الى محبي الروايات - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > قسم الإبداع > قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية

قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الى محبي الروايات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-08-20, 22:15   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
البحث هن العلم
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

روعة روعة اين بقية القصة









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-08-22, 18:43   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البحث هن العلم مشاهدة المشاركة
روعة روعة اين بقية القصة


في الطريق اسفة جداااااااا









رد مع اقتباس
قديم 2014-08-22, 18:45   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

افصل الثامن
غريب أعرفه


قالت سمر مخاطبة أماني :- كيف حال والدك الآن ؟ أما يزال مريضا ؟
تمتمت أماني وهي تسترخي فوق الأريكة الوثيرة التي تصدرت غرفة الجلوس في شقة سمر :- إنه مريض منذ أسابيع .. وحالته تتدهور .. هذا ما تقوله لي جودي فأنا لم أره منذ أمره الطبيب بالتزام فراشه
تأملت سمر وجه أماني الجامد .. وفي كلماتها المقتضبة ككل مرة يتجه فيها الحديث نحو والدها .. وقالت برقة :- ألم يحن الأوان لتتصالحا يا أماني .؟ إنه والدك رغم كل شيء .. أنا متأكدة بأنه راغب باستعادة ابنته البكر بعد كل هذه السنوات من الخصام
ومض الضعف للحظات في عيني أماني ولكنها حافظت على جمود ملامحها وهي تقول :- يريد استعادتي بشروطه .. لذلك يمكن القول بأن أي أمل في المصالحة بيننا ضعيف جدا
تنهدت سمر قائلة :- أنا لا أعرف السبب الحقيقي لشجارك مع والدك .. ولكن خلافكما حول الزواج من ابن عمك يعتبر سببا سخيفا لقطع أواصر الثقة بين والد وابنته .. هل أنت واثقة من عدم قدرتك التامة على تقبل ذلك الرجل كزوج ؟
قالت أماني من بين أسنانها:- باختصار.. أكرهه
:- ألا يمكن أن تكون هذه الكراهية مجرد ستار لمشاعر أخرى مدفونة داخلك ؟ الفاصل بين الحب والكراهية خيط رفيع كما تعلمين
هتفت أماني بعنف:- إن أخبرتك بأن لمسته أو حتى قربه مني يثير الغثيان في نفسي .. هل ستنسبن هذه النظرية السخيفة ؟
تنهدت سمر مجددا بأسف هذه المرة .. كانت رومانسية ميئوس منها .. تثق بأن الحب دائما هو الوسيلة الأنجع لحل كل مشاكل العالم ..بالرغم من بلوغها الثامنة والثلاثين إلا أن الواقع لم يغير من نظرتها تلك شيئا .. ربما كان السبب هو احتفاظ زواجها الذي دام حتى الآن أكثر من خمسة عشر عاما بشعلة الحب الذي جمع يوما بينها عندما كانت مجرد طالبة في الجامعة وبين زوجها الذي كان حينها أستاذا لها
قالت أماني لتغير الموضوع :- كيف حال الدكتور زهير ؟ هل سيعود في وقت قريب ؟
:- ربما في إجازة نصف السنة .. ولكنه يحاول الحصول على إجازة قصيرة يزورنا فيها قريبا
.. قبل سنتين وقع الدكتور زهير عقدا مهما للتدريس في إحدى أرقى جامعات دولة مجاورة .. سافر بينما بقيت زوجته هنا تتابع عملها كمعلمة للغة الإنجليزية .. في الواقع .. لقد تعرفت أماني على سمر قبل سنوات طويلة عندما احتاجت إلى أخذ دروس تقوية في اللغة خلال الثانوية العامة .. ثم خلال دراستها الجامعية .. وبالرغم من فرق السن بينهما إلا أن صداقة قوية تشكلت بينهما أثبتت متانتها مع مرور السنوات .. وفي كل مرة كانت أماني تلجأ فيها إلى سمر بعد شجار مع والدها ... لم تستطع أن تحكي لها كافة مشاكلها ..خاصة تلك المتعلقة بفراس .. أو تفاصيل شجارها مع والدها .. ولكنها استمدت منها الدعم المعنوي والعاطفي الغير محدود .. ربما كان سر علاقتهما المتينة هو تعويض كل منهما للأخرى عما تفتقده .. فسمر عوضت أماني جزئيا عن حنان وصداقة الأم المفقودة .. وأماني منحت سمر شخصا توجه نحوه رعايتها وحبها لتعوض عن فقدانها لنعمة الأمومة
خمسة عسر عاما مرت لم يقدر خلالها للزوجين إنجاب طفل يكمل حياتهما .. فكانا يستمتعان بالاهتمام بكل محتاج أو حزين
أخذتا تتحدثان عن كل شيء باستثناء والد أماني .. أو رئيسها بالعمل .. فقد اعتادت أماني منذ زمن على إخفاء مشاعرها السلبية اتجاهه عن سمر
فمنذ سنوات لم تتردد سمر عندما عرفت بحاجة أماني إلى العمل في التحدث مع ابن أختها لأجلها .. وهكذا حصلت أماني على وظيفتها عند هشام عطار .. وهي ممتنة للغاية لسمر لمنحها هذه الفرصة .. ولن تسبب لها الحزن بالحديث عن بغضها له .. فسمر – ويا للدهشة - متيمة بابن أختها الذي لا يصغرها بأكثر من 3 سنوات .. وكلما فكرت أماني بغرابة أن يحب أي أحد شخصا ببرودة وفظاظة مديرها.. تذكرت المثل الشعبي القديم القائل (القرد في عين أمه غزال )
قطع حديثهما صوت جرس الباب .. فنظرت سمر إلى الساعة المعلقة على الجدار قائلة باستغراب :- موعدي مع طالباتي لن يبدأ قبل ساعة من الآن .. هل جئن مبكرات هذه المرة ؟
اعتذرت من أماني وغابت في ذالك الممر الضيق خارج غرفة الجلوس والمؤدي إلى الباب الخارجي
سمعت صيحة البهجة من سمر وهي تقول :- أهو أنت أيها الشقي ؟ لم أتوقع زيارتك اليوم
أتاها صوت رجولي لم تدرك إلا متأخرة بأنها تعرفه :- لقد أوصاني زوجك بالإكثار من الحملات المفاجئة كي أكشف أي ألاعيب تقومين بها في غيابه .. أنا أنفذ وصيته ليس إلا
:- يوما ما سأقتلك خنقا
:- لا تستطيعين ... فمن غيري قادر على القيام بكل التصليحات والأعمال الشاقة التي تكلفينني بها في غياب زوجك
قالت متظاهرة بالهزيمة :- لقد غلبتني .. سأبقي على حياتك لبعض الوقت حتى أجد لك بديلا
ارتجف قلب أماني ووقفت باضطراب مدركة بأن مديرها الجاف والمتغطرس هو نفسه صاحب الصوت المرح والدافئ الذي يداعب سمر برقة.. ما الذي يفعله هنا ؟ لم تكن مستعدة للقائه خارج نطاق العمل.. شعرت وكأنها قد تعرضت للخيانة بوضعها في هذا الموقف البغيض
سمعت سمر تقول :- لدي ضيوف في الواقع .. لا .. لست مضطرا للرحيل .. فأنت تعرفها جيدا
توترت أماني وتحفزت كل حواسها عندما دخل مديرها متجاوزا مدخل الغرفة بقامته الطويلة المهيبة .. بدت سمر إلى جانبه قصيرة جدا عندما أحاطها بذراعه وقال مداعبا:- هل نقص وزنك أم أنني أتوهم ؟
قالت ضاحكة :- بل تتملقني كي أطعمك شيئا .. أنا أعرف ألاعيبك
اختفت ابتسامته عندما وقع بصره على أماني التي وقفت متوترة في الجانب الآخر من الغرفة .. لمحت اهتزازا طفيفا في عينيه وكأن رؤيتها المفاجأة قد مست شيئا من دفاعاته.. عرفت بأنه يشعر بالانزعاج مثلها تماما .. وأن هذا اللقاء غير المتوقع خارج جدران المكتب لم يكن مرغوبا به على الإطلاق
لاحظت سمر التوتر الذي ملأ جو الغرفة .. فنقلت بصرها بينهما بحيرة قائلة :- ما الأمر يا هشام ؟ أنت تعرف هذه المرأة .. أليس كذلك ؟ إنها تعمل لديك منذ.......
قاطع بهدوء تعريفها الساخر الذي حاولت به إزالة التوتر وقال :- أنا أعرف تماما من تكون
تأملها بهدوء من رأسها إلى أخمص قدميها مما أشعرها بالانزعاج .. هاهو يتبع طريقته المعتادة في بث التوتر والقلق في نفس من يقف أمامه .. بالتقليل المبطن من شأنه
سألها أخيرا :- كيف حالك يا أماني ؟.
هنا تعرفت أماني على الشخصية الجديدة لمديرها الغامض .. الرجل الدبلوماسي الهادئ .. المختلف عن المدير الصارم وابن الأخت الحنون .. تمتمت بفتور :- بخير
قالت سمر ببشاشة :- هيا اجلسا وتحدثا قليلا حتى أعد بعض القهوة .. ولكن إياكما والحديث عن العمل
تركتهما بسرعة قبل أن يعترض أحدهما . جلست أماني متصلبة بينما جلس هو أمامها مباشرة
هذه المرة لم يكن يرتدي بذلة أنيقة .. وربطة عنق ملائمة كالعادة .. بل قميص أسود بسيط وسروال أسود أظهرت تفصيلته الأنيقة طول ساقيه .. وفوقهما ارتدى معطفه الطويل المصنوع من الصوف الثقيل فلم يفقد هيبته المعتادة .. فكرت أماني بأنها لا يمكن أن تتخيله فاقدا لوقاره في أي وضع كان .. حتى عندما كان يداعب سمر بكلماته الرقيقة كان كأخ أكبر يمازح أخته الصغرى بتسامح
لم تستطع تقبل هذه الصورة التي لم تتفق أبدا مع رأيها المسبق به .. شعرت بالانزعاج لاضطرابها المفاجئ .. فلأول مرة منذ عملت لديه .. تنظر إليه لتكتشف بأنه يمتلك وجها وسيما .. عند هذه النقطة .. أحست بأنه يتأملها بنفس الاهتمام .. فأبعدت عينيها بضيق تتأمل محتويات الشقة التي تعرفها جيدا .. الأثاث البسيط المريح .. والديكور الحميم .. لم تكن هذه المرة الأولى التي تنفرد فيها مع مديرها في مكان واحد .. فهي تواجه هذا الموقف دائما في العمل .. ولكنها تكون مستعدة له باستمرار تأتي من البيت مشحونة بطاقة عدائية تساعدها في تحدي طباعه الصعبة .. ومتسلحة بأناقتها الشديدة التي تكلفها جزءا كبيرا من راتبها كل شهر .. ولكنه أخذها هذه المرة على حين غرة..فشعرت وكأنها عارية من القوة والعزيمة بملابسها البسيطة والعادية .. سروال من الجينز .. قميص فضفاض مقفل بياقة مثلثة .. لم تعرف أبدا بأنه كان مأخوذا بدوره بمظهرها الجديد البسيط .. البعيد عن مظهر الموظفة الباردة المتأنقة بتكلف التي يراها كل يوم في العمل
عندما تجرأت على النظر إليه مجددا .. لاحظت مذعورة بأن عينيه استقرتا فوق آثار الجرح الواضحة إلى جانب وجهها.. تذكرت بأنها خلافا لعادتها في حضور الغرباء كانت ترفع شعرها هذه المرة على شكل ذيل حصان
قفزت واقفة غريزيا .. وابتعدت وهي تحرر شعرها بيد مرتجفة ليسقط بموجات شقراء وكثيفة حول وجهها ..
قال أخيرا ليقطع الصمت الذي طال بينهما:- كيف حال والدك ؟ سمعت بأنه مريض
لم تستغرب هذا .. فوالدها اسم كبير وقديم في عالم المال .. وأخباره تصل بسرعة غير معقولة إلى جميع أفراد الوسط .. في الواقع .. لقد سبق وقابل والدها مديرها الشاب عدة مرات في مناسبات عمل بحتة .. لم يستطع إنكار ذكائه وعبقريته الفذة كرجل أعمال شاب بدأ من الصفر .. ولكنه أبدى امتعاضه من أمثاله ذوي الأصل المتواضع الذين تطفلوا على الطبقة الرفيعة .. وشكك كثيرا في شرعية معاملاته مستندا بشكوكه إلى الشائعات التي لطالما طالت هشام عطار حول والده
لقد سمعت أماني بعض الموظفين يتحدثون عن هرب والده قبل سنوات طويلة إلى خارج البلاد حاملا معه أموال شركاءه التي قدرت بالملايين .. ولم يسمع أحدهم عنه شيئا منذ ذلك الحين .. حتى عائلته نفسها .
وتحدث بعضهم عن أن كل هذه الشركات الناجحة التي أسسها هشام من العدم هي ثمرة تلك الأموال المنهوبة
ولكن أماني لم تستطع تصديق الشائعات .. على الأقل مزاعم والها بأن هشام هو سر أبيه .. فخلال عملها معه ..
أحست بانه رغم جميع صفاته السلبية .. رجل شريف
كذبت مجيبة عن سؤاله :- إنه بخير ويتحسن باستمرار
ضيق عينيه .. وهو ينظر إليها حيث وقفت على بعد أمتار عنه وقال :- ليس هذا ما سمعته من مصادري
زفرت بضيق من إصراره على إزعاجها :- أنت محق .. إنه مريض جدا وحالته تزداد سوءا
قال بجفاف :- تبدين منزعجة لمرضه الطويل .. وغير حزينة على الإطلاق .. ما الأمر ؟ هل تستعجلين الحصول على ميراثك ؟
شهقت بذهول لاتهامه المنافي للذوق .. واتسعت عيناها فظهر لونهما الأخضر المشتعل غضبا .. وقالت بصوت مرتجف من فرط الانفعال :- كيف تجرؤ على توجيه اتهام كهذا لي ؟
أرجع ظهره إلى الخلف مسترخيا فوق الأريكة .. ومد ساقيه الطويلتين ليقاطعهما أمامه .. وقال غير مبال بغضبها :- هذا ما علمني إياه التعامل مع أمثالك ممن ولدوا أثرياء ..إذ بدلا من الاكتفاء بما لديهم يزداد جوعهم وطمعهم بالمزيد .. لا أقصد الإهانة .. ولكنك تبدين لي من هذا النوع
ساد صوت لم يتخلله سوى صوت أنفاسها العنيفة المثقلة بالغضب .. وهو كان يراقبها ملاحظا أقل رد فعل منها وكأنه يختبرها قالت ببرود :- ربما عليك أن تعرفني جيدا قبل أن تصدر أحكامك
قال باستهتار :- لا أظنني مهتم بمعرفة أي شيء عنك
لا مبالاته القاسية ورأيه السيئ بها جعلاها تحس بالألم يوخز قلبها ولم تعرف السبب .. لماذا تهتم برأيه ؟ إنه يكرهها ويحتقرها كما تكرهه بالضبط .. رفعت رأسها بكبرياء قائلة :- في الواقع ليس من شأنك أن تعرف أي شيء عني خارج العمل .. إن كنت تظنني متلهفة إلى هذا الحد للحصول على ميراثي فأنت تعرف بالتأكيد بأن السبب سيكون رغبتي الشديدة بترك العمل لديك
هز كتفيه العريضتين قائلا ببساطة :- لم لا تتركينه مادمت تكرهينه إلى هذا الحد ؟
لاحظ توترها فقال :- لا .. لا أظنك تتركينه . ليس الآن على الأقل .. أنت لست بحاجة إلى العمل ولكنك كأي طفلة مدللة تحاولين إثبات نفعك في أي شيء آخر غير إنفاق المال.. أو ربما تحاولين قتل الفراغ الذي يملأ حياتك وقلبك قبل أن يؤدي بك إلى الانتحار
هتفت بانفعال وقد فقدت أعصابها:- ستكون مسرورا بالتأكيد إن أنا قتلت نفسي.. ستتخلص مني حينها دون مشاكل ولن تضطر لرؤيتي بعدها أبدا
مط شفتيه قائلا:- وجودك لا يمثل أي مشكلة بالنسبة إلي يا أماني.. وإلا لطردتك منذ سنوات.. وأنت تعرفين هذا
قالت بشراسة وقد غمرتها رغبة عارمة في محو الابتسامة المزهوة عن شفتيه:- أنا أعرف تماما ما هي مشكلتك..أنت كغيرك من محدثي النعمة تكاد تأكلك عقدة النقص والحقد اتجاه غيرك ممن لم يفتقروا يوما إلى المال أو الاسم النظيف.. لذلك تسعى أكثر فأكثر إلى جمع المزيد من المال كي تعوض ما تفتقر إليه من قيمة وأصل.. ولتذل غيرك ممن امتلكه دون جهد
لقد تمادت .. لقد تمادت حقا هذه المرة في إهانته..وخاصة عندما لمحت إلى اسم والده الملوث .. إذ هب واقفا فتقلصت الغرفة فجأة عندما ملأها بجسده الضخم .. وارتسم تعبير بشع على وجهه واشتعل الغضب كنيران سوداء في عينيه القاتمتين .. مما جعلها تنكمش وتتراجع إلى الخلف بتوتر.. قطع المسافة بينهما بخطوتين واسعتين .. وأمسك بذراعيها قبل حتى أن تفكر بالفرار.. فأحست بالألم عندما انغرست أصابعه القاسية في بشرتها وانتابها ذعر شديد عندما أدركت خطورة موقفها .. وقع بصرها على فمه القاسي وهو يقول:- أنت فتاة وقحة ولعينة .. وستندمين يوما على ما قلته
أمسك وجهها بإحدى يديه الكبيرتين وأجبرها على النظر إلى عينيه فاختفت كل شجاعتها.. وشعرت كالعصفور الصغير الذي علق في المصيدة .. قال بصوت جمد الدماء في عروقها :- ولسانك هذا .. أعدك بأنني سأعقده يوما .. ولن يتفوه بعدها إلا بما أريد
شحب وجهها وانهالت الذكريات فوق رأسها بقسوة .. فارتسم الذعر في عينيها .. وانتفض جسدها بين يديه بعنف جعل وجهه يرتد إلى الخلف مذهولا بالخوف الهستيري الذي ظهر على ملامحها وفي عينيها المتسعتين .. فاختفت قسوته خلال لحظة واحدة .. وأطل القلق من عينيه وهو يقول :- ما الذي حدث لك ؟ هل أنت بخير ؟
فتحت فمها .. وبدت الكلمات وكأنها عاجزة عن تجاوز شفتيها المرتعشتين .. ولكنها تمكنت أخيرا من أن تهمس بصوت مرتجف :- اتركني ... أرجوك لا تؤذني
شحب وجهه .. وتركها مبتعدا وكأنها تحمل وباءا خطيرا .. فاستندت إلى الجدار تحاول التقاط أنفاسها .. وتقاوم الدموع التي جاهدت لتتجاوز مقلتيها
دخلت سمر في تلك اللحظة إلى الغرفة حاملة الصينية التي فاحت منها رائحة القهوة الزكية .. وتجمدت عندما لاحظت الوضع الغير عادي بين ضيفيها
نقلت بصرها بينهما قائلة بقلق:- ما الذي حدث ؟ هل أنت بخير يا أماني ؟
استعادت أماني شيئا من هدوئها وعزيمتها وتمتمت :- نعم .. أنا بخير ولكن يجب أن أذهب ..
تناولت حقيبتها ومعطفها .. بينما وقف هشام حيث هو.. يراقبها بجمود .. قالت سمر :- لا يمكنك الرحيل الآن .. ماذا عن القهوة ؟
:- سأشربها في يوم آخر .. إلى اللقاء
ودعتها بسرعة ثم اختفت خارجة من الشقة.. نظر الاثنان في إثرها لعدة لحظات قبل أن تستدير سمر نحو هشام قائلة بحدة :- هل لي أن أعرف بما حدث لتوه بينكما ؟
صمت للحظات طويلة ثم قال بجفاف :- فلتحل علي اللعنة إن كنت أعرف










