فهرس سلسة الرد على شبهات الصوفية .تابع. - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فهرس سلسة الرد على شبهات الصوفية .تابع.

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-11-22, 19:11   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هل خلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور؟


د.الصادق محمد ابراهيم

يعتقد الغلاة من الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور، وأن هذا النور مخلوق من نور الله جلَّ وعلا.
فممن قال بذلك منهم: ابن عربي الحاتمي(1) وعبد الكريم الجيلي(2) وأبو الحسن بن عبد الله البكري(3) والبريلوي(4)، ومحمد عثمان عبده البرهاني(5) وغيرهم.

ومناقشة هؤلاء الغلاة فيما يعتقدونه في مطلبين:

الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت.
الثاني: المفاسد العقدية المترتبة عليه.

المطلب الأول: ذكر دليلهم والكلام عليه من جهة الثبوت:

استدل الغلاة بالحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما في مواضع متفرقة من كتبهم، ولكن أشمل رواية لهذا الحديث وجدتها عند شيخ الطريقة البرهانية في كتابه ( تبرئة الذمة) حيث يقول:

(روى عبد الرزاق(6) بسنده في كتابه (جنة الخلد) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قلت: {يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء؟ قال: يا جابر إن الله خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قَسّم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول السموات، ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم، وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم، وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله. ثم نظر إليه فترشح النور عرقاً، فتقطرت منه مائة ألف قطرة وعشرين ألفاً وأربعة آلاف قطرة، فخلق الله من كل قطرة روح نبي رسول، ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش والكرسي من نوري، والكروبيون من نوري، والروحانيون من نوري، والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والكواكب من نوري، والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والسعداء والصالحون من نتائج نوري، ثم خلق الله آدم من الأرض ورَّكب فيه النور وهو الجزء الرابع، ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله ومنه إلى وجه أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين. هكذا بدأ خلق نبيك يا جابر}. حديث صحيح)(7).

أقول وبالله التوفيق:

لقد حاولت أن أسير في بحثي هذا في نقد الروايات الحديثية على منهج المحدثين قدر الجهد، والطاقة: فأذكر أقوال أهل العلم في نقد السند ثم المتن. أمَّا الحديث موضوع الدراسة فكل الذين ذكروه لم يذكروا له سنداً، وإنما اكتفوا بنسبته إلى عبد الرزاق الصنعاني فقط دون ذكر السند ولا الكتاب الذي ورد فيه، عدا شيخ الطريقة البرهانية فقد أحال إلى كتاب (جنة الخلد) ونسبه إلى عبد الرزاق، وقد بحثت عن هذا الكتاب لعلي أطلع على سند الحديث، ولكن دون جدوى فلم أعثر له على أثر، بل لم أقف على من نسب الكتاب لعبد الرزاق، وكذلك بحثت في كتب عبد الرزاق الأخرى فلم أجد له أثراً، وقد بحث غيري أيضاً عن هذا الحديث المزعوم فلم يعثر عليه.

يقول عدَّاب الحمش: (نسبه العجلوني إلى عبد الرزاق وقد كنت أرجح أنه في تفسيره لأنني اجتهدت فلم أقف عليه في المصنف... إلى أن قال: ثم ترجح عندي أنه من غرائب ابن عربي وابن حمويه والبكري)(8). بل قد شهد شاهد من القوم على براءة عبد الرزاق من هذا الحديث.

