أعتقد أن جملة أخطونا يا عرب تمثل بالفعل الثورة الشبابية الجزائرية الحقيقية و أجزم أن هذا المفهوم لو طبق فعلا لكانت الإقلاعة الثقافية الحقيقية في الجزائر لأن الشاب الجزائري فهم بحدسه ربما ... أو ربما بتجربته لأن تجربة الشعوب هي أهم دروس الحياة ...
قلنا فهم أخيرا الدرس و وصل لنتيجة ... هته النتيجة هي نفسها التي توصل إليها المفكر الألمعي إبن خلدون حين أطلق صرخته المشهورة : إذا عربت خربت .... ربما هي الصدفة .... أو ربما هي نفسية الشعوب التي آمن بها إبن خلدون التي جعلت الأرض التي إنطلقت منها الصرخة الأولى ضد ثقافة العرب وخطورتها على شعوبنا و على الثقافة الإسلامية التي لاتمت لها بأي صلة كما يحاول الأعراب دائما إيهامنا به هي نفسها الأرض ونفس الشعب الذي تنبه لخطورة ثقافة العربان فأخطونا ياعرب إنطلقت من أرض الجزائر و المقدمة الخلدونية كذلك إنطلقت من مدينة فرندة من أرض الجزائر حيث يقول: في الفصل السادس والعشرين من المقدمة وعنوانه "في ان العرب اذا تغلبوا على اوطان اسرع اليها الخراب" ويرجع ابن خلدون السبب في ذلك بقوله " أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش و أسبابه فيهم، فصار لهم خلقاً و جبلةً و كان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم و عدم الانقياد للسياسة، و هذه الطبيعة منافية للعمران و مناقضة له فغاية الأحوال العادية كلها عندهم الرحلة و التغلب و ذلك مناقض للسكون الذي به العمران و مناف له.
فالحجر مثلاً إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي القدر فينقلونه من المباني و يخربونها عليه و يعدونه لذلك، والخشب أيضاً إنما حاجتهم إليه ليعمدوا به خيامهم و يتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربون السقف عليه لذلك، فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران هذا في حالهم على العموم، وأيضاً فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس، وأن رزقهم في ظلال رماحهم، وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه، بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه، فإذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب والملك بطلت السياسة في حفظ أموال الناس و خرب العمران.
وأيضاً فلأنهم يكلفون على أهل الأعمال من الصنائع و الحرف أعمالهم لا يرون لها قيمة ولا قسطاً من الأجر و الثمن، والأعمال كما سنذكره هي أصل المكاسب و حقيقتها، وإذا فسدت الأعمال و صارت مجاناً، ضعفت الآمال في المكاسب، وانقبضت الأيدي عن العمل، وذعر الساكن، و فسد العمران.
وأيضاً فإنهم ليست لهم عناية بالأحكام، وزجر الناس عن المفاسد، ودفاع بعضهم عن بعض إنما همهم ما يأخذونه من أموال الناس نهباً أو غرامة فإذا توصلوا إلى ذلك و حصلوا عليه أعرضوا عما بعده من تسديد أحوالهم، والنظر في مصالحهم و قهر بعضهم عن أغراض المفاسد، وربما فرضوا العقوبات في الأموال حرصاً على تحصيل الفائدة و الجباية و الاستكثار منها كما هو شأنهم، وذلك ليس بمغن في دفع المفاسد، وزجر المتعرض لها، بل يكون ذلك زائداً فيها لاستسهال الغرم في جانب حصول الغرض فتبقى الرعايا في ملكتهم كأنها فوضى دون حكم، والفوضى مهلكة للبشر، مفسدة للعمران بما ذكرناه من أن وجود الملك خاصة طبيعية للإنسان لا يستقيم وجودهم و اجتماعهم إلا بها وتقدم ذلك أول الفصل.
وأيضاً فهم متنافسون في الرئاسة و قل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره و لو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقل، وعلى كره من أجل الحياء فيتعدد الحكام منهم و الأمراء و تختلف الأيدي على الرعية في الجباية والأحكام، فيفسد العمران و ينتقض.
وكي نتعرف اكثر على ثقافة البدواة واعرافها وقيمها عند العرب لننظر ماذا قال ابن خلدون في الفصل الخامس والعشرين من مقدمته " في أن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط ، و ذلك أنهم بطبيعة التوحش الذي فيهم أهل انتهاب وعيث ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة ولا ركوب خطر ويفرون إلى منتجعهم بالقفر، و لا يذهبون إلى الزاحفة، والمحاربة إلا إذا دفعوا بذلك عن أنفسهم، فكل معقل أو مستصعب عليهم فهم تاركوه إلى ما يسهل عنه، ولا يعرضون له، والقبائل الممتنعة عليهم بأوعار الجبال بمنجاة من عيثهم و فسادهم، لأنهم لا يتسنمون، إليهم الهضاب و لا يركبون الصعاب و لا يحاولون الخطر، وأما البسائط فمتى اقتدروا عليها بفقدان الحامية و ضعف الدولة فهي نهب لهم و طعمة لآكلهم يرددون عليها الغارة و النهب و الزحف لسهولتها عليهم إلى أن يصبح أهلها مغلبين لهم، ثم يتعاورونهم باختلاف الأيدي و انحراف السياسة إلى أن ينقرض عمرانهم و الله قادر على خلقه و هو الواحد القهار لا رب غيره".
وذكر ابن خلدون مثالا على ثقافة البدوي بايراده قصة الأعرابي الوافد على عبد الملك فقال لما سأله عبد الملك عن الحجاج و أراد الثناء عليه عنده بحسن السياسة و العمران فقال: تركته يظلم و حده وانظر إلى ما ملكوه و تغلبوا عليه من الأوطان من لدن الخليقة كيف تقوض عمرانه و اقفر ساكنه و بدلت الأرض فيه غير الأرض فاليمن قرارهم خراب إلا قليلاً من الأمصار و عراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع والشام لهذا العهد كذلك و أفريقية و المغرب لما جاز إليها بنو هلال و بنو سليم منذ أول المائة الخامسة و تمرسوا بها لثلاثمائة و خمسين من السنين قد لحق بها و عادت بسائطه خراباً كلها بعد أن كان ما بين السودان و البحر الرومي كله عمراناً تشهد بذلك آثار العمران فيه من المعالم و تماثيل البناء و شواهد القرى و المدن و الله يرث الأرض و من عليها و هو خير الوارثين.
نلاحظ أن إبن خلدون في هذا الجزء السابق يتحصر على ما صارت إليه بلاد المغرب بعد أن دخلها العرب وهي التي كانت بلادا مشعة بالحضارة و يذكر الشواهد من القرى والمدن البائدة التي هدمها العرب من قبائل بنو سليم وبنو هلال و إستعملوا حجارتها بعد أن كانت مدنا زاخرة .
ويواصل ابن خلدون في الفصل الثامن والعشرين من المقدمة قوله "في أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك.... و السبب في ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم و أبعد مجالاً في القفر و أغنى عن حاجات التلول و حبوبها لاعتيادهم لشظف وخشونة العيش، فاستغنوا عن غيرهم، فصعب انقياد بعضهم لبعض وذلك للتوحش، ورئيسهم محتاج إليهم غالباً للعصبية التي بها المدافعة فكان مضطراً إلى إحسان ملكتهم و ترك مراغمتهم لئلا يختل عليه شأن عصبيته فيكون فيها هلاكه وهلاكهم، وسياسة الملك و السلطان تقتضي أن يكون السائس وازعاً بالقهر و إلا لم تستقم سياسته.
و أيضاً فإن من طبيعتهم كما قدمناه أخذ ما في أيدي الناس خاصة و التجافي عما سوى ذلك من الأحكام بينهم و دفاع بعضهم عن بعض فإذا ملكوا أمة من الأمم جعلوا غاية ملكهم الانتفاع بأخذ ما في أيديهم و تركوا ما سوى ذلك من الأحكام بينهم، وربما جعلوا العقوبات على المفاسد في الأموال حرصاً على تكثير الجبايات، وتحصيل الفوائد فلا يكون ذلك وازعاً، وربما يكون باعثاً بحسب الأغراض الباعثة على المفاسد واستهانة ما يعطي من ماله في جانب غرضه، فتنمو المفاسد بذلك و يقع تخريب العمران فتبقى تلك الأمة كأنها فوضى مستطيلة أيدي بعضها على بعض، فلا يستقيم لها عمران و تخرب سريعاً شأن الفوضى كما قدمناه فبعدت طباع العرب لذلك كله عن سياسة الملك"
طبعا لم يعش العلامة إبن خلدون لزمن تغلب النزعة العروبية على الأندلس و سواد الثقافة العربية التي عجلت بخراب الأندلس و بُدِّلَ الإسلام بحروب الطوائف فخرجوا منها جميعا .
الجزائريون ليسوا عربا في غالبهم ... و حتى إن تعرب الكثير منا لسانا حبا في الإسلام فالحمد لله أننا لم نتعرب جميعا ثقافة بل حافظ الكثير من أهل المغرب لاسيما الجزائريون على ثقافتهم ... فلنا ثقافتنا ولكم ثقافتكم يا عرب ... فأخطونا يا عرب .