيات الاتجار بالاسهم الى خلق شبكة مالية الكترونية تعمل على مدار الساعة ما ادى ذلك الى ارتفاع نسبة الاميركيين الذين يملكون الاسهم وكذلك حصل تغيير جذري في نظرة الاميركيين الى المسائل الاقتصادية وتحول المدخرون الى مستثمرين واصبح المستثمرون ناشطين.
وخلال تسعينيات القرن الماضي استمر رفع القيود ومنها الغاء قانون (غلاس ستيغل) الذي يفرض الفصل بين المصارف التجارية والمصارف الاستثمارية ما اتاح ذلك للمصارف التي تقدم خدمات مصرفية للافراد مثل (سيتي غروب) وغيره دخول سوق المشتقات الائتمانية المربحة التي تضمنت امكانية الاستثمار في اسهم مدعومة بقروض سكنية والقروض المدعومة بموجودات.
وهكذا بدأت المصارف الاميركية تقديم القروض الى المواطنين بفوائد عالية تتضاعف مع طول المدة مع غض النظر عن الضمانات التي يقدمها المقترض او الحد الائتماني المسموح به للفرد لشراء منازل حيث وصلت نسبة الاقراض الى نسبة الادخار 140% والتي من المفترض ان تكون بحدود 20% والتي ذهبت غالبيتها الى شركات الرهن العقاري والتي تقوم بدورها باقراض الطبقات الوسطى والفقيرة للحصول على مساكن وعقارات ما ادى الى حصول عملية طلب غير حقيقية ونتج عنه ارتفاع اسعار العقار، وما ان ارتفعت اسعار العقار قاموا اصحاب تلك العقارات باستغلال هذا الارتفاع ليحصلوا من المصارف على قروض كبيرة بضمان عقاراتهم التي لم يسدد ثمنها والتي ارتفع سعرها بشكل مبالغ فيه نتيجة المضاربات وبذلك اصبحت الرهون العقارية محركا رئيسا في الاقتصاد الاميركي لانه كان تتم اعادة تمويل المقترض كلما ارتفعت قيمة عقاره ما شجع على استمرار الانفاق الاستهلاكي وبالتالي استمرار النمو في الاقتصاد الاميركي.
وفي حقيقة الامر ان هذا النمو في الاقتصاد الاميركي لم يكن نتاج اقتصاد حقيقي لانه كان قائما على سلسلة من الديون المتضخمة التي لم يكن لها اي ناتج في الاقتصاد الفعلي فهي عبارة عن اوراق من السندات والمشتقات يتم تبادلها والتضارب عليها في البورصات وعندما عجز المقترضون عن السداد والايفاء بالتزاماتهم الى شركات الرهن العقاري والتي عجزت بدورها عن تسديد ما بذمتها للمصارف المقترضة منها ادى الى انهيار وافلاس تلك المصارف والشركات وعدم قدرة المصارف عن الايفاء بالتزاماتها اتجاه المدخرين الذين اخذوا ينهالون عليها لسحب مدخراتهم غير المتوفرة.
وهنا قد يتبادر السؤال الاتي لماذا حصل الذي حصل وماهو اثره على الاقتصاد الرأسمالي؟
ان اغلب خبراء الاقتصاد يعزون اسباب الازمة الحالية الى جوهر النظرية الرأسمالية القائمة على اطلاق حرية الفرد في التملك والاستغلال والاستهلاك وفسح المجال لدوافعه الذاتية ان تقوده الى تحقيق مصالحه الخاصة التي تؤدي بصورة آلية الى توفير المصالح العامة، اما عن اثر هذه الازمة على الاقتصاد الرأسمالي فقد اشرت هذه الازمة وجود اختلالات هيكلية واضحة في الاقتصاد الرأسمالي والتي سادت خلال العقود الثلاث الماضية وان المقولة التي تذهب الى ان السوق قادر على تصحيح نفسه وانه يتمتع بكفاءة بانفراده في قيادة جميع الفعاليات الاقتصادية وتوزيع الموارد على مختلف القطاعات بكفاءة من دون تدخل من الدولة قد ثبت ان هذه المقولة غير دقيقة وتفتقر الى اليقينية.
وان الاجراءات التي اعتمدها الاقتصاد الرأسمالي في معالجة الازمة الحالية تعد في الادبيات الاقتصادية قمة تطبيقات الاشتراكية وقد تمثلت بعض هذه الاجراءات في التأميم الكلي او الجزئي لبعض المؤسسات المالية وهكذا لم تعد قوانين السوق بانفرادها قادرة على العمل بكفاءة ما ادى الى تدخل الدولة بشكل واسع.
واستنتاجا مما سبق يمكن القول ان من اهم اثار الازمة الحالية على الاقتصاد الرأسمالي هو ان التفكير الاقتصادي الذي راج على مدى العقود الثلاث الماضية والذي يقضي بان الاسواق قادرة على ضبط ايقاعها وقيادة الفعاليات الاقتصادية وتوزيع الموارد على مختلف القطاعات وتصحيح نفسها من دون تدخل الدول اصبح هذا الفكر غير قادر على الصمود في مواجهة هذه التداعيات ما ادى الى تدخل واسع للدولة في السوق وفي واحد من القطاعات القيادية وهي السياسة النقدية والمالية وقد ادى ذلك الى ظهور اصوات تنادي باقامة منتدى عالمي لاعادة النظر في الفكر الرأسمالي والدعوة الى اعتماد قوانين جديدة واصلاح النظام المالي والبحث عن نظام مالي جديد يؤسس لمرحلة ازدهار الاقتصاد وخروجه من نفق الازمات المتعاقبة