يقول عبد الله بن الصديق الغماري(9) معلقاً على قول السيوطي في الحاوي على هذا الحديث: (إنه غير ثابت) (وهو تساهل قبيح بل الحديث ظاهر الوضع، واضح النكارة، وفيه نَفَسٌ صوفي... إلى أن قال: والعجب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق، مع أنه لا يوجد في (مصنفه) ولا (تفسيره) ولا (جامعه) وأعجب من هذا أن بعض الشناقطة صدَّق هذا العزو المخطىء، فرّكب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له. فجابر رضي الله عنه بريء من رواية هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به، وأول من شهَّر هذا الحديث ابن عربي الحاتمي، فلا أدري عمن تلقاه وهو ثقة(10)، فلا بُدَّ أن أحد المتصوفة المتزهدين وضعه، ومثل هذا الحديث ما روي من طريق أهل البيت عن علي عليه السلام مرفوعاً: {كنت نوراً بين يدي ربي قبل أن يُخلق آدم بأربعة عشر ألف عام} وحديث: {لولاك ما خلقت الأفلاك} وكتب المولد النبوي ملأى بهذه الموضوعات، وأصبحت عقيدة راسخة في أذهان العامة)(11).

ومما يشهد على وضع الحديث أن الغلاة لم يعزوه لغير عبد الرزاق مما يؤكد خلو دواوين السنة المعتبرة عند عامة المسلمين منه كالصحاح والسنن والمسانيد، ومن القرائن التي يعرف بها الوضع في الحديث أن لا يتداوله علماء الحديث.

المطلب الثاني: المفاسد العقدية المترتبة على هذا الحديث:

المفسدة الأولى: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم خُلق من نور.

وهذا باطل من وجهين:

الوجه الأول: إن في إثبات هذا المعنى الذي زعموه نفياً لبشرية الرسول صلى الله عليه وسلم التي أمره الله تعالى أن يعلنها في الملأ، قال تعالى: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولاً)) [الإسراء:93]. والبشر مخلوقون من تراب لا من نور قال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ)) [الروم:20]، وقال تعالى: ((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ..)) [فاطر: 11] الآية، والآيات كثيرة في هذا المعنى. فربُّ العزة والجلال يخبرنا أن رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بشر، وأن البشر مخلوقون من تراب، فهذا خبر عام يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من بني آدم عليه السلام. فتخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه خلق من نور يحتاج إلى مخصص، ولا مخصص. وأمَّا الحديث المنسوب إلى عبد الرزاق فلا يجوز التخصيص به أصلاً؛ لأنه ليس حديثاً صحيحاً؛ لما سبق ذكره(12).

قال ابن تيمية: (والنبي صلى الله عليه وسلم خُلق مما يخُلق منه البشر، ولم يُخلق أحد من البشر من نور، بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله خلق الملائكة من نور، وخلق إبليس من نار، وخلق آدم مما وصف لكم}، وليس تفضيل بعض المخلوقات على بعض باعتبار ما خلقت منه فقط، بل قد يخلق المؤمن من كافر والكافر من مؤمن، كابن نوح منه، وكإبراهيم من آزر، وآدم خلقه الله من طين، فلما سوّاه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وفضله عليهم بتعليمه أسماء كل شيء وبأن خلقه بيديه، وبغير ذلك(13). فهو وصالحو ذريته أفضل من الملائكة وإن كان هؤلاء مخلوقين من طين وهؤلاء من نور)(14).

الوجه الثاني: إن الذين قالوا بخلق النبي صلى الله عليه وسلم من نور، غفلوا عن الآية من أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بشر، لا قدرة له إلا قدرة البشر، وإنما يؤيده الله تعالى بالوحي، وبنصره كيف يشاء ربنا ويرضى. وذلك لمّا طلب منه المشركون أموراً ليست في قدرة البشر على سبيل التعجيز، أمره ربه جل وعلا أن يقول: ((قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولًا)) [الإسراء:93] وإنما الله وحده هو المتصرف في جميع الأمور إن شاء أتاكم بما سألتم عنه وإن شاء منع، وهذا دليل واضح على أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم من آيات بينات، ودلائل واضحات ليست في قدرة البشر إنما هو أمر من عند الله جل وعلا.

المفسدة العقدية الثانية: اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى.

جاء في حديث جابر المزعوم: {أن الله تعالى خلق نور نبيه من نوره}.

قال تعالى: ((وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ)) [النور:16] نزلت هذه الآية الكريمة في عتاب المؤمنين لمّا تعاطى بعضهم حادثة الإفك على سبيل الحكاية ولم ينكروا ذلك وينزهوا الله تعالى أن يحدث مثل هذا من زوج نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يحكموا على هذه المقالة بأنها بهتان(15). فيجب على كل مسلم أن يُنزّه الله تبارك وتعالى مما نسبه إليه هؤلاء الغلاة من خلق نبيه صلى الله عليه وسلم من نوره سبحانه. وإنما جاؤوا به افتراءً للكذب على الله، قال سبحانه: ((وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ)) [يونس:60]، وقال: ((إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [يونس:69]، وقال: ((قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)) [يونس:68] فالمسلم لا ينسب شيئاً إلى الله تعالى أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلم إلا وعنده فيه من الله برهان، وقد ذم الله تعالى أقواماً نسبوا إليه القول والفعل من غير برهان منه سبحانه، قال تعالى: ((وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)) [النحل:116]، وقال تعالى: ((مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) [المائدة:103].

ألا يعي هؤلاء الغلاة ما يخرج من رؤوسهم ((مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)) [الكهف:5].

ويترتب على اعتقاد النبي صلى الله عليه وسلم مخلوق من نور الله تعالى: القول بوحدة الوجود والاتحاد بالله تعالى.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عند أئمة الصوفية خُلق من نور الله تعالى، ثم خُلق من نور النبي صلى الله عليه وسلم بقية المخلوقات. وهذا الذي ذهبوا إليه من خلق العالم أو صدوره عن ذات الله تعالى هو الشق الأول الذي يفسر لنا ما ذهب إليه هؤلاء الغلاة من القول بوحدة الوجود(16)، والفناء(17) أو الاتحاد بالله تعالى.

يقول عارفهم ابن عربي: (فلما أراد -الله- وجود العالم وبدأه على حد علمه ما علمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية، انفعل عنها حقيقة تُسمى الهباء وهي بمنزلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور، وهذا أول موجود في العالم... ثم إنه سبحانه تجلى بنوره إلى ذلك الهباء... فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل(18)، فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي)(19).

ويقول عارفهم عبد الكريم الجيلي: (ولما خلق الله تعالى العالم جميعه من نور محمد صلى الله عليه وسلم كان المحل المخلوق منه إسرافيل قلب محمد صلى الله عليه وسلم)(20). ويقول أيضاً: (... ثم إن العقل الأول المنسوب إلى محمد صلى الله عليه وسلم خلق الله جبريل عليه السلام منه في الأزل، فكان محمد صلى الله عليه وسلم أبا جبريل وأصلاً لجميع العالم)(21).

وقال أيضاً: (اعلم أن الله تعالى لما خلق النفس المحمدية من ذاته، وذات الحق جامعة للضدين، خلق الملائكة العالين من حيث صفات الجمال والنور والهدى من نفس محمد صلى الله عليه وسلم)(22).

فَخَلْقُ العالَمِ أو صدوره عن ذات الله تعالى هو الشق الأول الذي يفسر لنا ما ذهب إليه هؤلاء الغلاة من القول بوحدة الوجود أو الاتحاد بالله تعالى، وبيان ذلك يكون بعد إثبات أن ما ذهبوا إليه لم يكن وليد أفكارهم، وإنما كان مستمداً من مصادر فلسفية قديمة تأثروا بها ونقلوها إلى المسلمين، وما زال تأثيرها إلى وقتنا الحاضر.




--------------------------------------------------------------------------------

(1) الفتوحات المكية (1/119) دار صادر.
(2) الإنسان الكامل (2/46).
(3) البكري: الأنوار ومصباح السرور والأفكار وذكر نور محمد المصطفى المختار ص (4) وما بعدها.
(4) أحمد رضا البريلوي، مؤسس الطريقة البريلوية بباكستان. انظر: رسالة (صلاة صفا) المندرجة في مجموعة رسائل (1/33)، نقلاً عن البريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ص (17).
(5) شيخ الطريقة البُرهانية الدسوقية الشاذلية بالسودان ومصر، انظر: تبرئة الذمة له ص (9).
(6) ابن همَّام الصنعاني.
(7) تبرئة الذمة ص (9-10).
(8) النور المحمدي بين هدى الكتاب المبين وغلو الغالين ص (46).
(9) له مشاركات في علوم الحديث، قال عنه محمد بن علوي المالكي: (العلاَّمة الفقيه محدث المغرب، بل محدث الدنيا). انظر: مفاهيم يجب أن تُصحح ص (19).
(10) ثقة عند الصوفية فقط.
(11) ملحق عن قصيدة البردة كتبه عبد الله الصديق الغماري بذيل كتاب البوصيري مادح الرسول صلى الله عليه وسلم. ص (75) تأليف: عبد العال الحمامصي.
(12) انظر: ص (95).
(13) أي من الفضائل.
(14) مجموع الفتاوى (11/94-95).
(15) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/136).
(16) مذهب يقول: إنَّ الله تعالى والعالم حقيقة واحدة. وعُرفت وحدة الوجود في التاريخ القديم، والمتوسط، وأوضح ما تكون عند الرواقيين وأفلوطين من اليونان، وعند ابن عربي بين المسلمين، ولها مؤيدون في التاريخ الحديث. انظر: المعجم الفلسفي ص (212).
(17) تبديل الصفات البشرية بالصفات الإلهية دون الذات، كلما ارتفعت صفة قامت صفة إلهية مقامها. انظر معجم المصطلحات الصوفية ص (207).
(18) قارن ص (233).
(19) الفتوحات المكية (1/911) دار صادر.
(20) الإنسان الكامل (2/26).
(21) المرجع السابق (2/27).
(22) المرجع السابق (2/61).









 


قديم 2008-11-22, 19:13   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الرد على قولهم النداء إذا كان من مخلوق لمخلوق لا يسمى دعاء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده وبعد .

من الشبه التي يقولها المتصوفة في تبريرهم دعاء غير الله عز وجل وهي ما قاله الإحسائي وتلقفته المتصوفة منه ونقلها أبو الهدى الصيادي ، قال : (( اعلموا أيها الإخوان أن الاستغاثة هي سؤال الشفاعة من الأنبياء والأولياء كقول القائل يا رسول الله أو يا شيخ أحمد الرفاعي ، وذلك لأن قوله يا حرف نداء والنداء إذا كان من مخلوق لمخلوق فلا يسمى دعاء عبادة لأن المعبود في الشرع واحد لا تعدد فيه وهو الله عز وجل . وقد علم المسلمون وتحققوا أنه لا يعبد إلا الله ولا يدعى للعبادة إلا الله وإنما من ينادون على جهة الشفاعة عنده والنداء لا بأس به ، فيجوز نداء المخلوق للمخلوق سواء كان حاضرا أو غائبا لو ميتا ... الخ )) أهـ [ قلادة الجواهر ص 245 – 246 ] .

والشاهد من هذه الشبهة أن نداء المخلوقين في المدلهمات لا يعتبر دعاء غير الله عز وجل لأن النداء من المخلوق للمخلوق لا يعتبر عبادة لأنه من مخلوق إلى مخلوق ، أما النداء من المخلوق للخالق فيعتبر عبادة !!!

وقد فند هذه الشبهة العلامة زيد بن محمد آل سليمان في رده على أحمد زيني دحلان فقال : (( وأما ما ادعاه الضال المفتري أن الدعاء غير النداء وأنه يجوز نداء الميت والغائب ، فهذا الرجل يتكلم بالعامية والغواية لا بالرشد والهداية ، وإلا فكيف يفرق بين ما جمع الله بينهما ورسوله ولغة الغرب .

أما اللغة فإن الدعاء عندهم هو النداء لكن الدعاء عندهم أعم يكون بصوت وغير صوت ، وأما النداء فلا يكون إلا بصوت . قال الشاعر :

وداع دعى يا من يجيب إلى النداء == فلم يستجبه عند ذاك مجيب

ويقال لهذا أيضا : تفريقك بين الدعاء والنداء تفريق باطل مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة مع مخالفته للغة ، فقد سمى الله في كتابه سؤال عباده له دعاء ونداء . قال الله تعالى عن نوح عليه السلام : { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ } [القمر : 10] ، وقال : { وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ }[الأنبياء : 76] ، فسماه في موضع دعاء وموضع نداء ، وقال زكريا : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً } [مريم : 3] ، وقال في موضع : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ }[آل عمران : 38] ، وقال عن أيوب : { إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [الأنبياء : 83] ، وقال : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء : 87] ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مسلم إلا استجيب له )) ، وقال بعض الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم : (( أقريب بنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة : 186] ، وقد سمى الله طلب المخلوق من المخلوق واستعانته به دعاء واستغاثته نداء قال سبحانه : { فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ }[القصص : 15] .

وقال الصحابة : (( قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق )) وقال الله تعالى : { إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا } [فاطر : 14] ، وقال : { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[الأعراف : 194] ، قوله : { فَادْعُوهُمْ } : أي اطلبوا منهم وقال : { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ } [الأعراف : 193] ، فأراد بالدعاء هنا الطلب الذي هو ضد الصمت ، وقال : { قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [الأعراف : 195] ، أي : استعينوا بشركائكم وقال : { قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ } [الأعراف : 195] ، أي : استعينوا بهم ليخلصوكم ، من عذابي { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } [الكهف : 52] ، ليخلصوكم مما أنتم فيه { فَدَعَوْهُمْ } ، صريح في الطلب منهم ، وقال : { وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }[البقرة : 23] ، أي استعينوا بهم ، وقال : { َادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ } [يونس : 38] ، فسمى سبحانه استعانتهم به دعاء ، بل قد سمى الله سبحانه نعيق الداعي بالبهائم دعاء فقال : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء } [البقرة : 171] ، ونص العلماء على أن هذا العطف مرادف فجميع ما قدمنا صريح في أن سؤال العبد ربه يسمى دعاء ونداء ، وأن استعانة المخلوق بالمخلوق وطلبه منه يسمى دعاء ونداء ، وقد قال النحويون : الدعاء نهو النداء بأحرف مخصوصة ، وإن المنادى منصوب لفظا أو محلا بفعل محذوف فقولك يا زيد ، أدعوا زيدا ، ومن أقسام المنادى المستغاث ، وهو كل من نودي ليخلص من الشدة أو يعين على دفع مشقة ، كقول عمر رضي الله عنه : يالله يا للمسلمين ، أي أدعوك للمسلمين ، فاتضح بطلان قوله هذا في أن طلب المخلوق من المخلوق لا يسمى دعاء بل نداء فهو يقول إن الطلب من المسيح وأمه والملائكة وعزيز والجن نداء لا دعاء فما أدري ما يقول في من طلب من العزى ومناة واللات ، فإن قال إن الطلب منها لا يسمى دعاء بل هو نداء ، والنداء لا يضر عنده افتضح عند العامة والخاصة وإن قال إنه يُسمى دعاء ، قيل له نقضت أصلك حيث جعلت الطلب من هذه الأوثان دعاء ومن غيرها نداء ، فهذا شيء واحد جعلته بالنسبة إلى الأموات والغائبين والملائكة والمسيح وأمه وعزير والجن نداء وبالنسبة إلى العزى وغيرها من الأوثان دعاء مع أنه يلزمه ألا يسميه داء إذ لم يسم مدعوه رباً وإلهاً لقوله : إن الدعاء الذي هو عبادة فهو اتخاذ غير الله رباً وإلهاً
)) أ هـ [ فتح المنان ص 98 – 101 ] .

هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم










قديم 2008-11-22, 19:14   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الرد من استدل بأثر الاستقاء بالعباس على جواز التوسل بالذوات


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد

يسدل بعض من يرى جواز التوسل بالذوات بأثر الاستسقاء بدعاء العباس رضي الله عنه على جواز التوسل بالذوات وهذا نص الأثر :

عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : (( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا )) قال فيسقون . رواه البخاري وغيره .

الرد على هذه الشبهة

من كتاب التوسل حقائق وشبهات تأليف أبي حميد عبد الله بن حميد الفلاسي

الشبهة الأولى: حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما:

يحتجون على جواز التوسل بجاه الأشخاص وحرمتهم وحقهم بحديث انس : ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قَحَطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. قال: فيسقون).

فيفهمون من هذا الحديث أن توسل عمر رضي الله عنه إنما كان بجاه العباس رضي الله عنه ، ومكانته عند الله سبحانه، وأن توسله كان مجرد ذكر منه للعباس في دعائه، وطلب منه لله أن يسقيهم من أجله، وقد أقره الصحابة على ذلك، فأفاد بزعمهم ما يدعون.

وأما سبب عدول عمر رضي الله عنه عن التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم - بزعمهم – وتوسله بدلاً منه بالعباس رضي الله عنه ، فإنما كان لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل ليس غير.

وفهمهم هذا خاطىء، وتفسيرهم هذا مردود من وجوه كثيرة اهمها:

1 – إن القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضاً، ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه. وبناء على ذلك فحديث توسل عمر السابق إنما يفهم على ضوء ما ثبت من الروايات والأحاديث الواردة في التوسل بعد جمعها وتحقيقها، ونحن والمخالفون متفقون على أن في كلام عمر: (كنا نتوسل إليك بنبينا.. وإنا نتوسل إليك بعم نبينا) شيئاً محذوفاً، لا بد له من تقدير، وهذا التقدير إما أن يكون: (كنا نتوسل بــ (جاه) نبينا، وإنا نتوسل إليك بــ (جاه) عم نبينا) على رأيهم هم، أو يكون: (كنا نتوسل إليك بــ (دعاء) نبينا، وإنا نتوسل إليك بــ (دعاء) عم نبينا) على رأينا نحن.

ولا بد من الأخذ بواحد من هذين التقديرين ليفهم الكلام بوضوح وجلاء.

ولنعرف أي التقديرين صواب لا بد من اللجوء إلى السنة، لتبين لنا طريقة توسل الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وسلم .

ترى هل كانوا إذا أجدبوا وقحَطوا قبع كل منهم في دراه، أو مكان آخر، أو اجتمعوا دون أن يكون معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دعوا ربهم قائلين: ( اللهم بنبيك محمد، وحرمته عندك، ومكانته لديك اسقنا الغيث ) . مثلاً أم كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم ذاته فعلاً، ويطلبون منه أن يدعو الله تعالى لهم، فيحقق صلى الله عليه وسلم طلْبتهم، ويدعو ربه سبحانه، ويتضرع إليه حتى يسقوا ؟

أما الأمر الأول فلا وجود له إطلاقاً في السنة النبوية الشريفة، وفي عمل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولا يستطيع أحد من الخلفيين أو الطُّرُقيين أن يأتي بدليل يثبت أن طريقة توسلهم كانت بأن يذكروا في أدعيتهم اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، ويطلبوا من الله بحقه وقدره عنده ما يريدون. بل الذي نجده بكثرة، وتطفح به كتب السنة هو الأمر الثاني، إذ تبين أن طريقة توسل الأصحاب الكرام بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كانت إذا رغبوا في قضاء حاجة، أو كشف نازلة أن يذهبوا إليه صلى الله عليه وسلم ، ويطلبوا منه مباشرة أن يدعو لهم ربه، أي أنهم كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليس غير.

ويرشد إلى ذلك قوله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ﴾ [ النساء:64] .

2 – وهذا الذي بيناه من معنى الوسيلة هو المعهود في حياة الناس واستعمالهم، فإنه إذا كانت لإنسان حاجة ما عند مدير أو رئيس , موظف مثلاً، فإنه يبحث عمن يعرفه ثم يذهب إليه ويكلمه، ويعرض له حاجته فيفعل، وينقل هذا الوسيط رغبته إلى الشخص المسؤول، فيقضيها له غالباً. فهذا هو التوسل المعروف عند العرب منذ القديم، وما يزال، فإذا قال أحدهم: إني توسلت إلى فلان، فإنما يعني أنه ذهب إلى الثاني وكلمه في حاجته، ليحدث بها الأول، ويطلب منه قضاءها، ولا يفهم أحد من ذلك أنه ذهب إلى الأول وقال له: بحق فلان (الوسيط) عندك، ومنزلته لديك اقض لي حاجتي.

وهكذا فالتوسل إلى الله عز وجل بالرجل الصالح ليس معناه التوسل بذاته وبجاهه وبحقه، بل هو التوسل بدعائه وتضرعه واستغاثته به سبحانه وتعالى، وهذا هو بالتالي معنى قول عمر رضي الله عنه : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا) أي: كنا إذ قل المطر مثلاً نذهب إلى صلى الله عليه وسلم ، ونطلب منه ان يدعو لنا الله جل شأنه.

3 – ويؤكد هذا ويوضحه تمام قول عمر رضي الله عنه : ( وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، أي إننا بعد وفاة نبينا جئنا بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وطلبنا منه أن يدعو لنا ربنا سبحانه ليغيثنا.

تُرى لماذا عدل عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه ، مع العلم ان العباس مهما كان شأنه ومقامه فإنه لا يذكر أمام شأن النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه؟

أما الجواب فهو: لأن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم غير ممكن بعد وفاته، فأنى لهم أن يذهبوا إليه صلى الله عليه وسلم ويشرحوا له حالهم، ويطلبوا منه أن يدعو لهم، ويؤمنوا على دعائه، وهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وأضحى في حال يختلف عن حال الدنيا وظروفها مما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فأنى لهم أن يحظوا بدعائه صلى الله عليه وسلم وشفاعته فيهم، وبينهم وبينه كما قال الله عز شأنه: ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) [المؤمنون:100] .

ولذلك لجأ عمر رضي الله عنه ، وهو العربي الأصيل الذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولازمه في أكثر أحواله، وعرفه حق المعرفة، وفهم دينه حق الفهم، ووافقه القرآن في مواضع عدة، لجأ إلى توسل ممكن فاختار العباس رضي الله عنه ، لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية، ولصلاحه ودينه وتقواه من ناحية آخرى، وطلب منه أن يدعو لهم بالغيث والسقيا. وما كان لعمر ولا لغير عمر أن يدع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ويلجأ إلى التوسل بالعباس أو غيره لو كان التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ممكناً، وما كان من المعقول ان يقر الصحابة رضوان الله عليهم عمر على ذلك أبداً، لأن الانصراف عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بغيره ما هو إلا كالانصراف عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة إلى الاقتداء بغيره، سواء بسواء، ذلك أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يعرفون قدر نبيهم صلى الله عليه وسلم ومكانته وفضله معرفة لا يدانيهم فيها أحد.

فتعلم من هذا أن الإنسان بفطرته يستنجد بالقوة العظمى، والوسيلة الكبرى حين الشدائد والفواقر، وقد يلجأ إلى الوسائل الصغرى حين الأمن واليسر، وقد يخطر في باله حينذاك أن يبين ذلك الحكم الفقهي الذي افترضوه، وهو جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل. وأمر آخر نقوله جواباً على شبهة أولئك، وهو: هب أن عمر رضي الله عنه خطر في باله أن يبين ذلك الحكم الفقهي المزعوم، ترى فهل خطر ذلك في بال معاوية والضحاك بن قيس حين توسلا بالتابعي الجليل: يزيد بن الأسود الجُرَشي أيضاً؟ لا شك أن هذا ضرب من التمحل والتكلف لا يحسدون عليه.

4 – إننا نلاحظ في حديث استسقاء عمر بالعباس رضي الله عنهما أمراً جديراً بالانتباه، وهو قوله: ( إن عمر بن الخطاب كان إذا قَحطوا، استسقى بالعباس بن عبدالمطلب)، ففي هذا إشارة إلى تكرار استسقاء عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما، ففيه حجة بالغة على الذين يتأولون فعل عمر ذلك أنه إنما ترك التوسل به صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بعمه رضي الله عنه ، لبيان جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل، فإننا نقول: لو كان الأمر كذلك لفعل عمر ذلك مرة واحدة، ولما استمر عليه كلما استسقى، وهذا بيّن لا يخفى إن شاء الله تعالى على أهل العلم والانصاف.

5 – لقد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر المذكور وقصده، إذ نقلت دعاء العباس رضي الله عنه استجابة لطلب عمر رضي الله عنه ، فمن ذلك ما نقله الحافظ العسقلاني رحمه الله في "الفتح" (3/150) حيث قال: ( قد بين الزبير بن بكار في "الأنساب" صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجّه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث)، قال: فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس).

وفي هذا الحديث:
أولاً: التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه لا بذاته كما بينه الزبير بن بكار وغيره، وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس لا بدعائه، إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس، فيدعو بعد عمر دعاءً جديداً.

ثانياً: أن عمر صرح بأنهم كانوا يتوسلون بنبينا صلى الله عليه وسلم في حياته، وأنه في هذه الحادثة توسل بعمه العباس، ومما لا شك فيه أن التوسليْن من نوع واحد: توسلهم بالرسول رسول الله عليه وسلم وتوسلهم بالعباس، وإذ تبين للقارىء – مما يأتي – أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم إنما كان توسلاً بدعائه صلى الله عليه وسلم فتكون النتيجة أن توسلهم بالعباس إنما هو توسل بدعائه أيضاً، بضرورة أن التوسليْن من نوع واحد.

أما أن توسلهم به صلى الله عليه وسلم إنما كان توسلاً بدعائه، فالدليل على ذلك صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ: ( كانوا إذ قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم استسقوا به، فيستسقي لهم، فيسقون، فلما كان في إمارة عمر...) فذكر الحديث، نقلته من "الفتح" (2/399)، فقوله: ( فيستسقي لهم) صريح في أنه صلى الله عليه وسلم كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى، ففي "النهاية" لابن الأثير (2/381): ( الاستسقاء، استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد، يقال: سقى الله عباده الغيث وأسقاهم، والاسم السقيا بالضم، واستقيت فلاناً إذا طلبت منه أن يسقيك) .

إذا تبين هذا، فقوله في هذه الرواية (استسقوا به) أي بدعائه، وكذلك قوله في الرواية الأولى: ( كنا نتوسل إليك بنبينا)، أي بدعائه، لا يمكن أن يفهم من مجموع رواية الحديث إلا هذا. ويؤيده:

ثالثاً: لو كان توسل عمر إنما هو بذات العباس أو جاهه عند الله تعالى، لما ترك التوسل به صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، لأن هذا ممكن لو كان مشروعاً، فعدول عمر عن هذه إلى التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه أكبر دليل على أن عمر والصحابة الذين كانوا معه كانوا لا يرون التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا جرى عمل السلف من بعدهم، كما رأيت في توسل معاوية بن أبي سفيان والضحاك بن قيس بيزيد بن الأسود الجرشي، وفيهما بيان دعائه بصراحة وجلاء.

فهل يجوز أن يجمع هؤلاء كلهم على ترك التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم لو كان جائزاً، سيّما والمخالفون يزعمون أنه أفضل من التوسل بدعاء العباس وغيره؟! اللهم إن ذلك غير جائز ولا معقول، بل إن هذا الإجماع منهم من أكبر الأدلة على أن التوسل المذكور غير مشروع عندهم، فإنهم أسمى من أن يستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير !

انتهى










قديم 2008-11-22, 19:15   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
ليتيم الشافعي
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ليتيم الشافعي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

للإفادة وللرفع










 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:30

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc