ثامناً : الاجتهاد:
كلما سئل أو تحدث الترابي عن الاجتهاد في مفهومه الشرعي، كرر الأقاويل التي يرددها العلمانيون الذين يرون من حقهم الخوض في أخص معاني الدين والاعتقاد دون حسيب أو رقيب، وليس من حق أحد أن يحاسبهم على اجتهاد اجتهدوه!!
في مقابلة للترابي مع جريدة المحرر [1/8/1994] قال:
"وحين أذكر الاجتهاد فإنني أعتقد أنه واجب على كل فرد، وليس على العالم المزعوم أنه عالم. الكل مطالب بأن يتعاون ويتناصر في الاجتهاد، ويفتح باب حرية الرأي.." وهنا سأل رئيس تحرير الصحيفة:
هل أفهم من كلامكم هنا أن الحرية تعني الاجتهاد، كما يعني الاجتهاد الحرية؟ فأجاب: "نعم. نعم. والاجتهاد الحر ليس للعلماء فقط وبشروط معينة، بل لكل أحد لكل فرد. لابد من أن نجتهد معاً وجميعاً فيما هو محقق لمصلحة الجماعة.
إن نهضة الثقافة الإسلامية لا تنشأ من جهد علماء خمسة و عشرة. ولكن من نهضة الأمة كلها وصحوتها ومشاركتها. صحيح إن البعض يتقدم عادة فيعبر عن المجموع ومشاعره ومصالحه، ولكن المجموع يشارك".
هذا الاجتهاد الذي يراه الترابي حقاً للخاصة والعامة دون قيد أو شرط، هو سبب هذه الطامات الكبرى في عالمنا الإسلامي، فللزعماء حرمات لا يجوز الاقتراب منها، وللدساتير الأرضية قداسة لا ينبغي تجاوزها حتى في الدول الأوربية، أما الدين الإسلامي فليس له أية حرمة، والاعتداء عليه والطعن به حق مشاع لكل زنديق هدام، وعندما يعترض دعاة أخيار على ما يكتبه هذا الأديب أو ذاك الفيلسوف من موضوعات تطعن بأنبياء الله أو بركن من أركان ديننا الحنيف، يرتفع صوت العلمانيين ويشتد صخبهم منادين بإسكات هؤلاء الذين يريدون أن يعودوا بالبشرية إلى العصور الحجرية، وينهض ناس من أمثال الترابي مستنكرين مواقف الجامدين المقلدين الذين يريدون منع الناس من ممارسة حرياتهم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم.
هؤلاء جميعاً - ومنهم الترابي - لا يجيزون لعامة الناس ممارسة مهنة ليس لهم أي علم بها كالطب والهندسة وغير ذلك، أما العبث في الدين فنعم، وأضيف ما قلته فيما مضى: إن ضحايا الترابي من إخوانه الذين مارسوا اجتهاداً يخالف اجتهاده أكثر من أن يحصيهم العد.