قال لي أحدهم : لماذا لا تعترف بأن بوتفليقة رئيس شرعي للجزائر ؟
فأجبته بأن بوتفليقة كرئيس ولد ميتا فاقدا للشرعية القانونية و الشعبية ...
فقد شرعيته القانونية ...
أولا : حين تقدم للإنتخابات الرئاسية لسنة 1999 بملف مرفوض مخالف لقوانين الجمهورية و على رأسها الدستور بإعتباره من جهة صاحب سوابق قضائية حيث أدين في بداية الثمانينات من طرف مجلس المحاسبة الذي يعتبر دستوريا هيئة قضائية بتحويل أموال عمومية و هذا القرار كان ساري المفعول في ذلك الوقت . و من جهة أخرى فهو أعزب و القوانين الجزائرية تشترط بأن يكون رئيس الجمهورية متزوجا .
ثانيا : أنه مدد في فترة حكمه لعهدة ثالثة عن طريق عملية إغتصاب مفظوحة للدستور الذي قام بتعديله بطريقة لا دستورية . من جهة عن طريق برلمان فاقد للشرعية الشعبية بإعتباره لا يمثل سوى 20 بالمائة من الشعب الجزائري , و هذا حسب النتائج الرسمية المعتمدة من طرف النظام نفسه . و من جهة أخرى التعديلات مست طبيعة النظام بحيث حولته من نظام مختلط إلى نظام رئاسي , و هذا النوع من التعديلات لا تتم إلا عن طريق الإستفتاء شعبي الشيئ الذي لم يقم به النظام .
و فاقد للشرعية الشعبية بإعتباره وصل إلى السلطة عن طريق التزوير و الترهيب و أستعمال الوسائل البشرية و المادية للدولة . مما دفع بمنافسيه في إنتخابات 1999 إلى الإنسحاب من السباق . بعد أن تبين لهم بأن نظام الظل قد حسم أمره لصالح بوتفليقة ... ثم فقد ما تبقى من رصيده الشعبي في إنتخابات 2009 حين قاطعها الشعب , بحيث لم تتجاوز نسبة المشاركة الفعلية 25 بالمائة في أحسن الأحوال . مما أضطر النظام لتضخيم نسبة المشاركة بطريقة غبية كشفته أمام الرأي العام الوطني و الدولي .
قال لي محدثي: لقد ذكرت بأن بوتفليقة قد وصل إلى السلطة و أستمر فيها بطريقة غير مشروعة ..لكنه حقق خلال فترة حكمه نتائج طيبة على المستويات الأمنية و الإقتصادية و الديبلوماسية ...لماذا تنظرون فقط للجزء الفارغ من الكأس ؟؟؟
فأجبته : هذا لأن أنصار بوتفليقة ينظرون فقط للجزء المملؤ من الكأس , فنضطر نحن للتركيز على الجزء الفارغ حتى تكتمل الصورة ...لكن سأجيبك على ما حققه بوتفليقة على المستويات التي ذكرتها واحدة بواحدة , و لنخصص هذا اليوم للجانب الأمني .
لا يخفى على أحد ما كانت تعيشه الجزائر من تردي في الأوضاع الأمنية نتيجة توقيف المسار الإنتخابي , و الإنقلاب على إرادة الشعب . مما أضطر بعض الشباب المتحمس بالرد بالمثل على العنف المسلط عليهم , و دخلت الجزائر في شبه حرب أهلية أختلط حابلها بنابلها , و حدثت فيها تجاوزات و أعمال وحشية قل نظيرها , و بعد سنوات من الدم أقتنع الطرفان المتصارعان بأن حل الكل أمني لن يجد نفعا , كما كثر الحديث عن تورط بعض قادة الجيش في جرائم إبادة جماعية و شرعت بعض المنظمات الحقوقية الدولية في التحرك ضدهم , فدخل الطرفان في مفاوضات سرية أثمرت بالإتفاق على توقيف الإقتتال .
أعلن الجيش الإسلامي للإنقاذ و بعض الفصائل المنضوية تحت لوائه على توقيف القتال أبتداء من يوم 07 أكتوبر 1997 . و حددت لهم أماكن معينة للعسكرة هناك في إنتظار إحداث آلية قانونية ترسم هذا الإتفاق , و تمكنهم من العودة إلى الحياة المدنية .
نتيجة الصراعات التي برزت بين أقطاب السلطة أضطر اليمين زروال لإجراء إنتخابات رئاسية مسبقة و أعلن بأنه لن يترشح لها , و غادر السلطة تاركا قانون المصالحة الوطنية فوق مكتبه.
الأطراف التي كانت في صراع مع زروال أتصلت ببوتفليقة و أتفقت معه على أن يكون مرشحها لرئاسيات 1999 , و حددت له بدقة المسار الذي سيسلكه في تسيير شؤون البلاد . عند وصول بوتفليقة لقصر المرادية وجد ملف المصالحة الوطنية فوق مكتبه تنقصه فقط جرة قلم , فقام بالإمضاء عليه وفقا لما أتفق عليه .
ثم قلت له : ما يسمى بقانون المصالحة الوطنية في حذ ذاته قام بتكريس الظلم و الجور المسلطين على شريحة مهمة من المجتمع , كما كرس فكرة اللاعقاب التي ستأخذ المجتمع إلى الهاوية, لأن ظاهره مصالحة و باطنه تبييض و غسل لأيادي في السلطة ملطخة أياديها بدماء الشعب و حمايتها من المساءلة القانونية أمام الجهات القضائية الوطنية و الدولية . في حين حرم الطرف الآخر من ممارسة حقوق المواطنة .
فالمصالحة الوطنية التي من المفروض أن تغلق صفحة الماضي بما فيها من آلام و تفتح صفحة جديدة بدون ظلم أو إقصاء لأي جهة مهما كانت . ولدت مريضة و عرجاء لهذا فشلت في توقيف أعمال العنف , كما فشلت في إرجاع اللحمة الوطنية و الدليل أن التناحر اللفظي و الفعلي مازالا قائمين لحد الساعة .
قال لي محدثي : لقد ذكرت بأن بوتفليقة لم يكن له الفضل الكبير في الإستقرار النسبي للأوضاع الأمنية في الجزائر , و أن المصالحة الوطنية مشروع أعد قبل وصول بوتفليقة للرئاسة , و أنه لم يكن أمامه من خيار سوى أن يقره أو يرحل كما رحل الذين سبقوه ...فما قولك في القفزة الإقتصادية التي عرفتها الجزائر في عهده ...هل ستنكرها كذلك ؟؟؟
فقلت له : بوتفليقة أوفر رؤساء الجزائر حظا من ناحية توفر الموارد المالية لكنه فشل في إستغلالها بما يعود بالخير على البلاد كما فشل في إقامة أسس قوية و عصرية للإقتصاد الوطني تحل محل إقتصاد الريع الذي عرفته الجزائر منذ الإستقلال .
إن أي سياسة إقتصادية لا تهدف إلى توفير مناصب شغل حقيقية و قارة هي سياسة شعبوية عقيمة تهدف لتسكين الألم و ليس لمداواة المرض.
بوتفليقة فشل في خلق المناخ المناسب لإستقطاب الإستتمارات و ساهم في خلق بيئة منفرة لها . من خلال تفشي الفساد في جميع دواليب الدولة و حتى داخل محيطه و عدم وجود إرادة جادة في محاربته, و لعل قضيتي الخليفة و كذلك سوناطراك أكبر دليل على هذا .
التباطؤ في إدخال إصلاحات جبائية تتماشى و المقاييس العصرية و تخليص هذا الجهاز من جيوب الرشوة و الفساد .
عدم الإسراع في إصلاح الجهاز المصرفي الذي مازال يسير بطرق إدارية بيروقراطية بعيدة عن مقاييس التسيير الإقتصادية التي يجب أن تطبعه . سواء في جمع الإذخار أو في إعادة توزيعه .
كذلك تخليص الإدارة الجزائرية من العقلية البروقراطية المتحجرة و تحسين ظروف الإستقبال لديها ..كل هذه العوامل جعلت الجزائر تحتل مراتب متخلفة جدا فيما يخص إستقطاب الإستتمارات , و تتصدر الدول الأكثر فسادا في العالم , و هذا حسب الترتيب الذي وضعته هيئات عالمية مستقلة و موضوعية .
و بسبب ضعف الإستثمارات و عزوفها و إقتصارها على القطاع الخدماتي . ظل النمو الإقتصادي الحقيقي (خارج قطاع المحروقات ) ضعيفا , و لا يستجيب للحاجيات الوطنية و ظلت نسبة البطالة في تصاعد مستمر مصحوبة بالإضطرابات الإجتماعية .
أمام هذا الوضع الإجتماعي العويص وجد بوتفليقة أمامه خزينة عمومية مملؤة بمليارات من البترودولار . فراح يوزعها يمينا و شمالا بطريقة شعبوية غير عقلانية لشراء الذمم و تسكين الألم ستضر مستقبلا بالإقتصاد الوطني . و لعل الزيادات في الأجور على أسس غير علمية غير مصحوبة بالزيادة في الإنتاج الوطني الخام الحقيقي خارج قطاع المحروقات سيدفع بكثلة نقدية زائدة على حاجيات السوق مما يؤدي مستقبلا إلى إحداث تضخم حاد .و كذاك خلق مناصب شغل وهمية في إطار عقود ما قبل التشغيل . يعدان أكبر دليل على هذه السياسة الشعبوية الإرتجالية .
بدا اليوم محدثي أكثر وثوقا من نفسه حين علم بأننا سنتحدث في السياسة الخارجية لجزائر ( العزة و الكرامة ) و قال لي : بغض النظر عما ذكرته فيما يخص تقييمك للبرنامج الإقتصادي لفخامة الرئيس أعزه الله . فإنني لا أعتقد بأن لديك ما تنتقد به كفاءة فخامته العالية في إعادة الجزائر للمحافل الدولية و تسيير الشؤون الخارجية للبلاد ؟
فقلت له : إن البريق الذي عرفته الديبلوماسية الجزائرية في السبعينات لا يعود بالأساس إلى كفاءة أو مهارة أو حذاقة القائمين عليها . بل يعود أساسا إلى السمعة الطيبة و الزخم الخرافي الذي عرفت به الثورة الجزائرية لدى شعوب العالم , و كذلك المناخ السياسي الذي كان يطبع المجتمع الدولي آنذاك . من تجاذب إيديولوجي بين الشرق الإشتراكي و الغرب الرأسمالي , و بروز تكثلات سياسية و إقتصادية في الشمال النامي و الجنوب المتخلف السائر في طريق النمو .
عند وصول بوتفليقة للسلطة وجد الجزائر تعيش في عزلة دولية نتيجة السمعة السيئة التي يتمتع بها النظام الشمولي في الجزائري , و التي ختمها بجريمة الإنقلاب على إرادة الشعب و ما ترتب عن هذا من أعمال عنف قل نظيرها في العصر الحديث , و زاد الطين بلة شح الموارد المالية نتيجة إنخفاض أسعار البترول .
حاول بوتفليقة إيجاد منافذ لإعادة الجزائر إلى المحافل الدولية , فجرب عملية التوسط لإنها الصراع الحدودي بين أثيوبيا و إريتيريا , و لم ينجح لأن المجتمع الدولي كان يستغرب بإستهزاء من رجل تعيش بلاده في حرب أهلية و لا يفعل الكثير , و يتوسط لإنهاء صراعات الآخرين !!!
حاول إيجاد منفذ آخر عن طريق البحث عن دور في حل القضية القضية الفلسطينية و أضطر لمصافحة رئيس الوزراء الصهيوني إيهود باراك بحرارة ليؤكد له أنه بإمكان الجزائر أن تلعب نفس الدور الذي كانت تقوم به كل من مصر و الأردن ( قواد ) , لكنه فشل و أصطدم برفض جميع الأطراف للفكرة متحججين بأن الجزائر ليست من دول الطوق .
حاول إيجاد منفذ عن طريق فرنسا حيث شرع في التودد إليها و بلغت به الجرأة حد ضم الجزائر إلى منظمة الدول الفرانكوفونية و داس بذلك على الجرح الذي يؤلم كثيرا الشعب الجزائري لكن هذا التنازل المذل لم يأت بنتيجة .
كل هذه المحاولات أتسمت بالسذاجة و الإرتجالية و غموض الرؤيا و لم تكن هدفها الأساسي خدمة المصالح الإقتصادية للجزائر بقدر ما هي حركات لجذب الإنتباه .. ليس إلا . لأن أي نشاط ديبلوماسي يهدف بالدرجة الأولى لتحقيق مصالح إقتصادية و فشل بوتفليقة في إقناع الإستثمارات الأجنبية لأنه فشل في سياسته الداخلية التي من المفروض أن تكون داعمة للتحركات الخارجية .
و في الأخير ختمها بوتفليقة بنكسة حقيقية تشهدها الديبلوماسية الجزائرية من خلال تعاطيه الغريب مع الثورة العربية حيث راهن على أنظمة متهالكة و أيدها سرا و علانية و خسر الرهان و أساء لسمعة الثورة الجزائرية و للمكانة الخاصة التي كانت تحتلها الجزائر في قلوب الشعوب العربية , و حولنا إلى دولة منبوذة إقليميا و عربيا .
قلت لمحدثي : هل تعلم بأن بوتفليقة قام بمعية أحزاب التحالف بإفساد الحياة السياسية في الجزائر ؟
قال : كيف ؟
قلت : بوتفليقة شخصية غارقة في نرجسيتها لا تحب النقد و لا تحتمل وجود رأي آخر و مثل هذا النوع من البشر يحبون ان تحف بهم مجموعة من الأمعات مسلوبي الشخصية عملهم اليومي و الوحيد هو التطبيل و الرقص على أنغام أغنية ..مثلك ماكانش خلاص .
إنطلاقا من هذا عمد بوتفليقة إلى إخلاء الساحة السياسية من كل شخص أو جماعة لا تحمل بيدها طبلا أو بنديرا فقام بمعية الموالين له من جناحي السلطة حزبي الآفة لان و الراندو بالتآمر على تحطيم و تفتيت القوى السياسية المعارضة .
قام في بادئ الأمر بإخلاء هذين الحزبين من اي تيار أو فرد يمكن أن يعارضه , ثم تفرغ للأحزاب المعارضة من جبهة القوى الإشتراكية التي سعى لتقليم مخالبها و كسر شوكتها عن طريق خلق ظاهرة العروش بمنطقة القبائل لتهميش دور الأحزاب الفاعلة بالمنطقة ثم قام بدفع بعض القيادات للتمرد على الحزب . و نفس الشيئ فعله مع التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية الذي كان حليفه في إنتخابات 1999 , و لما أنقلب عليه سارع بوتفليقة لتكسيره مستغلا بعض الوجوه القيادية كخليدة تومي و عمارة بن يونس .
ثم تفرغ لحركة الإصلاح الوطني التي كانت تعتبر أكبر حزب معارض ينشط بصورة رسمية في الجزائر و الذي حاول بوتفليقة وضعه تحت برنوسه عن طريق إدخاله في التحالف الرئاسي , و أمام رفض الشيخ جاب الله أن يكون في فرقة المطبلين أعلن عليه بوتفليقة عن طريق وزير الداخلية نورالدين زرهوني حربا قضائية شرسة و ظالمة قصد تجريده من رئاسة الحركة , و إبعاده عن الساحة السياسية . مستعملا بعض الأوجه القيادية التي أغراها بمناصب وزارية , و لما فرغ من إنجاز مهمته تبرأ منهم و تركهم يتلاومون و يتقاتلون بالسكاكين و العصي
Ahmed Boukou Akrouh للامانة الموضوع منقول من القايسبوك لهاذا الشخص