لا أريد أن احكم على الرجل فيبدو أساسا أن خطأ ما حدث في نقل الخبر , لكن لدي ملاحظتين على مسألة الشهادات
- أولا : يبدو واضحا أن لدى الإسلاميين ما أسميه "عقدة الشهادات" فهم و بسبب ميل خصومهم التقليدي لاتهامهم بالتخلف و الرجعية يبالغون في ما ينفي ذلك بممارسة الكثير منهم هواية جمع الشهادات و استظهارها كأوسمة فخرية تثبت توفقهم على غيرهم , و قد يكون من الطبيعي أن يقال عن فلان انه حاصل على الدكتوراه في التخصص الفلاني لكن لا معنى بعد ذلك الحديث عن درجات علمية اقل إلا إذا كان الهدف إشهاريا لا غير , لكن بسبب هذه العقدة تجد أن الإسلاميين أكثر الناس حرصا على إظهار تعدد شهاداتهم و هو ما لا نلاحظه بنفس الدرجة لدى غيرهم , أقول هذا بوصفي قد نشأت و ترعرعت داخل التيار الإسلامي و لمست من الكثيرين منهم هوسا بموضوع الشهادات , و النتيجة انه بالرغم من الكم الكبير من إطارات الحركات الإسلامية الحاصلين على مختلف الدرجات العلمية لم يقدم الإسلاميون لنا أسماء بارزة في المجالات العلمية على المستوى العالمي كأحمد زويل و إلياس زرهوني و منير نايفة و غيرهم ... و الذي أراه هو أن الاحتفاء الزائد عن الحد بالدرجات العلمية و الشهادات لدى الإسلاميين يعكس لديهم عقدة نقص و ردة فعل مبالغ فيها لتعويض الشعور بالنقص الذي نعاني منه جميعا بوصفنا امة قد لا تقدم الكثير اليوم في مجال العلوم و التكنولوجيا , كما يعكس أيضا استمرار ثقافة التجميع و التكديس و الحشو التي ترسخت في ثقافتنا , و هذا الاحتفاء بالكم على حساب النوع هو احد أعراض التخلف الذي نجد في كتابات السيوطي و لا نزال نجده اليوم في ظاهرة تجميع الشهادات في شكل من أشكال الرياء الأكاديمي حيث حلت الشهادة محل العمامة , كما تعكس الظاهرة بعدا آخر من أبعاد ضعف الشخصية الإسلامية و التي لا زالت تؤمن بمبدأ التزكية , فالشهادة تزكية و دلالة على التخصص و التخصص يمنح صاحبه حق أن يتكلم فلا يُرد عليه . لذا نجد اليوم الكثيرين ممن ليس لديهم من حجة للدفاع عن آرائهم سوى أنهم متخصصون و حاملون لشهادة كذا أو كذا , و من الطبيعي أن يميل الشخص الذي تقمع آراءه باسم السلطة العلمية للشيخ أو الأستاذ أن بعيد إنتاج نفس نمط السلوك (الإستقواء بالشهادة بدل الحجة)... و الذي ننتظره حقا هو انجازات علمية بارزة و عطاء معرفي حقيقي يهتم بالنوع على الكم و يحدث قطيعة مع يسميه مالك بن نبي بثقافة التكديس حيث لا ترتبط المعرفة و الحقيقة لا بالكم و لا بالمظهر أو الشكل و لا بالعمامة أو اللحية و لا بالشهادات والأوسمة ...
- ثانيا : النجاح الاكاديمي لا يعني بالضرورة النجاح في العمل السياسي , لأن المنطق السياسي يختلف تماما عن منطق العلم و متطلباته تحتاج لكثير من الكاريزما و الكثير من الدبلوماسية و الحنكة التي قد يفتقر لها الكثير من الأكاديميين . و المُشاهد في مختلف دول العالم الناجحة أن أغلب السياسيين و القادة الناجحين ليسوا حاملين لشهادات علمية مرموقة أو نشاط علمي واضح , فللسياسة أهلها و للعلم أهله و لكن الحقليين مرتبطين ببعضهما ارتباطا وظيفيا يخدم مصلحة الدولة و الاقتصاد و المجتمع . و لن تجد سياسيا في الدول المتقدمة يتحدث عن شهاداته و لو فعل لأصبح محل سخرية الجميع ... و هنا أيضا تعود نفس الظاهرة للبروز عندنا و هي ظاهرة التجميع و التكديس و الرغبة في الجمع بين كل التخصصات , في حين تظهر التجارب السياسة و العمل العلمي حقلان مختلفان بشكل كبير , فأردوغان مثلا قد لا يملك من المواهب و المؤهلات لتجعل منه مخترعا أو مكتشفا أو عالم ذرة لكنه قائد ناجح و كذلك الأمر يتعلق بمختلف كبار قادة العالم ...
في الأخير لا تهدف هذه المشاركة في الطعن في عضو البرلمان المصري المذكور و لكنها سرد لما خطر على البال بعد قراءة الموضوع و تعبير عن وجهة نظر خاصة تعتمد على ملاحظات و تجارب شخصية ...