كنت وأنا صغير أسمع جدي يقول لي أن فلانا "مرابط" ، أي شريف . لم أكن أدري ما معنى هذين المصطلحين في ذلك الوقت . الشيء الوحيد الذي كنت أعلمه هو أن جدي كان يقبل رأس جارنا "المرابط" ويحيطه بكثير من العناية والاحترام .
بعد مدة بدأت أدرك معنى تلك الكلمات . "مرابط" أو "شريف" صفة تطلق على أولئك الذين يعتقد أنهم وفدوا من المشرق عند انتشار الإسلام في المغرب العربي ، وكان الناس يقدسونهم باعتبارهم من المسلمين الأوائل أو لأن نسبهم يتصل بالرسول (ص) أو صحابته .
من المعروف أن المسلمين الذين استولوا على شمال إفريقيا في القرن السابع لم يكن عددهم يتجاوز بضعة آلاف عاد معظمهم إلى بلاده بعد أسلمة أغلب سكان المنطقة ، حيث عوض المحاربون العرب بمحاربين من شمال إفريقيا .
بعد أن استتب الأمر للمسلمين بمقتل ملكة الأمازيغ التي سماها العرب "الكاهنة" ، بدأوا في نشر الدين الإسلامي واللغة العربية ، فتسنى لهم ذلك في السهول والحواضر ، لكن المناطق الجبلية بقيت محتفظة بلغتها وتقاليدها ، بل أن كثيرا منها لم يدخل الإسلام إلا بعد ذلك بكثير .
وفي القرن العاشر الميلادي أرسل الفاطميون، الذين يدينون بالمذهب الشيعي ، قبائل بني هلال لمهاجمة الزيريين الذي أعلنواالولاء للعباسيين ، فعاثوا في الأرض فسادا .
لقد أوردت هذه النبذة التاريخية لأبين أن أغلب سكان الجزائر أمازيع ، منهم الذين عربوا (سكان السهول ) ، ومنهم من بقي على أمازيغيته ( سكان الجبال) .
فأنا مثلا من قبيلة مطماطة (إمضماضن) التي تقع في جنوب غرب مدينة خميس مليانة بولاية عين الدفلى ، ويوجد في نفس المنطقة قبيلة اهراوات ( إهراون) . ما زال سكان هاتين القبيلتين يتكلمون لهجة تسمى "الزناتية " ويقا لها أيضا "جنات ".
كل الناس يقولون عن هاتين القبيلتين أنهما عربيتان ، وهو ماليس صحيحا . ألم يقل الشيخ عبد الحميد بن باديس أننا أمازيغ عربنا الإسلام .
الشيء الذي يؤلمني هو أن كثيرا من الجزائريين يحاولون التنصل من أمازيغيتهم ويريدون الانتساب إلى العرب ، وهم بتصرفهم هذا يريدون "اكتساب الشرف ".
أنا لا أكره العرب ، فهم بشر مثل بقية البشر في العالم تربطني بهم علاقة الإنسانية ، وأشترك مع المسلمين منهم في الدين الإسلامي.
إن لكل شعب خصوصيته . أليس الأتراك والإيرانيون والأندونسيون وغيرهم مسلمين ؟ هل قالوا في يوم ما أنهم عرب؟
لكل الشعوب عادات وتقاليد في الملبس والمأكل والمشرب والأفراح والأتراح تميزها عن غيرها من الشعوب الأخرى ، إلا نحن . لماذا ؟ هل بسبب الاستعمار الذين محا الشخصية الجزائرية ؟ أم بسبب المدرسة التي أهملت تدريس أبناء الجزائر تاريخهم الضارب بجذوره في القدم ؟ أم بسبب الأفكار الهدامة التي غزت عقول شبابنا فجعلتهم ينسلخون عن شخصية آبائهم وأجدادهم .
أنظروا إلى هؤلاء الشباب الذين يقلدون غيرهم في الملبس . أيعقل أن يلبس شاب في مقتبل العمر عباءة لم يكن يرتديها إلا المسنون ؟
ولنفرض جدلا أن بعض الشباب تعجبه العباءة ، فلماذا لا يرتدي عباءتنا المغاربية ؟ لماذا يريد تقليد عرب شبه الجزيرة أو الأفغان ؟
قد يقول قائل عن السراويل والمعاطف وغيرها التي نرتديها هي من اختراع الغرب ؟ إن الغرب تطور في جميع المجالات ، ومنها الألبسة ، وقد أثبتت هذه الملابس ملاءمتها للناس في العمل وفي المشي وفي الجري .
بعد ما يقارب نصف قرن منذ استرجعنا سيادتنا ، ما زلنا نعلن الولاء للقبيلة والعرش والجهة ، في حين أنه كان من المفروض أن يكون ولاؤنا للدولة الجزائرية التي ضحى من أجلها آباؤنا وأجدادنا بالغالي والنفيس والأنفس .
فأنا يغيضني أن يتفاخر الشباب بانتسابهم لهذه القبيلة أو لتلك ، بل كنت أتمنى أن يكون فخرهم بانتمائهم للجزائر، بلد الأبطال والشهداء .