السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة داعين الباري تعالى أن يحفظكم ويرعاكم ويوفقكم لمراضيه، وبعد:
الإنفاق على الزوجة والأولاد من واجبات الزوج شرعاً وقد دلّت على ذلك نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وأجمع عليه العلماء.
والنفقة الواجبة على الزوج مقدّرة شرعاً بكفايتها من الطعام واللباس والسكن على قدر حال الزوج يساراً وإعساراً، قال تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) البقرة/ 233.
نعم، ليس بواجب على الزوج الزيادة ـ على المعروف ـ من الإنفاق في مسائل اللباس وغيره بما هو زائد على المعروف، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف)، وقوله (ص): ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)).
فالشارع المقدس لم يحدد الكسوة والإسكان من نفقة الزوجة بمقدار معين وإنما ترك تقديرهما للعرف الاجتماعي الذي يعيش فيه الزوجان.
وقال بعض الفقهاء بأن نفقة الزوجة تدور مدار حالة الزوج المالية فإن كان معسراً أنفق عليها أدنى ما يكفيها من النفقة بالمعروف وإن كان متوسطاً أنفق عليها أوسع من ذلك بالمعروف، وإن كان غنياً أنفق عليها أوسع من ذلك كله بالمعروف، واستدل بقوله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) الطلاق/ 7.
فيما أكّد فقهاء آخرون على مراعاة حالة الزوجة بوجه خاص. وعلى أي حال فإن كيفية النفقة على الزوجة تكون تابعة لحال كلا الزوجين ... وقالوا: إن الواجب عليه الإنفاق أدنى من نفقة الموسرات وأوسع من نفقة المعسرات.
هذا من الجانب النظري الشرعي، أما من الجانب العملي ـ أيتها الأخت الكريمة ـ فإن هدف الزوجين حماية الأسرة والحفاظ على سلامتها وسلامة الأبناء وتوفير الأجواء السليمة والصالحة لنشوئهم وارتقائهم ... ولذا فكثيراً ما تجد من الأزواج مَن يضحي ويقدم التنازلات من أجل استدامة الزواج والحفاظ على وئام الأسرة وتماسكها، دون الإصرار على الحقوق والواجبات التي يجب على كل طرف أن يعرفها ويلتزم بها.
فمن حقك أن تعرفي زوجك بواجباته وحقوقك وقد يساعد ذلك على التزامه بالشرع وقيامه بواجباته ... ولكن مع ذلك كله فإذا ما قصّر الزوج ـ وهو مسؤول شرعاً، وعلى رأي بعض الفقهاء تبقى النفقة ديناً لها عليه في ذمته ـ ولم يقم الزوج بواجباته فإن الزوجة المدبّرة والحكيمة تصبر وتضحي من أجل سلامة العائلة وتماسكها وعدم تهديد مستقبلها والحيلولة دون تعكير جو العائلة بالمشاكل والاختلافات التي بدورها تشوش الجو وتولد القلق والاضطراب لدى جميع أفراد العائلة.
وبرأينا فإن التضحية بالمال هو أقل الأثمان لسلامة العائلة، التي لا تقدّر بثمن.
نعم، ينبغي للزوجة تدبير الأمور والإنفاق باعتدال والسعي لادخار شيء من وارداتها لمستقبلها ومستقبل أولادها، ولتحتسب المرأة في مثل هذه الحالات صبرها وتضحيتها عند الله تعالى الذي لا يضيع عنده شيء، فقد روي عن رسول الله صلى عليه وسلم: ((من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب على بلائه، ومَن صبرت على سوء خلق خُلُقِ زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم)).
ولعلّ الزوج ينتبه لنفسه مستقبلاً ويزداد رشداً وعلماً وفهماً ويبادر لإصلاح خطئه ومما يساعد على ذلك زيادة ثقافته الدينية وخبراته الاجتماعية، وتستطيع الزوجة المساهمة من ذلك بالاستماع المشترك للبرامج الدينية وقراءة الكتب ومناقشة الموضوعات بهدوء والاستفادة من أولي الألباب من العقلاء والمثقفين.
وبذلك يقترب الزوجان من بعضهما ثقافياً وبالتالي اجتماعياً ونفسياً.
ومما ينبغي ملاحظته أن الرجل ـ ولأسباب مختلفة ـ قد يصعب عليه قبول الملاحظات من زوجته التي قد تفوقه علماً، لذا فإن الزوجة يمكن لها تحرير الملاحظات بصورة أفقية وودّية، لا بصورة النقد والمواجهة.
فيمكن لها مثلاً أن تطرح عليه الأسئلة لغرض تحريك فكره وتذكيره بالجانب الشرعي أو الموقف الحياتي الصحيح، ومن خلال إجاباته يمكن ارفاده ببعض الملاحظات، ويمكن مناقشة تجارب لآخرين أو قصص مطروحة في المطبوعات لغرض الاعتبار منها.
وفي كل الحالات يجب الحفاظ على جوّ الودّ والسكينة داخل العائلة لضمان مستقبلها.
كما ينبغي للمرأة أن تعمل على إشغال نفسها بتنحية الجوانب الإيجابية في شخصيتها وتقوية إيمانها بالله تعالى وزيادة ثقافتها وتطوير مواهبها وترويح نفسها بالفن والرياضة والأجواء الطبيعية السليمة البعيدة عن الحرام، وأن يكون لها عالمها الخاص الذي ترتاح إليه، فإن ذلك يساعدها على التعويض عما تجده أحياناً من إحباط أو عدم راحة من بعض العلاقات العائلية كما يجعلها تتعامل بإيجابية أكثر مع محيطها العائلي.
نتمنى لك التوفيق والفلاح في طاعة الله ورضوانه.