) يقول الناظم :
88 – وزان علمي أدبي فلن ترى *** من شعره كشعري المنمق
89 – فإن مدحت فمديحي يُشتفى *** به كمِثْلِ العسل المُروق
90 – وإن هجوت فهجائي كالشجى *** يقف في الحلق ومَثْلَ الشّرق
(( زان الشيء يزينه،من باب باع : حسنه وزخرفه،والعلم كذلك يزينه الأدب حتى أنهم يقولون : اجعل علمك ملحا وأدبك دقيقا،وقوله : فلن ترى من شعره كشعري المنمق : ذلك نتيجة لاجتماع العلم والأدب اللذين ادعاهما لنفسه،ولن : ليست لتأبيد النفي ولا لتأكيده،والمنمق : المزين. والمروق : المصفى من روقت الشراب والراووق : آلة التصفية. ونسبة الشفاء إلى العسل حقيقة لا مرية فيها،ولكن نسبته إلى المديح مجاز. وقوله : وإن هجوت،الهجاء ضد المدح،وبابه عدا،والشجا : ما ينشب في الحلق من عظم وغيره . والشرق : الغصة.))
91 – فإن يك الشعر عصى غيري فقد *** أطاعني في عَيْهَق وحَنق
92 – وإن يكن سيفا محلى فلقد *** أبلى نجاده عِناق عنق
93 – وإن يكن بردا فقد صرت به *** مُعْتَجِرا دون جميع السُّوق
94 – وإن يكن تاجا فقد زاد سنا *** جوهره مذ حلّ فوق مفرق
95 – وإن يكن حديقة فطالما *** نزهة فيها خاطري وحدقي
96 – وإن يكن بحرا فقد غصت على *** جوهره وكنت نعم المُنْتَقي
(( العيهق : النشاط. والحنق : الغيظ. محلى : مزينا. والنجاد : حمائل السيف. والعناق كالمعانقة مصدر عانق وهو مضاف إلى فاعله،وهذه كناية عن الملازمة وطول الصحبة. البرد : الكساء. معتجرا : مشتملا. والسوق جمع سوقة وهو غير الملك من الناس،وفيه تعريض بغيره من الشعراء وانتقاص لهم. السنا : الضوء. وحل : نزل بالمكان،ومنه سمي المكان محلا. والمفرق بسكر الراء وفتحها : وسط الرأس،وهو الموضع الذي يفرق فيه الشعر. والحديقة : الروضة ذات الأشجار. والخاطر : المراد به الفكر والبال. والحدق : جمع حدقة،وهي سواد العين. وغصت : نزلت تحت الماء. والغواص بالتشديد الذي يغوص البحر على اللؤلؤ،وفعله الغياصة. وقوله : وكنت نعم المنتقي : تذييل حسن،والمنتقي : المتخير. وقد أطنب الناظم في وصف قدرته على الشعر وتصرفه فيه التصرف المطلق تأييدا لدعواه،وتأكيدا لتفوقه على منافسيه من الشعراء.))
97 – وهل أنا إلا ابن ونان الذي *** قربه كل أمير مُرتق
(( هل : هذه بمعنى ما،لذلك أبطلها بإلا. نظير قوله تعالى : "وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان". وابن ونان : كنية الناظم. ويشير بقوله الذي قربه .. إلخ. إلى ما كان من تقريب السلطان سيدي محمد بن عبد الله لوالده واختصاصه به واشتماله عليه لما كان عليه من حسن الشمائل وكمال الأدب ثم تقريبه له أيضا بعد وفاة والده لمّا نظم هذه القصيدة،وقصده بها حتى جعله شاعره،واصطفاه نديما له.)).
98 – أحق من حُلّيَ بالأستاذ *** والشيخ الفقيه العالم المحقق)
99 – وبالمحدث الشهير والأديب *** والمُجيدِ والبليغ المُفلق
100 – وأعلم الناس بدونِ مرية *** سيّان من في مغرب و مشرق
101 – بالشعر والتاريخ والأمثال *** والأنساب والآثار سَلْ تصدق
(( أحق بمعنى : أولى. وحُليَ : أي وصف. والأستاذ : العالم الماهر. والمجيد : المتقن. والبليغ : المتصف بالبلاغة،,هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع كونه فصيحا. والمفلق : من أفلق الشاعر،أتى بالفلق،أي الأمر العجيب. وبدون مرية : بغير شك. وسيان : تثنية سي بمعنى مثل،واستغنوا به عن تثنية سواء. وقد وصف الناظم نفسه في هذه الأبيات بأوصاف ضخمة ولم يناسب بينها ،وإنما ذكرها حسبما سمح له الوزن.))
102 – فبشرن ذاك الحسود أنه *** يظفر في بحر الهجا بالغرق
103 – وقل له إذا اشتكى من دنس *** أنت الذي سلكت نهج الزلق
104 - وفقت في الجرأة خاصي أسد *** فمت بغيظك وبالريق اشرقِ
(( الحسود : صيغة مبالغة من الحسد. والبشارة : لا تكون إلا بالأمر المحمود فهي هنا للتهكم،كما في قوله تعالى : "فبشرهم بعذاب أليم". والدنس : الوسخ،ويستعار للمعنويات كالخلق والعرض. وبالريق اشرق : أي غص بريقك. والمعنى : لا تشك من هجائي لك فأنت الذي جاوزت حدك وساجلت من لا طاقة لك به.))
105 – وما الذي دعاك يا خَبُّ إلى *** ذا الأفعوان ذي اللسان الفرق
106 – نطقت بالزور أما كنت تعي *** أن البلا موكل بالمنطق
107 – ولم تَخف من شاعر مهما انتضى *** سيف الهجا فرى حبال العنق
((الخب : بالفتح والكسر : الرجل الخداع. وذا : إشارة . والأفعوان : ذكر الأفاعي،وهو أخبث الحيات،واستعاره لنفسه. وذي بمعنى صاحب. والفرق : المفروق كالقنص بمعنى المقنوص،,فيه ترشيح للاستعارة،لأن الفرق في ألسنة الحيات معهود. والزور : الكذب. وتعي : تحفظ. وقوله : مهما انتضى سيف الهجا : أي استله،وهو استعارة. وفرى : قطع. وحبال العنق : المراد بها الأوداج،وهو من قوله تعالى : "ونحن أقرب إليه من حبل الوريد".))
108 – فلتق نفسك بكفك ولا *** تَسُم فصيح النطق بالتمشدق
109 – فذاك خير لك واستمع إلى *** نصح الحكيم الماهر المدقق
((الاتقاء باليد من شأن الجبناء الذين لا يستطيعون الدفاع،ولا يعرفون إلا الخضوع.وقوله : ولا تسم هو مضارع سامه يسومه سوءا،إذا تعرض له به. وبالتمشدق : متعلق بتسم،ومعناه : تكلف الفصاحة،أي أبق على نفسك ولا تفضحها بمطاولة من لا تستطيع له مطاولة،ولا تطيق مساجلته،وخير لك أن تلقي السلاح الذي لم تعرف كيفية استعماله وتصغي إلى نصح الحكيم الماهر لتنتفع بمضامين أقواله ..))
==============================يتبع================ ====================