بسم الله الرحمن الرحيم
سبق لي أن ناقشت مشكلة دسترة عناصر الهوية عند الحديث حول المادة الثانية من الدستور المصري التي تنص أن الإسلام دين الدولة و الذي قلته آنذاك هو أن الدساتير تتغير و تتبدل و إسلامية مصر أو غيرها لا تثبت بالدساتير و لا تحتاج للدستور لإثباتها , و ضربت مثلا عن ذلك اللغة الانجليزية , حيث أن من بين أكثر من 50 دولة في العالم تستخدم اللغة الانجليزية فقط بريطانيا و الولايات المتحدة و استراليا التي لا تنص دساتيرها و لا قوانينها أن الانجليزية هي اللغة الرسمية . لذلك ما ينص عليه الدستور سواء تعلق بالحقوق و الواجبات أو بالهوية سيظل حبرا على ورق إذا لم يكن أمرا راسخا في قلوب الناس و ثقافتهم و جزء من سلوكهم و لهذا السبب لا يجد البريطانيون و الأمريكيون سببا لترسيم اللغة الانجليزية ...
و لهذا تجد فلاسفة القانون و خبراء علم الاجتماع يميزون بين الواقع القانوني و الواقع السوسيولوجي أو ما يعرف باللاتينية ب (de facto Vs de jure) و من أمثلة ذلك أنك قد تجد في مجتمع قوانين ضد العنصرية(de jure) في حين تستمر ممارستها واقعيا (de facto) . و هذا هو بالضبط ما يحدث في الجزائر , فالعربية هي اللغة الرسمية دستوريا (de jure) في حين نجد أن الفرنسية لغة رسمية ثانية للدولة دون أن ينص أي قانون على ذلك (de facto) ...
عناصر الهوية لا تحتاج أن تكتب في الدساتير بل يجب أن تغرس في عقول و قلوب الناس و تلك هي الطريقة المثلى و الوحيدة للحفاظ عليها , فما فائدة نص الدستور على أن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد إذا كنا حكومة و مواطنين لا نحترم ذلك و لا ندرك قيمته و أهميته ...
فالحقيقة أو الواقع القانوني للغة العربية أو الامازيغية يبقى مجرد شكل في غياب الاستعداد السيكولوجي لدى المواطنين لإعطاء لغاتهم المكانة التي تستحقها و لهذا فالتعريب النفسي يجب أن يسبق أشكال التعريب الأخرى , أي أن خلق جيل معتز بثقافته و لغته هو الشرط الأساسي لحل مشكلة الهوية , و آنذاك لن نكون أصلا بحاجة لدسترتها ...