ساطع نور الدين
انها حرب أهلية
في الخطاب السوري الرسمي والمعارض نفي مطلق للحرب الاهلية. في الشارع تأكيد حاسم بأنها صارت أمرا واقعا وليس مجرد خطر يحذر منه الخارج او يخشاه.
الوقائع المتداولة والمثبتة عما يجري في المدن والأرياف السورية مرعبة، وهي تنبئ بان الفرز السكاني على الأسس الطائفية أوشك على الانتهاء وبات يفتح الباب لاحتمال الانتقال من الديموغرافيا الى الجغرافيا السورية. عمليات القتل والخطف على الهوية لم تعد حالات فردية ثأرية محدودة. وامتدادها الى العاصمة دمشق لا يدع مجالا للشك في ان سوريا دخلت النفق المظلم الذي سبق ان دخله لبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي وخرج منه بمعجزة لم تكتمل حتى الان .
اللغة التي يتحدث بها الشارع السوري مزدوجة ومتناقضة الى حد بعيد. معدل الانفعال والتوتر مرتفع جداً، بحيث بات يستحيل على النظام والمعارضة احتواءه. غالبه سياسي وسلمي لكنه اخترق بالسلاح، الذي يمضي قدما الى ملاقاة السلطة واجهزتها الأمنية في لعبة الحرب الاهلية المدمرة، باستخفاف غريب بالمخاطر والأثمان.
ليس من المتوقع ان يعترف النظام او المعارضة بان سوريا هي في حرب أهلية فعلية بلا مواربة. ما زال كثيرون من اللبنانيين يرفضون حتى الان الإقرار بان المذابح والتصفيات وعمليات التهجير كانت حربا اهلية بل هي خلاصة مؤامرة خارجية انتهكت الوجود اللبناني واستدعت حروب الاخرين على ارض لبنان.
لكن نفي النظام والمعارضة للحرب الاهلية الدائرة فعلا في سوريا اليوم، ينم عن رغبة متبادلة في استكشاف ذلك الخيار واستثماره الى الحد الأقصى. من جهة ثمة تهويل بالتجربة اللبنانية وتحذير من التجربة العراقية واستنفار للعصبية الطائفية الاخيرة، ومن الجهة الاخرى ثمة اطمئنان مخيف الى ان موازين القوى ونسب التوزيع الطائفي تضمن حسم هذا الخيار بسرعة فائقة، من دون حساب للأرواح التي تزهق والتهديدات التي ستصدع الاجتماع والكيان السوري لسنوات او حتى لعقود طويلة مقبلة.
التورط الرسمي والمعارض في ذلك الخيار يزداد سهولة وخطورة يوما بعد يوم. لم يعد هناك مجال كما يبدو لتكرار الحديث الممل عن التعايش والتفاهم والوحدة الوطنية والذي سبق ان كلف اللبنانيين اكثر من مئة الف قتيل، فقط لانهم كانوا يخدعون انفسهم ويرمون المسؤولية على الاخرين، عربا ومستعربين، إسرائيليين وأميركيين.. مع ان المشكلة كانت اولا واخيرا داخل البيت، ولا تزال.
في الخطاب الرسمي والمعارض قدر عجيب من الاستسهال لفكرة دموية مفادها ان القوة واختباراتها هي وحدها التي ستنهي الأزمة السورية.. بينما صار المطلوب والملح بالنسبة الى جميع الاخرين، بمن فيهم المتهمون بالتآمر المباشر على سوريا، هو وقف الحرب الاهلية بسرعة وبأي ثمن.. لان الاخبار الواردة من دمشق ومن مختلف الانحاء السورية، لم تعد تطاق ولم تعد تحتمل التأجيل.