![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
أخـ (تـ) ـي التوحيد والعقيدة أول ما يبدأ به المسلم .. جددوا عقيدتكم معنا بإذن الله.
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 31 | ||||
|
![]() المستمع عبد السلام محمود الطقش مصري يسأل ويقول:هل عذاب القبر يختص بالروح أم بالبدن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت بكتاب الله وسنة رسوله.أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ).وفي قوله تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).وأما الأحاديث التي فيها عذاب القبر فهي كثيرة،ومنها الحديث الذي يعرفه الخاص والعام من المسلمين،وهو قول المصلى: (أعوذ بالله من عذاب جهنم،ومن عذاب القبر،ومن فتنة المحيا والممات،ومن فتنة المسيح الدجال).وعذاب القبر في الأصل على الروح،وربما يتصل بالبدن أحياناً،ولا سيما حين سؤال الإنسان عن ربه ودينه ونبيه حين دفنه،فإن روحه تعاد إلى جسده،لكنها إعادة برزخية لا تتعلق بالبدن تعلقها به في الدنيا،ويسأل الميت عن ربه ونبيه ودينه،فإذا كان كافراً أو منافقاً قال:هاه هاه لا أدري،سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.فيضرب بمرزبة من حديد،فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان،ولو سمعها الإنسان لصعق. *** يقول:تنقسم حياة الإنسان إلى ثلاث: حياة الدنيا وهي التي نعيشها،ثانيا:ً حياة الآخرة معروفة،ثالثا:ً بين الحياة الدنيا وبين الآخرة حياة البرزخ،فما هي حياة البرزخ؟وهل الإنسان يكون بجسده وروحه فيها؟أفيدوني جزاكم الله خيراً؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حياة البرزخ حياةٌ بين حياتين،وهذه الأنواع الثلاثة للحياة تكون من أدنى إلى أعلى:فحياة البرزخ أكمل من الحياة الدنيا بالنسبة للمتقين؛لأن الإنسان ينعم في قبره،ويفتح له بابٌ إلى الجنة،ويوسع له مد البصر.وحياة الآخرة-وهي الجنة التي هي مأوى المتقين-أكمل وأكمل بكثيرٍ من حياة البرزخ.وكذلك يقال بالنسبة للكافر،يقال:إن حياته في قبره أشد عذاباً مما يحصل له من عذاب الدنيا،وعذابه في النار التي هي مأوى الكافرين أشد وأشد،فحياة البرزخ في الواقع حياةٌ بين حياتين في الزمن وفي الحال،فحال الإنسان فيها بين حالين:دنيا وعليا،وكذلك الزمن كما هو معروف.أما سؤاله:هل تكون الحياة البرزخية بالروح والبدن؟فهي قطعاً بالروح بلا شك،ثم قد تتصل بالبدن أحياناً إن بقي ولم تأكله الأرض،ولم يحترق ويتطاير في الهواء،وقد لا تتصل.هذا هو القول الراجح في نعيم القبر أو عذابه:أنه في الأصل على الروح،وقد تتصل بالبدن،لكن ما يكون عند الدفن فالظاهر أنه يكون على الروح والبدن جميعاً؛لأنه جاء في الأحاديث ما يدل على ذلك،من أن الميت يجلس في قبره ويسأل،ويوسع له في قبره،ويضيق عليه حتى تختلف أضلاعه،وكل هذا يدل على أن النعيم أو العذاب عند الدفن يكون على البدن والروح. *** ما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأجلساه،وسألاه عن ثلاثة أشياء:من ربك؟وما دينك؟ومن نبيك؟فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة-جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم-فيقول المؤمن:ربي الله،وديني الإسلام،ونبييمحمد.وأما المنافق فإنه يقول:ها ، ها لا أدري،سمعت الناس يقولون شيئاًفقلته.ثم يبقى المؤمن منعماًفي قبره،والمنافق معذباًفي قبره.والعذاب يكون في الأصل على الروح،ولهذا يحس بالعذاب ولو تمزق بدنه وأكلته السباع،وربما تتصل الروح بالبدن ويكون العذاب على الروح والبدن جميعاً.ومسائل الآخرة كلها أمور غيب لا نطلع على شيء منها إلا عن طريق الوحي،ولهذا لا ينبغي لنا أن نتعمق في السؤال عنها؛لأننا سنصل إلى باب مسدود،ولن نصل إلى شيء من التفاصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة.وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان،وما يعذبان في كبير).يعني:أنهما لا يعذبان في أمر شاق عليهما،بل هو أمر سهل. (أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة).يعني:بنقل الكلام كلام الناس بعضهم ببعض؛ليفسد بينهم ويفرق بينهم .فأمر بجريدة رطبة فشقها نصفين،فجعل على كل قبر واحدة،فقالوا:لِمَصنعت هذا يا رسول؟الله قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).ففي هذا دليل واضح على ثبوت عذاب القبر،وأنه قد ينقطع وقد يخفف.أخذ بعض أهل العلم رحمهم الله من هذا أنه ينبغي أن يوضع على القبر جريدة رطبة،كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذين القبرين،لكن هذا مأخذ ضعيف جدّاً؛لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يضع الجريدتين أو الجريدة الواحدة في كل من قُبر،لكن وَضَعها على هذين القبرين اللذين يعذبان،فوضع شيء من هذا على القبر يبرهن على إساءة الظن بصاحب القبر،وأنه الآن يعذب.وثُم هو بدعة؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئاًلسبب فإنه لا يقتضي أن يكون عامّاًفي كل شيء،بل فيما ثبت في هذا السبب.ثم هذا السبب ليس أمراًمعلوماً،بحيث نعلم أن هذا الرجل يعذب في قبره فنضع له الجريدة،بل هو مجهول،وهو عذاب القبر،فلهذا ينهى أن يوضع على القبر شيء من الزهور أو شيء من الأغصان أو شيء من الجريد؛لأن ذلك كله من البدع،ومتى قصد به التخفيف من العذاب عن هذا القبر صار إساءة ظن بصاحبه. *** يقول السائل:كيف النجاة من فتنة القبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النجاة من فتنة القبر أن يموت الإنسان على الإسلام،فإنه إذا مات على الإسلام أنجاه الله؛لأنه إذا سئل:من ربك؟ما دينك؟من نبيك؟فسيجيب بالصواب،وحينئذ ينجو،فإن مات على نفاق-نسأل الله أن يعيذنا وإخواننا من النفاق-فإنه لن يجيب إذا سئل:من ربك؟ما دينك؟من نبيك؟قال:ها. ها لا أدري،سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.فهذا لا ينجو من الفتنة،ويعذب في قبره والعياذ بالله. *** يقال:إنه إذا قامت القيامة فإن المسلمين الذين هم مؤدون للشريعة الإسلامية والمؤمنون بوجود الله ويوم القيامة وغير مؤدين بدين الإسلام فستأتيهم ريحٌ فيموتون،إلا الكفار فهم يرون أهوال يوم القيامة والأشياء التي تحصل حين قيام الساعة.ما مدى صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بصحيح،بل إذا قامت الساعة فإن جميع الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون هذا اليوم العظيم،وينالهم ما ينالهم من شدائده وهمومه وكروبه وغمومه،ولكن الله تعالى ييسره على المسلم،كما قال الله تعالى: (وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً).وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ).فاليوم عسير وشديد،وعسره وشدته على الجميع،ولكن هذا العسر والشدة ييسر على المؤمنين،ويكون غير شاقٍ عليهم،بخلاف الكافرين. ***
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 32 | |||
|
![]() *** كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقوم الناس من قبورهم حفاةً عراةً غرلاً بُهماً.أما حفاةً فمعناه:أنه ليس في أقدامهم نعالٌ ولا خفاف ولا جوارب،وأما عراة فمعناه:أنه ليس عليهم ثياب،العورات بادية،كما خرجوا من بطون أمهاتهم يخرجون من بطون الأرض،كما قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ).غرلاً أي:غير مختونين،أي:إن القلفة التي تقطع في الختان في الدنيا-وهي الجلدة التي على رأس الذكر-تعاد يوم القيامة،حتى يخرج الناس من قبورهم كما خرجوا من بطون أمهاتهم غير مختونين،وأما بُهماًفمعناه:أنه ليس معهم مال يعرفون به،فلا درهم ولا دينار ولا متاع ولا شيءما هي إلا الأعمال الصالحة،هكذا يخرج الناس من قبورهم لرب العالمين جل وعلا. *** هل صحيح أن يوم القيامة يخفف على المؤمن حتى يصير كأنه وقت قصير جدّاً؟أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن المؤمن يخفف عنه ذلك اليوم حتى يكون يسيراًجدّاً،ودليل ذلك في كتاب الله عز وجل،قال الله تبارك وتعالى: (وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً).وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ).وقال تعالى: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ).وكل هذا يدل أن هذا اليوم يكون يسيراًعلى المؤمنين،وبقدر ما يكون الإيمان عند العبد يكون اليسر في ذلك اليوم؛لأن الجزاء من جنس العمل،نسأل الله أن ييسر علينا وعلى إخواننا المسلمين أهوال ذلك اليوم. *** هذه رسالة وصلت منإحدىاخواتنا المستمعات محافظة واسط العزيزية العراق تقول في رسالتها بأنها فتاة مؤمنة بالله تعالى،تحاول جاهدة أن تلتزم بتعاليم الإسلام السمحة،تقول:كثيراً ما يراودني أفكار كثيرة عن مصيري والحساب يوم القيامة،حيث يبعث الله الخلائق ويحاسب الإنسان بما عمل.سؤال يا فضيلة الشيخ وهو الذي يحيرني هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحساب هل هو يوم واحد أخير لا غير،يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا؟أو لا يجوز لنا التفكير في ذلك نرجو بهذا إفادة مأجورين ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال المقدم عن هذه المرأة فيه إشكال يحتاج إلى الجواب كما قالت.وفيه أن المرأة أثنت على نفسها خيراً بكونها مؤمنة بالله تعالى،وتحاول جاهدة تصديق الشريعة الإسلامية،وهذا الثناء على النفس إن أراد به الإنسان أن يتحدث بنعمة الله عز وجل،أو أن يتأسى به غيره من أقرانه ونظرائه فهذا لا بأس به،وإن أراد به الإنسان تزكية نفسه و إدلاله بعمله على ربه عز وجل فإن هذا فيه شيء من المنّة،وقد قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).وأما إذا كان المراد به مجرد الخبر فلا بأس به،لكن الأولى تركه،فالأحوال إذاً في مثل هذا الكلام الذي فيه ثناء المرء على نفسه أربع:الحال الأولى:أن يريد بذلك التحدث بنعمة الله عليه فيما حباه من نعمة الإيمان والثبات،الثانية:أنه يريد بذلك تنشيط أمثاله ونظرائه على مثل ما كان عليه،فهاتان الحالان محمودتان؛لما تشتملان عليه من هذه النية الطيبة.الحال الثالثة:أن يريد بذلك الفخر والتباهي والإدلال على الله عز وجل بما هو عليه من الإيمان والثبات،وهذا غير محمود؛لما ذكرناه من الآية.الحال الرابعة:أن يريد بذلك مجرد خبر عن نفسه لما هو عليه من الإيمان والثبات،فهذا جائز ولكن الأولى تركه أما المشكلة التي ذكرت في سؤالها وتريد الجواب عنها،وهيأن يوم الحساب يوم واحد أو أكثر؟فجوابها:أن يوم الحساب يوم واحد،ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة،كما قال الله تعالى:(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)) أي أن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صاحب ذهب و لافضة لا يؤدي منها حقها،إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار،وأحمي عليها في نار جهنم،فيكوى بهجبينهوجنبه و ظهره،كلما بردت أعيدت،في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة،حتى يقضى بين العباد).وهذا يوم طويل،وهو يوم عسير على الكافرين،كما قال تعالى: (وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً).وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ).ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك،فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن،ويكون عسيراً على الكافر،أسأل الله أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن ييسره الله عليهم يوم القيامة.والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (هلك المتنطعون،هلك المتنطعون،هلك المتنطعون).ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم،وأخذ الأمور على ظاهر معناها،دون أن يتعمق أو يحاول المقايسة بينها وبين الأمور في الدنيا،فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا،وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك،لكن بينهما فرق عظيم.وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله سبحانه وتعالى في الجنة من النخل والرمان والفاكهة ولحم الطير و العسل والماء واللبن والخمر وما أشبه ذلك،مع قوله عز وجل: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).وقوله في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت،ولا أذن سمعت،ولا خطر على قلب بشر).فهذه الأسماء التي لها مسميات في هذه الدنيا لا تعنى أن المسمى كالمسمى،وإن اشترك في الاسم وفي أصل المعنى،فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة،فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة،وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى،وأن لا يحاول شيئاً وراء ذلك.ولهذا لما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحض-أي:العرق-وصار يتصبب عرقاً،وذلك لعظم السؤال في نفسه،ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزاناً لجميع ما وصف الله به نفسه،قال رحمه الله:الاستواء غير مجهول،والكيف غير معقول،والإيمان به واجب،والسؤال عنه بدعة.فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة؛لأن الصحابة رضي الله عنهم-وهم أشد منا حرصاً على العلم وعلى الخير-لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة،وكفى بهم قدوة.وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجري بالنسبة لصفات الله عز وجل التي وصف الله بها نفسه،من العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك،فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة لله عز وجل لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان،فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها،كما أن الله سبحانه وتعالى لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته.وخلاصة الجواب الآن:أن اليوم الآخر يوم واحد،وأنه عسير على الكافرين،ويسير على المؤمنين،وأن ما ورد فيه أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا،وإن كان أصل المعنى فيه معلوماً لنا في هذه الحياة الدنيا. *** سائل يقول في هذا السؤال:ما الفرق بين الكوثر والحوض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بينهما أن الكوثر نهرٌ في الجنة أعطاه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم،وأما الحوض فإنه في عرصات القيامة،يصب عليه ميزابان من الكوثر،هذا الحوض عظيم طوله شهرٌ وعرضه شهر،يرِده المؤمنون من أمة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم،جعلنا الله وإياكم ممن يرده ويشرب منه,ماؤه أشد بياضاً من اللبن،وطعمه أحلى من العسل،وريحه أطيب من ريح المسك،وآنيته كنجوم السماء في حسنها وكثرتها. *** *** محمد عبد الحميد حاتم الحليفي يمني مقيم بمكة المكرمة يقول:نعرف أن الصراط حق لا ريب،وأنه لابد من العبور عليه،ولكننا سمعنا حديثاً عن صفته يقول بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء،ومائة عام في الطلوع،ومائة عام في الهبوط،وأنه على متن جهنم.فهل هذا الحديث صحيح؟وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته؟ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة؟وما حكم من أنكر وجوده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط كما ذكر السائل حق،واعتقاد وجوده واجب،وهو مما يعتقده أهل السنة والجماعة.والصراط عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف،وأما كون طوله كما ذكر السائل فإني لا أعلم في ذلك حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم،وهذا الصراط يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم:منهم السريع،ومنهم البطيء،على حسب سيرهم على صراط الله المستقيم في هذه الدنيا،فمن كان مستقيماً على الصراط في هذه الدنيا مسابقاً إلى الخيرات كان مستقيماً على صراط الآخرة سابقاً فيه،ومن كان دون ذلك كان دون ذلك،وربما يمر بعض الناس به فيلقى في جهنم ويعذب فيها بقدر عمله ثم ينجو،وأما الكافرون فإنهم لا يعبرون على هذا الصراط،وإنما يحشرون إلى جهنم ورداً،كما قال الله عز وجل،بدون أن يعبروا على ذلك الصراط؛لأنهم لم يكونوا عابرين على الصراط في هذه الدنيا،فيكون جزاؤهم أن يحشروا إلى النار بدون أن يعبروا على هذا الصراط.وأول من يجوز بأمته محمد صلى الله عليه وسلم،ثم بعد هذا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار،ويقتص لبعضهم من بعض،ثم يدخلون الجنة بعد أن يشفع النبي عليه الصلاة والسلام إلى ربه في فتح أبواب الجنة،فيشفع إلى الله عز وجل أن تفتح أبواب الجنة فتفتح،ويكون أول من يدخلها محمدٌ صلى الله عليه وسلم. فضيلة الشيخ : ويقول:ما حكم من أنكر وجوده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من أنكر وجوده:إن كان جاهلاً فإنه يعلَّم حتى يتبين له،فإذا بلغ بالأحاديث الواردة في ذلك فإنه يجب عليه أن يعتقده،فإن أنكره-مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به-كان مرتداً كافراً؛لتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم. *** *** محمد عبد الحميد حاتم الحليفي يمني مقيم بمكة المكرمة يقول:نعرف أن الصراط حق لا ريب،وأنه لابد من العبور عليه،ولكننا سمعنا حديثاً عن صفته يقول بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء،ومائة عام في الطلوع،ومائة عام في الهبوط،وأنه على متن جهنم.فهل هذا الحديث صحيح؟وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته؟ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة؟وما حكم من أنكر وجوده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط كما ذكر السائل حق،واعتقاد وجوده واجب،وهو مما يعتقده أهل السنة والجماعة.والصراط عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف،وأما كون طوله كما ذكر السائل فإني لا أعلم في ذلك حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم،وهذا الصراط يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم:منهم السريع،ومنهم البطيء،على حسب سيرهم على صراط الله المستقيم في هذه الدنيا،فمن كان مستقيماً على الصراط في هذه الدنيا مسابقاً إلى الخيرات كان مستقيماً على صراط الآخرة سابقاً فيه،ومن كان دون ذلك كان دون ذلك،وربما يمر بعض الناس به فيلقى في جهنم ويعذب فيها بقدر عمله ثم ينجو،وأما الكافرون فإنهم لا يعبرون على هذا الصراط،وإنما يحشرون إلى جهنم ورداً،كما قال الله عز وجل،بدون أن يعبروا على ذلك الصراط؛لأنهم لم يكونوا عابرين على الصراط في هذه الدنيا،فيكون جزاؤهم أن يحشروا إلى النار بدون أن يعبروا على هذا الصراط.وأول من يجوز بأمته محمد صلى الله عليه وسلم،ثم بعد هذا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار،ويقتص لبعضهم من بعض،ثم يدخلون الجنة بعد أن يشفع النبي عليه الصلاة والسلام إلى ربه في فتح أبواب الجنة،فيشفع إلى الله عز وجل أن تفتح أبواب الجنة فتفتح،ويكون أول من يدخلها محمدٌ صلى الله عليه وسلم. فضيلة الشيخ : ويقول:ما حكم من أنكر وجوده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من أنكر وجوده:إن كان جاهلاً فإنه يعلَّم حتى يتبين له،فإذا بلغ بالأحاديث الواردة في ذلك فإنه يجب عليه أن يعتقده،فإن أنكره-مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به-كان مرتداً كافراً؛لتكذيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم. *** *** يقول هذا السائل:هل السبعون ألفاًالذين يدخلون الجنة هؤلاء إيمانهم يكون كاملاً, ومن هم الذين يعذبون في النار ويدخلون الجنة؟والذين يبقون في النار خالدين فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الناس الذين يبقون في النار خالدين فيها فهؤلاء الكفار الذين ليس لهم حسنات،كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً).وقد ذكر الله تعالى خلود الكافرين الأبدي في القرآن في ثلاثة مواضع:الأول في النساء في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) والثاني في الأحزاب في قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً).والثالث في سورة الجن في قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً).وأما أهل المعاصي من المؤمنين فهؤلاء مستحقون لدخول النار والعذاب فيها بقدر ذنوبهم،ولكن قد يغفر الله لهم فلا يدخلون النار،وقد يشفع لهم فلا يدخلون النار.وهناك أناس يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب،وهم الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا يَسْتَرْقون،ولا يكتوون،ولا يتطيرون،وعلى ربهم يتوكلون) . *** أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ،الدليل من الكتاب والسنة على دخول الرجل المسلم العاصي النار ومن ثم خروجه إلى الجنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدليل على هذا أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام وردت كثيراًبأن عصاة المؤمنين يدخلون النار،يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها،ومنهم من يخرج بالشفاعة قبل أن يستوفي ما يستحقه من عقوبة،ومنهم من يغفر الله له بفضله ورحمته فلا يدخل النار،فعصاة المسلمين ثلاثة أقسام:قسم يغفر الله له ولا يدخل النار أصلاً،وقسم آخر يدخل النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج،وقسم ثالث يدخل النار ويعذب،ولكن يكون له الشفاعة،فيخرج من النار قبل أن يستكمل ما يستحقه من العذاب. سالة من المستمع ح. م. ص. من جدة بعث بعدة أسئلة،في سؤاله الأول يقول:هل صحيحٌ أن الزوجين إذا كانا صالحين وتوفيا وكانا من أهل الجنة أنهما يكونان زوجين حتى في الجنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا صحيح أنه إذا مات رجل وزوجته وكانا من أهل الجنة فإنها تبقى زوجةً له،قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).والذرية شاملة لذرية الزوج والزوجة،فإذا كان الله يلحق بالمؤمنين ذرياتهم فمعنى ذلك أن الزوج والزوجة يكونان سواءً،ويلحق الله بهما ذريتهما،وهذا من كمال النعيم الذي في الجنة،فإنها فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر،وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين،وهذا من كمال النعيم كما قلت. *** فضيلة الشيخ محمد وردتنا الرسالة من المستمع إبراهيم محمد ش. يقول في رسالته لقد عرفنا مصير الرجال في الجنة أن لهم زوجات حوراًعيناً،ويقصد الرجال من المسلمين،ولكن ما مصير النساء في الجنة؟ألهنأزواجٌ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تبارك وتعالى في نعيم أهل الجنة: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)).ويقول تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس،فهو حاصلٌ في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً،فالمرأة يزوجها الله تبارك وتعالى في الجنة،يزوجها بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا،كما قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).وإذا كانت لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة،وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر به عينها في الجنة،فالنعيم في الجنة ليس قاصراً على الذكور،وإنما هو للذكور وللإناث،ومن جملة النعيم الزواج.ولكن قد يقول قائل:إن الله تعالى ذكر الحور العين وهن زوجات،ولم يذكر للنساء أزواجاً؟فنقول:إنما ذكر الزوجات للأزواج؛لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة،فلذلك ذكرت الأزواج للرجال في الجنة،وسكت عن الأزواج للنساء،ولكن ليس معنى ذلك أنه ليس لهن أزواج،بل لهن أزاج من بني آدم. *** |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 33 | |||
|
![]() الشياطين مخلوقة من نار،أي:نار السموم،وعدهم الله بنار الحميم،فكيف يكون عذابهم وهم خلقوا من نار هل النار التي سيعذبون بها غير التي نعرفها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النار التي يعذب بها الشياطين هي النار التي يعذب بها الكفار من بني آدم،ولا فرق بينهما،والإنسان إذا خلق من الشيء لا يلزم أن يكون هو الشيء،أرأيت نفسك أيها السائل:خلقت من طين،فهل أنت طين؟من المعلوم أن الجواب:لا،ليس الإنسان بطين،هكذا الشياطين خلقت من نار ولكنها ليست ناراً،وإذا لم تكن ناراً فإنها أجسام لها خصائصها التي خصها الله بها،وإذا كان يوم القيامة فإنها تعذب بالنار. *** |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 34 | |||
|
![]() 13 /القضاء والقدر إبراهيم أبو حامد يقول: حدثونا عن القضاء والقدر، هل هما بمعنى واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر إذا اجتمعا فلكل واحد معناه. وأما إذا أفرد أحدهما فإنه يشمل الآخر، فإذا قيل: قضاء وقدر، فالقضاء: ما قضاه الله تعالى في الأزل، وكتبه في اللوح المحفوظ. والقدر: ما قدره الله فوقع. فأما إذا قيل: قضاء فقط فإنه يشمل الأمرين جميعاً، أو قيل: قدر فقط فإنه يشمل الأمرين جميعاً. *** هل القضاء والقدر بمعنى واحد؟ وما معناهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم القضاء والقدر بمعنى واحد إذا أفرد أحدهما عن الآخر، فيقال مثلاً: يؤمن بقدر الله، أو: يؤمن بقضاء الله. وأما إذا جمعا فالقضاء: ما كتبه الله في الأزل، والقدر: ما قدر الله وجوده، أو بالعكس، يعني: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. *** يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان الكلمتان مترادفتان إن تفرقتا,ومتباينتان إن اجتمعتا. فإذا قيل: القضاء بدون أن يقترن به القدر كان شاملاً للقضاء والقدر، وإذا قيل: القدر دون أن يقترن به القضاء كان شاملاً للقضاء والقدر أيضاً. وهذا كثير في اللغة العربية: أن تكون الكلمة لها معنى عام عند الانفراد، ومعنى خاص عند الاقتران. فإذا قيل: القضاء والقدر جميعاً صار القضاء: ما يقضي به الله عز وجل من أفعاله أو أفعال الخلق, والقدر: ما قدر الله تعالى في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ، وذلك لأن المقدور سبقه تقدير في الأزل، أي: كتابة بأنه سيقع، وقضاء من الله تعالى بوقوعه فعلاً. وإن شيءت فقل: الكتابة قدر والمشيئة قضاء، والله تعالى يكتب الشيء، بل كتب الشيء في اللوح المحفوظ، ثم يشاؤه سبحانه وتعالى في الوقت الذي تقتضي فيه حكمته وجوده فيه، الثاني قضاء والأول قدر. فصارت هاتان الكلمتان إن انفردت إحداهما عن الأخرى شملت معنى الأخرى، وإن اجتمعتا صار لكل واحدة منهما- أي:من الكلمتين- معنى. *** تقول السائلة أم محمد من القاهرة: يا فضيلة الشيخ ما ذا يعني القضاء والقدر بالتفصيل؟ وفقكم الله. فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء هو القدر إذا ذكر وحده، والقدر هو القضاء إذا ذكر وحده. فإن اجتمعا وقيل: القضاء والقدر صار القضاء: ما يفعله الله عز وجل، والقدر ما كتبه في الأزل. وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الإيمان بالقدر له مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله عز وجل، بأن يؤمن العبد بأن الله تعالى بكل شيء عليم، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه عالمٌ بما كان وما يكون، وأنه ما وقع شيء إلا بعلمه. والمرتبة الثانية: الإيمان بالكتابة، أي: إن الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال اكتب ما هو كائنٌ. فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله العامة، وأن كل شيءٍ واقع بمشيئته سبحانه وتعالى، لا فرق في ذلك بين ما يحصل من فعله جل وعلا، وما يحصل من أفعال مخلوقاته. أما دليل الأول- وهو: ما يحصل من فعله- فهو قول الله تعالى: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ). وأما الثاني- وهو: ما وقع من أفعال خلقه- فدليله قول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) فكل شيء يقع في السماوات أو في الأرض فإنه واقعٌ بمشيئته تبارك وتعالى. وأما المرتبة الرابعة فهي: الإيمان بخلق الله، وأن كل كائن فهو مخلوق لله عز وجل، لا خالق غيره ولا رب سواه. ودليل هذا قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ). هذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق هذه المراتب الأربع ومن المعلوم أن الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). *** عودة من جدة يقول: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ أرجو الإفادة. فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر اسمان مترادفان إن تفرقا، يعني: أنهما إذا تفرقا فهما بمعنى واحد، وإن اجتمعا فالقضاء: ما يقضي به الله، أي يحكم به،أي: بوقوعه. والقدر: ما كتبه الله تعالى في الأزل. وليعلم أن القضاء ينقسم إلى قسمين: قضاء شرعي، وقضاء كوني. فالقضاء الشرعي: يتعلق بما أحبه الله ورضيه، مثل قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً). والقضاء الكوني: يتعلق بما قدره الله سواء كان مما يرضاه أو مما لا يرضاه، ومنه قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً). والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). فحقيقته: أن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. فما قدره الله عليك فلا بد أن يقع مهما عملت من الأسباب، وما دفع الله عنك فلا يمكن أن يقع مهما كان من الأسباب. ولهذا كان المؤمنون يقولون: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت. *** أحسن الله إليكم وبارك فيكم من مكة المكرمة السائل م. أ. يقول: ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جواباً لجبريل عندما قال: أخبرني عن الإيمان. قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره). ولا يتم الإيمان بالقدر إلا إذا آمن الإنسان بأمورٍ أربعة: الأول: الإيمان بعلم الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى محيطٌ بكل شيءٍ علماً، لا يخفى عليه شيء الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. ودليل هذين الأمرين قول الله تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). وقوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). الأمر الثالث: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو كائن بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء، حتى أفعال العباد قد شاءها الله عز وجل. قال الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العالمين). وقال تبارك وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ). الأمر الرابع: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيءٍ في السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، حتى أعمال العبد مخلوقة لله تعالى؛ لقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ). ووجه كون فعل العبد مخلوقاً لله: أن فعل العبد واقعٌ بإرادة العبد وقدرة العبد، وإرادة العبد وقدرة العبد مخلوقتان لله عز وجل، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب، فإذا كان فعل الإنسان ناتجاً عن إرادةٍ وقدرة وهما مخلوقتان لله؛ صار فعل العبد مخلوقاً لله عز وجل. فلا بد في الإيمان بالقدر من الإيمان بهذه الأمور الأربعة: علم الله, كتابة كل شيء كائن إلى يوم القيامة في لوحٍ محفوظ ,مشيئة الله ,خلق الله. وفي هذا يقول الناظم: علمٌ كتابة مولانا مشيئته وخلقه وهو إيجادٌ وتكوين *** هذا السائل من الرياض إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم الإيمان بالقدر؟ وكيف يكون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقدر واجب، ومنزلته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ لأن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).والقدر هو: تقدير الله تبارك وتعالى في الأزل، أي تقديره تبارك وتعالى ما كان وما يكون، فإنه سبحانه وتعالى (أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة). فكل ما يقع في السماء والأرض من أفعال الله- كالمطر والنبات والحياة والموت- أو من أفعال العباد- كالاستقامة والانحراف- فإنه مكتوب,مكتوب في الأزل عند الله تبارك وتعالى. فيجب علينا أن نؤمن بذلك: أن الله كتب مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، وأن هذا المكتوب شامل لما يفعله تبارك وتعالى هو بنفسه، وما يفعله عباده. قال العلماء: وللإيمان بالقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى: أن تؤمن بعلم الله تعالى الشامل العام للحاضر والمستقبل والماضي، وأن كل ذلك معلوم عند الله بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يضل الرب عز وجل ولا ينسى. لما سأل فرعون موسى عليه الصلاة و السلام: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) سبحانه وتعالى. فيجب أن نؤمن بعلم الله عز وجل أنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلاً فالجملة مثل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، والتفصيل مثل قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وكذلك قوله تعالى ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() *** أبو هيثم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول: التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع؟ جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: فإن من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمر كله يرجع إلى الله عز وجل، وأن لله الحكمة البالغة فيما أصاب العبد من خير أو شر. والمصائب على نوعين: النوع الأول: أن تكون تكفيراً لسيئات وقعت من المرء وإصلاحاً لحاله، كما في قوله تبارك وتعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). والنوع الثاني: أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء، ولكن لزيادة رفعة في درجاته، وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). ومن ذلك ما يقع للرسول صلى الله عليه وسلم من المصائب التي تصيبه عليه الصلاة والسلام، حتى إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منا- أي: في المرض- من أجل أن ينال أعلى مقامات الصبر صلوات الله وسلامه عليه، وقد نال ذلك صلوات الله وسلامه عليه: فهو أعلى الناس صبراً على طاعة الله، وأعلى الناس صبراً عن محارم الله، وأعلى الناس صبراً على أقدار الله المؤلمة. وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره، وأن لا يتسخط؛ لأن السخط من قضاء الله وقدره نقصٌ في الإيمان بربوبيته تبارك وتعالى، إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء. وانظر إلى الكرم والفضل: أنه عز وجل يفعل في عبده ما يشاء، ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب. قال بعض أهل العلم: وللناس في المصائب مقامات أربعة: التسخط، والصبر، والرضا، والشكر. أما التسخط فحرام، سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح. فالتسخط في القلب: أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة، وأنه ليس أهلاً لأن يصاب، وهذا على خطر عظيم، كما قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ). وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية مثل: واثبوراه، واانقطاع ظهراه، وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله. وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور، ولطم الخدود، وشق الجيوب. وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعل هذا فقال: (ليس منا من شق الجيوب وضرب الخدود ودعا بدعوى الجاهلية). فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب، والتسخط القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه. المقام الثاني: مقام الصبر، وهو: حبس النفس عن التسخط. وهو ثقيل على النفس، لكنه واجب؛ لأنه إذا لم يصبر تسخط، والتسخط من كبائر الذنوب، فيكون الصبر واجباً. ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابنته- التي كان عندها طفل يجود بنفسه حضره الموت، فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً تدعوه للحضور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم-: (مرها فلتصبر ولتحتسب). المقام الثالث: هو الرضا، يعني: يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة رضاً تاماً. وقد اختلف العلماء في وجوبه، والصواب أنه ليس بواجب ولكنه سنة؛ لأنه متضمن للصبر وزيادة. والفرق بين الصبر والرضا: أن المرء يكون في الصبر كارهاً لما وقع، لا يحب أنه وقع، لكنه قد حبس نفسه عن التسخط؛ وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع، بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله؛ لأنه راضٍ رضاً تامّاً عن فعل الله، فهو يقول: أنا عبده وهو ربي، إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر، وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر. فالأحوال عنده متساوية. وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر، وهو أن يقول: إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثواباً لا عقاباً، فيتساوى عنده الألم والثواب. وفي هذا ما يذكر عن رابعة العدوية- فيما أظن-: أنها أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء، فقيل لها في ذلك فقالت: (إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها). المقام الرابع: مقام الشكر: أن الإنسان يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة. وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة؛ لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك، لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة، وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون، أو يقدر أن ألم المصيبة ألم يزول بزوال الحياة إن بقي إلى الموت، أو يزول قبل الممات، والأجر والثواب الحاصل يبقى، فيشكر الله تعالى على ذلك. مثاله: رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله، هذه مصيبة، فيتأمل وينظر ويقول: أرأيت لو كان الانكسار في الظهر لكانت المصيبة أعظم، فهو يشكر الله عز وجل أن كانت المصيبة في الفخذ دون الظهر، ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ، وهلم جرّاً. ثم يقول أيضاً. هذه مصيبة إمَّا أن أشفى منها وأعود كما كنت في الدنيا قبل الموت، وإما أن أموت، فلها أجل محتوم مقدر، لكن الأجر الحاصل عليها هو ثواب الآخرة الباقية أبد الآبدين، فيشكر الله عز وجل على هذه المصيبة التي كانت سبباً لما هو أبقى وأفضل وأخير. إذاً فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات: الأول: التسخط، وهو حرام ومن كبائر الذنوب. والثاني: الصبر، وهو واجب. والثالث: الرضا، وهو سنة مستحب. والرابع: الشكر، وهو أعلى المقامات. *** *** ما هو العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين يا فضيلة الشيخ؟ أفيدونا بهذا جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي كثرة القراءة على المصاب، قراءة القرآن والآيات التي فيها ذكر الشفاء بالقرآن، فيقرأ مثلاً الفاتحة وآية الكرسي، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويقرأ مثل قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)، إلى غير ذلك من الأدعية المناسبة. هذا إذا كان لا يعرف الذي أصابه بالعين، أما إذا كان يعرفه فليفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه العائن: أن يغتسل أو يتوضأ، ويؤخذ الماء الذي يتناثر منه، ويسقى المريض، أو يصب على رأسه وعلى ظهره حتى يشفى. وقد كان بعض الناس يتهم بأنه أصاب أخاه بالعين إما لكلمةٍ قالها أو قرينةٍ تدل على ذلك، فيأتي إليه المصاب أو أهله يطلبون منه أن يستغسل بالوضوء أو بالغسل، فينفر منهم ويسبهم ويشتمهم ويأبى أن يطيع، وهذا خطأ؛ لأنه ربما يكون الأمر واقعاً، فإن كان واقعاً حصل دفع الأذية التي حصلت منه بفعله بنفسه، وإن لم يكن واقعاً فإنه لا يضره؛ لأنه إذا لم يشف المريض بذلك علم أنه لم يصبه بالعين، وإذا شفي بذلك علم أنه أصابه وسلم من أذية أخيه ومن العقوبة التي تترتب على ذلك إذا كان هو الذي أصابه، وهذا لا يضره. لكن بعض الناس- والعياذ بالله- تأخذه العزة بالإثم ويأبى يقول: أنا عائن؟! أنا نحوت؟! كما باللغة العامية وما أشبه ذلك، وهذا خطأ، انفع أخاك: إن كانت العين منك فتكون قد تخلصت منها وشفى الله صاحبك، وإن لم تكن منك فإنه لا يضرك، يعني: إذا لم تكن منك لم ينفعه ما أخذ منك، وحينئذٍ يعرف أنك بريء من العين. *** يقول السائل: ما صحة الحديث (العين حق)؟ وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين؟ وكيف تصيب العين الإنسان؟ وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم؟ مشكورين. فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحديث صحيح، والعين حق، والواقع يشهد بذلك، والعين عبارة عن صدور شيء من نفس حاسد يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، فهو- أي: العائن- شرير لا يريد من الناس أن يتمتعوا بنعم الله، فإذا رأى في شخص نعمة من نعم الله عليه فإن هذا الحسد الكامن في نفسه ينطلق حتى يصيب ذلك المتنعم بنعم الله عز وجل. والطريق إلى الخلاص من العين بالنسبة للعائن: أن يبرك على من رآه متنعماً الله فيقول: اللهم بارك على فلان، وما أشبهها من الكلمات التي تطمئن نفسه، وتكبت ما فيها من حسد. وأما بالنسبة للرجل الخائف من العين فإن العلاج لذلك: أن يكثر من قراءة الأوراد صباحاً ومساء، كآية الكرسي، وسورة الإخلاص، وسورة قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، وغيرها مما جاءت به السنة. هذا علاج للوقاية منها قبل الإصابة، أما بعد أن يصاب بها فإنه يؤخذ من وضوء العائن أو مما يغتسل به من الماء، يؤخذ منه فيصب على المصاب بالعين، أو يحثو منه، فإذا فعل ذلك فإنه يبرأ منها بإذن الله. فيؤمر العائن بأن يتوضأ أو يغتسل، ويؤخذ ما تناثر من مائه ويصب على المصاب، أو يحثو منه، أو يجمع بين الأمرين، وبذلك يزول أثر العين. فضيلة الشيخ: الغبطة هل تدخل في الحسد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغبطة لا تدخل في الحسد؛ لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة الله على غيره، والغابط يغبط هذا الرجل بنعمة الله عليه ولكنه لا يتمنى زوالها. *** يقول السائل: ما هو السر في قول: ما شاء الله تبارك الله عند رؤية ما يعجبك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السر في ذلك ألا يقع من هذا المشاهد عين تصيب المشهود؛ لأن النفوس قد يقع منها ما لا يجوز، فإذا رأى الإنسان ما يعجبه وخاف من حسد العين فإنه يقول: ما شاء الله تبارك الله، حتى لا يصاب المشهود بالعين، وكذلك إذا رأى الإنسان ما يعجبه في ماله فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لِئَلاَّ يعجب بنفسه وتزهو به نفسه في هذا المال الذي أعجبه، فإذا قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فقد وكل الأمر إلى أهله تبارك وتعالى. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 35 | |||
|
![]() 14/ الكفر والتكفير يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام سواء كانت قولية أوعملية أواعتقادية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نواقض الإسلام: كل ما خالف الإسلام فهو مناقض له، لكن المناقضة تنقسم إلى قسمين: مناقضة جزئية، ومناقضة كلية. فما أطلق الشارع عليه الكفر نظرنا: إن كان هذا يناقض الإسلام مناقضة كلية حسب القرائن المقترنة بهذا الإطلاق فهو كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن كان يناقض الإسلام في هذه المسألة الجزئية فليس مناقضاً على وجه الإطلاق. فقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) إذا نظرنا إلى قوله: (قتاله كفر) فيقول قائل: من قاتل المسلم فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، لكننا عند التأمل نجد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (قتاله كفر) أي: إن القتال من الكفر، وليس هو الكفر الأكبر، ويؤيد هذا قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الله الطوائف الثلاث كلها إخوة: المقاتلة الباغية، والأخرى المدافعة، وكذلك المصلحة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ). فيكون هذا الناقض ليس ناقضاً بالكلية، بل في الإنسان خصلة من خصال الكفر، وليس هو الكفر المطلق. وإذا نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، وقوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، علمنا بأن الكفر هنا الكفر الأكبر المناقض للإسلام مناقضة كلية، وذلك لوجود: بين الرجل وبين الشرك والكفر، والبينية تقتضي أن يكون كل طرف منفصلاً بائناً عن الطرف الآخر، لا يجتمع معه في شيء؛ لوجود الحد الفاصل الذي دلت عليه البينية: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. وكذلك قوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، يعني: العهد الذي بين المسلمين والكفار هو الصلاة، فمن صلى فهو مؤمن، ومن لم يصل فهو كافر، والبينية تقتضي الانفصال التام. فالحاصل: أن نواقض الإسلام تنقسم إلى قسمين: نواقض كبرى، وهي التي يخرج بها الإنسان من الإسلام، والنواقض الصغرى، وهي التي لا تخرجه من الإسلام، ولكنها تكون خصلة من خصال الكفر. *** يقول السائل: أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الأمور التي تخرج من الملة، سواء كانت هذه أقوالاً أو أعمالاً أو اعتقاداً، بحيث أعبد الله على بصيرة. كما أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الكتب المتخصصة بأمور التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن نحصر الأشياء التي تخرج من الملة؛ لأنها كثيرة الأفراد، لكن يمكن أن نذكر قاعدة، وهي: أن الذي يخرج من الملة هو يدور على أمرين: إما الإنكار، وإما الاستكبار. يعني: إما أن ينكر الإنسان شيئاً أخبر الله به ورسوله فيكذبه، أو ينكر حكماً من أحكام الشريعة الظاهرة التي أجمع المسلمون عليها. أو الاستكبار، وهو: أن يقر بذلك لكن لا يعبد الله. فتارك الصلاة مثلاً كافر مع أنه يؤمن بالله ويؤمن بالشريعة ولا يكذب بها، ولكنه استكبر فلم يصل، ولا يلزم أن يكون تارك الصلاة يقول: إنه مستكبر، ليس بلازم، بل إذا تركها متهاوناً بلا عذر,ولا جهل منه إذا كان بعيداً عن المدن الإسلامية فإنه في الحقيقة مستكبر. فجميع أنواع الردة تعود إلى هذا: إلى الإنكار أو الاستكبار، لكن التفاصيل كثيرة جداً، ويمكن أن ترجع إلى ما ذكره الفقهاء رحمهم الله في باب أحكام المرتد. أما أحسن كتاب في التوحيد: فمن أحسن الكتب كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كتاب جامع بين الدلائل والمسائل. ومن أحسن الكتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ثم إذا ترقى الإنسان شيئاً فالعقيدة التدمرية، ثم إذا ترقى الإنسان أكثر فالكتب المطولة، مثل مختصر الصواعق المرسلة الذي أصله لابن القيم رحمه الله وغير ذلك. والمرجع الأصل والأول هو كتاب الله عز وجل، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. *** يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لسؤاله عن نواقض الإسلام فنواقض الإسلام بمعناها الإجمالي: كل ما أوجب الردة فهو ناقضٌ للإسلام، يعني: كل شيء من قولٍ أو فعل أو عقيدة يكون به الإنسان مرتداً فهو ناقضٌ للإسلام، وهو لا يحصر في الواقع، يعني: أفراده لا تحصر لا بعشرة ولا بعشرين ولا بأكثر، لكن الضابط: أن كل ما كان مقتضياً للردة فهو من نواقض الإسلام. فمثلاً: كفر الجحود أن يجحد ما يجب الإيمان به، مثل أن يجحد- والعياذ بالله- وجود الله، أو الملائكة، أو الرسل، أو الكتب، أو اليوم الآخر، أو القدر خيره وشره، فقد أتى ناقضاً من نواقض الإسلام. لو جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب الصيام، أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنى، أو تحريم الخمر، أو ما أشبه ذلك من المحرمات الظاهرة المجمع عليها، فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام. كذلك من نواقض الإسلام الاستهزاء: لو استهزأ بالله أو آياته أو رسوله فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ). كذلك لو استكبر عما يكون الاستكبار عنه ردة، كما لو ترك الصلاة وصار لا يصلى لا في بيته ولا مع الجماعة فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، كذلك لو اعتقد في الله ما لا يليق بالله فهو مرتد. والحاصل: أن نواقض الإسلام لا تحصر بعدد، وإنما تذكر بحد، وهو: كل ما أوجب الردة- أي: كل ما كان ردة- فهو ناقضٌ من نواقض الإسلام، سواءٌ كان ذلك في العقيدة أو في القول أو الفعل. *** عبدالرؤوف عبد الله من المدينة المنورة يقول: ما هي الأشياء التي تحبط العمل؟ وهل تحبط جميع الأعمال منذ التكليف؟ نرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: محبطات الأعمال تنقسم إلى قسمين: قسمٌ عام، وقسمٌ خاص يبطل كل عملٍ بعينه. فأما القسم العام المبطل لجميع الأعمال فهو الردة، فإذا ارتد الإنسان- والعياذ بالله- عن دين الله ومات على الكفر يحبط جميع عمله؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). أما إذا ارتد ثم منَّ الله عليه فرجع إلى الإسلام فإن عمله لا يحبط، ولهذا يسأل كثيرٌ من الناس يقول عن نفسه: إنه حج الفريضة، وهو يصلى كما يصلى الناس، وقائمٌ بشعائر الإسلام، ثم أتاه وقت ارتد فيه عن الإسلام فترك الصلاة، ثم منَّ الله عليه برجوعه إلى الإسلام فأقام الصلاة وقام بشعائر الإسلام، فيسأل: هل بطل حجه الذي كان قبل ردته فوجب عليه أن يعيده أم لا؟ فنقول: لا، لم يبطل حجك، وليس عليك إعادته؛ لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل بالردة أن يموت الإنسان على الردة، هذا المبطل العام الذي يبطل جميع العبادات. أما المبطلات الخاصة فهي تختص في كل عملٍ بحسبه: فالوضوء مثلاً يبطله الحدث، والصلاة يبطلها ما تبطل به كالضحك والكلام وشبهه، والصدقة يبطلها المن والأذى، والصوم يبطله الأكل والشرب، والحج يفسده الجماع قبل التحلل الأول. فالمهم: أن محبط الأعمال الخاص كثيرٌ لا حصر له، ويختلف باختلاف العبادات التي أبطلها. *** هل ينطبق على هذا المرتد بعد توبته قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، وقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) إلى آخر الآيات التي تتحدث عن التوبة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم, نعم ينطبق عليه ذلك، فإذا تاب ورجع إلى الله عز وجل فإنه يكون مؤمناً ومع المؤمنين؛ لقوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). *** هل الكافر تنطبق عليه نفس أحكام التشريع الإسلامي من حيث المعاملات؟ وأقصد المرتد بترك الصلاة وسب الدين، أم أنه يعاد أولاً إلى الطريق المستقيم حتى يخضع كيانه لتشريعه السامي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرتد ليس كالكافر الأصلى، ولا يعامل معاملة الكافر الأصلى، بل هو أشد منه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه). فالمرتد بأي نوع من أنواع الردة لا يعامل كما يعامل الكافر الأصلى، بل إنه يلزم بالرجوع إلى الإسلام، فإن أسلم فذاك، وإن لم يسلم فإنه يقتل كفراً، ولا يدفن مع المسلمين ولا يصلى عليه. وعلى هذا فنقول: إن هذا المرتد لا يمكن أن يعيش، بل إنه إما أن يعيش مسلماً، وإما أن يقتل. *** ماذا تعني كلمة الإلحاد؟ وهل هناك فرق بين الملحد والكافر الذي كان مسلماً أو هو كافر بأصله كاليهودي والنصراني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإلحاد لها معنى لغوي ولها معنى عرفي، أما معناها اللغوي فهو الميل عن طاعة الله سبحانه وتعالى بمعصيته، إما بترك الواجب وإما بفعل محرم؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ). وعلى هذا فكل عاصٍ لله سبحانه وتعالى يكون ملحداً، ولكن الإلحاد ينقسم إلى قسمين: قسم مخرج عن الملة، وهو: ما أوجب الكفر، وقسم لا يخرج من الملة، وهو: ما أوجب الفسوق. وأما المعنى العرفي، فالمعنى العرفي أن الإلحاد هو: إنكار الألوهية، يعني: إنكار وجود الله- والعياذ بالله- أو ارتداد المسلم. هذا هو الذي أعرفه من معنى الإلحاد في العرف، وعلى هذا فاليهود والنصارى في العرف لا يعتبرون ملحدين، ولكن هذا العرف ليس بصحيح؛ لأن العرف إذا خالف الشرع وجب إلغاؤه وطرحه. والصواب: أن كل من خالف الإسلام ولم يكن مسلماً فهو ملحد، سواء انتسب إلى دين أم لم ينتسب، وسواء أقر بوجود الخالق أم لم يقر به، فكل من كان كافراً كفراً أصلىاً أو كان مرتداً فإنه يكون ملحداً؛ لأنه- والعياذ بالله- الكفر وإن كان دركات بعضها أسفل من بعض، لكنه كله ملة واحدة باعتبار أنه خروج عن الإسلام. *** ما معنى الإلحاد؟ وكيف يكون الشخص ملحداً في أسماء الله وصفاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإلحاد في اللغة هو الميل، ومنه سمي الحفر في طرف القبر لحداً لأنه مائل إلى جهة منه. أما في الاصطلاح فهو: الميل عن ما يجب اعتقاده أو عمله. وهذا تعريف عام: كل من مال عن ما يجب اعتقاده وعمله فهو ملحد، لكن الإلحاد نوعان: إلحاد أكبر وإلحاد أصغر. فالإلحاد التام الذي هو الميل عن الإسلام كله إلحاد أكبر مخرج عن الملة، كإلحاد الشيوعيين والمشركين ومن ضاهاهم، وإلحاد أصغر لا يخرج من الملة، كالإلحاد في بعض الأعمال، كقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) أي بمعصية صغرى، والكبرى أشد وأعظم. أما الإلحاد في أسماء الله وصفاته فإنه ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن ينكرها إنكاراً كليّاً؟، فينكر الأسماء والصفات، ويدعي أن هذه الأسماء والصفات للمخلوقات وليست للخالق، كما يفعله غلاة المعطلة من القرامطة والباطنية ونحوهم. الثاني: إلحاد في الأسماء فقط، بأن يثبتها لله عز وجل لكن ينفي ما دلت عليه من الصفات، مثل أن يقول: إن الله سميع ولا سمع له، بصير ولا بصر له، عليم ولا علم له، وما أشبه ذلك فهذا أثبت الأسماء ولكن لم يثبت ما دلت عليه من الصفات. ومن الإلحاد في الأسماء أن يثبت الأسماء لكن يجعلها دالة على التمثيل، فيقول: إن لله تعالى أسماء يثبت ما دلت عليه من الصفات على وجه المماثلة، ويقول: إن لله تعالى علماً لكن علمه مماثل لعلم المخلوق. وكذلك من يمثل في الصفات وهو ملحد فيها، كالذي يقول: إن لله تعالى وجهاً لكنه مماثل لأوجه المخلوقين وما أشبه ذلك، فالتمثيل في الأسماء والصفات هذا من الإلحاد. ومن الإلحاد أيضاً أن نسمي الله بما لم يسمِّ به نفسه، فيسميه الصانع والساخر وما أشبه ذلك، فيثبت لله تعالى أسماء من عنده فإن هذا إلحاد، وذلك لأن الواجب في أسماء الله أن يقتصر فيها على ما ورد. ومن الإلحاد أن يثبت لله تعالى بعض الصفات دون بعض، بأن يثبت لله تعالى من الصفات ما يزعم أن العقل دل عليها، وينفي من الصفات ما يزعم أن العقل لا يدل عليها، فإنّ هذا من الإلحاد والتعطيل، والإيمان ببعض الكتاب دون بعض. من الناس من يؤمن بأن الله تعالى حي عليم قادر سميع بصير مريد متكلم لكنه لا يثبت بقية الصفات، فلا يثبت أنه حكيم، ولا يثبت أنه رحيم، ويقول: إن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بدون حكمة، ويقول أيضاً: إن الله تعالى ليس له رحمة، لكن رحمته هي إحسانه إلى الخلق أو إرادة إحسانه إليهم، وما أشبه ذلك، هذا نوع من الإلحاد في أسماء الله وصفاته. ومن الإلحاد في أسماء الله أن يسمي بها الأصنام ويشتق للأصنام أسماء من أسماء الله، كقولهم: اللات والعزى، أخذوا الأول من الله وهو اسم من أسماء الله جل وعلا، وأخذوا الثاني من العزيز وهو اسم من أسماء الله تعالى. *** إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم من كذب بالبعث بعد الموت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كافر, إذا كذب إنسان بالبعث بعد الموت فإنه كافر خارج عن الإسلام؛ لقول الله تبارك وتعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، ولأن المكذب بالبعث مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، ورجل هذا شأنه لا شك في كفره، فإذا رأينا أحداً يكذب بالبعث فالواجب علينا نصيحته بقدر الإمكان، إن من قال هذا فلا شك في كفره وارتداده، وينصح، فإن لم يتب وجب رفعه إلى الجهات المسؤولة، والجهات المسؤولة تنفذ فيه أحكام الردة، حتى لو سولت له نفسه أنه يتدين بدين مقبول فإنه خاسر. هذا كلام ربنا الخالق المنزل للشرائع؛ لأن الله تعالى أخذ العهد والميثاق على النبيين عموماً أن يؤمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، كما قال عز وجل: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) يعني عهدي (قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)، فاستشهد بعضهم على بعض وشهد جلَّ وعلا بأنه إذا جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه، ومن الرسول المصدق لما معهم؟ هو محمد عليه الصلاة والسلام، فإذا كان هذا مأخوذاً على رسلهم فإنهم إن كانوا مؤمنين برسلهم حقاً أخذوا به تبعاً لرسلهم، وها هو عيسى عليه الصلاة والسلام آخر أنبياء بني إسرائيل وليس بينه وبين محمد رسول قال لبني إسرائيل: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) هذا الرسول السابق (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي) الرسول اللاحق (اسْمُهُ أَحْمَدُ) والتبشير بالرسول يعني يجب اتباعه لأنه لو لم يجب اتباعه؛ لم يكن في بشارته به فائدة (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ) أي هذا الرسول المبشر به لما جاءهم (بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ). ولقد شهد علماء اليهود والنصارى على أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي بشرت به الأنبياء وهو (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). النجاشي لما ذكروا له قصة الوحي ورآهم يفعلون تلك الأفعال آمن وشهد بأن الرسول حق، وهو من أئمة النصارى. عبد الله بن سلام رضي الله عنه من أحبار اليهود شهد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه رسول الله حقاً، لكن أهل الكتاب كما قال الله عنهم: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ). فالخلاصة: أنني أنصح وأحذر إخواني المسلمين من هذا الرأي القبيح المنكر وهو ما يسمى بتوحيد الأديان، فإن هذا أمر لا يمكن إطلاقاً، كيف توحد الأديان ودين منها حق ودين منسوخ؟ هذا غير ممكن إلا أن يمكن الجمع بين النار والماء، فلا ينخدع المسلمون بهذه الدعوى الباطلة المنكرة القبيحة المنافية للإسلام. *** المستمع هادي ناصر يقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ أنكر ذوو العقول الضعيفة قضية البعث فما ردكم عليهم؟ وهل يجوز أن نهجرهم بعد أن بينا لهم الحكم والأدلة؟ نرجو التوضيح مأجورين. إنكار البعث كفر مخرجٌ عن الملة؛ لأنه تكذيبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين، قال الله تبارك وتعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) يعني تبعثون (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ). فمن أنكر البعث فهو كافر خارجٌ عن الدين الإسلامي بإجماع المسلمين، فيستتاب فإن تاب وأقر بالبعث إقراراً صادقاً يقر به ظاهراً وباطناً- يعني: ظاهراً مع الناس وباطناً فيما بينه وبين نفسه ومع أهله- فهو من نعمة الله عليه، ويكون رجوعاً للإسلام بعد الكفر، وإن أبى وأصر على إنكاره وجب قتله، وإذا قتل في هذه الحال فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة، فهذا حكم من أنكر البعث. ثم إن إنكار البعث- مع كونه كفراً وتكذيباً لله ورسوله وإجماع المسلمين- هو نقصٌ في العقل، إذ كيف يخلق الله هذه الخليقة، ويرسل إليها الرسل، وينزل من أجلها الكتب، ويأمر بجهاد من عارض شرعه، ثم تكون النتيجة أن تكون هذه الخليقة تراباً لا يبعثون ولا يحاسبون ولا يجازون؟ لو وقع هذا لكان من أسفه السفه، فكيف ينسب إلى رب العالمين الذي هو أحكم الحاكمين؟ فالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والعقل السليم كلها توجب أن يكون للناس بعثٌ يجازون فيه على أعمالهم، ولهذا نقول: من أنكر البعث فهو كافر، وهو ضالٌ في دينه سفيهٌ في عقله، والواجب على ولي الأمر أن يقتله إذا لم يتب ويقر بالبعث. *** إبراهيم أبو حامد يقول: فضيلة الشيخ ما هو خطر النفاق على العبد المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى:النفاق نفاقان: نفاق أكبر مخرج عن الملة، ونفاق أصغر لا يخرج من الملة. أما الأول فهو: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- والعياذ بالله- كالذي حصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأشار الله إليه في قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ). فهؤلاء يظهرون أنهم مسلمون: فيصلون مع الناس، وربما يتصدقون، ويذكرون الله، ولكنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، ويقرون بالرسالة ولكنهم كاذبون، يقول الله تبارك وتعالى فيهم: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). هذا النفاق والعياذ بالله نفاق أكبر صاحبه في الدرك الأسفل من النار. واختلف العلماء رحمهم الله هل يكون له توبة أو لا؟ فمن العلماء من قال: إنه لا توبة له، وذلك لأنه لو قلنا بأنه يتوب فإنه لا يبدو من إيمانه إلا ما أظهره لسانه، وهو يظهر الإيمان من قبل. ولكن الصحيح أن إيمانه مقبول إذا تبين من تصرفاته أنه غير منهجه الأول، وأنه تاب توبة نصوحاً، ويدل لذلك قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً). أما النوع الثاني من النفاق فهو: النفاق الأصغر الذي لا يخرج من الإيمان، مثل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان). وقال: (أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه واحد منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها). فهذا نفاق أصغر لا يخرج من الملة، لكنه يخشى أن يتدرج بصاحبه حتى يصل إلى النفاق الأكبر. وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني على الصدق في المقال، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة على الوجه الأكمل. أما الأول- وهو: الصدق في المقال- فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث عليه ورغب فيه وحذر من الكذب، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً). وأما الوفاء بالوعد فإن الله سبحانه وتعالى مدح الموفين بعهدهم إذا عاهدوا. وأما أداء الأمانة فإن النصوص دلت على وجوب أداء الأمانة، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). وكذلك أوصيهم بالقيام بما أوجب الله عليهم من أداء الواجبات: سواء كان ذلك بين الزوجين، أو بين المتعاملين، أو بين العامل المستأجر ومن استأجره، أو غير ذلك من المعاملات، حتى يسلم الإنسان من أن يتصف بشيء من صفات النفاق. *** هل الفاسق هو صاحب كبائر الذنوب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء رحمهم الله إن الفاسق هو من أتى كبيرة ولم يتب منها، أو أصر على صغيرة. و عللوا ذلك بأن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، ولعل دليلهم في ذلك قول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فحكم الله بفسق القذفة مع أنهم لم يفعلوا مكفراً ولكنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب. *** يقول السائل: من هو الفاسق في الشريعة الإسلامية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفاسق هو الخارج عن طاعة الله ورسوله، وهو نوعان: فسق أكبر وهو الكفر، وفسق دون ذلك. مثال الأكبر قول الله تبارك وتعالى في سورة ألم تنزيل السجدة: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ). هذا الفسق بمعنى الكفر فسق آخر دون ذلك لا يصل إلى الكفر ومثله قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ). فذكر الكفر وحده والفسوق وحده والعصيان الذي هو دون الفسوق وحده. وقول الفقهاء رحمهم الله في كتبهم: لا تقبل شهادة الفاسق، يعنون بذلك الفسق الذي دون الكفر. *** السائل يقول: سمعت وقرأت قصيدة البردة، والذي أعرفه أن مؤلف هذه القصيدة عالم، فهل تضر في عقيدته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إني سأتلو من هذه البردة ما يتبين به حال ناظمها: كان يقول مادحاً للنبي صلى الله عليه وسلم: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفواً وإلا فقل يا زلـة القـدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقـلم هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالي من ألوذ به سواك إذا حلت الحوادث؟ لا يمكن لمؤمن أن يقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يرضى بهذا أبداً، إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنكر على الرجل الذي قال له: ما شاء الله وشيءت، فقال: (أجعلتني لله ندّاً بل ما شاء الله وحده) فكيف يمكن أن يقال: إنه يرضى أن يوجه إليه الخطاب بأنه ما لأحد سواه عند حلول الحوادث العامة، فضلاً عن الخاصة؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهاً الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم: إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي عفوا وإلا فقل يا زلة القدم؟ ويجعل العفو والانتقام بيد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول هذا؟ إن هذا لا يملكه إلا الله رب العالمين. هل يمكن لمؤمن أن يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها, الدنيا ما نعيش فيه وضرتها الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام وليست كل جوده بل هي من جوده فما الذي بقي لله؟ إن مضمون هذا القول: لم يبقَ لله شيء لا دنيا ولا أخرى، فهل يرضى مؤمن بذلك أن يقول: إن الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن الله جل وعلا ليس له فيها شيء؟ وهل يمكن لعاقل أن يتصور أن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي جاء بتحقيق التوحيد يرضى أن يوصف بأن من جوده الدنيا وضرتها؟ هل يمكن لمؤمن أن يرضى فيقول يخاطب النبي صلى الله وسلم: ومن علومك علم اللوح والقلم؟ من علومه وليست كل علومه علم اللوح والقلم، هل يمكن لمؤمن أن يقول ذلك والله تعالى يقول لنبيه: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)؟ فأمر الله عز وجل أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة أنه ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ولا يدعي أنه ملك وأنه صلى الله عليه وسلم عابد لله تابع لما أوحى الله إليه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ). فهل يمكن لمن قرأ هذه الآية وأمثالها أن يقول: إن الرسول يعلم الغيب، وإن من علومه علم اللوح والقلم؟ كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة، وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر- أعني: عن البوصيري- لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا، لكنا نقول: هذه المقالات كفر، ومن اعتقدها فهو كافر، نقول ذلك على سبيل العموم. ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة؛ لما فيها من الأمور الشركية العظيمة، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة، فالحق مقبول ممن جاء به أياً كان، والباطل مردود ممن جاء به أيّاً كان. *** من السودان السائل فرح يقول في هذا السؤال: ما حكم من يطوف بالقبة أو الضريح وهو جاهل الحكم,هل يكون مشركاً شركاً أكبر يخلد في النار؟ وماذا يجب عليه؟ جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف بالقبور والأبنية المبنية عليها ينقسم إلى قسمين: القسم الأول أن يطوف لا لعبادة صاحب القبر ولا لدعائه والاستغاثة به، ولكن عادة اعتادها فصار يفعلها، أو كان يظن أن هذا مما يقرب إلى الله عز وجل، فهذا ليس بمشرك ولكنه مبتدع، ويمكن أن نسمي بدعته هذه شركاً أصغر؛ لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر. أما إن كان يطوف بالقبر أو بالبناية عليه تعبداً وتقرباً وتعظيماً لصاحب القبر، أو كان يطوف به ذلك ويدعو صاحب القبر ويستغيث به فإن هذا مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، يستحق عليه قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ***
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 36 | |||
|
![]() 15/ السحر ما حكم فعل السحر وتعلمه ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع يكون كفراً، ونوع يكون فسقاً. فالسحر الذي يكون بالاستعانة بالشياطين والأرواح الخبيثة هذا كفر؛ لقول الله تبارك و تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). والنوع الثاني يكون فسقاً، وهو السحر بالأعشاب ونحوها مما يضر المسحور، فهذا عدوان وفسق، لكن لا يصل بصاحبه إلى حد الكفر. وأياً كان الساحر فإنه يجب قتله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حد الساحرضربة بالسيف). ولأن عدوانه وضرره عظيم على الأمة. ثم إن كان كافراً- أي: إن كان سحره مكفراً- فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإن كان غير مكفر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين. *** حصل خلافٌ حول وجود السحر حقيقةً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر، فهم ينكرون ذلك محتجين بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ). فما هو الحق في هذا؟ وكيف نفسر هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحق في هذا أن السحر ثابتٌ ولا مرية فيه وهو حقيقة، وذلك بدلالة القرآن والسنة. أما القرآن فإن الله ذكر عن سحرة فرعون الذين ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وحتى أوجس في نفسه خيفة، فأمره الله تعالى أن يلقي بعصاه فألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين تلقف ما يأفكون، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه. وأما أن الرسول عليه الصلاة والسلام سحر فإنه حق، فقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سحر من حديث عائشة وغيرها، وأنه كان يخيل إليه أنه أتى الشيء وهو لم يأته، ولكن الله تعالى أنزل عليه سورتي: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فشفاه الله تعالى بهما. وأما قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلا ينافي هذا, هذا إن كانت الآية لم تنزل بعد، وأنا الآن ما يحضرني هل هذه الآية قبل سحره أو بعده، والظاهر لي أنها بعد السحر، وإذا كانت بعد السحر فلا إشكال فيها. *** ما حكم الذهاب للسحرة والدجالين والكهنة ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذهاب إلى هؤلاء محرم، ولا يحل الذهاب إليهم، ولا خير فيهم، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). والكهنة كذابون؛ لأنهم لهم عملاء من الجن يسترقون السمع ويخبرونهم، ثم يكذبون مع ما أخبروا به من أخبار السماء، يكذبون كذبات كثيرة مائة كذبة أو أكثر أو أقل، فهم كذبة لا يجوز الذهاب إليهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد). وإنما كان ذلك كفراً لأنه تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . *** المستمعة م. ع. من سوريا بعثت برسالة تقول فيها: فضيلة الشيخ هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟ وإذا كان هذا التأثير صحيحاً فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟ نرجو التوجيه مأجورين. فأجاب رحمه الله تعالى:الجواب على هذا السؤال: أن السحر بلا شك يؤثر تأثيراً مباشراً بدليل القرآن والواقع، أما القرآن فقد قال الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ). وقوله تعالى في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى). وأما الواقع فشاهدٌ بذلك، فإن السحر يؤثر في المسحور، يؤثر في عقله وفي بدنه وفي فكره وفي اتجاهه. والسحر من كبائر الذنوب، بل شعبةٌ منه تكون من الكفر المخرج من الملة، وعلى هذا فالواجب على المسلمين البعد عن السحر والحذر منه اتقاءً لعقاب الله ورحمةً بعباد الله. وأما العلاج بالنسبة للمسحور فيكون بقراءة القرآن: يقرأ على المصاب بالآيات بآيات الحماية، مثل: آية الكرسي، قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وغيرها من الآيات التي فيها الحماية من شر الخلق. أو يؤتى بماء فيدق سبع ورقات من ورق السدر وتوضع في هذا الماء، ويقرأ فيه أو ينفث فيه بمثل قوله تعالى: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) وغيرها من الآيات التي تفيد بطلان السحر، ويسقى المريض المصاب بالسحر. وكذلك يمكن أن يعالج المريض بالسحر بالأدوية المباحة المتخذة من الأشجار أو غيرها. وكذلك يعالج السحر بحل السحر، بأن يوصل إلى المكان الذي فيه السحر، وتؤخذ الوسيلة التي جعل فيها السحر فتنقض وتحرق، وما أشبه ذلك من أنواع الحلول المباحة. وأما الذهاب إلى السحرة لحل السحر: فإن كان ذلك لضرورة فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن الضرورة تبيح المحرم، ولا شك أن المصاب بالسحر إذا نقض سحره يزول ضرره، فما كان وسيلة لأمرٍ نافع بدون أن يتضمن ضرراً في الدين فإنه لا بأس به؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)، وقد ذهب إلى هذا بعض التابعين ومنهم من منع الذهاب إلى السحرة لحل السحر، واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وبأنه إذا فتح الباب للناس صار وسيلةً لإغراء السحرة واتفاقهم على هذا العمل، فأحدهم يسحر والثاني يحل السحر، وما يحصل من المكاسب تكون بينهما؛ لأنه من المعلوم أن المصاب بالسحر سوف يبذل الشيء الكثير لأجل التخلص منه، وفي هذا مفسدةٌ عظيمة. والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الضرورة الشخصية المعينة مِلْنا إلى الإباحة، أي: إباحة حل السحر بالسحر للضرورة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من السلف والخلف. وإذا نظرنا إلى المصلحة العامة مِلْنا إلى القول بالمنع، لا سيما وأنه مؤيدٌ بالحديث الذي أشرنا إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، والمسألة عندي فيها توقف. والعلم عند الله. *** بارك الله فيكم تقول بأن لها ابنة متزوجة، وهذه الابنة تكره زوجها وزوجها يحبها، وهي الآن حامل وعند أهلها، وهي تكره أن ترى هذا الزوج، ويقال بأن هناك كاتباً يكتب كتاباً يسمى بالعطف أن يجعل الزوجة تحب زوجها، فهل هذا العمل جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تعمل عملاً يكون به عطف الزوج عليها، ولا يجوز للزوج أن يعمل عملاً يكون به عطف الزوجة عليه؛ لأن هذا نوع من السحر، ولكن الطريق إلى ذلك أن تسأل الله عز وجل دائماً أن يحبب زوجها إليها وأن يؤلف بينهما، وتقرأ من القرآن ما يعينها على التحول من الكراهية إلى المحبة، وتستعين بأهل الخير والصلاح أن يقرؤوا عليها لتحويل بغضها إلى محبة. هذا ما أراه واجباً عليها، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بينها وبين زوجها وأن يبارك لهما وعليهما وأن يجمع بينهما في الخير. *** ما حكم الإسلام في نظركم في الشخص الذي يستخدم شيئاً من السحر لكي يوفق بين زوجين أو اثنين متنافرين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضاً محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعقد، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف، وهو أيضاً محرم، وقد يكون كفراً وشركاً. *** هل الساحر كافر؟ وما هو الدليل؟وهل تجوز الصلاة خلفه؟ ماذا علي أن افعل إذا صلىت خلف مثل هذا الإمام في الوقت الذي لا أعلم أنه ساحر؟ هل صلاتي السابقة تكون باطلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع كفر، ونوع عدوان وظلم. أما الكفر فهو الذي يكون متلقىً من الشياطين، فالذي يتلقى من الشياطين هذا كفر، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). وهذا النوع من السحر كفر مخرج عن الملة يقتل متعاطيه، واختلف العلماء رحمهم الله لو تاب هذا الساحر هل تقبل توبته؟ فقال بعض أهل العلم: إنها تقبل توبته؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) فإذا تاب هذا الساحر وأقلع عن تعاطي السحر فما الذي يمنع من قبول توبته، والله عز وجل يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً)؟ لكن إذا كان قد تسبب في سحره في قتل أحد من الناس أو عدوانٍ عليه فيما دون القتل فإنه يضمن لحق الآدمي، فإن كان بقتل قتل قصاصاً، وإن كان بتمريض نظر في أمره, وإن كان بإفساد مال ضمن هذا المال. النوع الثاني من السحر سحر لا يكون بأمر الشياطين، لكنه بأدوية وعقاقير وأشياء حسية، فهذا النوع لا يُكفِّر ولكن يجب أن يقتل فاعله درءاً لفساده وإفساده. *** ما هي الحصون والوقاية من السحر ليتقي الإنسان شرها؟ وما حكم عمل السحر وحكم الذين يذهبون إلى ا لسحرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاث مسائل: الأولى الوقاية من السحر، والوقاية من السحر تكون بقراءة الأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: آية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يقرؤها الإنسان وهو موقن بأنها حماية له، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومن قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فيهما الاستعاذة من السحرة: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ). فينبغي للإنسان أن يستعمل هذه الأوراد الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم وليلة لتقيه من شر أهل الحسد ومن شر السحر. أما المسألة الثانية فهي: عمل السحر، وعمل السحر إن كان بواسطة الاستعانة بالشياطين فإنه كفر، بدليل قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). أما إذا كان السحر بالأدوية وما أشبهها مما لا يكون استعاذة بالشياطين فإنه لا يصل إلى حد الكفر، ولكن يجب على ولي الأمر أن يقوم بما يجب عليه من الحيلولة دون هؤلاء. وأما المسألة الثالثة فهي: الذهاب إلى السحرة، ونقول في الجواب عنها: إنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى الساحر من أجل أن ينقض السحر؛ لأن هذا يؤدي إلى مفاسد كثيرة، منها إعزاز هؤلاء السحرة وكثرتهم؛ لأنه من المعلوم أن النفوس مجبولة على حب المال، وأن الإنسان إذا كان يأخذ أموالاً ربما تكون أموالاً طائلة على نقض السحر فإن ذلك إغراء للناس بتعلم السحر من أجل نقضه، فيحصل في هذا ضرر كبير وابتزاز لأموال الناس، وهنا نقول: إن في الأدوية المباحة والأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم والآيات القرآنية ما يغني عن هذا بإذن الله. *** سمعت في برنامجكم أنه يمكن التداوي من السحر بتلاوة الآيات القرآنية وبعض الأدوية الحلال، فهل هناك آيات خاصة تقرأ لمثل هذه الحالة أو هناك أدعية خاصة لهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الآيات الخاصة بهذا مثل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)؛ لأنه ما تعوذ أحد بمثلهما. والأدعية الخاصة بأن يدعو الإنسان ربه بالشفاء: اللهم اشفني من هذا الداء، أو كذلك يدعو له من يقرأ عليه بمثل هذا الدعاء المناسب. *** بالنسبة للسحر هناك من يربط بين الزوج أي يمتنع عن الاجتماع مع زوجته، فكيف يصرف الإنسان هذا السحر بدون أن يذهب إلى ساحر أو دجال أو مشعوذ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يصرف هذا السحر باللجوء إلى الله عز وجل ودعائه وقراءة سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما، أي: بمثل سورتي الفلق والناس، ويكرر هذا، ولا حرج أن يذهب إلى رجل صالح يقرأ عليه ويدعو له. *** امرأة قيل لها: إنك معمول لك سحر ويحتاج إلى فك، ولكن ادفعي مبلغ أربعة آلاف ريال وأنا أفكك من هذا السحر، فما هو الحل في ذلك وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل في هذا أن نقول: إن حل السحر ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بوسائل محرمة، كأن يُحل بالسحر، مثلما يستعمله بعض البادية من صب الرصاص في الماء على رأس المسحور حتى يعلم بذلك من سحره، فهذا لا يجوز. فإذا كان حل السحر بوسائل محرمة فإن ذلك حرامٌ ولا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بسندٍ جيد. والقسم الثاني: أن يكون حل السحر بالطرق المباحة كالأدعية والقراءة على المريض والأدوية المباحة، فهذا لا بأس به ولا حرج. *** المستمع م. ع. ي. من العراق محافظة ذي قار يقول: السؤال حول موضوع أو ظاهرة تعرف بالدروشة، يقوم بها بعض الناس الذين يدعون بأن نسلهم يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقوم هؤلاء بإيذاء أنفسهم وضربها بالأسلحة النارية والجارحة وأمام جمعٍ من الناس دون أن يصيبهم أي أذى أو خروج دم من أجسامهم. فهل هذه كرامةٌ أم هو سحرٌ؟ أم إن هناك حديثاً قدسياً شريفاً أو نصاً قرآنياً يثبت ذلك؟ وهل هذه الظاهرة موجودةٌ في الأقطار الإسلامية الأخرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال حقيقة هو نفسه دروشة. وهؤلاء الدراويش الذين يعنيهم أولاً لا تقبل دعواهم أنهم ينتسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة تاريخية تثبت ذلك، ولو قبلنا هذه الدعوى لادعاها رجالٌ كثير، فدعواهم أنهم من نسل الرسول عليه الصلاة والسلام غير مقبولة حتى يثبتوا ذلك بالطرق الصحيحة التي يثبت بها مثل هذا الأمر. وأما كونهم يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ولا على أنهم من أولياء الله ولا على أن هذا كرامةٌ لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون ألقوا حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى وأنها حياتٌ وأفاعٍ، وكما قال الله عز وجل: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوعٌ من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة. واعلم أيها السائل أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله عز وجل، وأولياؤه هم الذين استقاموا على دينه، وهم من وصفهم الله في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). وليس كل من ادعى الولاية يكون ولياً، وإلا لكان كل أحدٍ يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية يوزن بعمله إن كان عمله مبنياً على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله هذا ليس من تقوى الله عز وجل؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى). فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه وحينئذٍ يكون واقعاً في معصية الله، فيما نهى الله عنه، وهذا ينافي التقوى، وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله. *** ماذا يعمل الإنسان الذي قد كتب له سحر ومتضرر من جراء ذلك؟ وما العمل مفصلاً للذي قد عمل له عقدة أيضاً؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر من كبائر الذنوب، ومنه ما يكون كفراً، قال الله عز وجل: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لم يكن له خلاق أي نصيب في الآخرة، فهذا هو الكافر بل في الآية السابقة يقول الملكان: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). فلا يحل لأحد أن يتعاطى السحر؛ لأنه إما كبيرة وإما كفر على حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، و أما النشرة وهي حل السحر عن المسحور: فإن كانت من القرآن والأدوية المباحة فإن هذا لا بأس به، وإن كانت بسحر فإن هذا قد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من جوز حل السحر بسحر للضرورة، ومنهم من منع ذلك، والأقرب المنع، وأنه لا يحل حل السحر بالسحر؛ لأننا لو قلنا بذلك لانفتح علينا باب تعلم السحر، وصار كثير من الناس يتعلمون بحجة أنهم يريدون أن يحلوا السحر من المسحور، وهذا باب يفتح شرّاً كبيراً على المسلمين، وفي الأدعية المشروعة والقراءات المشروعة و الأدوية المباحة ما يغني عن ذلك لو اعتمد على الله عز وجل وتوكل عليه. *** هذه السائلة ع. أ. م. من الأردن تقول: فضيلة الشيخ ما هو العلاج الشرعي للسحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي للسحر هو الرقية بكتاب الله عز وجل، بأن يقرأ على المصاب: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وكذلك الآيات التي فيها بيان أن الله تعالى يبطل السحر مثل: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، ومثل قوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). وكذلك ما جاءت به السنة من الأدعية التي يستشفى بها من المرض. هذا إذا لم يمكن الاطلاع على محل السحر، فإن أمكن فإنه إذا اطلع عليه ينقض. ونسأل الله السلامة. *** ما هو العلاج الشرعي للسحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي يكون بالآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين، وما جاءت به السنة من الأدعية، وكذلك بالأدعية المباحة التي يدعو بها الإنسان ربه، هذا هو العلاج الشرعي للسحر. *** أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام، ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناساً كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم أي علاج، بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورون من قبل أناس آخرين، فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة، أي: باستعمال بعض الكتب. أفيدوني في ذلك أثابكم الله. فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل معناه النُشرة وهي حل السحر عن المسحور، والأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن تكون بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها؛ لما فيها من مصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحةٌ بلا مضرة. وأما إذا كانت النشرة بشيءٍ محرم كنقض السحر بسحرٍ مثله فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد جيد وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرماً، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره، والله سبحانه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). ويقول تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ). *** المستمع رمز لاسمه بالأحرف ز. ل. م. ع. من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: عندي صديق سُحرت زوجته من قبل أناس أعداء له ولأهله، وحاول أن يعالجها بشتى الطرق مثل الكي وغيره ولكن دون فائدة، ودلنا رجل على إنسان يعالج السحر بالسحر، فهل عليه إثم لأنه يستخدم السحر في نفع الناس من السحرة الآخرين، ولم يضر به أحداً وهل على صديقي هذا إثم لأنه ذهب إلى هذا الساحر لعلاج زوجته مما أصابها من السحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أن السحر من أكبر المحرمات، بل هو من الكفر إذا كان الساحر يستعين بالأحوال الشيطانية على سحره أو يتوصل به إلى الشرك، وقد قال الله تبارك وتعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُواْ اَلشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ). فهذا دليل على أن تعلم السحر كفر، السحر متلقى من الشياطين، وعلى هذا فيجب الحذر منه والبعد عنه، حتى لا يقع الإنسان في الكفر المخرج عن الملة والعياذ بالله. وأما حل السحر عن المسحور فإنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بالأدعية والأدوية المباحة وبالقرآن، فهذا جائز لا بأس به، ومن أحسن ما يقرأ به على المسحور: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما. وتارة يكون حل السحر بسحر، وهذا مختلف فيه سلفاً وخلفاً، فمن العلماء من رخص فيه لما فيه من إزالة الشر عن هذا المسحور، ومنهم من منعه وقال: إنه لا يحل السحر إلا ساحر، وهذا أحسن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وعمل الشيطان هو ما كان بالسحر، أما ما كان بالقرآن أو بالأدعية المباحة فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه. وعلى من ابتلي بهذا الأمر أن يصبر وأن يكثر من القراءة والأدعية المباحة حتى يشفيه الله تعالى من ذلك. فضيلة الشيخ: الشخص الذي يستخدم السحر أو يزاول السحر ماذا عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سبق أن قلنا: إذا كان سحره بواسطة الشياطين أو لا يتوصل إليه إلا بالشرك فإن هذا شرك مخرج عن الملة. فضيلة الشيخ: والتصديق به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التصديق بالسحر نوعان: أحدهما: أن يصدق بأثره أن له تأثيراً، وهذا لا بأس به؛ لأن هذا هو الواقع. والثاني: أن يصدق به إقراراً، أي: مقراً له وراضياً به، فهذا محرم ولا يجوز. *** يقول المستمع: إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعاً، فماذا يفعل من ابتلي بالسحر أي عمل له سحر وسبب له تعباً وإعياءً؟ فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر؟ أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟ وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر خاصةً إذا كان يسكن بجواره؟ هل يتركه أم ينتقم منه؟ ماذا يفعل؟ أفيدونا مأجورين. فأجاب رحمه الله تعالى: حل السحر يكون بأمرين: الأمر الأول: القراءات والتعوذات الشرعية، واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وكثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهذا لا شك أنه جائز، ومن أحسن ما يستعاذ به سورة الفلق وسورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ) الآيات. فإذا داوم الإنسان على هذا فإنه يشفى بإذن الله عز وجل. وأما النوع الثاني من الدواء مما يحل به السحر فهو: أن يحل بسحرٍ مثله، وهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من أجازه ومنهم من لم يجزه، والأقرب أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وإذا كانت من عمل الشيطان فإنه لا يجوز لنا أن نفعلها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ). وأما ما ذكره عن جاره الذي يقول: إنه ساحر، فعليه أن يقوم بنصيحته ويخوفه من الله عز وجل، ويبين له أن السحر كفرٌ وردة، وأن فيه أذيةً للمسلمين، فإن انتهى ومنَّ الله عليه بالهداية فهذا هو المطلوب، وإلا وجب أن يرفع إلى ولاة الأمور، ليقوموا بما يلزم نحو هذا الساحر. *** هل يجوز الذهاب إلى السحرة لفك السحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان). وقسم العلماء رحمهم الله النشرة إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون نشرة بالأدعية أو بالرقى من القرآن والسنة، أو باستعمال مأكول أو مشروب مباح، فهذه جائزة ولا بأس بها. والثاني: أن تكون بالسحر، بمعنى: أن نفك السحر بسحر، فهذه هي التي أرادها النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (هي من عمل الشيطان) . *** أبو هبة من المغرب يقول: اضطر شخص إلى أن يذهب إلى أحد السحرة ليفك عن ابنه سحراً فهل يجوز له ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر لا شك أنه داء عضال، وأنه جناية من الساحر عظيمة، والساحر الذي يستعين بالأرواح الشيطانية أو بالشياطين أو بالجن كافر- والعياذ بالله -كفراً مخرجاً عن الملة وإن صام وصلى؛ لقول الله تبارك وتعالى ![]() *** إذا سحر أحدهم يذهبون إلى شيخ كما يسمي نفسه، ويكتب لهم ورقة فيها آيات من القرآن، ثم يحرقها في النار، ويجعلها تحت الشخص المسحور، حتى إذا اشتم رائحة الدخان نطق باسم من سحره، فيقول: سحرني فلان بن فلان ويذكر السبب الذي سحره من أجله. وقد أحدثت هذه الحالة الكثير من المشاكلات حتى وصل بعضها إلى السلطات، فما الحكم في هذا العمل من الفاعل والمفعول له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أن هذا لا يجوز، لو كان هذا الرجل الشيخ يكتب القرآن ويعطيه المريض فيشربه لكان هذا مما ورد عن السلف وكان هذا جائزاً وتأثيره ظاهر، أما كونه يكتب الآيات ثم يحرقها حتى يشم هذا المسحور دخانها فأخشى أن يكون هذا الإحراق امتهاناً للقرآن أمام الشياطين التي تريد من بني آدم أن يمتهن كتاب الله عز وجل حساً ومعنى، وإلا فلا وجه للإحراق؛ لكونه يشم دخان هذا الورق الذي احترق، فالذي أرى في هذه الحال أنه لا يجوز أن يذهب إلى هذا الرجل ويؤخذ منه هذا الدواء، وأن يستعين المسحور بالأدوية الحسية الطبيعية المعروف تأثيرها، وبالدعاء، وبالآيات القرآنية، ومنها: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فإن هاتين السورتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما. ***
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 37 | |||
|
![]() 16/ الشرك ما هو الشرك وما هي أنواعه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك أن يجعل الإنسان مع الله تعالى شريكاً في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته. ففي الربوبية: أن يجعل خالقاً مع الله عز وجل لهذا الكون، أو يجعل معيناً لله تعالى في خلق هذا الكون. وفي الألوهية: أن يتخذ إلهاً مع الله يعبده، إما ولي أو نبي، أو أمير أو وزير، أو حجر أو شجر، أو شمس أو قمر. وأما في الأسماء والصفات: فأن يعتقد أن أسماء الله وصفاته مماثلة لصفات المخلوقين، ويجعل صفات المخلوق كصفات الخالق. وأما أنواعه: فمنه الأصغر والأكبر، والأخفى والأبين، وهو أنواع كثيرة. وما أحسن أن يقول الإنسان: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل، فليحذر الإنسان منه، وليسأل الله الخلاص، وليلجأ إلى الله تعالى دائماً مستعيناً به. *** هذا السائل أسعد المصري مقيم بالمملكة العربية السعودية يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن الشرك الأكبر، وما هو الشرك الأصغر؟ أرجو الإفادة في سؤالي ذلك مأجورين. فأجاب رحمه الله تعالى:الشرك الأكبر هو الشرك المخرج عن الملة، مثل أن يعتقد الإنسان أن مع الله إلهاً آخر يدبر الكون، أو أن مع الله إلهاً آخر خلق شيئاً من الكون، أو أن مع الله أحداً يعينه ويؤازره، فهذا كله شركٌ أكبر، وهذا الشرك يتعلق بالربوبية. أو أن يعبد مع الله إلهاً آخر، مثل أن يصلى لصاحب قبر، أو يتقرب إليه بالذبح له تعظيماً له أو ما أشبه ذلك، وهذا من الشرك في الألوهية. فالشرك الأكبر ضابطه: ما أخرج الإنسان عن الملة. وأما الشرك الأصغر فهو كل عملٍ أطلق الشرع عليه اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة، مثل الحلف بغير الله فإنه من الشرك الأصغر، كأن يقول قائل: والنبي محمدٍ ما فعلت كذا، أو: والنبي محمدٍ لأفعلن كذا، أو يحلف بالكعبة فيقول: والكعبة المعظمة ما فعلت كذا، أو: والكعبة المعظمة لأفعلن كذا أو ما أشبه ذلك. فالمهم أن الحلف بغير الله من الشرك، لكنه شركٌ أصغر لا يخرج به الإنسان من الملة. والدليل على أنه من الشرك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). إلا أنه إذا اعتقد أن لهذا المحلوف به من التعظيم مثل ما لله عز وجل من التعظيم فهنا يكون مشركاً شركاً أكبر لأنه ساوى المخلوق بالخالق، فيكون بذلك مشركاً شركاً أكبر وليعلم أن الشرك لا يغفره الله عز وجل، سواءٌ كان أصغر أم أكبر لعموم قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً). هذا في آية، وفي آية أخرى: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) . *** هذا السائل الذي رمز لاسمه س. ع. د. يقول: فضيلة الشيخ ماهي أنواع الشرك المخرج من الملة؟ وهل كل من عمل بها يكون مشركاً، أو الذي يقوم عليه الدليل الشرعي؟ أرجو الإفادة مأجورين. فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك المخرج عن الملة هو: أن يتخذ الإنسان إلهاً مع الله يعبده ويتقرب إليه بالركوع والسجود والذبح والصوم وما أشبه ذلك، أو يتخذ مع الله ربّاً يستغيث به ويستنصر به ويستنجد به. فالأول شرك في الألوهية، والثاني شرك في الربوبية. فمن فعل شيئاً من ذلك فهو مشرك، هذا هو الأصل، لكن قد يقوم بالشخص مانع يمنع من الحكم عليه بالشرك، مثل: أن يكون الإنسان جاهلاً لا يدري، رأى الناس يفعلون شيئاً ففعله، فإذا نبهناه ترك ما هو عليه واهتدى، فإن هذا لا يكون مشركاً مخلداً في النار؛ لأنه جاهل، إلا أنه ربما يكون غير معذور بهذا الجهل، مثل أن يفرط في طلب العلم، فيقال له مثلاً: هذا من الشرك ولا يجوز، ولكنه يتهاون ولا يسأل، فإن هذا ليس بمعذور في جهله؛ لأنه مفرط ومتهاون. *** المستمع أ. ع. ع. من العراق ديالة يقول: ما هو الشرك الخفي؟ وما الفرق بينه وبين الشرك الأصغر؟ وكيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي : أما الشرك الأكبر فمثل أن يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله عز وجل، ومن العبادة الدعاء، فإذا دعا الإنسان غير الله، كما لو دعا نبياً أو ولياً أو ملكاً من الملائكة، أو دعا الشمس أو القمر، لجلب نفع أو دفع ضرر كان مشركاً بالله شركاً أكبر، وكذلك لو سجد لصنم، أو للشمس أو للقمر، أو لصاحب القبر أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك شرك أكبر مخرج عن الملة والعياذ بالله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ). وهذا في الأعمال الظاهرة، وكذلك لو اعتقد بقلبه أن أحداً يشارك الله تعالى في خلقه، أو يكون قادراً على ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فإنه يكون مشركاً شركاً أكبر. أما الشرك الأصغر فإنه ما دون الشرك الأكبر، مثل: أن يحلف بغير الله غير معتقد أن المحلوف به يستحق من العظمة ما يستحقه الله عز وجل، فيحلف بغير الله تعالى تعظيماً له- أي: المحلوف به- ولكنه يعتقد أنه دون الله عز وجل في التعظيم، فهذا يكون شركاً أصغر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وهو محرم سواء حلف بالنبي أو بجبريل أو بغيرهما من الخلق، فإنه حرام عليه، ويكون به مشركاً شركاً أصغر. وأما الشرك الخفي فهو ما يتعلق بالقلب من حيث لا يطلع عليه إلا الله، وهو إما أن يكون أكبر وإما أن يكون أصغر: فإذا أشرك في قلبه مع الله أحداً يعتقد أنه مساوٍ لله تعالى في الحقوق وفي الأفعال كان مشركاً شركاً أكبر، وإن كان لا يظهر للناس شركه فهو شرك خفي على الناس، لكنه أكبر فيما بينه وبين الله عز وجل، وإذا كان في قلبه رياء في عبادة يتعبد بها لله فإنه يكون مشركاً شركاً خفياً؛ لخفائه على الناس، لكنه أصغر؛ لأن الرياء لا يخرج به الإنسان من الإسلام. فضيلة الشيخ: يقول: كيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التخلص من الشرك الأصغر أو الأكبر بالرجوع إلى الله عز وجل والتزام أوامره فعلاً والتزام اجتناب نواهيه، وبهذه الاستقامة يعصمه الله تعالى من الشرك. *** يقول :نسمع عن الرياء فما حكمه في الإسلام؟ وهل له أقسام؟ جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى:الرياء أن يعمل العبد عملاً صالحاً ليراه الناس فيمدحوه به ويقولوا: هذا رجل عابد، هذا رجل صالح وما أشبه ذلك، وهو مبطل للعمل إذا شاركه من أوله، مثل أن يقوم الإنسان ليصلى أمام الناس ليمدحوه بصلاته، فصلاته هذه باطلة لا يقبلها الله عز وجل، وهو نوع من الشرك. قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه). ولا شك أن المرائي مشرك مع الله؛ لأنه يريد بذلك ثناء الله عليه وثواب الله ويريد أيضاً ثناء الخلق، فالمرائي في الحقيقة خاسر؛ لأن عمله غير مقبول، ولأن الناس لا ينفعونه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك). ومن أخلص عمله لله ولم يراع الناس به فإن الله تعالى يعطف القلوب عليه ويثنى عليه من حيث لا يشعر، فأوصي إخواني المسلمين بالبعد عن الرياء في عباداتهم البدنية كالصلاة والصيام، والمالية كالصدقة والإنفاق، والجاهية كالتظاهر بأنه مدافع عن الناس قائم بمصالحهم وما أشبه ذلك. ولكن لو قال قائل: إنه يتصدق من أجل أن يراه الناس فيتصدقوا، لا من أجل أن يراه الناس فيمدحوه، فهل هذا خير؟ فالجواب: نعم هذا خير، ويكون هذا داخلاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). ولهذا امتدح الله عز وجل الذين ينفقون أموالهم في السر وفي العلانية: في السر في موضع السر، وفي العلانية في موضع العلانية. *** بارك الله فيكم يقول: كيف يكون إخلاص النية في العمل يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إخلاص النية في العمل هو أن يتناسى الإنسان كل ما سوى الله، وأن لا يكون الحامل له على هذه العبادة إلا امتثال أمر الله عز وجل وإرادة ثوابه وابتغاء وجهه عز وجل، وأن يتناسى كل شيءٍ يتعلق بالدنيا في هذه العبادة، فلا يهتم بالناس أرأوه أم لم يروه، أسمعوه أم لم يسمعوه، ولا يبالي بهم أثنوا عليه أم قدحوا فيه. وكذلك أيضاً من أسباب الإخلاص أن يكون الإنسان حين قيامه بالعبادة مستحضراً لأمر الله عز وجل بها، ومستحضراً لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيها. مثال ذلك: رجل قام يتوضأ للصلاة، فهنا نقول: أولاً استحضر أنك إنما توضأت امتثالاً لأمر الله عز وجل، كأنك الآن تقرأ قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ). وكأنك لوضوئك تقول: سمعاً وطاعة، تجد في هذا حلاوة ولذة وحباً للطهارة؛ لأن الله أمرك بها، ثم استحضر أنك في هذا العمل متبعٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامك وأنت تتبعه في هذا الوضوء، وبهذا يتحقق لك الثواب والأجر للإخلاص والمتابعة، وبذلك تحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. *** فضيلة الشيخ الحج شعيرة عظيمة مبناها على الإخلاص، فيجب إخلاصها لله تعالى. نريد وقفة حول ضرورة إخلاص هذه الشعيرة لله عز وجل، وأن ذلك من أساس الاعتقاد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإخلاص شرط في جميع العبادات، فلا تصح العبادة مع الإشراك بالله تبارك وتعالى ![]() *** تقول السائلة: ينتابني شعور في داخلي بأنني إذا عملت أمام الناس أي عمل صالح يكون هذا العمل رياء، فمثلاً: عندما أصلى الظهر في المدرسة أصلى السنة القبلية والبعدية فيقولون: صلاة هذه المرأة طويلة. هل هذا العمل من الرياء؟ علماً بأنني أصلى السنة في كل مكان وليس في المدرسة. أرشدوني مأجورين. فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الشعور بالرياء من الشيطان ليصد الإنسان عن طاعة الله عز وجل، والشيطان- أعاذنا الله وإياكم منه- يشم القلب، فإن وجد منه قوة على الطاعة رماه بهذا السهم سهم الرياء وقال: إنك مُراءٍ وإن رأى معه ضعفاً في الطاعة رماه بسهم التهاون والإعراض حتى يدع العمل. فعلى المرء أن يكون لديه قوة ونشاط، وإذا طرأ عليه أنه يصلى رياء أو يتصدق رياء أو يقرأ رياء فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليمض ولا يهتم بهذا. *** بارك الله فيكم هذا المستمع م. م. هـ. من عمان بالأردن بعث بعدة أسئلة يقول: عندنا إمام في المسجد حافظ للقرآن مجود تبدو عليه علامات الصلاح: فهو إلى جانب مواظبته على الصلاة يصوم يوماً ويفطر يوماً، إلا أنه دائماً يعمل حلقات للذكر بعد العشاء تستمر إلى وقت متأخر من الليل، يرددون فيها بعض الأذكار ومن ذلك قولهم: مدد يا سيدي يا رسول الله، ومدد يا سيدي عبد القادر وما شابه ذلك من الأذكار. فهل ذلك جائز ويثابون عليه أم لا؟ وهل تؤثر هذه الأعمال على صحة صلاتنا خلفه؟ فإن كان كذلك فما العمل في صلواتنا الماضية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة أن ما ذكره السائل يحزن جدّاً! فإن هذا الإمام- الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة، ويحافظ على الصيام يصوم يوماً ويفطر يوماً، وأن ظاهر حاله الاستقامة- قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم، فدعاؤه غير الله عز وجل شرك أكبر مخرج من الملة، سواء دعا الرسول عليه الصلاة والسلام أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأناً وأقل منه وجاهة عند الله عز وجل، فإذا كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم شركاً فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر، أو غير عبد القادر والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضرّاً قال الله تعالى آمراً له ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() فضيلة الشيخ: يقول: إنه أيضاً هذا الإمام يتظاهر بأنه ولي من أولياء الله، وأن في يده إصلاح الأمة، ويجلس في الخلوة قرابة أسبوع يذكر الله يزعم أن الله يوحي إليه. فما هي علامات الولاية؟ وهل يعرف الولي حقّاً أنه ولي؟ فأجاب رحمه الله : علامات الولاية وشروطها بينها الله تعالى في قوله ![]() * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). فهذه هي علامات الولاية. وشروطها: الإيمان بالله، وتقوى الله عز وجل. فمن كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً، أما من أشرك به فليس بولي لله وهو عدو لله كما قال الله تعالى ![]() فضيلة الشيخ: هل مثل هذه الأعمال تؤثر على صحة صلاتهم خلف هذا الإمام؟ فأجاب رحمه الله : إذا كانوا جاهلين فإنها لا تؤثر، وإن كانوا عالمين بحاله وعالمين بحكم الشرع فيه فإنه لا تصح صلاتهم؛ لأن الكافر لا تصح صلاته ولو صلى ما دام يشرك بالله سبحانه وتعالى، والغالب فيما أظن أنهم كانوا جاهلين بهذا، وعليه فليس عليهم إعادة فيما مضى من صلاتهم. *** عندما يقوم الناس بتعديل ثمار النخيل على سعفها فإنهم يضعون بعض ليف النخيل في الثمار الكبيرة حتى لا يراها الناس، فهل يعتبر هذا من الشرك- والعياذ بالله-؟ وماذا تنصحون الناس تجاه ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هؤلاء، مع العلم بأنني لا أتمكن من المحافظة على الجماعة إن لم أصل خلفهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا من الشرك إذا كانوا يغطونها بهذا الليف خوفاً من العين، فإن هذا ليس من الشرك؛ لأن أعين الحاسدين إنما تنصب على الشيء الفائق، فإذا أخفي هذا الشيء لم يكن فائقاً في أعينهم، فيكون سبباً لمنع العين. والسبب إذا كان مشروعاً أو محسوساً فإن ممارسته لا تعد من الشرك؛ لأن الأمور التي جعلها الله أسباباً بما أوحى من شرعه أو بما علم الناس من قدره فإنها تكون أسباباً شرعية، وممارستها ليست شركاً، وعلى هذا فالصلاة خلف هؤلاء ليس فيها بأس. *** هناك أناس في مناطق مختلفة يقولون عند الغضب: خذوه ياجن، أو: خذوه يا سبعة، يدعون عليه بأن يأخذه الجن وما إلى ذلك من هذه الأدعية، فهل هذا شرك محبط للعمل؟ حيث إنني سمعت من أحد المشايخ بمنطقتنا يخطب في يوم الجمعة فقال: إن ذلك شرك، حتى ذكر أن الزوجة إذا لم تتب من ذلك أنها لا تبقى مع مسلم موحد. أفتونا في ذلك جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله : الدعاء لا يكون إلا لله عز وجل، فمن دعا غير الله من جني أو ملك أو نبي أو ولي كان مشركاً، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر وشرك مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). ودعاء غير الله كفر؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). فأثبت الله تعالى في هذه الآية أمرين مهمين: الأمر الأول: أن من دعا غير الله فهو كافر، لقوله: (لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). الأمر الثاني: أن من دعا غير الله فإنه لا يفلح، لا يحصل له مطلوبه ولا ينجو من مرهوبه، فيكون داعي غير الله خاسراً في دينه ودنياه، وإذا كان غير مفلح فهو أيضاً غير عاقل، بل هذا غاية السفه؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ). أي لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله، ولكنه جاء هذا النفي بصيغة الاستفهام لأنه أبلغ من النفي المحض، حيث يكون مشرباً معنى التحدي. وعلى هذا فدعاء الجن أو الشياطين أو الأولياء أو الأنبياء أو الصالحين أو غير ذلك كله شرك بالله عز وجل، يجب على الإنسان أن يتوب إلى الله منه ولا يعود إليه، فإن مات على هذه العقيدة- أعني: على عقيدة أنه يدعو غير الله، وأن هذا المدعو يستجيب له من ملك أو نبي أو ولي أو رسول- فإنه يكون مشركاً يستحق ما قال الله تعالى فيه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . *** هذا السائل محمد سوداني ومقيم بالظهران يقول في هذا السؤال: شخص قال في مجلس: باسم الله يا سيدي يا رسول الله. فقال له أحد الإخوة بأن هذا شرك. هل هذا صحيح؟ وماذا يجب على القائل؟ وبماذا توجهونه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى:خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز إلا فيما جاءت به السنة، وقد جاءت السنة بقول المُسلِّم عليه: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته). وأما قول القائل: يا سيدي يا رسول الله فأقل ما يقال فيه: إنه بدعة، فإن ناداه هذا النداء ليستغيث به ويستعين به على أمر كان شركاً، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل: إذا قال: يا سيدي يا رسول الله، إن كان يريد أن يستغيث به أو يستعين به فهذا شرك ودعاء لغير الله عز وجل، وإن قال: يا سيدي يا رسول الله السلام عليك فهذا بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعلى كل حال فعلى القائل مثل هذا القول أن يتوب إلى الله، وألا يعود إليه. *** أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ مسجدٌ فيه قبر يتبرك أهل هذا المسجد به، هل يقعون في الشرك الأكبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً لا بد أن ننظر هل القبر سابقٌ على المسجد أم المسجد سابقٌ على القبر؟ فإن كان القبر سابقاً على المسجد، بمعنى: أن القبر كان متقدماً فبنوا عليه مسجداً، فالمسجد هنا لا تصح فيه الصلاة على كل حال؛ لأنه مسجد يجب هدمه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبنى على القبور، لا سيما إذا كان المبني مسجداً، وإنما قلنا: يجب هدمه؛ لأنه يشبه مسجد الضرار الذي يجب هدمه، ومسجد الضرار هو المسجد يبنى بقرب مسجدٍ آخر فيؤثر على أهل المسجد الأول ويفرقهم، فهذا مسجد ضرار فيهدم على كل حال. وأما إذا كان المسجد سابقاً ودفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش الميت ويدفن مع الناس. أما من تبرك بهؤلاء، أي: بأهل القبور، سواءٌ في المسجد أو في غير المسجد: فإن كان يدعوهم أو يستغيث بهم أو يستعين بهم أو يطلب منهم الحوائج فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وإن كان لا يدعوهم ولكن يتبرك بترابهم ونحوه فهذا شركٌ أصغر لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، إلا إذا اعتقد أن بركته يحصل بها الخير من دون الله فهذا مشركٌ شركاً أكبر. *** بعض الناس ينذرون ويذبحون لغير الله ويعتقدون في قبور بعض الصالحين، ومع ذلك فهم يعلقون أنياب الذئاب في أعناق أطفالهم الصغار لكي تحميهم من الجن معتقدين فيها ذلك، فهل هذا يعد من الشرك أم لا؟ فأجاب رحمه الله : أما فعلهم الأول- وهو: ذبحهم للقبور تقرباً بهذا الذبح إلى صاحب القبر- فإنه من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، وذلك لأن الذبح من عبادة الله عز وجل، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله شرك أكبر. وأما الثاني- وهو: تعليقهم أنياب الذئاب في أعناق أولادهم من أجل دفع الجن- فإن هذا من الشرك الأصغر؛ لأنهم أثبتوا سبباً لم يجعله الله سبحانه وتعالى سبباً لا حسَّاً ولا شرعاً، وهذا نوع من الشرك الأصغر. فالواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحاً، وأن يزيلوا ما في أعناق أولادهم من هذه الأنياب، ولا يدفع شر الجن إلا ما جعله الله سبحانه وتعالى سبباً للدفع، مثل قراءة آية الكرسي، (فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح). ومثل أن يقول الإنسان إذا نزل منزلاً: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه إذا قال ذلك لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك). *** هل في هذا القول شرك، وهو: توكلت على الله ورسوله؟ فأجاب رحمه الله : نعم، أما قوله: توكلت على الله فهذه ليست شركاً لأن الله تعالى هو المتوكَّل عليه، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ). وأما قوله: ورسوله فهذا شرك لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميت في قبره، لا يملك أن يدعو لأحد ولا أن ينفع أحداً ولا أن يضر أحداً عليه الصلاة والسلام، فالتوكل عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرك، وعلى غيره من باب أولى: لو توكل على قبر من يدعي أنه ولي فهو مشرك، والواجب علينا أن نتبرأ من الشرك كله بأي أحد، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقال: (وَعَلَى اللَّهِ) قدمها على عاملها، قال أهل العلم: وتقديم ما حقه التأخير يدل على الاختصاص والحصر، أي: وعلى الله لا غيره فتوكلوا إن كنتم مؤمنين. *** أحمد أبو السيل السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان شيخ مات وله قبة يزورها جمع غفير من الناس، والغريب أن الناس يأتون بالمجانين والمرضى لهذه القبة، و يمكثون أياماً عديدة باعتقادهم أن هذا الشيخ يشفي هؤلاء المرضى وهؤلاء المجانين. ما حكم هذا العمل وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله : الجواب على هذا السؤال أن هذا العمل عمل محرم بلا شك، وهو مع تحريمه شرعاً سفه عقلاً؛ لأن هؤلاء الذين يأتون إلى هذه القبة المضروبة على هذا القبر بمن أصيبوا بالجنون أو بالمرض من أجل استشفائهم بحضورهم إلى هذا المكان سفهاء في العقول، وذلك لأن هذا الميت ميت جماد، وقد نعى الله سبحانه وتعالى على المشركين الذين يدعون الأصنام في قوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ). فالميت لا ينفع نفسه ولا ينفع غيره، حتى إنه قد انقطع عمله، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). فإذا كان هذا الميت لا ينفع نفسه بعمل فكيف ينفع غيره؟ ثم إننا نقول: إذا كان هؤلاء الجماعة الذين يأتون بمجانينهم ومرضاهم إلى هذا المكان يعتقدون أن هذا الميت يشفيهم بنفسه فإن هذا شرك أكبر؛ لأنه لا يشفي من المرض إلا الله عز وجل، كما قال الله تعالى عن إبراهيم إمام الحنفاء وخليل الرحمن: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). والأدوية التي يكون بها الشفاء ما هي إلا أسباب جعلها الله تعالى أسباباً، فالشفاء بها من شفاء الله عز وجل، فإذا اعتقد هؤلاء الذين يحضرون إلى هذا القبر بأن صاحب القبر يشفيهم بنفسه فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنهم اعتقدوا أن مع الله تعالى خالقاً وشافياً، وهذا شرك في ربوبية الله سبحانه وتعالى. وقد بين الله تعالى في غير آية من كتاب الله أن أولئك الذين يدعون من دون الله لا ينفعونهم، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ). وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ). وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). فنصيحتي لهؤلاء أن يلجؤوا إلى ربهم سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو القادر على شفائهم، ولا بأس أن يفعلوا الأسباب التي أذن الله بها، سواء كانت أدعية شرعية أو أدوية مباحة، أو غير ذلك مما جعله الله تعالى سبباً للشفاء من هذا المرض. وأخيراً أقول: إن هذه القبة التي بنيت على القبر الذي ذكره السائل يجب أن تهدم؛ (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور)، وكل بناية على قبر فإنه يجب على المسلمين أن يهدموها؛ لأنها من وسائل الشرك. والواجب على المسلمين عامة أن يقضوا على وسائل الشرك بالبرهان- وهو: الدليل من الكتاب والسنة- أو بالسلطان- وهو: تغيير ذلك باليد-؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). وإنني أنصح إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنصحهم بالانتهاء عن مثل هذه الأعمال التي ابتلي بها كثير من الناس، حيث يتعلقون بمن دون الله عز وجل، يعلقون أملهم به، يدعونه لكشف الضر وجلب النفع، مع أن الأمر كله لله عز وجل، ودعاؤهم هذا لهؤلاء المخلوقين شرك بالله، قال الله تبارك وتعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من العبادة لغير الله كفر وشرك ولا فلاح معه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). نسأل الله لنا ولهم الهداية. *** في إحدى القرى عندنا يوجد قبر وعليه بناء حجرة وعليها أعلام ترفرف، ويأتي بعض الناس بالذبائح والمأكولات معتقدين أن صاحب هذا القبر ينفع أو يضر، فهو حسب ظنهم يشفي مرضاهم ويرزقهم الأولاد. وإذا نصحناهم أو حاولنا تغيير هذا المنكر يحذرون من ذلك وأن هذا ولي مشهور، ومن يتعرض له بأذى فإنه يؤذيه ويضره. فما رأيكم في هذا؟ وما هي نصيحتكم لهؤلاء؟ فأجاب رحمه الله : رأينا في هذا أنه يجب أن تهدم هذه القبة أو هذه الحجرة وأن تزال معالمها؛ لأنها معالم شرك والعياذ بالله. ثم نقول لهؤلاء الذين يذهبون إلى هذه الحجرة يذبحون عندها القربان، ويسألونها دفع الضرر وجلب النفع، نقول: هؤلاء مشركون في الربوبية والألوهية؛ لأنهم تعبدوا لهذا القبر بالذبح له، ولأنهم اعتقدوا أن صاحبه ينفع أو يضر وليس الأمر كذلك، ولأنهم دعوا صاحب هذا القبر، والدعاء من العبادة، فقد أشركوا بالربوبية والألوهية شركاً أكبر. وعلى علماء المسلمين أن يبينوا لهؤلاء العوام بأن هذا من الشرك، وأن يحذروهم، وإن السكوت على مثل هذا في بلاد تكثر فيها القباب على القبور والذبح لها والسفر إليها، السكوت على هذا لاشك أنه مسؤولية كبيرة على أولئك العلماء، ومن المعلوم أن العامة يثقون بأقوال علمائهم أكثر مما يثقون بأقوال علماء بلاد أخرى كما هو ظاهر. فالواجب على علماء المسلمين في جميع أقطار المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يبينوا لعوامهم خطر هذه الأمور، وأنها من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، والذي أوجب الله لصاحبه الخلود في النار: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ). وهؤلاء العامة الذين يحذرون من هذا الولي تحذيرهم ليس بصحيح وليس بواقع، وليجرب الناس هذا الأمر، يجربوا ويحذروا من هذا العمل المحرم الشركي، وينظروا هل يصيبهم شيء أم لا؟ فكل هذا تحذير باطل، وإنما هو من الشيطان، ولا يجوز التصديق به؛ لأنه كذب وزور، ثم إن المصدق به يصدق بما ليس له حقيقة أصلاً. *** هذا السائل يقول: سؤالي عن الذين يزورون قبور الشيوخ لقصد الشفاء من مرض معين أو لأجل إنجاب الأولاد ومثل ذلك، وينحرون لهم الذبائح، فما حكم هؤلاء؟ جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله : هؤلاء مشركون شركاً أكبر؛ لأنهم دعوا أصحاب القبور واستغاثوا بهم، واستنجدوا بهم ورأوا أنهم يجلبون إليهم النفع ويدفعون عنهم الضرر وينذرون لهم، وكل هذه من حقوق الله التي لا تصلح لغيره، فعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يرجعوا إلى توحيدهم وإخلاصهم قبل أن يموتوا على هذا فيستحقوا ما أخبر الله به عن المشركين في قوله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ). فإن قال قائل: إن هؤلاء قد يملى لهم، وقد يبتلون فيدعون أصحاب القبور ثم يحصل لهم ما دعوا به؟ فنقول: هذه فتنة بلا شك، والذي حصل لم يحصل بهؤلاء المقبورين، وإنما حصل عند دعائهم وليس بدعائهم، وإلا فنحن نؤمن ونجزم جزمنا بالشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب أن هؤلاء المقبورين لن يستجيبوا لهم أبداً؛ لقوله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ولقول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله وأن يرجعوا إلى دين الله وتوحيد الله، وأن يعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين واستباح دماءهم وأموالهم وذرياتهم من أجل شركهم، وهؤلاء شركهم من جنس شرك المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم على شركهم. *** ما مصير المسلم الذي يصوم ويصلى ويزكي ولكنه يعتقد بالأولياء الاعتقاد الذي يسمونه في بعض الدول الإسلامية اعتقاداً جيداً أنهم يضرون وينفعون، وكما أنه يقوم بدعاء هذا الولي فيقول: يا فلان لك كذا وكذا إذا شفي ابني أو بنتي، أو: بالله يا فلان، مثل هذه الأقوال فما حكم ذلك؟ وما مصير المسلم فيه؟ فأجاب رحمه الله : تسمية هذا الرجل الذي ينذر للقبور والأولياء ويدعوهم، تسميته مسلماً جهل من المسمي، ففي الحقيقة أن هذا ليس بمسلم؛ لأنه مشرك، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فالدعاء لا يجوز إلا لله وحده، فهو الذي يكشف الضر وهو الذي يجلب النفع: ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ). فهذا وإن صلى وصام وزكى وهو يدعو غير الله ويعبده وينذر له فإنه مشرك قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار. *** بعض الناس عندما يزورون بعض المقابر الشريفة لدينا التي يوجد بها صحابة رضوان الله عليهم وبعض الشيوخ الكرام هناك أخطاء يرتكبونها، منها أنهم يطلبون منهم المساعدة والدعاء عند رب العالمين، والوقوف بجانبهم لخرجوهم من مصائبهم. ما هو الحكم في هؤلاء يا فضيلة الشيخ؟ انصحوهم بارك الله فيكم. فأجاب رحمه الله : قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول: إن ما يدعى بأنه قبر فلان أو فلان من الصحابة رضي الله عنهم أو الأئمة بعدهم قد لا يكون صحيحاً، فليس كل ما ادعي يكون مقبولاً وصحيحاً، بل قد يكون هذا من تزوير المزورين, أما على فرض أن يكون في هذا المكان قبر صحابي أو قبر إمام من الأئمة فإن المشروع للإنسان إذا زار المقبرة أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من السلام عليهم يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية). فالزائر للمقبرة زائر معتبر داع للموتى وليس داعياً عندهم، وأما الذين يزورنها على سبيل التبرك بترابها، أو أقبح من ذلك أن يدعو الأموات بكشف الضر وجلب النفع أو ما أشبه هذا فإن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج عن الملة، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). فبين الله سبحانه وتعالى أن هذا الذي يدعو من دون الله أو يدعو مع الله إلهاً آخر أنه كافر، وأنه ليس بمفلح، أي لن يحصل له مطلوبه ولن ينجو من مرهوبه. وقال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). فالمشرك الداعي لغير الله عز وجل غير مفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو أيضاً سفيه لا أحد أضل منه. فنصيحتي لهؤلاء الذين يزورون هذه المقابر أن تكون زيارتهم على الوجه المشروع: بأن يتعظوا بهذه الزيارة ويتذكروا الآخرة، وأنهم الآن على ظهر الأرض أحياء يأكلون ويشربون ويلبسون و يتمتعون، وعما قريب سوف يكونون في بطن الأرض مرتهنين بأعمالهم، كما كان هؤلاء المقبورون مثلهم بالأمس وهذه حالهم اليوم، ثم يدعون لإخوانهم بما شرع لهم مما ذكرناه آنفاً، وأما أن يتبركوا بالتراب أو أن يدعوا هؤلاء الموتى فهذا ضلال لا أصل له. *** المستمع محمد من إثيوبيا يتطرق إلى الاعتقاد بأهل القبور يقول: تكثر عندنا المعتقدات- يعني: بأهل القبور- وسؤالهم حاجاتهم المهمة، ملتفين حول قبابهم، كطلب الأولاد والغنى. نصيحتكم لهؤلاء بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله : هذه المسألة خطيرة جداً لا أخطر منها فيما أرى؛ لأنها شرك, شرك أكبر مخرج عن الملة، فإن من أتى إلى القبور ودعاهم واستغاث بهم في تفريج الكربات وحصول المطلوبات كان داعياً لغير الله عز وجل، فكان مشركاً في دينه وضالاً في عقله: أما كونه مشركاً في دينه فلأنه عبد مع الله غيره حيث دعاهُ، ودعاء غير الله عبادة له، قال الله عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فأمر الله بالدعاء وجعله عبادة قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فإذا دعا أحداً غير الله فقد عبده فيكون بذلك مشركاً كافراً، وقال عز وجل: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ). فأخبر بأن هذا كافر- أي: من يدعو مع الله إلهاً آخر- وأنه غير مفلح في دعائه، فلم يحصل له مطلوبه، وإن قدر أنه حصل له فإن هذا المطلوب لم يحصل بالدعاء ولكنه حصل عند الدعاء، امتحاناً من الله عز وجل وفتنة واستدراجاً. وأما كون من دعا غير الله تعالى ضالاً في عقله فلأن الله تعالى يقول: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). وفي الآية هذه دليل أيضاً على أن الدعاء عبادة؛ لقوله: (وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ). وإن نصيحتي لهؤلاء أن يرجعوا إلى رشدهم، وأن يفكروا تفكيراً جدياً في هذه المسألة، فالمقبورون هم بالأمس كانوا أحياء مثلهم يعيشون على الأرض ثم ماتوا، فكان أعجز منهم على حصول المطلوب؛ لأن الميت لا حراك به ولا عمل له ولا ثواب له، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). وإنما انقطع عمله لأنه كسب له، ولا يستطيع أن يتكسب، ولا يستطيع أن يجلب خيراً لغيره ولا يدفع ضرّاً عن غيره. فليرجعوا إلى عقولهم، أي: فليرجع هؤلاء الذين يلتفون حول القبور يسألونهم الحوائج ودفع الكربات، لينظروا في أمرهم ويتدبروا بعقولهم وأن ذلك لا يجدي شيئاً، ولماذا لا يرجع هؤلاء إلى البديل الذي هو خير من ذلك والذي به النفع ودفع الضرر وهو الالتجاء إلى الله عز وجل، فيدعون الله عز وجل في صلواتهم وفي خلواتهم؟ فإنه سبحانه وتعالى هو الذي قال في كتابه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ). وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). فلماذا لا يدعون الله عز وجل؟ فليرجعوا عن هذا العمل- أعني: الالتفاف حول القبور ودعاء أصحابها- فيلتفوا حول المساجد ويصلوا مع الجماعة ويدعوا الله سبحانه تعالى وهم سجود، ويدعوا الله تعالى بعد الانتهاء من التشهد وقبل أن يسلموا، ويدعوا الله بين الأذان والإقامة، ويتحروا أوقات الإجابة والأحوال التي يكونون فيها أقرب إلى الإجابة، فيلجؤوا إلى الله تعالى بالدعاء حتى يجدوا الخير والفلاح والسعادة. ***
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 38 | |||
|
![]() 17/ الحلف بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل مصري يقول: الحلف بغير الله هل هو شرك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، لكنه ليس شركاً أكبر مخرجاً من الملة، بل هو شرك أصغر، إلا أن يقع في قلب الحالف بغير الله أن منزلة هذا المحلوف به كمنزلة الله، فحينئذ يكون شركاً أكبر بناء على ما حصل في قلبه من هذه العقيدة، وإلا فمجرد الحلف بغير الله شرك أصغر، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وبهذه المناسبة أود أن أحذر مما وقع فيه كثير من الناس اليوم حيث كانوا يحلفون بالطلاق، فتجد الواحد منهم يقول: علي الطلاق لا أفعل كذا، أو: إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو ما أشبه ذلك. وهذا خلاف الصواب، وأكثر أهل العلم من هذه الأمة من الأئمة وأتباعهم يرون أن الحلف بالطلاق طلاق لا يكفر، ويقولون: إذا قال الرجل: إن فعلت كذا فزوجتي طالق ففعل فإنها تطلق، ولو قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلت فإنها تطلق، سواء نوى التهديد أو نوى الطلاق. هذا هو الذي عليه جمهور الأمة وأئمة الأمة، فالمسألة خطيرة، والتهاون بها إلى هذا الحد: لو أن رجلاً قدم لشخص فنجاناً من الشاي قال: علي الطلاق ما أشربه، ويقول الثاني: علي الطلاق أن تشرب وما أشبه ذلك. لماذا هذا التلاعب بدين الله عز وجل؟ ولو أن أحداً من العلماء الذين يرون أن الطلاق يقع يميناً ويقع طلاقاً- أعني: الطلاق المعلق- لو أن أحداً من أهل العلم قال: أنا أريد أن ألزم الناس بذلك أي بالطلاق؛ لأن الناس تتابعوا فيه فألزمهم كما ألزمهم عمر بالطلاق الثلاث، لو فعل ذلك لكان له وجه؛ لأن الناس كثر منهم هذا, كثر كثرة عظيمة، لو أن العالم الذي يستفتى قارن بين ما يستفتى عنه في مسائل الدين وبين ما يستفتى عنه في هذا الطلاق المعلق لوجد أن استفتاءه في هذا الطلاق المعلق أكثر بكثير من استفتائه في أمور تتعلق بالدين، وأنا أحذر الأزواج من أن يسهل على ألسنتهم هذا الطلاق أو هذا الحلف بالطلاق. *** أحسن الله إليكم أخوكم في الله عبد الله الفلاج من بريدة يقول في هذا السؤال: بعض الناس يحلف بغير الله هل يجوز له هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله محرم ونوع من الشرك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وكان من عادتهم في الجاهلية أنهم يحلفون بآبائهم، ولهذا قال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وجاء عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، ومن حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله) تحقيقاً لتوحيده؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال: واللات- يعني: حلف بهذا الصنم- فليقل: لا إله إلا الله) يعني من حلف بها فليقل: لا إله إلا الله، (ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق)؛ لأن المقامرة حرام من الميسر وأكل المال بالباطل، فليتصدق فليداوِ الداء بما يوافقه من دواء. *** يقول: هل تجوز الاستعانة بغير الله؟ وهل يجوز الحلف بغير الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستعانة بغير الله جائزة إذا كان المستعان ممن يمكنه أن يعين فيما استعين فيه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الصدقات: (وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة). وأما استعانة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز، وهو من الشرك. وأما الحلف بغير الله فهو محرم، بل نوع من الشرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) . *** بارك الله فيكم أيضاً من أسئلة المستمع ع. ع. ب. مصري ومقيم في الرياض يقول: هل يجوز الحلف بغير الله، مثلاً والنبي, عليك الشيخ فلان مثلاً؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله لا يجوز؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك فقال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). بل قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من الشرك حيث قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). فلا يجوز الحلف بالنبي، ولا الحلف بالولي، ولا الحلف بالملك، ولا الحلف بالوطن، ولا الحلف بالقومية، ولا بأي مخلوقٍ كان، إنما يحلف بالله عز وجل وبصفاته سبحانه وتعالى، فيقال: والله العلي العظيم، والله الرحمن الرحيم، ورب الكعبة. أو يقال: وعزة الله، وقدرة الله وما أشبه ذلك من صفاته، فإنه يجوز الحلف به، ومع هذا فإنه لا ينبغي إكثار الحلف؛ لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن معناها على أحد الأقوال أي: لا تكثروا الحلف بالله، ولا سيما إذا كان الحلف عن كذب فإن الأمر في ذلك خطير، فإن الكذب في اليمين إن تضمن أكل مال الغير بغير حق- ومعلومٌ أن الكذب ليس فيه حق- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمينٍ هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئٍ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان). وهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار والعياذ بالله. وينبغي أن يعلم أن الحالف بالله إذا قرن يمينه بمشيئة الله فإنه لا كفارة عليه إذا حنث، مثل أن يقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فإنه إن لم يفعله فلا شيء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه). لذا ينبغي لكل إنسان إذا حلف أن يقرن حلفه بالمشيئة، فإنه يستفيد في ذلك فائدتين: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر وحصول المقصود، والفائدة الثانية: أن لا تلزمه الكفارة فيما لو حنث. ودليل الأمر الأول- أي: تسهيل الأمور إذا قرن الإنسان يمينه بالمشيئة- ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن سليمان عليه الصلاة والسلام قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٍ منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، لم يقل ذلك لقوة عزيمته عليه الصلاة والسلام، فطاف على تسعين امرأة في تلك الليلة، فلم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان)، ليبين الله عز وجل له ولغيره أن الأمر بيده سبحانه وتعالى، وأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يتألى على الله عز وجل. قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله). وأما الثانية- وهي: أنه إذا قال: إن شاء الله فحنث فلا كفارة عليه- فهو ما سُقته آنفاً من قوله عليه الصلاة والسلام: (من حلف على يمينه فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) . *** هل يجوز الحلف بغير الله سبحانه وتعالى؟ فإني أرى بعض الناس يحلفون بالكعبة وبالقرآن وبمحمد، وإذا ناقشتهم في ذلك قالوا: إن الله سبحانه وتعالى قال: (والشمس وضحاها) أو يقولون: إنه قال: (والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى) فما حكم هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله أو صفة من صفاته محرم، وهو نوع من الشرك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وثبت عنه أنه قال: (من قال: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله). وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، وعلى هذا فيحرم على المسلم أن يحلف بغير الله سبحانه وتعالى، لا بالكعبة، ولا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل ولا بميكائيل، ولا بولي من أولياء الله، ولا بخليفة من خلفاء المسلمين، ولا بالشرف ولا بالقومية ولا بالوطنية، كل حلف بغير الله محرم وهو نوع من الشرك والكفر والعياذ بالله. وأما الحلف بالقرآن الذي هو كلام الله فإنه لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، تكلم الله به حقيقة في لفظه مريداً لمعناه، وهو سبحانه وتعالى موصوف بالكلام، فعليه يكون الحلف بالقرآن حلفاً بصفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهو جائز. وأما معارضة من تنصحه عن ذلك بقوله تعالى: (والليل إذا يغشى)، (والشمس وضحاها) وما أشبهها فإن هذا من أعمال أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من وحي الله سبحانه وتعالى فيعارضون به المحكم، فهذا الحلف ربنا سبحانه وتعالى هو الذي حلف به، ولله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته وقدرته، وهو سبحانه وتعالى قد نهانا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن نحلف بغيره، فعلينا أن نمتثل الأمر وليس علينا أن نعارض أمر الله بما تكلم الله به، فإن الله يفعل ما يشاء. *** المستمع صلاح من العراق يقول بأن كثيراً من الناس عندنا في مجتمعنا يحلفون بغير الله، علماً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك). لذا أرجو أن تنصحوا هؤلاء الناس بارك الله فيكم. فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله معصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونوع من الشرك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). فالواجب الحذر من ذلك، وأن يحلف الإنسان بالله إذا أراد أن يحلف, على أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأيمان، من الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن من أحد معانيها: أي لا تكثروا الحلف بالله عز وجل، ولكن ما يجري على اللسان بلا قصد لا يؤاخذ عليه الإنسان؛ لقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ). وقوله في آية أخرى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم) وعلى من حلف بغير الله أن يتوب إلى الله ويستغفره، وألا يعود إلى مثل ما جرى منه. *** من الأردن السائل فخري أ. أ. يقول أسأل عن حكم الحلف يقول: وحياة الله لأعملن كذا فهل في هذا شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بحياة الله حلفٌ صحيح؛ لأن الحلف يكون بالله أو بأي اسمٍ من أسماء الله أو بصفةٍ من صفات الله، والحياة صفةٌ من صفات الله، فإذا قال: وحياة الله لأفعلن كذا وكذا كان يميناً منعقدةً جائزة. وأما إذا حلف بحياة النبي أو بحياة الولي أو بحياة الخليفة أو بحياة أي معظم سوى الله عز وجل فإن ذلك من الشرك، وفيه معصية لله عز وجل ورسوله، وفيه إثم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).وإنا نسمع كثيراً من الناس يقول: والنبي لأفعلن كذا، وحياة النبي لأفعلن كذا، ويدعي أن هذا مما يجري على لسانه بلا قصد. فنقول: حتى في هذه الحال عود لسانك أن لا تحلف إلا بالله عز وجل، واحبس نفسك عن الحلف بغير الله. ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أبين لإخواني المستمعين أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر الأيمان؛ لأن بعض أهل العلم فسر قول الله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) بأن المراد لا تكثروا الحلف، وإذا قدر أن الإنسان حلف على شيء مستقبل فليقل: إن شاء الله؛ لأنه إذا قال: إن شاء الله كان في ذلك فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: أن هذا من أسباب تيسير الأمر الذي حلف عليه وحصول مقصوده، والثانية: أنه لو لم يفعل فلا كفارة عليه. ودليل ذلك قصة سليمان النبي عليه الصلاة والسلام حين قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٌ منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله فلم يقل اعتماداً على ما في نفسه من اليقين، فطاف على تسعين امرأة فلم تلد إلا واحدةٌ منهن شق إنسان، أي: نصف إنسان. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته). وأما الفائدة الثانية- وهي: أنه لو لم يفعل لم يحنث، يعني لو حلف أن يفعل شيئاً فلم يفعل وقد قال: إن شاء الله- فإنه لا حنث عليه، أي: لا كفارة عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف فقال إن شاء الله فلا حنث عليه). *** هذا سائل من الرياض يقول: يا فضيلة الشيخ ما حكم الحلف بالنبي أو الأمانة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نوعٌ من الشرك؛ لأن الحلف تأكيد الشيء بذكرِ معظم، فكأن الحالف يقول: أؤكد هذا الشيء كما أعظم هذا المحلوف به، ولذلك كان القسم خاصاً بالله عز وجل، فلا يجوز أن تحلفوا بالنبي ولا بجبريل ولا بالأولاد ولا بغير ذلك من مخلوقات الله تبارك وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). الحلف بالأمانة كذلك لا يجوز؛ لأنه حلفٌ بغير الله، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بالأمانة فليس منا). لكن أحياناً يقول الإنسان: بأمانتي، ويقصد بذلك العهد والذمة ولا يقصد اليمين، فيقول: بأمانتي لأوفين لك، أو: بذمتي لأوفين لك، والمقصود بذلك الالتزام لا تعظيم الأمانة ولا تعظيم الذمة، فهذا لا ينهى عنه إلا احتياطاً، خوفاً من أن يقتدي به من يحلف بالأمانة أو الذمة. والذي أعرف من أصل العوام في قولهم: بذمتي لأفعلن كذا، أنهم يريدون بذلك العهد لا الحلف بالذمة. *** هذا السائل أحمد عيسى من اليمن يقول: ما حكم من قال هذه العبارة: (والنبي) ويعني بها الوجاهه أو ما يشبه ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال الإنسان: والنبي لأفعلن كذا، أو: والنبي لقد كان كذا، فهذا حلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو محرم، بل هو من الشرك الأصغر, بل من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بالنبي صلى الله عليه وسلم أن للنبي صلى الله عليه وسلم منزلة كمنزلة الرب عز وجل، فإنه في هذا يكون مشركاً شركاً أكبر مخرجاً عن الملة. فالواجب الحذر من الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم والبعد عنه؛ لأن هذا- أعني: البعد عن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم- هو عنوان تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، فتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بمعصية الرسول، وتعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام لا يأتي بأن يبتدع الإنسان في دين الله ما ليس منه، إن تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام هو أن يلتزم العبد شريعته اتباعاً للمأمور، وتركاً للمحظور، أما أن يبتدع في دين الله ما ليس منه، أما أن يأتي بما فيه معصية الرسول عليه الصلاة والسلام فقد كَذَبَ فيما ادعاه من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، كذب لأنه خالف الرسول، والمحب للرسول لا يخالفه، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). *** بعض الأشخاص الذين يحلفون بالنبي صلى الله عليه وسلم وينهون عن ذلك يقولون: نحن لا نقصد اليمين ولكن هذا جرى على اللسان مجرى العادة. فما الحكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لابد قبل الجواب أن نفهم أن الحلف بغير الله شرك، سواء كان بالنبي أو بملك من الملائكة أو بولي من الأولياء، أو بالآباء أو بالأمهات، أو بالرؤساء أو بالأوطان، أو بأي مخلوق كان. الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). فمن حلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهيناه عن ذلك لأنه أتى ما هو شرك، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، فننكر عليه ما ظهر لنا من مخالفته، فإذا ادعى أنه لم يقصد اليمين وإنما جرى ذلك على لسانه قلنا له: عود لسانك على أن يجري على الحلف بالله عز وجل، لا بالنبي ولا بغيره. وهو إذا خطم نفسه عما كان يعتاده من الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم عود نفسه على الحلف بالله، وصدق الله عز وجل في نيته وعزيمته يسر الله له التحول من الحلف بالنبي إلى الحلف بالله سبحانه وتعالى. ثم إننا نقول: لا ينبغي للإنسان كثرة الحلف، فإن الله تعالى يقول: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) قال بعض العلماء في تفسيرها: أي لا تكثروا الحلف بالله. فليكن الإنسان دائماً محترزاً من الحلف بالله إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو الضرورة فلا بأس، أما كونه لا يقول كلمة لا يخبر خبراً من الأخبار إلا حلف عليه، أو لا يريد شيئاً إلا حلف عليه، فإن هذا ربما يؤدي إلى شك الناس في أخباره حيث لا يخبرهم بشيء إلا حلف. فنقول لهذا السائل: امتنع عن الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو كنت لا تريد اليمين وإنما جرى على لسانك، ثم عود لسانك أن تحلف بالله إذا دعت الحاجة إلى الحلف بالله . ثم إني أيضاً أنصح من أراد الحلف بالله عز وجل أن يقرن يمينه بمشيئة الله فيقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا؛ لأنه إذا قرن يمينه بالمشيئة حصلت له فائدتان: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر أمامه، والفائدة الثانية: أنه إذا حنث ولم يفعل فلا كفارة عليه. وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (أخبر أن نبي الله سليمان بن داود قال يوماً: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، اعتماداً على ما في قلبه من العزيمة، فطاف على تسعين امرأة أي جامعها فلم تلد واحدة منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان، أي: نصف إنسان. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لو قال: إن شاء الله لكان دركاً لحاجته، أو قال: لم يحنث، ولقاتلوا في سبيل الله). فانظر كيف قال النبي عليه الصلاة والسلام: إنه لم يحنث لو قال: إن شاء الله، وإنهم يقاتلون في سبيل الله. فعود أيها الأخ المستمع عود لسانك إذا حلفت أن تقول: إن شاء الله؛ لتحصل على هاتين الفائدتين، أولاهما: تيسير الأمر، والثانية: أنك لو حنثت فلا كفارة عليك. *** المستمع من جمهورية مصر العربية يقول: اعتاد بعض الناس عندنا في مصر الحلف بالنبي في معاملاتهم، وأصبح الأمر عادياً، فعندما نصحت أحد هؤلاء الذين يحلفون بالنبي أجابني بأن هذا تعظيم للرسول وأن هذا ليس فيه شيء, فما الحكم الشرعي في نظركم يا شيخ محمد ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من المخلوقين أو بصفة النبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره من المخلوقين محرم، بل هو نوع من الشرك، فإذا أقسم أحد بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: والنبي، أو: والرسول، أو أقسم بالكعبة، أو أقسم بجبريل أو بإسرافيل، أو أقسم بغير هؤلاء فقد عصى الله ورسوله ووقع في الشرك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحف بالله أو ليصمت). وقال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). وقول الحالف بالنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، جوابه أن نقول: هذا النوع من التعظيم نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وبين أنه نوع من الشرك، فتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بالابتعاد عنه؛ لأن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون في مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، بل تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بامتثال أمره واجتناب نهيه، كما أن امتثال أمره واجتناب نهيه يدل على محبته صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله تعالى في قوم ادَّعوا محبة الله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ). فإذا أردت أن تعظم النبي صلى الله عليه وسلم التعظيم الذي يستحقه عليه الصلاة والسلام فامتثل أمره واجتنب نهيه في كل ما تقول وتفعل، وبذلك تكون معظماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فنصيحتي لإخواني الذين يكثرون من الحلف بغير الله، بل الذين يحلفون بغير الله، نصيحتي لهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن لا يحلفوا بأحد سوى الله سبحانه وتعالى، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (من كان حالفاً فليحلف بالله )،وابتغاء مرضاة الله، واتقاء من الوقوع في الشرك الذي دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ***
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 39 | |||
|
![]() 18/ القبور هذا السائل من السودان محافظة محوستي بدأ الرسالة بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). يقول في بداية سؤاله: على مشارف الإسلام وبين يدي معارفكم أريد أن تفتوني في هذا السؤال، وهو عن الحكم الشرعي عن زيارة القبور عامة، والتبرك بها من قبور الأولياء والصالحين خاصة، هل في ذلك حرمة؟ وهل هناك دليل من القرآن والسنة؟ نرجو التوجيه حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة القبور للرجال سنة فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بها، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حرمها من قبل، ولكنه أمر بها في ثاني الحال، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة-وفي لفظ:-فإنها تذكر الموت). والسنة للزائر أن يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. وله أن يزور قبراً خاصّاً من أقاربه أو نحوهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له تبارك وتعالى، واستأذن من الله أن يستغفر لها فلم يأذن له. وأما التبرك بالقبور فإنه محرم وبدعة منكرة، والقبور ليس في ترابها شيء من البركة؛ لأنه تراب معتاد دفن فيه هذا الرجل، ولم يكن لهذا المكان الذي دفن فيه مزية على غيره من الأمكنة مهما كان الرجل. وعلى هذا فلا يجوز التبرك بتراب هذه الأضرحة، ولا يجوز أيضاً دعاء صاحب القبر، بل إن دعاء صاحب القبر والاستغاثة به والاستنجاد به من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، وهؤلاء الأموات محتاجون إلينا ولسنا محتاجين لهم، هم محتاجون إلينا أن ندعو لهم وأن نستغفر لهم؛ لأنهم ينتفعون بالدعاء وبالاستغفار لهم، وأما نحن فلسنا محتاجين إليهم إطلاقاً، وإنما حاجتنا إلى الله تعالى وحده. ولا فرق بين أن يكون القبر قبر عامي عادي، أو قبر من يُظن أنه ولي صالح، الكل سواء، حتى تربة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز التبرك بها؛ لأنها تراب كغيرها من الأتربة. نعم الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أن الله تعالى شرف المكان بدفنه فيه، لكن ليس معنى ذلك أن هذا المكان المعين يتبرك به إطلاقاً، حتى الحجر الأسود لا يتبرك به؛ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبله وقال: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). وهذه نقطة مهمة يجب على المسلمين أن يعلموها: أنه لا بركة في الأحجار أبداً مهما كانت، ولكن بعض الأحجار يتعبد الإنسان لله تعالى بها كالحجر الأسود، وليس ثمة في الدنيا حجر يتقرب إلى الله تعالى بتقبيله أو مسحه إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يمسح ولكنه لا يقبل. ثم إني أنصح إخواني الذين يذهبون إلى هذه الأضرحة أن يكفوا عنها، وأن يجعلوها كغيرها من القبور، يدعون الله تعالى لمن فيها ولا يدعونهم، ويسألون لهم العافية ولا يسألون منهم العافية؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً، إذا كان هذا الميت لو كان حيّاً ما نفعك إلا بما يستطيع من المنفعة، كمعونتك على تحميل العفش في السيارة وما أشبه ذلك فكيف ينفعك وهو هامد؟ أرأيت لو أتيت إلى شخص أشل لا يستطيع التحرك هل يمكن أن تستعينه على شيء؟ لا يمكن، وإذا كان حياً لا يستعان به لأنه لا يعين، فكيف إذا كان ميتاً؟ لكن المشكل أن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله، وقد قال الله عز وجل في كتابه: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) . *** يقول السائل: الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين وطلب الحاجات منهم منتشر في بلاد المسلمين وللأسف الشديد، فهل من كلمة نحو هذه البدعة؟ وجزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: هذه البدعة التي ذكرها السائل- وهي: الدعاء عند القبور، أو طلب أصحاب القبور قضاء الحاجات- بدعةٌ عظيمة منكرة. أما الدعاء عند القبور فإنها بدعة، لكنها لا تصل إلى حد الكفر إذا كان الإنسان يدعو الله عز وجل لكن يعتقد أن دعاءه في هذا المكان أفضل من غيره. وأما دعاء أصحاب القبور وطلب الحوائج منهم فهذا كفرٌ مخرجٌ عن الملة، فيجب على الطائفتين- أي: التي تدعو الأموات، أو التي تدعو الله عند قبور الأموات- أن يكفوا عن هذا الأمر، وأفضل مكان للدعاء هو المساجد، وكذلك أفضل حالاتٍ للدعاء أن يكون الإنسان ساجداً، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الدعاء حال السجود، فقال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) . *** هل تجوز زيارة الأضرحة إذا كنت معتقداً أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن اعتقادي في ذلك في الله وحده؟ ولكن لما سمعناه من أن هذه الأمكنة طاهرة ويستجيب الله لمن دعا فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة الأضرحة يعني القبور سنة، لكنها ليست لدفع حاجة الزائر وإنما هي لمصلحة المزور، أولاتعاظ الزائر بهؤلاء، وليست لدفع حاجاته أو حصول مطلوباته، فزيارة القبور اتعاظاً وتذكراً بالآخرة، وأن هؤلاء القوم الذين كانوا بالأمس على ظهر الأرض يأكلون كما نأكل ويشربون كما نشرب ويلبسون كما نلبس ويسكنون كما نسكن, الآن هم رهن أعمالهم في قبورهم، فإذا زار الإنسان المقبرة لهذا الغرض للاتعاظ والتذكر، وكذلك للدعاء لهم كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لهم إذا زارهم: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية). فهذه زيارة شرعية مطلوبة ينبغي للرجال أن يقوموا بها، سواء كان ذلك في النهار أو في الليل. وأما زيارة القبور للتبرك بها واعتقاد أن الدعاء عندها مجاب فإن هذا بدعة وحرام ولا يجوز؛ لأن ذلك لم يثبت لا في القرآن ولا في السنة أن محل القبور أطيب وأعظم بركة وأقرب لإجابة الدعاء، وعلى هذا فلا يجوز قصد القبور بهذا الغرض. ولا ريب أن المساجد خير من المقبرة، وأقرب إلى إجابة الدعاء، وإلى حضور القلب وخشوعه. *** فضيلة الشيخ في زماننا هذا كثرت الشركيات، وكثر التقرب إلى القبور والنذور لها والذبح عندها. كيف يصحح المسلم هذه العقيدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً ندعي هذا السائل بصحة دعواه, أنا في ظني أن هذا الوقت هو وقت الوعي العقلي وليس الشرعي، الوعي العقلي قلَّ الذين يذهبون إلى القبور من أجل أن يسألوها أو يتبركوا بها، إلا الهمج الرعاع هؤلاء من الأصل. فعندي أن الناس الآن استنارت عقولهم الإدراكية لا الرشدية، فالشرك في القبور وشبهها في ظني بأنه قليل، لكن هناك شركٌ آخر، وهو: محبة الدنيا والانهماك فيها والانكباب عليها، فإن هذا نوعٌ من الشرك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة). فسمى النبي صلى الله عليه وسلم من شغف بهذه الأشياء الأربعة سماه عبداً لها، فهي معبودةٌ له، أصبح الناس اليوم على انكبابٍ بالغ على الدنيا، حتى الذين عندهم شيء من التمسك بالدين تجدهم مالوا جداً إلى الدنيا، ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم). هذا هو الذي يخشى منه اليوم، ولهذا تجد الناس أكثر عملهم على الرفاهية: وهذا فيه ترفيه، وهذا فيه نمو الاقتصاد، وهذا فيه كذا وهذا فيه كذا، قلَّ من يقول: هذا فيه نمو الدين، هذا فيه كثرة العلم الشرعي، هذا فيه كثرة العبادة، قل من يقول هذا. فهذا هو الذي يخشى منه اليوم، أما مسألة القبور ففي ظني أنها في طريقها إلى الزوال، سواءٌ من أجل الدنيا أو من أجل الدين الصحيح. *** يقول رفعت علي محمد السيد: عندنا في مصر المساجد التي توجد عليها وفيها الأضرحة، موجودة فيها بدع ومنكرات، ويقيمون عليها السرج، ويتخذون حولها المعازف والغناء، وبعض ألوان الدجل مثل السحر، وترتكب فيها بعض المنكرات، ومثل بضريح السيد البدوي بطنطا وغيرها في أنحاء الجمهورية، غير أنهم لا يؤدون الصلاة فيها على حقها الأوفى والوجه الأكمل. أفيدونا أفادكم الله عن ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى:فإن بناء المساجد على القبور محرم لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله، لعن ذلك وهو في النزع عليه الصلاة والسلام حيث قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). فبناء المساجد على القبور هو من فعل اليهود والنصارى، وهو من موجبات لعنة الله تبارك وتعالى، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدم هذا المسجد، ولا تصح الصلاة فيه، ولا يجوز للإنسان أن يقصده للتعبد فيه، أو لاعتقاد أن إجابة الدعاء هناك أحرى من إجابتها في المساجد الخالية من القبور. وكذلك أيضاً لا يجوز أن يدفن ميت في مسجد قد بني من قبل، فإن دفن ميت في مسجد قد بُني من قبل فإنه يجب نبشه وإخراجه ودفنه مع المسلمين إن كان من المسلمين، أو مع غير المسلمين إن كان من غير المسلمين. والمهم أنه لا يجوز أن يوضع القبر في المسجد، ولا أن يبنى مسجد على قبر، ولا يجوز أيضاً أن يعتقد المرء أن هذه المساجد المبنية على القبور أفضل من غيرها، بل هي مساجد باطلة شرعاً يجب هدمها والقضاء عليها. ولا فرق بين أن تكون هذه المساجد مبنية على من يُدعى أنهم أولياء، أو على أناس عاديين، فإن الحكم لا يختلف بين هذا وهذا، والواجب على المسلمين عموماً أن يقوموا لله تبارك وتعالى مخلصين له الدين، متبعين لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المتقين. *** يقول السائل إدريس من السودان: بماذا تنصحون أهلي يا فضيلة الشيخ؟ فجميعهم يزورون القبور ويأخذون منها التراب ويدَّعون بأن فيها بركة، فماذا يجب علي في هذه الحالة؟ هل أقطعهم؟ وماذا أستطيع فعله في أعمالهم هذه؟ هل أقوم بنصحهم؟ ونحن لم نعرف أن هذه الأشياء محرمة إلا بعد أن سمعنا برنامج نورٌ على الدرب. فنرجو منكم التوجيه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوجيه هو أنه يجب عليك مناصحتهم وبيان أن هذا ليس فيه خير وليس فيه بركة؛ لأن الله تعالى لم يجعل فيه بركةً يتبرك بها الناس. وليعلم أن الإنسان قد يفتتن، أو قد يفتنه الله عز وجل، فيأخذ من هذا التراب ويسقيه المريض أو يدهنه به فيشفى بإذن الله، فتنةً لهذا الفاعل، ويكون الشفاء عند هذا الفعل وليس بهذا الفعل، أي ليس الفعل سبباً ولكن حصل الشفاء عنده بإذن الله تعالى فتنةً واختباراً، فإن الله سبحانه وتعالى قد يفتن الإنسان بما يجعله يفعل المعصية؛ ليعلم عز وجل من الصادق في إيمانه ومن المتبع لهواه. والمهم أن عليك أن تنصح أهلك عما يفعلونه، وأن تبين لهم أن هذا أمرٌ لا حقيقة له، وأنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن تراب الأموات يتبرك به. *** هذا سؤال من المستمع يحيي عبد القادر يمني الجنسية يقول: يوجد مسجد في قرية وكان قبل فترة في هذا المسجد قبر وهو مبني عليه بالإسمنت، ويبلغ ارتفاعه نصف متر، وكان بعض الرجال ومن النساء أيضاً إذا جاء عشية الجمعة يزورون هذا القبر ويصبون فوقه من الطين، ويقولون: إنه ولي من أولياء الله. ونحن نقول لهم: إن هذا حرام وشرك. وبعد فترة عزلوا القبر وما فيه إلى جوار المسجد في حجرة بجانب المسجد، ووضعوا العظام في تلك الحجرة، وأصلحوا القبر بالإسمنت بارتفاع نصف متر، ووضعوا لها باباً من الحديد. فما حكم فعلهم هذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: المساجد التي فيها قبور لا يخلو أمرها من حالين: الحال الأولى: أن تكون المساجد سابقة على القبر، بمعنى: أن المسجد قد بني ثم يدفن فيه ميت بعد بنائه، فهذا يجب أن ينبش القبر ويدفن الميت خارج المسجد في المقابر. والحال الثانية: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بمعنى: أنه يكون قبراً ثم يبنى عليه مسجد، وفي هذه الحال يجب أن يهدم المسجد؛ لأنه محرم في هذه الحال، وما كان محرماً فإنه لا يجوز إقراره، فيجب أن يهدم المسجد ويبقى القبر في مكانه، لكن لا يجوز أن يكون القبر على ما وصف السائل مرفوعاً مزخرفاً مبنياً بالإسمنت؛ لأن هذا من تعظيم القبور وإشرافها، وقد قال علي لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته). وكذلك أيضاً من المنكر أن يصب عليه الطين، أو توضع عليه الزهور، أو يتبرك بترابه، أو نحو ذلك من الأمور المنكرة التي تكون وسيلة إلى الشرك، فإن وسائل الأمور تلحق بغاياتها، بمعنى: أنها تكون محرمة، وإن كانت لا تساويها في مقدار الإثم وفي الحكم، لكنه لا شك أن وسائل المحرم محرمة يجب البعد عنها. والله أعلم. *** هذه رسالة وصلت من المستمع وليد عيسى سوري مقيم بالدمام يقول: جرت العادة كما شاهدت في بلادنا أن من الناس من ينذرون بإضاءة المقامات بالشمع، مثل مقام قبور الأنبياء، مثل النبي صالح عليه السلام والنبي موسى، ومقامات بعض الأولياء في بعض المناسبات أو عندما ينذرون نذورهم، كأن يقول إنسان أو شخص: إذا رزقت بولد إن شاء الله سوف أضيء المقام الفلاني مدة أسبوع مثلاً، أو أذبح لوجه الله ذبيحة عند المقام الفلاني. فهل تجوز مثل هذه النذور؟ وهل إنارة المقام بالشمع أو بالزيت جائزة؟ وعادة ما تكون هذه الأيام التي يضيئون بها هي أيام الاثنين والخميس ليلة الجمعة. فهل هذا ورد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنه بدعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إضاءة المقامات- يعني: مقامات الأولياء والأنبياء كالتي يريد بها السائل قبورهم- هذه الإضاءة محرمة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعليه، فلا يجوز أن تضاء هذه القبور لا في ليالي الاثنين ولا في غيرها، وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فإذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر في أي ليلة أو في أي يوم فإن نذره محرم، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه). فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر,ولكن هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب ؟محل خلاف بين أهل العلم، والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر. وأما تعداده لقبور بعض الأنبياء، مثل: قبر صالح وموسى فإنه لا يصح أي قبر من قبور الأنبياء، إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأنبياء لا تعلم قبورهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قبر موسى: (إنه كان عند الكثيب الأحمر قريباً من البلاد المقدسة. قال: ولو كنت ثمة لأريتكم إياه). وليس معلوماً مكانه الآن، وكذلك قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، وكذلك بقية الأنبياء لا يعلم مكان قبورهم، إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإن مكان قبره معلوم: دفن في بيته في حجرة عائشة رضي الله عنها. وعلى هذا فنقول للأخ: لا يجوز لك أن تضيء هذه القبور لا بنذر ولا بغير نذر، وأقبح من ذلك الذبح عندها، فإن الذبح عندها أعظم من إسراجها، لا سيما إن قصد بالذبح التقرب إلى صاحب هذا القبر، فإنه إذا قصد ذلك صار مشركاً شركاً أكبر مخرجاً عن الملة؛ لأن الذبح من عبادة الله عز وجل، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر مخرج عن الملة. *** هذه رسالة وصلت من المستمع للبرنامج الطيب محمد يقول في سؤاله: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في الذين يذهبون إلى أصحاب القبور والأضرحة يسألونهم تفريج الكربات وإعطاء الذرية وتيسير الحياة؟ وهم يقومون بذبح الذبائح وتقديم الأموال للسدنة، فإذا سألناهم: لماذا تفعلون هذا؟ يقولون: لأن هؤلاء أولياء ومقربون إلى الله من غيرهم. فأرجو الإفادة جزاكم الله خيراً فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال من ناحيتين: الناحية الأولى: إثبات أن هؤلاء المقبورين من أولياء الله، فإنه لا يعلم هل هم من أولياء الله أو من أولياء الشيطان؟ لأن أولياء الله وصفهم الله تعالى بوصف من خرج عنه فليس من أولياء الله، فقال الله سبحانه وتعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). فلا نعلم حال هؤلاء المقبورين أهم متصفون بالإيمان والتقوى أم ليسوا متصفين بذلك؟ هذه واحدة، وعلى فرض أن يكونوا من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون فإنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، بل هم جثث هامدة لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم هوام القبور فضلاً عن أن يدفعوا عن غيرهم المكاره والشرور، أو يجلبوا لغيرهم الخيرات والسرور، وقد قال الله تبارك وتعالى في كتابه: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ). وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ). وإذا كان أشرف الخلق وإمام الأولياء والمتقين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمره الله تعالى أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً* قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً).فنقول لهؤلاء الذين يدعون هؤلاء الأموات ويستغيثون بهم: إنكم ضالون ولا أحد أضل منكم؛ لأنكم تدعون من دون الله من لا يستجيب لكم إلى يوم القيامة، ونقول لهم: إنكم بدعائكم هؤلاء الأموات- وإن كانوا أولياء في اعتقادكم- أشركتم بالله عز وجل، فإن من دعا غير الله أو استغاث به فيما لايقدر عليه فإنه يكون مشركاً بالله عز وجل، وهؤلاء الذين في القبور لا يقدرون أن يغيثوكم بشيء، ولا يقدرون أن يدفعوا عنكم شراً، ولا أن يجلبوا لكم نفعاً، فعلى هؤلاء الذين يذهبون إلى القبور أن يتوبوا إلى الله، وأن يرجعوا إلى ربهم، وأن ينزّلوا حاجاتهم بالله، فإن الله تعالى هو الذي قال في كتابه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). فالله تعالى هو المرجو لكشف السوء، وهو المدعو لطلب الخير، قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ). فلا يقدر أحد على كشف السوء ولا على إجابة الداعي إلا الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، فنصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل، وأن يقلعوا عما هم عليه من دعوة الأموات والاستغاثة بهم، حتى يحققوا بذلك التوحيد، وليعلموا أن من أشرك بالله فإن الله تعالى لا يغفر له ذنبه، كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . *** جامع فيه ولي، ويقوم مجموعة بزيارته ويقدمون الشمع له والسمن إذا مرض أحد الأطفال، وقد قمت بنصحهم على ترك ذلك المنكر لكنهم لم يستجيبوا لي، وقد قالوا: إنه يشفي المريض. فماذا نفعل؟ انصحونا مأجورين. فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال ليس بواضح، هل هذا الولي حي؟ أو المراد قبر ولي؟ فإن كان المراد قبر ولي فلا شك أن عملهم هذا منكر، وأن الميت لا يفيد أحداً شيئاً، ويجب عليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يطلبوا الشفاء منه لا من أصحاب القبور. وأما إذا كان حياً وأُوتي إليه بشيء يقرأ فيه ويدهن به المريض أو يشربه إن كان مما يشرب فإن هذا لا بأس به، ولكن يجب علينا أن نفهم من هو الولي؟ الولي من كان مؤمناً بالله متقياً لمحارم الله؛ لقوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ). فكل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً، ولا تُنال الولاية بالدعوى والتمسكن والتطامن كما يدعيه بعض الناس الذين يغرون العامة، فيتظاهرون بمظهر الأولياء وقد يكونون من الأعداء، وتعينهم الشياطين على مرادهم، فيظن العامة أن ما حصل كرامة وهو في الحقيقة إهانة. لذلك يجب علينا أن نحذر أمثال هؤلاء الأدعياء، وألا نغتر بظاهرهم وتمسكنهم؛ لأنهم يخدعون العامة بهذا المظهر. *** المستمع محمد الجزار مصري مقيم بالعراق بغداد يقول في رسالته: ما حكم الشرع يا فضيلة الشيخ في مسجد بداخله مقام ولي من الأولياء ويصلى في هذا المسجد؟ وهل الصلاة في هذه الحالة تعتبر باطلة أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء. فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال ذلك تحذيراً مما صنعوا، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا القبور مساجد، سواء كانت تلك القبور قبور أولياء أم كانت قبور صالحين لم يصلوا إلى حد الولاية في زعم من اتخذ هذه المساجد عليها، فإن فعلوا بأن بنوا مسجداً على قبر من يرونه ولياً أو صالحاً فإنه يجب أن يهدم هذا المسجد؛ لأنه مسجد محرم؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد. أما إذا كان القبر بعد المسجد بأن أسس المسجد أولاً ثم دفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش هذا الميت ويدفن في المقابر، ولا يحل إبقاؤه في المسجد؛ لأن المسجد تعيَّن للصلاة فيه فلا يجوز أن يتخذ مقبرة، هذا هو الحكم في هذه المسألة. وبقي لي تنبيه على صيغة السؤال الذي سأله السائل، وهو قوله: ما حكم الشرع في كذا وكذا؟ فإن هذا على الإطلاق لا يوجه إلى رجل من الناس يخطئ ويصيب؛ لأنه إذا أخطأ نسب خطؤه إلى الشرع حيث إنه يجيب باسم الشرع باعتبار سؤال السائل، ولكن يقيد إذا جاءت الصيغة هكذا فيقال: ما حكم الشرع في نظركم في رأيكم؟ وما أشبه ذلك، أو يقول صيغة ثانية: ما رأيكم في كذا وكذا؟ حتى لا ينسب الخطأ إذا أخطأ المجيب إلى شريعة الله عز وجل، وهذا يرد كثيراً في الأسئلة الموجهة إلى أهل العلم، ويرد أحياناً في الكتب المؤلفة، فتجد الكاتب يقول: نظر الشرع كذا وكذا، حكم الإسلام كذا وكذا، مع أنه إنما هو عنده فقط وحسب اجتهاده، وقد يكون صواباً وقد يكون خطأ، أما إذا كان الأمر أو إذا كان الحكم حكماً منصوصاً عليه في القرآن واضحاً فلا حرج أن تقول: حكم الشرع الحكم كذا وكذا، كما لو قلت: حكم الإسلام في الميتة أنها حرام؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة). حكم الإسلام في نكاح الأم والبنت التحريم؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) وما أشبه ذلك. وهذه المسألة ينبغي التفطن لها عند توجيه الأسئلة إلى أهل العلم، وعند كتابة الأحكام في المؤلفات، وكذلك في الخطب والمواعظ: أن لا ينسب إلى الإسلام شيء إلا إذا كان منصوصاً عليه نصاً صريحاً بيناً، وإلا فيقالُ: فيما أرى، أو يقول: يحرم كذا مثلاً، أو: يجوز كذا بدون أن يقول: إن هذا حكم الإسلام؛ لأنه قد يخطئ فيه. ولهذا كان بعض أهل العلم، بل كان بعض الأئمة من سلف هذه الأمة يحترزون من إطلاق التحريم على شيء لم ينص على تحريمه، وهذا كثير في عبارات الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، يقول: أكره هذا، أو لا يعجبني، أو: لا أراه، أو: هو قبيح، أو ما أشبه ذلك، تحرزاً من أن يطلق التحريم على شيء ليس في الشرع ما يدل على التحريم فيه على وجه صريح. *** هل يجوز الصلاة في مساجد وفيها قبور بعض الصالحين والأولياء، كما في الحضرة وعلي الهادي، والغيبة، أو في سيدنا الزبير، وهل يعتبر شركاً بالله هذا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولاً يجب أن نعرف أن بناء المساجد على القبور حرام، ولا يصح، يعني: لا يجوز لأحد من ولاة الأمور وغير ولاة الأمور أن يبني المساجد على القبور؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. فإذا كانت اللعنة قد وجبت لمن بنى مسجداً على قبر نبي، فما بالك بمن بنى مسجداً على من هو دون النبي، بل على أمر قد يكون موهوماً لا محققاً، كما يقال في بعض المساجد التي بنيت على الحسين بن علي رضي الله عنه، فإنها قد تكون في العراق وفي الشام وفي مصر، ولا أدري كيف كان الحسين رضي الله عنه رجلاً واحداً ويدفن في ثلاثة مواضع، هذا شيء ليس بمعقول، فالحسين بن علي رضي الله عنه الذي تقتضيه الحال أنه دفن في المكان الذي قتل فيه، وأن قبره سيكون مُخفَىً خوفاً عليه من الأعداء، كما أخفي قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما دفن في قصر الإمارة بالكوفة، خوفاً من الخوارج، لهذا نرى أن هذه المساجد التي يقال: إنها مبنية على قبور بعض الأولياء، نرى أنه يجب التحقق هل هذا حقيقة أم لا؟ فإذا كان حقيقة فإن الواجب أن تهدم هذه المساجد وأن تبنى بعيداً عن القبور، وإذا لم تكن حقيقة وأنه ليس فيها قبر، فإنه يجب أن يبصر المسلمون، بأنه ليس فيها قبور، وأنها خالية منها حتى يؤدوا الصلاة فيها على الوجه المطلوب، وأما اعتقاد بعض العامة أنهم إذا صلوا إلى جانب قبر ولي أو نبي أن ذلك يكون سبباً لقبول صلاتهم وكثرة ثوابهم فإن هذا وهْمٌ خاطئ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور فقال: (لا تصلوا إلى القبور). وكذلك قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام). فالقبور ليست مكاناً للصلاة، ولا يجوز أن يصلى حول القبر أبداً إلا صلاة القبر على صاحب القبر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على القبر، على كل حال نقول هذه المساجد إن كانت مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب هدمها وبناؤها في مكان ليس فيه قبر، وإن لم تكن مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب أن يبصر المسلمون بذلك، وأن يبين لهم أن هذا لا حقيقة له، وأنه ليس فيه قبر فلان ولا فلان، حتى يعبدوا الله تعالى في أماكن عبادته وهم مطمئنون، أما الصلاة في هذه المساجد: فإن كان الإنسان يعتقد أنها وَهْم وأنه لا حقيقة لكون القبر فيها فالصلاة فيها صحيحة، وإن كان يعتقد أن فيها قبراً، فإن كان القبر في قبلته فقد صلى إلى القبر، والصلاة إلى القبر لا تصح للنهي عنه، وإن كان القبر خلفه أو يمينه أو شماله فهذا محل نظر. *** يقول: ما حكم بناء المساجد على قبور الأولياء؟ جزاكم الله خير الجزاء. فأجاب رحمه الله تعالى: حكمها أنها محرمة، ولا يجوز بناء المساجد على القبور قبور الأولياء ولا غيرهم، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدمه وإزالته. *** محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يقول: إن الله سبحانه وتعالى يخاطب المؤمنين بتجنب اتخاذ القبور مساجد، فنرى بعض المساجد مبنية فوق قبور الأنبياء والمشايخ السابقين في الإسلام، فهل يجوز هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من صيغة السؤال أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد جاء في القرآن؛ لأنه قال: إن الله يخاطب المؤمنين بتجنب، فظاهر سؤاله أن ذلك في القرآن، والأمر ليس كما ظن إن كان قد ظنه، فهذا ليس في القرآن، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتخذين القبور مساجد، فجاء ذلك في السنة. ولا شك أن اتخاذ القبور مساجد من كبائر الذنوب، ولكن إذا وجد قبر في مسجد: فإذا كان المسجد مبنياً على القبر وجب هدمه وإزالته، وإن كان القبر موضوعاً في المسجد بعد بنائه وجب إخراجه من المسجد، فإذاً الحكم للأول منهما إن كان الأول هو المسجد فإنه يزال القبر، وإن كان الأول القبر فإنه يهدم المسجد، ولا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا يجوز دفن الموتى في المساجد، ولا يرد على هذا ما استشكله كثير من الناس بالنسبة لقبر النبي صلى اللهعليه وسلم وقبري صاحبيه الموجودين في المسجد النبوي، وذلك لأن المسجد لم يُبنَ عليهما، المسجد كان مستقلاً، وهذه كانت حجرة لعائشة رضي الله عنها دفن فيها النبي صلى اللهعليه وسلم حيث قبض، واختار أبو بكر أن يدفن معه، وكذلك عمر رضي الله عنهما، وقصة عمر في مراجعة عائشة في ذلك مشهورة. أقول: لا يرد على ذلك؛ لأن هذه الحجرة كانت منفصلة متميزة عن المسجد، ولم يقبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا صاحباه في المسجد، ولم يُبنَ عليهما أيضاً، لكن في زمن الوليد وفوق التسعين من الهجرة احتاج المسجد إلى زيادة، فرأى الولاة في ذلك الوقت أن يضاف إليه حجر زوجات النبي صلى اللهعليه وسلم ومن جملتها حجرة عائشة رضي الله عنها، إلا أن الحجرة بقيت منفصلة متميزة عن المسجد ببنايتها. على أن من الناس في ذلك الوقت من كره هذا الأمر ونازع فيه ولم يوافق عليه، وقد ذكر أهل العلم أن أكثر الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت في المدينة، وأن الموجود من الصحابة في ذلك الوقت كانوا نازحين في البلاد الإسلامية التي فتحت، وعلى هذا فالمسالة- أي: إدخال الحجرة في المسجد- ليست موضع اتفاق من الناس في ذلك الوقت، إلا أنها بقيت ولم تغير؛ لأن تغييرها صعب، فلذلك أبقوها كما هي والحمد لله منفصلة عن المسجد، ولم توضع القبور داخل المسجد، ولا المسجد بني عليها. *** يقول جمعة الحسين الحمود من سورية: بعض الناس بنوا عندالمقبرة مسجداً على بعد عشرة أمتار، فما حكم إقامة هذا المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان خارجاً عن المقبرة، ولم تكن المقبرة بين يدي المصلىن، ولم يقصد به التبرك بكونه حول المقبرة- بكونه أي: المسجد حول المقبرة- فهذا لا بأس به، فأما إذا بني في جانب منها أو كانت المقبرة أمامه، أو كان عن عقيدة أن كون المسجد قرب المقبرة أفضل وأكمل فهذا لا يجوز. ***
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 40 | |||
|
![]() 19/ التصوير ما حكم الاحتفاظ بالصور الشمسية؟ علماً بأنها لم تعلق على الجدران، وأنها محفوظة داخل علبة، كما أنها لم تؤخذ لأجل التعظيم ولكن للذكرى. وما حكم من قام بالتصوير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاحتفاظ بهذه الصور فإنه لا يجوز، وذلك لأن اقتناء الصور إنما يجوز إذا كانت على وجهٍ ممتهن كالتي تكون في الفرش والمخاد والمساند وما إلى ذلك مما يمتهن، هذه جائزة عند جمهور أهل العلم وإن كان فيها خلاف، لكن الجمهور على أنها جائزة. أما ما لا يمتهن، سواءٌ كان شُهر وعلق أو كان أخفي في علبةٍ وشبهها فإنه لا يجوز، ولا يحل للمرء اقتناؤه، فالصور التي للذكرى التي توجد في الحقيبة التي يسمونها ألبوم وغيرها أو غيرها هذه لا تجوز، ثم إن الذكرى لا ينبغي للإنسان أن يتعلق بها فأي ذكرى تكون؟ هذا الرجل الذي كنت حبيباً له أو صديقاً له في يومٍ من الأيام قد يكون يوماً من الأيام بغيضاً لك، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يسرف في الحب ولا في البغض، وقد قيل: أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما. على كل حال هذه الذكرى لا تنبغي، والإنسان عبارة عن ابن وقته، والأحوال تختلف وتتغير، فلا ينبغي اتخاذ هذه الصور، بل ولا يجوز أن يحتفظ بها. وأما التصوير فنوعان: أحدهما: أن يكون باليد بتخطيط اليد، بمعنى: أن الإنسان يخطط صورة الجسم مثلاً من وجهٍ ويدين إلى آخره، فهذا لا يجوز، وهو الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله، وأخبر أن فاعليه هم أشد الناس عذاباً. وأما إذا كان التصوير بالنقل بالآلة الفوتوغرافية فهذه موضع خلافٍ بين أهل العلم، وذلك لأن التصوير بالنقل ليس تصويراً فعلياً من المصور في الحقيقة، بل هو ناقلٌ للصورة وليس مصوراً، وليس كالمصور الذي يريد أن يعمل ما فيه إبداعٌ وإتقان حتى يكون عمله وتخطيطه كتخطيط الله عز وجل وتصوير الله، وبين الإنسان الناقل الذي ينقل ما صوَّره الله سبحانه وتعالى بواسطة الضوء فبينهما فرق. ولهذا لو عرضت علي رسالة وقلت: انقلها لي فكتبتها وجعلت أصور عليها صرت الآن مصوراً والكتابة هذه كتابتي. لكن لو قلت: خذ هذه الرسالة وصورها بالآلة الفوتوغرافية فالكتابة كتابة الأول، كتابة صاحب الخط الأول، ليست كتابة الذي صور بالآلة المصورة، فهذا مثله تماماً. وهذا هو الذي نرجحه: أن التصوير الفوتوغرافي لا بأس به، لكن ينظر ما هو الغرض من ذلك؟ إذا كان الغرض اقتناء هذه الصور على وجهٍ لا يباح فهذا يحرم من هذه الناحية، فيكون تحريمه تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد. وأما إذا كان الغرض لمصلحة كحفظ الأمن في التابعيات وشبهها فهذا لا بأس به، يعني: لا بأس بالتصوير للتابعية وشبهها، ومع هذا- مع قولنا بالجواز، أو مع ترجيحنا للجواز- نرى أن اللائق للمسلم أن يبتعد عنه؛ لأن ذلك أتقى وأورع؛ لما في ذلك من الشبهة، فإن بعض أهل العلم يرون أن التصوير حتى للصور الشمسية أو الفوتوغرافية يرون أنه حرام، وترك الإنسان لما هو محرم هذا أمرٌ ينبغي، إلا إذا دعت الحاجة إليه فإن المشتبه يزول بالحاجة. *** أحسنتم هذه الرسالة وردت من أبي حمد يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، استمعت إلى إجابة الشيخ محمد العثيمين بتحريم الصور، حيث أجاز استعمال أو حمل الصور على التابعية مثلاً إذا اعتبرها ضرورة وأنها من يسر الدين، أليس من الأيسر أن يستعمل البصمة بدل الصورة، لكي لا يبقى لدينا أدنى شك بالحرام؟ أخوكم أبو حمد وفقكم الله. فأجاب رحمه الله تعالى: البصمة الإحاطة بها صعبة جداً؛ لأنه لا يعرفها إلا أفرادٌ من الناس، وبشرط أن توضع البصمة على قدرٍ معين من الحبر أو شبهه؛ لأنه إذا زاد لم تنضبط العلامة، وإذا نقص كذلك لم تنضبط. فمن أجل هذا نرى أن استعمال البصمة بدلاً من الصورة قد تكون أعظم وأشق؛ لأن الإنسان ربما يضرب على الورقة ببصماته عدة مرات فلا يمكن ضبطها، ثم هي عرضة أيضاً لأن تطرأ عليها حكٌ أو شبهه، فإذا تغيرت أدنى تغير لم يحصل بها فائدة. فلا نرى أن مثل هذه الوسيلة تكفي عن وسيلة التصوير. *** تقول السائلة: عندما يموت الإنسان ويبكي عليه أهله هل هذا البكاء يعذب الميت في قبره؟ وما رأيكم في جمع صور الميت والاحتفاظ بها؟ هل هذا جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذان سؤالان، السؤال الأول البكاء على الميت: البكاء على الميت ينقسم إلى قسمين: قسم بمقتضى الطبيعة ولا يستطيع الإنسان أن يدفعه، فهذا لا يعذب به الميت. وقسم آخر يكون متكلفاً ويرخي الإنسان لنفسه العنان في الاستمرار في البكاء، فهذا يعذب به الميت في قبره؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)، لكن هذا التعذيب ليس عقوبة، وإنما هو بمعنى التألم والتوجع؛ لأن العذاب قد يطلق على هذا، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن السفر قطعة من العذاب). وأما الاحتفاظ بصور الميت فلا يجوز، بل الواجب إحراقها من حين أن يموت؛ لأن تعلق النفس بالميت أشد من تعلقها بالحي، ويخشى أن الرجل يذهب يطالع صورة الميت ليتجدد حزنه وأسفه عليه، وإن كان معظماً فربما يعلق صورته في الجدار فيحصل بذلك ضرر ومفسدة، لهذا أرى أنه من حين أن يموت الميت يجب أن تحرق صوره كلها ولا تبقى. *** رسالة الدوحة مجموعة من الأخوات من الدوحة يقلن ما رأي فضيلتكم في الاحتفاظ بالصور بألبوم؟ هل هذه الصور تمنع من دخول الملائكة في البيوت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور التي تحفظ كما يقولون للذكرى نرى أن الاحتفاظ بها حرام، لا سيما إذا كانت صور أموات، وأن الواجب إحراقها وإزالتها؛ لأنها صورة حقيقة، وإذا كانت صوراً حقيقة فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، وإخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة يراد به التحذير من اقتناء هذه الصور. فنصيحتي لهؤلاء الأخوات السائلات أن يحرقن ما عندهن من هذه الصور، وألا يعدن لأمثال ذلك. *** من حضرموت المستمع عبد الرحمن يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن حكم الصور التي تكون بالنحت، أو الآلة الفوتوغرافية الكاميرا، أو كانت بالرسم باليد. وأنا طالب بالثانوية يلزمونني بالرسم باليد، جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: الصور المنحوتة من خشب أو حجارة، أو المصنوعة من الطين أو العجين أو ما أشبه ذلك كلها حرام إذا كانت على تمثال حيوان له روح؛ لما فيها من مضاهاة خلق الله عز وجل، وفي الحديث الصحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المصورين)، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وفي الحديث القدسي أيضاً أن الله تعالى قال: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة). وفيه أيضاً في الحديث الصحيح: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)، والأدلة في هذا كثيرة. ومن التصوير- على القول الراجح- المتوعد عليه أن يقوم الإنسان بتصوير ذي روح بيده، فإن ذلك داخل في التصوير المتوعد عليه، وهو كبيرة من كبائر الذنوب. أما التصوير بالآلة الفوتغرافية الفورية فلا يظهر لي أنه من التصوير، وذلك لأن المصور لم يكن يخطط أو يحاول أن يضاهي بخلق الله، ولهذا فنرى الناس لو عرض عليهم صورة بالآلة الفوتوغرافية على حسب ما حصل من التصوير لم يقولوا: ما أجود هذا المصور وما أحذقه لكن لو عرض عليهم صورة صورها بيده وخططها بيده وظهرت مطابقة لما صور فقالوا: ما أحسن هذا ما أحذق هذا! فدل ذلك على الفرق بين من يرسم الصورة بيده ومن يصور بالآلة الفوتوغرافية. ويدل لهذا أن الإنسان لو كتب كتاباً بيده ثم وضعه في آلة التصوير وخرج من الآلة فإن الناس لا ينسبون هذا المرسوم إلى الذي صور بالآلة، وإنما ينسبونه إلى الكاتب الأول، وما زال الناس يحفظون الوثائق بمثل هذا ولا يقولون إن هذا الذي التقطه بالآلة مبدع متقن جيد، بل ربما يكون يتولى هذا رجلٌ أعمى، أو يتولاه رجل مبصر في ظلمة، لكن لو جاء شخص وعُرِض عليه خط الرجل الآخر فجاء يقلد آخر حتى ظهر وكأنه خط الرجل الأول لقال الناس: ما أبدعه ما أحذقه، كيف صور هذا التصوير الذي جاء مطابقاً للرسم. ومن هذه الأمثلة يتبين أن التصوير الفوتوغرافي ليس في الحقيقة تصويراً ينسب إلى الفاعل ولا يقال إن هذا مضاهئٌ لخلق الله؛ لأنه لم يصنع شيئاً والقول بالحل مشروط بأن لا يتضمن أمراً محرماً؛ لأن الأشياء المباحة إذا أدت إلى شي محرم كانت حراماً؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فمثلاً لا نرى أنه يجوز أن يصور الإنسان هذا التصوير للذكرى كما يقولون؛ لما في ذلك من اقتناء الصورة التي يخشى أن تكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة). *** ما حكم الاحتفاظ بالكتب التي تحتوي على صور لإنسان أو حيوان أو طير؟ وهل نقوم بطمس تلك الصور كاملةً أم الرأس فقط أم بوضع خطٍ على الرقبة أم ماذا نفعل؟ علماً بأن هذه الكتب مفيدة وليست من الكتب السخيفة، كذلك بالنسبة لبعض المجلات الإسلامية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور المشار إليها في الكتب وبعض المجلات الدينية إذا تمكن الإنسان من طمسها أي طمس وجوهها ورؤوسها فهذا خير؛ لأن الصورة هي الرأس: حقيقة الإنسان تعرف برأسه، عين الإنسان تعرف برأسه ووجهه، فعلى هذا فالواجب أن يطمس الرأس والوجه، هذا إذا تمكن، أما إذا شق عليه ذلك فإنه لا حرج عليه إن شاء الله، لا سيما وأن هذه الصور تكون في كتب مغلقة وليست منشورةً مبسوطة مشهورة، فلهذا نرى أنه لا بأس به إذا كان عليه مشقة من طمسها وإزالتها. *** رسالة بين يدينا الآن وردتنا من سورية فيها صورة وأسئلة، ونحن نناشد المستمعين إلى أن لا يبعثوا لنا أوراقاً فيها صور، وأعتقد أن عند الشيخ محمد قبل الإجابة على هذه الأسئلة التعليق على هذه الصورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال، نعم تعليقنا عليها أن الصور لا تجوز إلا إذا كانت في أمور ممتهنة كالمخاد والفرش وشبهها، وإلا فلا يجوز اقتناؤها لا في الرسائل ولا في تعليقها على الجدران ولا في حفظها في ألبوم الذي يسمونه ألبوم، ولا غير ذلك. *** ما هو الحكم الشرعي في التماثيل الموجودة في كل أسواق المسلمين وبيوتهم على شكل خيول وبنين وبنات وحيوانات وطيور؟ فهل هذا جائز أم هو حرام بيعه وشراؤه واتخاذه في البيوت بالزينة؟ وما هي نصيحتكم لإخواننا المسلمين حول ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه التماثيل الموجودة في البيوت سواء كانت معلقة أو موضوعة على الرفوف أن هذه التماثيل يحرم اقتناؤها مادامت تماثيل حيوان، سواء كانت خيولاً أو أسوداً أو جمالاً أو غير ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة)، وإذا كانت الملائكة لا تدخل هذا البيت فإنه لا خير فيه، فعلى من عنده شيء من ذلك أن يتلفه، أو على الأقل يقطع رأسه ويزيله حتى لا تمتنع الملائكة من دخول بيته. وإنك لتعجب من رجال يشترون مثل هذه التماثيل بالدراهم ثم يضعونها في مجالسهم كأنما هم صبيان، وهذا من تزيين الشيطان لهم، وإلا فلو رجعوا إلى أنفسهم لوجدوا أن هذا سفه، وأنه لا ينبغي لعاقل فضلاً عن مؤمن أن يضع هذا عنده في بيته. والتخلص من هذا يكون بالإيمان والعزيمة الصادقة حتى يقضوا على هذه ويزيلوها، فإن أصروا على بقائها فهم آثمون في ذلك، وكل لحظة تمر بهم يزدادون بها إثماً، نسأل الله لنا ولهم الهداية. وأما بيعها وشراؤها فحرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه). فلا يجوز استيرادها ولا إيرادها، ولا بيعها ولاشراؤها، ولا يجوز تأجير الدكاكين لهذا الغرض؛ لأن كل هذا من باب المعونة على الإثم والعدوان، والله عز وجل يقول لعباده: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). وكذلك أيضاً يحرم أن تستر الجدران وأبواب الشبابيك بشيء فيه صور من خيل أو أسود أو جمال أو غيرها؛ لأن تعليق الصور رفع من شأنها، فيدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ![]() *** يقول: ما حكم صنع التماثيل المجسمة وبيعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صنع التماثيل المجسمة إن كانت من ذوات الأرواح فهي محرمة لا تجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه لعن المصورين، وثبت أيضاً عنه أنه قال: قال الله عز وجل: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)؟ وهذا محرم. أما إذا كانت التماثيل ليست من ذوات الأرواح فإنه لا بأس بها وكسبها حلال؛ لأنها من العمل المباح. *** المستمعة من العراق رمزت لاسمها ك.ب من الجمهورية العراقية بغداد تقول: فضيلة الشيخ هل يجوز الرسم بالريشة في مناظر طبيعية مثل الجبال والأنهار والأشجار، وهل يمكن تعليق صور النباتات أو المناظر الطبيعية في البيت أو الاحتفاظ بها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يرسم صور الشجر والبحار والأنهار والشمس والقمر والنجوم والجبال وغيرها مما خلق الله عز وجل، ويجوز أن يحرص على دقة تصويرها حتى تكون كأنها منظر طبيعي، لكن بشرط أن لا يكون فيها صور من ذوات الأرواح كالإنسان والبهائم، وذلك لأن تصوير الإنسان والبهائم محرم، بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (لعن المصورين، وأخبر أن من صور صورة فإنه يُجعل له بها نفس يعذب بها في جهنم). وقال صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله). وأخبر صلى الله عليه وسلم (أنه يقال لهم -تحدياً وتعجيزاً-: أحيوا ما خلقتم). فلا يجوز للإنسان أن يصور ما فيه روح من بشر أو غيره، سواء صورها مستقلة أو صورها داخل هذه المناظر التي ذكرتها السائلة، وهي من كبائر الذنوب- أعني: التصوير لذوات الأرواح من كبائر الذنوب-؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب عليه اللعنة، ومن فعل من ذلك شيئاً فعليه أن يتوب إلى الله، وأن يمزق أو يحرق ما صوره حتى لا يبوء بإثمه، وأما ما ليس فيه روح فلا بأس به؛ لأن الأحاديث تومئ إلى هذا، فإن فيها أنه مكلف أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ، وهذا إشارة وإيماء إلى أن المحرم ما كان فيه روح، وإذا جاز أن يصور ما ليس فيه روح من الأشجار والأنهار والبحار والشمس والقمر والجبال والبيوت وما أشبهها جاز أن يعلقها على بيته وينظر إليها ويهديها إلى غيره، لكن ينبغي أن لا يسرف في هذا فيصرف الأموال الكثيرة في شراء مثل هذه المناظر وتعليقها على الجدر أو إهدائها إلى غيره، فإن الإسراف حرام؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). *** المستمع من العراق علي ح ع يقول: هل يصح تحنيط الطيور ووضعها في المنزل لغرض الزينة ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في تحنيط الطيور- بعد أن تذبح ذبحاً شرعياً، الأصل- أنه جائز، لكن إذا كان في ذلك إضاعة للمال فإنه قد يمنع منه من هذه الناحية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن إضاعة المال)، وإضاعة المال صرفه في غير فائدة. أما إذا كان هناك فائدة مثل إطلاع الناس على مخلوقات الله عز وجل التي تدل على تمام قدرته سبحانه وتعالى وكمال حكمته فإن هذا لا بأس به لما فيه من المصلحة، وأخشى أن بعض الناس يشتري هذه الحيوانات المحنطة بثمن كثير باهظ مع أنه قد يقصر على أهله ومن تلزمه نفقتهم، فيدع أمراً واجباً لأمر ليس بواجب، بل لأمر ليس فيه إلا إضاعة المال. *** هل رسم ذوات الأرواح كالحيوان والإنسان على الأوراق وتشكيلها بالألوان جائز؟ وهل هو داخل في عموم الحديث القدسي قال تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة)؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو داخلٌ في هذا الحديث، لكن الخلق خلقان: خلقٌ جسميٌ وصفي وهذا في الصور المجسمة، وخلقٌ وصفيٌ لا جسمي وهذا في الصور المرسومة، وكلاهما يدخل في هذا الحديث، فإن خلق الصفة كخلق الجسم وإن كان الجسم أكثر؛ لأنه جمع بين الأمرين: الخلق الجسمي والخلق الوصفي. ويدل على ذلك على العموم، وأن التصوير محرم باليد، سواءٌ كان تجسيماً أو كان تلويناً عموماً، لعن النبي صلى الله عليه وسلم للمصورين، فعموم لعنه للمصورين يدل على أنه لا فرق بين الصور المجسمة، والملونة التي لا يحصل التصوير فيها إلا بالتلوين فقط. ثم إن هذا هو الأحوط والأولى للمؤمن: أن يكون بعيداً عن الشبه. ولكن قد يقول قائل: أليس الأحوط في اتباع ما دل عليه النص، لا في اتباع الأشد؟ نقول: صحيحٌ أن الأحوط في اتباع ما دل عليه النص لا اتباع الأشد، لكن إذا وجد لفظٌ عام يمكن أن يتناول هذا وهذا فالأحوط الأخذ بعمومه، وهذا ينطبق تماماً على أحاديث التصوير، فلا يجوز للإنسان أن يرسم صورة ما فيه روح لا إنساناً ولا حيواناً آخر؛ لأنه داخلٌ في لعن المصورين. *** السائل حسن حسين يقول: أنا شاب أحب التصوير والاحتفاظ بالصور، ولا تمر مناسبة إلا وأقوم بالتقاط الصور للذكرى، وهذه الصورة أحفظها داخل الألبوم، وقد تمر شهور دون أن أفتح هذا الألبوم وأنظر للصور. ما حكم هذه الصور التي أقوم بتصويرها والاحتفاظ بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل مما صنعت، وأن تحرق جميع الصور التي تحتفظ بها الآن؛ لأنه لا يجوز الاحتفاظ بالصور للذكرى، فعليك أن تحرقها من حين أن تسمع كلامي هذا. وأسأل الله لي ولك الهداية والعصمة مما يكره. *** بعض الطلاب الذين يذاكرون في المسجد يحضرون كتباً فيها صور فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يذاكر في المسجد أن يذاكر الدروس التي ليس فيها صور، وذلك لأنه إذا أحضر صورة إلى المسجد فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، لكن هذه الصور التي تكون في المقررات غالبها يكون قد أغلق عليه الكتاب، فهو غير ظاهر ولا بارز، ثم إن بعضاً منها يكون فيه صورة الرأس فقط دون بقية الجسم، والصورة التي تحرم إنما هي ما يعرف أنها صورة لوجود الجسم كله أو غالبه. *** المستمع علي أحمد من جدة يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في لعب الأطفال؟ حيث إن لدي طفلة متعلقة بهذه الألعاب، وهي عبارة عن قطعة من القماش مخيطة ومحشوة من القطن فتبدو وكأنها طفلة، فابنتي تلاعب هذه اللعبة وكأنها طفلة صغيرة، حاولت أن أبعدها عن مثل هذه الألعاب خشيت أن يكون فيها محظور، وأرجو من فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين أن يتفضل مشكوراً بالإجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لعب الأطفال قد جاءت بها السنة من حيث العموم، فإن عائشة رضي الله عنها (كان لها بنات- أي: لعب تلعب بهن- في عهد النبي صلى الله عليه وسلم)، وإذا كانت هذه اللعبة لا تمثل الصورة الكاملة، وإنما هي قطن أو صوف أو نحوه محشو وفي أعلاها نقط على أنها عضو أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس فيه ولا حرج فيه، والصبية تلعب بهذه اللعبة تتسلى بها وتفرح بها وتخدمها خدمة بليغة، فتجعل لها فراشاً ووسادة، وتجعلها في أيام الصيف تحت المروحة لتروح عليها، وفي أيام الشتاء تغطيها بالغطاءات، وربما وضعتها أمام المكيف للتدفئة في الشتاء أو للتبريد في الصيف، فهي تشعر وكأنها بنت حقيقية، ولا شك أن هذا يعطيها تعليماً لتربية الأولاد في المستقبل، ويعطيها أيضاً حناناً على من يكون طفلاً لها حقيقة، ويعطيها تسلية وفرحاً وسروراً، ولهذا تجدها تخاطبها مخاطبة العاقل، فمن أجل هذه المصالح أباح الشارع مثل هذه. أما اللعب التي تمثل الصورة وكأنها حقيقة، لها رأس وأنف وعين، و ربما يكون لها حركات مشي أو أصوات وما أشبه ذلك، فإن الواجب لمن ابتلي بشيء من هذا أن يغير الصورة، بحيث يدنيها من النار حتى تلين ثم يضغط عليها حتى تذهب ملامح الوجه، ولا يتبين أنها مثل الصورة الحقيقية. ومن العلماء من يتساهل في هذا الأمر مستدلاً بعموم الحالات لا بعموم اللفظ؛ لأنه ليس هناك لفظ عام؛ لأن المقصود بهذه الصور تسلية الصبية وما أشرنا إليه من المصالح السابقة، ولكن كون الإنسان يدع الأشياء التي فيها شك أولى من كونه يمارسها. *** يقول هذا السائل: بائع في بقالة يبيع ويشتري في لعب الأطفال تحتوي على صور ذات الروح أو الأرواح مثل القرود والطيور والقطط إلى غير ذلك، فما الحكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في الصور المجسمة للحيوانات التحريم، وأنه لا يجوز اقتناؤها لا للصغار ولا للكبار، وإذا لم يجز اقتناؤها لم يجز بيعها وشراؤها؛ لأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، لكن بعض أهل العلم رخص في لعب البنات الصغيرة تتخذ للبنت الصغيرة، من أجل أن تتعود على تربية البنات فيما لو رزقها الله تعالى بنتاً، فمنهم من قال: إن هذه الصور المرخص فيها يجب أن لا تكون على شكل الصورة الحقيقية فلا يكون لها عينان ولا أنف ولا شفتان ولا وجهٌ إلا مطموساً كالظل، ومنهم من قال: إنه لا بأس أن تكون الصورة التي ستلعب بها البنت على شكل الصورة الحقيقية؛ لأن المقصود حاصل بهذا وبهذا. وأنا لا أشدد في هذه المسألة، فأقول: إن تمكن أولياء البنت الصغيرة أن يأتوا لها بلعبٍ ليس لها وجه بين فهي كالظل فهو أولى وأحسن، أما صور الحيوانات الأخرى كالخيل والطيور وما أشبهها فالأصل منعها وعدم جوازها, جواز اقتنائها، وبناءً عليه لا يجوز بيعها وشراؤها. *** فضيلة الشيخ هذا السائل يسأل عن اللعب المجسمة التي للأطفال الخاصة بالأولاد والدمى والدبب ما حكم جلبها للأولاد حتى يلعبوا بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة الصور المجسمة من غير الأطفال كصورة الدب والجمل والذئب والأسد وما أشبه ذلك فهذه لا تجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. وأما لعب البنات فلا أشدد فيها؛ لأنه قد كان لعائشة لعب تلعب بهن، وإن كانت اللعب التي في زمن عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن؛ لأنها الآن متقنة تماماً حتى كأنها بشر، ومع ذلك لا أشدد فيها: إن حصل اللعبة المعروفة التي من القطن وشبهه كالتي استحدثت أخيراً فهذا أحسن، وإن لم يحصل فلا أقول إن في جلبها للبنات الصغار إثماً؛ لأن هذا يعودها الرأفة والرحمة بالأطفال، ولذلك أسمع أن بعض البنات الصغار يكون لها لعبة ثم تأتي بها أمام المكيف وتشغل المكيف وتقول: أريد من بنتي أن تبرد، الوقت حار، وربما ترشها بالماء لترويشها، مما يدل على أن لها تأثيراً في خلق المرأة وتربية أبنائها في المستقبل. *** هل يجوز إلباس الطفل الملابس التي يوجد فيها صور؟ وكيف التخلص منها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصور التي ليس لها رأس فلا بأس بإلباس الصبي منها، أي من الثياب التي فيها هذه الصور، وكذلك الرأس بلا جسم، إلا إذا كان الرأس من المعظمين في الكفر أو في الفسوق أو في الفجور، فإنه لا يجوز تعظيم هؤلاء ولا إحياء ذكراهم؛ لأنهم من دعاة الشر. لكن إذا كانت رأس إنسان مجهول لا يعلم من هو وليس فيه فتنة فلا بأس به بإلباس الصبي ثياباً من هذا النوع. وأما الصور الكاملة فإنه لا يجوز إلباس الصبي من الثياب التي فيها هذه الصور، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم على البالغ. أما كيف التخلص منها؟ التخلص سهل: أن لا يشتريها الإنسان، أن يقاطعها الناس، وإذا قاطعها الناس لن ترد على بلادنا؛ لأنها لم ترد إلا حين شغف الناس بها وصاروا يستعملونها، فلو هجرت ولم تستعمل ما وردت إلى البلاد. فإذا قيل: لا نجد في السوق ثياباً جاهزة إلا وفيها هذه الصور؟ قلنا: لكن يوجد والحمد لله في السوق قطع من القماش لم تفصل بعد، فيشتري الإنسان قطعة ويفصلها عند الخياط على قدر الحجم الذي يريده. *** ما الحكم الشرعي في اقتناء لعب الأطفال المجسمة من ذوات الأرواح؟ وما الحكم في بيعها وأكل ثمنها؟ وما الحكم في تعليقها في المنزل للزينة أو وضعها في أماكن مخصصة للتحف والزينات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ثلاث مسائل حقيقة في هذا السؤال, المسألة الأولى: ما حكم لعب الأطفال بهذه الصورة المجسمة؟ فهذه محل نظر: فمن رأى الأخذ بالعموم في جواز اللعب بالبنات للصغار- كما ورد أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب بالبنات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت صغيرة، والرسول عليه الصلاة والسلام لم ينهها- قال: إن أخذها بالعموم يقتضي أن نعمل به حتى في هذه الصور المجسمة الدقيقة الصنع، ومن رأى أن اللعب التي كانت تلعب بها عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن في دقة صناعتها قال: إن هذا ممنوع، ولاشك أن الأحوط أن يتجنب الإنسان ما فيه شبهة، وفي هذه الحال يمكنه أن يبقي هذه الألعاب بين أيدي الصبيان، ولكن يلينها في الماء ثم يغمز وجوهها حتى تتغير خلقتها ولا يبقى لها صورة وجه كاملة، وحينئذ يلعب بها الصبيان. على أن خيراً من ذلك وأولى أن يأتي لهم بألعاب أخرى: كالسيارات، والطيارات، والحمالات، وما أشبهها، مما يلعبون به بدون أي شبهة. أما المسألة الثانية فهي: تعليق هذه أو وضع هذه الصور المجسمة في الأماكن للزينة أو الاحتفاظ بها، فهذا محرم ولا يجوز، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة). فعلى المرء أن يتقي ربه، وأن يبعد عن هذه السفاسف. ومن المؤسف أن من الناس الذين يعتبرون من العقلاء مَن نزلوا بأنفسهم إلى حظيرة الصبيان، حيث إنك قد ترى أو تسمع أن في مجالسهم صور إبل أو صور فيلة أو صور أسود وما أشبه ذلك موضوعة على الأرفف للتجمل والزينة، وهذا حرام عليهم ولا يحل لهم، والواجب عليهم إتلاف هذه الصور، وإذا أبوا إلا أن تبقى فإنه يجب عليهم إزالة رؤوسها، فإذا أزالوا الرأس فإنه يحل إبقاؤها. أما المسألة الثالثة فهو: بيع هذه الصورة المجسمة، وبيع هذه الصور المجسمة لا يجوز، وشراؤها حرام، وثمنها محرم؛ لأنها تفضي إلى محرم، وما كان مفضياً إلى محرم فإنه محرم، كما أنه هي- يعني: وجودها في المكان، ولو لعرضها للبيع والشراء- يمنع دخول الملائكة إلى هذا المكان، وكل مكان لا تدخل فيه الملائكة فإنه ينزع منه الخير والبركة. فضيلة الشيخ: هل يدخل تحت هذا الحكم بيع لعب الأطفال المسمى بالعرائس مثلاً؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يدخل في ذلك، كما ذكرت لك أن العلماء اختلفوا في جوازها نظراً لدقة صنعها وإحكامه وإتقانه، فقال بعضهم: إن هذه الدقة المتناهية التي تجعلها كأنها صورة حقيقية تمنع من إلحاقها بالبنات التي كانت تلعب بها عائشة، ومادامت المسألة في هذه الحال فإننا نرى أنه لا يجوز له أن يشتريها أو يعرضها للبيع. *** السائل هذا يقول: في بيوتنا صور كثيرة من المجلات والعلب وغيرها، فهل تمتنع الملائكة من دخولها؟ علماً بأننا لا نريدها ولكن يصعب علينا أن نزيلها فضيلة الشيخ فأرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن هذه الصور لا تمنع دخول الملائكة، وذلك لأنها غير مقصودة ولا مأبوه بها، والإنسان لا يهتم بها ولا بالنظر إليها، ووجودها وعدمها عنده سواء. فالظاهر أن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت الذي هي فيه؛ لأن امتناع دخول الملائكة فيه نوع عقوبة على صاحب البيت، ولا عقوبة على شيء لا يحرم عليه. ومع ذلك فالتنزه عنها أولى والبعد عنها أولى، ولكننا لا نقول: إن ذلك حرام- أي: إن بقاءها في البيت حرام- لما أشرنا إليه آنفاً من أنها غير مقصودة، والتحرز منها فيه مشقة على الناس، ودخول الملائكة البيت إذا لم توجد فيه هذه الصور لا إشكال فيه، لكن إذا وجدت فيه هذه الصور ففيه إشكال، ولكن الظاهر والله أعلم أنها لا تمتنع من دخوله؛ لأن اقتناءها على هذا الوجه ليس مقصوداً به الصورة. *** وردتنا رسالة من الحاج باعتبار ما سيكون إن شاء الله يقول الحاج ق ج من بلد إسلامي: بعد السلام أحب أن أسأل عما يلي: ما حكم التقاط الصور التذكارية في المشاعر المقدسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التقاط الصور التذكارية إذا كانت صور آدميين فإنه لا يجوز، أو حيوانات كالإبل مثلاً فإنه لا يجوز؛ لأن فيه اقتناءً للصور، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، إلا ما استثني من الصور، وهو: ما اتخذ فراشاً ومخدة وما أشبه ذلك مما يمتهن، وأما هذه الصور التذكارية للحيوانات والإنسان فإنها لا يجوز اقتناؤها في كل حال. وأما إذا كانت الصور التذكارية للكعبة مثلاً أو لجبال منى أو لجبل عرفة أو لمسجد نمرة أو لمسجد المزدلفة أو لمسجد الخيف في منى فإن هذا لا بأس به، ما لم يؤد ذلك إلى محظورٍ شرعي، فإن أدى ذلك إلى محظور شرعي فإنه لا يجوز، وإلا فالأصل الإباحة. فضيلة الشيخ: هل مثل الصور لهذه المساجد لابد أن يكون فيها رجال أو نساء أو مخلوقات؛ لأنها لا يتصور أن تخلو من الناس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من الممكن إذا ظهرت الصورة وفيها صور آدمي أن يطمس وجوهها، وحينئذ تبقى سليمة. ***
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 41 | |||
|
![]() 20/البدعة المستمع البرنامج ط س ع ويقول: ما هي البدعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة الشرعية- أعني: التي تكلم عنها الشرع- هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، هذه هي البدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب في الناس يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها)، فدل هذا على أن المحدثة كل ما خالف السنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإذاً البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. مثاله في العقيدة: ما ذهب إليه أهل التعطيل الذين أنكروا كثيراً من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه، مثاله قول الله تبارك وتعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) قالوا: نحن لا نتعبد لله بأن الله يجيء بنفسه، ولا نعتقد بذلك، بل عقيدتنا أن الذي يجيء أمره، فيفسرون قول الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ) بأن المراد جاء أمر ربك، ويعتقدون أن الجائي هو أمر الله لا الله، هذه بدعة؛ لأن الله تعالى لما خاطبنا بقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ) وكان القرآن نزل بلسان عربي مبين فإن مقتضى هذه العبارة في اللسان العربي المبين أن يكون الجائي هو الله لا غيره، ويكون المشروع لنا أن نؤمن بأن الله يجيء هو بنفسه، فإذا اعتقدنا أن الذي يجيء أمره، وأن معنى (وَجَاءَ رَبُّكَ): وجاء أمر ربك، هذا بدعة بلا شك، وكل بدعة ضلالة. كذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) معناها: علا العرش كما يليق بعظمته وجلاله، وذلك أن هذا الفعل استوى إذا عدي بعلى صار معناه العلو على الشيء، كما قال الله تعالى لنوح: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي ركبت عليه. وقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنِ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي لتعلوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا علوتم عليه. وقال الله تعالى: (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) يعني سفينة نوح، أي: استقرت عليه، على الجبل المعروف بالجودي. هذا معنى هذه الكلمة في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية بلسان عربي مبين: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). أي صيرناه باللغة العربية حتى تعقلوه، ولو تكلم الله به باللغة الفارسية وهو يخاطب العرب لكان هذا خلاف البيان، فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ). فنقول: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استوى) أي: على العرش علا، لكنه ليس كعلونا على ظهور بهيمة الأنعام أو على الفلك، أو كعلو السفينة على الجودي، لا؛ لأنه استواء مضاف إلى الله عز وجل، فيكون استواء يليق بجلاله وعظمته ولا يماثل استواء المخلوق على المخلوق، يعني الله قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). فيأتي الإنسان ويقول: أنا لا أعتقد أن الله استوى على العرش بمعنى علا عليه، ولكني أقول: استوى على العرش أي استولى عليه، فأنا أومن بأنه مستولٍ على العرش لا مستوٍ عليه. فنقول: هذا بدعة؛ لأن الله تعالى لم يخاطبك لتؤمن بأنه مستولٍ على العرش، إنما خاطبك لتؤمن أنه مستوٍ عليه، فقد تعبدت لله بما لم يشرعه، واعتقدت في الله ما لم يرد بهذه الآية الكريمة. هذان مثالان من البدعة، والأمثلة عن هذا كثيرة: كل من خالف ظاهر الكتاب والسنة فيما يتعلق بصفات الله أو فيما يتعلق بأمور الغيب عامة بدون دليل شرعي فإنه مبتدع. وأما البدعة في الأقوال فحدث ولا حرج: كثير من الناس يبتدع أقوالاً لم تكن مشروعة، إما في القدر، أو في الجنس، أو في الوقت، أو في السبب. وذلك لأن العمل لا يكون عبادة حتى يوافق الشرع في أمور ستة: في جنس العمل، وفي قدره، وفي كيفيته، وفي سببه، وفي زمانه، وفي مكانه. حتى لو ذكرت الله عز وجل في غير موضع مشروع فيه الذكر لكنت مبتدعاً، لو كنت إذا أردت أن تأكل قلت: لا إله إلا الله، تتعبد لله بها كما يتعبد الآكل بقوله: باسم الله لقلنا لك: أنت مبتدع. قلت: كيف أكون مبتدعاً وأنا أذكر الله؟ لا إله إلا الله كلمة الإخلاص. نقول: نعم ليس هذا مكانها، فأنت لم توافق الشرع في مكان العبادة هذه فتكون مبتدعاً. لو أن الإنسان ذبح أضحيته في يوم عيد الأضحى قبل الصلاة متعبداً لله بذلك، مع علمه بأن المشروع في الأضحية أن تكون بعد الصلاة لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالعبادة في غير وقتها. ولو وقف بعرفة في غير يوم عرفة متعبداً لله بهذا الوقوف لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالوقوف في غير زمنه. ولو حبس الإنسان نفسه على طاعة الله لكن في حجرة من بيته يريد بذلك الاعتكاف قلنا: هذا مبتدع؛ لأن الاعتكاف إنما يكون في المساجد؛ لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ). وكذلك الأفعال البدع فيها كثيرة حدث ولا حرج، لهذا نقول: القاعدة العامة في البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، فإذا قال قائل: هل كل البدع مذمومة؟ نقول: نعم كل البدع مذمومة؛ لقول أعلم الخلق وأصدق الخلق وأنصح الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعة ضلالة)، كل بدعة هذه جملة من صيغ العموم التي هي من أقوى الصيغ، صادرة ممن هو أعلم الخلق بشرع الله وأصدق الخلق فيما يقول وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق في نطقه قال: (كل بدعة ضلالة)، ولم يقسمها إلى بدعة حسنة ولا بدعة سيئة، كل بدعة ضلالة، والضلالة سوء بلا شك، وأعتقد أنه لو كتبت هذه الجملة في كتاب وكتب في كتاب آخر: البدعة نوعان أو ثلاثة أنواع، لكان الذي يحكي الأقوال سيقول: قال فلان: كل بدعة ضلالة، وقسمها فلان إلى أقسام فجعل القول الأول مقابلاً للقول الثاني، ولم يجعل الثاني تقسيماً للأول، بل جعله قسيماً له. فإذا كان هذا يحصل في كلام العلماء بعضهم مع بعض أن من قال: كل بدعة ضلالة، فليس هو كقول من قال: إن البدعة تنقسم إلى كذا وكذا، بل هو قول مقابل له قسيم له، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- وهو الحاكم على كل قول من البشر- قال: (كل بدعة ضلالة) بدون تفصيل ولا تقسيم. ولهذا نقول فيمن قسم البدعة إلى قسمين: حسنة وسيئة، نقول: هذا التقسيم خطأ؛ لأنه مصادم للنص، وما صادم النص فهو فاسد مردود على صاحبه. ولهذا قال العلماء: إن القياس إذا خالف النص فهو فاسد الاعتبار. ثم نقول لهذا الذي قسم البدعة إلى قسمين أو أكثر: إما أن يكون ما ذكرته ليس ببدعة، فينتفي عنه وصف البدعة، ثم قد يكون حسناً وقد يكون سيئاً؛ وإما أن يكون بدعة ولكنه ليس بحسن، وظنك أنه حسن ظن خاطئ؛ لأنه مصادم للنص. فإن قال قائل: أليس قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه حين وجد الناس في رمضان في القيام على إمام واحد خرج ذات ليلة فقال: (نعمت البدعة هذه)؟ قلنا: بلى صح ذلك عن عمر، ولكن عمر رضي الله عنه سماها بدعة باعتبار ما سبقها من تفرق الناس، وإلا فهي سنة، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه جماعة في رمضان ثلاث ليال، ثم تركها وقال: خشيت أن تفرض عليكم. فلما زال هذا المحظور- وهو: أن تفرض علينا- صارت إعادتها سنة، فهو في الحقيقة تجديد سنة ليس إحداث سنة، فهي بدعة إذاً باعتبار ما سبق من كون الناس يصلون أوزاعاً. فإن قال قائل: لماذا غفل عنها أبو بكر وعمر في أول خلافته؟ قلنا: لا غرابة في ذلك، أبو بكر رضي الله عنه مدة خلافته قصيرة، هي سنتان وأربعة أشهر وأيام، وكان رضي الله عنه مشغولاً بشؤون المسلمين التي هي أكبر من هذا، أكبر من أن يجتمعوا في رمضان على إمام واحد؛ لأن أصل قيام رمضان سنة، ثم الاجتماع عليه سنة، فهو سنة في سنة، وأبو بكر مشغول بأمور المسلمين العامة داخل المدينة وخارج المدينة، فلا غرابة ألا تطرأ هذه على باله لا في خلافته ولا في خلافة عمر، وبهذا بطل تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. فإن قال قائل: كيف نجيب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)؟ فنقول: البدعة داخلة في قوله: ومن سن في الإسلام سنة سيئة، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (كل بدعة ضلالة). إذاً فمن ابتدع في الدين شيئاً فقد أساء، فيدخل في الجملة الثانية: (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة )،أما الجملة الأولى: (من سن في الإسلام سنة حسنة) فيراد بها أمران: الأمر الأول: أي من بادر إلى فعلها، فيكون السن هنا بمعنى الامتثال؛ لأن الإنسان إذا امتثل فتح الطريق للناس، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذلك حين حث المسلمين على الصدقة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده أن تعجز عنها، فألقاها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة). وهذا واضح في أن المراد من ابتدأ العمل بأمر مشروع فإنه يعتبر سانّاً له، أي قد سن الطريق للناس أن يقتدوا به، وهذا معروف بالفطرة والعادة: أن الإنسان يتأسى بغيره، وإذا رأى فلاناً فعل فعل مثله، أي يحمل على أن المراد: من سن في الإسلام سنة حسنة أي: من سن شيئاً من الوسائل التي يكون فيها تحقيقٌ للمصالح الشرعية، فهذه سنة لا شك. مثلاً سن تأليف الكتب، وتأليف الكتب غير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، نفس القرآن ليس مكتوباً على هيئته اليوم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، أخذ من صدور الرجال ومما كتب في عسب النخل واللخاف- وهي: الحجارة الخفيفة- وما أشبه ذلك، لكن جمع في مصحف في عهد عثمان في مصحف واحد، هذه سنة حسنة؛ لأنها وسيلة لاجتماع الناس على أمر مشروع. بناء المدارس غير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان فيه الصفة لفقراء المهاجرين، لكن على الشكل المعهود؟ لا، هذه من السنة الحسنة؛ لأنها وسيلة من باب الوسائل إلى تحصيل أمر مشروع، فهذا هو الذي يحمل عليه قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). ولا يمكن أن يراد بها: من شرع شريعة لم يشرعها الله ورسوله؛ لأنه لو كان هذا هو المراد لكان يناقض قوله عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة)، وكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفسر بعضه بعضاً. وإنما أطلت في جواب هذا السؤال لأنه مهم، ولأن كثيراً من الناس قد تشتبه عليه بعض النصوص وكيفية الجمع بينها، فكان لابد من الإيضاح. ثم إني في ختام هذا الجواب أقول لإخواني- وأخص بذلك طلبة العلم-: إذا جاءتهم نصوص مشتبهة تحتمل معانيَ متعددة، سواء كانت من القرآن أو من السنة فإن الواجب حملها على المحكم الواضح الذي لا اشتباه فيه، فتحمل على الاحتمال الذي يوافق ذلك المحكم وتلغى الاحتمالات الأخرى، حتى ولو كان احتمال هذا النص المشتبه لهذه الاحتمالات على حد سواء، فإن النصوص المحكمة ترجح أحد الاحتمالات وهو ما وافق النصوص المحكمة. وهذه الطريقة- أعني: رد المتشابه إلى المحكم- هي طريقة الراسخين في العلم المؤمنين بالله وكتبه، يقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) منه: أي بعضه، فمن هنا للتبعيض، آيات محكمات: أي لا اشتباه فيها، هن أم الكتاب: أي مرجع الكتاب الذي يجب أن يرد إليه ما تشابه (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فيها احتمالات. (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)أي ميل عن الحق (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) ويأتون بالمتشابه ليضربوا القرآن بعضه ببعض فيجعلوه متشابهاً. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)يعني وأما (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وإيمانهم به يقتضي أن يردوا المتشابه إلى المحكم حتى يكون محكماً (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) يعني: فلا تناقض فيه (ومَا يذكرُ إلا أولوا الألباب), فهناك آيات مشتبهة تشتبه على القارىء، قد تشتبه على طالب العلم الذي لم يدرك، لكن الواجب رد هذه المتشابهات إلى المحكم لتكون محكمة. ولا حاجة أن أذكر شيئاً من الأمثلة على ذلك، أخشى أن يطول بنا الوقت أكثر مما ينبغي أن يستوعبه السامع، وأسأل الله أن يميتنا على سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فضيلة الشيخ: متى ظهرت البدعة ومتى عرفت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدع ظهرت في أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم، لكنها تجدها بدعاً في مسائل معينة، ثم انتشرت حتى وصلت إلى العقيدة في الله عز وجل. ظهر في عهد الصحابة رضي الله عنهم بدعة القدر، وهو: إنكار قدر الله عز وجل فيما يتعلق بأعمال المخلوق، وجاءت بدعة الإرجاء، ثم جاءت بدعة جهمية: إنكار الصفات أو بعضها. ومن أراد أن يستزيد من ذلك فليرجع إلى مظانه من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم. *** ما هي البدعة؟ وهل لها أقسام؟ وكيف أعرف أن هذا العمل مُبتدَع؟ جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة: كل شيء يأتي به الإنسان لم يسبقه إليه أحد. هذه البدعة، هذا في اللغة، سواءٌ كان في العادات أو في المعاملات أو في العبادات. ولكن البدعة الشرعية المذمومة هي البدعة في العبادات، بأن يتعبد الإنسان لله عز وجل بما لم يشرعه، سواءٌ كانت هذه العبادة تتعلق بالعقيدة أو تتعلق بقول اللسان أو تتعلق بأفعال الجوارح. فالبدعة شرعاً هي التعبد لله بما لم يشرعه. هذه البدعة شرعاً. وبناءً على ذلك فنقول: إذا كان الشيء يفعل لا على سبيل التعبد، وإنما هو من العادات، ولم يرد نهيٌ عنه فالأصل فيه الإباحة، وأما ما قصد الإنسان به التعبد والتقرب إلى الله فإن هذا لا يجوز إلا إذا ثبت أنه مشروع. هذه هي القاعدة في البدعة. وأما تقسيم بعض العلماء رحمهم الله البدعة إلى أقسام فإن هذا التقسيم لا يرد على البدعة الشرعية؛ لأن البدعة الشرعية ليس فيها تقسيم إطلاقاً، بل هي قسمٌ واحد حدده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (كل بدعةٍ ضلالة). وجميع من يعرف اللغة العربية وأساليبها يعلم أن هذه الجملة جملةٌ عامة شاملة لا يستثنى منها شيء، كل بدعةٍ ضلالة، والقائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه من قواعد الشريعة. ولكن إذا ظن ظانٌ أن هذه بدعة وأنها حسنة فهو مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنها ليست ببدعة وهو يظن أنها بدعة، كما لو قال: تصنيف السنة وتبويبها هذا بدعة لكنه بدعةٌ حسنة، أو قال: بناء المدارس بدعة لكنه بدعةٌ حسنة أو ما أشبه ذلك، نقول: أنت أخطأت في تسمية ذلك بدعة؛ لأن فاعل ذلك لا يتقرب إلى الله تعالى بنفس الفعل، لكن يتقرب إلى الله بكونه وسيلةً إلى تحقيق أمرٍ مشروع. فتصنيف الكتب مثلاً وسيلة إلى تقريب السنة وتقريب العلم، فالمقصود أولاً وآخراً هو السنة وتقريبها للناس، وهذا التصنيف وسيلة إلى قربها إلى الناس فلا يكون بدعةً شرعاً؛ لأنك لو سألت المصنف قلت: تصنف هذا الكتاب على أبواب وفصول تتعبد إلى الله بهذا التصنيف، بحيث ترى أن من خالفه خالف الشريعة؟ أو تتقرب إلى الله تعالى بكونه وسيلةً إلى مقصودٍ شرعي، وهو: تقريب السنة للأمة؟ سيقول: إني أقصد الثاني لا أقصد الأول. وبناءً على هذا نقول: إن تصنيف الكتب ليس ببدعةٍ شرعية، كذلك أيضاً بناء المدارس للطلاب هذا أيضاً ليس موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه وسيلةٌ إلى أمرٍ مقصودٍ للشرع، وهو: القيام بمعونة للطالب ليتفرغ للعلم، فهو ليس في ذاته عبادة ولكنه وسيلة. ولهذا تجد الناس يختلفون في بناء المدارس: بعضهم يبنيها على هذه الكيفية، وبعضهم يبنيها على هذه الكيفية، ولا يرى أحد الطرفين أن الآخر مبتدعٌ لكونه أتى بها على وجه مخالف للمدرسة الأخرى؛ لأن الكل يعتقد أن هذه وسيلة ليست مقصودةً لذاتها، إذاً هذا ليس ببدعة لكنه وسيلةٌ إلى عملٍ مشروع. ولو قال قائل: أنا أريد أن أحدث في الليلة التي يزعمون أنها الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدث صلوات على الرسول عليه الصلاة والسلام وثناءً عليه وأحتفل بهذه الليلة؛ لأن الثناء على الرسول عليه الصلاة والسلام والصلاة عليه عبادة لا شك، فأفعل هذا إحياءً لذكراه، وهذا حسن إحياء ذكرى الرسول في القلوب حسن، فتكون هذه بدعة حسنة. فنقول: هذه بدعة؛ لأنها نفسها قربة، فالصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام قربة، والثناء عليه قربة، وإحياء ذكراه في القلوب قربة؛ لكن تخصيصها في هذا الوقت المعين بدعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفعله ولم يسنه لأمته، لا بقوله ولا بإقراره ولا بفعله، وكذلك الخلفاء الراشدون، ولم تحدث بدعة الاحتفال بالمولد إلا في القرن الرابع بعد مضي ثلاثمائة سنة من الهجرة، وعلى هذا فإذا قال لنا هذا الرجل: هذه بدعة حسنة. قلنا: صدقت في قولك: إنها بدعة، ولكنها ليست بحسنة؛ لأنها عبادةٌ على غير ما شرع الله ورسوله. وبهذا علمنا أن من قال: إن من البدع ما هو حسن فإنه مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنه ليس ببدعة وهو حسن كما مثلنا في تصنيف الكتب وبناء المدارس وما أشبه ذلك، هو حسن لكنه ليس ببدعة؛ لأن الإنسان لا يتعبد لله تعالى بهذا الشيء. وإما أنه بدعة لكنه ليس بحسن، كالاحتفال بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنه لا شك أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وذكره بالثناء الحسن بدون غلوٍ لا شك أنه قربى إلى الله عز وجل، سواءٌ فعل في تلك الليلة أم في غيرها، فتخصيصه في تلك الليلة يكون بدعة، وهو غير حسن؛ لأنه لم يكن مشروعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عهد الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ولا التابعين، مع أن الشريعة انقطعت بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، أي انقطع التغيير والتجديد فيها والحذف بوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا ما كان داخلاً تحت القواعد الشرعية فهذا يكون قد أتت به الشريعة من قبل وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام. وعلى هذا فلا تقسيم للبدعة، كل بدعةٍ في الدين فإنها ضلالة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومن المعلوم لنا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بشريعة الله، وأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق لعباد الله، وأنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق في بيانه وبلاغته عليه الصلاة والسلام، إذا كان كلامه صادراً عن علمٍ تام وعن نصحٍ تام وعن بلاغةٍ تامة فكيف يمكن أن نقول: إن من البدع ما هو حسن، وهو قد قال: (كل بدعةٍ ضلالة)؟ وليعلم أن كلام الله وكلام رسوله مشتملٌ على الأوصاف التي توجب القبول بدون تردد، أولها: العلم، وثانيها: الصدق، وثالثها: الإرادة، ورابعها: البلاغة. هذه مقومات الأخبار وموجبات صدقها فكلام الله وكلام رسوله لا شك أنه عن علم، وكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه عن إرادة خير، كما قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)، (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا). وكلام الله وكلام رسوله في غاية الصدق: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً). وكلام الله ورسوله أبلغ الكلام وأفصح الكلام، فأفصح الكلام وأبلغه كلام الله، وأفصح كلام الخلق وأبلغه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. *** السائل من جمهورية مصر العربية خالد خ يقول في هذا السؤال: ما هي أقوال الفقهاء في البدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. فالبدعة في العقيدة: أن يخالف ما كان عليه السلف الصالح، سواء كان ذلك في ذات الله عز وجل أو في صفاته وأفعاله، فمن قال: إن الله تعالى ليس له يد حقيقة، ولكن يده هي قوته أو قدرته أو نعمته كان مبتدعاً، أي: قال قولاً بدعياً، وذلك لأن السلف الصالح لم يفسروا اليد التي أضافها الله لنفسه بهذا أبداً، لم يرد عنهم حرف صحيح ولا حتى ضعيف أنهم فسروا اليد بغير ظاهرها. وعلى هذا فيكون السلف مجمعين على أن المراد باليد هي اليد الحقيقية، وذلك أنهم يتلون القرآن ويقرؤون ما جاءت به السنة في هذا، ولم يرد عنهم حرف واحد أنهم صرفوا النص عن ظاهره، وهذا إجماع منهم على أن المراد بظاهره حقيقة ما دل عليه. وكذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فإن معناه إذا تعدت بعلى: العلو على الشيء علواً خاصاً، فيكون استواء الله على عرشه علوه عز وجل عليه على وجه خاص يليق بجلاله وعظمته لا نعلم كيفيته، فمن قال: إن استوى بمعنى استولى وملك وقهر فقد ابتدع؛ لأنه أتى بقول لم يكن عليه السلف الصالح، ونحن نعلم أن السلف الصالح مجمعون على أن استوى على العرش أي علا عليه العلو الخاص اللائق بجلال الله عز وجل بدون تكييف ولا تمثيل؛ لأنه لم يرد عنهم حرف واحد يخرج هذا اللفظ عن ظاهره، وهذا اللفظ بظاهره معناه ما ذكرنا؛ لأن هذا هو معناه في اللغة العربية التي نزل القرآن بها، كما قال الله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بلسانٍ عربي مبين). فاعتقاد ما يخالف عقيدة السلف بدعة. كذلك من الأقوال ما ابتدع، فهناك أذكار رتبها من رتبها من الناس ليست على حسب الترتيب الشرعي الذي جاء عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتكون بدعة، سواء كانت بدعة في صيغتها أو في هيئتها أو في هيئة الذاكر عند ذكره أو غير ذلك، هناك أيضاً أفعال ابتدعها من؟ ابتدعها الناس، أحدثوا شيئاً لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من الأفعال فهذه بدعة. إذاً فضابط البدعة بالخط العريض هو: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه الله، إما بعقيدته أو قوله أو فعله، هذه هي البدعة. والبدعة لا يمكن تقسيمها إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة أبداً، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل بدعة ضلالة)، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق، وأعلم بما يريد في كلامه، ولا يمكن أن يقول لأمته: (كل بدعة ضلالة) وهو يريد أن بعض البدع حسن وبعضها ضلالة، أبداً؛ لأن من قال: كل بدعة ضلالة وهو يريد أن البدع منها ما هو حسن ومنها ما هو ضلالة كان ملبساً على الناس غير مبين لهم، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ). وقال تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ). فلا بلاغ أبلغ من بلاغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يقسم البدعة إلى قسمين ولا إلى ثلاثة ولا إلى أربعة ولا إلى خمسة، بل جعلها قسماً واحداً محاطاً بالكلية العامة: (كل بدعة ضلالة). وما ظن بعض الناس أنه بدعة وهو حسن فإنه ليس ببدعة قطعاً، وما ظنوا أنه حسن وهو بدعة فليس بحسن، فلابد أن تنتفي إما البدعة وإما الْحُسْن، أَمَّا أن يجتمع بدعة وحسن فهذا لا يمكن مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة). فإن قال قائل: أليس عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثنى على البدعة في قوله- حين أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصلىا للناس بإحدى عشرة ركعة، فخرج ذات يوم وهم، أي: الناس مجتمعون على إمامهم فقال-: (نعمت البدعة هذه)؟ قلنا: بلى، لكن هل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فعله هذا خالف سنة الرسول عليه الصلاة والسلام؟ لا لم يخالف، بل أحياها بعد أن كانت متروكة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام بأصحابه في رمضان ثلاث ليال أو أربعاً، ثم تخلف وعلل تخلفه بأنه خشي بأن تفرض علينا، ومعلوم أن هذه الخشية قد زالت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا وحي بعد موته عليه الصلاة والسلام، لكن بقي الناس في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يصلون أوزاعاً: الرجلان جميعاً، والثلاثة جميعاً، والواحد وحده؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه كان مشتغلاً بحروب الردة وغيرها، وكانت مدة خلافته قصيرة سنتين وأربعة أشهر أو نحو ذلك، لكن عمر رضي الله عنه طالت به المدة وتفرغ لصغار الأمور وكبارها رضي الله عنه، وأتى بكل ما يحمد عليه جزاه الله عن أمة محمد خيراً، فكان من جملة ما أتى به أنه أعاد تلك السُّنة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم شرعها لأمته، ولكنه تخلف خوفاً من أن تفرض، فهي بدعة نسبية، أي: بدعة بالنسبة لتركها في المدة ما بين تخلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإعادتها من عمر رضي الله عنه. لكن هنا مسألة قد يظنها بعض الناس بدعة وليست ببدعة، وهي: الوسائل التي يتوصل بها إلى مقصود شرعي، فإن هذه قد تكون حادثة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام لكنها لا تعد بدعة؛ لأن المقصود والغاية ما كان مشروعاً، فما كان وسيلة للمشروع فهو منه، والمشروع قد أراد الله ورسوله مِنَّا أن نفعله بأي وسيلة كانت إذا لم تكن الوسيلة محرمة لذاتها. فمثلاً تصنيف الكتب وترتيب الأبواب والفصول، والكلام على تعريف الرجال، وكتابة الفقه وتبويب المسائل، وما حدث في زمننا أخيراً من مكبرات الصوت وآلات الكهرباء وغيرها، هذه لم تكن معروفة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنها وسيلة لأمر مقصود للشارع أمر به. فمثلاً استماع الخطبة يوم الجمعة أمر مأمور به، حتى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ومن قال له: أنصت فقد لغا). فهل نقول: إن اتخاذ مكبر الصوت ليسمع عدد أكبر من البدعة المحرمة أو المكروهة؟ لا نقول هذا، بل ولا يصح أن نسميها بدعة أصلاً؛ لأنه وسيلة لفعل سنة، ومن القواعد المقررة عند العلماء أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وخلاصة الجواب أن نقول: البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، وإنَّ (كل بدعة ضلالة) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّ البدعة لا تنقسم إلى حسن وسيئ، وإن الوسائل لأمور مشروعة ليست من البدع، وإنما هي وسائل يتوصل بها إلى أمر مشروع. *** يقول: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أعوذ بالله! أبداً ما فيه بدعة حسنة، وقد قال أعلم الخلق بالشريعة وأفصح الخلق بالنطق وأنصح الخلق للخلق قال: (كل بدعة ضلالة). و(كل) من ألفاظ صيغ العموم، بل هي أقوى صيغ العموم قال: (كل بدعة ضلالة) ولم يستثن شيئاً. وما فعله الإنسان وظنه بدعة حسنة: فإما ألا يكون بدعة لكن هو سماه بدعة، وإما ألا يكون حسنة وهو ظنها حسنة. أما أن يتفق أنها بدعة وحسنة فهذا مستحيل، ولذلك ننكر على أولئك القوم الذين رتبوا أذكاراً معينة يقولونها في الصباح أو المساء فرادى أو جماعة، ننكر عليهم حيث رتبوا أشياء لم ترد بها السنة، مع أنهم يستحسنونها ويرون أنها فاضلة. *** يا شيخ هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال هكذا نقول: لا، ما فيه بدعة حسنة ولا سيئة، كيف يمكن أن نقول هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة)؟ ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالبدع، وأنه أنصح الخلق للخلق، وأنه أفصح الخلق فيما يقول، فيكف يقول: (كل بدعةٍ ضلالة) بهذا التعبير العام الشامل ثم نقول: من البدع ما هو حسن ومن البدع ما هو قبيح؟ ولكننا نقول: كل بدعة إذا ظنها الإنسان حسنة فإما أن لا تكون بدعة وهو يظن أنها بدعة، وإما أن لا تكون حسنة وهو يظن أنها حسنة، فيكون خطأ إما في الأصل وإما في الحكم. يعني: إما أن تكون غير بدعة وهو يظن أنها بدعة وقال: إنها حسنة، وإما أن تكون بدعة وظنها هو حسنة وليست بحسنة. فأصحاب الطرق الذين ابتدعوا في الأذكار ما لم يشرعه الله ورسوله، هؤلاء يظنون أنها حسنة ويقولون: إنها بدعة حسنة، فنقول له: لا والله ليست بدعة حسنة، بل ما دمتم اعترفتم بأنها بدعة يجب أن تعترفوا بأنها ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن قال قائل: ألم يصح عن عمر رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يجمعا الناس في رمضان على إمامٍ واحد، وأمر أبياً وتميماً الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة؟ فالجواب: بلى أمرهم بذلك، وخرج ذات ليلة والناس يصلون على إمامٍ واحدٍ فقال: (نعمت البدعة هذه) فأثنى على هذه البدعة. فالجواب: أن هذه البدعة ليست بدعةً في الواقع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت عنه أنه صلى بالناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تخلف وقال: خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. إذاً فصلاة قيام رمضان جماعة سنة، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تركها خوفاً من أن تفرض على الأمة فتعجز عنها، وبعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زال هذا الخوف ولا يمكن بعده تشريع، لكن بقي الناس في عهد أبي بكر رضي الله عنه يصلون فرادى ومثنى وثلاث ورباع، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى أن يجمعهم على إمامٍ واحد وقال: (نعمت البدعة) يعني: باعتبار ما سبقها، حيث إن الناس تركوا الجماعة في قيام رمضان ثم استؤنفت الجماعة، فهي بدعة بالنسبة لما سبقها من تركها، وليست بدعةً مستقلة لم تكن مشروعة من قبل. هذا من وجه، من وجهٍ آخر أنه- وإن سماها بدعة رضي الله عنه- فهي من سنته، وسنة الخلفاء الراشدين متبعة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي). لكن الوجه الأول هو الجواب الذي لا محيد عنه، وهو: أن عمر سماها بدعة باعتبار ترك الناس لها ثم العودة إليها. *** يقول: هل هناك تسمية تسمى بدعة حسنة وبدعة سيئة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن يقال عن البدعة في دين الله: إنها بدعةٌ حسنـة أبداً، مع قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة). فإن هذه الجملة- أعني: (كل بدعةٍ ضلالة)- صدرت من أفصح الخلق محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنصح الخلق وأعلم الخلق بشرع الله وأعلم الخلق بمدلول خطابه، وقد قال هذه الجملة العامة: (كل بدعةٍ ضلالة). فكيف يأتي إنسانٌ بعد ذلك فيقول: البدعة منها ما هو بدعةٌ سيئة ومنها ما هو بدعةٌ حسنة؟ وهل هذا إلا خروجٌ بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ظاهره؟ فالبدعة كلها بدعةٌ سيئة، والبدعة كلها ضلالة. لكن قد يستحسن الإنسان شيئاً يظنه بدعة وما هو ببدعة، وقد يستحسن شيئاً وهو بدعة يظنه حسناً وما هو بحسن، أما أن يجتمع كونه بدعة وكونه حسناً فهذا لا يمكن أبداً. فمثلاً قد يقول القائل: بناء المدارس بدعة؛ لأنها لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه بدعةٌ حسنة. فنقول: لا شك أن بناء المدارس حسن، لكنه ليس البدعة التي أرادها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ إن بناء المدارس وسيلة لتنظيم الدراسة وتهيئة الدروس للدارسين، وليس مقصوداً في ذاته، بمعنى: أننا لسنا نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أن البناء نفسه عبادة، ولكن نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أنها وسيلةٌ لحفظ العلم وتنظيم العلم، ووسيلة المقصود مقصودة، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد. وربما يحتج محتج لقوله: إن من البدعة ما هو حسن، بما صح عن أمير المؤمنين رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس في قيام رمضان على إمامٍ واحد، وكانوا قبل ذلك يصلون أفراداً أو على اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أوزاعاً، فجمعهم عمر رضي الله عنه على إمامٍ واحد، فخرج ذات ليلةٍ وهم يصلون فقال: (نعمت البدعة هذه). فإن هذه البدعة التي سماها عمر بدعة ليست بدعة جديدة، ولكنها بدعةٌ نسبية، فإنها كانت سنة فتركت ثم استجدت في عهد عمر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه في رمضان جماعة ثلاث ليال، ثم ترك ذلك وقال: (خشيت أن تفرض عليكم). فترك الناس الجماعة على إمام واحد، وصاروا يصلون أفراداً وأوزاعاً إلى عهد عمر رضي الله عنه، وعلى هذا فيكون عمر قد أعاد ما كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجدده، ولم ينشيء الجماعة لقيام رمضان إنشاءً جديداً. وعلى هذا فتكون هذه البدعة بدعةً بالنسبة لما سبقها من تركها، لا بالنسبة لإنشاء مشروعيتها؛ لأن عمر رضي الله عنه أفقه وأورع وأبعد عن أن يشرع في دين الله ما لم يشرعه الله ورسوله. وخلاصة القول: أنه لا يمكن أن تكون البدعة الشرعية تنقسم إلى قسمين حسنة وسيئة مع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل بدعةٍ ضلالة)، وأن ما ظنه بعض الناس بدعةً وهو حسن فإن ظنه إياه بدعة خطأ، وما ظنه الإنسان حسناً وهو بدعة حقيقةً فإن ظنه أنه حسن خطأ. *** المستمع من إثيوبيا يقول: تقسيم العلماء الكبار للبدعة إلى خمسة أقسام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). ما رأيكم في هذا يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا قول لأحد بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بدين الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق فيما يقول. وإذا ثبتت هذه الأمور الثلاثة التي مقتضاها أن يكون كلامه هو الحق الذي لا يمكن أن يعارضه شيء من كلام الناس فإننا نقول: كل هذه التقاسيم التي قسمها بعض أهل العلم مخالفة للنص يجب أن تكون مطرحة، وأن يؤخذ بما دل عليه النص، وكل من قال عن البدعة: إنها حسنة فإنها إما ألا تكون بدعة لكنه لم يعلم أنها ليست بدعة، وإما أن لا تكون حسنة لكنه ظنها حسنة، أما أن تكون بدعة حقيقة وحسنة فإن هذا لا يمكن أبداً؛ لأن هذا يقتضي تكذيب خبر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (كل بدعة ضلالة)، ومن المعلوم أن الضلالة ليس فيها حسن أبداً بل كلها سوء وكلها جهل، فمن ظن أن بدعة من البدع حسنة فإنه لا يخلو من إحدى الحالين اللتين ذكرناهما آنفاً، وهما: إما ألا تكون بدعة وإما ألا تكون حسنة، وإلا فكل بدعة سيئة وضلالة وليست بحسنة. فإن قلت: ما الجواب عن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه- حين جمع الناس في قيام رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري، وأمرهما أن يصلىا بالناس إحدى عشرة ركعة، ثم خرج والناس يصلون فقال-: (نعمت البدعة هذه)، فسماها عمر بدعة وأثنى عليها بقوله: نعمت البدعة؟ فالجواب: أن عمر لم يسمها بدعة لأنها بدعة محدثة في دين الله، ولكنها مجددة، فسماها بدعة باعتبار تجديدها فقط، وإلا فإنها ثابتة بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تأخر عليه الصلاة والسلام في الليلة الرابعة وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم)، ومقتضى هذا أنها سنة، لكن تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن ملازمتها لئلا تفرض على الناس فيلتزموا بها. وبهذا يتبين أن قيام الناس في رمضان جماعة في المساجد من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومن سنته، وليس من بدع عمر بن الخطاب كما يظنه من لا يفهم الخطاب. *** هذه رسالة من المرسل ك ع ب من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية محافظة حضرموت يقول: ما هي البدعة وما هي أقسامها؟ وهل تقسيمها إلى خمسة أقسام كما قسمها الشيخ العز بن عبد السلام صحيح؟ وماذا يقصده ابن عبد السلام بتقسيمه للبدعة؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله خيراً. فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة العربية فعلة من البدع، وهو اختراع الشيء على غير مثال سَبَقَ، ومنه قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي مبدعهما؛ لأنه سبحانه وتعالى خلقهما على غير مثال سَبَقَ. هذا معنى البدعة في اللغة العربية. أما البدعة في الشرع فإنها: كل عقيدة أو قول أو عمل يتعبد به الإنسان لله عز وجل وليس مما جاء في شريعة الله سبحانه وتعالى. أقول: البدعة الشرعية ليس لها إلا قسم واحد، بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة). فكل بدعة في الشرع فإنها ضلالة، لا تنقسم إلى أكثر من ذلك، وهذه البدعة التي هي ضلالة سواء كانت في العقيدة أم في القول أم في العمل هي مردودة على صاحبها غير مقبولة منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من حديث عائشة: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). إذاً فالبدعة الشرعية لا تنقسم لا إلى خمسة أقسام ولا إلى أكثر ولا إلى أقل، إلا أنها قسم واحد بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم الخلق بما يقول، وأنصح الخلق فيما يوجه إليه، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم غني عن التعقيد، وليس فيه شيء من التعقيد، وهو بيِّن واضح. وتقسيم البدعة عند بعض أهل العلم كالعز بن عبد السلام وغيره إنما قسموها بحسب البدعة اللغوية التي يمكن أن نسمي الشيء فيها بدعاً، وهو في الحقيقة ليس من الشرع؛ لدخوله في عمومات أخرى، وحينئذٍ فيكون بدعة من حيث اللغة وليس بدعة من حيث الشرع. وإني أقول للأخ السائل ولغيره: إن تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام أو أكثر أو أقل فهم منه بعض الناس فهماً سيئاً، حيث أدخلوا في دين الله ما ليس منه، بحجة أن هذا من البدعة الحسنة، وحرفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قالوا: إن معنى قوله: (كل بدعة ضلالة): أي كل بدعة سيئة فهي ضلالة، وهذا لا شك أنه تعقيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويستلزم نقصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيان؛ لأننا لو قلنا: إن الحديث على تقدير: كل بدعة سيئة ضلالة، لم يكن للحديث فائدة إطلاقاً؛ لأن السيئة سيئة وضلالة سواء كانت بدعة أو غير بدعة، كالزنى مثلاً معروف في الشرع أنه محرم، وتحريمه ليس ببدعة، ومع ذلك نقول: إنه من الضلال وإنه من العدوان. فالذين يقدرون في الحديث: كل بدعة سيئة ضلالة، هؤلاء لا شك أنهم اعترضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنقصوا بيانه عليه الصلاة والسلام، ولا ريب أن الرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الناس بياناً وأفصحهم مقالاً وأنصحهم قصداً وإرادة، وليس في كلامه عي، وليس في كلامه خفاء، أقول: إن هذا التقسيم الذي ذهب إليه العز بن عبد السلام وبعض أهل العلم أوجب إلى أن يفهم فهماً سيئاً من بعض الناس الذين هم طفيليون على العلم، ومن أجل ذلك حرفوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإني أقول وأكرر: إن كل بدعة في دين الله فإنها ضلالة، ولا تنقسم البدعة الدينية إلى أقسام، بل كلها شر وضلالة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث فيما رواه النسائي: (وكل ضلالة في النار). فعلى المرء أن يكون متأدباً مع الله ورسوله، لا يقدم بين يدي الله ورسوله، ولا يدخل في دين الله ما ليس منه، ولا يشرع لنفسه مالا يرضاه؛ لأن الله يقول: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً). فكل ما قدر أن يتعبد به المرء لربه وليس مما شرع الله فإنه ليس من دين الله، وإنما أطلت على هذا الجواب لأنه مهم، ولأن كثيراً من الناس الذين يريدون الخير انغمسوا في هذا الشر- أعني: شر البدع- ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منه، ولكنهم لو رجعوا إلى أنفسهم وعلموا أن هذا- أعني: سلوك البدع في دين الله- يتضمن محظوراً عظيماً في دين الله، وهو: أن يكون الدين ناقصاً؛ لأن هذه البدع معناها أنها تكميل لدين الله سبحانه وتعالى، والله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ولا شك أنها نقص في دين الإنسان، وأنها لا تزيده من الله تعالى إلا بعداً. والله الموفق. *** ما هي البدع التي تخرج عن ملة الإسلام؟ وما هي البدع التي دون ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الضابط في هذا: أن البدعة إذا كانت تناقض الإسلام، أو تستلزم القدح في الإسلام فإنها بدعة مكفرة، وأما إذا كانت دون ذلك فهي بدعة مفسقة. فمن البدع التي لا تكفر ما استحدثه بعض الناس من صيغ أذكار معينة أو أوقات عينوها للذكر لم ترد السنة بتعيينها، وهي في الأصل مشروعة، ولكن قيدوها بزمن لم تتقيد به في القرآن والسنة. وأما البدع المكفرة التي تسلتزم نقص الخالق أو نقص الرسول أو نقص نقلة الشريعة كالصحابة رضي الله عنهم فإن هذه بدع مكفرة. والمهم: أن ما يناقض الإسلام من البدع فهو بدعة مكفرة، وما لا يناقضه فهو بدعة دون التكفير. *** هذه رسالة من السائل عبد الله عبد الرحمن محمد من محافظة عدن يقول: كيف تكون معاملة من يبتعد عن السنة ويبتدع في الدين ما ليس منه، ادعاء خشية الفتنة من العامة، وأن ذلك استدراج لتأليف قلوبهم كما يدعي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معاملة هذا المبتدع الذي يبتدع في الدين ما ليس منه ليرضي عباد الله: أن ينصحه عن هذا العمل؛ لأنه عمل محرم، والله سبحانه وتعالى يقول: (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي). ولا يمكن أن يداهن عباد الله في أمر لم يشرعه الله، فالواجب عليه التوبة إلى الله من هذا الأمر، وأن يسير على دين الله سبحانه وتعالى، وعلى الهدي الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، سواء رضي الناس بذلك أم لم يرضوا. لكن الأمور المجهولة لدى الناس من السنة ينبغي للإنسان أن يمهد لها تمهيداً يتألف به الناس قبل أن يظهرها لهم ويفعلها ولا يدعها، ولكنه إذا خاف من نفور الناس فإنه يمهد لذلك ويدعوهم بالحكمة حتى يطمئنوا بها وتنشرح بها صدورهم. وأما ترك السنة مراعاة لهم فهذا لا ينبغي، أو ابتداع شيء في دين الله مراعاة لهم فهذا أمر لا يجوز. *** هل يجازى صاحب البدعة الجاهل على حسن نيته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجازى على حسن نيته، ولكن إن تبينت له السنة وجب عليه اتباعها. والدليل على أنه يجازى على حسن نيته قصة الرجلين اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحضرت الصلاة فلم يجدا الماء، فتيمما وصلىا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة والثاني لم يتوضأ ولم يعد الصلاة. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبراه قال للذي لم يعد: أصبت السنة، وقال للآخر: لك الأجر مرتين. فحكم للآخر بالأجر على فعل الأول والثاني مع أنه خلاف السنة، والله تبارك وتعالى يقول: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعني العدل، فيعطى الإنسان على حسب نيته وعمله، فإذا كان جاهلاً وفعل شيئاً يعتقده عبادة وليس بعبادة أثيب على نيته، لكن إذا بانت له السنة يجب عليه اتباعها. *** عبد الصمد عبد الرحيم يقول: هل تطبيق البدعة يعاقب أم يثاب عليها مطبقها؟ وخاصة الصلاة والسلام على النبي بعد الأذان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). وإذا كان كذلك فإن البدعة سواء كانت ابتدائية أم استمرارية يأثم من تلبس بها؛ لأنه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (في النار)، أعني: أن الضلالة هذه تكون سبباً للتعذيب في النار، وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام حذر أمته من البدع فمعنى ذلك أنها مفسدة محضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم ولم يخص، قال: (كل بدعة ضلالة). ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية؛ لأن معناها أو مقتضاها أن الشريعة لم تتم، وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم، وعليه فنقول: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والواجب الحذر من البدع كلها، وأن لا يتعبد الإنسان إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون إمامه حقيقة، أي: ليكون الرسول صلى الله عليه وسلم إمامه حقيقة؛ لأن من سلك سبيل بدعة فقد جعل المبتدع إماماً له في هذه البدعة دون رسول الله صلى الله عليه وسلم.
|
|||
![]() |
رقم المشاركة : 42 | |||
|
![]() السلام عليكم.
عيد مبارك للجميع غفر الله لنا و لكم و تقبل الله منا و منكم أخلص الأعمال اللهم أمين. بارك الله فيك أختي على هذا العمل و أرجو من الله عز وجل أن يجعله في ميزان حسناتك. و لكن أختي أرى أنه يجب أن تتريثي حتى يتمكن المطلع على أستعاب هذا الكم الهائل من الحقائق و الفوائد. وبناءا على هذا أود أن أقترح عليكي مايلي أجعلي مواضيعكي على شكل حلقات ذات فقرات ملخصة مختصرة مع حجم كبير للخط حتى لا يمل القارئ. لأني يأختي لا أرى من يهتم كثيرا لأمر التوحيد في هذا المنتدى. قال تعالى : (( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون )) قال تعالى : (( أن تقول نفس ياحسرتا على مافرطت في جنب الله )) ![]() |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 43 | ||||
|
![]() اقتباس:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
عيدكم أسعد وتقبل الله منا ومنكم بارك الله فيك وجزاك الله خيرا على النصيحة لقد جاءت على بالي هذه الفكرة ولكن المشكلة هو الدراسة لم يعد لدي وقت كثير للاتصال لهذا أنا أسرع لكن سأحاول إن شاء الله العمل بها جزاك الله خيرا مرة أخرى |
||||
![]() |
رقم المشاركة : 44 | |||
|
![]() شر الكلاب الشيعة ايها الاخوة ![]() |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 45 | |||
|
![]() ![]() ![]() ![]() بارك الله فيك
موضوع متميز ننتظر المزيد.... |
|||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc