التصوف - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التصوف

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-08-27, 08:52   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
حكيم عياض
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

أركان الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية

للطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية أركان سبعة، تحدث عنها بالإجمال شيخنا العارف بالله الشيخ خير الدين الشريف كمنهج تربوي يومي للسالك. وفي التزام هذه الأركان اعتقاداً وتطبيقاً تتحقق السالك مراتب النفس التي تحدثنا عنها. ونقول في تفصيل هذه الأركان وبالله التوفيق:
الركن الأول: الحب:
اختار أشياخنا الحب ليكون الركن الأول من أركان الطريق، لأن أي مقام يُدرَك، ما هو إلا ثمرة من ثمار الحب، كمقام الشوق والرضا والتسليم. وأي مقام يسبق الحب ما هو إلا مقدمة من مقدماته، كمقام الإيمان والتوبة والتحمل والزهد. ونعني الحب الإلهي، الذي من ثماره ينبثق الحب النبوي، وحب أنبياء الله وأوليائه وأحبابه.
ومن أدرك مقام الحب أدرك حقيقة الإيمان لقوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (165 البقرة). وأبلغ ما يقال في تعريف الحب ما قاله الإمام الجنيد رحمه الله عندما سئل عن علامات المحبة، فكان جوابه: "فيضان الدموع من عينيه وخفقان القلب بالهيام والشوق".
وقد افترى بعض المغرضين من الكفرة والملاحدة فريةً مفادها أن العلاقة بين الخالق والمخلوق تقوم على الرهبة والبطش والعنف والتخويف. وأترك الجواب على هذه الفرية لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيهما من الأدلة في الرد على ذلك، وإثبات حقيقة الحب وفضله: قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (54 المائدة).
قال تعالى {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (165 البقرة).
قال تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} (31 آل عمران).
قال تعالى {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (76 آل عمران)
قال تعالى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (146 آل عمران).
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (42 المائدة).
قال تعالى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (93 المائدة).
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159 آل عمران).
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222 البقرة).
أما الفرية التي افتراها من لا خلاق لهم، فهي على أمثالهم من الزنادقة والملاحدة، لا على المؤمنين الصادقين. ودليله:
قوله تعالى {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} (205 البقرة).
قوله تعالى {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (77 القصص).
قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(32 الحديد).
قوله تعالى {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (141 الأنعام).
قوله تعالى {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (57 آل عمران).
وقبل أن نورد الأحاديث النبوية المتعلقة بالحب، لا بد من الإشارة إلى لامعة لطيفة وهي أن علاقة الحب بين العبد وربه أمرٌ لا يكون إلا بمحبـة رسـول الله صلى الله عليه وسـلم، ومحبة أوليائه. وهي شرط من شرائط الإيمان. ودليل ذلك في الأحاديث التالية:
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثٌ من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
وروى البخاري، ومسلم في صحيحيهما في كتاب الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
وروى البخاري في صحيحه في كتاب الرقاق باب التواضع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه).
وأخرج البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل. فينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض).
وقد ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة الله ومحبة رسوله بوضوح، وبأمرٍ جازمٍ حيث قال فيما رواه الترمذي في كتاب المناقب (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا آل بيتي بحبي).
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وعد المحبين بالحشر مع من أحبوا، فيما رواه البخاري في صحيحه في كتاب المناقب، ومسلم في كتاب البر، عن أنس رضي الله عنه قال (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله؟ قال ما أعددت لها؟ قال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: أنت مع من أحببت. قال أنس: فقلنا ونحن كذلك؟ قال: نعم. ففرحنا بها فرحاً شديداً). والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
فيا أيها السالك، إذا أردت أن تحظى بشرف الحب الإلهي وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب أوليائه، وشعرت أن هذا الحب لم يتمكن في قلبك فأكثر من تلاوة القرآن الكريم، وتدبر معانيه، وأكثر من ذكر الله تعالى بكل أنواعه، وتقرب إلى مولاك بالنوافل وليكن هواك تبعاً لما جاء به رسول الله صلى اله عليه وسلم، وتأمل في صفات الله تعالى وأسمائه، وراقب آلاء الله ونعمه عليك، وليكن التواضع قرينك، وقم الليل بجد واجتهاد، واستغفر الله في الأسحار، وجالس الصالحين الصادقين من عباده وإياك ثم إياك أن تدعي المحبة ادعاءً ظاهراً، وإذا حصل لك أُنْس فاكتم حبك إجلالاً لمولاك، وتحول عن القواطع التي تبعدك عن كل ذلك. فإذا فعلت ذلك وجدت لهذه المحبة حلاوة في قلبك تغنيك عن ملذات الدنيا وشهواتها.

مراتب الحب:
ذكر العلماء للمحبة مراتب عشراً، ذكرها الشيخ عبد القادر عيسى في كتابه «حقائق عن التصوف»:
· أولها: العلاقة: وسميت بذلك لتعلق القلب بالمحبوب.
· الثانية: الإرادة: وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
· الثالثة: الصبابة: وهي انصباب القلب إلى المحبوب بحيث لا يملكه صاحبه، كانصباب الماء في المنحدر.
· الرابعة: الغرام: وهو الحب اللازم للقلب، لا يفارقه بل يلازمه كملازمة الغريـم لغريمـه.
· الخامسة: الوداد: وهو صفو المحبة وخالصها ولبها.
· السادسة: الشغف: وهو وصول الحب إلى شغاف القلب.
· السابعة: العشق: وهو الحب المفرط الذي يُخاف على صاحبه منه.
· الثامنة: التتيم: وهو التعبد والتلذذ. يقال تيّمه الحب أي أذله وعبّده.
· التاسعة: التعبد: وهو فوق التتيم، فإن العبد لم يـبق له شيء من نفسه.
· العاشرة: الخلة: انفرد بها الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهي المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه حتى لم يبق موضع لغير المحبوب.
وأختم الموضوع بلطيفة ذكرت أن أحد الصوفية مر على رجلٍ يبكي على قبر فسأله عن سبب بكائه فقال: إن لي حبيباً قد مات. فقال لقد ظلمت نفسك بحبك لحبيب يموت، فلو أحببت حبيباً لا يموت لما تعذبت بفراقه.
الحب الصادق ينقل المريد إلى الركن الثاني من أركان الطريق وهو:
الركن الثاني: الامتثال:
فُطر الإنسان على طاعة من يحب. فكيف إذا كان المحبوب هو الله وكيف إذا كان المحبوب هو حبيب الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فنعني بالامتثال من الناحية الشرعية: إتباع أوامر الله ورسوله وأولياء الأمور. قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59 النساء).
ذكر ابن كثير في تفسيره، المجلد الأول، صفحة 528 في تفسير هذه الآية قال: "أخرج الشيخان من حديث يحيى القطان قال: قال أبو داود حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن عبد الله حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وفيما كره ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)". فالأصل هو الشرع. والامتثال له هو الواجب. ولذلك جـاءت صيغة عهـد طريقتنا (أن طاعة الله والرسول تجمعنا، وأن معصية الله والرسول تفرقنا).
وأخرج الشيخان عن عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألاّ ننازع الأمر أهله. قال: إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان). وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما {وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُم} يعني أهل الفقه والدين. وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية {وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُم} يعني العلماء. يقول ابن كثير بعد ذلك: "والظاهر والله أعلم أنها عامةٌ في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء".
وفي الحديث المتفق على صحته، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني). فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ} أي اتبعوا كتابه. {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي خذوا سنته. {وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُم} أي فيما أمروكم به من طاعة الله في غير معصية. فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لحديث (إنما الطاعة في المعروف). وقال تعالى{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (69 النساء). وقال أيضاً {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (52 النور). وفي هذا بشرى من الله لعباده بالفوز بالجنة وصحبة عباده المخلصين {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (71 الأحزاب).
ثم إن هناك أمراً مباشراً بالطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها من طاعة الله تعالى. قال تعالى {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (80 النساء). ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله). وهناك وعيد من الله لعباده المخالفين لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بقوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63 النور). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى!. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة. ومن عصاني فقد أبى) رواه البخاري.
إن التحقق الصحيح من معاني هذا الركن (الامتثال) لا يتم إلا بمتابعة شيخ عارف وعهد على الطاعة وصحبة وأخوة. فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)
وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة إتباع أوامر الشرع الشريف، وإلى تحري الجماعة العاملة بأحكام الشرع، بعيداً عن أدعياء السلوك الذين ابتلي بهم أهل الله.
وفي هذا المعنى أنقل نص «الرسالة الخيرية» لحضرة سيدنا ومرشدنا العارف بالله تعالى الشيخ خير الدين الشريف، حيث قال: "الحمد لله ولي التوفيق، الهادي إلى أقوم طريق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله القائل (تخلقوا بأخلاق الله) وعلى آله وأصحابه ومن والاه، ومن اتبع سنته وعمل بشريعته إلى يوم يلقاه.
وبعد: فإني أعرض على مسامع إخواني بعض كُليمات لتكون سبباً لنجاحهم وفلاحهم إن شاء الله في الدارين إن قبلوها وعملوا بمقتضاها، وإلا فلا. والسلام على من اتبع الهدى.
من المعلوم لدى العموم أن سلوك طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية التي تلقيناها عن حضرة سيدنا المرشد المتصل سنده الطاهر بحضرة المرشد الأعظم صلى الله عليه وسلم، على نهج الشريعة المحمدية الغراء على خط مستقيم لا اعوجاج فيه. إذ قامت الآثار والأدلة القوية والبراهين القطعية العقلية والنقلية أن رجال السند جميعهم مرشدون. ومن علائم الإرشاد المتابعة لأمر الشارع الأعظم صلى الله عليه وسلم. فإنه لا يمكن لوصول هذه الدرجة الرفيعة وارثٌ إلا بالعبادة. ولا تسمى عبادة إلا إذا كانت منطبقة على الكتاب والسنة. لأن شريعته صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع. انظر قولـه تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (31 آل عمران). فإن اتِّباعه صلى الله عليه وسلم فيه الرقي الأعلى من محبٍ إلى محبوبٍ لما في ذلك من الدلالة على كيفية العبادة المخصوصة المطلوبة. ومن هنا تُعلم الشريعة والطريقة والحقيقة. فإن الشريعة هي الأقوال الواردة في الكتاب والسنة. والطريقة هي المتابعة لها بالفعل. ونتيجة الأفعال المشاهدة الحقيقية. فامتثال الأوامر والنواهي هو الركن الحقيقي إذن في الطريق. قال تعالى {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7 الحشر). وإن أركان الإسلام خمسة، جميعها داخـلة ضمن قوله {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} وكل أمر يخالف خط الشرع الشريف: أي الكتاب والسنة داخل ضمن قوله:{وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه). فإن خطاب الله موجه إليه صلى الله عليه وسلم، وهو الآمر والناهي. وعلى ذلك فلا جدال ولا خلاف في أن الطريقة هي المتابعة للشريعة المحمدية. قال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153 الأنعام).
وقال سيدي العارف بالله الشيخ مصطفى البكري:
واتبع شريعة أحمدٍ خير الورى من حـاد عنها ربـنا أرداهُ

وإن سَيْر إخواننا وسلوكهم في سائر الأماكن على هذه الخطة المستقيمة، كما هو مُشاهَدٌ للعام والخاص، والحمد لله. ولا ريب في أن تلك الخطة مرتبةٌ عظيمةٌ قلَّ من يصل إليها إلا من سبقت له السعادة في الدارين. غير أني الآن أحيط إخواني علماً بأن قوماً في هذا الزمان ابتدعوا طرقاً مخالفةً لطريق القوم، ويزعمون أنها طريقة الرحمن، كلا بل هي طريقة أبيهم الشيطان: منها الخلوة بالنساء الأجنبيات، ومعهن ربما زاد بعضهم المعانقة والقبلة والملامسة. وسلك آخرون مع الشباب مثل ذلك. وهذه مما لا يخفى أنها من تحيّل الشيطان ومكايده، ومن حبائله ومصائده.
قال تعالى في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع علو مرتبتهن وكونهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم، بل أعظم منهن في الوقار والتعظيم. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (53 الأحزاب). فمن ادعى أنه أقوى من الصحابة وأن النساء اللاتي يخلو بهن أطهر قلوباً وأملك نفوساً من نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أعظم الافتراء وأكبر الاجتراء. هذا في حديث الخلوة وحـدها، فكيف بمن زاد على ذلك؟ وفي الصـحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في رمضان فدخلت عليه حفصة بنت عمر رضي الله عنهما فتحدثت عنده ساعة ثم خرجت فرأى رجلين في الطريق. فقال صلى الله عليه وسلم: هي أمكما حفصة فقالا: سبحان الله يا رسول! فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً). وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف أن يوقع الشيطان في قلوب الناس أنه كان عنده امرأة أجنبية، فكيف نسلم لغيره أن لا يوقع الناس في ذلك. فقد روي عن رسول الله صلى اله عليه وسلم أنه قال (لا تخلون بامرأة أجنبية ولو أقرأتها القرآن). وقد ورد في الخبر عن سيد البشر (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
وروي أن النساء اجتمعن عنده، وطلبن منه أن يعاهدنه باليد، فقال لا تمس يدي امرأة، ولكن قَوْلي لامرأة كقولي لمائة. فبايعهن بالكلام من غير ملامسة. وأنه لما طلبن منه البركة وضع يده في ماء ثم نُقل إليهن فوضعن أيديهن فيه. فإذا كان سيد الأولين والآخرين يجتنب هذه الأمور، وغيره يقتحمها، أهو أعظم منه؟ فكيف يخفى على عاقل قُبح ما يتعاطون؟ نسأل الله السلامة بمنه وكرمه.
لهذا أُعلن لعموم إخواني الكرام، أن يفروا من هؤلاء القوم فرارهم من الأسد أو الموت. وأن يجتنبوا كل ما يخالف الشرع الشريف. فإن مرضى القلوب أهل الغفلة يجب بترهم بتراً أزلياً من هذا المجمع الطاهر امتثالاً للأمر التشريعي. قال تعالى {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (199 الأعراف) {فأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (29 النجم) {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (28-29 الكهف).
وليكن معلوماً لدى العموم أنه ليس منا من يخالف الكتاب والسنة، وليس منا من يخالف نهج وخط أوامر الشارع الأعظم صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (103-104 الكهف).
فالحذر الحذر أيها الإخوان الكرام. وفي الختام اقبلوا مني فائق الاحترام، سائلاً منه تعالى أن يسلك بي وبكم طريق أهل الصفا، ويجملني وإياكم بجمال حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا من أهل الاختصاص، ويحلنا من قيد الأقفاص، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين".
الركن الثالث: الذكر:
الذكر هو الركن الثالث من أركان الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية. وكلمة الذكر في القرآن الكريم لها معان كثيرة. فعني بها في معظم النصوص التسبيح والتكبير والتهليل والذكر بالأسماء، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك. كما جاء ذلك في قوله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (102 النساء). وفي قوله تعالى {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} (8 المزمل). وعني بها مرة القرآن الكريم نفسه في قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9 الحجر). وعني بها أخرى صلاة الجمعة بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (9 الجمعة). وعني بها مرة أخرى العلم في قوله تعالى {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (7 الأنبياء).
وعندنا كما فهمنا من أشياخنا أن الذكر هو جميع ذلك. لكن المعتبر فيه ما غلب استعماله عرفاً. ولفظ الذكر قد غلب استعماله في ذكر الله حقيقة، وهو: الإكثار من ذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً وغير ذلك من الصيغ. والذاكر عندنا لا يكون ذاكراً إلا إذا كان مكثراً في ذكره، لأن الإقلال من الذكر صفة المنافقين بدليل قوله تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (142 النساء).
فالأصل هو الإكثار من الذكر. وفي كثير من الآيات ورد الذكر مقروناً بكلمة كثيراً: قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (41-42 الأحزاب). وقـال تعالى {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (35 الأحزاب). وقال تعالى {وَاذْكُرْ رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} (41 آل عمران). وقال تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (10 الجمعة).
قال مجاهد: "لا يكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، حتى يذكر الله تعالى قائماً وقاعداً ومضجعاً". وقال ابن عباس رضي الله عنهما "المراد يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدواً وعشياً، وكلما استيقظ من نومه، وكلما غدا أو راح من منـزله ذكر الله تعالى".
وعلى هذا فالذكر هو الدواء النافع لكل أمراض النفس، وهو الصاقل للقلوب، الدافع للبلاء والحزن والهم والغم، الجالب للسكينة والأنس والصبر والرضى والحب وغير ذلك. قال تعالى {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28 الرعد) ولأن وقع الذكر على قلوب المنافقين ثقيل، فكثيراً ما تجدهم ينكرون على الذاكرين ذكرهم. فلا يلتفت أحد إلى ما يقال من أهل الغفلة عن الذكر والذاكرين. ومصداق ذلك ما أخرجه مسلم في باب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات عن ابي هريرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جُمدان فقال: سيروا هذا جُمدان سبق المفَرِّدُون، قيل وما المفردون يا رسول الله؟ قال المُسْتَهتَرون بذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون الله يوم القيامة خفافاً) والمستهتَرون هم المولعون بالذكر، المكثرون منه، ولا يبالون بما قيل فيهم، ولا بما فعل بهم.
وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرٌ من الأحاديث في فضل الذكر أذكر بعضها اختصاراً: أخرج الترمذي في كتاب الدعوات وحسّنه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل وما رياض الجنة قال حِلَقُ الذكر). وروى الطبراني بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء. قال فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله حِلْهُم لنا نعرفهم (أي صفهم لنا) قال هم المتحابون في الله من قبائل شتى، وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه).
وروى أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم. فقيل ومن هم أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل مجالس الذكر في المساجد). وأخرج الترمذي في كتاب فضائل القران وقال حديث حسن، والدارمي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(يقول الرب تبارك وتعالى: من شغله قراءة القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).
الجهر والإسرار بالذكر:
شرع الذكر سراً وجهراً، بأدلة كثيرة. إلا أن الذي عليه العلماء العاملون أن الجـهر بالذكر أفضل، إذا خـلا من إيذاء قارئ أو نائمٍ أو مصلٍ، وإذا خلا من حب الشهرة والرياء.
ومن الأدلة الشرعية النبوية التي تَرُدُّ على من ينكر الجهر بالذكر:
أخرج البخاري في صحيحه (باب التوحيد) والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي (وهذا دليل على ذكر السر)، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم (وهذا دليل على ذكر الجهر)). والذكر في الملأ لا يكون إلا جهرياً.
وروى البيهقي كما في الحاوي للفتاوي للسيوطي عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: قال ابن الأدرع رضي الله عنه: (انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر برجل في المسجد يرفع صوته. قلت يا رسول الله عسى أن يكون مرائياً.قال: لا، ولكنه أوَّاه).
وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته). وروى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه السيوطي في كتابه «الحاوي للفتاوي» عن السـائب رضي الله عنـه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (جاءني جبريل قال: مُر أصحابك يرفعوا أصواتهم بالتكبير).
أما الذين يستدلون بالآية الكريمة {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} (205 الأعراف) فللعلماء آراء واضحة في ذلك: منها ما أشار إليه ابن كثير في تفسيره أن هذه الآية مكية كآية الإسراء {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} (110 الإسراء) وقد نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه المشركون فيسبون القرآن ومن أنزله، فأُمر بترك الجهر سداً للذريعة، كما نُهي عن سب الأصنام لذلك في قوله تعالى {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (108 الأنعام) وقد زال هذا المعنى، كما كان الحال في قصة الفاروق رضي الله عنه في توزيع الصدقات على المؤلفة قلوبهم، فقد أبى ذلك في المدينة عندما قويت شوكة الإسلام، وقال كنا نؤلف قلوبهم لما كان الإسلام طريداً.
ثم إن جماعة من المفسرين منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم شيخ مالك، وابن جرير حملوا الآية على الذاكر حال قراءة القرآن، وأنه أمر بالذكر على هذه الصفة تعظيماً للقرآن أن ترفع عنه الأصوات.
وقد ذكر بعض العارفين في ذلك أن الأمر في الآية خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم الكامل المكمل، وأما غيره ممن هم محل الوساوس، فمأمورون بالجهر لأن الجهر أشد تأثيرًا في دفعها. ويؤيد ذلك هذه الرواية المدنية والله أعلم: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة من أصحابه مختلفي الأحوال، فمر على أبي بكر رضي الله عنه وهو يخافت فسأله عن ذلك فقال إن الذي أناجيه هو يسمعني. ومر على عمر رضي الله عنه وهو يجهر فسأله عن ذلك فقال أوقظ الوسنان وأزجر الشيطان. ومر على بلال وهو يتلو آياً من هذه السورة وآياً من هذه السورة، فسأله عن ذلك فقال: أخلط الطيب بالطيب. فقال صلى الله عليه وسلم كلكم أحسن وأصاب.
ويستدل البعض على كـراهية الـذكر بالجهـر بالآية الكريمة {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (55 الأعراف). ولم يتنبه هؤلاء إلى أن هذه الآية تتكلم عن الدعاء (ادعوا) لا عن الذكر. والإسرار في الدعاء أفضل لأنه أقرب للإجابة {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (3 مريم).
وروى مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواقع الصلاة، والترمذي في كتاب الصلاة عن ابن الزبير رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم من صلاته قال بصوته الأعلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله... الحديث).
وعلى هذا فلا بأس بأنواع الذكر وأشكاله كلها، سرها وجهرها. وقد تميزت طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية بحرصها على أداء الذكر بكل أشكاله وألوانه ضمن أورادها الصباحية والمسائية.








 


قديم 2009-08-27, 08:55   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
yacinp2
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية yacinp2
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

سُئِلَ شيخ الإسلام ـ قدسَ اللَّه روحَهُ ـ عن ‏(‏الصوفية‏)‏
سُئِلَ شيخ الإسلام ـ قدسَ اللَّه روحَهُ ـ عن ‏(‏الصوفية‏)‏ وأنهم أقسام و‏(‏الفقراء‏)‏ أقسام، فما صفة كل قسم‏؟‏ وما يجب عليه ويستحب له أن يسلكه ‏؟‏
فأجاب ‏:‏
الحمد للّه‏.‏أما لفظ ‏(‏الصوفية‏)‏‏:‏ فإنه لم يكن مشهورًا في القرون الثلاثة، وإنما اشتهر التكلم به بعد ذلك، وقد نقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ؛ كالإمام أحمد ابن حنبل، وأبي سليمان الداراني، وغيرهما‏.‏ وقد روى عن سفيان الثوري أنه تكلم به، وبعضهم يذكر ذلك عن الحسن البصري، وتنازعوا في المعنى الذي أضيف إليه الصوفي، فإنه من أسماء النسب؛ كالقرشي، والمدني، وأمثال ذلك‏.‏

فقيل‏:‏ إنه نسبة إلى ‏(‏أهل الصفة‏)‏ وهو غلط؛ لأنه لو كان كذلك لقيل‏:‏ صُفِّيّ‏.‏ وقيل‏:‏ نسبة إلى الصف المقدم بين يدي اللّه، وهو أيضًا غلط؛ فإنه لو كان كذلك لقيل‏:‏ صَفِّيّ‏.‏ وقيل‏:‏ نسبة إلى الصفوة من خلق اللّه وهو غلط؛ لأنه لو كان كذلك لقيل‏:‏ صفوي‏.‏ وقيل‏:‏ نسبة إلى صوفـة بن بشر بن أدِّ بن طابخـة، قبيلة من العرب كانوا يجاورون بمكة من الزمن القديم، ينسب إليهم النساك، وهذا وإن كان موافقًا للنسب من جهة اللفظ، فإنه ضعيف أيضًا؛ لأن هؤلاء غير مشهورين، ولا معروفين عند أكثر النساك، ولأنه لو نسب النساك إلى هؤلاء لكان هذا النسب في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أولى، ولأن غالب من تكلم باسم ‏(‏الصوفى‏)‏ لا يعرف هذه القبيلة، ولا يرضى أن يكون مضافًا إلى قبيلة في الجاهلية لا وجود لها في الإسلام‏.‏
وقيل ـ وهو المعروف ـ ‏:‏ إنه نسبة إلى لبس الصوف؛ فإنه أول ما ظهرت الصوفية من البصرة، وأول من بنى دويرة الصوفية بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد‏[‏عبد الواحد بن زيد أبو عبيدة البصرى شيخ الصوفية وواعظهم، لحق الحسن البصرى وغيره‏.‏ قال البخارى‏:‏ تركوه‏.‏ وقال النسائى‏:‏ متروك الحديث‏.‏ وقال الجوزجانى‏:‏ سيئ المذهب، ليس من معادن الصدق‏.‏ توفى بعد الخمسين ومائة من الهجرة‏.‏ ‏[‏ سير أعلام النبلاء 7178 ـ 180، ميزان الاعتدال 2372، 376‏]‏‏.‏

وعبد الواحد من أصحاب الحسن، وكان فى البصرة من المبالغة فى الزهد والعبادة والخوف ونحو ذلك، مالم يكن في سائر أهل الأمصار؛ ولهذا كان يقال ‏:‏ فقه كوفي، وعبادة بصرية‏.‏ وقد روى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده عن محمد بن سيرين أنه بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف، فقال‏:‏ إن قوما يتخيرون الصوف، يقولون‏:‏ أنهم متشبهون بالمسيح ابن مريم، وهدي نبينا أحب إلينا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس القطن وغيره، أو كلاما نحوا من هذا‏.‏
ولهذا غالب ما يحكي من المبالغة في هذا الباب إنما هو عن عباد أهل البصرة، مثل حكاية من مات أو غشى عليه في سماع القرآن، ونحوه‏.‏
كقصة زرارة بن أوفى قاضي البصرة فإنه قرأ في صلاة الفجر‏:‏ ‏{‏فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ‏}‏ ‏[‏ المدثر‏:‏ 8 ‏]‏ فخر ميتا، وكقصة أبي جهير الأعمى الذي قرأ عليه صالح المري فمات، وكذلك غيره ممن روى أنهم ماتوا باستماع قراءته، وكان فيهم طوائف يصعقون عند سماع القرآن، ولم يكن في الصحابة من هذا حاله؛ فلما ظهر ذلك أنكر ذلك طائفة من الصحابة والتابعين‏:‏ كأسماء بنت أبي بكر، وعبد اللّه بن الزبير، ومحمد بن سيرين، ونحوهم
والمنكرون لهم مأخذان‏:‏
منهم من ظن ذلك تكلفا وتصنعا‏.‏ يذكر عن محمد بن سيرين أنه قال‏:‏ ما بيننا وبين هؤلاء الذين يصعقون عند سماع القرآن إلا أن يقرأ على أحدهم وهو على حائط فإن خر فهو صادق‏.‏
ومنهم من أنكر ذلك لأنه رآه بدعة مخالفا لما عرف من هدى الصحابة، كما نقل عن أسماء، وابنهاعبد اللّه‏.‏
والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه، وإن كان حال الثابت أكمل منه؛ ولهذا لما سئل الإمام أحمد عن هذا‏.‏ فقال‏:‏ قرئ القرآن على يحيى بن سعيد القطان فغشي عليه ولو قدر أحد أن يدفع هذا عن نفسه لدفعه يحيى ابن سعيد، فما رأيت أعقل منه، ونحو هذا‏.‏ وقد نقل عن الشافعي أنه أصابه ذلك، وعلي بن الفضيل بن عياض قصته مشهورة، وبالجملة فهذا كثير ممن لا يستراب في صدقه

لكن الأحوال التي كانت في الصحابة هي المذكورة في القرآن، وهي وجل القلوب، ودموع العين، واقشعرار الجلود، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 2‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 23‏]‏‏.‏ وقال تعَالى‏:‏ ‏{‏إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِم آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا‏}‏‏[‏مريم‏:‏ 58‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ‏}‏‏[‏المائدة‏:‏ 83 ‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 109‏]‏‏.‏
وقد يذم حال هؤلاء من فيه من قسوة القلوب والرين عليها، والجفاء عن الدين، ماهو مذموم، وقد فعلوا، ومنهم من يظن أن حالهم هذا أكمل الأحوال وأتمها وأعلاها، وكلاطرفي هذه الأمور ذميم‏.‏
:‏
أحدها‏:‏ حال الظالم لنفسه الذي هو قاسي القلب، لا يلين للسماع والذكر، وهؤلاء فيهم شبه من اليهود‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 74 ‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ‏}‏ ‏[‏ الحديد‏:‏ 16‏]‏ ‏.‏
والثانية‏:‏ حال المؤمن التقي الذي فيه ضعف عن حمل ما يرد على قلبه، فهذا الذي يصعق صعق موت، أو صعق غشي، فإن ذلك إنما يكون لقوة الوارد، وضعف القلب عن حمله، وقد يوجد مثل هذا في من يفرح أو يخاف أو يحزن أو يحب أمورا دنيوية، يقتله ذلك أو يمرضه أو يذهب بعقله‏.‏ ومن عباد الصور من أمرضه العشق أو قتله أو جننه، وكذلك في غيره، ولا يكون هذا إلا لمن ورد عليه أمر ضعفت نفسه عن دفعه، بمنزلة ما يرد على البدن من الأسباب التي تمرضه أو تقتله، أو كان أحدهم مغلوبا على ذلك‏.‏
فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه، فلا وجه للريبة‏.‏ كمن سمع القرآن السماع الشرعي، ولم يفرط بترك ما يوجب له ذلك، وكذلك ما يرد على القلوب مما يسمونه السكر والفنا، ونحو ذلك من الأمور التي تغيب العقل بغير اختيار صاحبها؛ فإنه إذا لم يكن السبب محظورا لم يكن السكران مذموما، بل معذورا فإن السكران بلا تمييز، وكذلك قد يحصل ذلك بتناول السكر من الخمر والحشيشة فإنه يحرم بلانزاع بين المسلمين، ومن استحل السكر من هذه الأمور فهو كافر، وقد يحصل بسبب محبة الصور وعشقها كما قيل‏:‏
سكران‏:‏ سكر هوى، وسكر مدامة**ومــتى إفاقــة من به سكـــــران










قديم 2009-08-27, 08:59   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
yacinp2
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية yacinp2
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وهذا مذموم، لأن سببه محظور، وقد يحصل بسبب سماع الأصوات المطربة التي تورث مثل هذا السكر، وهذا أيضًا مذموم، فإنه ليس للرجل أن يسمع من الأصوات التي لم يؤمر بسماعها ما يزيل عقله؛ إذ إزالة العقل محرم‏.‏ ومتي أفضى إليه سبب غير شرعي كان محرما، وما يحصل في ضمن ذلك من لذة قلبية أو روحية، ولو بأمور فيها نوع من الإيمان، فهي مغمورة بما يحصل معها من زوال العقل، ولم يأذن لنا اللّه أن نمتع قلوبنا ولا أرواحنا من لذات الإيمان ولا غيرها بما يوجب زوال عقولنا؛ بخلاف من زال عقله بسبب مشروع، أو بأمر صادفه لا حيلة له في دفعه‏.‏
وقد يحصل السكر بسبب لا فعل للعبد فيه، كسماع لم يقصده يهيج قاطنه، ويحرك ساكنه، ونحو ذلك‏.‏ وهذا لا ملام عليه فيه، وما صدر عنه في حال زوال عقله فهو فيه معذور؛ لأن القلم مرفوع عن كل من زال عقله بسبب غير محرم، كالمغمي عليه والمجنون ونحوهما‏.‏

ومن زال عقله بالخمر‏.‏ فهل هو مكلف حال زوال عقله‏؟‏ فيه قولان مشهوران، وفي طلاق من هذه حاله نزاع مشهور، ومن زال عقله بالبنج يلحق به، كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد، وقيل يفرق بينه وبين الخمر؛ لأن هذا يشتهي، وهذا لا يشتهي؛ ولهذا أوجب الحد في هذا دون هذا، وهذا هو المنصوص عن أحمد ومذهب أبي حنيفة‏.‏
ومن هؤلاء من يقوى عليه الوارد حتى يصير مجنونًا، إما بسبب خلط يغلب عليه، وإما بغير ذلك، ومن هؤلاء عقلاء المجانين الذين يعدون في النساك، وقد يسمون المولهين ‏[‏المولهين‏:‏ الوَلهُ‏:‏ الحزن، وقيل‏:‏ هو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد أو الحزن‏.‏‏‏]‏‏.‏ قال فيهم بعض العلماء‏:‏ هؤلاء قوم أعطاهم اللّه عقولًا وأحوالًا؛ فسلب عقولهم، وأسقط ما فرض بما سلب‏.‏
فهذه الأحوال التي يقترن بها الغشي أو الموت أو الجنون أو السكر أو الفناء حتى لا يشعر بنفسه ونحو ذلك، إذا كانت أسبابها مشروعة وصاحبها صادقا عاجزا عن دفعها كان محمودا على ما فعله من الخير وما ناله من الإيمان، معذورا فيما عجز عنه وأصابه بغير اختياره وهم أكمل ممن لم يبلغ منزلتهم لنقص إيمانهم وقسوة قلوبهم ونحو ذلك من الأسباب التي تتضمن ترك ما يحبه اللّه أو فعل ما يكرهه اللّه‏.‏

ولكن من لم يزل عقله، مع أنه قد حصل له من الإيمان ما حصل لهم أو مثله أو أكمل منه فهو أفضل منهم‏.‏ وهذه حال الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ وهو حال نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه أسرى به إلى السماء وأراه اللّه ما أراه، وأصبح كبائت لم يتغير عليه حاله، فحاله أفضل من حال موسى صلى الله عليه وسلم الذي خر صعقا لما تجلى ربه للجبل وحال موسى حال جليلة علية فاضلة، لكن حال محمد صلى الله عليه وسلم أكمل وأعلا وأفضل‏.‏
والمقصود‏:‏ أن هذه الأمور التي فيها زيادة في العبادة والأحوال خرجت من البصرة، وذلك لشدة الخوف، فإن الذي يذكرونه من خوف عتبة الغلام وعطاء السليمي وأمثالهما أمر عظيم‏.‏ ولا ريب أن حالهم أكمل وأفضل ممن لم يكن عنده من خشية اللّه ما قابلهم أو تفضل عليهم‏.‏ ومن خاف اللّه خوفا مقتصدا يدعوه إلى فعل ما يحبه اللّه وترك ما يكرهه اللّه من غير هذه الزيادة فحاله أكمل وأفضل من حال هؤلاء، وهو حال الصحابة رضي اللّه عنهم وقد روى‏:‏ أن عطاء السليمي - رضي اللّه عنه - رؤى بعد موته فقيل له‏:‏ مافعل اللّه بك‏؟‏ فقال‏:‏ قال لي‏:‏ ياعطاء‏!‏ أما استحيت مني أن تخافني كل هذا‏؟‏‏!‏ أما بلغك أني غفور رحيم‏؟‏‏!‏‏.‏
وكذلك ما يذكر عن أمثال هؤلاء من الأحوال من الزهد والورع والعبادة وأمثال ذلك قد ينقل فيها من الزيادة على حال الصحابة رضي اللّه عنهم وعلى ما سنه الرسول أمور توجب أن يصير الناس طرفين ‏:‏
قوم يذمون هؤلاء وينتقصونهم وربما أسرفوا في ذلك‏.‏
وقوم يغلون فيهم ويجعلون هذا الطريق من أكمل الطرق وأعلاها‏.‏
والتحقيق أنهم في هذه العبادات والأحوال مجتهدون كما كان جيرانهم من أهل الكوفة مجتهدين في مسائل القضاء والإمارة ونحو ذلك‏.‏ وخرج فيهم الرأي الذي فيه من مخالفة السنة ما أنكره جمهور الناس‏.‏
وخيار الناس من ‏(‏أهل الفقه والرأي‏)‏ في أولئك الكوفيين على طرفين‏:‏
قوم يذمونهم ويسرفون فى ذمهم ‏.‏
وقوم يغلون في تعظيمهم ويجعلونهم أعلم بالفقه من غيرهم وربما فضلوهم على الصحابة‏.‏ كما أن الغلاة في أولئك العباد قد يفضلونهم على الصحابة، وهذا باب يفترق فيه الناس‏.‏

والصواب‏:‏ للمسلم أن يعلم أن خيرالكلام كلام اللّه، وخير الهدى هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وخير القرون القرن الذي بعث فيهم، وأن أفضل الطرق والسبل إلى اللّه ما كان عليه هو وأصحابه، ويعلم من ذلك أن على المؤمنين أن يتقوا اللّه بحسب اجتهادهم ووسعهم، كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏ التغابن ‏:‏ 16 ‏]‏ وقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏، وقال‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 285‏]‏‏.‏ وإن كثيرا من المؤمنين - المتقين أولياء اللّه - قد لا يحصل لهم من كمال العلم والإيمان ماحصل للصحابة، فيتقى اللّه ما استطاع ويطيعه بحسب اجتهاده، فلابد أن يصدر منه خطأ إما في علومه وأقواله وإما في أعماله وأحواله، ويثابون على طاعتهم ويغفر لهم خطاياهم؛ فإن اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏ ‏[‏ البقرة‏:‏ 285، 286 ‏]‏ قال اللّه تعالى‏:‏ قد فعلت‏










قديم 2009-08-27, 09:00   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
حكيم عياض
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

حكم الذكر بالإسم المفرد (الله):
وهذا الذكر أيضاً واجب بالأمر الإلهي الوارد في:
قوله تعالى {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} (8 المزمل).
قوله تعالى {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (25 الإنسان).
قوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (14-15 الأعلى).
قوله تعالى {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ} (91 الأنعام).
أما السنة النبوية فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان والترمذي في كتاب الفتن وأحمد في مسنده عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله) وهنا ورد لفظ الجلالة مكرراً.
وقد اعترض بعضهم على الذكر بهذا الاسم لأنه لا يؤلف جملة تامة مفيدة كما في قولنا يالطيف، ياودود. والجواب على ذلك أن الذاكر للأسماء الإلهية وللاسم المفرد لا يكلم مخلوقاً يجد عسراً في إفهامه، فهو يذكر الله تعالى العالم بنفسه، المطلع على قلبه.
قال ابن عجيبة وأبو حنيفة والكسائي والشعبي وإسماعيل بن اسحق وأبو حفص: أن لفظ (الله) هو الاسم الأعظم. وهو اعتقاد العارفين بالله، نفعنا الله بهم.
حكم الذكر الجماعي:
وقد اعترض البعض على الذكر الجماعي ومشروعيته بسبب أن منهج طريقتنا يقوم في جانب منه على الذكر الجماعي. فأسوق الأدلة الشرعية التي تثبت صحة هذا المنهج:

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قالوا: يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك. قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد تمجيداً، وتحميداً، وأكثر تسبيحاً. قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو رأوها. قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً وأعظم فيها رغبة. قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار. قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها. قال: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً وأشد لها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملكٌ من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم وإنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم).
وأخرج الترمذي في كتاب الدعوات وحسنه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلَقُ الذِكر). وحِلَقُ الذكر لا يشكلها فرد ولا بد لها من جماعة.
وروى الطبراني بإسناد حسن كما في «الترغيب والترهيب»، الجزء الثاني، صفحة 406، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور، على منابر من اللؤلؤ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء، فجثا أعربي على ركبتيه فقال: حِلهم لنا نعرفهم. قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى يجتمعون على ذكر الله يذكرونه).
أخرج البخاري في صحيحه باب التوحيد، والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه. إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) وفي ذلك دليل على جواز الاجتماع للذكر الجهري الجماعي.
وروى الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل، لا يريدون بذلك إلا وجهه، إلا ناداهم منادٍ من السماء أن قوموا مغفوراً لكم فقـد بُدِّلَت سيئاتكم حسنات).
وهكذا تظهر أهمية الذكر الجماعي، حيث يستفيد الغافل من الذاكر، والمظلم من صاحب النور، والجاهل من صاحب العلم.
وأخرج مسلم في كتاب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات عن معاوية رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال ما يجلسكم؟ فقالوا جلسنا نذكر الله ونحمده. فقال: إنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم ملائكته).
الأوراد الفردية واليومية
الأوراد الفردية:
إذا أراد السالك الاستزادة من الأذكار بعد أوراده اليومية الراتبة وتهيأت له أسباب ذلك، فله أن يقرأ ما شاء من الأوراد الاختيارية التالية صباحاً ومساءً بعد ورد السبحة:
يا الله 66 مرة.
يا لطيف يا حفيظ 133 مرة.
يا كريم يا فتاح 100 مرة.
يا ودود يا وهاب 100 مرة.
وردالأسماء السبعة : 300 مرة، يقرأ في كل يوم وليلة مرة وهو: (لا إله إلا الله. الله. هو. حيّ. قيوم. حق. قهّار).
أماالاسم الأعظم: فيذكر في السر في جميع الأوقات بلا انقطاع وهو (الله) مع المد. وهو من الضروريات لمريدي الآخرة.
ورد اللطيف الاختياري: فيقرأ ضحى كل يوم، حيث تكرر كلمة يا لطيف (16666 مرة). ويبدأ بقول: يا لطيف (66 مرة) بالمد المتأني، و(600 مرة) أسرع قليلاً، و(16000 مرة) بشدة وسرعة مع مراعاة المساواة للجماعة إذا قرىء بشكل جماعي ثم يختم بعشر مرات بالمد المتأني. ويختم كما تختم الأوراد.
أذكار وأدعية يومية:
دعاء الدخول إلى المسجد:
تقدم برجلك اليمنى وقل:بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، اللهم اغفر لي، وافتح لي أبواب رحمتك.
دعاء الخروج من المسجد:
تقدم برجلك اليسرى وقل:بسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، اللهم اغفر لي، وافتح لي أبواب فضلك.
أذكار النوم:
تتوضأ قبل النوم ثم تجمع كفيك وتنفث فيهما وتقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين، ثم تمسح بهما جسدك، تبدأ من رأسك. تفعل ذلك ثلاث مرات.
ثم تقرأ آية الكرسي.
ثم تقول: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت.
عند الاستيقاظ:
الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور.
قبل الطعام:
بسم الله الرحمن الرحيم.
وإذا نسيت فقل حينما تذكر: بسم الله أوله وآخره.
بعد الطعام:
الحمد لله الذي أطعمني وسقاني وجعلني من المسلمين.
عند الوليمة:
أكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة الأخيار، وذكركم الله فيمن عنده.
عند الإفطار:
اللهم إني لك صمت، وعلى رزقك أفطرت. وتفطر على تمرات، وإن لم تجد فعلى ماء، ثم تقول: ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله. ثم تصلي المغرب، وسنـته، ثم تتابع تناول إفطارك. ولك أن تدعو بما تشاء من الدعاء وقت إفطارك لأنه وقت مستحبٌ للدعاء.
عند وداع المسافر:
المقيم للمسافر:أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك.
المسافر للمقيم:
أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
دعاء السفر:
سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ولا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى. ومن العمل ما ترضى. اللهم هون علينا سفرنا هذا واطْوِ عنا بعده. اللهم أنت الصاحب في السفر. والخليفة في المال والأهل والولد.
عند المصيبة:
إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها.
عند دخول الخلاء:
تقدم برجلك اليسرى، وقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
عند الخروج من الخلاء:
تقدم برجلك اليمنى، وقل: غفرانك.
كفارة المجلس:
سبحانك اللهم وبحمدك. أشهد أن لا إله إلاّ الله. أستغفرك وأتوب إليك.
الركن الرابع: الفكر:
لا شك بأن الفكر هو عصب المعرفة وبه يمكن التعرض للمعاني والفهوم، ورصد موجات العلوم. وقد عرف الكثيرون أهميته ومشروعيته من خلال قوله تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لأَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} (190 آل عمران). إلا أن كثيرين قد غفلوا عن كيفيته وكيف يمكن أن يكون عبادة. وما ربط طريقتنا الخلوتية لهذه العبادة وجعلها ركناً من أركان الطريق إلا ليفهم ذلك. فهو الركن اللاحق لركن الذكر لقوله تعالى في تتمة الآية وتعريف أولي الألباب بأنهم {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (191 آل عمران).
فكما أن الله قد أثنى على الذاكرين المتفكرين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أولى هذه العبادة عناية خاصة، ففي صحيح ابن حبان من رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: (انطلقت يوماً أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة رضي الله عنها فكلمتنا وبيننا وبينها حجاب فقالت: يا عبيد ما يمنعك من زيارتنا؟ قال: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: زر غباً تزدد حباً. قال ابن عمير: فأخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبكت، وقالت: كـل أمره كان عجباً، أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ثم قال ذريني أتعبد لربي عز وجل، فقام إلى القربة فتوضأ منها ثم قام يصلي فبكى حتى بل لحيته ثم سجد حتى بل الأرض ثم اضطجع على جنبه حتى أتى بلال يؤذن الصبح. فقال: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: ويحك يا بلال، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله تعالى علي في هذه الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...} الآية. ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها). فقيل للأوزاعي ما غاية التفكر فيهن قال: يقرؤهن ويعقلهن.
وعن طاووس قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم يا روح الله هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم، من كان منطقه ذكراً وصمته فكراً ونظره عبرة فإنه مثلي.
وقال الحسن: من لم يكن كلامه حكمة فهو لغو، ومن لم يكن سكوته تفكراً فهو سهو، ومن لم يكن نظره اعتبارا فهو لهو. وفي قوله تعالى {سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (146 الأعراف) قال أمنع قلوبهم من التفكر في أمري.
وعن محمد بن واسع أن رجلاً من أهل البصرة ركب إلى أم ذر بعد موت أبي ذر فسألها عن عبادة أبي ذر فقالت: كان نهاره أجمع في ناحية البيت يتفكر.
وكان لقمان يطيل الجلوس وحده، وكان يمر به مولاه فيقول يالقمان إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك فيقول لقمان إن طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنة. وقال وهب بن منبه ما طالت فكرة امرئ إلا فهم، وما فهم إلا علم، وما علم إلا عمل. وقال بشر الحافي: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه.
وإذا أردنا معرفة حقيقة الفكر فإن الأمر يطول ويصعب في مكان لا تحمد فيه الإطالة والصعوبة، وتسهيلاً على إخوتنا أحثهم على التفكر في أمورٍ جانب منها يتعلق بآفات النفس والتفكر بالخلاص منها والسعي لتحويلها إلى خصال محمودة. فعلى السالك أن يتفكر في آفات نفسه كالبخل والكبر والعجب والحسد وشدة الغضب والرياء وحب المال والجاه وشره الطعام والوقاع. هذه الآفات على السالك التفكر بها للخلاص منها.
وجانب آخر يتعلق بأمور محمودة على السالك التفكر فيها والإكثار منها كالندم على الذنوب والرضى والصبر والشكر والزهد والإخلاص وحسن الخلق والحب. ثم إن على السالك أن يتفكر كل يوم ويحاسب نفسه بقية النهار على نهاره كيف أمضاه، وهل اجتنب النواهي وجاء بالأوامر الشرعية.
وتسهيلاً على السالك في هذا الركن من أركان الطريق أنصح بتوجيه الأسئلة التالية للنفس كل يوم حتى نقرن الفكر بالعمل، فيتفكر السالك بأمره ويسأل نفسه هذه الأسئلة:
· هل تفكرت في بديع صنع الخالق في أرضه وسمائه وجميع خلقه؟
· هل تفكرت في نفسك وبديع صنع الله لك؟
· هل ذكرت الله عند قيامك من نومك؟
· هل صليت الفجر جماعة؟
· هل قرأت أوراد الصباح؟
· هل استفتحت يومك بسؤال الله لك أن يرزقك الرزق الحلال؟
· هل سألت الله أن يدخلك الجنة واستعذت به من النار؟
· هل صليت اليوم السنن الراتبة والتطوع؟
· هل واظبت على قراءة الأوراد؟
· هل كنت خاشعاً اليوم في صلاتك وتدبرت معانيها؟
· هل اتقيت الله في ملبسك ومشربك وطعامك؟
· هل حمدت الله على نعمه؟
· هل قرأت وتعلمت وحفظت وتدبرت شيئاً من كتاب الله؟
· هل حفظت سمعك وبصرك ولسانك وجوارحك عن الحرام؟
· هل صليت على النبي صلى الله عليه وسلم اليوم؟
· هل عدت مريضاً؟
· هل أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر؟
· هل شيعت جنازة؟
· هل نصحت في الله؟
· هل وصلت من قطعك؟
· هل عدلت في الغضب والرضى؟
· هل عفوت عمن ظلمك وأعطيت من حرمك؟
· هل كان صمتك فكراً ونطقك ذكراً ونظرك عبرة؟
· هل أحببت وأبغضت في الله؟
· هل أهديت هدية لتأليف قلب بزيادة حب ومودة؟
· هل حاولت الإقلال من الضحك؟
· هل تفكرت في نعم الله عليك؟
· هل بكيت من خشية الله أو حباً به؟
· هل تصدقت اليوم؟
· هل ابتسمت في وجه أخيك؟
· هل نطق لسانك غيبة ونميمة وسخرية؟
· هل تذكرت الموت والقبر والحساب والصراط والنار؟
· هل صمت نافلة؟
· هل ختمت يومك بتوبة نصوحاً؟
وهكذا يستقيم أمر الطاعة من خلال الفكر الدال على الخير. ثم ليتأمل قول الله تعالى {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (101 يونس) وقوله {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} (21 الذاريات). ويتأمل حقيقة خلقه من نطفة ويتفكر في نفسه فإن في خلقه من العجائب الدالة على عظمة الله ما يفني عمره في النظر إلى أقله. ثم ليتأمل الكون وخلقه وكيف خلق الله في باطن الأرض خيرات جمة للإنسان، الذهب والفضة والحديد والنفط. وفي التراب كيف يخرج منه الزرع مختلف الألوان. والبحار العظيمة وما فيها من الأحياء والأرزاق وكيف جعل الله فيها الأحجار الكريمة واللؤلؤ والصدف والمرجان والعنبر. والماء الذي جعل منه كل شيء حي، ولولاه لما كانت الحياة، ويتفكر الإنسان ماذا لو منع عنه الماء. ثم يتفكر بالهواء والأكسجين ومعادلته العلمية الدقيقة، والغيوم والرعد والمطر والثلج والبرد والشهب والصواعق، والطير التي تسبح كمـا يسـبح حيوان البحر في الماء، والسماء وعظمتها وكواكبها وشمسها وقمرها ودخول الليل بالنهار والنهار بالليل، ومسير الشمس واختلاف الفصول من الصيف إلى الشتاء والربيع والخريف، وكيف تستقيم الحياة على هذا الشكل الرتيب، وماذا لو اختل هذا الميزان.
ومن غفل عن هذا الفكر فلن يعرف ربه وقد نسي نفسه واشتغل ببطنه وفرجه، فتفكر بذلك فإن هذا هو مفتاح المعرفة.
الركن الخامس: الصمت:
هذا هو الركن الخامس من أركان الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية، ويدخل هذا الركن ضمن أنواع مجاهدة النفس وترويضها وتحويل آفاتها المذمومة إلى صفات محمودة وهي ركيزة من الركائز الأساسية التي تعنى بها الطريق. ومعنى الصمت السكوت، وعكس الصمت آفة من آفات اللسان الذي إذا ترك له الحبل على الغارب استرسل في الثرثرة وكثرة الكلام التي تورد الموارد. وآفات اللسان كثيرة ليس المكان هنا لذكرها إلا إنه لا يؤمَن جانب اللسان وخطره إلا بهذا الركن (الصمت) الذي يجمع الهمة ويُفْرِغ الصـبر. قـال تعالى {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18 ق) وقال أيضاً {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (1-3 المؤمنون). وقال تعالى في وصف المؤمنين {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (55 القصص). ففي هذه الآيات تنبيه وتحذير من الله بأن العبد مراقب فيما يقول ويُكتب عنه ذلك، ومدح للمؤمنين الذين يُعرِضون عن فضول الكلام وما لا حاجة لهم بقوله، ونهي عن الخوض فيما لا يعني، ومفارقة أهل اللغو الذين لا هم لهم سوى الخوض في الباطل وفي أعراض الناس، والغفلة عن ذكر الله وما والاه.
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من اللسان وآفاته وثرثرته، فقد أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (من صمت نجا). وأخرج الترمذي وقال حسن، عن عقبة بن عامر قال (قلت يارسول الله ما النجاة؟ قال أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك).
وروى البخاري عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يتكفل لي ما بين لحييه (اللسان) ورجليه (الفرج) أتكفل له الجنة).
وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين عن معاذ بن جبل قال (قلت يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول؟ فقال ثكلتك أمك يا ابن جبل، وهل يَكُبُّ النَّاسَ في النار على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم).
ورُوي أنّ ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما رأى أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو يمد لسانه بيده فقال ما تصنع ياخليفة رسول الله؟ قال هذا الذي أوردني الموارد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله من اللسان على حدته).
وفي الحديث المرسل ورجاله ثقات عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن، الصمت وحسن الخلق).
وفي الحديث المتفق عليه قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
وروى البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).
والأحاديث في الصمت كثيرة كلها تدل على فضيلته وإن فيه النجاة والسلامة والفلاح. {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. (114 النساء)
وقد تحدث الإمام الغزالي رحمه الله في آفات اللسان وذكرها وفصلها. وأختصرها للسالكين ليتيسر الفهم:
الآفة الأولى: الكلام فيما لا يعني: لقوله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
الآفة الثانية: الخوض في الباطل: وهو الكلام في المعاصي كذكر مجالس الخمر ومقامات الفساق. وقريب من ذلك الجدال والمراء وهو كثرة الملاحاة (المنازعة) للشخص لبيان غلطه وإفحامه، والباعث على ذلك الكبر والعجب. فينبغي للسالك أن ينكر المنكر ويبين الصواب، فإن قُبِل منه ذلك وإلا ترك المماراة. أو فيما يتعلق بأمور الدنيا فلا صحة للجدال فيها. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم).
الآفةالثالثة: التقعر في الكلام: ومعناه التشدق وتكلف السجع. لما روى أحمد من حديث ابن ثعلبة عن أبي ثعلبة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يوم القيامة مساويكم أخلاقاً الثرثارون المتشدقون المتفيقهون). والتفيهق: التنطع في الكلام يملأ فمه به لإظهار فصاحته لما في ذلك من كبر وعجب.
الآفة الرابعة: الفحش والسب والبذاء: لما روى النسائي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش). وروى الترمذي بإسناد صحيح من حديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء).
الآفة الخامسة: المزاح: إلا ما كان يسيراً منه فلا ينهى عنه إذا كان صادقاً. فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا حقاً. فإنه قال للرجل يا ذا الأذنين، وقال للعجوز إنه لا يدخل الجنة عجوز ثم قرأ {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا}. (35-36 الواقعة) وقال لأخرى زوجك الذي في عينيه بياض. فهذا مزاحه صلى الله عليه وسلم وكان حقاً ونادراً. أما الإفراط فيه والمداومة عليه فهو منهي عنه لأنه يسقط الوقار ويوجب الضغائن والأحقاد.
الآفة السادسة: السخرية والاستهزاء: ومعنى السخرية الاحتقار والاستهانة والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه. وقد يكون ذلك بالمحاكاة في العمل والقول وقد يكون بالإشارة والإيماء وكله ممنوع في الشرع.
الآفة السابعة: إفشاء السر وإخلاف الوعد والكذب في القول واليمين: إلا ما رخص فيه الكذب لزوجته لإصلاحها، وفي الحرب وإصلاح ذات البين. وتباح المعاريض لقوله صلى الله عليه وسلم (إن في المعاريض مندوحة عن الكذب)، وتباح لغرض خفيف كتطييب قلب الغير بالمزاح وإلا فالاسترسال بها قد يؤدي إلى الكذب.
الآفة الثامنة: الغيبة: والنهي عنها واضح في الكتاب والسنة لقوله تعالى {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} (12 الحجرات). وروى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم). وروى أبو داود بإسناد جيد عن أبي برزة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته). وروى مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الغيبة فقال (ذكرك أخاك بما يكره، قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).
فهذه بعض آفات اللسان وتلك هي فضيلة الصمت الذي هو مفتاح الحكمة ومهد الذكر.










قديم 2009-08-27, 09:06   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
yacinp2
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية yacinp2
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

فمن جعل طريق أحد من العلماء والفقهاء، أو طريق أحد من العباد والنساك أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ، ضال مبتدع، ومن جعل كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور مذموما معيبا ممقوتا، فهو مخطئ ضال مبتدع‏.‏
ثم الناس في الحب والبغض والموالاة والمعاداة هم أيضا مجتهدون، يصيبون تارة، ويخطئون تارة،وكثير من الناس إذا علم من الرجل ما يحبه، أحب الرجل مطلقا، وأعرض عن سيئاته، وإذا علم منه ما يبغضه أبغضه مطلقا، وأعرض عن حسناته، محاط وحال من يقول بالتحافظ وهذا من أقوال أهل البدع والخوارج والمعتزلة والمرجئة‏.‏
وأهل السنة والجماعة يقولون ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع وهو أن المؤمن يستحق وعد اللّه وفضله الثواب على حسناته، ويستحق العقاب على سيئاته، وإن الشخص الواحد يجتمع فيه ما يثاب عليه، وما يعاقب عليه، وما يحمد عليه وما يذم عليه، وما يحب منه وما يبغض منه، فهذا هذا‏.
وإذا عرف أن منشأ ‏(‏التصوف‏)‏ كان من البصرة، وأنه كان فيها من يسلك طريق العبادة والزهد، مما له فيه اجتهاد، كما كان في الكوفة من يسلك من طريق الفقه والعلم ماله فيه اجتهاد، وهؤلاء نسبوا إلى اللبسة الظاهرة، وهي لباس الصوف‏.‏ فقيل في أحدهم‏:‏ ‏(‏صوفي‏)‏ وليس طريقهم مقيدا بلباس الصوف، ولا هم أوجبوا ذلك ولا علقوا الأمر به، لكن أضيفوا إليه لكونه ظاهر الحال‏.‏
ثم‏(‏التصوف‏)‏ عندهم له حقائق وأحوال معروفة قد تكلموا في حدوده وسيرته وأخلاقه، كقول بعضهم‏:‏ ‏(‏الصوفي‏)‏ من صفا من الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والحجر‏.‏ التصوف كتمان المعاني، وترك الدعاوي‏.‏ وأشباه ذلك‏:‏ وهم يسيرون بالصوفي إلى معنى الصديق، وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون‏.‏ كما قـال اللّــه تعالــى‏:‏ ‏{‏فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 69‏]‏ ولهذا ليس عندهم بعد الأنبياء أفضل من الصوفي؛ لكن هو في الحقيقة نوع من الصديقين، فهو الصديق الذي اختص بالزهد والعبادة على الوجه الذي اجتهدوا فيه، فكان الصديق من أهل هذه الطريق، كما يقال‏:‏ صديقوا العلماء، وصديقوا الأمراء، فهو أخص من الصديق المطلق، ودون الصديق الكامل الصديقية من الصحابة والتابعين وتابعيهم‏.‏
فإذا قيل عن أولئك الزهاد والعباد من البصريين‏:‏ إنهم صديقون فهو كما يقال عن أئمة الفقهاء من أهل الكوفة أنهم صديقون أيضًا، كل بحسب الطريق الذي سلكه من طاعة اللّه ورسوله بحسب اجتهاده وقد يكونون من أجلِّ الصديقين بحسب زمانهم، فهم من أكمل صديقي زمانهم، والصديق في العصر الأول أكمل منهم، والصديقون درجات وأنواع؛ ولهذا يوجد لك منهم صنف من الأحوال والعبادات، حققه وأحكمه وغلب عليه، وإن كان غيره في غير ذلك الصنف أكمل منه وأفضل منه‏.‏
ولأجل ما وقع في كثير منهم من الاجتهاد والتنزع فيه تنازع الناس في طريقهم؛ فطائفة ذمت ‏(‏الصوفية والتصوف‏)‏‏.‏ وقالوا‏:‏ إنهم مبتدعون، خارجون عن السنة، ونقل عن طائفة من الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف، وتبعهم على ذلك طوائف من أهل الفقه والكلام‏.‏
وطائفة غلت فيهم، وادعوا أنهم أفضل الخلق، وأكملهم بعد الأنبياء وكلا طرفي هذه الأمور ذميم‏.‏

و‏(‏الصواب‏)‏ أنهم مجتهدون في طاعة اللّه، كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة اللّه، ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين، وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ، وفيهم من يذنب فيتوب أو لا يتوب‏.‏
ومن المنتسبين إليهم من هو ظالم لنفسه، عاص لربه‏.‏
وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة؛ ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم‏:‏ كالحلاج مثلا؛ فإن أكثر مشائخ الطريق أنكروه، وأخرجوه عن الطريق‏.‏ مثل‏:‏ الجنيد بن محمد سيد الطائفة وغيره‏.‏ كما ذكر ذلك الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي؛ في ‏(‏طبقات الصوفية‏)‏ وذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد‏.‏
فهذا أصل التصوف‏.‏ ثم أنه بعد ذلك تشعب وتنوع، وصارت الصوفية ‏(‏ثلاثة أصناف‏)‏‏:‏ صوفية الحقائق وصوفية الأرزاق وصوفية الرسم‏.‏
فأما ‏(‏صوفية الحقائق‏)‏‏:‏ فهم الذين وصفناهم‏.‏
وأما ‏(‏صوفية الأرزاق‏)‏ فهم الذين وقفت عليهم الوقوف‏.‏ كالخوانك فلا يشترط في هؤلاء أن يكونوا من أهل الحقائق‏.‏فإن هذا عزيز وأكثر أهل الحقائق لا يتصفون بلزوم الخوانك؛ ولكن يشترط فيهم ثلاثة شروط‏:‏
‏(‏أحدها‏)‏‏:‏ العدالة الشرعية بحيث يؤدون الفرائض ويجتنبون المحارم‏.‏
و‏(‏الثاني‏)‏‏:‏ التأدب بآداب أهل الطريق،وهي الآداب الشرعية في غالب الأوقات، وأما الآداب البدعية الوضعية فلا يلتفت إليها‏.‏
و‏(‏الثالث‏)‏‏:‏ أن لا يكون أحدهم متمسكًا بفضول الدنيا، فأما من كان جماعا للمال، أو كان غير متخلق بالأخلاق المحمودة، ولا يتأدب بالآداب الشرعية، أو كان فاسقا فإنه لا يستحق ذلك‏.‏
وأما صوفية الرسم‏:‏ فهم المقتصرون على النسبة،فهمهم في اللباس والآداب الوضعية، ونحو ذلك فهؤلاء في الصوفية بمنزلة الذي يقتصر على زي أهل العلم وأهل الجهاد ونوع مَّا من أقوالهم وأعمالهم بحيث يظن الجاهل حقيقة أمره أنه منهم وليس منهم‏.‏

وأما اسم ‏(‏الفقير‏)‏‏:‏ فإنه موجود في كتاب اللّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن المراد به في الكتاب والسنة الفقير المضاد للغني‏.‏ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ و‏(‏الفقراء والفقر‏)‏ أنواع‏:‏ فمنه المسوغ لأخذ الزكاة‏.‏ وضده الغني المانع لأخذ الزكاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب‏)‏ والغني الموجب للزكاة غير هذا عند جمهور العلماء‏.‏ كمالك والشافعي وأحمد،وهو ملك النصاب وعندهم قد تجب على الرجل الزكاة، ويباح له أخذ الزكاة خلافا لأبي حنيفة‏.‏
واللّه سبحانه قد ذكر الفقراء في مواضع؛ لكن ذكر اللّه الفقراء المستحقين للزكاة في آية والفقراء المستحقين للفيء في آية‏.‏ فقال في الأولى‏:‏ ‏{‏إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ‏}‏ ـ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 271‏:‏ 273‏]‏‏.‏ وقال في الثانية‏:‏ ‏{‏مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى‏}‏ الآية إلى قوله‏:‏ ‏{‏لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏ 7-8‏]‏‏.‏
وهؤلاء ‏[‏الفقراء‏]‏ قد يكون فيهم من هو أفضل من كثير من الأغنياء، وقد يكون من الأغنياء من هو أفضل من كثير منهم‏

وقد تنازع الناس أيما أفضل‏:‏ الفقير الصابر،أوالغني الشاكر‏؟‏ والصحيح‏:‏ أن أفضلهما أتقاهما؛ فإن استويا في التقوى استويا في الدرجة كما قد بيناه في غير هذا الموضع، فإن الفقراء يسبقون الأغنياء إلى الجنة لأنه لا حساب عليهم‏.‏ ثم الأغنياء يحاسبون، فمن كانت حسناته أرجح من حسنات فقير، كانت درجته في الجنة أعلى، وإن تأخر عنه في الدخول‏.‏ ومن كانت حسناته دون حسناته كانت درجته دونه؛ لكن لما كان جنس الزهد في الفقراء أغلب صار الفقر في إصطلاح كثير من الناس عبارة عن طريق الزهد، وهو من جنس التصوف‏.‏
فإذا قيل‏:‏ هذا فيه فقر أو ما فيه فقر لم يرد به عدم المال، ولكن يراد به ما يراد باسم الصوفي من المعارف والأحوال والأخلاق، والآداب ونحو ذلك‏.‏
وعلى هذا الاصطلاح قد تنازعوا أيما أفضل‏:‏ الفقير، أو الصوفي ‏؟‏ فذهب طائفة إلي ترجيح الصوفي، كأبي جعفر السهروردي ونحوه، وذهب طائفة إلى ترجيح الفقير ـ كطوائف كثيرين ـ وربما يختص هؤلاء بالزوايا وهؤلاء بالخوانك ونحو ذلك، وأكثر الناس قد رجحوا الفقير‏.‏
والتحقيق أن أفضلهما أتقاهما، فإن كان الصوفي أتقى للّه كان أفضل منه، وهو أن يكون أعمل بما يحبه اللّه، وأترك لما لايحبه فهو أفضل من الفقير، وإن كان الفقير أعمل بما يحبه اللّه وأترك لما لا يحبه كان أفضل منه، فإن استويا في فعل المحبوب وترك غير المحبوب استويا في الدرجة‏.‏

وأولياء اللّه هم المؤمنون المتقون، سواء سمى أحدهم فقيرًا أو صوفيًا أو فقيهًا أو عالمًا أو تاجرًا أو جنديًا أو صانعًا أو أميرًا أو حاكمًا أو غير ذلك‏.‏
قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 62، 63‏]‏‏.‏
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏يقول اللّه تعالى‏:‏ من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه‏)‏‏.‏ وهذا الحديث قد بين فيه أولياء اللّه المقتصدين، أصحاب اليمين والمقربين السابقين‏.‏
فالصنف الأول‏:‏ الذين تقربوا إلى اللّه بالفرائض‏.‏ والصنف الثاني‏:‏ الذي تقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، وهم الذين لم يزالوا يتقربون إليه بالنوافل حتى أحبهم، كما قال تعالى‏.‏

وهذان الصنفان قد ذكرهم اللّه في غير موضع من كتابه كما قال‏:‏ ‏{‏ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 32‏]‏ وكما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 22-28‏]‏ قال ابن عباس‏:‏ يشرب بها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين مزجًا‏.‏
وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا‏}‏ ‏[‏الإنسان‏:‏ 17، 18‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 8-11‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 88-91‏]‏‏.‏
وهذا الجواب فيه جمل تحتاج إلى تفصيل طويل لم يتسع له هذا الموضع‏.‏ واللّه أعلم‏.‏










قديم 2009-08-27, 09:10   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
حكيم عياض
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

الركن السادس: العزلة (الخلوة)



وهي نوع من أنواع الاعتكاف يقصد بها تنقية القلب مما علق به من ران أثناء ممارسة الحياة العادية بما فيها من مفاتن ومعاصٍ، فينصح السالك ما بين الفترة والأخرى بهذا الاعتكاف، يفرد فيه القلب لذكر الله والتفكر بمخلوقاته. ولا بد لهذه من شيخ يعالج آفات النفس كما يعالج الطبيب علل الجسد.

أما مدتها فيحددها الشيخ المعالج كما يحدد الطبيب كمية الدواء ومدته. ولا يفهم من هذا المعنى الرهبنة، كما عند النصارى، أو الانقطاع عن الناس وترك الأهل والأولاد بلا معيل، فإن هذا تواكل ينافي التوكل، حاربه الشرع الحنيف. فهي إذن ابتعاد عن الدنيا بكل زخارفها فترة من الوقت، يستريح فيها الجسد والفكر من مشاغل الدنيا، ويأخذ فيها القلب جرعة من الإيمان تدفعه في عليين.
مشروعية الخلوة:
الخلوة فعل شرعي أمر به القرآن الكريم، وهي اقتداء بنبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم الذي كان يخلو بغار حراء الأيام والليالي. ثم هي سنة الأنبياء من قبل عليهم الصلاة والسلام، يقول الله تعالى على لسان إبراهيم الخليل لما ازداد عصيان قومه {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا} (48-49 مريم) ويقول تعالى في قصة أهل الكهف {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ...} (16 الكهف). هذا في جانب اعتزال المشركين، وهذه عزلة دائمة تختلف عن المعنى الذي ذكرناه سابقا. أما ما نريده من العزلة هنا فهو أقرب إلى الخلوة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدليل عليها من السنة النبوية:
روى البخاري في صحيحه باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه (أي يتعبد) الليالي ذوات العدد قبل أن ينْزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة ويتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.
وقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك الاعتكاف حتى قبض. فكان يخلو في العشر الأواخر من رمضان. وقد سماه الفقهاء اعتكافاً.
وللعلماء في الخلوة أقوال كثيرة كلها تحث عليها، ولا يتسع المجال هنا لذكرها كلها، وأذكر بعضها على سبيل الاختصار:
· الإمام الغزالي: يقول في كتاب «الإحياء» "وأما الخلوة ففائدتها دفع الشواغل وضبط السمع والبصر، فإنهما دهليز القلب، والقلب في حكم حوض تنصب إليه مياه كريهة كدرة قذرة من أنهار الحواس، ومقصود الرياضة تفريغ القلب من تلك المياه ومن الطين الحاصل منها، لينفجر أصل الحوض فيخرج منه الماء النظيف الطاهر، وكيف يصح له أن ينْزح الماء من الحوض والأنهار مفتوحة إليه؟ فيتجدد في كل حال أكثر مما ينقص فلابد من ضبط الحواس إلا على قدر الضرورة وليس يتم ذلك إلا بالخلوة، وعندما يسلم من علله وأمراضه وتعلقاته ومشاغله وخواطر الشيطان ووساوسه يستحق نعيم قربه ويستعد لتلقي العلوم اللدنية والأسرار الربانية والنفحات النورانية.
· أبو الحسن الشاذلي: يذكر رحمه الله للخلوة عشر فوائد: السلامة من آفات اللسان، وآفات النظر، وحفظ القلب وصونه عن الرياء والمداهنة، وحصول الزهد في الدنيا والقناعة منها، والسلامة من صحبة الأشرار ومخالطة الأرذال، والتفرغ للعبادة والذكر، والشعور بحلاوة الطاعات، وراحة القلب والبدن، وصيانة النفس والدين من التعرض للشرور والخصومات التي توجبها الخلطة، والتمكن من عبادة التفكر والاعتبار.
· الدكتور مصطفى السباعي: يقول في كتاب «مذكرات في فقه السيرة»: يجب على الداعية إلى الله أن تكون له بين الفينة والفينة أوقات يخلو فيها بنفسه تتصل فيها روحه بالله جل شأنه، وتصفو فيها نفسه من كدورات الأخلاق الذميمة والحياة المضطربة من حوله، ومثل هذه الخلوات تدعوه إلى محاسبة نفسه إن قصرت في خير أو زلت في اتجاه.
وأخيراً أختم بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه (سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله)، وذكر (رجلاً ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
الركن السابع: الجوع:
هذا هو الركن السابع والأخير من أركان الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية. أستهله بآيات من كتاب الله تدل على حقيقة فهمنا لهذا الركن حتى لا نتهم فيما ليس فينا. يقول الله تعالى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (32 الأعراف). ويقول أيضاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (87 المائدة).
فلسنا ممن يحرم ما أحل الله، إلا أننا ننادي بالاعتدال والتوسط في التعامل مع شهوة البطن، ونرمي بذلك إلى المجاهدة وعدم الإفراط في تناول الطعام والبغي بغير الحق، لأن البغي في الشيء الحلال حرام، وهو من الإسراف الذي نهى الله تعالى عنه {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31 الأعراف) ومصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسِه). وهذا هو الاعتدال بعينه. وهذا هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه القضية الذي إذا قسناه بأنماط الاستهلاك القائمة في زماننا وجدنا هناك بوناً شاسعاً بين منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وما هو قائم اليوم خصوصاً إذا عرفنا أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل إلا في معى واحد، ولم يشبع من خبز الشعير قط، ولم تكن توقد في بيته النار لطهي الطعام شهوراً عدة، وكان أغلب طعامه الأسودان التمر والماء. ولم يكن ذلك فقراً ولا فاقة إلا أنه اختاره صلى الله عليه وسلم تعليماً لخيار أمته. كيف لا وقد عرض عليه ربه أن يجعل له بطحاء مكة ذهباً فأبى ذلك وقال أجوع يوماً فأصبر وأشبع يوماً فأشكر. وهذه هي الحكمة الحقيقية من هذا الركن.
وقد عرفنا لاحقاً أن النفس البشرية تجنح بطبيعتها نحو الشهوات وهي أمارة بالسوء أصلاً. فالمجاهدة والرياضة هما درب التزكية لهذه النفس حتى تتمكن من الشكر قال تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (9-10 الشمس)، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (25 الفرقان). فالصفات الذميمة في النفس ومنها الشره في الطعام أمور يجب تقويمها وتحويلها إلى صفات محمودة، فالشح يتحول بالمجاهدة والتزكية إلى السخاء، والبغض إلى الحب، والكبر إلى التواضع، والغضب إلى الحلم، والسخط إلى الرضا، وهكذا في بقية أحوال النفس. ولا يتأتى ذلك إلا بالمجاهدة والتزكية.
فالطريقة لم تأت بهذا المنهج من عندها ولم تستقه، كما يدعي البعض من أصول شركية أو فلسفات وضعية، وإنما هو تطبيق عملي لشرع الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولئن كانت الطريق قد اتُّهمت بذلك فلأنها تعنى عناية خاصة بتزكية النفس وتوجيهها نحو خالقها ضمن قواعد الشرع الحنيف دون غيرها فكانت تهمة عمياء لا تستند إلى الحقيقة في شيء.
وصيام النافلة هو جزء من التطبيق العملي لهذا الركن ولهذا المفهوم المعتدل لحقيقة الجوع، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على صيام النافلة من هذا الباب، فقد أمر عليه الصلاة والسلام بصيام الأيام البيض من الشهر القمري (13، 14، 15) وحث على صيام يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، ثم قال (خير الصيام صيام أخي داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً) إلى آخر أنواع صيام النافلة. وما ذلك إلا دربة على قيادة النفس وإحكام السيطرة عليها. حتى إنه صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على عدم الإقبال على الموائد بنهم وشراهة للصائم، حيث أنه سن لنا أن نفطر على تمرات ثم نقوم لأداء صلاة المغرب وبعدها يكون الإفطار، وهذا علاج علمي ثبتت فائدته مخبرياً، حيث تبين أن هذه التمرات تعيد للجسم مادة السكر التي فقدها خلال النهار، والتي يؤدي فقدانها إلى الإقبال على الطعام بشراهة عند الإفطار، فأمرنا أولاً بتناولها ثم الصلاة وفي أثناء الصلاة تعيد هذه التمرات الجسم إلى طبيعته وتعوض ما فقد من مادة السكر وبعد الصلاة يقبل على الطعام بشكل طبيعي لا شراهة فيه.
والمعروف بأن كثرة الطعام تقسي القلب وتؤدي إلى الجشع والطمع، هذا عدا عن كونها تؤذي الجسد وتسبب الأمراض المزمنة كأمراض القلب وضغط الدم والسمنة والجلطات والسكري وغيرها. والاعتدال في تناوله يمنع ذلك كله. كما أن الجوع يذكر الغني بالفقير ليسد فاقته وجوعه. فقد قال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من نام شبعان وجاره جائع).
فهذا الركن إذن يحافظ على التوازن والتكافل في المجتمع المسلم من خلال التطبيق العملي له، حين يتذكر الغني الجائع فيسلم المجتمع من حقد الفقراء والجائعين حين يسدوا رمقهم ويطفئوا عطشهم ويمحوا فاقتهم

العهد
(أدلته وكيفية تلقينه في الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية)

أخذا بأمر الله تعالى، واقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، استمر مشايخنا رجال سند الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية في إعطاء عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلق من بعده، لما في هذه العهود من أثر واضح في تزكية نفوس السالكين، وهو المنهج القويم الذي استمروا عليه لما في ذلك من ميثاق غليظ يربط المخلوق بخالقه. فكان لا بد للسالك بعد تدرجه في أبجديات السلوك أن يجلس إلى شيخ وارث، متصل السند برسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا عن عهد وشيخا عن شيخ ووارثا عن وارث حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يكن لأحد من الناس زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل في دين الله إلا ببيعة واضحة بينتها السنة النبوية الشريفة، وكذا الأمر من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلفائه وأوليائه من بعده.
واختلفت صور البيعة من شأن إلى شأن، فمنها ما كان بيعة حكم وسياسة، ومنها ما كان بيعة طاعة وعبادة، ومنها ما كان للنصرة والإيواء، ومنها ما كان لاجتناب النواهي وامتثال الأوامر، وغير ذلك من أنواع العهود.
ولما كان أمر البيعة في طريقتنا من الأصول الثابتة التي لم تتغير ولم تتحول خلال القرون، أسوق لإخواننا الأدلة الشرعية على أصل هذه العهود وأنها من صُلب العقيدة الإسلامية السمحة وأنها في الرجال والنساء أفرادا وجماعات.
أدلة العهد من القرآن الكريم:
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (10 الفتح).
وقال تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (10 الفتح).
وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} (91 النحل).
وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} (34 الإسراء).
أدلة العهد من السنة النبوية الشريفة:
أخرج البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتون ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفَّى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك).
وأخرج الإمام أحمد والطبراني والبزار ورجاله موثوقون عن يعلى بن شداد قال حدثني أبي شداد بن أوس رضي الله عنه وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (هل فيكم غريب يعني من أهل الكتاب فقلنا: لا يا رسول الله فأمر بغلق الباب فقال ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا وقلنا لا إله إلا الله ثم قال صلى الله عليه وسلم الحمد لله أنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة وأنك لا تخلف الميعاد، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ألا ابشروا فإن الله قد غفر لكم).
وأما بيعته صلى الله عليه وسلم للإمام علي كرم الله وجهه فإنها كانت فردية خاصة به لما رواه الطبراني والبزار بإسناد حسن أن عليا كرم الله وجهه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله وأسهلها على عباده وأفضلها عنده تعالى فقال صلى الله عليه وسلم عليك بمداومة ذكر الله سرا وجهرا فقال علي كل الناس ذاكرون فخُصني بشيء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله ولو أن السماوات والأرضين في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهم ولا تقوم القيامة وعلى وجه الأرض من يقول لا إله إلا الله ثم قال علي فكيف أذكر قال النبي صلى الله عليه وسلم غمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث مرات ثم قلها ثلاثا وأنا أسمع ثم فعل ذلك برفع الصوت).
وأخرج الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله اشترط عليّ فأنت أعلم بالشرط، قال صلى الله عليه وسلم: (أبايعك على أن تعبد الله وحده ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتنصح لكل مسلم وتبرأ من الشرك).
وتسهيلا على المسلم، وحتى يدخل في هذه العهود من كان ذا همة عالية ومن هو دن ذلك، أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأحكام ومسلم في كتاب الإمارة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيما استطعتم).
وأما بيعته صلى الله عليه وسلم للنساء:
روى أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله ثقات عن سلمى بنت قيس رضي الله عنها وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلت معه القبلتين وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار قالت: (جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته في نسوة من الأنصار فلما شرط علينا أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف، قال: ولا تغششن أزواجكن، قالت: فبايعناه ثم انصرفنا، فقلت لامرأة منهن: ارجعي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حرم علينا من مال أزواجنا، قالت: فسألته فقال: تأخذ ماله فتحابي غيره).
وأخرج الترمذي في كتاب السير باب بيعة النساء ورواه النسائي في الباب نفسه وإسناده حسن عن أميمة بنت رقيقة قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة يبايعنه فقلن: نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال صلى الله عليه وسلم: (فيما استطعتن وأطقتن) فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله فقال: (إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة).
أما بيعته صلى الله عليه وسلم للصبيان الذين لم يبلغوا الحلم:
فقد أخرج الطبراني عن محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم (أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم وهم صغار ولم يبقلوا ولم يبلغوا ولم يبايع صغيرا إلا منا) يعني إلا من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا استمر العهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وخلفائه من بعده وأوليائه بصيغ وعبارات ومعان شتى وكان كل خليفة يخلف خليفة تؤخذ له البيعة فورا.
عن أنس رضي الله عنه قال: (قدمت المدينة وقد مات أبو بكر رضي الله عنه واستخلف عمر رضي الله عنه، فقلت لعمر ارفع يدك أبايعك على ما بايعت عليه صاحبك قبلك على السمع والطاعة فيما استطعت).
واستمرت هذه العهود في الأولياء من أمة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الورَّاث من آل بيته الأطهار. وكتب التاريخ تشهد لهذه العهود من أئمة آل البيت الأطهار علي والحسن والحسين وزين العابدين والباقر والصادق… الخ، مرورا بالعارفين بالله الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أحمد الرفاعي والشيخ إبراهيم الدسوقي والشيخ أحمد البدوي… الخ. واستمر مشايخنا رجال سند الطريقة على هذا النهج حتى زماننا هذا.
نقض العهود:
لقد حذر الله تعالى من نقض العهود لأنها عهود هي في حقيقتها مع الله ويشهد عليها الحق سبحانه وتعالى طالما أنه في طاعته وامتثال أمره.
قال تعالى: {وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (7 الأحزاب).
وقال أيضا: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} (91-92 النحل).
وقال أيضا: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (10 الفتح).
فنقض العهد يعود ضرره على الناقض، ونقض العهد في الطريقة يخرج السالك من الطريق كما تخرج الردة الرجل من الإسلام. قال بعض العلماء إن هؤلاء لم يرتدوا عن أصل الدين وإنما ارتدوا عن فعل شيء من فروعه بدليل أنه صلى الله عليه وسلم يشفع فيهم إذا سكن الغضب الإلهي.
روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
فليحرص كل سالك على الوفاء بعهده ولا يتقدم لأخذه أصلا إلا حين يجد في نفسه القدرة على الوفاء به حتى لا يقع في مخالفة تغضب الله ورسوله.
ومن هنا كانت حكمة مشايخنا في التريث في إعطاء العهود لطلابها حتى يتمكن الإيمان في قلوبهم ويكونوا أهلا لأخذها قادرين على الوفاء بها.

كيفية تلقين العهد:
بعد فترة من المجاهدة والتزكية للمريد، وبعد أن تتعمق فيه بعض مراتب السلوك والالتزام، وبعد أن يتدرب على مقاومة شهواته وملذاته، ويقوى على آفات نفسه، فيحيل القبيح منها إلى الحسن، يتقدم لأخذ عهد الطريقة القائم على أن الطاعة لله تجمع، والمعصية تفرق.
وكيفية تلقين العهد أن يجلس الشيخ جاثياً على ركبتيه، والمريد أمامه، ويضع الشيخ يده اليمنى في يد المريد اليمنى، ويده اليسرى بين كتفيه، ويقرأ هو والمريد الفاتحة ثلاث مرات، ثم يقول الشيخ والمريد يردد خلفه:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.
بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله، وعلى ملة الصادق رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه (ثلاث مرات). تبت إلى الله ورجعت إلى الله. تبت إلى الله توبة نصوحاً لا أنقض عهدها أبداً. والله على ما أقول وكيل. رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن كتاباً، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وبشيخك شيخاً ودليلاً إلى الله تعالى، وعاهدتك بالله العظيم على أن طاعة الله والرسول تجمعنا، وأن معصية الله والرسول تفرقنا. والله على ما نقول وكيل.
ثم يقول الشيخ للمريد:
أغمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاث مرات، ثم قل أنت لا إله إلا الله ثلاث مرات وأنا أسمع.
وبعد فراغهما يقول الشيخ:
سيدنا وحبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً وصدقاً. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}. {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (ثلاثاً). {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً}. {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}. {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ} (ثلاثاً). ثم يقول الشيخ: (أجزتك بطريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية. وأذنتك بقراءة أورادها كما أجازني وأذنني بذلك شيخي إجازة لنفسك. قبلت؟) فيقول: قبلت. ثم يقرأ الفاتحة. ثم يعظه موعظة تنفعه في آخرته.









قديم 2009-08-27, 09:20   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
حكيم عياض
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

فقه المريد
أولاً: أحكام الطهارة

أنواع المياه التي يصح التطهر بها:
يصح التطهر بكل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض ما دام باقياً على أصل الخلقة كماء المطر و الينابيع و الأنهار و البحار و الآبار ومياه الأودية وماء الثلج والبرد لقوله تعالى{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ} (11 الأنفال). وسئل رسول الله صلى الله عليه وسـلم عن البحـر (فقال هو الطهور ماؤه، الحل ميتته).

أهمية الطهارة في الإسلام:
بمقدار ما نُعنى في طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية بطهارة القلب والباطن فإن ذلك لابد وأن تسبقه طهارة الظاهر، فقد حث الإسلام أولاً على العناية بنظافة وطهارة ظاهر المرء من جسده إلى ثيابه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم (الطهور شطر الإيمان) ومن ثَمَّ فإن طهارة القلب الشطر الثاني.
وروى أبو داود عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا ثيابكم وأصلحوا رحالكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله يكره الفحش والتفحش). ولذلك جعل الإسلام الطهارة الظاهرية شرطاً للصلاة كما جعل أشياخنا طهارة الباطن شرطاً للقبول، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الطهارة الظاهرة - من الحدث والخبث - مفتاح الصلاة، كما روى ذلك أبو داود والترمذي وابن ماجة. ولأجل ذلك نرى الرسول صلى الله عليه وسلم يشدد على المسلم في أمور الطهارة، وأخص ذلك الاستنجاء والتنـزه من بقايا البول وأثره. فنراه صلى الله عليه وسلم يجعل الاستخفاف واللامبالاة بهذا الأمر سبباً من أسباب عذاب القبر. فقد روى الدارقطني والحاكم في المستدرك قوله صلى الله عليه وسلم (استنـزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر فيه). كما روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير بل إنه كبير. أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستنـزه من بوله).
ثم هناك سنن سماها الشرع سنن الفطرة لا بد للمؤمن أن يحرص عليها تراعي قيمة جمال الظاهر المؤسس عليه جمال الباطن، وأعني قص الأظافر، والختان، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستنجاء بالماء، وحف الشارب، وتنظيف الثياب. ويكمل ذلك بمراعاة شعر الرأس واللحية بالتنظيف والتطييب والتسريح، لقوله صلى الله عليه وسلم (من كان له شعر فليكرمه)، حتى يحظى العبد بشرف الوقوف بين يدي الله كامل الزينة ظاهراً وباطناً {يَا بَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (31 الأعراف). وحتى يكون أهلاً للحب الإلهي {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222 البقرة)، ولذلك أثنى الله على أهل مسجد قباء بقوله {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (108 التوبة).
ولابد من مراعاة أن طهارة الجسد والثوب لابد أن تتبعها طهارة القلب وتعميره بالإخلاص والتوحيد والذكر وتخليصه من آفات الكبر والعجب والحقد والنفاق إلى آخر آفات الباطن التي حث الشرع على التخلص منها بقوله تعالى {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} (120 الأنعام).
المواضع التي تزال عنها النجاسات الحسية:

أجمع علماء الشرع الشريف على أن المواضع التي تزال عنها النجاسات هي:
1. الأبدان 2. الثياب 3. مواطن الصلاة.
وتزال هذه النجاسات من هذه المواضع بالماء الطاهر المطهر لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري (ثم اغسليه بالماء).

ثانياً: أحكام الوضوء


والوضوء شرط لصحة الصلاة لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (6 المائدة). وروى البخاري ومسلم عن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم قوله (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

فرائض الوضوء:
الأول:غسل الوجه لقوله تعالى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}. وحدّه طولاً من مبدأ سطح الجبهة إلى أسفل الذقن، وحدّه عرضاً من بين شحمتي الأذنين. ويشمل ذلك الحاجبين والشاربين. وأما اللحية فإن كانت خفيفة تُرى بشرتها فيفترض إيصال الماء إلى بشرتها، وإن كانت كثيفة لا تُرى بشرتها فيفترض غسل ظاهرها.
الثاني: غسل اليدين إلى المرفقين لقوله تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}.
الثالث: مسح الرأس لقوله تعالى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم}.
الرابع: غسل الرجلين إلى الكعبين لقوله تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن}.

هذه هي الفرائض الأربعة المجمع على فرضيتها، أما الفرائض المختلف عليها فهي النية والترتيب والموالاة والتدليك. وللخروج من الخلاف ننصح بالتزامها جميعاً.

سنن الوضوء:
وهي التي يثاب فاعلها، ويلام ويعاتب تاركها. ولقد واظب الرسول صلى الله عليه وسلم على سنن الوضوء وأمرنا بالتزامها وهي:
·النية.
·التسمية: لقوله صلى الله عليه وسلم (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) ويقـول: بسم الله الرحمن الرحيم.
·غسل اليدين إلى الرسغين فهما أداة التطهير. فيبدأ الوضوء بذلك.
·المضمضة والاستنشاق.
·الاستياك: لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).
·تخليل اللحية: لما روي (أنه صلى الله عليه وسـلم كان يخلل لحيته). وهذا في اللحية الكثّة.
·تخليل الأصابع.
·تـثليث الغَسْل.
·استيعاب الرأس بالمسح مرة واحدة. كما فعله صلى الله عليه وسلم.
·مسح الأذنين، ولو بمـاء الرأس لقـوله صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس).
·البدء بالميامن، في غسل اليدين والرجلين لأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في تنعُّلِه وترجُله وطهوره وفي شأنه كله.
·الترتيب والموالاة والدلك.
·مسح الرقبة.

آداب الوضوء:
التي يثاب فاعلها، ولا يلام تاركها، وهي:
·استقبال القبلة.
·عدم التكلم بكلام الناس، لما فيه من الانشغال عن الدعاء المأثور.
·عدم الاستعانة بغيره إلاّ بعذر مرض ونحوه.
·الجمع بين نية القلب ومعقل اللسان، لأن الوضوء عبادة.

·الدعاء بالمأثور: فعند غسل الوجه يقول: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوهٌ و تسود وجوه. وعند غسل اليد اليمنى يقول: اللهم أعطني كتابي بيميني وحاسبني حساباً يسيراً. وعند غسل اليد اليسرى يقول: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري. وعند مسح رأسه يقول: اللهم أظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك. وعند مسح الأذنين يقول: اللهم اجعلني ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وعند مسح الرقبة يقول: اللهم اعتق رقبتي من النار. وعند غسل الرجلين يقول: اللهم ثبتي على الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة.
·تحريك الخاتم الواسع، أما الخاتم الضيق فيفترض تحريكه.
·الاستنشاق باليمنى والامتخاط باليسرى.
·أن يقول بعد الانتهاء من الوضوء: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
·ترك التجفيف إبقاءً على آثار الوضوء.

مكروهات الوضوء:
·الإسراف في صب الماء لقوله تعالى: {وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (141 الأنعام).
·التقتير باستعمال الماء، بحيث يصير الغَسل كالمسح.
·الزيادة على القدر المسنون، وهو الثلاث في الغسل.
·ضرب الوجه بالماء.

نواقض الوضوء:
أولا: النواقض المتفق عليها وهي:
· كل خارج من السبيلين من بول أو غائطٍ أو ريحٍ أو مذيٍ أو وديٍّ، سواءٌ أكان قليلاً أم كثيراً، لقوله تعالى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ} (43 النساء).
·النوم المستغرق.
·الإغماء والجنون والسكر.

ثانيا: النواقض المختلف فيها وهي:
· خروج الدم أو القيح أو الصديد من غير السبيلين.
·القيء.
·القهقهة في الصلاة.
·مس المرأة بإلتقاءٍ بشرتي الذكر والأنثى ولمس أحد الزوجين صاحبه.

ثالثاً: الغُسل
قال تعالى {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (6 المائدة).

الأسباب الموجبة للغسل:
1. خروج المني إلى ظاهر الجسد في اليقظة والنوم باحتلام أو نظرٍ أو فكرٍ أو نحو ذلك. كما يجب الغسل إذا رأى المني ولم يذكر احتلاماً. أما إذا احتلم ولم يجد بللاً فلا يلزمه الغسل.
2. الوطء: وهو المباشرة الجنسية بالتقاء الختانين ولو بلا إنزال.
3. الحيض: ويجب فيه الغسل، بعد الطهر من نجاسته، بانقطاعه.
4. النفاس: ويجب فيه الغسل، بعد الطهر من نجاسته، بانقطاعه.
5. الميت: ويفترض على الأحياء تغسيله، فرض كفاية.

الأغسال المسنونة:
1. غسل الجمعة.
2. غسل العيدين.
3. غسل الإحرام للحج.
4. غسل يوم عرفة.

فرائض الغُسل:
1. النية.
2. المضمضة والاستنشاق.
3. تعميم الماء على سائر الجسد:
· غسل داخل القلفة وهو ما يستر الحشفة من الجلد.
· غسل داخل السرة.
· غسل داخل المضفور من شعر الرجل ويلزمه حلّه.
· غسل بشرة اللحية وشعرها ولو كانت كثيفة.
· غسل الجلد تحت كل شعر لقوله صلى الله عليه وسلم (تحت كل شعرة جنابة).
· غسل مخرج الغائط ومخرج فرج المرأة الخارج.
4. إزالة النجاسة وغسلها قبل البدء بالغُسل.

سنن الغُسل وكيفيته:
1. النية: نويت الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر.
2. التسمية.
3. غسل اليدين إلى الرسغين.
4. غسل النجاسة عن البدن حتى لا تنـتشر إلى الجسد.
5. الوضوء قبل الاغتسال وبعد النية، والتسمية وغسل اليدين والنجاسة. ويؤخر غسل الرجلين للنهاية.
6. إفاضة الماء على الجسد ثلاثاً.
7. البدء بإفاضة الماء على الرأس ثم إفاضة الماء على منكبه الأيمن ثم الأيسر.
8. موالاة الغُسل.









قديم 2009-08-27, 09:28   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
حكيم عياض
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثاً : أحكام الصـلاة

مقـدمة:
فرضت الصلاة على الأمة المحمدية ليلة أسري بنبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم. وهي فرض عين على كل مكلف بإجماع الأمة لقوله تعالى {فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (103 النساء). وهي صلة بين العبد وربه، تقوي أواصر العلاقة والمناجاة بين العبد وخالقه، وهي صلة روحية يطمئن من خلالها قلب العبد وتسكن نفسه، لشعوره بأن هناك رباطا وثـيقا وتواصـلا دائما بينـه وبين خالقه: {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28 الرعد).
وهي فرصة يتيحها الله لعبده لمناجاته، يجب شكره عليها، ثم إنها باب لتكفير الذنوب والخطايا ومفتاح للنجاة من النار {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرٍ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (42-43 المدثر) وسبب للفلاح والفوز بالجنة {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} (1-2 المؤمنون).
ثم إنها سبب من أسباب الاستقامة في الحياة الدنيا لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكـر {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} (45 العنكبوت). والصلاة تبعد عن القلب أتعاب الدنيا وهمومها إذا استشعر العبد هروبه وفراره إلى الله من منغصات الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم (وجعلت قرة عيني في الصلاة). وكان صلى الله عليه وسلم إذا اغتم أو ضاق صدره قال لمؤذنه بلال رضي الله عنه (أرحنا بها يا بلال).
ثم إنها تطرد وساوس الشيطان وتبعد القلب عن الغفلة التي هي من أخطر أمراض القلوب، وتكون سنداً للمؤمن في الشدائد والمصائب تذهب عنه هولها وحدتها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (153 البقرة)
والصلاة مظهرٌ عظيم من مظاهر المجتمع المسلم واجتماع الناس لها مؤشر عملي على قوة المجتمع وتماسكه وتكافله. والمساجد والزوايا أمكنة طاهرة لاجتماع المسلمين وتعارفهم وتآلفهم وتكاملهم.

الأذان والإقامة:
شرع الأذان في السنة الأولى للهجرة في المدينة المنورة، وجعل الشارع لكل صلاة وقتاً، وجعل لكل وقتٍ علامة يعرف بها دخوله وهي الأذان، وهو سنة مؤكدة للرجال دون النساء، فرادى وجماعة، في السفر والحضر. ولا يسن الأذان ولا الإقامة لصلاة الكسوف والعيد والاستسقاء والجنازة والمنذورة وسائر النوافل كالضحى والتراويح والتهجد. بل ينادى في العيد والاستسقاء والكسوف على وجه الاستحباب: الصلاة جامعة.

صفة الأذان:
يقف المؤذن (الرجل) عند دخول الوقت باتجاه القبلة وينادي بلغة عربية، وبترتيب وموالاة وهو في حالة التمييز والعقل وكمال الطهارة، ويردد ألفاظ الأذان التالية:
(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله،
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،
حي على الصلاة، حي على الصلاة،
حي على الفلاح، حي على الفلاح،
الله أكبر، الله أكبر،
لا إله إلاّ الله).
ويزيد في صلاة الفجر بعد الحيعلتين قوله: "الصلاة خيرٌ من النوم"مرتين. ويستحب الالتفات يميناً وشمالاً عند الحيعلتين، كما يستحب أن يسترسل في الأذان، ويدرج في الإقامة.ويستحب بعد الأذان الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويستحب أيضاً أن يدعو بالدعاء الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه جابر عن الجماعة إلا البخاري وابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محمودا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد، وصلى عليّ، حلت له شفاعتي يوم القيامة). وللمؤذن أن يقول بعد الصلاة على رسول الله (الفاتحة) ويهبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأموات المسلمين.
ويطلب ممن يسمع الأذان أن يترك كل عمل - إلاّ إذا كان في ذِكرٍ أو تلاوة أتمّ باقيه - ثم يجيب المؤذن بعد كل جملة من جمل الأذان بمثلها تماماً، إلا عند قوله حي على الصلاة حي على الفلاح فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله. ويُشرع ذلك لكل سامع ولو كان جنباً أو حائضاً. وعقب التثويب في الفجر وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم يقول السامع (صدقت وبررت) أو (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم).

صفة الإقامة:
تشترك الإقامة في كثير من أحكام الأذان، وقد ذهب الحنفية إلى أن الإقامة مثنى كالأذان، واستدلّوا بحديث أبي محذورة الذي رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة) فيكون نصها على مذهب الحنفية:
(الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله،
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله،
حي على الصلاة، حي على الصلاة،
حي على الصلاة، حي على الصلاة،
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة،
الله أكبر، الله أكبر،
لا إله إلاّ الله).
واستحب كثيرون أن يتولّى الإقامة من يتولّى الأذان لقوله صلى الله عليه وسلم (من أذّن فهو يقيم الصلاة).
الصلاة
شروط صحة الصلاة:
الشرط الأول: الطهارة عن الحدثين الأصغر و الأكبر
لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (6 المائدة). ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة بغير طهور).

الشرط الثاني: الطهارة عن الخبث (النجاسة)
وتشمل الجسد والثوب والمكان. ففي طهارة الجسد قال صلى الله عليه وسلم (تنـزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه). وقـال أيضاً (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عُتَك الدم وصلي) وفي طهارة الثوب قال تعالى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (4 المدثر). وفي طهارة المكان روى أبو هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً قام فبال في المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم (دعوه و أريقوا علي بوله ذَنوباً من ماء فإنما بُعثتم ميسرين).

الشرط الثالث: دخول الوقت.
لقوله تعالى {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (103 النساء) أي فرضاً مؤقتاً محدداً بأوقات لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها.

الشرط الرابع: ستر العورة.
وهو أمرٌ هامٌ للمسلم في الصلوات وخارجها. قال تعالي {يَا بَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (31 الأعراف). وقال صلى الله عليه و سلم (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلاّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفه). وتختلف عورة الرجل عن عورة المرأة. فعورة الرجل ما بين السرة والركبة، لقوله صلى الله عليه و سلم (ما فوق الركبتين من العورة، وما اسفل من السرة من العورة). والسرة بعينها ليست عورة. أما عورة المرأة فإنها تشمل جميع بدنها باستثناء الوجه والكفين بالإجماع، وعلى خلاف في استثناء القدمين. وتمنع المرأة من كشف الوجه مخافة الفتنة. وأما استثناء الوجه والكفين من عورة المرأة فلقوله تعالى {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (31 النور).
وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت (ما ظهر من الوجه والكفين). واستثنى الحنفية القدمين أيضاً لأنهما ليسا بمحل الاشتهاء.

الشرط الخامس: استقبال القبلة.
لقوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (144 البقرة).
الشرط السادس: الإسلام. وهو شرط وجوب الصلاة فلا تجب على الكافر ولا تصح منه قبل إسلامه.

الشرط السابع: النية.
لقوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (5 البينة) ولقوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيّات). فلا تصحّ الصلاة من غير نية، ومحلُّها القلب. ولا يشترط الذكر باللسان لكن يستحب له أن يجمع بين نية القلب وذكر اللسان.

الشرط الثامن: تكبيرة الإحرام.
وهي قول المصلي (الله أكبر). وبها يُحرِّمُ على نفسه الاشتغال بما سوى الله، ولذلك سمي تحريماً. قال تعالى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (3 المدثر) وقال صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم) وكيفيتها أن يرفع يديه أولاً ثم يكبر حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبّر رفع يديه حذاء أذنيه. أما المرأة فترفع يديها حذو منكبيها لأنه أستر لها. ولا يسن الرفع فيما عدا تكبيرة الإحرام، لما رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال (ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرفع يديه إلاّ مرة). وقال الحنفية إنما روي عن الرفع عند تكبير الركوع وعند الرفع منه محمولٌ على أنه كان في صدر الإسلام ثم نُسخ.

أركان الصلاة:

الركن الأول:
القيام في الصلوات المفروضة والواجبة. لقوله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (238 البقرة) ولقوله صلى الله عليه وسلم (صلّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جَنب). وفي حال القيام يضع يده اليمنى على اليسرى بأن يأخذ الرسغ (المفصل بين الكف والساعد) بالإبهام والخنصر (التحليق) ويضع باقي الأصابع على اليد اليسرى ويجعلهما تحت السرة. أما المرأة فتضع يديها على صدرها من غير تحليق لأنه أستر لها.

الركن الثاني:
القراءة. لقوله تعالى {فاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ} (20 المزمل) ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا صلاة إلاّ بقراءة). قال أبو حنيفة (فرض القراءة قـراءة آية واحدة). وأقل القراءة ما تتألف منه الآية: ستة أحرف كقوله تعالى {ثُمَّ نَظَرَ} (21 المدثر). والواجب قراءة الفاتحة وسورة قصيرة أو آية طويلة أو ثلاث آيات قصار.

الركن الثالث:
الركوع. لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (77 الحج). والإجماع منعقدٌ على فرضيته. والاطمئنان في الركوع واجب، وأقل الطمأنينة أن يمكث في هيئة الركوع حتى تستقر أعضاؤه لقوله صلى الله عليه وسلم (ثم اركع حتى تطمئن راكعاً). ويقول (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً. وإذا زاد فهو أفضل، ثم يعتدل من الركوع قائماً مطمئناً، وهذا واجب.

الركن الرابع:
السجود. لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (77 الحج) والاطمئنان به واجب لحديث (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً). والسنة في السجود أن يضع أولاً ما كان أقرب إلى الأرض عند السجود (أي ركبتيه قبل يديه) ثم جبهته وأنفه، لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. ويسجد على المواطن السبعة: الجبهة واليدين والركبتين والقدمين. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأشار إليهم) ويقول في سجوده (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً. وحكمه في ذلك حكم الركوع. ويجلس ما بين السجدتين مطمئناً ويفترش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى ويوجه أصابعه نحو القبلة. قال الحنفية: لا يجلس بعد السجود بل ينهض للركعة الثانية أو الرابعة قائماً على صدور قدميه ولا يعتمد بيديه على الأرض. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه.

الركن الخامس:
القعود الأخير مقدار التشهد. ويجلس بالصفة المذكورة آنفاً ويوجه أصابعه نحو القبلة ويضعهما على فخذيه ويبسطهما، فإذا وصل إلى قوله (أشهد أن لا إله إلاّ الله) يقبض أصابعه ويرفع السبابة من يده اليمنى ويضعها عند قوله (إلا الله) ليكون الرفع للنفي والوضع للإثبات. وصيغة التشهد هي التي رواها ابن مسعود قال: التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (إذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده ورسوله). وله أن يزيد (التحيات المباركات لله والصلوات)… الخ. ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود الأخير وصيغته: (اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد) ومن السنة بعد ذلك في التشهد الأخير أن يدعو بما شاء مما يشبه ألفاظ القرآن والأدعية المأثورة، لقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود في الحديث المتقدم الذي علمه فيه التشهد (... ثم اختر من الدعاء أطيبه وأعجبه إليك). ثم يسلّم لقوله صلى الله عليه وسـلم (وتحليلها التسليم). ولقوله لابن مسعود (إذا قضيت هذا تمت صلاتك). والمطلوب تسليمتان وجوبـاً عند الحنفيـة بصيغة (السلام عليكم ورحمة الله) وتنقضي الصلاة بالسلام الأول.


سنن الصلاة:
السنة في اللغة: الطريقة. وفي الاصطلاح: الطريقة المسلوكة في الدين من غير إلزام ولا إنكار على تاركها. ومن هنا كان استخدام لفظ الطريقة في طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية. بمعنى تحري السنة في السلوك وفي العبادات. وقد شرعت السنة لإكمال الفروض والواجبات، وشرّعت الآداب لإكمال السنة.

وأهم سنن الصلاة:
· رفع اليدين حذاء الأذنين عند التحريمة.
· وضع اليد اليمنى فوق اليد اليسرى تحت السرة.
· قراءة الثناء بعد التحريمة في الركعة الأولى بقوله (سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك). ولا مانع من الاستفتاح بالتوجه (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً… الخ).
· التعوذ قبل الفاتحة مع البسملة سّراً في الركعة الأولى. أما بقية الركعات فتسن البسملة سراً فقط.
· التأمين بأن يقول (آمين) سراً سواء كان إماماً أو مقتدياً أو منفرداً.
· تفريج القدمين في القيام قدر أربع أصابع.
· تطويل الركعة الأولى عن الثانية.
· التكبير عند الركوع والسجود والرفع منه والقيام.
· قول (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد) للإمام والمنفرد، وأما المقتدي فيسن في حقه بعد قول الإمام (سمع الله لمن حمده) أن يقول (ربنا لك الحمد). وله أن يزيد (حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات والأرض وما بينهما).
· أخذ الركبتين باليدين وتسوية الظهر أثناء الركوع وتفريج الأصابع ونصب الساقين وتسوية الرأس بالعجز.
· أن يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً.
· الرفع من الركوع والاعتدال والاطمئنان.
· وضع الركبتين على الأرض أولاً، ثم اليدين أثناء النـزول للسجود كما مر سابقاً.
· مباعدة الرجل بطنه عن فخذيه ومرفقيه عن جنبيه في غير زحمة، بخلاف المرأة أثناء السجود.
· أن يقول في سجوده (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً.
· وضع اليدين على الفخذين في حال الجلوس بالصورة الموضحة سابقاً.
· افتراش الرَّجل رِجله اليسرى بالصورة الموضحة سابقاً.
· رفع إصبع السبابة عند الشهادة بالصورة الموضحة سابقاً.
· قراءة الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة من الصلوات المفروضة، وقال الشافعية بفرضيتها.
· قراءة الصلوات الإبراهيمية عقب التشهد في القعود الأخير بالصورة الموضحة سابقاً.
· الدعاء بعد ذلك بالمأثور بالصورة الموضحة سابقاً.
· الالتفات يميناً ثم شمالاً بالصورة الموضحة سابقاً.

آداب الصلاة:
وهي الأمور التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يواظب عليها، كزيادة التسبيحات في الركوع والسجود. واستناداً لقوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} (1-2 المؤمنون)، فلا شك بأن آداب الصلاة تعنى بقضية الخشوع والحضور في الصلاة. قال صلى الله عليه وسلم (ليس للمسلم من صلاته إلا ما عقل منها). ولا شك بأن الخشوع في الصلاة هو جوهرها.

ومن أهم الآداب:
1. النظر إلى موضع السجود أثناء القيام وإلى ظاهر قدميه في الركوع وإلى أرنبة أنفه في السجود وإلى حجره جالساً وإلى المنكبين مسلّماً، مستحضراً قول رسول اللهصلى الله عليه وسلم (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
2. دفع السعال ما استطاع تحرزاً عن المفسد.
3. كظم الفم عند التثاؤب، فإن لم يقدر غطى فمه بيده.
4. تفهم معاني الأركان والتأمل بها وحضور القلب في كل ذلك.

صلاة الجمعة:
صلاة الجمعة فرض عين يكفر جاحدها، لقوله تعالى {أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (9 الجمعة). ولقوله صلى الله عليه وسلم (لينتهين أقوام ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين). ولقوله صلى الله عليه وسلم (من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر، طبـع الله على قلبـه). وصلاة الجمعة ركعتان.

كيفية صلاة الجمعة:
نصلي أربع ركعات سنة قبلية مؤكدة، ثم نستمع إلى خطبتين من الخطيب، ثم نصلي جماعة ركعتين فرض الجمعة، ثم نصلي أربع ركعات سنة بعدية مؤكدة للجمعة.

شروط صلاة الجمعة:
1. الذكورة: فلا تجب على المرأة.
2. البلوغ: فلا تجب على الصبيان.
3. الحرية: فلا تجب على العبد.
4. صحة البدن: فلا تجب على العاجز، والمريض، والشيخ الكبير، والمقعد لعجزه.
5. الإقامة بمصر: فلا تجب على المسافر إذا لم ينو الإقامة.
6. الأمن: فلا تجب على الخائف من البرد أو الحر الشديدين، أو من ظالم أو فتن.
ومن وقع عليه شرط من هذه الشروط، صلى الظهر بدلاً عن الجمعة.

سنن الجمعة:
يسن الاغتسال للجمعة، ولبس أحسن الثياب، والتطيب، والتبكير إليها، والاقتراب من الإمام، والإنصات من وقت صعود الخطيب المنبر حتى ينتهي من الخطبة. قال صلى الله عليه وسلم (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت). ويسن مطاردة النعاس، لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك).

مكروهات الجمعة:
يكره كراهة تحريمية تخطي رقاب الناس، بأن يمر من فوق رؤوس المصلين، ليقعد في صف أمامي، لما في ذلك من الإيذاء المنافي لحكمة الجمعة والجماعة، لقوله صلى الله عليه وسلم للمتخطي (اجلس، فقد آذيت).
و يكره البيع والشراء وكل عمل يؤدي إلى الاشتغال عن الصلاة عندما يؤذن لها. وتكره كذلك الصلاة والكلام عند صعود الخطيب، ويكره رد السلام وتشميت العاطس، ويكره الأكل والشرب والعبث والالتفات، ويكره إقامة شخص والقعود مكانه.

صلاة العيدين:
صلاة العيدين واجبة على كل من تجب عليه صلاة الجمعة، وهي ركعتان كصلاة الجمعة. ويشترط لها الشروط المطلوبة في الجمعة، وتختلف عن الجمعة في الخطبة، فإنها في الجمعة قبل الصلاة وفي العيدين بعد الصلاة.
يبدأ وقت صلاة العيدين من ارتفاع الشمس مقدار رمح، وهو الوقت الذي يحل فيه التنفل لصلاة الضحى، وقدر ذلك بما يعادل مضي نصف ساعة على طلوع الشمس ويستمر إلى قبيل الزوال.
يبدأ التكبير في عيد الفطر لحظة ثبوت هلال شوال، وفي عيد الأضحى من فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق، أي رابع أيام عيد الأضحى، فإذا صلوا فجر يوم العيد، بدأ المصلون بالتكبير، وصيغته:
· الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
· لله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
· لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.
· لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
· لا إله إلا الله، الله أكبر.
· اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلّم تسليماً كثيراً.
فإذا ارتفعت الشمس مقدار رمح نودي: (الصلاة جامعة) فيقف الإمام ليعلّم الناس كيفية أداء الصلاة، قائلاً: المصلي ينوي ويقول أصلي صلاة العيد لله تعالى جماعةً، يكبر في الركعة الأولى ثلاث تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، ويكبر في الركعة الثانية ثلاث تكبيرات سوى تكبيرة الركوع، ويسكت بعد كل تكبيرة بمقدار ثلاث تكبيرات ولا بأس بأن أن يقول (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)
ثم يصطف المصلون للصلاة، وينوي الإمام والمقتدون صلاة العيد ثم يكبر الإمام والمقتدون تكبيرة الإحرام، ويقرؤون الثناء، ثم يكبرون تكبيرات الزوائد، ثم بعد التكبيرة الثالثة من تكبيرات الزوائد يعقدون أيديهم ويقرأ الإمام جهراً الفاتحة وسورة بعدها، ويسن أن تكون سورة الأعلى، ثم يركعون ويسجدون ويقومون إلى الركعة الثانية، فيقرأ الإمام الفاتحة وسورة بعدها، ويسن أن تكون سورة الغاشية، وعقب الانتهاء من القراءة، يكبر الإمام ويكبر معه المقتدون تكبيرات الزوائد الثلاث، كما فعلوا في الركعة الأولى، ثم يكبرون التكبيرة الرابعة للركوع ويركعون ويسجدون ويتممون الركعة الثانية بالتشهد والصلوات الإبراهيمية ثم يسلمون. وبعد السلام يجلسون ويخطب الإمام خطبتين يعلم فيهما أحكام صدقة الفطر في عيد الفطر، وأحكام الأضحية وتكبيرات التشريق في عيد الأضحى، كما يعظهم ويعلمهم أحكام صلة الرحم والأقارب، ويحثهم على نبذ الخصام وإحلال التراحم والتواصل محله.
وفي عيد الأضحى يجب التكبير عقب كل فريضة للرجال وللنساء، لقوله تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} (203 البقرة)، من بعد فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق.

سنن العيدين:
كل ما هو سنة في صلاة الجمعة فهو سنة في صلاة العيدين، من الاغتسال والاستياك، والتطيب، ولبس أحسن الثياب، والتبكير إلى المصلى لينال فضيلة الصف الأول. ثم هناك سُنن وآداب تضاف لذلك وهي:
1. أن يأكل قبل خروجه إلى صلاة عيد الفطر، وأن يكون فطره تمراً ووتراً إن وجد، وأن يؤخر الأكل إلى ما بعد الصلاة في عيد الأضحى.
2. أن يكبر في طريقه إلى المسجد سراً في عيد الفطر، وجهراً في عيد الأضحى، ويقطعه إذا افتتح الصلاة.
3. أن يذهب من طريق ويرجع من غيره ليشهد له الطريقان بالخير، واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلّم.
4. دفع صدقة الفطر قبل الخروج إلى الصلاة في عيد الفطر، ولا بأس بإخراجها قبل العيد بأيام تمكيناً للفقير من الانتفاع بها في أيام عيده.
وتندب الأفعال الآتية في العيدين: أن يزور الأموات بعد الصلاة، كما يزور الأحياء من الأرحام والأصحاب، إظهاراً للفرح والسرور، وتوثيقاً لعرى المحبة والأخوة.

صلاة الوتر:
صلاة الوتر واجبة عند الحنفية، ولا يجوز للمسلم تركها، وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلّم على أهميتها، بقوله صلى الله عليه وسلّم (الوتر حقٌ، فمن لم يوتر فليس منا)، وقال أيضاً (إن الله زادكم صلاة، ألا وهي الوتر، فصلّوها ما بين العشاء إلى الفجر)، كما أن الوتر من الصلوات الواجب قضاؤها إذا فاتت كالفرض، ومقدار صلاة الوتر ثلاث ركعات بتسليمةٍ واحدةٍ على رأس الثالثة، أي كصلاة المغرب، مع ملاحظة وجوب القراءة في الركعات الثلاث والقعود على رأس الركعتين. ويندب أن يقرأ في الركعة الأولى سورة الأعلى، وفي الثانية سورة قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة سورة الإخلاص، وإن قرأ غير هذه السور فلا حرج عليه. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرأ ذلك في الركعات الثلاث وقنت قبل الركوع.
ومكان القنوت في الركعة الثالثة بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة والسورة قبل الركوع. أما كيفيته فيرفع المصلي يديه حذاء أذنيه ويكبر من جديد لأجل القنوت، ثم يعقد يديه، كحاله في الصلاة أثناء القيام، ثم يدعو بالدعاء التالي:
(اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا و اصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق و لا يقضى عليك تباركت ربنا وتعاليت، ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيئ لنا من أمرنا رشداً، وثبتنا على كلمة الهدى، وبرزخ بالذكر بيننا وبين الأعداء، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، وقنا شر الردى في هذه الدار وغدا، واجعلنا بفضلك من عبادك الموفقين المخلصين الأتقياء السعداء، وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً دائماً أبداً).

صلاة النوافل (السنن):
شرعت السنن لجبر الفرائض، فيجدر بالمسلم المحافظة عليها اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم. وهي كما يلي:
1. ركعتان قبل فرض الصبح. وهاتان الركعتان من أقوى السنن لقوله صلى الله عليه وسلم (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
2. أربع ركعات قبل فرض الظهر بتسليمة واحدة. لما روي عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة (الفجر)).
3. ركعتان بعد الظهر. ويندب أن يضم لهما ركعتين فتصير أربعاً لقوله صلى الله عليه وسلم (من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرّمه الله على النار).
4. ركعتان بعد فرض المغرب. ويستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة بـ قل يا أيـها الكافرون والإخـلاص. فعن ابن مسعود أنه قال (أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر بـ قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد). ويسن للمرء في شهر رمضان المبارك أن يفطر أولاً على تمرٍ أو ماء ويصلي فرض المغرب وسنته ثم يتناول طعام الإفطار وبعد ذلك يتم ما عليه من سنن وأوراد.
5. ركعتان بعد فرض العشاء. ويندب أن يضم لهما ركعتين فتصير أربعاً.
وجميع هذه السنن مذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم (من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة بنى الله له بيتاً في الجنة: ركعتين قبل صلاة الفجر، وأربعاً قبل الظهر، وركعتين بعده، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء).
1. أربع ركعات قبل صلاة الجمعة وأربع بعدها بتسليمة واحدة. لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع قبل الجمعة أربعاً لا يفصل في شيء منهن وكان يصلي أربعاً بعدها.
2. أربع ركعات قبل صلاة العصر، وإن كانت غير مؤكدة إلا أنه يندب فعلها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتركها بعض الأحيان ويفعلها أكثر.
3. صلاة ست ركعات بعد المغرب كل ركعتين بتسليمة، يقرأ الفاتحة والإخلاص في كل ركعة مرة واحدة.
4. ركعتان تحية المسجد، لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين).

صلاة الضحى:
تصلى بعد طلوع الشمس بنصف ساعة لما روي عن أنس رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ صلى سبحة الضحى ثماني ركعات فلما انصرف قال إني صليت صلاة رغبة ورهبة سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته ألا يبتلي أمتي بالسنين ففعل وسألته ألا يظهر عليهم عدوهم ففعل وسألته ألا يلبسهم شيعاً فأبى علي) رواه أحمد والنسائي والحاكم وابن خزيمة وصححاه.
ويطلب من المريد في وقت الضحى أداء مجموعة من السنن التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبدأ ذلك بصلاة ركعتين سنة الإشراق يقرأ في الأولى أواخر سورة البقرة من قوله تعالى {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}... إلى آخر السورة. ويقرأ في الثانية من سورة النور من قوله تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} إلى قوله تعالى{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
ثم يصلي ركعتين سنة الاستعاذة يقرأ في الأولى سورة الفلق وفي الثانية سورة الناس. ثم يصلي ركعتين سنة الاستخارة يقرأ في الأولى قوله تعالى }وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} (68-69 القصص) وسورة الكافرون. وفي الثانية قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا} (36 الأحزاب) وسورة الإخلاص.
بعد التسليم يقرأ هذا الدعاء:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك بفضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علاّم الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن جميع ما أتحرك به أو أسكن به في حقي وفي حق غيري من ولدي وأهلي وأصحابي وأحبابي وإخواني وسائر ما شئت من ساعتي هذه إلى مثلها في الغد هو خير لي في ديني ودنياي وآخرتي ومعاشي وعاقبة أمري، عاجله وآجله، فاقدره لي، ويسره لي. وإن كنت تعلم أن جميع ما أتحرك به أو أسكن به في حقي وفي حق غيري من ولدي وأهلي وأصحابي وأحبابي وإخواني وسائر ما شئت من ساعتي هذه إلى مثلها في الغد هو شرٌ لي في ديني ودنياي وآخرتي ومعاشي وعاقبة أمري، عاجله وآجله، فاصرفه عني واصرفني عنه. واقدر لي اللهم الخير حيث كان، ورضني به يا رحمن. وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم يصلي الضحى وهي ثماني ركعات كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في الركعة الأولى سورة الشمس، وفي الثانية الليل، وفي الثالثة الضحى، وفي الرابعة الانشراح، وفي الخامسة الكافرون، وفي السادسة الإخلاص، وفي السابعة الفلق، وفي الثامنة الناس.
صلاة التهجد:
وهي صلاة عظيمة الفضل، وأفضل من صلاة النهار لقوله تعالى {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (16 السجدة) وقوله تعالى {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (17-18 الذاريات). وتصلى قبل صلاة الفجر أو قبل ورد السحر (الاستغفار) في الليالي التي يقرأ فيها الورد المذكور، فإذا استيقظ المريد توضأ وصلى ركعتين سنة الوضوء، ثم يصلي بعدها ركعتين من النافلة قياماً للتهجد. ثم يصلي اثنتي عشرة ركعة سنة قيام الليل أو أكثر أو أقل بحسب اجتهاد المصلي، كل ركعتين بتسليمة، والأولى أن يقسم عليها سورة يس.
صلاة التسبيح:
عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب (يا عباس، يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل بك عشر خصال، إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته، عشر خصال. أن تصلي أربع ركعات تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر) خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقول وأنت راكـع عشـراً (أي بعد ذكر الركوع) ثم ترفع رأسك من الركوع وتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقول وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً (أي في جلسة الاستراحة قبل القيام) فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات. وإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعـل ففي عمـرك مرة) رواه أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه والطبراني. قال الحافظ وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة وأمثلها حديث عكرمة هذا، وقد صححه جماعة منهم الحافظ أبو الحسن المقدسي، وقال ابن المبارك صلاة التسبيح مرغب فيها يستحب أن يعتادها في كل حين ولا يتغافل عنها.
صلاة التراويح:
وهي سنة مؤكدة بإجماع الصحابة ومن بعدهم من الأئمة على الرجال والنساء، ثبتت سنيتها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد واظب عليها عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، حيث جمع عمر الصحابة في صدر خلافته على أبي بن كعب يصلي في الرجال، وتميم الداري يصلي في النساء. وقد قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي).
عدد ركعاتها:
عدد ركعاتها عشرون ركعة بإجماع الأئمة الأربعة. روى البيهقي بإسناد صحيح أنهم كانوا يقومون على عهد عمر رضي الله عنه عشرين ركعة، وعلى عهد عثمان وعلي كله فصار إجماعاً. وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال: سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر فقال (التراويح سنة مؤكدة ولم يتخرصه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعاً ولم يأمر به إلا عن أصل لديه، وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد سن عمر هذا وجمع الناس على أبي بن كعب فصلاها جماعة والصحابة متوافرون منهم عثمان وعلي وابن مسعود والعباس وابنه وطلحة والزبير ومعاذ وأبي وغيرهم من المهاجرين والأنصار، وما رد عليه واحدٌ منهم، بل ساعدوه ووافقوه وأمروا بذلك، ثم استمر العمل على ذلك بتوارث الأئمة جيلاً بعد جيل).
كيفية أداءها:
تؤدى التراويح فرادى وجماعة، والأفضل فيها الجماعة في المسجد لأنها شعيرة من شعائر رمضان، بخلاف غيرها من النوافل التابعة للصلاة، وصلاتها بالجماعة سنة كفاية.
والأصل أن يختم القرآن فيها مرة خلال رمضان، وإذا كان هذا المقدار من القرآن سيدخل الملل على المصلين فليقرأ الإمام من القرآن ما لا يؤدي إلى تنفيرهم لأن تكثير القوم أفضل من تطويل القراءة خصوصاً في زماننا.
وكيفية أدائها أنها تصلى بعد فرض العشاء وسنته، ثم يقف المبلغ ويقول (صلاة التراويح قياماً من شهر رمضان أثابكم الله، صلوا على سيدنا محمد) فيقولون جميعاً (صلى الله عليه وسلم) فيصلون ركعتين. ثم يقولون بعد التسليم جماعة (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) فيقول المبلغ بعد الثانية (أول الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلوا عليه) فيقولون جميعاً (صلى الله عليه وسلم). فيأتون أيضاً بركعتين ويقول المبلغ بعد الرابعة( شيخ التحقيق أبو بكر الصديق ترضوا عنه) فيقولـون كلهـم (رضي الله تعالى عنه) ثم يأتون بركعتين وبعد التسليم يقولون (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) فيقول المبلغ بعد السادسة (نور الهدى سيدنا محمد صلوا عليه) فيقولون جميعاً (صلى الله عليه وسلم). وبعد الثامنة يقول المبلغ (إمام المحراب سيدنا عمر بن الخطاب ترضوا عنه) فيقولـون كلهـم (رضي الله تعالى عنه). وبعد العاشرة يقولون (لا إله إلا الله... الخ) فيقول المبلغ (صاحب الحوض والشفاعة سيدنا محمد صلوا عليه) فيقولون جميعاً (صلى الله عليه وسلم). وبعد الثانية عشرة يقول المبلغ (جامع القرآن سيدنا عثمان بن عفان ترضوا عنه) فيقولـون كلهـم (رضي الله تعالى عنه) وبعد الرابعة عشرة يقولون (لا إله إلا الله... الخ) فيقول المبلغ (جد الحسن والحسين سيدنا محمد صلوا عليه). فيقولون جميعاً (صلى الله عليه وسلم). وبعد السادسة عشرة يقول المبلغ (فارس المشارق والمغارب الليث الغالب سيدنا علي بن أبي طالب ترضوا عنه). فيقولـون كلهـم (رضي الله تعالى عنه، كرم الله وجهه) وبعد الثامنة عشرة يقولون (لا إله إلا الله... الخ) ويقول المبلغ (خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلوا عليه). فيقولون جميعاً (صلى الله عليه وسلم). فإذا أتموا العشرين يدعو المبلغ هذا الدعاء المشهور:

(يا أمةَ خيرِ الأنامِ ومسكِ الختامِ ومصباحِ الظلامِ ورسولِ الله الملكِ العلامِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، يتقبلُ اللهُ مني ومنكم الصلاةَ والصيامَ والقيامَ، ويغفرُ اللهُ لي ولكم جميعَ الذنوبِ والآثام، ويُدخلُني وإياكم الجنةَ بمنِّهِ وكرمهِ دارَهُ دارَ السلامِ بسلام، قصدي من الله العظيم توبةً لي ولكم ثم مِن بعدِها حسنُ الختام. الله يرزقُنا القبولَ بفضلهِ، ويميتُنا جمعاً على الإيمان، وصلِّ يا رب على أشرف الورى سيدِنا محمدٍ أفضلِ من حجَّ وصلَّى وصام وقام) ثم يقول المبلغ (صلاةُ الوتر أثابكم الله صلوا على خير الأنام). وتصلى صلاة الوتر جماعة مع الإمام بالكيفية الواردة في باب صلاة الوتر.
ولمن فاتـته صلاة التراويح جماعة وأراد إقامتها وحده ولم يكن يتقن الحفظ والتلاوة يمكن له أن يقرأ في ست عشرة ركعة منها، سورة البروج مرتين. يقرأ في الركعة الأولى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} وفي الثانية {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} وفي الثالثة {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وفي الرابعة {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} وفي الخامسة {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} وفي السادسة {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} وفي السابعة َلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ} وفي الثامنة {بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}.
ثم يعيدها مرة ثانية. وفي الركعات الأربع الباقية يقرأ في الأولى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (31 آل عمران). وفي الثانية {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (133-134 آل عمران). وفي الثالثة {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159 آل عمران). وفي الرابعة {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ 7 فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (7-8 الحجرات).

كيفية الختام بعد كل صلاة:
يقول الذي يختم الصلاة: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الله لا إله إلا هو الحي القيوم.) ويكمل المصلون آية الكرسي. ثم يقول (بسم الله الرحمن الرحيم قل هو الله أحد...) ويكمل المصلون سورة الإخلاص ثم يقول (بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الفلق) ويكمل المصلون سورة الفلق. ثم يقول (بسم الله الرحمن الرحيم قل أعوذ برب الناس..) ويكمل المصلون سورة الناس.

ثم يقول (وإن من شيء إلا يسبح بحمده، سبحان الله) ويقرأ الحاضرون (سبحان الله) سراً 33 مرة. ثم يقول (الحمد لله) ويقرأ الحاضرون (الحمد لله) سراً 33 مرة. ثم يقول (الله أكبر) ويقرأ الحاضرون (الله أكبر) سراً 33 مرة. ثم يقول الخاتم (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. أفضل الذكر لا إله إلا الله)، يكررها معه الحاضرون ثلاث مرات، ثم يقول الخاتم (سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد رسول الله حقاً ويقيناً وصدقاً، إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) فيقرأ الجميع جهراً الصلاة الإبراهيمية. ثم يقول الخاتم (اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين) ويدعو بهذا الدعاء:
ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا برحمتك مسلمين مؤمنين موحدين يا الله. اللهم ارزقنا عفوك وأنت خير الرازقين. اللهم ارزقنا رضاك وأنت خير الرازقين. اللهم ارزقنا محبة حبيبك ومحبتك وأنت خير الرازقين. اللهم افتح علينا وعلى إخواننا في سائر الأماكن فتوح العارفين. واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو فاعف عنا يالله. اللهم الطف بنا في قضائك وعافنا من بلائك ياكريم. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم إنا نسألك رضاك والجنة. ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأيد أهل الحق والدين. وأعل كلمتك يا قوي يا متين. اللهم بفضلك استجب دعانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وأصلح أحيانا، وفيك لا تخيب رجانا.
ثم يقول الخاتم (إلى حضرة الحبيب المحبوب سيد الوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه وأحبابه ومحبيه، وإلى أنبياء الله وأصفيائه، وإلى أبينا آدم وأمنا حواء ومن تناسل منهما من الصالحين وإلى خليل الله إبراهيم وإلى من لهم حقٌ علينا، ولإخواننا في الله تعالى أحياء وأمواتا ولكافة المسلمين أجمعين لهم منا الفاتحة). ويقرأ الجميع الفاتحة سراً.
ثم يقول إلى حضرة سيدنا محمد الفاتحة. ويقرأ الجميع الفاتحة سراً ثم يقول (اللهم برحمتك الواسعة يا إلهي عُمّنا، واكفنـا شـر ما يهمنا ويغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة جمعاً توفنا وأنت راضٍ عنا إغفر اللهم بكرمك العميم وبشرف القرآن العظيم وبجاه نبيك الكريم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولمشايخنا ولمشايخ مشايخنا ولإخواننا في الله تعالى أحياءً وأمواتاً ولإخواننا الحاضرين ووالديهم ولكافة المسلمين أجمعين. اللهم صل على سيدنا محمد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين).
وبعد ختام صلاة الفجر يقرأ الجميع ورد ختام صلاة الفجر المذكور في كتاب الأوراد على الصفحة 123.










قديم 2009-08-27, 09:34   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
حكيم عياض
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

رابعاً : أحكام الجنائز
التجهيز:
يسن توجيه المحتضر للقبلة على يمينه، ويجوز الاستلقاء على ظهره، لكن يُرفع رأسه قليلاً ليصير وجهه إلى القبلة. ويسن أن يُلقن بذكر الشهادتين عنده لقوله صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتاكم لا إله إلاّ الله، فإنه ليس مسلم يقولها عند الموت إلاّ أنجاه الله من النار). ويستحب لأقرباء المحتضر وأصدقائه وجيرانه الدخول عليه للقيام بحقه وتذكيره. ويتلون عنده سورة يس.
وإذا مات المحتضر شُد لحياه (فكاه) بعصابة تعمهما وتربط فوق رأسه تحسيناً وحفظاً لفمه. وتغمض عيناه ويقول مغمضه (بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده، وأسعده بلقائك). ويستحب أن يسارَع إلى قضاء دينه وإبرائه منه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعـاً (نفس المؤمن معلقة بدَيْنه حتى يُقضى عنه). وإذا تُيقن موته يعجل بتجهيزه إكراماً له.
غسل الميت:
تغسيل الميت فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين. وكيفيته أن يوضع الميت على سرير بعد تيقن موته، وتستر عورته ما بين سرته إلى ركبتيه بعد تجريده من ثيابه وتغسل عورته بخرقة ملفوفة تحت الساتر. وبعد ذلك يوضأ بلا مضمضة ولا استنشاق للتعسر إلا أن يكون جنباً أو حائضاً أو نفساء فيغسل فمه وأنفه تيمناً لطهارته. وإذا كان صغيراً لا يعقل الصلاة فلا يوضأ. وبعد الوضوء يغسل بماء مسخن إذا تيسر، لأنه أبلغ بالتنظيف. ويبدأ بمسح بطنه لتخرج فضلاته، ويبدأ بغسل رأسه بالماء والصابون، ثم يضجع الميت على يساره ويغسل شقه الأيمن ثم يُضجع على يمينه فيُغسل شقه الأيسر. ثم يُنشف بثوب كيلا تبتل أكفانه. وبعد تنشيفه يُلبس القميص ثم تُبسط الأكفان ويُجعل الحنوط وهو عطر مركب من أشياء طيبة على رأسه ولحيته. ويُجعل الكافور على مواضع سجوده السبعة.
تكفين الميت:
وهو فرض كفاية، أما عدد الأثواب فهي ثلاثة سنة وكفاية وضرورة.
1. كفن السنة للرجل ثلاثة أثواب: قميص من أصل العنق إلى القدمين بلا أكمام، وإزار وهو ثوب عريض طويل يستر البدن من القرن إلى القدم، ولفافة تزيد على ما فوق القرن والقدم ليلف فيها الميت وتربط من أعلاه وأسفله. وتزاد المرأة على ما ذكرنا للرجل في كفنها من جهة السنة خمارا لرأسها ووجهها وقطعة قماش عرضها ما بين الثدي إلى السرة لتربط ثدييها وبطنها، فيكون كفن السنة للمرأة خمسة أثواب.
2. كفن الكفاية للرجل إزار ولفافة: وتزاد المرأة في كفن الكفاية على كفن الرجل خماراً، فيكون ثلاثة: خمار ولفافة وإزار. ويجعل شعرها ضفيرتين وتوضعان على صدرها فوق القميص ثم يوضع الخمار على رأسها ووجهها فوق القميص فيكون تحت اللفافة، ثم تربط الخرقة فوقها لئلا تنتشر الأكفان.
3. كفن الضرورة للرجل والمرأة: يكتفى فيه بكل ما يوجد.ويستحسن أثناء التكفين، بحضور أهـله وأقربائه وأحبابه، قـراءة المسـبعات الواردة في الصلوات الدرديرية يضاف إليها سور يس والواقعة وتبارك.

صلاة الجنازة:
وهي فرض كفاية. وتصلى بأربع تكبيرات. فيسن أن يقف الإمام بحذاء صدر الميت ويصطف الناس خلفه ويقرؤون بعد التكبيرة الأولى دعاء الثناء وسورة الفاتحة، وبعد التكبيرة الثانية الصلاة الإبراهيمية، وبعد التكبيرة الثالثة الدعاء للميت، وبعد التكبيرة الرابعة الدعاء لعامة المسلمين ثم التسليم.

تلقين الميت:

ثم ينقل إلى قبره ويدخل في القبر من قبل القبلة ويقـول واضعه (بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويوجهه إلى القبلة على جنبه الأيمن، وتحل عقد رأسه ورجليه. ثم يهال عليـه التراب. وبالنسبة للمرأة ينزل في قبرها للحدها ذو رحم محرم.

وتلقين الميت بعد وضعه في القبر مشروع لقوله صلى الله عليه وسلم المتقدم (لقنوا موتاكم لا إله إلاّ الله). ويستحب تلقينه بالصيغة التالية، تلقينا له وعظة للحاضرين:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}. {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}. منها خلقناكم للأجر والثواب وفيها نعيدكم للدود والتراب. ومنها نخرجكم تارة أخرى للعرض والحساب. فاعلموا يا عباد الله أن الدنيا وزينتها ذهبت عن هذا العبد وأنه الآن في برزخ من برازخ الآخرة، وأنه مقيم في هذا البرزخ إلى يوم يبعثون. بهذا حكم الله. وبهذا أمر الله. وبهذا أراد الله، وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، من رحمك الله، من آنسك الله، من عفا عنا وعنك الله. فيا عبد الله لا تنسى العهد الذي فارقتنا عليه وهو لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله. فإذا جاءك الملكان الموكلان بك وبأمثالك من أمة محمد أجمعين، وأسنداك وأجلساك وسألاك من ربك وما دينك وما اعتقادك وما الذي مت عليه، فلا يخيفاك ولا يرعباك واعلم أنهما خلق من خلق الله، كما أنك خلق من خلقه، فجاوبهما بلا خوف منهما ولا فزع، وقل لهما بلسان فصيح: الكافي لي ولكم الله، الله ربي حقاً، ومحمد نبيي صدقاً، والإسلام ديني، والصلوات فريضتي، والكعبة قبلتي، وإبراهيم الخليل أبي، والمسلمون إخواني، والمسلمات أخواتي، وعشت ومت وأنا أشهد أن: لا إله إلا الله (يكررها ثلاث مرات) سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن قالا لك ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم وفي الخلق أجمعين فقل هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالآيات البينات فآمنا به وصدقناه، واتبعنا النور الذي أنزل معه، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم (ثلاث مرات). واعلم يا عبد الله أن الموت حق، وأن القبر حق، وأن سؤال منكرٍ ونكير فيه حق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. فاثبت يا عبد الله{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ}.ثبتك الله ولقنك حجتك، وأقال عثرتك، وغفر خطيئتك، وغفر الله لك ولنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات أجمعين. اللهم اغفر له، وارحمه، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار. اللهم آنس وحشته، وأبدله أهلاً خيراً من أهله، وجيراناً خيراً من جيرانه، اللهم اغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد، اللهم نقه من ذنوبه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم لقنه حجته وهون عليه أمره، واجعل الجنة مأواه {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ}{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ثم يقرأ الفاتحة إلى الميت ولجميع المسلمين. ثم يهيلوا عليه التراب.

سلسلة العارفين رجال سند
الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية
التي تلقى عنها الإرشاد الشيخ حسني حسن خير الدين الشريف
الحمد لله المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، ذي العرش المجيد والبطش الشديد، الهادي أحباءه إلى النهج الرشيد، والمسلك السديد، السالك بهم إلى إتباع رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، واقتفاء آثار صحبه الأكرمين وأوليائه الطاهرين، المتجلي لهم في ذاته وأفعاله بجمال صفاته، التي لا يدركها إلاّ من كان له قلبٌ أوألقى السمع وهوشهيد، الذي علّمهم ودلّهم أنه في ذاته واحد لا شريك له، فرد لا مثيل له، صمد لا ضِدَّ له، متفرد لا نِدَّ له، وأنه واحدٌ قديم لا أول له، أزلي لا بداية له، مستمر الوجود لا آخر له، أبدي لا نهاية له، قيوم لا انقطاع له، دائم لا انصرام له، بـاطن لا غيبة له، ظاهر لا اختفاء له (هوالأول والآخر والظاهر والباطن وهوبكل شيءٍ عليم)، مستوعلى العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، منزهاً عن المماسة والاستقرار والتمكين والحلول والإتحاد والإنتقال، وهوفوق العرش والسماء وفوق كل شيءٍ إلى تخوم الثرى، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته، لا يحل في شيء، ولا يحل فيه شيء، تعالى عن أن يحويه مكان (ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير). وبعد،
فيا أيها السالك في طريق القوم، اعلم أن الله تعالى إذا أراد بك خيراً دلك على بابه، وجمعك بأحبابه، فإن نلت ذلك (فاصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تُطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً) وامتثل أمر الله بقوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، واقصد في سيرك تخليص نفسك من آفاتها وتحويل القبيح منها إلى الحسن، واعلم أنه لا يتم لك ذلك إلا من خلال شيخ عارفٍ مرشدٍ عالمٍ بعيوب النفس وآفاتها، مطلع على مداخل الشيطان على قلب الإنسان، قادر بأمر الله على السير بك نحوالآخرة بما يرضي الله رب العلمين. ثم اعلم بأن ذلك لا يكون إلا بصحبة وارثٍ محمدي عبر سندٍ متينٍ متصلٍ برسول الله صلى الله عليه وسلّم، يرقى بروحك في عليين عبر صحبة قومٍ همهم آخرتهم ورضى ربهم. ثم اعلم أن طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية هي من أحسن الطرق، وأثبتها وأقواها سنداً، زكّت في تاريخها ملايين النفوس، وصفّت سرائرهم، ونوّرت أفئدتهم، لاسيما وأن مرشدها الحالي ووارث علومها شيخ الشريعة والطريقة والحقيقة الشيخ حسني بن الشيخ حسن بن الشيخ خير الدين بن الشيخ عبد الرحمن الشريف الحسيني، الذي تلقينا عنه إقتداء بمن سلف من هذه السلسلة الشريفة الممتدة نسباً ومسلكاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عسى أن تزكونفوسنا وترتقي في عالم المعرفة والنجاة.

سند الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية :
وشيخنا السيد حسني حسن الشريف حفظه الله تلقى هذه الطريقة من سندين :
الأول : عن والده الشيخ حسن عن والده الشيخ خير الدين عن والده عبد الرحمن الشريف الكبير. والثاني : عن الشيخ حسين عن الشيخ عبد الرحمن الثاني الذي تلقى عن الشيخ خير الدين الشريف عن الشيخ حسن حسين عمروعن الشيخ عبد الرحمن الشريف من جهة، وعن الشيخ حسين عن الشيخ عبد الرحمن الشريف الكبير من جهة ثانية. الذين تلقوا جميعاً هذه الطريقة عن الإمام العارف بربه الشيخ محمود أفندي الرافعي العمري الطرابلسي الشهير بأبي الأنوار رضي الله عنه، وهوعن سيدي أحمد الصاوي، وهوعن سيدي أحمد بن محمد الدردير العدوي، وهوعن سيدي شمس الدين محمد بن سالم الحفناوي، وهوعن سيدي مصطفى البكري (صاحب ورد السحر)، وهوعن سيدي عبد اللطيف الحلبي، وهوعن سيدي مصطفى أفندي الأدرَنوي، وهوعن سيدي علي قِرا باشا أفندي، وهوعن سيدي إسماعيل الجرومي، وهوعن سيدي عمر الفؤادي، وهوعن سيدي محي الدين القسطموني، وهوعن سيدي شعبان القسطموني، وهوعن سيدي خير الدين التوقادي، وهوعن سيدي جَلبي سلطان الأقسدائي الشهير بجمال الخلوتي، وهو عن سيدي محمد بهاء الدين الأرذنجاني، وهوعن سيدي يحيى الباكوبي، وهو عن سيدي صدر الدين الخياني، وهوعن سيدي عز الدين، وهوعن سيدي محمد مبرام الخلوتي، وهو عن سيدي عمر الخلوتي، وهو عن سيدي أخي محمد الخلوتي، وهو عن سيدي إبراهيم الزاهد التكلاني، وهو عن سيدي جمال الدين التبريزي، وهوعن سيدي شهاب الدين محمد الشيرازي، وهوعن سيدي ركن الدين محمد النجاشي، وهو عن قطب الدين الأبهري، وهو عن أبي النجيب السهروردي، وهوعن سيدي عمر البكري، وهوعن سيدي وجيه الدين القاضي، وهوعن سيدي محمد البكري، وهو عن سيدي محمد الدنيوري، وهو عن سيدي ممشاد الدنيوري وهو سيدي سيد الطائفتين أبي القاسم الجنيد محمد البغدادي. وللجنيد رضي الله عنه في الطريقة سندان :
أحدهما عن سيدي سري السقطي عن سيدي معروف الكرخي عن سيدي حبيب العجمي عن سيدي داود الطائي عن سيدي الحسن البصري عن سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسند الثاني هوعن سيدي سري السقطي وهوعن سيدي معروف الكرخي وهوعن الإمام علي بن موسى الرضي وهوعن الإمام موسى الكاظم وهوعن والده الإمام حعفر الصادق وهوعن والده الإمام محمد الباقر وهوعن والده علي زين العابدين وهوعن عمه الإمام الحسن وهوعن والده الإمام علي بن أبي طالب وهوعن سيد الكائنات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نسب السيد الشيخ حسني حسن الشريف أطال الله عمره
شيخ الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية

هوالشريف الحسيني السيد حسني (الخليل) بن السيد حسـن (الخليل) بن السيد خير الدين (الخليل) بن السيد عبد الرحمن شيخ الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية (الخليل) بن السيد حسين (الخليل) ابن السيد يوسف (الخليل) بن السيد صالح (القدس) بن السيد يوسف (القدس) بن السيد صالح (القدس) بن السيد صلاح الدين زعتر (تولى قلعة الخليل بعد أبيه ودفن فيها) (الخليل) بن الأمير شرف الدين زعتر (تولى أمارة الخليل في بداية العهد العثماني وتوفي في الخليل سنة 1050 هجـرية) (الخليل) بن السيد محمد شمس الدين (ذكرين) بن السيد عبد الله (القدس) بن السيد أحمد شهاب الدين (الحجاز) بن السيد محمد حميـد الديـن (أبوحامد) قاضي القضاة (كان يحفظ القرآن الكريم ويتقنه بالروايات) (طرابلس) بن السيد بدر الدين (الخليل) بن السيد شعيب (الخليل) بن السيد محمود (الخليل) بن العارف بالله محمد السقواتي (الخليل) بن السيد عبد الله (تونس) بن السيد عز الدين القاسم (شارك في جميع فتوحات صلاح الدين) (المدينة المنورة) بن السيد جعفر المهنـا (أميـر المدينـة المنـورة) (المعلمة بمكة) بن السيد عبد الله (السويس) بن السيد عمر (الساقية الحمراء) بن السيد علي (مطرطه) بن السيد عثمان (أمير الساقية الحمراء من سنة 345 إلى 399 هجرية) (المغرب) بن السيد الحسين الفاسي بن السيد محمد بن السيد موسى بن السـيد يحيـى بن السيد عيسى بن السيد علي التقي (البصرة) بن السيد محمد الأكبر بن سيدنا الإمام علي الهادي (سُرّمن رأى) بن سيدنا الإمام محمد الجواد (بغداد) بن سيدنا الإمام علي الرضا (خراسان) بن سيدنا الإمام موسى الكاظم (بغداد) بن سيدنا الإمام جعفر الصادق (البقيع) بن سيدنا الإمام محمد الباقر (البقيع) بن سيدنا الإمام علي زين العابدين (البقيع) بن سيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه (كربلاء) بن سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه وسيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.









قديم 2009-08-27, 17:14   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
taha178
عضو برونزي
 
الصورة الرمزية taha178
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخي الكريم وأحسن إليك










قديم 2009-08-28, 23:46   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
imad.gatel
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية imad.gatel
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بحث رائع هذا ما كنت أبحث عنه ولكن سأتابع قراءته شيئا فشيئا حتى أستوعب كل محتوياته فالموضوع شيق










 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:12

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2025 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc