آثار التعصّب الرياضي.
ما حارب الإسلام التعصب إلا لما له من آثار وخيمة و قد تعددت آثار بليّة التعصب الرياضي و كثرت لتعصف بجميع مقاصد الشريعة التي قـُـدّم بها. فمن آثار هذه (الهزّة) ما يتعلّق بالدين و منها ما يتعلّق بالمال و منها ما يتعلّق بالعقل و منها ما يتعلّق بالنفس . و مما هو مؤكد أن معرفة هذه الآثار لا يحتاج إلى أن تقرأ في بطن كتاب و لا أن يبحث عنها في المنتديات و عالم السراب و إنما يكفى الواحد منّا الطّواف بنظره و السياحة بفكره في ملاعبهم و جماهيرهم لينقلب إليه بصره بالشيء العجاب
فقد حمل التعصب الرياضي الأحبة على التهاجر، و دفعهم إلى أرض التناحر، بل تجابهوا تحت قواطع سيوف الألسن، و تلاعنوا في الفضائيات و كفروا بما بينهم من أخوّة. و أبحروا في وادي الهمز و الّمز السحيق، ليعصفوا بذلك مقومات دينهم و ما يجمعهم من ملّة و عقيدة و عبدوا الكرة و أنديتهم و تنكروا لأصول دينهم. ففسدت ذات البين و حُلِق الدين كما صح عن رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم (( هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين)) يقصد عليه الصلاة و السلام فساد ذات البين . و لم يسلم من هذا التدابر و التهاجر الأقاليم و لا الولايات و لا الجهات و لا الدول و الأقطار و ما كان بين الإخوة الأشقاء الجزائريين و المصريين لا يخفى و ما كان و لا يزال بين ( شباب قسنطينة) و جماهيرهم و (مولودية قسنطينة) و جمهورها لا يخفى و مثله ما بين مولودية العاصمة و إتحادها و كما بين القبّة و الحراش. و ما كان بين مناصري سطيف و مناصري برج بوعريريج و ما بين مناصري سكيكدة و قسنطينة كل ذلك لا يخفى على أحد. و هذا التهاجر الذي سببه تصادم التيارات و ألوية الأندية ليس حكرا على الجزائر بل لم تسلم منه جميع دول العالم كافة و الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط و الشعوب المسلمة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب و تطاحن الأشقاء في سعودية و تناطحهم في مصر و سائر البلاد العربية قد بان و طغى في الأفق.
كما ضيعت الأموال و أتلفت و أحرقت في الألعاب النارية و الرهانات الميسريّة، و الحجّ للملاعب و قصدها و الإنفاق في سبيل ذلك كل غالي و نفيس أكثر من حجّهم لبيوت الله و مساجده. و نهب الممتلكات و التعدي عليها و إتلافها و صب نار الغضب فيما يملكه المنافس إذا فاز قد رآه الأعمى قبل البصير.
كما سفكت الدماء و تعدّي على النفوس و انتهكت الأعراض و ما أكثر الحروبات التي كانت في ساحات الملاعب و على مدرّجاتها لتخلف رمادا من الخسائر المادية و البشرية و حصاد التعصب للأرواح كل عام صار سنّة عندهم. و ما أكثر السب و اللعن بين الجماهير بل قد تفنوا في السب و الشتم و أحدثوا فيه أصنافا لا تخفى على عاقل. ليبقى التأريخ شاهدا على أنها نقطة سوداء في جبين الكرة و الرياضة.
و أما تضعيهم لسائر الفرائض من صلاة و غض للبصر و ستر للعورة و اللسان فذلك بحر أفعالهم الذي لا ساحل له.
بل قد تطاولوا أكثر فلعن بعضهم بعضا و تراشقوا بالنفاق و كل حاكم سير المقابلة بما لا يرضيهم فهو منافق.
و كذلك دعاؤهم بعضهم على بعض و تمنى الخسارة لأخ الدين و الملة و رجاء الفوز للكافر الأوروبي أو الإفريقي. و دعاء المسلمين بعضهم على بعض بسبب التعصب الرياضي لا يخفى على كلّ من وضع طرفا من وقته الزائر في المنتديات الرياضية.
و لم يسلم من هذه الأشواك الأطفال الصغار ذخر المستقبل و عماد الأمّة. و ذلك أنّ كل صغير إلا و تراه مقتفي لأثر الكبير متتبّع لخطاه سالك لسبيله و إذا رأوا الكبار على ما هم عليه قلدوهم و فعلوا أفعالهم و تربوا عليها و بها كبروا. فعوض أن يربوا على الدين و التوحيد و التعصّب للكتاب و السنة و الحقّ ربوا على هذا التعصّب فكانوا معاول هدم للأمة و سيوفا موجّة في نحرها. يتغنون بالفرق بدل التغنّي بالقرآن و يحفظون أسمائهم و غفلوا عن حفظ أسماء الصحابة و زوجات رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلّم.
أسباب التعصّب الرياضي.
و إنّ قبح آثار هذا التعصب الذميم ينبئ عن قبحه هو في حد ذاته و قبح أسبابه. فكلما عظم فحش المؤثّر زاد فحش الأثر و على قوّة النار و شدّة لهبها يكون الرماد . و قد ولد التعصّب الرياضي من رحم عدّة أسباب من جملتها:
1- الإفراط في المحبّة، و التعلق بالأندية و الفرق و ألويتها، و ذلك أن الجسم و اللسان و سائر الجوارح تتحرّك بتحرك القلب و محركات القلوب ثلاثة هي الخوف و الرّجاء و المحبّة. ثم لما غلا الجماهير في محبّة ما سلف ذكره و حب الشيء يكثر من ذكره و الإفراط فيه يورّث التعلق و التعلّق بورّث التعصب و العمى. فكان غلوهم منتج لسكن الأندية و الفرق في قلوبهم. و إذا تأثر القلب و هو الملك فإنه يخضع له سائر الجوارح و هي جنوده.
2- تغيير الموازين و قلب المفاهيم و إيثار المنافسات الدنيوية على التنافس الأخروية و ذلك لقلة العلم و ضعف الإيمان فآثروا الدنيا عن الآخرة ثم دفعهم إيثارها إلى التنافس عليها و التنافس يورث التحاسد و التحاسد ينتج التدابر و التباغض و الجميع تسفر عن التعصب و في الحديث الصحيح: ( تتنافسون ثمّ تتحاسدون ثمّ تتدابرون ثمّ تتباغضون).
3- فقدان ثقافة المنافسات الأخوية و أنّها سبيل للترويح عن النفس لا غير، فاستبدلت بحبّ الظهور و الغالبة و الانتصار و احتقار المهزوم.
4- صنم العصر و طاغوته الذي هو الإعلام بجميع أنواعه فقد ساهت الصحافة بالنصيب الأكبر في ظهور تلك الشوكة و الزيادة من حدّتها و ذلك من عدّة وجوه:
- تسويدهم لصحفهم بأخبار الفتن و العنف في الملاعب و أخبار التلاعن عبر الفضائيات و نشر الفتن يولد الفتن و يوغر صدور الجماهير و يزيد في حقدهم بعضهم على بعض.
- غلوهم في الفائزين و تنزيلهم المنازل العالية و الثناء على مناصريهم و وصفهم بصفات حربية كـ (جمهور النار) و (جمهور الليل).
- ذمهم و تحقريهم و تنقصهم للمهزومين، و الطعن في الرموز يدفع المناصرين لتلك الرموز إلى الطعن في رموز الفرق الأخرى و التهجّم على مناصريهم.
- إطلاقهم أسماء الحيوانات على الفرق و اختاروا أسماء المفترسة منها . فولد ذلك الشعور بأن الفرق في غابة موحشة مفترسة لا رأفة و لا رحمة بين سكانها. و من جملة تلك الأسماء التي أطلقت على الفرق: (الفيلة) و (التماسيح) و (الثعابين) و (الصقور) و (الأسود). و حولوا التنافس الكروي كأنه صراع بين هذه الحيوانات المفترسة و ما أكثر ما سمعنا قد أكلت أسود الصحراء التماسيح و قد ظهر الصقور على الثعابين، و نحو ذلك.
- تصوريهم للفرق و رموزها عبر الرسوم (الكاريكاتورية) بطرق استفزازية تملأ الصدور حقدا.
5- تفاخر الفرق بمناصريهم و الجماهير، الذين همهم التطبيل و التزمير و القلقلة و البلبلة و عدم الإنكار عليهم.
6- الفراغ الروحي و كثرة المشكلات التي ألمت بالمجتمعات و شدّة وطيسها و قلة الصبر معها كل ذلك دفع بالضعاف منّا إلى البحث عمّا يخامرون به عقولهم و يخرجون به ما ضاقت به صدورهم و لم يجدوا مثل الاشتغال بالرياضة و الكرة و عقد الألوية تحت ظل نارها.
علاجه و الحدّ من ضرره.
فإذا عرف التعصب و آثاره و أنه قد عصف بالثوابت الدينية و المقومات الوطنية و أجّج الصدور بنار الحقد و قطع خيوط الأخوّة. كان الواجب على جميع المصلحين في جميع الأمم أن يعملوا من أجل استئصال هذا الورم الخبيث الذي أنهك جسم أمتهم و ذلك بتقديم الحلول و العمل على إحيائها و خلق الآليات الناجعة من أجل ذلك و من جملة تلك الحلول التي يجب أن تشمّر السواعد لها:
1- دعوة الجماهير المتعطشة للتعصب و العنف إلى دينهم و تعليمهم العقيدة و التوحيد. فما من مشكلة عصفت بالمسلمين و صدّعت صفّهم إلا و في الإسلام حلها و بالعودة إلى تعاليمه و العمل ينجلي دخّانها.
2- بث القوات الفضائية و الأرضية مع مطلع كل منافسة البرامج الهادفة و الداعية إلى وجوب التمسك بالوحدة و أننا أخوة و أشقاء لا مُفرّق بيننا.
3- ابتعاد القنوات و الصحائف و المجلات على نشر ما يكون من خلافات و صراعات بل تعمل على طمسها و لا يرفع لها ذكر و عدم الذكر يؤدي إلى التلاشي و النسيان.
4- إلقاء المحاضرات و عقد الندوات في الملاعب قبل انطلاق المباريات من طرف المؤهلين و المصلحين و النفسانيين و تثقيف الأنصار و بيان حقيقة التنافس، و زرع ثقافة التنافس الأخوي و قلع ثقافة حب الذات و التعالي و الظهور من الصدور المريضة.
5- محاربة جميع الأغاني العنصرية و الطائفية التهييجية التي توحّل العواطف إلى عواصف.
6- فرض عقوبات من طرف المنظمات العالمية و الدولية و الهيئات و الجهات الوصية على كل فريق صدر من أحد رموزه عبارات نابية في حق فريق آخر.
7- فرض عقوبات من طرف المنظمات الحكومية و منظمات الرياضة العالمية و اتّحادياتها على كلّ فريق طغى مناصروه و عثوا في الأرض فسادا كما أنهم يعاقبون الفرق إذا رمى المناصرون الألعاب النارية في صحن الملعب يجب كذلك أن تعاقب الفرق إذا صدر من المناصرين السب و الشتم و العنف و هذا للحد من عنفهم
هذا ما فاضت به قريحتي و جاد به قلمي بخصوص هذه المعضلة التي هزت و ناقضت جميع مقاصد الشريعة ... و الله من وراء القصد و هو يهدي السبيل