الأشراف الادارسة
ينتسب الاشراف الادارسة من السلالة الحسنية في اقطار الشمال الافريقي واواسط الجزيرة العربية إلى جدهم الشريف إدريس الأول ابن عبدالله الكامل المحض ابن الحسن المثنّى ابن الإمام الحسن السبط ابن الإمام علي بن ابي طالب عليهم السّلام. ونسل الشريف ادريس هذا منتشر بشكل هائل في تلك الاقطار وغيرها، ويعرفون بالاشراف الادارسة حيثما حلّوا.
والشريف إدريس هو ابن عمّ الشريف « إبراهيم طباطبا » ابن إسماعيل ابن إبراهيم الغَمر الأخ الاصغر لعبد الله المحض والد ادريس. وقد فرّ إبراهيم طباطبا من المدينة إلى بلاد الري في المشرق إثر قبض عمّال الخليفة العباسي المنصور الدوانيقي على ابيه وجده وإخوته وأعمامه وقتلهم شر قتلة في سجنه بالكوفة، فنجا إبراهيم في الري مكرماً وحظي هناك بالانصار والأتباع، واصبح فيها امامهم المطاع. وانتشر نسله في تلك الاصقاع وعُرفوا حيثما حلوا بـ « الطباطبائيّين »، فهم والادارسة ابناء عمومة. ولم يَسْلموا من فتك طغاة العباسيين الذين كانوا ينامون خوفاً من هاتين الاسرتين، بعد ان فتكوا بالفروع الأخرى من السلالتين الحسنية والحسينية بشتى الاساليب. وقد تحدث عنه بالتفصيل « الشريف الحسني محمد بن علي » في كتابه « العقود اللؤلؤيّة » في بعض انساب الاسر الحسنية صفحة 321 بما موجزه: « في عام 169 هـ قامت حركة اخرى لآل البيت بقيادة سيدنا الحسين بن علي بن الحسن المثلّث بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب عليه السّلام. وهذه الحركة أيضاً تمكن الجيش العباسي من القضاء عليها في يوم التروية الثامن من ذي الحجة عام 169هـ وتعرف بواقعة « فَخّ » ( بفتح أوله وتشديد ثانيه ) نسبة إلى وادي فخّ وهو الآن ضمن حدود « مكة المكرمة ». وقد قُتل مولانا إدريس الاول بن عبدالله الكامل المحض، أما قائد آل البيت في هذه المعركة فقد قُتل وقطع رأسه وأرسل إلى الخليفة العباسي موسى الهادي بن محمد المهدي. فلما قضي على هذه المعركة التي نجا فيها ادريس من مخالب الموت وكان الساعد الأيمن لقائده « ابي عبدالله الحسين بن علي » المتقدم ذكره إضافة إلى كونه ابن عم جده الحسن المثلث.. فقد تمكن راشد البربري مولى إدريس وأخوه في الرضاعة من الهرب به من وادي ( فخّ ) إلى مدينة يَنبُع متنكّرَين ومنها إلى ايلات، فالعقبة ثم إلى مصر ومنها إلى برقة فالقيروان ثم تلمسان ثم ملوية فالسوس فطنجة ثم وليلي بجنبها على سفح جبل « زهرون » التي استقر بها ومعه مولاه راشد الذي يحسن البريرية واستطاع ان يعرّف مولاه إدريساً إلى البربر على خير نحو، فوثقوا به والتفّوا حوله. ولما وجدوه من العلم على دراية وسيعة وفي فنون كثيرة منها إلى جانب رفعة نسبه إلى السلالة النبويّة والعلوية وما يتمتع به من الخصال الجليلة والمزايا النبيلة بايعوه، وفي مقدمتهم اميرهم إسحاق بن عبدالمجيد، واكرموه واتخذوه اماماً مفروض الطاعة. فاصبح بينهم الإمام ادريس الاول وتزوج من ابنة اميرهم المذكور واسمها « كنزة » التي أنجبت له ولده الوحيد « ادريس الثاني » دفين فاس الذي لم يَحظَ برؤية أبيه، وبدأ ولده ادريس الاول بنشر الإسلام في بلاد المغرب، وحارب الفرق الضالة، وانقادت له المدن والقبائل تباعاً موالين، وشرع بهم في التوسع جهة الشرق دون قتال، وانضمّت إليه المناطق الجنوبية طواعية، وانضم إليه بعض الولاة العباسيين وهرب آخرون، فشعر الخليفة العباسي هارون الرشيد بالخطر يدق ابوابه.. ويعلم ان ادريساً يحنّ لمسقط رأسه ( الحجاز ) وأنه ممن قاد الانتفاضات العلوية في المشرق ببراعة وتمكّن بمفرده ان يسود في المغرب.. فان تمكن من الوصول إلى المشرق فمعناه أفول دولة بني العباس، لوجود أعوان كثيرين له في الجيش العباسي، لذلك فكر الرشيد في حيلة يتخلص بها من هذا العلوي الذي أسس اول دولة علوية هاشمية لآل البيت دون أي معين غير الله سبحانه ومولاه راشد رحمه الله حققت طموحات العلويين بسهولة ويسر، فكلّف « الرشيد » أحدَ ثقاته المدعو « شماخ » بالوصول إلى ديوان ادريس والتظاهر بحب آل البيت والولاء لهم إلى ان تمكن من دسّ السم له واغتياله والقضاء عليه ودفن ادريس الاول بمدينة « وليلي » على رأس جبل زهرون قرب فاس. وقد حملت زوجته بابنه ادريس الثاني إلى ان ولدته ولم يَرَ والده. وتولى رعايته مولى ابيه راشد البربري وشد من ازره ووطد حكمه واخذ بيعة البربر له.
وبنى ادريس الثاني مدينة فاس، وضرب الدرهم الادريسي متّبعاً نهج والده. أمّا مولاه راشد فقد كاد له الخليفة العباسي هارون الرشيد حيث ارسل له من قتله وقضى عليه تمهيداً للقضاء على ادريس الثاني الذي برز للملأ في الشمال الافريقي بشكل ألمع من والده علماً وشجاعة وكرماً ونبلاً حتّى التفّت القبائل البربرية حوله بايمان صادق، كما التفّوا حول اولاده من بعده حيث كانوا خير أئمّة للمسلمين هناك.
وتوفي ادريس الثاني عن اثني عشر ولداً هم ( محمد وعلي وعيسى والقاسم ويحيى وعبدالله وادريس أو ( عمران ) وحمزة واحمد وداود وجعفر ) ومِثلهم من الاناث. وبارك الله سبحانه في نسله الذي انتشر في اقطار الشمال الإفريقي بشكل مبارك ملحوظ، وتباركت القبائل بها بالمصاهرة معهم والولاء لهم وصدق الايمان بهم. واستمر حكمهم لتلك الانحاء اكثر من قرنين مثّلت العهد الذهبي لهم في احسن وجه، من سواحل المتوسط إلى ساحل العاج. ولكن العناصر المعادية لهم بالتعاون مع ابناء عمومتهم العباسيين كانوا يفتكون بهم ما وسعهم المجال، مما حمل بعض الادارسة على الهجرة إلى مناطق شتى وأخفاء نسبهم الشريف خوفا من متابعتهم وقتلهم كما هو الحال بالنسبة للسفاح موسى بن أبى العافية ومجزرة وادي الشرفاء الشهيرة والمعروفة بكربلاء الادارسة ...................اللهم صلي على محمد وأل محمد