اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفاهلي
لاتقولني مايدور في خلدك / أنا لا أعتبر الدكتوراه آلة ، إنما أعتبرها الغاية الكبرى التي تسمح بتجاوز عديد الاشكاليات ، ياللعجب كيف تجد دكتورا في الإعلام الآلي يتباكى على منصب في الجامعة براتب زهيد لا يتجاوز 46000 دج ، في حين تجد تقني بسيط في الإعلام الآلي يسخر شهادته البسيطة هذه للأعمال الحرة ، فتجده في ورشته يجد ويكد ، ويحصل على راتب يفوق أضعافا راتب الأستاذ الجامعي ، هل رأيت دكتورا في الطب مثلا يتسول وظيفة ، إن شهادته تسمح له بالعمل الحر في أية دولة وبراتب يفوق أضعاف رواتب الذل التي يبحث عنها دكاترة آخر زمن .
|
من الواضح أن هذا النقاش لن يؤدي إلى أي نتيجة، ذلك أنه مبني على الخلط بين عدة أمور مختلفة. أولا صحيح أن الغاية من العلم هي تطوير المهارات الذاتية، و بالتالي التحرر من الاعتماد على الآخرين إلى حد ما، و هنا قد تصدق الأمثلة التي سيقت سابقا. و كذلك يمكن لمن اجتاز شوطا كبيرا في دراسة الفلسفة أن يتصدى منفردا للتعامل مع الأزمات الأخلاقية و الروحية التي قد تعترضه. كما يمكن للباحث في علم النفس أن يدرك مصدر الخواطر و الأفكار السيئة التي تراوده، و أن يتعامل معها دون الحاجة إلى اللجوء إلى نظرائه. في الحقيقة، المنفعة تتجاوز المعني لتشمل الآخرين، فالدكتور في الإعلام الآلي أو الإلكترونيك ليسا مطالبين فقط بحل مشاكلهما الخاصة فيما يتعلق بإصلاح الأجهزة الإلكترونية و الآلات الميكانيكية، بل للمجتمع دين عليهما و تسديده يكون بتكليفهما بمساعدة غيرهما، إما عبر تطبيق المعرفة في مهنة ما، أو نقل تلك المعرفة إلى الآخرين من خلال التدريس.
من جهة أخرى، ليس الأفراد هم من يحددون قيمة الشهادة، و لا الغرض منها. بل المجتمع هو من يضع سلم الدرجات العلمية، و قيمة كل منها. و في بلادنا الدكتوراه و الماجستير شهادتان تؤهلان الأفراد للعمل كأساتذة في مؤسسات التعليم العالي. إذن سعي فرد لنيل الدكتوراه لا يختلف إطلاقا عن سعي فرد آخر لنيل دبلوم من مركز للتكوين المهني.
الأمر الآخر الذي يحتاج إلى توضيح، هو أننا نعيش في ظل دولة، أي مجموعة أفراد اتفقوا على التخلي عن جزء من حقوقهم في سبيل المصلحة العامة. نأخذ جزءا من راتبك لنغطي نفقات شخص آخر، تعليم ابناء فرد لم تسمع بوجوده، نفرض ضريبة على أموال شخص تكرهه حتى تتمكن من العلاج مجانا، نفرض عليك تمضية جزء من حياتك في الدراسة حتى نتمكن من تطوير معارف الأجيال اللاحقة. المجتمع سوق مقايضة، و لكن لا أحد يستطيع إدعاء الملكية الاصيلة لأي سلعة. حتى الدولة، التي هي في نهاية المطاف وكيل لتسيير شؤون الجماعة التي شكلتها. لذلك المطالبة بالتوظيف ليست لا تسولا و لا طلبا لمكرمة، بل هي مطالبة بأن تأخذ الأمور مجراها الطبيعي. الله وحده يعلم حجم المعاناة التي يكابدها بعض زملائنا، لكن الشخص البائس أو اليائس يحتاج إلى التعاطف و المواساة لا إلى الاحتقار. مع ذلك فطريقة التعامل تنبئ عن حالة العقل أو القلب، أو كلاهما.
في الأخير أوجه خطابي إلى المسمى "الفاهلي"، طبعا هذه المرة الأخيرة التي سأبادلك فيها الحديث، بعد أن خرقت كل آداب الحوار و صرت تساوم المسلمات المؤمنات في شرفهن. إنني أدعوك لأن تثبت أنك رجل عنده كلمته ثانيا، لأن الذي لا كلمة له ليس رجلا. لعلك تتذكر الشخص الذي كان يصرخ في وقت ما ثم أعلن و هو في كامل قواه العقلية، أنه سيقاطع منتدى "يقمع الحريات".