أما أهم أسباب هذا التعريب فثلاثة: الدين، واللغة، والتزواج وكان الدين أسبق الثلاثة إلى التحكم في مصير البربر، فلقد اعتنقوا الإسلام عن شوق وقناعة، وأحبوه من أعماق قلوبهم، وأخلصوا لتعاليمه أشد الإخلاص، ثم أحبوا معه، ومن أجله كل ما صحبه من مقومات، أحبوا أهله العرب حبا لم يكن يخلو من الغلو، حتى كان البربري يرى أن الاصهار إلى العربي والتقرب منه، إنما هو شرف كبير له، بل هو في نظره ضرب من العبادة، والتقرب الى الله؛ لأن هذا العربي في نظره، إنما هو رسول الله إليه، وأنه مجاهد في سبيل تبليغ رسالة الحق المقدسة، وأنه مرابط في الثغور، بعيدا عن أهله وعن وطنه، وأنه يفعل كل ذلك، في سبيل إعزاز كلمة الدين والحق، وفي سبيل نشر مبادئه السمحة الخالدة، وساعد على تسهيل التزواج والاختلاط، أن حملة رسالة الإسلام الأول من العرب كانوا بدورهم يؤمنون بأن دينهم لا يفرق بين عربي وعجمي، ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى، من هناك، شاع التزواج بين العرب والبربر، وابتدأ منذ الفتح، وظل يتسع نطاقه حتى يوم الناس هذا، وقد مضى أربعة عشر قرنا على هذا التلقيح، لا يقف في طريقه واقف".
وهذا التحليل الوارد على لسان الورتيلاني سنة 1955 يقره عليه باحث من المغرب سنة 1996، حيث يقول الأستاذ الحسن بلحسن: "لا يمكن القيام بعملية بتر وفصل وتقسيم الجسد الواحد لكون العربي امتزج وتزوج بالأمازيغية، كما أن الأمازيغية تناسلت من عربي بل أكثر من هذا أننا نتحدى من يستطيع أن يتميز من بين السكان الحاليين من هو العربي ومن هو الأمازيغي، ذلك أن مجموعة من الناطقين بالأمازيغية في الأرياف، هم عرب أصلا، والعديد من القبايل البربرية تعربوا في الحواضر منذ قرون، ومايزالون كذلك حتى الآن.".
أحمد بن نعمان