الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله اما بعد:
السلفية: هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لأنهم هم الذين سلفونا وتقدموا علينا، فاتباعهم هو السلفية.
وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية كمنهجٍ حزبي فلا شك أن هذا خلاف السلفية ، فالسلف كلهم يدعون إلى الاتفاق والالتئام حول سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يضللون من خالفهم عن تأويل، اللهم إلا في العقائد، فإنهم يرون أن من خالفهم فيها فهو ضال، أما في المسائل العملية فإنهم يخففون فيها كثيراً.
لكن بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا صار يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً كمنهج الأحزاب الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام، وهذا هو الذي يُنكر ولا يمكن إقراره، ويقال: انظروا إلى مذهب السلف الصالح ماذا كانوا يفعلون؟ انظروا طريقتهم وفي سعة صدورهم في الخلاف الذي يُسوغ فيه الاجتهاد، حتى إنهم كانوا يختلفون في مسائل كبيرة، وفي مسائل عقدية، وعملية، فتجد بعضهم مثلاً يُنكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وبعضهم يقول: بلى، وترى بعضهم يقول: إن التي توزن يوم القيامة هي الأعمال، وبعضهم يرى أن صحائف الأعمال هي التي توزن، وتراهم أيضاً في مسائل الفقه يختلفون كثيراً، في النكاح، والفرائض، والبيوع، وغيرها، ومع ذلك لا يضلل بعضهم بعضاً.
فالسلفية بمعنى أن تكون حزباً خاصاً له مميزاته ويضلل أفراده من سواهم فهؤلاء ليسوا من السلفية في شيء. وأما السلفية التي هي اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واختلافاً واتفاقاً وتراحماً وتواداً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) فهذه هي السلفية
فإن أهل السنة هم الذين يتبعون الصحابة وما كان عليه السلف، وليس هؤلاء فرقة وهؤلاء فرقة ، أو أن السلفية أخص ! والاصطلاح المصطلح عليه أن السلف هم الصحابة ومن سار على طريقهم وأهل السنة هم الذين اتبعوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم الذين ورد فيهم الحديث : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ( حديث الفرقة الناجية ) . ونصب الخلاف والنزاع على مجرد الألقاب لا يجوز، والله تعالى أمر باتفاق المؤمنين ونهى عن التفرق وتوعد عليه .
وينبغي للإنسان أن يكون قصده الحق ، وإذا قال قولاً قال بالعدل والإنصاف ، ولا يكون مبغضاً لإنسان فيدعوه بغضه إلى رد الحق الذي يقوله ، أو تلمس الزلات له ، ولا يأتي بأشياء قد تكون مفهومة عن بعد أو فيها تكلف لأجل ذلك، فهذا ليس من شأن أهل السنة ، والمسلم يجب أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويجب أن يكون ناصحاً له ، ويؤدي النصيحة وينطوي قلبه عليها . ونعلمكم أن كثيراً من الباحثين قد تعرضوا لذِكر الفرق بين " الوهابية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية السنيَّة ، ومع أن تلبيس شياطين الإنس لم ينطلِ على الكثيرين بسبب البون الشاسع بين الطائفتين في نواحٍ عدة اعني الطوائف المضلة فلما أظهر الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب على حين غربة معتقد أهل السنة والجماعة ، قائماً بالدعوة الإصلاحية التصحيحية على ضوء الكتاب والسنَّة : لم يرق ذلك لأعداء التوحيد ، وعبّاد القبور ، وأصحاب المطامع والأغراض والأهواء ، فسحبوا هذه النسبة - الوهابية - على سبيل المغالطة الماكرة - إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية ، وإلى أنصارها ، وأطلقوها عليها ؛ لتنفير الناس عنها ، وصدهم عن سبيل الله تعالى ، وإيهامهم بأنّ دعوة التوحيد مبتدعة ، وأنها مذهب الخوارج .
والساسة العثمانيون نشروا هذا الإطلاق على دعوة الشيخ محمد إلى التوحيد ، وتلّقفه الناس بواسطة القبورييّن ، والصوفية ، والمبتدعة ، والجهلة ، والعامّة ، واتخذوه نبزاً مشعراً بالذم ، حين خافوا على دولتهم من هذه الدعوة إلى التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، لا سيما بعد دخول الحرمين الشريفين فيها تحت ولاية أنصارها ، وساعد على ذلك توافق اسم عبد الوهاب والد الشيخ محمد مع هذا الإطلاق عند من لا يدري الحقيقة .
دعوة الشيخ محمد – أي : ابن عبد الوهاب - تتنافر مع الوهابية الرستمية ، من حيث المعتقد ، والمحتوى ، والمكان ، والطريقة ، وأسلوب الاستشهاد بالدليل الشرعي ؛ لأن الرستمية خارجية إباضية تخالف معتقد أهل السنة والجماعة ، كما هو معروف عنهم لدى علماء المالكية ، في شمال أفريقيا والأندلس ، قبل تغلب الإفرنج عليها وذهابها من الحكم الإسلامي الذي هيمن عليها ، قرابة ثمانية قرون ، بينما الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته لا يخرج عن مذهب أهل السنة والجماعة ، ويدعم رأيه في كل أمر بالدليل الصحيح ، من الكتاب والسنة ، وما انتهجه السلف الصالح ، كما هو واضح النص ، والقياس ، في جميع كتبه ، ورسائله .
و مما ينبغي أن يعلم أن الإسلام دين التوحيد ؛ قد جاء بتوحيد الله ، الذي هو أصل الأصول في هذا الدين ، وأمر باجتماع الناس كلهم على ذلك ، ونبذ دواعي النزاع والشقاق ، ونهى أشد النهي عن التفرق والاختلاف ، قال الله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ) آل عمران/103
ثم قال تعالى بعدها :
( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
آل عمران/105
وقال سبحانه : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال/46
وقال تعالى : ( وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) الروم/31، 32 .
وقرأ حمزة والكسائي: ( فارقوا دينهم )
"حجة القراءات" (278) – "تفسير القرطبي" (14/ 32)
وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا ) . رواه البخاري (3476) .
قال الحافظ رحمه الله :
" فِي هَذَا الْحَدِيث الْحَضّ عَلَى الْجَمَاعَة وَالْأُلْفَة وَالتَّحْذِير مِنْ الْفُرْقَة وَالِاخْتِلَاف وَالنَّهْي عَنْ الْمِرَاء فِي الْقُرْآن بِغَيْرِ حَقّ ، وَمِنْ شَرّ ذَلِكَ أَنْ تَظْهَر دَلَالَة الْآيَة عَلَى شَيْء يُخَالِف الرَّأْي فَيُتَوَسَّل بِالنَّظَرِ وَتَدْقِيقه إِلَى تَأْوِيلهَا وَحَمْلهَا عَلَى ذَلِكَ الرَّأْي وَيَقَع اللِّجَاج فِي ذَلِكَ وَالْمُنَاضَلَة عَلَيْهِ " انتهى .
وعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا وَيَقُولُ : ( لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ )
رواه أبو داود (664) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وروى ابن ماجة (85) عن عبد الله بن عمرو قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَخْتَصِمُونَ فِي الْقَدَرِ ، فَكَأَنَّمَا يُفْقَأُ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنْ الْغَضَبِ فَقَالَ : ( بِهَذَا أُمِرْتُمْ أَوْ لِهَذَا خُلِقْتُمْ ؟ تَضْرِبُونَ الْقُرْآنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ؟ بِهَذَا هَلَكَتْ الْأُمَمُ قَبْلَكُمْ )
صححه الألباني في "صحيح ابن ماجة" (1/157)
وعن عَرْفَجَةَ بن شريح قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ ( يعني فتن وأمور محدثة ) فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ ) . رواه مسلم (1852) .
والنصوص في الباب كثيرة لا تحصى ، والمقصود التنبيه على أن الإسلام لم يأت بالفرقة ، وإنما جاء بضدها من الألفة والاجتماع ، ولكن على الحق ، وهذا هو مفترق الطريق .
فالاجتماع مشروط بكونه على الحق ، ورد الخلاف مشروط بكونه إلى الحق ، فلما اختلفت أهواء الناس وتعددت مشاربهم ، تشتتت مفاهيمهم حول دعوة الإسلام ، ومن طلب الحق بدلائله يجدها لا تزال دعوة غضة طرية ، لا تشوبها شائبة ، ولا يعيبها عيب .
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حال الأمة من بعده بقوله : ( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ) رواه أبو داود (4607) وابن ماجة (44) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة
وعند ابن ماجة : ( قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ )
فأمر بالتمسك بالسنة دينا ، وأقر الاختلاف في الأمة قدرا ، ورده إلى السنة شرعا ، ووصف محدثات الأمور بأنها ضلالة ، وهو ما يتوافق مع ما تقدم من النصوص .
فالإسلام لا ينقسم إلى فرق يخالف بعضها بعضا ، ويعادي بعضها بعضا ، ولكن الناس هم الذين يختلفون بقدر بعدهم عن الدين ، وتركهم سنة نبيهم ، واتباعهم لأهوائهم .
روى ابن ماجة (3992) وابن أبي عاصم في السنة (53) عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة وسبعون في النار ، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة ، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار ) قيل : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : ( هم الجماعة ) . صححه الألباني في الصحيحة (1492)
وفي رواية : ( ما أنا عليه وأصحابي ) رواه الترمذي (2641) وحسنه .
ثانيا :
أهل السنة ، أو السلفية ، وهما إطلاقان مترادفان ، هم المستمسكون باتباع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والمتابعون لهدي السلف الصالح ، في أقوالهم ، وأفعالهم ، وأحوالهم ؛
وهذا من أصول الخلاف بينهم وبين غيرهم من الطوائف ، أعني : أن يصدرون في كل شيء عن نص الكتاب والسنة ، أولا ، لا سيما في مسائل الاعتقاد ، ويراعون طريق السلف الصالح في ذلك كله ، ويقدمون ذلك كله على نتائج أفكار العقول ، وما تقوله الفلسفات البشرية ، فيما ليس من طاقة البشر من أمور الغيب
هذا ما احببت ان اقدمه وجيزا والكلام يطول ونسأل الله ان يردنا الى ديننا ردا جميلا هو ولي ذلك والقادر عليه واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين