عن أبي أيوب رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال : (( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر )) رواه مسلم. (عن أبي أيوب رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال : من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال) أي ستة أيام , وفي التعبير بثم إيماء إلي حصول الفضل بصوم ست منه ولو في أثنائه
( كان كصيام الدهر) أي فرضا , وإلا فلا يظهر وجه التخصيص إذ كل حسنة بعشر أمثالها , وظاهره أن من لم يصم رمضان أو بعضه فقضاه في شوال لا يحصل له هذا الفضل
(من صام رمضان وشوالا والأربعاء والخميس دخل الجنة) رواه احمد
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله علية وسلم قال استوصوا بالنساء خيرا فان المرأة خلقت من ضلع, وان أعوج ما فى الضلع أعلاه, فان ذهبت تقيمه كسرته, وان تركته لم يزل أعوج, فاستوصوا بالنساء))متفق عليه
وفى رواية فى الصحيحين: (( المرأة كالضلع إن أقمتها كسرتها, وان استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج )).
(استوصوا بالنساء خيرا) أى تواصوا بهن, وقال الطيبى: السين للطلب وهو للمبالغة, أى اطلبوا الوصية من أنفسكم فى حقهن, أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن, وقيل معناه اقبلوا وصيتى فيهن واعملوا بها: أرفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن
(فان المرأة خلقت) أى أخرجت
(من ضلع) قال فى الفتح: فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر, وقيل من ضلعه القصير
وقال القرطبى: يحتمل معناه: أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهى كالضلع
(وان أعوج ما فى الضلع أعلاه) قبل فيه إشارة إلى أن أعوج ما فى المرأة لسانها, وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها, أو أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله
ولذا قال (فان ذهبت تقيمه) أى أعلاه عن الاعوجاج الذىهوشأنه
(كسرته) لعدم قابليته له
(وان تركته) غير آخذ فى اقامته
(لم يزل أعوج) لأنه وضعه وشأنه, وكذا المرأة إن أردت إقامتها على الجادة, وعدم اعوجاجها أدى إلى الشقاق والفراق, وهو كسرها وان صبرت على سوء حالها وضعف معقولها ونحو ذلك من عوجها دام الأمر واستمرت العشرة,
(فاستوصوا بالنساء) الفاء الفصيحة, أى فاعرفوا ذلك فاستوصوا بهن
(خيرا) بالصبر على ما يقع منهن, فيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه.
فى رواية الصحيحين ( المرأة كالضلع) فى الاعوجاج وعدم قابلية الإقامة
(إن أقمتها) أى الضلع وهى مؤنثة, ويحتمل أن يكون ضمير المؤنث هنا للمرأة, ويؤيد قوله بعد
(وان استمتعت بها كسرتها) لعدم قابليتها للإقامة ويحتمل أن المراد بكسرها طلاقها, وقد وقع ذلك صريحا كما سيأتى, وكسرها طلاقها
(وان استمتعت بها) لقضاء الوطر وطلب الولد الصالح والاعفاف
(استمتعت بها) وجملة
(وفيها عوج) جملة اسمية حالية.
وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عاية وسلم قال : (( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا, وخياركم خياركم لنسائهم)) رواه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح, وكذا رواه ابن حبان
(أكمل المؤمنين) أى من أكملهم (أحسنهم خلقا) بضم الخاء, وهى ملكة تبعث النفس على أفعال حميدة واكتساب شيم شريفة. وقال الحسن البصرى: حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكف الأذى وطلاقة الوجه. قال الباجى: وتحسين الخلق أن يظهر منه لمن يجالسه أو يرد عليه البشر والحلم والإشفاق والصبر على التعليم والتودد إلى الصغير والكبير. وقد اختلف فيه هل هو مكتسب أو غريزى, وجمع بين القولين بأنه غريزى باعتبار أصله ويقوى وينمو بالكسب
(وخياركم خياركم لنسائهم) قيل ولعل المراد أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها.
وفى رواية (( خيركم لأهله)) وهو اشارة إلى صلة الرحم والحث عليها.وقد كان النبى أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله علية وسلم : ((الدنيا متاع, وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) رواه مسلم و أحمد و النسائى.
(الدنيا متاع) أى شئ يتمتع به كما قال تعالى:
قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ
(وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) قال القرطبى: فسرت فى الحديث بقوله (( التى إذا نظر إليها سرته, وإذا أمرها أطاعته, وإذا غاب عنها حفظته فى نفسه و ماله ))
الزهد, والنسائى فى الإيمان. وعن أنس رضى الله عنه عن النبى صلى الله علية وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) متفق عليه.
(لا يؤمن أحدكم) أى إيمانا كاملا
(حتى يحب لأخيه) أى المسلم فيجب على كل مسلم من حيث انه مسلم أن لا يخص أحدا منهم دون الأخر لأن إضافة المفرد تفيد العموم
(ما يحب لنفسه) من الطاعات و المباحات, و يبغض له ما يبغضه لنفسه.
قال العلماء فى هذا الحديث من الفقه أن المؤمن مع المؤمن كالنفس الواحدة فينبغى أن يحب له ما يحب لنفسه من حيث انها نفس واحدة كما فى الحديث (المسلمون كالجسد الواحد).
و عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله علية وسلم قال: (( المسلم أخو المسلم لا يظلمه, ولا يسلمه, من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته, ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة, ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة )) متفق عليه.
(المسلم أخو المسلم) قال تعالى:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
قال البيضاوى: أى من حيث أنهم منسوبون إلى أصل هو الإيمان
(لا يظلمه) بأن يأخذ من ماله أو حقه بغصب أو نحوه, ولا يسلمه إلى عدو متعد عليه عدوانا, بل ينصره ويدفع الظلم عنه و يدفعه عن الظلم
(ولا يسلمه) إلى عدوه ونه نفسه التى هى أمارة بالسوء و الشيطان, فيحول بينه وبين دواعى النفس من الشهوات, وبينه وبين الشيطان الذى يأمره بالسوء و الفحشاء, وبينه وبين العدو الباغى عليه بالظلم و الاعتداء
(من كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته) أى كل ما يحتاج إليه, كان الله فى حاجته جزاء له وثوابا له كما قال تعالى:
هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ
وروى الطبرانى مرفوعا (من سعى فى حاجة أخيه المسلم قضيت له أو لم تقض غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وكتب له براءتان: براءة من النار, وبراءة من النفاق) و أورده فى الفتح المبين شرح الأربعين .
(ومن فرج عن مسلم كربة)بتشديد الراء و ضم الكاف: الهم الذى يأخذ النفس
(فرج الله عنه بها) بتلك المرة من التفريج
(كربة من كرب يوم القيامة) جمع قربة كقربة وقرب
(ومن ستر مسلما) بأن علم منه معصية فيما مضى فلم يخبر بها حاكما وهذا للندب, إذ لو لم يستره ورفعه لحاكم لم يأثم إجماعا بل ارتكب خلاف الأولى أو مكروها, أما كشفها لغير الحاكم كالتحدث بها فذلك غيبة شديدة الإثم والوزر, ويندب لمن جاءه تائب نادم أقر بحد ولم يفسره أن لا يستفسره بل يأمره بستر نفسه كما
(ستره الله يوم القيامة) أى لا يعاقبه الله على ما فرط منه لأنه تعالى كريم, وستر العورة من الحياء والكرم, ففيه تخلق بخلق الله, والله يحب المتخلق بأخلاقه.
عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: »أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا فبعثني في حاجةٍ فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟
قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة،
فقالت: ما حاجته؟
قلت: إنها سر،
قالت: لا تخبرنّ بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك به يا ثابت« رواه مسلم، وروى البخاري بعضه مختصرا.
(أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جاء
(وأنا ألعب مع الغلمان) جمع غلام، وفيه جواز اللعب المباح للمراهق
(فسلم علينا) من حسن خلقه ومزيد لطفه
(فبعثني في حاجةٍ ) أي أرسلني، والتنوين في حاجةٍ يحتمل كونه للتعظيم أو للتحقير، ففيه على الأول مزيد نباهة انس إذ أهل للإرسال لذلك
(فأبطأت على أمي) أي طالت مدة غيبتي عليها
(فلما جئت قالت: ما حبسك؟) أي منعك؟
(قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة) أي لأجلها
(فقالت: ما حاجته؟) سؤال عن تعيينها
(قلت: إنها سر) السر هو ما يكتم، وهو خلاف الإعلان: أي فلا يظهر للغير
(قالت: لا تخبرنّ بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا) تخبرنّ بتشديد النون للمبالغة في تأكيد النهي عن إفشائه
(قال أنس) منبهًا لثابت على مكانته عنده ومحبته له
(والله لو حدثت به أحدًا) كائنًا من كان كما يشعر به سوقه في حيز الشرط
(لحدثتك به يا ثابت) فيه عظيم لطف أنس وصدق أمانته ووفائه بالعهد.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: »لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا« متفق عليه.
(لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشًا) أي ليس ذا فحش في كلامه وأفعاله، والفحش ما يشتد قبحه من الأقوال والأفعال
(ولا متفحشًا) أي متكلف ذلك ومتعمده
(وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا) وذلك لأن حسن الخلق يقتدر به صاحبه على محاسن الأفعال وترك رذائل الأعمال، ومن كان كذلك فلا شك في كونه من الخيار والأخيار. وقيل المراد منه هو صلى الله عليه وسلم لأنه الأحسن خلقًا فيكون عامًا مراد به خاص، والأول لما فيه من حث على التخلق بذلك أنسب
عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق. وإن الله يبغض الفاحش البذي« رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح.
(ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق) وهذا الحديث ظاهر في أن نفس العمل يوزن بأن يجسد، وتجسيد المعاني جائز كما جاء »يؤتى بالموت في صورة كبش« الحديث. وفي التقييد بالمؤمن إيماء إلى أن الكافر لا يوزن عمله لأنه لا طاعة له لتوزن في مقابلة كفره، وفيه إشارة إلى سوء خلق الكافر؛ وذلك لأنه ترك عبادة خالق كل شيء إلى عبادة من لا يخلق من شيء
(وإن الله يبغض) أي لا يثني عليه في عال الملكوت خيرًا أو لا يثيبه أو لا يوفقه
(البذي) هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام، وقيل البذي هو السئ الخلق، وهو ملازم لما قبله أي الفاحش لأن الفحش إنما يصدر عنه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: »سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم والفرج« رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
(عن أكثر ما يدخل الناس الجنة) أي من الأعمال والأقوال والفعال
(فقال: تقوى الله وحسن الخلق) قال ابن القيم: جمع بينهما لأم تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه
(وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم والفرج) وذلك لأنه يصدر من الفم الكفر والغيبة والنميمة ورمي الغير في المهالك وإبطال الحق وإبداء الباطل وغير ذلك مما أشار إليه الشارع بقوله »هل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم« وبقوله »وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفا« أما الفرج فيصدر منه الزنى واللواط
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم« رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
(أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا) أي فكلما كان العبد أحسن أخلاقًا كان أكمل إيمانًا، وفيه دليل زيادة الإيمان ونقصانه
(وخياركم) أي عند الله سبحانه وتعالى
(خياركم) أي في الظاهر
(لنسائهم) وذلك بالبشاشة وطلاقة الوجه وكف الأذى وبذل الندى الصبر على إيذائها.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: »إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم« رواه أبو داود.
(إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه) قيل حسن الخلق هو بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى، وقيل هو ألا يخاصم ولا يخاصم من شدة معرفته بالله تعالى. والمعنى أي ليبلغ بحسن الخلق الداعي له إلى التحلي بالمحامد والتخلي عن المذام
(درجة الصائم القائم) أي أعلى الدرجات؛ فإن أعلى درجات الليل درجات القائم في التهجد، وأعلى درجات النهار درجات الصائم في حر الهواجر.
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون« رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
(إن من أحبكم إلي) أي أكثركم حبًا إلي، أي اتباعًا لسنتي
(وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة) أي في الجنة فإنها دار الراحة والجلوس، أما الموقف فالناس فيه قيام لرب العالمين، والنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ قائم للشفاعة للعباد وتخليصهم مما هم فيه من الكرب إذ هو المقام المحمود الذي أعطيه يومئذ
(أحاسنكم أخلاقًا) أي أفضلكم خلقًا
(وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني) حذف الظرف لدلالة ما قبله عليه أو لزيادة التفظيع للمعصية وشناعتها بتعميم البعد للمجلس والموقف
(الثرثارون) الثرثار هو كثير الكلام تكلفًا
(والمتشدقون) المتشدق هو المتطاول على الناس بكلامه، ويتكلم بملء فيه تفاصحًا وتعاظمًا لكلامه
(قالوا) أي الحاضرون من الصحابة
(يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون) أي عرفنا المراد منهما
(فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون) المتفيهق أصله من الفهق وهو الامتلاء، وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه، بالإتيان الزائد على الحاجة على سبيل الإطناب والإسهاب، ويغرب به، أي يأتي بالألفاظ الوحشية الاستعمال والغير مألوفة في الكلام، تكبرًا وارتفاعًا وإظهارًا للفضيلة على غيره.