رد مع اقتباس
قديم 2014-08-22, 18:46   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل التاسع
أسد مريض

عندما دخلت جودي على والدها في غرفة نومه وجدته ممددا فوق سريره يحمل بين يديه مجموعة كبيرة من الأوراق .. منهمك في قراءتها .. قال مؤنبة :- ألم ينهك الطبيب عن العمل ؟
رفع رأسه وأشرق وجهه الشاحب لرؤيتها .. ابتسم وهو يزيح الأوراق جانبا .. وينزع نظاراته السميكة قائلا :- أنا لا أعمل بل أقرأ بعض التقارير فحسب
وضعت صينية العشاء التي تحملها فوق منضدة صغيرة تجاور السرير قائلة :- ظننت بأن وجود صلاح في العمل كاف كي تريح عقلك قليلا من مشاكله
:- هذا صحيح .. ولكن حتى صلاح يحتاج أحيانا إلى الإرشاد
جلست إلى جانبه على طرف السرير قائلة :- أخبرتني الخادمة بأنك لم تتناول شيئا يذكر على الغداء .. لذلك قررت أن أطعمك بنفسي هذه المرة لأتأكد بأنك قد أكلت ما يكفي
ضحك.. ثم أتبع ضحكه بسعال متعب .. ثم قال بشحوب :- تجعلينني أنسى أحيانا من هو الوالد بيننا
نظرت إلى وجهه الشاحب بحزن وإشفاق .. من الصعب عليها أن تتخيل والدها القوي والصارم مريضا .. لاحظت نظراته إليها والمشبعة بالمحبة .. فتحرك قلبها على الفور بالعاطفة .. قال بحنان :- أنت تشبهينها كثيرا .. بجمالها ورقتها وحنانها
ابتسمت بسرور سعيدة لشبهها الكبير بأمها والذي أكسبها حب والدها المضاعف .. أحيانا كانت تشعر بالذنب لرضاها عن كونها طفلته المدللة .. في الوقت الذي ساءت فيه علاقته بأماني إلى أبعد حد .. قالت لتخفف من شعورها بالذنب :- أماني تشبهها أيضا
قال بهدوء :- لا.. أماني تشبهني أنا .. تشبهني تماما
عرفت بأنه لم يقصد الشكل الخارجي .. لم تتبين شعوره الحقيقي وهو يتكلم عن أماني إذ كان وجهه مغلقا لا تعبير فيه فقالت محاولة تليين قلبه :- إنها تعاني حقا لشجاركما يا أبي .. ألم يحن الوقت لتتصالحا ؟ لا تحاول الإنكار فأنت تريد هذا أيضا
صمت لدقائق طويلة ثم قال:- أصدقيني القول يا جودي .. هل تعتقدين بأن صلاح ليس جيد بما يكفي لها ؟
ترددت في الإجابة .. أرادت أن تدعم أماني والرد بالإيجاب.. ولكنها لم تستطع الكذب على والدها فقالت مستسلمة :- لا
لطالما أحبت صلاح كأخ أكبر لها .. لطالما أحبها هو واهتم بها ودللها في صغرها .. وهو الآن في نظرها رجل وسيم وصالح .. وليس هناك ما يعيبه سوى المشكلة التي حصلت بينه وبين أماني قبل سنوات
هي أيضا لم تتقبل ما حدث .. ولم تسامحه حينها .. ولكن مشاعره نحو أماني ورفض الأخيرة القاطع له .. يمنحه بعض العذر لأي تصرف متهور من جانبه
قال والدها :- إذن ستساعدينني في إقناعها به
قالت بحذر :- لقد حاولت مرارا من قبل دون فائدة .. هل هناك ما يدور في رأسك ؟ هل تفكر بإرغامها على الزواج بالقوة ؟
دخل صلاح في تلك اللحظة بعد أن طرق الباب .. كان ممسكا بمجموعة أوراق نوى كما يبدو إطلاع عمه عليها .. ولكنه تردد عندما رأى جودي .. حياها بلطف ثم جلس على كرسي قريب بينما أجاب والدها على سؤالها :- أماني فتاة بالغة وراشدة .. ولا أحد يستطيع إرغامها على فعل ما تريده .. هل جهزت الأوراق كما طلبت منك يا صلاح ؟
أومأ صلاح برأسه .. بينما تابع والدها حديثه معها :- ولكن إن كانت قد أخذت مني ذكائي كما أرجو .فكل شيء سيكون على ما يرام. بعد محاولتي القادمة والأخيرة لإقناعها بصالحها
أشار إلى صلاح ليعطيه الأوراق ثم قال بجدية :- سيأخذك ابن عمك صباح الغد إلى السجل العقاري .. هناك بعض الأوراق لتي سيطلب منك توقيعها
قالت بقلق :- ماذا تنوي أن تفعل ؟
:- أنت تثقين بي أليس كذلك ؟ لا تشغلي إذن عقلك الصغير .. كل ما أطلبه منك هو ألا تذكري حرفا واحدا عما يحدث لشقيقتك
ارتجفت مع أنها لم تفهم ما يحدث فعلا . وقالت بخفوت :- أبي .. إنها ابنتك أيضا .. لا تؤذها
لمحت للحظة وميض عاطفة مر عابرا خلال عينيه .. فأخفضهما فورا وهو يقول :- لا تقلقي .. أنا أريد مصلحتها فقط .. اتركيني مع صلاح قليلا هناك ما سأناقشه معه
تركت الغرفة بصمت مغلقة الباب خلفها بهدوء . لم تعرف سبب كل هذا القلق الذي شعرت به .. فتمنت لو أن غريزتها كانت مخطئة وأن ينتهي كل شيء على خير



حدقت أماني في السقف طويلا وهي ممددة على سريرها بكامل ملابسها منذ عودتها من بيت سمر .. كانت غاضبة من نفسها لتصرفها الأحمق أمام هشام عطار .. لم تكن تلك المرة الأولى التي يتشاجر فيها معها أو حتى يهددها .. لقد اعتادت على مواجهته بثبات وبرود دون أن تتأثر .. أما هذه المرة فقد تصرفت كالبلهاء .. كيف ستواجهه صباح الغد في الشركة
تكومت على جانبها وهي تضم ركبتيها إلى صدرها شاعرة بالخزي .. إنها تعرف تماما سبب تصرفها .. لقد زرع صلاح داخلها خوفا أبديا من الرجال .. وعندما اقترب منها السيد هشام وأمسكها لأول مرة .. أحست برعب كاد يفقدها الوعي.. وقد تذكرت كل المرات التي اقترب فيها صلاح منها إلى هذا الحد ... وأكثر
أغمضت عينيها وهي تشعر بالغضب والإحباط والقلق .. لقد دمر صلاح علاقتها بجنس الرجال إلى الأبد .. عرفت بأنها لن تسمح لرجل أن يلمسها ما حييت وهذا يعني أن أملها بإيجاد الحب الحقيقي والزواج قد اختفى تماما
تجددت كراهيتها لصلاح بقوة .. لن تكون له أبدا .. ولا لغيره
ثم تذكرت ردة فعل مديرها على نوبة الذعر التي اجتاحتها أمامه .. لقد بدا مصدوما وقلقا .. وسألها باهتمام عما أصابها وكأن رجلا آخر زرع الرعب داخلها .. لقد أبدى قلقا ناقض بشدة تصرفاته الفظة معها وتهديده لها .. هشام عطار رجل غريب وغامض .. ولا تظن بأن أحدا قادر على فهمه في يوم من الأيام .. تذكرت معاملته الحنون لسمر . لقد اكتشفت لحظتها بأنه رجل رقيق عندما يرغب وهو ما ظنته مستحيل تماما .. ولكنها أيضا تجلب لنفسها معاملته السيئة بعنادها وتصرفاتها الوقحة .. وهذا اليوم أهانته متعمدة بعد أن فقدت صبرها وأعصابها .. لطالما كانت هذه مشكلتها .. عندما تغضب فإن لسانها المتهور ينطق بالكلام دون تفكير أو رادع غير مهتم بالعواقب
ارتفعت طرقات على باب غرفتها فاعتدلت جالسة وهي تصيح :- تفضل
دخلت جودي وأقفلت الباب ورائها قائلة :- ظننتك نائمة عندما لم تنزلي لتناول العشاء معنا
قالت أماني بامتعاض:-هل تمزحين ؟ لن أتناول الطعام مع صلاح على مائدة واحدة ولو مت جوعا
جلست جودي إلى جانبها فوق السرير قائلة برجاء:- أماني .. أتوسل إليك أن تتحاشي الشر .. فكري بتعقل .. صلاح ليس سيئا .. إنه يحبك ويريدك وأنا متأكدة بأنه سوف يسعدك
نظرت إليها أماني بحدة ثم نهضت مبتعدة عنها وهي تقول:- هذه نغمة جديدة .. هل تحدثت إلى والدك حولي مؤخرا ؟
قالت جودي محاولة إقناعها :- كل ما يريده هو حمايتك .. إنه يحبك فأنت ابنته البكر .. ولن يفكر بإيذائك ..لو ظن للحظة بأن صلاح رجل سيء لما أصر على زواجك منه
تأملتها أماني بنظرات ثاقبة وهي تقول :- ألن تخبريني بما يقلقك ؟
زفرت جودي وهي تشيح بوجهها بعيدا .. لقد وعدت أباها بألا تخبر أماني بشيء .. ماذا عليها أن تفعل لإقناعها ؟
قالت أخيرا :- لقد رأيته اليوم .. إنه شاحب جدا ومريض .. وحالته تزداد سوءا لا أحتمل رؤيته هكذا .. مجرد التفكير بحدوث أي مكروه له .....
لم تستطع إتمام كلماتها .. فقد خنقتها الدموع ووجدت نفسها تشهق باكية بصمت
ترقرقت دموع أماني وأحست بألمها يكبر ويكبر .. وبالثقل الذي تحمله فوق ظهرها يزداد وزنا
قال بصوت أجش :- أنا مستعدة للموت من أجله .. ولكن ليس للزواج من صلاح .. لا أستطيع ياجودي .. لا أستطيع
نظرت جودي إلى أختها من بين دموعها وقد لاحظت صوتها المتهدج .. عرفت بأنها قد قامت بأقصى ما تستطيع فعله لإقناع أماني .. ولكنها وعدت نفسها بألا تتخلى أبدا عنها
في النهاية .. لن يبقى لإحداهما إلا الأخرى



الفصل العاشر
بلا أب

توفي محمود النجار في منتصف شهر ديسمبر .. في ليلة مظلمة غزيرة الأمطار .. حدث الأمر فجأة بدون مقدمات .. دخلت جودي إليه بالعشاء كالعادة لتجده قد فارق الحياة.. بهدوء وصمت .. فوق سريره العريض
حدث كل شيء بسرعة لم يستوعبها أحد من أفراد العائلة .. وسرعان ما امتلأ البيت الكبير بالمعزيين .. كان لدى الفقيد الكثير من المعارف وشركاء العمل .. لذلك لم تتوقف الحشود طوال 3 أيام كاملة
اجتمع الرجال في الطابق الأرضي حيث دوى صوت الشيخ يصدح بآيات قرآنية خاشعة .
وصعدت النساء إلى الطابق الأعلى لدعم الفتاتين التين باتتا يتيمتين .. ولم يعد لهما فعلا سوى صلاح الذي تولى الأمور كلها برباطة جأش .. ونظم كل شؤون الجنازة بما يليق بأحد كبار الشخصيات في المدينة
جودي كانت منهارة تماما .. بدت وكأنها لاتشعر أبدا بالنساء المجتمعات حولها .. واللاتي أخذن يحاولن التخفيف عنها دون جدوى .. أحيانا كانت تنشج باكية بصخب .. ثم تركن إلى الصمت مكتفية بذرف الدموع .. كان عثورها على والدها ميتا فوق سريره كثير عليها .. أما أماني فقد كانت أكثر تماسكا .. قامت بدورها كمضيفة على أكمل وجه . بالرغم من أن المقربات من الضيوف بالإضافة إلى الخادمتين اللتين تعملان في المنزل قمن بالمساعدة .. لم تبك .. ولم يظهر وجهها الشاحب والجامد أي شيء من مشاعرها .. تمكنت من تلقي العزاء برزانة والإجابة على استفسارات الضيوف .. حضرت بعض زميلاتها في العمل .. وسمر أيضا كانت هناك برفقة امرأة أكبر سنا لم تتعرف أماني على هويتها
كل شيء كان يسير بهدوء ونظام حتى توقفت أماني عند باب المطبخ وقد سمعت اسمها ضمن حديث جانبي بين سيدتين من الضيوف :- هل رأيت تصرفاتها ؟ لم تذرف دمعة واحدة على وفاة والدها
:- لقد سمعت بأنهما بالكاد كانا يتكلمان معا في السنوات الأخيرة .. وأثناء مرضه لم تكلف نفسها عناء الاطمئنان عليه .. هذا ما سمعت الخادمة تقوله قبل قليل
:- هل تصدقين وجود شخص بمثل تحجر قلبها .. تلك الابنة العاقة .. لا أتمنى لأي أب أن يحظى بإبنة مثلها
:- إنها لا تشبه أختها أبدا .. جودي أشبه بالملاك .. من المؤسف أن يموت والدها قبل أن يحضر زفافها
لم تنتظر أماني لتسمع المزيد .. إذ تحركت مبتعدة فوجدت نفسها أمام ضيفة أخرى قالت لها بحيرة :- لقد وجدت هذه ملقاة جانبا في إحدى الغرف يا أماني .. أين تريدين مني وضعها ؟
شحب وجه أماني لرؤية تلك العصا السوداء الثقيلة ذات الرأس الذهبية .. تراجعت وهي تقول بصوت متقطع :- لا أعرف ..ارمها .. أو احتفظي بها إن شئت
وقبل ان تسمع المزيد أو يعترض طريقها شخص آخر .. تسللت إلى خارج البيت بهدوء شديد دون أن تثير انتباه أحد .. استقلت سيارتها .. وقادتها لفترة طويلة لم تحسبها عبر طرقات المدينة
.. ثم عادت أخيرا لتوقفها في زاوية بعيدة عن المنزل .. ولكنها قريبة بما يكفي كي تعرف بأنه قد خلا من الضيوف .. عندها لم تستطع تمالك نفسها .. وانهمرت دموعها غزيرة .. كتمت نشيجها بيدها وتركت ألمها وحزنها يخرجان أخيرا .. لقد توفي والدها .. الرجل الذي كرهته وأحبته في آن واحد .. لقد مات غاضبا منها دون أن تتحدث إليه لآخر مرة أو تودعه .. وهي الملومة على هذا .. لقد حسرته مقابل ألا تخسر حياتها وكرامتها .. فهل كان الأمر يستحق منها هذه التضحية ؟
مسحت دموعها بعد مرور دقائق طويلة .. واستعادت هدوءها .. ثم قررت العودة إلى المنزل ومتابعة القيام بواجباتها .. وتواجه مستقبلها الذي دفعت ثمنه غاليا جدا ...






:- جودي
رفعت جودي عينيها نحو خطيبها الذي جلس إلى جوارها على الأريكة في غرفة الجلوس محاولا جذب انتباهها .. قال برقة :- إلى متى ستظلين غارقة في الحزن يا عزيزتي ؟ لقد مر أسبوعان على وفاة والدك .. وستبدأ امتحانات نصف السنة بعد يومين ولم تبدي أي استعداد لها
هزت رأسها فتأرجح شعرها الكثيف حول وجهها الحزين وقالت :- لا أستطيع أن أدرس .. مازلت غير قادرة على استيعاب وفاته .. وأن كل شيء سيعود كما كان باستثناء وجوده معنا
تنهد قائلا :- أنا أفهمك جيدا يا حبيبتي .. ولكن الحياة يجب أن تستمر .. فكري بالأمر من جانب آخر .. إن لم تبذلي جهدا في دراستك .. سيتأخر تخرجك .. وبالتالي زفافنا
وقفت قائلة بغضب مفاجئ :- كيف تستطيع التفكير في الزفاف ولم تمض على وفاة أبي أسابيع ؟
قال بانزعاج :- كنت أحاول إلهائك فحسب
:- طريقتك هذه فاشلة تماما .. فآخر ما أفكر به الآن هو الزفاف .. وقد لا أفكر به قبل فترة طويلة
نهض قائلا بحدة :- ما الذي يعنيه هذا ؟
هتفت به بعناد :- ما فهمته تماما
أخد نفسا عميقا ليضبط به أعصابه وقال:- جودي .. أنا أعرف بأنك لا تعنين حقا ما تقولينه .. أنت حزينة ومجروحة .. وأنا أفهم مشاعرك تماما
صاحت بعنف :- لا تدعي بانك تفهمني لأنك لا تفعل .. ولا أظنك ستفعل يوما
نظر إليها ببرود شديد وقال كاتما غضبه :- من حسن حظك أنني أتمتع بالحلم والصبر .. من الأفضل أن أتركك كي تهدئي وتفكري بتصرفاتك .. وإلا نفذ مني هذا الصبر.. ودفعتني لقول ما أندم عليه
وأثناء توجهه نحو الباب فوجئ بأماني تقف أمامه وعلى وجهها ذلك البرود المعتاد الذي تقابله به في كل مرة .. حياها باختصار جاف .. وردت عليه بهزة من رأسها .. وعندما رحل .. نظرت أماني مطولا نحو أختها ثم قالت بهدوء :- أكره أن أقول هذا ولكنني أتفق مع خطيبك هذه المرة يا جودي
قالت جودي بعصبية :- ماذا تقصدين ؟
اقتربت منها أماني قائلة :- أقصد أنك على بعد خطوة من التخرج .. ومن المؤسف أن تتخاذلي في دراستك وقد وصلت إلى هذا الحد
هزت جوي رأسها بيأس .. وجلست من جديد قائلة :- لقد حاولت يا أماني ولكنني لم أستطع .. عقلي عاجز عن استيعاب الكلمات .. أرى صورة أبي وهو ميت في كل صفحة من صفحات كتبي
تنهدت أماني قائلة :- هذا طبيعي .. ولكن ليس من الصحي أن يستمر يا جودي .. أنت ......
قاطعتها جودي بشراسة :- لا تدعي فهمي أنت الأخرى .. حتى أنك لم تحزني لموته .. لقد عدت إلى عملك فورا وبكل بساطة وكأن شيئا لم يحدث .. لسنا كلنا متحجري القلب مثلك
عرفت جودي بأنها قد جرحت أختها بكلماتها القاسية .من خلال الشحوب الذي كسا وجهها والألم الذي ارتسم في عينيها .. ولكنها لم تستطع سحبها .. فقفزت تاركة إياها في الصالة وخرجت إلى حديقة المنزل
نظرت أماني في إثرها بجمود .. لماذا عليها أن تلوما على حزنها ؟.. لطالما كانت ابنة والدها المدللة وعندما مات .. مات راضيا عنها على الأقل .. وليس نابذا لها كما الحال مع أماني
جودي لا تعرف بان هذا يضاعف من إحساسها بالحزن والخسارة.. ولكنها محقة .. لم تظهر أماني أي دليل على مشاعرها .. ربما يجب أن تكون أكثر تفهما مع أختها وإلا وضعتها في خانة واحدة مع ذلك المتأنق المتكلف الذي ترتدي خاتمه
لحقت بجودي إلى الحديقة فلسعتها برودة الجو .. وقبل أن تصل على أختها .. تراجعت و أخفت نفسها خلف إحدى الشجيرات عندما لمحت صلاح يجلس برفقة جودي فوق احد المقاعد الخشبية المزدوجة .. أرادت أن تنسحب ولكنها تسمرت مكانها عندما سمعت كلمات صلاح الرقيقة لجودي : - لقد توفي بالفعل .. ولم يعد موجودا بيننا .. ولكنني مازلت أشعر به .. أكاد أسمع صوته يناديني كالعادة ليستجوبني في أمور العمل ويوبخني على تقصيري
تمتمت جودي بمرارة :- أتمنى لو أنني أشعر بالمثل .. البيت فارغ تماما وخالي من دونه .. أحيانا أدخل إلى غرفته على أمل أن يكون الأسبوعان السابقان مجرد كابوس مرعب سأستيقظ منه فور أن أراه ممدد فوق سريره يقرأ أوراقه
تنهد صلاح وظل صامتا للحظات طويلة قبل أن يقول :- لو أنك دخلت إلى تلك الغرفة ووجدته هناك .. كيف تظنين رأيه سيكون بإهمالك لدراستك
قالت باكتئاب :- كان ليغضب بالتأكيد
:- لنعقد اتفاقا إذن .. لن ندخل إلى تلك الغرفة مجددا .. وسنتخيل والدك هناك ممددا فوق سريره يرتاح وقد أمرنا بعدم إزعاجه مهما كان السبب .. أنا سأستمر في العمل جاهدا خشية توبيخه لي على التقصير .. وأنت ستدرسين وتؤدين امتحانك كي لا تخيبي أمله .. ما رأيك ؟
فكرت للحظات ثم تمتمت :- يبدو لي هذا الترتيب جيدا
قال لها بحزم رقيق :- ما الذي تنتظرينه إذن .. اذهبي إلى غرفتك وابدئي الدراسة على الفور
ترقرقت الدموع في عيني أماني بحزن .. لقد نجح صلاح فيما فشلت به هي أو طارق مع جودي
إنه قاتدر على أن يكون شخصا رقيقا وحساسا عندما يرغب .. ولكن ليس معها .. ثم انقلب حزنها إلى غضب شديد .. هاهو يسلب جودي منها كما سلب منها والدها من قبل
بطريقة ما .. بدأ إحساس ثقيل بالوحدة يسيطر على روح أماني
الوحدة الشديدة










رد مع اقتباس
قديم 2014-08-22, 18:46   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الحادي عشر
غريب في الوطن

خرجت ريما من قاعة الامتحان بعد خروج جودي بدقائق قليلة .. بحثت عنها مطولا لتجدها في النهاية تجلس وحيدة على حافة أحد أحواض النباتات الحجرية المحيطة بالكلية .. تنشد بعض الدفء من حرارة شمس بعد الظهر .. جلست إلى جانبها قائلة بحماس :- هل تصدقين مدى سهولة الأسئلة ؟ لم أشعر بالوقت وأنا أكتب وأكتب دون توقف .. كيف أبليت ؟
هزت جودي رأسها دون أن تنظر إلى صديقتها .. ثم أخذت نفسا عميقا وهي تقول :- لا تسأليني عن الامتحان فأنا لا أذكر حرفا واحدا مما كتبت
أطلت الشفقة من عيني ريما التي تفهمت عدم خروج جودي من أزمتها بعد .. وقد ظهر حزنها واضحا في ملابسها السوداء البسيطة .. ووجهها الخالي من الزينة .. أدركت بأنها لن تتحدث عن الامتحان أو حتى تسألها عن حالها حتى لا تذكرها بوفاة والدها .. فسألتها محاولة إثارة بعض البهجة في نفسها :- ما هي أخبار طارق هذه الأيام ؟
قالت جودي بتعاسة :- وما أدراني ؟ لقد تشاجرنا قبل يومين ولم يكلمني منذ ذلك الحين
قالت ريما بقلق :- ما الذي حدث ؟
حكت لها جودي باختصار موضوع شجارها مع طارق .. فعبست ريما قائلة :- هو المخطئ بالتأكيد .. ليس من حقه الضغط عليك بهذا الإلحاح مع ظروفك الحالية
:- ماذا علي أن أفعل إذن ؟
:- تجاهليه .. لو أن بشار تصرف معي بقلة الإحساس هذه لامتنعت عن مخاطبته لأسابيع حتى يعود إلي راكعا على ركبتيه طالبا السماح
رفعت كلماتها من معنويات جودي وقللت من إحساسها بالذنب اتجاه طارق .. أتاهما صوت بشار يقول بسخط مصطنع :- يا لثقتك الشديدة بنفسك .. وما أدراك بأنني ما كنت لأتجاهلك بدوري حتى تتوسلي إلي أن أصفح عنك
التفتت الفتاتان نحوه بذعر من وصوله المفاجئ .. ولكن ريما بذكائها الأنثوي المعهود .. وقفت تتأبط ذراعه قائلة بدلال :- كنت لألحق بك إلى آخر الدنيا وأتوسل إليك صبح مساء حتى تسامحني .. أنت تعرف بأنني لا أحتمل مرور يوم واحد دون أن أراك
قطب بشكل بدا مضحكا وهو يقول متظاهرا بالخشونة :- هه .. جيد أنك تعلمين من هو السيد هنا
:- أنت بالتأكيد يا حبيبي
ثم غمزت لجودي مما جعلها تضحك .. فقال ساخطا :- لقد رأيت تلك الغمزة .. أنت بحاجة إلى درس قاسي أيتها الآنسة المشاكسة
تأملتهما جودي مبتسمة وهما يتجادلان بطفولية حتى استسلما ضاحكين .. ثم استأذنا من جودي وتركاها بعد أن أكدت لهما أنها بخير .. وستعود فورا إلى البيت
وما إن غابا عن بصرها حتى عادت غمامة الحزن تظلل عينيها .. لا شيء يسير كما ترغب .. لقد توفي والدها .. وتشاجرت مع طارق .. وبالكاد تتبادل الحديث مع أماني .. وهاهي تخرج من امتحانها الأول دون أن تعرف كيف أبلت حقا
أخفت وجهها بين يديها .. وأسندت مرفقيها إلى ركبتيها .. فانسدل شعرها الطويل حول وجهها كستار أحمر داكن .. لم تدرك بأن مظهرها كان يدل على تعاسة كبيرة حتى سمعت صوتا هادئا يقول :- هل تحتاجين إلى كتف تبكين عليها ؟
شعرت بكل خلية في جسدها تخفق فجأة .. وبالاضطراب يصعد فجأة إلى فم معدتها .. لم تستطع تحديد حقيقة شعورها إن كان شوقا أو خوفا لوجود آخر شخص توقعت رؤيته في هذا الوقت
أسرعت تمسح آثار دموعها وهي تتمتم :- لم أكن أبك
لم يناقشها كما توقعت أن يفعل .. بل جلس إلى جانبها فتنفست رائحة عطره الرجولية الخفيفة ... قال لها :- أخبريني على الأقل بما ترينه بين قدميك
رفعت رأسها وهي تتنفس بقوة :- ما الذي تفعله هنا ؟
تجرأت على استراق النظر إليه فأصابتها صفعة اضطراب عنيفة لرؤيته مجددا .. كان يرتدي كنزة صوفية داكنة بلون الزيتون .. فوق سروال أسود من الجينز جذب الأنظار نحو ساقيه الطويلتين القويتين .. كان يبدو جذابا ومنتعشا بشكل لا يصدق مما ذكرها بأنها لم تفكر بمظهرها منذ وفاة والدها .. أدركت فجأة بأنها تبدو مريعة في تلك اللحظة .. ولكن نظرة الاهتمام الخالصة التي أطلت من عينيه أنستها ذعرها
رسم على شفتيه ابتسامة باهتة وهو يقول :- جئت لأراك . . لم أتوقع أن أجدك في الواقع ولكنني كنت متفائلا.. كيف كان امتحانك؟
توسلت إليه باكتئاب :- لا تسأل .. أرجوك
:- كيف تتخطين إذن وفاة والدك ؟
نظرت إليه بحدة قائلة :- هل علي أن أسألك كيف عرفت ؟
قال ببساطة :- ليس هناك من يجهل الأمر في المدينة
ثم نظر إلى وجهها الشاحب قائلا :- من الواضح أنك مازلت تتألمين
قالت بانفعال مفاجئ :- لماذا يستنكر الجميع حزني على وفاة أبي التي لم يمض عليها أكثر من أسابيع ؟
قتال بهدوء :- أنا لا أستنكر حزنك .. لو أنني مكانك لما تجاوزت وفاة أبي قبل أشهر طويلة
أخفضت بصرها وهي تتساءل عن سر شعورها بالراحة لوجوده معها بدلا من الانزعاج ؟ لماذا لا تطلب منه الرحيل ؟.. لماذا تشعر بالحاجة إليه رغم أنها لا تعرف عنه شيئا ؟
قال بلطف :- لم لا نسير قليلا ؟ يمكنك أن تفرغي غضبك كله علي ولن أمانع .. يمكنك شتمي إن رغبت أو ضربي .. أنا مستعد للاستماع إليك حتى تتعبي من الكلام
فوجئت بنفسها تستجيب له .. وخلال لحظات كانت تسير معه على الرصيف المحيط بالجامعة وهي تتحدث عن وفاة والدها كما لم تفعل مع غيره .. كان يطرح عليها الأسئلة بهدوء فتجيبه عنها بإسهاب .. وبين لحظة وأخرى كانت تصمت وقد خنقتها الدموع .. فلم يقاطعها مرة .. وعندما انتهت من الكلام تمتم:- لا أستطيع الادعاء بأنني أفهم مشاعرك .. فأنا لم أفقد بعد شخصا عزيزا ومقربا مني .. والداي لا يعيشان معي .. بل يقيمان على بعد آلاف الأميال وتفصل بيننا محيطات وقارات .. وأشعر بالفراغ والوحدة لغيابهما .. ولا أحتمل فكرة إصابة أحدهما بمكروه
كانت كلماته أشبه بالبلسم على روحها .. لماذا عليه أن يكون المتفهم الوحيد لمشاعرها ؟ أدركت بأنها لأول مرة تعرف عنه شيئا غير اسمه .. فسألته بارتباك:- أين.. أين يقيمان
ابتسم ملاحظا ارتباكها وفال :- في الولايات المتحدة .. لقد ولدت هناك وعشت فيها معظم سنوات حياتي
:- ما الذي تفعله هنا إذن ؟
اتسعت ابتسامته وهو يقول :- هل من الغريب أن يستقر الإنسان في وطنه عندما يكون مستعدا لذلك؟.. كنت أحضر إلى هنا في طفولتي برفقة والدي لقضاء إجازة الصيف مرة كل بضعة سنوات .. كنت صغيرا .. وأشعر بالملل من هذه المدينة الصغيرة الهادئة والمفتقرة إلى الإثارة .. وأعد الأيام شوقا للعودة إلى الوطن كما كنت أحب أن أسميه .. وعندما كبرت تغير الأمر .. ما رأيك بأن نجلس قليلا ؟
أشار إلى مقعد خشبي ظللته شجرة كبيرة .. فلاحظت بأنهما قد ابتعدا كثيرا عن الجامعة .. وتوغلا داخل أحد الحارات الجانبية الهادئة .. قبلت دعوته وقد سيطر فضولها على تفكيرها الراجح .. وجلست إلى جانبه في المكان الهادئ حيث بدت أصوات السيارات بعيدة وكأنها قادمة من عالم آخر
أكمل كلامه قائلا:- بدأت الأمور تتغير هناك عندما كبرت قليلا .. العنصرية ضد العرب في ذلك المكان لم تعد محتملة .. في الجامعة .. كانت أصابع الاتهام تتجه فور حدوث أي مشكلة نحو الأقلية العربية والمسلمة مما استنفذ مني كل طاقة على الاحتمال
تمتمت :- لم أعرف بأن الحياة هناك صعبة إلى هذا الحد ..
قال ساخرا :- إنها كذلك حتى على الأمريكيين أنفسهم
:- أهذا ما عاد بك إلى هنا ؟
نظر إليها متأملا للحظة ثم قال :- كنت قد تخرجت من الجامعة لتوي عندما عدت إلى هنا في إجازة أخرى .. وفجأة .. المدينة المملة والقديمة لم تعد كذلك .. وجدتها هادئة .. نظيفة .. نقية .. سكانها دافئون ومتشابهون .. وجدت نفسي فيها فقررت البقاء .. عارض والداي في البداية ولكنهما تقبلا الأمر بعد إصراري .. فسعادتي هي كل ما يهمهما على أي حال .. كما أنهما فكرا بأنني بعد قضاء سنوات طويلة في الخارج أصبحت غربيا إلى حد مخيف .. وأنني بحاجة إلى قضاء بعض الوقت في مسقط رأسي وحيدا كي أعود رجلا من جديد
ابتسمت للهجته المتهكمة .. وفكرت بأن شابا بهذا الجسد الرجولي الكامل والجاذبية الشديدة .. والثقة بالنفس .. لا يفتقر إلى الرجولة أبدا
احمر وجهها لجرأة أفكارها .. وأبعدت بصرها عنه حتى لا يقرأها .. ثم سألته :- وكم مضى عليك من الوقت هنا ؟
:- سبع سنوات بالضبط
قالت بدهشة :- أقضيت كل هذه السنوات وحيدا ؟
:- ليس تماما .. يزورني والداي بين فترة وأخرى .. ولدي العديد من الأقارب هنا ممن يتسابقون للعناية بي .. وأصدقاء أوفياء .. لا ينقصني أي شيء في هذا المكان
أشار إلى الشارع الهادئ من حولهما وقال :- انظري إلى الأشجار .. والشوارع القديمة .. المباني المميزة بحجرها الأبيض .. استمعي إلى أصوات العصافير وثرثرة النساء من فوق الشرفات .. وضحك الأطفال وصيحاتهم وهم يلعبون الكرة على الرصيف أمام منازلهم .. استنشقي هواءه النظيف والعطر .. للشتاء هنا رائحة مميزة لا تتواجد في أي مكان آخر
تأملته بتأثر وهو مستغرق في أحاسيسه .. من النادر أن تقابل شخصا يعشق وطنه بهذا الشكل المعدي ..
ابتسمت ونظرت إلى السماء وقالت :- أنت محق .. حتى لون السماء هنا يكون مميزا في الشتاء
:- هذا صحيح
أحست بنبرة صوته الغريبة .. فنظرت إليه لتجد عينيه البنيتين تتأملانها بشغف .. قال برقة :- حياتي هنا كاملة تماما .. لا يتقصها إلا شيء واحد
احمر وجهها وأشاحت به باضطراب .. فقال بدفء :- تبدين جميلة جدا اليوم
قالت بارتباك :- توقف عن الكذب .. أعرف تماما بأنني أبدو بشعة
ضحك قائلا :- هل هذه إحدى الطرق الأنثوية للحصول على مزيد من الإطراء ؟.
قالت بانزعاج :- بالتأكيد لا
:- على أي حال .. أفهم مخاوفك .. ولكنك من النوع النادر الذي يبدو أجمل بكثير بدون زينة
تمتمت :- تدهشني قوة ملاحظتك .. فمعظم الرجال لا يميزون المرأة المتبرجة عن غيرها .. هي فقط أقل شحوبا وأكثر تألقا
هز كتفيه قائلا :- عملت لفترة خلال مراهقتي في بيع أدوات الزينة .. مما منحني بعض الخبرة
فكرت بغيرة بأن خبرته قد تكون نابعة من كثرة النساء اللاتي عرفهن في حياته.. من المؤكد بأن شابا وسيما بهذا الشكل .. ترعرع في بيئة غربية متحررة .. يقيم وحده دون قيود عائلية .. قد عاش حياته بالطول والعرض
وعندما طال صمتها لا حظ كيف كانت تعض على شفتيها وهي تفكر عابسة.. فقال مداعبا :-
:- أقرأ في عينيك أفكارا شريرة .. ألا تنوين مشاركتي بها
منحته ابتسامة باهتة وهي تقول :- ليست شريرة تماما .. كنت أفكر بأن حياتك حافلة بالكثير مما لا ترغب في قوله
تحاشى النظر إليها فعرفت بأنها قد أصابت كبد الحقيقة .. ولكنه لم يخفها بل قال:- لست مجنونا لألقي بكل ما لدي في لقاء واحد .. فأنا أعتمد على فضولك لأراك مجددا
رمقها بنظرة جانبية لاحظ خلالها ارتباكها فقال:- هل ظننت بأن لقائنا هذا سيكون الأخير ؟
نهضت واقفة وهي تقول متلعثمة :- أنا لا أعرف حتى ما دفعني للبقاء معك اليوم .. لابد أنني متعبة ولا أحسن التفكير جيدا
قال بهدوء :- معظم قراراتنا العفوية النابعة عن القلب تصدر في لحظات التعب والحزن .. لقد رافقتني لأنك رغبت بذلك . أنا لم أرغمك
تنهدت قائلة :- لا .. أنت لم ترغمني
في الواقع .. لقد أحبت رفقته .. كان مهذبا ولطيفا .. ومسليا بحديثه عن نفسه مما أنساها حزنها لبعض الوقت .. ولكنها ليست حمقاء .. تسليتها ليست كل ما أراده منها .. كما أنها تستطيع بسهولة أن تعرف بأنها تكن له مشاعر غير عادية رغم معرفتها القصيرة به
يجب أن يكون هذا لقائهما الأخير .. ولكن كيف ستقنعه بهذا إن كانت هي نفسها لا تتقبل الفكرة ؟
تمتمت أخيرا :- يجب أن أعود إلى البيت .. فلدي امتحان بعد 3 أيام وعلي التحضير له
وقف قائلا :- سأسير معك حتى سيارتك
أسرعت تقول 0:- هذا ليس ضروريا
ولكنه قال بلهجة متسلطة أخمدت كل اعتراضها:- سأرافقك وهذا ليس عرضا قابلا للنقاش
سارا معا بصمت هذه المرة .. كل منهما غارق بأفكاره .. تساءلت جودي عن ردة فعل طارق إذا عرف بتسكعها برفقة شاب غريب .. ولكنه غير مهتم بها .. لقد خرج من منزلها قبل أيام ولم تسمع بعدها عنه شيئا
لا يمكن لأحد أن يلومها لالتماسها المواساة والاهتمام من شخص آخر
ثم سخرت من الحجج الواهية التي بررت بها خيانتها لطارق ..أشارت إلى سيارتها لتدله عليها .. ثم فتحت الباب قائلة :-أشكرك على احتمال مزاجي السوداوي هذا اليوم .. كل من أعرفهم يهربون مني وكأنني الطاعون منذ أعلنت الحداد على أبي
لوى فمه بابتسامة جذابة وهو يقول بحنان :- كلما احتجت إلى أذن صاغية ..ستجدينني في انتظارك
ثم تذكرت شيئا وسألته :- على فكرة .. كيف عرفت بأنني امتلك سيارة ؟
ابتسم فقالت بسأم :- لا .. لا تقل شيئا .. لقد عرفت هذا من فريق الاستخبارات الذي أرسلته خلفي .. صحيح ؟
قال بهدوء :- الأمر أسهل مما تظنين .. ليس هناك طالب في الكلية لايعرف عنك ولو شيئا صغيرا يا جودي . وفي كلية ضخمة كهذه .. توقعي أن يكون لي صديق واحد على الأقل في كل قسم .. وهكذا لم يكن من الصعب جمع المعلومات عنك .. كما أنني عندما أرغب بشيء حقا فإنني أبذل المستحيل لأحصل عليه
اضطربت عندما التقت عيناهما . وأخبرتها نظراته بأنه قد عنا كل كلمة متملكة نطق بها .
قالت بخفوت :- أنت تخيفني يا تمام
قال بخفوت مماثل وهو يقترب منها :- لست أنا ما أخيفك يا جودي .. بل هي مشاعرك
ارتعشت عندما داعب صوته المثير حواسها . فهربت من قربه إلى داخل السيارة .. ثم أشار لها أن تفتح النافذة ففعلت .. مال نحوها ليقول :- سأكلمك لاحقا لنرتب لقائنا القادم
قالت بشموخ :- لا تكن متأكدا بأنني سأرد على تلك المكالمة
ضحك وكأنه يتسلى بمقاومتها وقال:- خلتك قد تعلمت درسك وأدركت جيدا يا عزيزتي بأنني عندما أعد بشيء فإنني أنفذ
لوح لها بيده .. ووقف بعيدا فوق الرصيف يراقبها تتصارع مع نفسها .. ومع محرك السيارة ثم تنطلق بسيارتها الصغيرة هربا منه .. ولكنه كان يعرف بأنها لن تجد منه مهربا
جودي قد خلقت له .. هذا ما عرفه منذ رآها أول مرة .. وهذا ما سيحدث










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-03, 18:12   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
دروب الياسمين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية دروب الياسمين
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

من أروع ما قرأت
جزاك الله خيرا و بارك فيك على الطرح المتميز










رد مع اقتباس
قديم 2015-03-30, 16:59   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
دمعة الامل
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية دمعة الامل
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

قصة رائعة

على حسب ما قرات اظن ان القصة لم تنتهي

ننتظر النهاية

والمزيد من التالق










رد مع اقتباس
قديم 2015-04-04, 18:38   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
lida laz
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

أنا من محبي الروايات كثيرا
شكراااااااااااااا جزيييييييييييييييلا لك










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-11, 20:15   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة carla 1998 مشاهدة المشاركة
من أروع ما قرأت
جزاك الله خيرا و بارك فيك على الطرح المتميز
و فيك بركة









رد مع اقتباس
قديم 2015-06-11, 20:19   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثاني عشر
المنبوذة


ما إن أوقفت جودي سيارتها أمام المنزل حتى ارتفع رنين هاتفها بإلحاح .. شاهدت رقم هاتف طارق فأحست وكأنها قد ضبطت متلبسة بعد وداعها لتمام .. رفعت الهاتف بتردد إلى أذنها ثم أجابت :- نعم
:- كيف حالك يا حبيبتي ؟ أنا آسف لأنني تأخرت في الاتصال حتى الآن .. لقد كنت غاضب من نفسي لتلبد أحاسيسي معك وقررت منحك الفرصة لتهدأي ويخف غضبك مني
استمعت بألم إلى اعتذاراته الحارة .. طارق لم ينسها كما ظنت .. أو كما أوهمت نفسها كي تبرر تواجدها مع تمام .. أجابته بهدوء لتطمئنه بزوال غضبها السابق .. ثم تحدثت معه عن امتحانها وتواعدا على اللقاء ثم أنهت الاتصال
أمضت لحظات طويلة تفكر وتأنيب الضمير يكاد يأكلها .. طارق لا يستحق أن تعامله بهذه الطريقة .. إنه إنسان مثالي .. وسيم ورقيق .. متفهم ومناسب لها تماما .. لن يكون والدها مسرورا إذا عرف بأنها تتسكع مع شخص معدم وتكرارها لخطأ أماني
عندما تذكرت أماني .. لاحظت سيارتها القديمة مركونة أمام المنزل .. وسيارة صلاح المناقضة لها تماما تقف خلفها .. عرفت بان شيئا سيئا يحصل .. فوجود أماني وصلاح معا في مكان واحد دون رفيق يعني المشاكل .. أسرعت تدخل إلى البيت وقد أعماها القلق ... فوجدت صلاح يجلس وحيدا في الصالة يخفي وجهه بيديه وقد بدا عليه الارهاق ..فسألته :- ما الأمر ؟ هل تشاجرت مع أماني مجددا ؟.
أزاح يديه فلاحظت تجهم وجهه فازداد قلقها أضعافا فصاحت :- صلاح .. قل شيئا .. ما الذي حدث ؟
قال باقتضاب :- لقد كان المحامي هنا منذ نصف ساعة
شحب وجهها .. وسقطت الكتب من يدها .. ألقت نفسها على نقعد قريب وهي تقول باضطراب :- هل .. هل عرفت ؟
أومأ برأسه إيجابا فأحست بالغرفة تدور من حولها .. لم تتوقع أن يحدث هذا بهذه السرعة .. ليست مستعدة بعد لمواجهة أماني بالحقيقة
تمتمت :- كيف تقبلت الأمر ؟
وقف قائلا بخشونة :- ماذا تتخيلين ؟ لن تركع تحت قدمي متوسلة بالتأكيد .. إنها في غرفتها تجمع أغراضها
قفزت واقفة وهي تقول مصدومة :- تجمع أغراضها ؟ لماذا ؟ إلى أين ستذهب ؟ هل ستتركها تذهب يا صلاح ؟
نظر إليها ببرود لعدة ثواني ثم قال :- لن تستمع إلى ما أقول .. أنت تعرفينها جيدا
قالت بحدة :- ستستمع إلى إذن
قفزت فوق الدرج بسرعة إلى الطابق العلوي ..ودخلت عبر باب غرفة أماني المفتوح حيث وجدتها منهمكة برمي أغراضها الخاصة داخل حقيبة كبيرة بحركات عنيفة وغاضبة .. وكأنها تفرغ غضبها بعملها هذا .. هتفت بها جودي :- ما الذي تفعلينه ؟
اعتدلت أماني لتواجهها .. فأجفل جودي لرؤية الغضب والألم في عينيها .. عرفت بأن أماني مجروحة في الصميم وتشعر بالخيانة .. وأنها تقاوم دموعها بتصرفاتها الجافة :- قالت بغضب :- وما رأيك ؟ إنني أجمع أغراضي لأترك المنزل لكما يا عزيزتي هنيئا لكما به
قالت جودي بحدة :- ليس هناك منا من يريد رحيلك
اقتربت منها أماني ولهيب عنيف يتراقص في عينيها وقالت :- بالتأكيد ترغبان ببقائي .. كما رغب أبي مشترطا زواجي بذلك المتعجرف .. وعيشي ذليلة تحت ظله وهذا لن يحدث حتى لو بت في الشارع
أحست جودي بالعجز وهي تقول بلوعة :- أنا لا أريدك أن ترحلي يا أماني .. ماذا سأفعل وحدي في هذا المكان بدونك
قالت أماني بشراسة وهي تتابع توضيب أغراضها داخل الحقيبة :- كان عليك التفكير بالأمر جيدا قبل أن تتحالفي مع الشيطان
أقفلت الحقيبة بعنف وأنزلتها من السرير .. ثم نظرت إلى جودي لتظهر الدموع الحبيسة في عينيها :- كيف استطعت فعل هذا بي يا جودي .. من بين كل الناس ظننتك الوحيدة التي تهتم لأمري وتفهمني حقا .. كيف أقنعك أبي بفعل هذا ؟
سالت دموع جودي وهي تقول :- لا أعرف .. لم أفكر لقد بدا لي هذا صوابا عندما تحدث إلي .. كل ما أردته هو الجمع بينك وبين صلاح في النهاية .. ظننت ....
قاطعتها أماني بحدة :- لقد خاب ظنك إذن .. لانني لن اتزوج صلاح .. ولن أبقى في هذا البيت اللعين لحظة واحدة
أمسكت بمقبض الحقيبة الثقيلة .. وجرتها خلفها خارجة من الغرفة ..
لحقت بها جودي قائلة بانهيار :- استمعي إلي على الأقل قبل أن ترحلي
ولكن أماني الثائرة تابعت طريقها .. ودوى صوت سقوط الحقيبة من درجة إلى أخرى حتى وصلت إلى الطابق الأرضي حيث كان صلاح في انتظارها
كان يقف في منتصف الصالة .. مباعدا بين ساقيه .. وقد دس يديه داخل جيبي سرواله الأنيق يراقبها بهدوء .. وقفت أمامه وهي تلهث بانفعال .. ثم قالت ببغض :- لقد نجحت في مسعاك يا صلاح .. فرقت بيني وبين أبي .. وزرعت الكراهية داخله نحوي حتى مات على هذا .. وفي النهاية فعل ما رغبت به دائما .. وترك لك كل شيء
هز رأسه قائلا بهدوء :- الثروة لم تكن هدفي أبدا يا أماني .. تعلمين جيدا بأنني لست بحاجة إليها .. فلدي ما يكفي من أموالي الخاصة .. كما أنني أرث الجزء الأكبر من تركة عمي بحكم القانون .. أما الباقي .. بمعزل عما تركه لجودي .. ويتضمن نصف هذا المنزل فهو تحت عهدتي حتى تعودي إلى رشدك
نظرت إليه بجمود دون أن تقول شيئا فأكمل :- لقد سبق وتحدثنا في الأمر يا أماني .. في اليوم الذي سيعقد فيه قراننا سأعيد إليك حقوقك كاملة بالإضافة إلى المهر الذي تطلبينه
مطت شفتيها بازدراء قائلة :- أنت تقرفني
عادت تجر الحقيبة نحو الباب .. فصاح من خلفها بحدة وقد فقد هدوءه أخيرا :- ستعودين يا أماني عندما تكتشفين بأن الحياة في الخارج ليست مبهجة أو سهلة إلى الحد الذي تظنينه .. وأن امرأة وحيدة بدون رجل يحميها ويعيلها لن تستمر طويلا
وقفت للحظات دون أن تنظر إليه أو تعلق على كلماته .. ثم تابعت طريقها نحو الباب وغادرت بصمت .. عندها .. انفجرت جودي باكية .. أما صلاح فقد بدا غاضبا وهو يمسح وجهه بيده ثم يستدير نحو جودي قائلا بعصبية :- ستعود في النهاية .. لابد أن تعود
ثم غادر بدوره دون انتظار جواب جودي .. التي انهارت وقد اجتاحها إحساس كئيب للغاية بالوحدة
الوحدة الحقيقية هذه المرة





الفصل الثالث عشر
يتيمة مجددا


راقبت سمر يدي أماني المرتعشتين وهما تحملان فنجان الشاي الذي تصاعد منه البخار .. ثم قالت عابسة :- أنت لن توقعي الفنجان على الأرض .. صحيح ؟ إنها فناجيني المفضلة
انتبهت أماني لما تفعله .. ووضعت الفنجان فوق المنضدة قائلة :- أنا آسفة .. من الصعب علي السيطرة على
أعصابي
قالت سمر بتعاطف :- أفهمك .. لابد أن صدمتك كانت عنيفة عندما علمت بما فعله أبيك
ترقرقت دمعتين ساخنتين في عيني أماني .. سرعان ما مسحتهما بظهر يدها وهي تقول :- لم تهمني أمواله قط .. أنت تعرفين بأنني لم آخذ منه قرشا منذ سنوات .. لو كان الأمر بيدي لتركت منزله منذ سنوات .. ولكنني مازلت لا أصدق نبذه ورميه لي في الشارع لأجل صلاح مجددا .. لقد أثبت حتى بعد وفاته أن صلاح قد كان المفضل لديه على الدوام
قالت سمر باهتمام :- أهذا هو سبب كرهك له ؟ أنه أخذ مكانك في حياة أبيك ؟
زفرت أماني بقوة .. ونهضت إلى النافذة المطلة على الشارع الذي لم يتوقف صخبه رغم تأخر الوقت .. وتمتمت :- إنه أحد الأسباب .. لم يخف والدي يوما خيبة أمله عندما أنجبتني أمي .. كان يريد صبيا يعتمد عليه ويورثه أعماله واسم عائلته ... وعندما أنجبت أمي جودي .. وأكد الطبيب عدم قدرتها على الإنجاب مجددا فقد أمله في الحصول على وريث ... خاصة أنه لم يفكر قط في الزواج مرة أخرى .. عندها بدأ يكيف نفسه مع الفكرة
التفتت نحو سمر التي كانت تستمع إليها باهتمام وأكملت :- ولكن الأوان كان قد فات لعلاج الكسر الذي خدش علاقتي به بعد سنوات من إبعاده لي عنه .. كنت كبيرة بما يكفي لأفهم بأنه لم يحببني كما يجب .. ولم يمنحني ما يكفي من الاهتمام .. في ذلك الوقت .. ظهر صلاح في حياتنا ..
.. مازلت تذكر ذلك اليوم الذي توفي فيه عمها تاركا زوجته وابنه الوحيد تحت عهدة شقيقه .. كان صلاح في العاشرة من عمره فقط
قالت بجفاف :- بكل سهولة اعتبره أبي الابن الذي لم ينجبه .. ومنحه كل الاهتمام والرعاية .. وفي الوقت نفسه كانت جودي الصغيرة تحظى بالدلال والحب وكأنه أراد أن يعوض معها ما فاته معي .. فكبرت بعيدة عنه دون أن أدرك .. لم أعرف بأنني لم أعن له الكثير إلا في السنوات الأخيرة .. والآن بعد وفاته .. تأكدت من هذا
قالت سمر :- ولكن صلاح وعدك بإعادة كل شيء إليك إذا تزوجت به .. هل ستتخلين عن حقك لمجرد أن غيرة طفولية حمقاء تمنعك من الزواج من ابن عمك
صاحت أماني بغضب :- لم تكن مجرد غيرة
يا إلهي .. لن تفهم سمر كم تكره أماني صلاح لأنها لن تستطيع إخبارها عن سنوات المراهقة التي قضتها خائفة من نظراته الوقحة والمهينة .. وتحرشاته بها دون أن يردعه أحد .. لقد أعلن والدها منذ طفولتها بأنها ستكون لصلاح ذات يوم .. ولم تدرك مدى جديته حتى صارحته قبل خمس سنوات عن علاقتها بفراس
قالت بصرامة :- إنها مسألة مبدأ أيضا .. الرضوخ لصلاح يعني قضاء ما تبقى من حياتي تحت رحمته وإذلاله .. كوني واثقة بأنه لن يتردد في الثأر لكرامته من رفض ي الطويل له وذلك بمعاملتي السيئة
عادت تجلس أمام سمر قائلة بإرهاق :- أكثر ما صدمني هو موقف جودي .. لم أتخيل أن تقف مع أبي ضدي وأن تشاركه في خطته
غمغمت سمر :- من الأفضل أن تتفهمي موقفها يا أماني .. فهي عائلتك الوحيدة الآن .. أعتقد بأنها قد تعرضت لضغوط كبيرة من والدك خلال مرضه فلم تستطع خذلانه .. .ربما ظنت بانها تفعل هذا لصالحك ..ألم تخبريني بأنها على اتفاق مع صلاح ؟
أومأت أماني برأسها مستسلمة .. فهي لم تستبعد حسن نية أختها .. ولكنها لن تتمكن من مخاطبتها حتى يهدأ غضبها .. وتبدأ بترتيب أمورها على الأقل
قالت سمر بجدية :- ما الذي تخططين لفعله الآن ؟
:- سأبدأ البحث عن مكان أقيم فيه بالتأكيد .. علي أن أثبت لصلاح بأنني لا أحتاج إليه أو لأموال أبي لأعيش .. أعرف بأن الطريق سيكون صعبا .. فلم يسبق لي أن عشت وحدي .. أو تحملت مصاريف كبيرة كإيجار بيت .. وفواتير كهرباء وماء .. أو حتى الإنفاق على طعام وشراب .. ولكنني امرأة ناضجة وعاملة ومستقلة .. أظنني سأنجح في النهاية
بد واضحا من طريقتها في الكلام بأنها تحاول إقناع نفسها قبل أن تقنع سمر .. أدركت سمر مخاوفها وقالت بلطف :- وأنا سأساعدك يا أماني .. شجاعتك هذه تلهمني كثيرا .. أنت تذكرينني بأختي .. والدة هشام .. لقد كانت محاربة مثلك تماما . تحملت الكثير وقامت بالكثير حتى كبر ابنها واستلم المسؤولية .. يمكنك البقاء معي كبداية حتى ترتبي أمورك
قالت أماني بحرج :- لا .. لن أثقل عليك بمشا.......
قاطعتها سمر بحزم :- أنت لا تثقلين علي .. بل تخدمينني بالبقاء معي في هذا البيت الخالي خلال غياب زهير .. سنتسلى كثيرا ونقضي وقتا ممتعا
عرفت أماني بأن هذا هو السبيل الوحيد أمامها .. على الأقل حتى تجد مكانا مناسبا يأويها .. وهذا سيستغرق منها وقتا
قالت لسمر بامتنان :- لا أعرف كيف سأرد لك جميلك هذا يا سمر
نهضت سمر قائلة :- سأجد طريقة بالتأكيد .. بداية .. يمكنك مساعدتي في إعداد العشاء .. ألست جائعة مثلي؟
ثم سبقتها إلى المطبخ .. فكرت أماني بأنها محظوظة على الرغم من جميع مشاكلها لوجود أشخاص بحنان وطيبة سمر في حياتها
أحست بمعنوياتها ترتفع من جديد .. ثم لحقت بسمر إلى المطبخ







تململت أماني بانزعاج فوق الأريكة التي تحتلها في منزل سمر منذ أسبوع .. وحاولت أن تصم أذنيها عن صوت الجرس الذي أخذ يدوي في أنحاء الشقة بإصرار .. قفزت في النهاية مستيقظة وهي تصيح بسخط :- أي لعين هذا ؟
كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا .. .فكرت بأنها قد تكون سمر التي أخبرتها ليلة الأمس بأنها ستضطر للخروج في وقت باكر للغاية لتلحق بموعد ما
زحفت من فوق الأريكة وهي تفرك عينيها الناعستين .. ليس من العدل أن توقظ بهذا الشكل المزعج صباح يوم الجمعة المقدس لديها .. لقد اعتادت كل أسبوع على أن تكرس هذا اليوم للنوم والراحة .. فلا تستيقظ قبل الظهر
فتحت وهي تتساءل عن سبب عدم استعمال سمر لمفتاحها .. ثم تجمدت مكانها وهي تجد آخر شخص توقعت أو أرادت رؤيته في هذا الوقت
كان هشام عطار واقفا وقد أسند ظهره إلى حافة سياج الدرج المعدني .. وقد بدا ضجرا بعض الشيء وهو يحمل بضعة أكياس بلاستيكية .. اعتدل في وقفته وقد ارتسمت الصدمة في عينيه هو الآخر عندما رآها .. جمد كل منهما وهو ينظر إلى الآخر بارتياب وتردد .. سرعان ما أبعد هشام عينيه وهو يقول بغلظة :- أين سمر ؟
توترت وقد اشتدت أصابعها حول مقبض الباب وهي تقول :- لقد خرجت قبل ساعات
قطب وقد بدا عليه الانزعاج .. أما هي .. فقد حرك ارتباكها داخلها رغبة شريرة في صفق الباب في وجهه .. ولكنها لم تجرؤ .. فهو رئيسها من جهة .. وابن اخت سمر من جهة أخرى .. هدأتها نوعا ما فكرة عدم دخوله إلى الشقة بينما هي وحيدة فيها .. ولكنه نظر إلى وجهها مطولا يتأمل الكائن المشوش الذي كانت في تلك اللحظات .. فسرت عبوسه على أنه غضب واستنكار لوجودها في بيت خالته .. قال بفظاظة :- هل أستطيع إدخال حمولتي إلى المطبخ على الأقل ؟
السلطة ونفاذ الصبر في صوته ذكراها بأنه رئيسها في العمل .. وعندما نظرت إلى الأكياس الثقيلة .. وجدت نفسها تتراجع مرغمة .. مفسحة له الطريق
انكمشت عندما مر إلى جوارها .. وكاد جسده الضخم يحتك بجسدها .. أحست بما يشبه عاصفة دافئة تلفحها .. عاصفة مشبعة برائحة عطر رجولي خفيف .. حبست أنفاسها .. وكبتت نوبة سعال قوية لم تطلق لها العنان حتى غاب في المطبخ
أحست بدوار خفيف جعلها تستند إلى الجدار للحظات .. لطالما كانت رائحة العطور تسبب لها الحساسية .. ولكن ليس الدوار والضعف .. وبالارتعاش في ركبتيها حتى تعجزان عن حملها
استعادت توازنها بسرعة .. ولحقت به إلى المطبخ .. وضع الأغراض فوق الطاولة الخشبية التي توسطت المكان .. واستدار إليها فلاحظ توترها الشديد فزفر قائلا بضيق :- لا تقفي هكذا وكأنني جئت لافتراسك .. لقد اعتدت المرور على سمر صباح كل جمعة قبل الصلاة .. لو عرفت بأنك هنا لما جئت على الإطلاق
لم تستغرب جهله .. فهي من طلب من سمر ألا تخبر أحدا .. وبالذات هو عن إقامتها المؤقتة في شقتها .. لم تجد ما تعلق به على كلامه سوى فرك يديها بعصبية .. لاحظت بأنه ينظر إليها متأملا إياها من رأسها حتى أخمص قدميها .. وقد ضيق عينيه السوداويين اللتين ومضتا بتعبير غريب لم تفهمه .. تورد وجه أماني عندما أدركت بأنها ترتدي منامة وردية اللون برسومات طفولية تزين صدرها .. واسعة للغاية بحيث غطت الأكمام الواسعة يديها .. أما شعرها فقد تناثر حول وجهها بفوضوية .. أما وجهها فهو منتفخ بالتأكيد كأي شخص قد استيقظ لتوه من النوم .. يا إلهي .. إنها تبدو مريعة .. أمام هذا الاكتشاف قالت بارتباك :- بالإذن
انسحبت بسرعة إلى غرفة سمر حيث مازالت حقيبة أغراضها الممتلئة قابعة في الزاوية .. أخذت نفسا عميقا كي تسيطر على أعصابها .. ثم أخرجت من الحقيبة أول ما وجدته يداها وكان سروالا من الجينز وكنزة زرقاء .. مشطت شعرها بسرعة .. ومنعت نفسها بصعوبة من وضع شيء من الزينة على وجهها كي لا يظن فعلها هذا متعمدا لتلفت نظره
وعندما عادت إلى المطبخ .. وجدته يفرغ الأكياس الممتلئة بالفواكه والخضروات وبعض المستلزمات المنزلية .. استغلت فرصة انشغاله لتنظر إلى ظهره العريض الذي كساه معطف جلدي أسود فوق سروال من الجينز الغالي الثمن التصق بساقيه الطويلتين مما أظهر بنيته القوية والرياضية
شعرت بالتوتر والعصبية .. فمظهره البسيط والبعيد عن رسميته المعتادة أشعلت لديها إحساسا غامضا بالخطر .. لم تتخيل أبدا أن رجلا كهشام عطار قد يقوم بعمل إنساني للغاية كترتيب البقالة .
شعر بوجودها اخيرا .. فالتفت إليها ليضبطها تراقبه .. تورد وجهها وهي تشيح به بعصبية .. فنظر إليها مليا . يتأمل هيئتها الجديدة التي لم تكن أفض بكثير من تلك التي فتحت له الباب
شعرت بالسخط لإحساسها بالنقص .. لطالما كانت أناقتها هي مفتاح ثقتها وقدرتها على مواجهة الغير .. أما الآن .. فهي تشعر بالعجز أمام عينيه القاسيتين .. عاد يتابع عمله وهو يقول بهدوء :- حسنا .. ألن تخبرينني بما تفعلينه هنا ؟
كانت تتمنى ألا يسأل .. ولكنه ليس مهذبا إلى هذا الحد ..قالت بتوتر :- كنت في زيارة لسمر .. فدعتني لقضاء الليلة معها
ترك ما بيده واستدار يواجهها قائلا :- أنا لا أصدقك .. فتلك المنامة المزينة بالفئران ليست لسمر بالتأكيد رغم غرابة أطوارها .. ولا أظنك تتنقلين عادة مع ملابس نوم احتياطية للطوارئ
غضبت لسخريته الباردة وقالت بحدة :- حسنا .. أنا أقيم مع سمر لبعض الوقت .. هل يزعجك هذا؟
قال بصرامة :- لا يزعجني إن لم يسبب المشاكل لسمر
هتفت باستنكار:- لماذا تظن بأنني قد أسبب المشاكل لسمر ؟ إنها صديقتي
قال بامتعاض :- وكأن أمثالك يعرفون معنى الصداقة أو حتى العاطفة .. إن لم تهتمي لوفاة والدك فلماذا تهتمين بامرأة لا تربطك بها قرابة ؟
ذكره لوالدها بهذه الطريقة جعل دمها يفور .. صاحت بغضب :- أنت لا تعرف عما تتحدث
:- بل أعرف تماما ما أتحدث عنه .. الكل يتحدث عن برودك ولا مبالاتك بعد وفاة والدك .. لم يظهر عليك أي أثر للحزن .. وكأنك كنت تنتظرين وفاته .. لقد رأيتك بأم عيني تتسللين من الجنازة وقد أهقك الادعاء والتمثيل
قالت مصدومة :- هل كنت هناك ؟
قال ساخرا :- هل تصدقين بأنني أهتم لحضور جنازة رجل لم أقابله سوى مرة أو مرتين أكثر من ابنته البكر ؟ ما الذي خرجت تفعلينه في ذلك الوقت المتأخر ؟ لن أصدق بأنك خرجت تبتاعين المناديل بعد أن أفرغت ما لديك بالدموع
كلماته جرحتها كأي شخص يتحدث إليها عن والدها مؤخرا .. ولكنها قالت ببرود :- لا شأن لك بي
عقد ساعديه أمام صدره وقال بقسوة متجاهلا تصريحها :- بالتأكيد ليس لهذا الغرض .. فأنا لا أظنك تعرفين ماهي الدموع .. ولكن موقفك ذاك يجيب عن تساؤلات الجميع حول سبب حرمان والدك لك من الميراث
تجمدت وأحست كمن صفع على وجهه وقد صدمها أن يعلم هو بالذات عن هذا .. قال ساخرا:- ليس هناك من يجهل القصة في المدينة .. ولكن أظنني الوحيد الذي لم يستغربها .. فالأسباب التي تدفع أبا لمثل هذا التصرف مع ابنته محدودة ومعروفة .. وأخجل حتى من ذكرها .. ولكن حسب معرفتي بك .. لا أستبعد أحدها
قالت وقد خنقتها غصة مؤلمة :- أنت لا تعرفني
قال بصرامة :- سمر لا تعرفك أيضا .. ولا تعرف بأنك تستغلينها بعد أن فقدت معيلك وما كنت تعتمدين عليه لتتابعي أي كان ما كنت تقومين به .. وسبب تبرؤ والدك منك .. وأنا لن أسمح لك بهذا .. إنها أطيب من أن تدرك ألاعيبك وخبثك
صاحت انفعال :- سمر امرأة ناضجة .. تستطيع الحكم على الأشخاص بنفسها دون مساعدة منك
هز رأسه مؤكدا :- كثير من الأشخاص قد يغرهم جمال وجهك .. وبراءة ملامحك .. ولسوء حظك .. أنا لست منهم
ترقرقت الدموع في عينيها قبل أن تستطيع التحكم بمشاعرها . أدهشها ارتباكه لرؤية دموعها الحبيسة .. فقد صرح لتوه عن بأنها لا تعرف كيف تبكي .. ولكنها حافظت على برودها وهي تقول ببرود :- سأبلغ سمر بمرورك
وعندما رغبت بترك المطبخ قال من خلفها بخشونة :- أنا لم أمزح عندما حذرتك من إزعاج سمر
لم تستطع النظر إليه خشية أن يلاحظ ألمها .. وعندما تكلمت .. خرج صوتها مرتجفا بالرغم منها وهي تقول :- لا تقلق .. لن أبقى هنا طويلا
هرعت إلى غرفة النوم وأغلقت الباب خلفها .. ذرفت الكثير من الدموع وهي تسمع صوت انصفاق الباب الخارجي .. يجب أن تضاعف جهدها في البحث عن مكان تقيم فيه .. فبعد مواجهتها المهينة مع هشام عطار لن تستطيع البقاء أكثر في منزل خالته .. على قلبها فجأة بكل الحقد والكراهية اتجاه هشام عطار الذي جعل هدف حياته الجديد سلبها أعز صديقاتها .. في الواقع سمر كانت صديقتها الوحيدة .. مما جعلها تشعر وهي على وشك فقدانها وكأنها قد باتت يتيمة مجددا


استيقظت جودي من شرودها عندما قال لها طارق :
:- إلى متى ستستمرين بالعبث بطبقك دون أن تأكلي لقمة ؟
اعتدلت وقد لاحظت بأنها تقلب الطعام فوق طبقها بشوكتها منذ دقائق ثم قالت بحرج :- أنا آسفة .. لقد كنت غارقة في أفكاري
اقترب النادل ليرفع بقايا الطعام من فوق الطاولة وعندما ابتعد قال طارق :- وماهي هذه الأفكار التي استحقت أن تنسي ما حولك لأجلها ؟
تورد وجهها .. وتخيلت ردة فعله إن علم بأن الجزء الأكبر من أفكارها كانت موجهة نحو رجل آخر .. رجل لم تسمع عنه شيئا منذ أيام .. ومع هذا لا تمر لحظة دون أن تستعيد صورة وجهه في ذاكرتها ونبرة صوته وهو يحدثها عن طفولته وأحلامه .. ثم قررت أن تطلعه على الجزء الآمن من أفكارها وفالت :-
:- أفكر بأماني
تنهد قائلا :- إلى متى ستظلين تلومين نفسك على ما حدث ؟ انسي الأمر .. وفكري بأنه ماكان يجب أن يحدث منذ زمن طويل
توترت وقالت بحدة :- ماذا تقصد ؟
اتكأ على الطاولة بمرفقيه وقال :- لقد حان الوقت لتتحمل أماني عواقب أفعالها .. لقد كانت خياراتها على مدى سنوات متهورة وخاطئة .. عليها أن تتعلم بأن الحياة لا تسير دائما حسب أهوائها
شعرت بالانزعاج كما في كل مرة يهاجم فيها أماني .. لقد سبق وأوضح لها بأنه يعتبر أختها الكبرى غبية وحمقاء .. وإنسانة صعبة المراس .. وأن صلاح يستحق من هي أفضل منها .. بدأت تندم على قبولها دعوته إلى الغداء احتفالا بإنهائها لامتحاناتها .. لقد ظنت بأنها ستقضي أخيرا وقتا ممتعا .. وتحظى ببعض السلام .. قالت بجفاف :- لا يمكنك الحكم على الأمور من مجرد كرهك لموقفها من صلاح
قال بهدوء :- ليس هذا فقط .. بل تلك القصة الصغيرة لها مع ذلك المدعو فراس
حدقت به مصدومة وهي تقول :- لم يعلم أحد بتلك القصة
هز كتفيه قائلا :- لم أكن يوما أي أحد .. أم تراك نسيت بأنني كنت زميلا لأماني في نفس الكلية .. كنت أسبقها بعامين .. وهذا يعني أن فراس كان زميلي في السنة الدراسية نفسها
ثم مط شفتيه قائلا بازدراء :- الكل كان يعرف أي شاب أناني وجشع كانه فراس .. لقد دهشت كما دهش غيري عندما خدعت به فتاة بذكاء أماني
قالت بانفعال :- لقد كانت صغيرة في ذلك الوقت
:- كانت في مثل سنك الآن تقريبا .. ولكنك أعقل من أن تخدعي من قبل شاب معدم طامع بك كفراس .. صحيح ؟
شحب وجهها واضطربت وهي تبحث في وجه طارق عن أي علامة تدل على علمه بما يحدث لها مع تمام .. ولكنه انشغل تماما عندما أحضر له النادل الحساب
ولكنه لم يكن يعرف .. وكلماته هذه لم تعن شيئا .. انه شعورها بالذنب ولد لديها كل هذه الشكوك والمخاوف
ما إن ابتعد النادل حتى ابتسم لها طارق قائلا :- لم نأتي إلى هنا كي نتحدث عن أختك أو نتشاجر .. بل لنحتفل .. ولنستمتع بوقتنا .. إلى أين تحبين أن نذهب الآن .. لقد سبق وألغيت كل ارتباطاتي كي أقضي بقية المساء معك
لو أن عرضه هذا جاء قبل أسابيع قليلة لسعدت به وصفقت فرحا .. ولكنها لم تستطع أن تبتهج هذه المرة .. لن تتمكن من التظاهر بإخلاصها الفكري نحوه .. لأنها ومعه بالذات تجد أفكارها متجهة نحو رجل آخر مختلف تماما .. رجل معدم قد يكون طامعا بها كما قال طارق بالضبط
تمتمت :- لا أشعر بأنني بخير .. أرغب في العودة إلى البيت








الفصل الرابع عشر
وحيدة ومرتبكة


لم تعرف جودي كم قضت من الوقت وهي تذرف الدموع فوق وسادتها .. ولكن صوت الخادمة نبهها إلى تأخر الوقت بقولها من خلف الباب :- جودي .. ألن تتناولي العشاء إنه جاهز منذ ساعة
رفعت رأسها لتصيح :- لست جائعة
استمعت إلى صوت خطوات الخادمة تبتعد ثم تنهدت مدركة أنها يجب أن تكون ممتنة لوجود من يهتم بها في هذا البيت الكبير الخالي .. حتى لو كان هذا الإهتمام مشروطا بأجر
رفعت هاتفها المحمول وقاومت رغبتها في معاودة الاتصال بأماني مدركة بانها سوف تتجاهلها كما تفعل منذ أسابيع .. مازالت غاضبة منها وهي محقة في غضبها .. فما فعلته جودي بالتواطؤ ضدها لا يغتفر .. اليوم بالذات بعد غدائها الفاشل مع طارق ازداد اكتئابها بعد أن تأكدت من مشاعره السلبية اتجاه أماني .. مالذي سيحدث بعد أن يتزوجا ؟ قد لا يسمح لها برؤية أماني بحدة قلقه من تأثيرها السيء عليها .. مجرد التفكير بأن طارق هو المسيطر تماما في علاقتهما تزعجها كثيرا .. خاصة إن أدت هذه السيطرة إلى التغيير من طباعها والتحكم حتى بمشاعرها .. وعلاقتها بأختها .. ولكنها لا تجرؤ على مصارحته بمخاوفها
ارتفع رنين هاتفها فاختطفته دون تفكير وأجابت بانفعال :- أماني ؟؟؟
ولكن الصوت الذي أجابها جعل جسدها يرتعش بردة فعل تلقائية عندما سمعته يقول :- آسف لتخييب أملك
أحست بمزيج من السعادة والإثارة والتوتر لسماع صوته فقالت بخفوت :- تمام
شعر باكتئابها وكأن سماع صوتها كافي ليقرأ سريرتها .. فقال :- هل أتصل في وقت غير مناسب .. ألديك رفقة ؟
اعتدلت جالسة فوق السرير وأسندت ظهرها إلى الوسائد الوثيرة وهي تجيب :- لا .. لقد كنت على وشك الخلود إلى النوم
ولكنها لم تخدعه .. إذ بدا قادرا على قياس مشاعرها عبر أسلاك الهاتف وكأنه يراها .. قال بهدوء :-
:- ما الذي حدث ؟ أهي ذكريات والدك مجددا ؟
تنهدت قائلة :- ليست هي هذه المرة
:- هل يتعلق الامر بالمكالمة التي كنت في انتظارها ؟ من تكون أماني ؟
أدركت بأن الأفكار المختلفة سوف تغزو رأسه فور أن قالت له :- أختي الكبرى
قال بدهشة :- ألا تقيم معك ؟ أهي متزوجة ؟
:- إنها قصة طويلة
:- ألا تستطيعين إخباري بها ؟ ليس لدي ما يشغلني سوى الاستماع إليك
صمتت للحظات تفكر بأن الوقت ما زال مبكرا على الثقة به .. فقالت وقد ظهر الإحباط والحزن في صوتها أكثر وضوحا هذه المرة :- لا .. لا أظن هذا
صمت بدوره قليلا.. فتسائلت إن كان قد غضب .. ولكنه قال فجأة بصوت يفيض بالعاطفة :- لقد اشتقت إليك
ردت ببرود :- حقا ؟
ارتفعت ضحكته الرجولية الرقيقة فدغدغت حواسها .. وجعلت قشعريرة باردة تجتاح جسدها
قال :- حسنا .. لا ألومك على غضبك مني .. ولكنني تعمدت التأخر في الاتصال بك حتى تنهي امتحاناتك .. لم أرغب بإلهائك عنها
لم ترغب في إظهار غضبها من تجاهله لها .. ولكن كلماته أرضتها .. كما أنه كان محقا .. فما كانت لتدرس حرفا إذا استمرت بسماع صوته ورؤيته
:- على ذكر الامتحان .. كيف أبليت ؟
:- ماذا تتصور ؟ سأكون محظوظة إن نجحت بمادة أو اثنتين
قال برفق:- لن يلومك أحد على هذا .. فظروفك هذا الفصل لم تكن جيدة
قالت ساخرة :- أنت الوحيد الذي يمنحني الأعذار .. فكل من حولي يتصيد لي الأخطاء ويتوقع مني متابعة حياتي كما كانت وأفضل بكل بساطة
:- أظنهم يتألمون لرؤيتك حزينة
تمتمت :- وعصبية أيضا هذه الأيام
:- بسبب القصة الحزينة التي ترفضين إخباري بها
قالت بضيق :- إنه حقا موضوع مزعج .. لقد خرجت لتوي من نقاش حوله لم يزدني إلا غما .. لست مزاج مناسب لأناقشه مجددا
غمغم مفكرا :- هممممم . إذن .. علي أن أعدل مزاجك كي تفتحي قلبك لي
قالت بحذر :- ماذا تعني ؟
قال فجأة :- إخرجي معي غدا .. وأعدك بأنك ستنسين كل همومك مع نهاية اليوم
ارتبكت لعرضه المفاجئ وقالت :- لا أظنني أستطيع الخروج معك
:- لماذا ؟ .. حسب ما أعلم .. ليس لديك ما يشغلك خلال الأسابيع المقبلة
بحثت داخل عقلها عن أي عذر ترفض به .. ولكن عقلها لم يستجب .. فقد كانت كل أفكارها وأحاسيسها مشوشة ومرتبكة شوقا لفكرة لقاءه
شعرت بابتسامة الانتصار على شفتيه الجميلتين دون أن تراه وهو يقول :-
:- من الواضح أنك لا تستطيعين إيجاد مانع .. سأراك غدا في تمام الساعة العاشرة صباحا .. سأمر لأخذك بسيارتي
قالت باضطراب :- أنت لا تعرف عنوان منزلي
:- أنت ستعطينني إياه
هتفت بعناد :- لن أفعل
قال وقد سره عنادها :- إذن سأجوب المدينة بسيارتي وأنا أحمل مكبر الصوت وأناديك صارخا في كل مكان أمر به حتى تظهري
هتفت بحدة :- أنت لن تفعل هذا
قال باستمتاع :- هل تراهنين ؟
زفرت بقوة ثم قالت بغيظ :- لا تزعج نفسك .. سأنتظرك أمام بوابة الجامعة
صمت للحظات وكأن عدم ثقتها به قد جرحته .. ولكنه قال بهدوء :- لا بأس .. سأراك هناك .. تصبحين على خير
وضعت جودي الهاتف مكانه .. وبالرغم من صوت العقل الذي أخذ يوبخها على استسلامها لعرضه
.. إلا أ، كل خلية في جسدها كانت تصرخ شوقا للقاءه .. انتصرت غريزتها على صوت العقل.. واستسلمت لسرورها الذي لم تشعر به منذ أسابيع طويلة .. وعندما نامت أخيرا كانت تبتسم هذه المرة










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-11, 20:22   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الخامس عشر
على باب القدر

قرعت أماني باب شقة سمر وانتظرت شاردة الذهن للحظات حتى فتحت لها سمر الباب .. صحت من أفكارها فورا عندما لاحظت وجه سمر المتورد .. والسعادة الواضحة في عينيها المشرقتين .. وقبل أن تعتذر عن تأخرها سحبتها سمر إلى الداخل قائلة بحماس :- لن تصدقي ما حدث .. لقد عاد زهير . أخذ إجازة قصيرة من الجامعة وقرر مفاجأتي .. الماكر العزيز .. لا أستطيع وصف سعادتي لك .
دخلت أماني إلى غرفة الجلوس بحرج .. فوقف الدكتور زهير.. الرجل الأربعيني مليح الوجه .. ذو الشعر الخفيف الذي يغطي رأسه .. وحياها بتحفظ ..
وبعد قليل كانت تساعد سمر في المطبخ أثناء إعداد العشاء تستمع إلى ثرثرتها وهي تقطع الخضار :- ذلك الماكر هشام .. هل تصدقين بأنه من أقنع زهير بالعودة بعد أن أخبره بأنني أحتاج إلى مفاجآت سارة بين الحين والآخر
لم تستطع أماني الاستماع إلى المزيد .. إنه ذلك المسخ الذي تعمل تحت إمرته .. هو من خطط لهذا كي يجبرها على مغادرة شقة خالته .. هتفت فجأة لتقطع حديث سمر :-
:- لقد وجدت هذا النهار شقة تناسبني .. سأنتقل إليها في الحال يا سمر
ارتبكت سمر وتوقفت عن عملها وهي تقول :- لماذا ؟ هل لعودة زهير أي علاقة برحيلك ؟ يجب أن تعرفي بأن بقاءك هنا لا يسبب أي مشكلة لنا .. أنا وزهير نرحب بك دائما
قالت أماني بهدوء :- لا علاقة لدكتور زهير برحيلي .. لقد صدف أن وجدت الشقة المناسبة خلال استراحة الغداء لهذا اليوم .. لقد وقعت عقد الايجار وصاحبها ينتظرني بعد ساعة ليسلمني المفتاح
بدا على سمر الاستعداد لمناقشتها في الأمر .. فأسرعت أماني نقول بانزعاج :- لا تبدأي بالإلحاح ..كنت سأنتقل للإقامة في مكان آخر في جميع الأحوال .. كما أنني أرغب في الاحتفاظ بعملي قبل أن ....
بترت عبارتها قبل أن تفصح عن أكثر مما أرادت .. قالت سمر باستنكار :- عملك ؟ لماذا ؟ أنا لا أ فهم علاقة ...
صمتت وقد اتسعت عيناها بفهم .. وقالت مصدومة :- هل لهشام أي علاقة بقرارك هذا؟
ابتعدت أماني بضيق من زلة لسانها .. صاحت سمر بحدة :- أماني .. أجيبيني حالا .. هل أرسل هشام بطلب زهير كي يحملك على الرحيل ؟.. ولكن لماذا يفعل هذا ؟
تنهدت أماني .. وجلست فوق مقعد خشبي قريب .. ووجدت نفسها تحكي لسمر عن حوارها الأخير مع هشام .. ثم أعقبت بقولها :-تصرفه كان طبيعيا بعد موقف أبي مني .. إنه قلق عليك فقط .. هو لا يعرفني جيدا كي لا يتأثر بما بدأ الناس بتداوله عني
صمتت سمر للحظات ثم تلفتت حولها بحثا عن مقعد آخر .. وعندما جلست مقابل أماني قالت متنهدة :-
:-لطالما كانت غريزة الحماية لدى هشام عنيفة .. خاصة فيما يتعلق بأحبائه وهم ليسوا كثر .. طفولته الصعبة قلصت بشدة ثقته بالآخرين .. وجعلته يكشر عن أنيابه لأن تعرض أحد أفراد عائلته للأذى
تمتمت أماني :- لقد لاحظت هذا جيدا
:- ولكنك لم تفهميه .. عندما رحل والده كان مجرد طفل صغير في العاشرة من عمره .. وجد نفسه مسؤولا عن والدة وشقيقتين صغيرتين .. لقد عانت تلك العائلة الكثير من الناس ..والمجتمع الذي لم يتركها في حالها أو يسامحها على فعلة الأب الهارب .. لقد حاصرها الدائنون .. والطامعون من الأقارب .. وكانت صدمة أكبر عندما وجد أمه تعاني من اضطهاد عائلتها .. أرادو منها مغادرة منزلها وبيعه لتسديد ديون زوجها .. وحاولو إجبارها على رمي أطفالها والحصول على الطلاق كي تتزوج بآخر يتحمل عنهم مسؤوليتها .. ولكنها رفضت بشجاعة ووقفت في وجه أساليبهم العنيفة أحيانا .. دون أن يحميها أحد سوى ذلك الابن الصغير
كانت أماني قد سمعت بالقصة مرارا .. وفي كل مرة كانت تتجاهل اكتشافها وجود إنسان خلف ذلك الوجه القاسي تالذي يحمله رئيسها .. رافضة التعاطف معه .. ولكنها لم تستطع هذه المرة ألا تتخيل الطفل الصغير الأسمر الذي لم يتجاوز العاشرة .. وقد وجد نفسه عاجزا عن حماية أمه أمام تعرضها للأذى
ابتسمت سمر بحنان قائلة :- كنت صديقته المفضلة لسنوات بسبب تقارب أعمارنا .. جعل العناية بي مهمة له بالرغم من صغر سنه .. فوقف في وجه أبي عندما أراد تزويجي لأحد معارفه الأثرياء وأنا لم أغادر مقاعد الدراسة بعد .. لم يقبل هشام أن يتكرر معي ما حدث لأمه. فقد تزوجت صغيرة جدا .. وعندما وجدت نفسها وحيدة بلا معيل .. لم تمتلك أي مؤهل يساعدها على إيجاد وظيفة .. لولاه ما وجدت القوة لمواجهة أبي ورفض الزواج .. والإصرار على متابعة الدراسة ثم الزواج بزهير .. هكذا ترين سبب اهتمامه بي وسعيه الدائم لحمايتي
لم ترغب أماني بسماع هذه القصة المؤثرة .. فآخر ما تريده هو أن تتوقف عن كره ذلك الرجل .. وهي واثقة بأنه لن يكون مسرورا بدوره إن عرف بأنها قد سمعت الجانب التعس والمرير من حياته .قالت بضيق :- ولكنني لم أمنحه سببا واحدا ليخاف مني
هزت سمر رأسها متفهمة وهي تقول :- إنه أصلك الثري .. لقد نجح هشام بعد كفاح طويل وحقق من الصفر ثروة طائلة .. ولكن حقدا دفينا ظل داخله اتجاه كل فرع منحدر من أصل ثري .. لأن والده كان من ذلك النوع الذي ولد وفي فمه ملعقة من الذهب .. حصل دائما على كل ما أراد .. وعندما وجد نفسه عاجزا وفاقدا لموارده بسبب تهوره وطيشه لجأ إلى الهرب بأموال غيره .. لم يسامحه هشام أبدا على فعلته .. وعلى العار الذي ألحقه بعائلته بسبب طمعه الشديد .. بطريقة ما .. يرى هشام فيك ارتباطا بوالده .. ولكنه مخطئ ويجب أن يعرف هذا .. أنا متأكدة بأنه سيغير رأيه عندما أخبره بحقيقة ما يحدث معك .
هتفت أماني بحدة :- إياك أن تخبريه بشيء .. لا أريد شفقته .. خروجي من شقتك كان سيحدث عاجلا أم آجلا .. أنا لا أمتلك الآن سوى كرامتي وكبريائي .. ولن أفرط بهما مهما كانت ظنون ابن أختك بي سيئة .
نظرت إليها سمر للحظات متأملة .. ثم هزت كتفيها قائلة :- تناولي العشاء معنا على الأقل .. ثم سيوصلك زهير بنفسه
لم تعترض أماني على عرض سمر .. فلا مانع لديها من بعض الصحبة قبل أن تبدأ مشوارها الحقيقي .. وحدها تماما هذه المرة .










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-16, 19:31   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lida laz مشاهدة المشاركة
أنا من محبي الروايات كثيرا
شكراااااااااااااا جزيييييييييييييييلا لك



العفووو









رد مع اقتباس
قديم 2015-06-20, 19:06   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
دمعة الامل
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية دمعة الامل
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

في انتظار التكملة
موافقة حبيبتي










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-21, 12:37   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دمعة الامل مشاهدة المشاركة
في انتظار التكملة
موافقة حبيبتي


ان شاء الله

في الطريق










رد مع اقتباس
قديم 2015-06-21, 12:39   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
ithran sara
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية ithran sara
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل السادس عشر
فوق السحاب

اعتدلت جودي في وقفتها حيث كانت مستندة إلى سيارتها بترقب وقلق .. راقبت الشاحنة الصغيرة المتسخة تقترب .. لتتوقف أمام سيارتها تماما .. عرفت بأنه هو من التحفز الغريب الذي أصاب حواسها .. قفز من السيارة برشاقة .. فانعكست أشعة الشمس على شعره القاتم المصفف بعناية وعلى النظارات السوداء الأنيقة التي أخفت عينيه .. حبست أنفاسها للحظات وهي تتأمل مبهورة هيئته الجذابة .. سروال من الجينز وسترة جلدية سوداء فوق قميص ناصع البياض .. كان ارتباكها يزيد مع اقترابه المستمر منها .. حمدت الله على أنها ارتدت بدورها نظارة سوداء كبيرة أخفت تعابير القلق التي علت وجهها .. وصل إليها وهو يقول مبتسما :- أرجو ألا تكوني قد انتظرت طويلا
تمتمت بوجوم :- لا . ليس كثيرا
اتكأ على سيارتها بتكاسل .. وأحست بنظراته من خلف الزجاج المعتم تجري فوقها بتقييم سريع تتأمل تنورتها الصوفية وقميصها الأخضر الأنيق .. وحذائها العالي الرقبة .. ثم ابتسم برضا .. فشعرت بالسخط لاهتمامها الشديد بمظهرها .. لقد بدلت ملابسها عدة مرات حتى استقر رأيها على ملابس تتسم بالأناقة والبساطة .. وهاهو يعرف الآن بأنها قد تأنقت لأجله .. قال بلطف :- تسرني رؤيتك مجددا يا جودي
قالت بوجوم :- لم أكن متأكدة من قدومي
قال باسما :- أنا واثق من هذا .. تبدين جميلة للغاية
نظرت إلى سيارته لتخفي شعورها بالخجل وقالت :- أهذه سيارتك ؟
قال بفخر واضح :- بالتأكيد .. أعرفك إلى أول سيارة اشتريتها منذ عدت إلى الوطن
قالت ساخرة :- كان رأسك لينفجر من الغرور لو أنها كانت أنظف قليلا
سار معها بطء نحو الشاحنة الصغيرة التي غطى الغبار لونها الأزرق وهو يقول :-
:- كنت لأنظفها قليلا قبل لقائي بك .. لكنني لم أرغب بوجود أي ادعاء أو تظاهر بينا .. أحببت أن تتعرفي إلى تمام الحقيقي
قالت مداعبة :- تمام محفوظ الوسخ
قال ساخرا :- إن غسلت السيارة بنفسي كل مرة .. تركت المطر بدون عمل
فتح باب المقعد الأمامي منحنيا باحترام متهكم :- هلا تفضلت يا آنستي العزيزة
قالت مترددة :- هل من الضروري أن أفعل ؟
:- ليس ضروريا إن استعملنا سيارتك .. فمشوارنا ليس قريبا
أسرعت تقول :- سنستعمل سيارتك .. لم أركب شاحنة صغيرة من قبل
آخر ما تريده هو أن يتعرف أحدهم إلى سيارتها ويشاهدها برفقة رجل غريب .. أقفل الباب إلى جانبها بهدوء .. سألته عندما استقر في مقعده :- إلى أين سنذهب ؟
الفضول الطفولي في صوتها أضحكه .. قال :- سآخذك إلى مكان لطيف نتناول فيه الغداء
عندما انطلقت السيارة ركز اهتمامه في الدقائق الأولى على قيادته .. فتمكنت من تأمله بحرية وشغف .. لقد افتقدت رؤيته حقا خلال الأسابيع الماضية ولم تستطع تفسير شوقها إلى رجل بالكاد تعرفه .. رائحة عطره كانت زكية ورجولية .. تغلغلت داخل حواسها لتنشر الدفء في أوصالها .. نظر إليها بغتة فضبطها تراقبه .. تورد وجهها وأشاحت بنظرها بعيدا .. فابتسم دون أن يقول شيئا .. بل مد يده نحو جهاز التسجيل الحديث لتنساب ألحان جميلة لموسيقى غربية .. تمتمت لتحارب ارتباكها :- أما زال المكان بعيدا ؟
:- هل مللت صحبتي بهذه السرعة ؟
لا .. ولكنها لاحظت بأنهما قد غادرا المدينة منذ دقائق .. شعرت بالقلق والتوتر .. ولكنها لم ترغب بإظهارهما .. فقالت :- سأفعل إن ظللت صامتا لمدة أطول
منحها ابتسامة اعتذار وهو يقول :- أنا آسف .. أردتك أن تسترخي قليلا .. كنت تبدين وكأنك خائفة من أن ألتهمك
ألقى نحوها نظرة عابرة ثم تابع :- ليس هناك ما يستوجب قلقك مني يا جودي .. لا أنوي إيذائك .. أرغب قط بمنحك وقتا ممتعا
قالت بهدوء :- لست قلقة .. بل متوترة .. لم يسبق لي أن قمت بعمل متهور مماثل دون تخطيط وصحبة رجل غريب
قال برقة :- ولكنني لم أعد غريبا .. أليس كذلك ؟
تردت للحظات ثم تمتمت :- أظن هذا
ثم قالت بعد فترة صمت :- ماذا عن عملك ؟ أليس لديك ما تقوم به غير الترويح عن الفتيات المكتئبات ؟
ضحك قائلا :- لدي ما أقوم به بالتأكيد .. ولكن عملي ليس مقيدا .. كما أنني لا أروح عادة عن أي فتاة مكتئبة
نظر إليها فلمحت لمعان الإعجاب في عينيه وهو يقول :- بهذا الإشراق والتألق الذي تبدين فيه اليوم لا تشبهين أبدا الفتاة الحزينة التي كلمتها مساء الأمس
رفعت قائلة بغرور:- لقد كانت نوبة عابرة .. أنا دائما متألقة
ضحك مجددا فدغدغت ضحكته حواسها وجعلت قلبها يخفق بقوة .. مد يده ليداعب وجنتها بحركة فاجأتها .. أعاد يده فوق المقود وهو يقول :- ألم تعلن نتائج الامتحانات بعد ؟
اندمجت في حديث ممتع معه حول الجامعة وسياسة التعليم فيها .. بينما حكى لها عن دراسته والسنوات التي قضاها في الجامعة .. عرفت بأنه حائز على إجازة في إدارة الأعمال ..ففكرت باستغراب بأن انتهاء الطريق به إلى عازف غيتار بسيط خسارة لشخص بمؤهلاته .. رغبت في الاستفسار عن الأمر .. ولكنها لم تستطع .. فعلاقتهما الوليدة لا تسمح لها بمناقشته في أهداف حياته .. عندما عادت تتأمل المشاهد الطبيعية من خلف زجاج النافذة .. سألته بدهشة :-
:- هل نحن متجهان إلى الجبل ؟
:- ألا تحبين المكان ؟
بالتأكيد تحب المدينة الصغيرة الواقعة فوق الجبل .. معظم سكان المدينة يقضون أشهر الصيف فيها .. ولكن في هذا الوقت من السنة تكون الجبال مغطاة بالثلوج .. والبرد غير محتمل .. صارحته بأفكارها فقال :- يكون المكان مكتظ في الصيف .. أما في هذا الوقت .. فالمدينة ستكون ملكا لنا
غمز بعينه وهو يقول :- لا تدعي البرد يقلقك .. سأدفئك بنفسي لو دعت الحاجة
تورد وجهها وفضلت التزام الصمت بقية الطريق .. لم تكن ممن يصيبهم الدوار في الطرق الجبلية .. لذلك استمتعت تماما بالطبيعة الساحرة والمنحدرات الصعبة التي كساهما اللونين الأخضر والأبيض .. والأشجار العارية
أوقف السيارة أخيرا إلى جانب الطريق وهو يقول :- لحسن الحظ الجو صحو هذا النهار .. كان الضباب ليصنع مشكلة لنا
فتح الباب وقفز خارجا فتبعته .. ولدهشتها لم تشعر بالضيق لبرودة الجو كما ظنت .. بل أحست بالانتعاش عندما تنفست الهواء البارد .. تبعته نحو حافة المنحدر ووقفت إلى جانبه وهي تضم معطفها إليها .. تأملا معا المشهد الساحر بصمت قطعته هي قائلة :- لطالما أحببت زيارة هذه المدينة بين الحين والآخر ..ولكنني لم أفكر بزيارتها في الشتاء
قال بانتشاء :- سمني غريب الأطوار ولكن مشهد الجبال العارية المغطاة بالثلوج يستهويني .. في العام الماضي قضيت إجازة رأس السنة في شقة صغيرة هنا بدون أي وسيلة تدفئة فقط كي أحظى بالجمال والسكون
أطلقت ضحكة قصيرة وهي تحدق فيه مستغربة وقالت :- أنت مجنون
منحها ابتسامة عريضة ومتألقة وهو يقول :- ألا يجعلني هذا مميزا
عاد أدراجه إلى السيارة قائلا :- لقد وعدتك بغداء .. هل تذكرين ؟
راقبته يتناول من القسم الخلفي للسيارة حقيبة من النوع الحافظ للحرارة .. وحصيرة رحلات .. فقالت مذهولة :- هل سنأكل هنا ؟
:- متى كانت آخر مرة قمت فيها بنزهة في الهواء الطلق؟
ثم نظر إلى عينيها قائلا :- كما أنك أفهمتني وبوضوح ليلة الأمس قلقك من ظهورنا معا أمام الناس
شعرت بالحرج وتمتمت :- لن يكون هذا مناسبا بما أنني مخطوبة لرجل آخر
عبس وقال بانزعاج :- لست مضطرة لتذكيري بهذا
ندمت فورا لذكرها طارق .. فقد عاد إليها الشعور بالذنب لوجودها مع رجل غيره في مكان نائي وساحر .. واستمتاعها بوقتها .. أطرقت فاقترب منها وكأنه قد قرأ افكارها وقال برقة :- لن أسمح لأي شيء بإفساد هذا النهار علينا
رفعت وجهها ونظرت إليه .. فالتقت أعينهما للحظات جعلت قلبها يرتعش بشعور دافئ لذيذ
ابتسم عندما قرأ مشاعرها المضطربة .. ومد يده إليها بالحصيرة قائلا :- فلتقومي بنصيبك من العمل
ابتسمت وتناولت الحصيرة لتبسطها على الأرض قريبا من الحافة .. جلسا بارتياح .. وانهمك تمام بإخراج أطباق ورقية مغطاة .. وزعها أمامها بترتيب .. تأملت بدهشة السلطة والشطائر الساخنة .. وشرائح الدجاج والمقبلات . حتى أنه لم يغفل عن الحلوى والعصير .. ضحكت قائلة :- هذا الطعام معد ليكفي خمسة أشخاص على الأقل
عبس متظاهرا بالضيق وقال :- بما أنني أتمتع اليوم بشهية أربعة أشخاص .. فبالكاد سيكفينا الطعام
تناولا الطعام وهما يتحدثان بمرح حول كل شيء .. دفعها للضحك عدة مرات .. ونجح في نزع كل قلق أو توتر كانت تشعر به .. تحدثت بإسهاب عن نفسها .. عائلتها وأصدقائها .. وعندما ذكت اسم أماني صمتت .. وقد أطل الحزن مكن عينيها .. شجعها بلطف على الحديث عن الأمر فاستجابت له .. لقد كان حتى الآن مستمعا متفهما ومتحدثا بارعا .. استمع إليها حتى النهاية دون أن يقاطعها .. وعندما صمتت تمتم :- لها الحق في أن تغضب يا جودي .. الموقف كله محرج ومهين .. وجارح للغاية
قالت متألمة :- أعرف هذا جيدا .. وأنا السبب
:- لا تلومي نفسك .. لقد فعلت ما ظنته صوابا .. لم يكن بمقدورك خذلان والدك المريض .. لابد أنك قد اقتنعت في النهاية بأنها لن تتزوج بابن عمك مهما كانت النتيجة
لاحت على شفتيه ابتسامة باهتة وهو يقول :- تعجبني ثقتها بنفسها وإصرارها على فعل ما تريد .. بغض النظر عن رأي المجتمع أو ضغوط والدها وعائلتها .. إنها شخصية فريدة ومميزة .. أظنني متشوق لتعرف إليها
اشتعلت غيرة خفية داخلها من فكرة لقاء تمام بشقيقتها الكبرى .. لابد أنهما سيتفاهمان جيدا .. فكلاهما رومانسي متمرد .. مميز بطريقته الخاصة
تمتمت بتعاسة :- إنني أفوقك شوقا للقائها هذه الأيام .. فهي ترفض حتى التحدث إلي ..أنا لا أعرف حتى كيف تتدبر أمورها أو أين تقيم
كان تمام ممددا إلى جوارها فوق الحصيرة متكئا على مرفقه وهو ينظر إليها بإمعان .. ثم تجاوز المسافة بينهما بيده ليربت على يدها مما أجفلها .. شعرت بأحاسيس مختلفة لملمس يدها الناعمة والباردة على بشرتها .. ولكنها لم تسحبها .. قال بهدوء :- إياك أن تستسلمي يا جودي .. إنها بحاجة إليك .. وإلى دعمك مهما حاولت الإنكار .. فأنت عائلتها الوحيدة . تابعي المحاولة مرة بعد مرة وستسامحك في النهاية
كانت بحاجة إلى كلماته المشجعة بعد الإحباط الذي بثه فيها طارق نهار الأمس .. فهمست :- أشكرك
اعتدل جالسا وهو يقول :- على ماذا ؟ لا أريدك أن تفسدي علا قتك بأختك .. أتمنى لو كان لدي أخ أو أخت لكانت الحياة أجمل بالتأكيد
سألته بفضول :-
ألا تشعر بالوحدة هنا بعيدا عن عائلتك ؟
لاحظت سحابة الكآبة التي ظللت عينيه وهو يقول :- بالتأكيد .. يحاول أقربائي الموجودون هنا التعويض علي بطرق مختلفة .. دعوات .. زيارات .. اقتراحات زواج .. ولكن ما أريده حقا هو أن يعود والدي إلى هنا بشكل نهائي .. في كل مرة أتحدث فيها إليهما يتعهدان بالعودة مع نهاية العام .. ولكن السنوات مرت .. وهما عالقان هناك
نظر إليها وعلى شفتيه ابتسامة جانبية خفيفة وقال :- هذا الضعف ليس بالضبط ما توقعته من رجل واثق من نفسه مثلي .. صحيح ؟
قالت بلطف :- أعتقد بـأن مشاعرك اتجاه عائلتك نبيلة للغاية .. لابد أنهما يفوقانك شوقا إليك بما أنك ابنهما الوحيد
التقت نظراتهما مجددا .. في تلك اللحظات .. حدث شيء بينهما .. نوع من التواصل الصامت العميق
أحست جودي بأنه قادر بعينيه المظللتين بأن يخترق كيانها .. ويلمس أعمق أحاسيسها .. حررت عينيها بصعوبة .. فتنحنح معتدلا وهو يقول :- ما رأيك بجمع هذه الأشياء والسير قليلا ؟
أومأت برأسها موافقة .. وساعدته بإعادة الأغراض إلى السيارة .. ثم بدآ بالسير البطيء بمحاذاة الطريق المعبد .. لفهما صمت مقدس لم يقطعه إلا أصوات الطبيعة الهادئة .. ونفير بعيد لسيارة أو اثنتين .. كل منهما كان يحتل أفكار الآخر بشكل تام .. تساءلت جودي عن حقيقة مشاعرها اتجاه تمام .. هاهي تقضي معه نهارا كاملا في مكان ساحر بعيد .. يفضي كل منهما بأسراره إلى الآخر .. وألفة غريبة تبدأ بالتشكل بينهما .. تسرب شوقا خبيثا في نفسيهما .. شوق مثي .. خطر .. ومحرم
كان كل منهما غارقا في أفكاره .. لم يسمعا هدير الشاحنة الضخمة التي بدأت تقترب منهما حتى دوى صوت البوق يزعق بهما بصخب .. انتفضت جودي واستدارت نحو الوحش الآلي الضخم الذي استمر في سرعته الجنونية نحوهما متوقعة منهما الابتعاد السريع ..هذا الاستيقاظ المفاجئ من أفكارها ومخاوفها سمرها مكانها .. فلم تشعر إلا بتمام يدفعها بعنف بعيدا عن طريق الشاحنة
صرخت مذعورة عندما سقطا معا وتدحرجا فوق الأرض الرطبة لجانب الطريق .. مرت الشاحنة حتى دون أن تخفف من سرعتها .. قفز تمام معتدلا بسرعة وهو يمسك بها قائلا بقلق :- هل أنت بخير ؟ عل أصابك مكروه ؟
أحست بكل جزء من جسدها يصرخ بألم .. ولكنها عرفت بأن آلامها سطحية وناتجة عن رضوض بسيطة لا أكثر.. نظرت إلى وجهه القريب للغاية منها .. بينما كانت ماتزال ممددة على الأرض دون أن تصحو بعد من الصدمة .. كرر سؤاله بحدة هذه المرة .. عجزت للحظات عن الإجابة وقد أخرسها إحساسها المركز نحو جسده المطل فوقها .. ثم همست أخيرا باضطراب :- أظنني .. بخير
أمسك بيدها وساعدها على الجلوس فلاحظت وجهه الشاحب .. وأدركت الخوف الرهيب الذي عرضته له عندما كادت تخسر حياتها تحت العجلات الضخمة للشاحنة .. وجدت ضرورة لتهدئته .. فشدت بيدها على يده قائلة :- أنا بخير .. حقا
ولكنه لم يهدأ .. إذ ظهرت في عينيه مشاعر عنيفة وهو يمسك بوجهها بين يديه ويقول :-
:- لقد كدت أخسرك .. هل تفهمين ما يعنيه هذا ؟
همست :- ولكنك لم تخسرني .. ولن تفعل
نظر إلى كل جزء من وجهها الجميل والناعم ... وقال بخفوت :- هل تعدينني بهذا ؟
اضطربت .. وعجزت عن التفوه بكلمة .. دفء اللحظة والمشاعر الجمة التي تشاطراها خلال الغداء .. خلال الخوف الذي عصف بهما قبل لحظات .. جعلاها تنسى الواقع .. الواقع الذي يقف بينهما ويجعل وجودهما معا خطأ كبيرا
بينما كان قريبا منها .. يحيطها بذراعيه ليحميها من أي أذى .. ويتأكد بأنها بخير .. أرادت أن يتوقف الزمنت .. وتستمر في النظر إلى وجهه الوسيم .. إلى عينيه الدافئتين .. وشفتيه الجميلتين .. ياإلهي ما الذي يحدث ؟
أحست بأنفاسها تتلاحق بإثارة وترقب بينما كان يقترب منها أكثر وأكثر .. سيقبلها .. يجب أن تمنعه بأي طريقة .. مدت يدبها إليه تريد دفعه عنها .. ولكنهما استقرتا فوق صدره . . لتشعر بنبضات قلبه تدوي بصخب .. تخللت أصابعه شعرها الناعم بمداعبة رقيقة أذابت كل مقاومتها .. فأغمضت عينيها مستسلمة لملمس شفتيه على شفتيها
بالنسبة لفتة تنال قبلتها الأولى .. لم يكن رد فعلها طبيعيا .. لم تشعر بالخوف او بالرفض .. بل كانت كمن انتظر شيئا لسنوات طويلة دون ان يعرف ما يكون .. ثم وجده أخيرا
جرت الدماء ساخنة في عروقها لتنسيها البرد القارص المحيط بهما .. انتابها في البداية دوار خفيف وضياع تاهت فيه عما حولها .. ثم اتضحت لها مشاعرها لأخيرا .. إنها تريده بكل قسوة وألم .. اقتربت منه فازدادت قبلته حرارة وشغفا .. شدها إليه لتلتصق به وتشعر الصلب يرتعش من الرغبة .. خرج اسمه من بين شفتيها أشبه بآهة استغاثة ضعيفة .. ولكنها كانت كافية لتعيده إلى الواقع .. رفع رأسه ونظر لاهثا إلى وجهها المتورد .. أهدابها المنسدلة بإثارة .. كانت عيناها اللامعتان تطلبان المزيد .. وتغريه بالتمادي .. ولكنه ابتعد فجأة وهو يقول بصوت مرتعش :- هل أنت مدركة لما تفعلينه بي ؟
أفاقت في تلك اللحظة .. وهبطت أخيرا إلى أرض الواقع .. رمشت بعينيها للحظات كي تتأكد بأن ما حصل لم يكن حلما .. يا إلهي .. لم تكن تحلم
نهض واقفا أما نظراتها المصدومة ومد يده إليها قائلا :- من الأفضل أن نعود قبل أن يحل الظلام
لم تعرف كيف وجدت القوة كي تتجاهل يده الممدودة .. وتقف وهي تمرر يدها خلال شعرها ترتبه محاولة التتغلب على اضطرابها .. لاحظ ارتعاشها فتلوى خارجا من معطفه .. ووضعه على كتفيها رغم تأكده بأن البرد لم يكن سبب ارتعاشها .. فلم تعترض .. ولكنها سبقته إلى السيارة دون أن تقول كلمة
بذلت جهدا كبيرا كي لا تبكي خلال طريق العودة حيث ساد صمت ثقيل بينهما .. تذكرت ما حدث غير مصدقة .. لقد قبلها .. قبلها حقا .. وقد بادلته القبلة بكل أحاسيسها وكيانها .. بينما هو مجرد رجل غريب لم يمر على لقائها به أكثر من أسابيع قليلة ..لابد أنها يظنها بعد ما حدث فتاة سهلة المنال .. مستهترة .. مستعدة للتورط مع أي شاب وسيم يتحرش بها .. أما الحقيقة فهي أنها مجرد فتاة ساذجة لا تجارب لها .. تعيش للمرة الأولى أحاسيس بدائية وقوية كهذه .. أثارها فيها رجل بدت خبرته في المجال العاطفي واضحة ..بالتأكيد لم تكن اول امرأة يقبلها بذلك الشغف والإحساس .. ويلقنها مبادئ الحب والجاذبية في الوقت الذي توشك فيه على الزواج من رجل آخر .. يا إلهي .. لقد نسيت أمر طارق تماما .
أدارت وجهها نحو النافذة ومسحت دموع المرارة من عينيها قبل أن يراها تمام
لماذا لا يثير طارق فيها أي شيء من تلك المشاعر الجياشة التي عرفتها مع تمام ؟ لماذا لا يدفعها وجوده للتصرف بتهور واندفاع .. وكيف لها أن تعرف إذا كان طارق يعاملها باستمرار بحرص وتهذيب وكأنها قطعة ثمينة من الكريستال يخشى أن تنكسر .. لم يقترب منها يوما أو يقلل من احترامها .. لم يظهر إلا الإعجاب المتعقل .. ولماذا يفعل إن كانت ستصبح له في نهاية المطاف ؟ ربما لو أظهر لها بعض الحب والشغف لما بحثت عنهما في مكان آخر .. يا سلام .. ها هي تحمل طارق مجددا مسؤولية تهورها وخيانتها ..
وصلا إلى المدينة مع حلول الظلام . .نظرت عبر النافذة بشرود .. كل ما تريده الآن هو أن تعود إلى البيت .. وتخفي نفسها عن بقية البشر حتى تموت مع عارها
كانت شاردة الذهن .. حتى أنها لم تفطن إلى تجاوز تمام للمنعطف المؤدي إلى الجامعة حيث أوقفت سيارتها .. لم تشعر إلا بالسيارة تتوقف .. ولكن في مكان بعيد تماما .. نظرت حولهما بتوتر .. ولاحظت الشارع المزدحم الذي تراصت على جانبيه المتاجر المختلفة .. وتكدست أرصفته بالبشر من جميع الأعمار والأصناف .. ما الذي يفعلانه في وسط المدينة ؟ نظرت إليه لتسأله .. فارتجف قلبها عندما وجدته ينظر إليها صامتا .. فعقد لسانها .. ولم تستطع التفوه بحرف . أسبلت عينيها لتتحاشى نظراته.. فسمعته يقول :- أعرف سبب غضبك وانزعاجك .. ما حدث بيننا فوق الجبل لم يكن مخططا له من قبلي يا جودي .. أقسم لك على هذا
أجفلت عندما أمسك بيدها بحزم قائلا :- انظري إلي يا جودي
نظرت إليه مترددة فوجدت عينيه تشعان بالندم الصادق وهو يقول :- أكن لك الكثير من الإعجاب والاحترام يا جودي .. ولا أفكر بإهانتك والتقليل من شأنك بأي طريقة .. لم أخطط للمسك .. ليس في هذه المرحلة من تعارفنا على الأقل بينما أنا أسعى لكسب ثقتك
ثم داعبت شفتيه ابتسامة باهتة وهو يقول :- ولكنني لم أستطع التحكم بمشاعري .. في تلك اللحظة استحوذت على فكرة أنني كدت أفقدك تحت عجلات تلك الشاحنة .. وعندما نظرت إليك ....
زفر بقوة وهو يترك يدها ليشد بأصابعه فوق المقود قائلا بتوتر :- لم يخالجني هذا أبدا مع أي امرأة .. هناك ما يربطني بك ويشدني إليك ولا أستطيع تفسيره ..ولكنني أحسست به منذ لقائنا الأول ..
نظر إليها وكأنه ينتظر تعليقها .. ولكنها كانت تركز بصرها على الشارع المزدحم أمامها .. سمعته يقول :- لن أسمح لما حدث بأن يفسد يومنا ..أريد أن أسمعك تقولين بأنك قد سامحتني
ارتبكت وأحست بتشوش في أفكارها .. منذ دقائق كانت غاضبة ومحرجة .. وتقسم بأغلظ الأيمان على ألا تراه مجددا .. أما الآن فهي تفهمه ..لأنها بدورها تتصرف بغرابة وتفقد سيطرتها على أفعالها في وجوده .. هناك ما يجمع بينهما يخفها ويجذبها في آن واحد .. ترغب في الهرب منه ولكنها لا تحتمل فكرة عدم رؤيته مجددا .. تمتمت أخيرا :-
:- ما الذي نفعله هنا ؟
قال ببساطة :- أنا أقيم هنا
التفتت إليه بحدة فقهقه عاليا مستمتعا بنظرتها العدائية وهو يقول :- هذه النظرة في عينيك لا تقدر بثمن .. هل ظننت بأنني أحضرتك إلى هنا كي أكمل ما بدأته ؟ ما الذي كنا أقوله منذ الصباح ؟.
اقترب منها وتناول كفها الباردة .. دلكها بلطف وهو ينظر إلى خطوطها الناعمة .. فبثت دفئا غريبا داخل جودي .. وذكرها بالأحاسيس العاصفة التي بثها داخلها عندما احتضنها بين ذراعيه .. ارتعشت لحرارة الذكرى .. ولكنها لم تستطع حمل نفسها على سحب يدها بعيدا عنه .. رفع عينيه إليها فحبست أنفاسها .. لقد بدا لها وسيما للغاية .. وقد ظلل الظلام وجهه وانعكست أضواء المتاجر في عينيه العميقتين .. قال بصوت منخفض مثير :- لقد كنت واضحا معك يا جودي .. أنا أريدك .. ولكن يجب أنت تأتي أت إلي .. برغبتك الحرة يا عزيزتي
ابتلعت ريقها باضطراب .. يا إلهي .. لماذا لا تستطيع مقاومته ؟ أو الابتعاد عنه ؟ هل وقعت في حبه ؟
صدمتها الفكرة .. ولكن تمام لم يترك لها الفرصة لتتمادى في أفكارها .. إذ اعتدل وهو يشير إلى نقطة ما في الخارج :- هل ترين ذلك المبنى حيث يقع متجر الأحذية النسائية ؟ أنا أقيم هناك .. في الطابق الرابع .. إن رغيت في زيارتي يوما فأنت تعرفين الآن أين أقيم
ثم ابتسم ساخرا وهو يقول :- قبل أن تتساءلي .. ليس ليس السبب في إحضاري لك إلى هنا هو إرشادك إلى بيتي .. انظري إلى ذلك المتجر في الزاوية
كان متجرا صغيرا لبيع التحف .. :- أريد مساعدتك في اختيار لوحة تناسب مكتبا أنيقا .. لقد كلفت بهذه المهمة وأحتاج إلى رأي خبيرة مثلك
سألته بفضول :- هل كلفك مديرك بهذه المهمة ؟
كرر حائرا :- مديري ؟
:- نعم .. صاحب المطعم الذي تعمل فيه كعازف جيتار
اختفت حيرته وابتسم بغموض قائلا :- هذا صحيح .. بالنسبة إليه .. كوني فنانا يجعل مني خبيرا في جميع أنواع الفنون
ابتسمت قائلة :- أحب أن أساعدك
منحها ابتسامة ساحرة وهو يتأمل وجهها الجميل بدفء .. ثم حثها على الترجل من السيارة
وبينما هما يقطعان الشارع .. لم تتردد في منحه يدها .. وقد تلاشى للحظة كل ما كان يتصارع داخلها من شك وريبة وخوف










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أدبي, الروايات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:04

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc