ونرجو من السائل أن يراجع الكتاب بتمامه
في هذا الرابط
https://almunajjid.com/295
أما إذا كان المقصود من الدعوى الواردة في السؤال مقام التجديد في تنزيل نصوص الوحي على المستجدات في زماننا، ومقام التحرك الحي بكل الجزئيات والتفاصيل التي تخدم مقاصد القرآن والسنة وثوابتهما
وتعظم شعائرهما ، وشعائر الشرع عامة ، وتحمل على الوقوف عند الأمر والنهي الشرعيين ، مع مراعاة تغير الزمان والمكان والحال في مسائل الاجتهاد والنظر المصلحي
فيما لم يأت بشأنه نص خاص ، وتفهم فلسفته ورسالته بما يعالج هموم الإنسان الحديث
ويمكنه من ترسيخ التشريعات التي هي مراد الله من عباده، فهذا مقصد صحيح كلنا نسعى إليه، ويقره جميع العلماء، ويجتهد في تحقيقه جميع المجتهدون في الأزمنة والعصور .
يبحثون - مثلا - عما يمكن تحقيقه وتنزيله من قيمة "الصدق" في متغيرات مجتمعهم، وما يمثله الإيمان بالغيب والبعث والنشور من فلسفة متكاملة تعالج هموم العصر وآفات الزمان
والأثر الكبير في تحقيق العدالة في شرائع الناس وأحكامهم ، إذا تبنت دساتيرهم وقوانينهم قواعد فقه العدالة والرحمة، ومقاصد الشريعة الخاتمة، وما تحت هذه الأمثلة وغيرها
من تفاصيل لا حصر لها، كلها مقاصد نبيلة، ومعان صحيحة، ندعو إليها جميعا، كما دعت إليها الشريعة الإسلامية نفسها، حين انطوت في داخلها على عوامل صلاحيتها لكل
زمان ومكان، بما يؤهلها لمناسبة العصور، ويعين المجتهدين فيها على فهم سنن "التغيير"، وعدم الجمود على قوالب عرفية، الأمر الذي لا يدرك حقيقته إلا من فهم علم "أصول الفقه"
و"قواعد التفسير"، وفلسفة "عقيدة الإسلام" .
وهذا النوع من "إعادة التفسير" ينضبط لدى العلماء والمفسرين والفقهاء بضوابط عديدة، من أهمها:
1. التزام معيار الإجماع، فما أجمع عليه العلماء يبقى ثابتا لا يتغير ولا يتبدل، وما اختلف فيه العلماء يقبل النظر والتأمل، ويشكل المساحة المتاحة للتجديد.
2. التزام قواعد اللغة العربية، من جهة معاني المفردات، وفهم السياق العربي كما فهمه الأولون الذين نزل القرآن بلغتهم، واجتناب كل ما يخالف ضوابط اللغة والفهم العربي السليم.
3. النظر في جميع الأدلة الشرعية المقارنة للنص المفسر، وتفسير القرآن في ضوء القرآن نفسه، وفي ضوء السنة المطهرة وأقوال الصحابة والتابعين، فمصادر التشريع –
كما يبينها الأصوليون – عديدة، لا بد للمفسر من الاستعانة بها كي ينتج عنده الفهم السليم، وكي ينضبط اجتهاده بالمنهج الصحيح، وإلا خرج اجتهاده عن القصد والعدل.
4. ومن أهم ضوابط هذا النوع من "إعادة التفسير" أن يقوم به المؤهلون، الذين يجمعون بين العلم والتقوى، والذين يشهد لهم أهل العلم بالمعرفة والتخصصية وإتقان علوم الآلات وعلوم المقاصد
مع صلاح الدين ، واستحضار الخوف من الله سبحانه. وبهذا ينسد الباب على المتسورين على حرمات القرآن الكريم، المقتحمين أبواب العلم بالجهل، المتشبعين بما لم يُعْطَوْا من علوم النقل والعقل.
والله أعلم.